رواية لا تترك يدي الفصل الاربعون
خرج خالد من الجامع بصحبة زوجته والسيدة فريدة. ترتسم السعادة على ملامحهم جميعاً. أقتربت فريدة من مريم وقالت لها.
"ألف مبروك يا حبيبتي. بجد فرحانة لك قوي."
"الله يبارك فيك يا ماما. أنا بجد مش قادرة أصدق. معقول أنا حفظت القرآن كله. أنا اللي ما كنتش أعرف أقول آيتين على بعض. الحمد لله بجد. ربنا أنعم علي كتير قوي."
"الحمد لله يا حبيبتي. أنت تعبت بصراحة. أنا ما كنتش متخيل أنك في خلال سنتين تحفظي القرآن كله. أنت ما تعرفيش أنا فرحان لك قد أيه."
"يا خالد الفضل في كل ده بعد ربنا لك أنت. أنت اللي ساعدتني وعلمتني وحفظتني. أنا من غيرك كنت هكون زي أي بنت من الشوارع. أنت أخذتني من الشوارع ودخلتني بيتك وخليتني مراتك. أنا من غيرك ولا حاجة."
"ما تقوليش كدة. كله توفيق من ربنا وبعده إصرارك وعزيمتك. أنت أول واحدة أعرفها تحفظ القرآن في خلال سنتين بس. ربنا يحفظك به يا رب."
"آمين يا رب. الدور والباقي علي أنا. لسة بدري علي قوي عقبال لما أختم القرآن زيك يا حبيبتي. أنا في خلال السنة اللي فاتت حفظت بس ثلاث أجزاء يا مريم. أدعي لي أكمل. نفسي قوي أحفظ القرآن قبل ما أموت."
"بعد الشر عليك يا ماما. ربنا يبارك فيك ويبارك لنا في عمرك وصحتك يا رب. إن شاء الله هتحفظيه وتاخدي الإجازة أنت كمان."
"ياااااااااه ده حلم بعيد قوي."
"ليه بس كدة يا طنط. إن شاء الله يتحقق وقريب هنيجي هنا تاني وتاخدي الإجازة."
"يا رب يا خالد. المهم بمناسبة النجاح الجامد قوي ده واليوم الجميل ده أنا عزماكم على العشاء."
"بجد يا ماما. عزمانا على أيه بقى؟"
"أختاروا أنتم المكان والميزانية مفتوحة. أيه رأيكم بقى؟"
فرحت مريم جدا وصفقت بيديها ناسية تماما المكان المتواجدين فيه. نظر لها زوجها منبها لها وقال.
"مريم إحنا في الشارع."
توقفت مريم عن التصفيق على الفور وتلفتت حولها تفاجأت بنظرات المارة لها. فخجلت ونظرت للإرض. أبتسمت فريدة لردة فعل مريم البريئة والطفولية فقالت لخالد.
"أيه يا خالد؟ بتكسفها ليه؟"
مسك خالد يد مريم بيده وضغط عليها برقة وقال لفريدة.
"انا مش قصدي أكسفها ولا حاجة. لكن هي لازم تاخد بالها."
نظر خالد لمريم وقال لها.
"ما تزعليش مني."
نظرت مريم للأعلى وقالت له.
"أنا عمري ما أزعل منك أبدا. أنا أزعل من الدنيا كلها وأزعل من نفسي ولا أني أزعل منك."
أقتربت فريدة منهما وقالت بصوت منخفض مقاطعة لحديثهما.
"تيرا را را. أجيب شجرة وأتنين ليمون هنا."
أبتسم خالد ومريم ونظرا للأسفل وتوردت وجنتيهما. بعد لحظات رفعت مريم رأسها وقالت لفريدة.
"الله. أنتم غاويين تكسفوني بقى."
ضحك خالد وأبتسمت فريدة. وقال خالد لمريم.
"خلاص يا ستي مش هنكسفك."
"إحنا رايحين فين كدة يا خالد؟"
"مش أنت عازمنا يا طنط؟ في مطعم مأكولات بحرية قريب هنا جميل قوي. وانا بصراحة بقالي كتير ما أكلتش سمك."
"أوك وانا كمان بحب السمك قوي."
توجهوا جميعا لمطعم الأسماك وجلسوا معا وطلب خالد الأصناف التي يفضلها ولزوجته ما تحب وطلبت فريدة ما تفضل من الأصناف. بدأ خالد في الأكل وفريدة أيضا بعد دقائق قليلة لاحظ خالد أن مريم لم تأكل شيء من طعامها فسألها.
"مالك يا مريم مش بتأكلي ليه؟ أنا عارف أنك بتحبي الجمبري وشوربة السي فود. أيه مش عاجبك ولا أيه؟"
تركت مريم الشوكة التي كانت تعبث بها في الإناء ونظرت له وبدا الإمتعاض على وجهها وأجابته.
