رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الثامن والثلاثون
في قصر عائلة الجندي ،،،،،
عـــــادت ناريمان إلى القصر ، وإندفعت نحو الدرج وجسدها يرتجف بشدة بعد رؤيتها لتهاني ..
هاتفت مهـــاب لتخبره بأمرها ، ولكنه تجاهل إتصالاتها ، فإزداد توترها ، وبدت عصبية عن ذي قبل ..
اقتربت منها عفاف وسألتها بصوتها الدافيء بـ :
-أجهز العشا يا مدام
صرخت فيها ناريمان بإنفعال وهي تدفعها بيدها :
-لأ ، سبيني لوحدي ، مش عاوزة أشوف حد خالص !
نظرت لها عفاف بعتاب ، ثم أطرقت رأسها للأسفل ، وتراجعت بظهرها للخلف قائلة بضيق :
-حاضر يا هانم ، اللي تشوفيه !
ثم أكملت ناريمان صعودها على الدرج وهي تعض على أناملها من الخوف ..
ولجت إلى داخــل غرفتها ، وصفقت الباب بقوة خلفها ، وألقت بحقيبتها الصغيرة على الفراش ، ثم ضغطت على زر الإتصـــال بممدوح ، ووضعت الهاتف على أذنها ، وظلت تدور حول نفسها منتظرة رده عليها .. وحدثت نفسها قائلة بتوتر جلي :
-رد عليا إنت كمــان ، رد !
نظرت إلى هاتفها بعد أن أبعدته عن أذنها بحنق ، ووجدت إتصالاً يردها من هياتم ، فزفرت في ضيق وهي تقول :
-مش وقتك خالص !
ثم اضطرت أن تجيب عليها حينما لم تتوقف إتصالاتها المتتالية ..
فقالت متذمرة :
-ايوه يا هياتم ، أنا مش آآ....
قاطعتها هياتم بصوت متلهف قائلة :
-مدام ناريمان ، اسمعيني بس !
رمشت ناريمان بعينيها متوترة ، وسألتها بقلق :
-في ايه ؟
ردت عليها هياتم بصوت منزعج بـ :
-السوشيال ميديا مقلوبة على حضرتك
فغرت هي ثغرها في صدمة قائلة :
-ايييه ؟
سألتها هياتم بإستغراب بـ :
-حضرتك مش متابعة ولا ايه ؟
صاحت بها ناريمان بإنفعال وهي مقطبة الجبين :
-في ايه ما تقولي ؟
تنحنحت هي قبل أن تجيبها بصوت جـــاد :
-الكل بيحكي عن ضربك لواحدة من المسنات !
صرخت ناريمان بإهتياج :
-نعم !
ثم أعادت تبديل وضعية الهاتف من على أذنها بعد أن نزعت عنه القرط ، ووضعته على أذنها الأخرى قائلة بإستنكار :
- ده كدب محصلش !
ردت عليها هياتم بهدوء حــذر بـ :
-مش عارفة أقول لحضرتك ايه ، بس التفاصيل كلها بالصور على الفيس بوك وتويتر
صاحت ناريمان بقوة وهي تشير بيدها :
-أكيد في حد مفبرك الصور دي
أجابتها الأخيرة بحزم واضح في نبرة صوتها :
-لأ يا مدام ناريمان ، دي صور الحفلة ، يعني النهاردة
إتسعت حدقتيها في رعب جلي وهي تهتف بتلعثم :
-هــــاه ، ده .. ده معناه إنها كارثة !
تابعت هياتم حديثها بصوت جـــاد بـ :
-أنا بلغت حضرتك عشان تحاولي تتصرفي وتردي ، وإلا هايحصل مشاكل كتير والدنيا هاتتقلب علينا
إزداد عبوس وجـــه ناريمان ، وشعرت بالحرارة العالية تبعث من رأسها ، فهتفت قائلة بإقتضاب :
-اوكي .. سلام
ثم ألقت بالهاتف على الفراش ، ووضعت كلتا يديها على رأسها ، وضغطت عليها وهي تنفخ بغضب قائلة :
-أووف .. مش بيجي من ورا مكالمتك يا هياتم إلا المصايب وبس !
ثم جلست على طرف الفراش ، وتنهدت في إنهاك ، وحدثت نفسها بقلق بـ :
-المفروض أحل المشاكل دي كلها لوحدي إزاي ؟!
........................................
في أحـــد الملاهي الليلية ،،،
تمايلت الراقصة التي تعتلي المسرح بخلاعة وبجسدها المتعري أمـــام رواد هذا المكان لتثير شهواتهم وتدفعهم لإغراقها بالأمــوال ..
وبالفعل نهض أحدهم ، وســار بتثاقل وجسده يترنح بشدة ليلقي في وجهها بنقود طائلة ، فتزيد هي من رقصتها المغرية له ..
بينما في أحــد زوايا ذلك الملهى ، وتحديداً عند البـــار المخصص لتناول المشروبات الكحلية ، رفعت لــوزة الكــأس عالياً لتقذف ما به من خمــر في فمها في رشفة واحدة ، ثم أسندته بعنف على سطحه الرخامي وهي تعيد رأسها للأمـــام قائلة بصوت حـــاد وهي عابسة الوجه :
-واحد تاني يالا !
رد عليها العامل المرابط أمـــام البار وهو ينظف أحــد الكؤوس قائلاً بجدية :
-ده الليلة في أولها يا لوزة ، بلاش تسكري أوي
انفعلت عليه بحدة ، وألقت بالكأس الزجاجي في وجهه ، قائلة بغضب :
-وإنت مالك ، هو أنت بتدفعلي حاجة من جيبك ، إنت تجيب اللي أقولك عليه وإنت ساكت !
نظر لها العامل متوجساً ، وتراجع للخلف متجنباً الدوس على الزجــاج المتناثر على الأرضية اللامعة أمامه ، وهتف بتوجس :
-أنا بس آآآ...
قاطعته بنبرة محتدة وهي تلوح بيدها :
-يوووه ، انت هتلكلك كتير معايا ، هات آآآ..
-انت يا بني آدم ، مش المدام أمرت ، يبقى انت تنفذ فــــورا
قالها أوس بصــــوته الصـــارم وهو يحدجه بنظرات نارية ..
إلتفتت لـــوزة برأسها ناحية صاحب الصوت الذي تألفه جيداً ، فرأته أمامها بهيبته المعهودة ، وشموخه الذي تعشقه متأنقاً في حلته الرمادية الداكنة وقميصه الأسود ، فإنتفضت في مقعدها ، ونظرت له بذهـــول ، وهتفت قائلة بصوت متحمس :
-هــــاه .. آآ.. أوس !
نظر لها مطولاً وهو يجيبها بهدوء عجيب :
-أيوه يا لوزة !
تبدل حـــال وجهها للإشراق ، ولمعت عينيها ببريق مريب وهي تهتف قائلة بعدم تصديق :
-أنا أكيد بأحلم ، معقول انت هنا قصادي ، ولا أنا بايني سكرت !
إلتوى فمه بإبتسامة خفيفة ، ورد عليها بصوت جاد :
-لأ مش بتحلمي !
ثم أمسكها من كف يدها ، وجذبها عنوة من على مقعدها ، وأردف قائلاً بصوت آمــــر وهو يسحبها خلفه :
-تعالي معايا
لم تقاومه لوزة بل استسلمت لقوته التي تثيرها ، وتلهب قلبها .. وهتفت متسائلة بفضول :
-هــــاه .. و...آآ.. واخدني على فين !
إستدار برأسه قليلاً نحوها ليجيبها بغرور :
-هاقعد في مكاني المعتاد ، مش معقول أوس الجندي يقعد على البار !
إنفرجت شفتيها بإبتسامة عاشقة ، وحدقت فيه بنظراتها المشتاقة ، ثم ردت عليه بتنهيدة حــــارة :
-والله وحشتني أيامك أوي
هــز رأسه بخفة دون أن ينظر لها قائلاً بخفوت :
-أهـــا
خــــرج الإثنين من الملهى ، وإتجــــه أوس نحو سيارته التي أحضرها له عامل ما ، فتناول منه المفتاح ، وفتح باب المقعد الأمـــامي للوزة لتركب السيارة ، ثم صفقه برفق ، ودار حولها ليجلس في مقعده ..
ظلت لــــوزة تتابعه بشغف جلي ، فقد اشتاقت كثيراً لحضنه القاسي ، ولرغباته الجامحة التي تشعل من لهيب مشاعرها ..
فقد عانت لفترة من فتــور عاطفي ، ولم تستطع أن تنجذب لرجل أخــر غيره .. فقد كان هو دائِها الذي أدمنته ..
أدار أوس محرك السيارة دون أن ينبس بكلمة .. في حين ظلت أنظــــار لـــوزة متعلقة به ، وأسندت كفها على كتفه لينتبه هو لها ، ومن ثم سألته بفضول وهي تتفرس ملامح وجهه الخالية من التعبيرات بـ :
-بس قولي البت اللي كانت معاك آآ..
احتقن وجهه بدمـــاء شبه منفعلة ، وبرقت عينيه بشرر مخيف ، وقاطعها بصوت قاطع ومحذر بـ :
-ماتجبيش سيرتها
نظرت له بخوف وهي تهمس بـ :
-هــاه
أخـــذ أوس نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم ابتسم له إبتسامة قاسية وهو يجيبها بصوت متصلب :
-أقصد .. دي خلاص انتهت من حياتي !
تنهدت لـــوزة في إرتياح ، ووضعت يدها على رأسه لتعبث بخصلات شعره وهي تهمس له بصوتها الأنثوي المغري :
-أنا كنت واثقة إنك هترجعلي ، ده أنا الوحيدة اللي فهماك وبأشوف كيفك كويس !
نظر لها بإستخفاف ، ثم أشاح بوجهه لينظر أمامه ، وأجابها بإقتضاب بـ :
-فعلاً !
مـــررت إصبعها على جبينه ، ثم مالت بجسدها نحوه ، وسألته بنبرة هامسة :
-طب هانروح فين ؟ على شقتك ؟
-تــؤ
تراجعت للخلف بظهرها ، وتوقفت عما تفعل ، وضيقت عينيها وهي تســأله بحيرة :
-ليه ؟
نظر في إتجاهها ، وأجابها بصوته الأجش :
-المكان معدتش ينفع ، الكلام بقى كتير عليه !
أومـــأت برأسها موافقة إياه ، وإبتسمت له بسعادة وهي تقول :
-اه عندك حق ، التجديد حلو برضوه
-أهــا
ثم ســـألته بفضــول وهي تنظر له بعشق :
-أومـــال هتوديني فين ؟
رد عليها بجمود دون أن ينظر نحوها :
-في مكان جديد عدي قالي عليه
هتفت بحمــــاس وهي تهز كتفيها :
-الله ، عدي بيه ! والله وهاترجع أيـــام زمــان تاني
تقوس فمه بإبتسامة شيطانية وهو يرد يإيجاز ك
-طبعاً
وضعت لـــوزة يدها على فخذ أوس في مباغتة منها لتزيد من جو الإثارة لديه ، وتلمسته بنعومة وهي تغمز له قائلة بمكر :
-عاوزني أعملك ايه ؟
إنتفض هـــو في مقعد سيارته على إثر لمستها ، ونظر لها شزراً ، ثم قبض على كفها بقبضته الغليظة ، و ضغط عليها وهو يبعدها عنه ..
فنظرت هي له بإستغراب يشوبه القلق ، بينما عــاود هو النظر أمامه دون أن يحل قبضته عنها ، وهتف قائلاً بصرامة :
-هاتعملي كل اللي أنا عاوزه وزيادة ، بس اصبري ...!
...............................
في منزل تقى عوض الله ،،،
ســــردت فردوس لأختها بإيجــــاز ما حدث مع ابنتها منذ لحظة ظنها الســوء بوجود علاقة ما مع شــاب ثري ، ثم طعنها إياها ، وإنتقالها للمخفر ومن ثم حبسها ..
صعقت تهاني مما قالته ، وظنت أنها تتوهم ماسمعته ، أيعقل أن تتعرض تلك الصغيرة الطيبة الســاذجة ذات العود الغض لكل هذا بمفردها ..
صرخت هي فيها بمعاتبة واضحة بـ :
-ازاي يا فردوس تعملي كده في بنتك ؟
أخفضت فردوس نظرها ، وأجابت بصوت نـــادم:
-الشيطان كان عميني
لوحت تهاني بيدها أمـــام وجهها ، وباليد الأخرى ضمت تقى إليها ، وعاتبتها قائلة بلــــوم :
-حرام عليكي ، انتي ايه ؟
مطت فردوس شفتيها وهي تتنهد بأسف قائلة :
-مش وقت ملامة !
هزت أختها رأسها مستنكرة ما تقول ، وتابعت قائلة بضيق :
-أومـــال وقت إيه بس ، وايه تاني حصل ؟
أكملت فردوس ســرد بقية الأحداث من الإفراج عنها ، وما تلاها من اختفاء ابنتها لبرهة ، ثم إيجادها في مشفى خــاص بالأثرياء بعد تعرضها للإغتصـــاب ...
جحظت تهاني بعينيها برعب واضح ، وضمت تقى إلى حضنها وهتفت قائلة بصدمة :
-ايه اللي بتقوليه ده ؟ اغتصـــاب !!!
أخـــذت فردوس نفساً عميقاً وزفرته ببطء وهي تتحسر حال إبنتها مضيفة :
-أه يا تهاني .. وقت ما ربنا عترني فيها ، لاقيتها زي ما انتي شايفة ! معدتش تنفع بحاجة بعد ما خدوا الحاجة الوحيدة اللي حيلتنا كلنا.. واتحطت راسنا في الطين !
إشتعلت حدقتي تهاني بنظرات غاضبة ، وهتفت فيها بصوت محتج على تعبيراتها الغير مسئولة :
-انتي سامعة نفسك ؟
حركت هي شفتيها في أسف ، وردت عليها بضيق وهي تشير بعينيها :
-آآآآه .. قلبي محروق ياختي ، مش عارفة مين هيرضى بيها بعد اللي حصل !
وكــــأن كلمات فردوس كانت كعيدان الثقاب التي أشعلت ذاكـــــرة تقى بنيران ذكرياتها المهينة مع من أذلها ، وقتل فيها إنسانيتها ..
لقد تجســـد أمــام عينيها لحظات إغتيال أوس لبرائتها ، والنيل منها وهي عاجزة مقيدة في الفراش لا تقدر حتى على الصــراخ ..
شعرت بآلام مبرحة تضرب أسفل معدتها ،وكأنها تتعمد تذكيرها هي الأخـــرى بتلك اللحظات الموجعة .. لمساته المقززة لجسدها ، أنفاسه التي تبغضها وهي تلفح وجهها ليظل عبقها محفوراً في ذاكرتها .. معاشرتها غصباً وقسراً ليقتل ما تبقى من روحها الضعيفة ..
أغمضت عينيها في مهانة ، وحبست أنفاسها لتكتم شهقاتها الذليلة التي تحرق صدرها أكثر ..
استمرت فردوس في حديثها الغير مكترث بمشاعر ابنتها قائلة بفتور :
-يعني فكرك حد في الحارة هايستجرى يبصلها ولا يفكر يتقدملها ، أهي هاتفضل كده طول عمرها !
صاحت فيها تهاني بصوت صـــارم وهي تحدجها بنظرات محتقنة :
-اسكتي بقى ، ارحمي نفسك !
تابعت فردوس حديثها المقيت قائلة بصوت منكسر :
-ما هي دي الحقيقة ، هاسكت ليه بقى !
وضعت تقى يديها على أذنيها لتمنع صوت والدتها المتحسر في إختراقهما ..
فعقلها – وكذلك جسدها – لم يعدْ يقوى على الصمود أمـــام أوجـــاع اغتيــال عذريتها ...
نظرت لها تهاني بإشفاق حقيقي ، فقلبها ملتــاع بشدة على ما تعرضت له .. لذا سألتها بتوجس وهي تنحني عليها بجسدها المرهق :
-مالك يا تقى ؟ ردي عليا يا بنتي ؟!
صرخت تقـــى بصوت حـــــاد ومتشنج وهي تهز رأسها بعصبية :
-كفــــــــــــاية بقى ، كفاية ، مش عاوزة اسمع حاجة ، أنا بأموت كل لحظة ومحدش حاسس بيا ، أنا مغلطش ، أنا ادبحت .. وماكنش ليا ذنب .. مش عاوزة أعيش ، يا ريتني أموت عشان ترتاحوا ، يا ريتني !!!!
أبعدت تهاني يديها عن أذنيها ، وأنزلتهما للأسفل ، وضمتهما إلى صدر تقى ، وضغطت عليهما بحنو ، وألصقت صدرها بظهر ابنة اختها ، وقالت لها بصوت شبه باكي وهي مدمعة العينين :
-اهدي يا بنتي !
شهقت تقـــى بصوت مختنق وهي تتابع بمرارة ، وتاركة لعبراتها العنان لتغرق وجهها بالكامل بدموع الحسرة والذل :
-هو دبحني ، وانا الغلطانة ، هو بريء وأنا المجرمة ، ليييه أنا شايلة الذنب في كل حاجة وأنا كنت في حالي بدافع عن أمي ؟
تنهدت تهاني بحرقة وهي تضمها أكثر ، وقبلتها من أعلى رأسها وهي تهتف بتوسل :
-حبيبتي !
أضافت تقى بصعوبة و بنشيج وهي تحـــاول إلتقاط أنفاسها :
-أنا راحت مني كل حاجة ، أحلامي ، حياتي ، حتى أبسط حقوقي في اني اتجوز الانسان اللي اختاره .. !!
ثم صمتت لثانية لتأخذ نفساً عميقاً لتكمل حديثها الموجع قائلة بنحيب جلي :
-كله كان بالغصب، بالغصب ، و أنا ماستهلش ده كله ، ماستهلش !
همست لها تهاني قائلة برجــــاء وهي تكبح دموعها :
-بس يا تقى !
إزداد أنينها المصاحب لصوتها المنتحب وهي تصرخ بجنون :
-لييييه أنا ؟ أنا عملت ايييه ؟ نفسي أعرف فين غلطتي ؟
زاد رجـــاء خالتها لها وهي تردف قائلة بصوتها الدافيء :
-شششش .. كله هايتعوض يا بنتي
هزت رأسها نافية بقوة وهي تصرخ بإهتيـــاج :
-مافيش حاجة بتتعوض ، ده كدب ، كـــدب ، أنا زي أمي ما بتقول عــار ، مصيبة ، فضيحة لازم أدارى يا أموت عشان الكل ينساني !
مسحت تهاني عبراتها عنها ، ووضعت يدها على رأس تقى محاولة تثبيتها ، وهتفت قائلة بيأس :
-متقوليش كده ، انتي ست البنات !
أصدرت تقى صرخة حقيقة تعبر عن آلامها الدفينة قائلة :
-آآآآآآه .. يا رب خدني عشان ترتاحوا كلكم ، يا رب خدني !
في نفس الوقت دلف عوض بخطواته المتعرجة إلى داخــل الغرفة ليتسمع إلى حديث ابنته المؤلم .. فخفق قلبه لها ، وقـــال عفوياً بعاطفة حقيقية بــادية على ملامح وجهه المجعدة ، وفي نظراته الأبوية الحانية :
-تقى .. بنتي !
رفعت تقى رأسها للأعلى ، وإستدارت بها ناحيته ، وهتفت بصراخ موجع :
-بابا .. آآآآآآه
ثم نهضت عن المقعد ، وأزاحت يدي خالتها عنها ، وركضت نحوه لترتمي في أحضانه ، فيضمها إلى صدره ، ويربت على ظهرها ، فتنطق بصوت مختنق وهي مغمضة العينين :
-يا ريتني فضلت في حضنك ومحدش لمسني غيرك ، آآآآه !
لم يخلو وجـــه تهاني من التعبيرات المعاتبة لأختها عمــا حدث ..
ونظرت بإندهــاش لزوجها ، فقد بدى كمن كبر عشرات السنين في وقت قصير ..
هي تتذكره رغم حالتها النفسية الغير متزنة .. ولكن تبدل حاله للعجز والإرهــاق ..
أثرت أن تظل صامتة لتترك لإبنة اختها الفرصة لتبوح عما يخنقها مع من تثق به .... ثم انسحبت بهدوء من الغرفة ، وأشـــارت لفردوس لتتبعها إلى الخـــارج ...
....................
أمسكت تهاني بذراع أختها وسألتها بقلق وهي تتجه نحو المطبخ :
-ماله جوزك ؟
-ماهو ده التاني جراله اللي ما جرى !
ثم ســـردت لها بإختصـــار ما حدث له من تعرضه لحــادث سير أثناء بحثه عنها ، وفقدانه للذاكرة ، وكسر ساقه ، وتكلفة العلاج التي تحملها الأتقياء أمثال الشيخ أحمــد ..
أطرقت تهاني رأسها في حزن وهي تقول بأسف على حاله :
-يا ساتر يارب !
هزت فردوس أصابع يديها بحركة مستنكرة وهي تجيبها بآسى :
-مش بأقولك غلب من كله !
تنهد تهاني في إحباط وهي تضيف قائلة :
-ومين في البيت ده حاله فضل زي ما هو !
ردت عليها بإيجاز ووجهها ممتعض :
-مافيش
أضافت تهاني قائلة بصوت حـــاد وهي تشير بإصبعها :
-بس إنتي غلطانة يا فردوس تقولي الكلام ده قدام بنتك !
زفرت فردوس بإنزعــــاج وهي تجيبها بـ :
-يوووه ، من قرفي وتعبي !
ثم جذبت مقدمة قميصها المنزلي للأمـــام لتشير إلى قيلة حيلتها ، وتابعت قائلة بصوت محتد :
-ما هو أنا اللي بأشيل الهم كله لوحدي !
نهرتها تهاني قائلة بنظراتها المعاتبة بـ :
-يا شيخة حرام عليكي ، انتي مش شايفة حالتها !
زمت فردوس شفتيها وهي تجيبها ببرود :
-هأعملها ايه بس ، ما أنا واخدة بالي منها وبأكلها وبأشربها والجيران جابولها ضاكتور من الوحدة يديها دوا وآآآ..
قاطعتها تهاني بصوت جـــاد وهي تشير بيدها :
-دي محتاجة دكتور نفسي مش دكتور عادي
ضيقت فردوس عينيها في إستغراب ، ورفعت حاجبها للأعلى في عدم فهم ، ورددت قائلة :
-نفسي !
أومـــأت تهاني برأسها وهي تتابع بنبرة مهتمة :
-ايوه ، دي اغتصبوها يا فردوس ، وحالتها بتسوء كل يوم لو سبيناها كده !
وضعت فردوس إصبعيها على طرف ذقنها ، وشهقت متسائلة برعب :
-يعني البت اتجننت ؟
نفخت تهاني من الغيظ ، فأختها تفســـر الأمــور بطريقة تثير الإنفعـــال ، فحاولت أن تبدو هادئة وهي تجيبها بحذر :
-يا فردوس بأقولك دكتور نفساني يتكلم معاها وتحكيله ويحاول يشوف العلاج المناسب ليها ، وإنتي تقوليلي اتجننت !
وضعت فردوس يديها على رأسها لتلطم بحسرة وهي تغمغم بمرارة :
-بقى دي أخرتها ، البت تروح السرايا الصفرا
صاحت فيها تهاني بصوت محتقن بـ :
-افهمي يا ستي ، هي محتاجة الدكتور ده عشان تتعالج وترجع زي الأول !
أنزلت فردوس يديها ، ونظرت لها بحيرة وهي تقول :
-أنا مش فاهمة حاجة !
تنهدت تهاني في تعب ، فقد يأست من أن تتفهم أختها طبيعة مرض إبنتها .. فهي تظن أن الشكوى تنحسر في كونها عضوية ، وتتغاضى تماماً عن أن المشكلة نفسية بحتة تحتاج لمتخصص لكي يضع يده على مواضع الآلم ويعالجها بالأساليب النفسية السليمة ..
لذا هتفت بجدية وهي تشير بكفها :
-مش مهم تفهمي يا فردوس ، بصي من الأخر سبيلي الموضوع ده، أنا أعرف دكتورة كويسة ساعدتني كتير ، وهاكلمها عشان تقى
مطت فردوس شفتيها وهي تجيبها بإستنكار :
-هايفيد بإيه ؟ ماهي هاتفضل زي ما هي ، لا تنفع بكده ولا آآآ....
قاطعتها تهاني بصوت صـــارم وهي تزفر في ضيق :
-يوووه ، والله وجود تقى معاكي هيدمرها مش هايفيدها
إنفعلت عليها أختها وهي ترد قائلة :
-جرى ايه يا تهاني ، قلبي محروق عليها ياختي !!!!
نظرت لها بإزدراء وهي تجيبها وفمها ملتوي بإمتعاض :
-ماهو باين !
أضافت فردوس قائلة بصوت شبه حزين :
-هو أنا يعني أكره إن بنتي تبقى كويسة ، بس ببص لقدام ولكلام الناس !
نظرت له تهاني بجدية ، وأردفت قائلة بقوة :
-سيبك من الناس ، محدش بينفع حـــد ، إحنا يهمنا تقى وبس ، وأنا بإذن الله مش هاسيبها كده ، وهافضل جمبها زي ما كانت هي جمبي زمــان !
-ومــاله ، اعملي اللي في الصالح
-إن شــاء الله
...............................
في سيارة أوس الجندي ،،،،
راقبت لـــــوزة الطريق من نافذة السيارة المجاورة لها ، واستغربت كثيراً منه .. فهو كان معتماً في غالبيته ، ومهجوراً إلى حد ما .. ويخلو من السيارات أو المـــارة ..
لذا إستدارت برأسها ناحية أوس وسألته بتوجس :
-هو احنا رايحين فين ؟
نظر لها أوس بصرامة من طرف عينه دون أن يحرك رأسه ، ولم يجبها ..
إزداد قلقها من صمته المريب هذا ، فسألته مرة أخــرى بنبرة مضطربة :
-هو احنا مش .. مش هانروح على بيت عدي بيه
رد عليها بإيجاز وهو مسلط أنظاره على الطريق أمامه :
-لأ
شعرت بالقشعريرة تهاجم جسدها ، فعضت على شفتها من الخوف ، وسألتها بإرتباك وهي تتلفت حولها :
-طب .. طب انت واخدني على فين ؟
رد أوس على سؤالها بســـؤال أخر قائلاً بهدوء مخيف :
-بتسألي ليه ؟
أجابته بصوت متقطع وهي تحاول أن تبدو ثابتة أمامه :
-آآآ.. يعني.. آآ.. أنا .. أنا عاوزة أطمن
إلتفت أوس برأسه فجـــأة ليحدجها بنظرات قاتمة ومخيفة تسربت إليها لتزيد من خوفها وهو يسألها بنبرة أقرب للهمس :
-هو انتي خايفة مني ؟
إبتسمت له ابتسامة باهتة وهي تجيبه بتوتر :
-لأ . بس .. بس أنا مش عارفة احنا فين كده !
إلتوى فمـــه قليلاً بإبتسامة شيطانية وهو يجيبها بمكر :
-متقلقيش ، أنا واخدك على مكان هايعجبك أوي !
نظرت حولها بريبة ، وأشــــارت بيدها في إستنكار قائلة :
-هنا ! في الهِــوْ ( مكان خالي ) ده !
نظر لها بحدة وهو يسألها بصوته المتصلب :
-ايه ؟ مش حابة تجربي الخلا ؟
حـــاولت ألا تجعل إبتسامتها المصطنعة تتلاشى من على شفتيها .. فقد كانت تشعر بالريبة والغموض مما يحدث .. وخشيت أن يسيطر قلقها عليها ، فيغضب من تعشقه ، لذا تنهدت بحرارة وأجابته بصوتٍ أنثوي مغري :
-يعني .. أنا .. أنامش متعودة معاك إلا .. إلا على حاجات معينة
حرك أوس رأسه قليلاً ناحيتها ، ثم وضع كفه البارد على فخذها وضغط عليه قليلاً ليثيرها ، قائلاً بتهور لم تتوقعه :
-التجديد مطلوب برضوه ، ولا إيه رأيك يا لوزة
ابتلعت ريقها بخوف وهي تجيبه بخفوت :
-أهــا
ثم نظرت بفرح إلى يده الموضوعة عليها ، وأسندت قبضتها عليه لتزيد من ضغطته وإتسعت إبتسامتها الراضية ..
............................
بعد برهة وصلت السيــــارة على مقربة من مخزن الصلب القديم ، فأوقفها أوس فجــأة مما جعل جسد لوزة يرتد للأمــام ، ثم نظر إليها بنظراته النارية قائلاً بصرامة :
-انزلي
نظرت حولها برعب وهي تجيبه بنبرة مرتجفة بعد حركته المفاجأة تلك :
-هنا ؟
إزدادت نظراته حدة ، وأمرها بصوت غليظ بـ :
-يالا !
ابتلعت ريقها وأومـــأت برأسها موافقة وهي تجيبه بتلعثم :
-حــ... حاضر
ثم ترجلت من السيــــارة ، وتأملت المكان المظلم حولها برهبة بادية على قسمات وجهها ، ولم تنكر أن إرتجافة قوية دبت في جسدها ، وجعلتها ترتعش من الخوف ..
فالمكــــان شبه مهجور إلا من مخزن قديم مصنوعة أبوابه من الصاج .. والإضاءة حولها باهتة ماعدا أضواء السيارة الأمامية ..
حاولت أن تبتسم لأوس لتخفي خوفها أمـــامه فهي لم ترغب في إفســـاد ليلتها معه ، وهي التي تتوق للإرتمـــاء في أحضانه ، وإرتشـاف مذاق الحب منه ..
لذت ســارت بحذر نحو مقدمة السيارة متسائلة بثبات زائف :
-هانعمل ايه بقى ؟
عبس أوس بوجهه كثيراً ، وتجهمت نظراته حتى بدت أكثر قسوة عن ذي قبل ، ثم رفع يده ليهوي بها فجـــأة على وجنتها ليصفعها بقوة باغتها وهو يقول بصوت محتقن للغاية
-هاتعرفي الوقتي .. يا .. يا بنت الـ *** ...................................................... !!!!