"مش عارفة مش طايقة ريحة الأكل ليه."
رفع خالد حاجبه وسألها.
"غريبة. ده أنت لما بتصدقي تشوفي سمك وتغطسي فيه."
"لكن دلوقت مش طيقاه. أول لما شوفت السمك معدتي قلبت. أنا هطلع أقف برا شوية أشم هوا عقبال لما تخلصوا."
وقفت مريم ومسك خالد يدها ليوقفها. تبادل خالد وفريدة النظرات متعجبين ومتسائلين لحالة مريم الغريبة. قال خالد لها.
"هتطلعي برا لوحدك أزاي؟ أستني شوية هنخلص ونمشي كلنا."
جلست مريم على الكرسي مرة آخرى وقالت له.
"مش قادرة يا خالد. لو فضلت دقيقة واحدة هنا هرجع."
توقف خالد وفريدة عن الأكل في الحال ووقفوا جميعاً قالت فريدة.
"خلاص نمشي كلنا مع بعض."
وقفت مريم وقالت لهم.
"بس أنتم جعانين. وحرام الأكل ده يترمي."
"معلش يا طنط خدي مريم وأطلعوا برة شوية يمكن ترتاح لما تخرج في الهوا. وأنا هشوف الحساب وأقول لهم يلفوا الأكل علشان ما يترميش حرام."
"بس أنا اللي عزماكم يا خالد."
مسكت مريم يد فريدة وقالت لها.
"تعالي يا ماما بسرعة نطلع مش مهم موضوع الحساب دلوقت أنا مش مستحملة أفضل ثانية واحدة هنا تاني."
خرجت مريم وفريدة وتبعهما خالد بعد دقائق قليلة وهو يحمل حقائب فيها طعامهم. توجهوا جميعا لمنزلهم وأعطى خالد حقائب الطعام لأحد المتشردين في الشارع. وصلوا للمنزل ودخلوا جميعا شقة خالد. توجهت مريم للمطبخ وقالت لهم.
"دقيقة وأجهز لكم العشاء. أنت ما أكلتوش حاجة. أنا أسفة خالص."
جلس خالد على الكنبة وقال لها.
"تعالي أقعدي. أحنا مش جاعنين خلاص. أقعدي أنت أرتاحي."
جلست مريم بجانبه وخلعت حجابها وقالت له.
"أنا مش عارفة أنت ليه ما جبتش الأكل معك كنتم أكلتم هنا."
"علشان أنت كنت مضايقة من ريحته. أدخله أزاي البيت."
نظرت مريم لخالد وفريدة وقالت.
"بس حرام أنتم كان نفسكم في السمك. والفلوس ده كلها أترمت في الأرض."
"مين قال لك أنها أترمت في الأرض. أنا حوشتها للآخرة."
نظرت مريم له متعجبه وسألته.
"نعم؟ أزاي يعني حوشتها للأخرة؟"
"أنت مش عارفة أن أي فلوس تصرفيها في الدنيا على أكل أو لبس أو أي حاجة بتضيع لكن الفلوس اللي أنت بتتصدقي بها هي الوحيدة اللي بتفضل لك في الآخرة. أنا بصراحة كان نفسي قوي في أكلة السمك ده. وبما أني مش هأقدر أكلها دلوقت فحوشتها للجنة إن شاء الله ناكلها هناك مع بعض."
"ربنا يتقبل منك."
نظرت مريم لفريدة الصامتة من لحظة دخولهم المنزل وسألتها.
"مالك يا ماما ساكتة ليه؟"
أجابتها فريدة بسؤال.
"معدتك عاملة أيه؟"
"الحمد لله كويسة دلوقت."
"بس ده أول مرة معدتك توجعك كدة."
"عادي تلاقيني أخدت برد بس."
"شوفت علشان إمبارح نمت من غير غطاء. كل ما أغطيك تشيلي الغطاء من عليك."
نظرت مريم لخالد ببراءة وقالت.
"ما الدنيا كانت حر إمبارح. ما كنتش طايقة الغطاء خالص."
نظرت لها فريدة معاتبة وقالت.
"إحنا لسة في شهر أربعة يا مريم. لسة الحر ما دخلش. أتغطي كويس وخدي بالك من صحتك كويس."
"حاضر يا ماما."
وقفت فريدة وقالت.
"أسيبكم بقى علشان أروح أنام أنا. جسمي أتكسر من المشي وانا مش حمل كدة."
وقف خالد ومريم وقال خالد.
"تصبحي على خير يا طنط. ومعلش تعبناك معنا النهاردة."
"ما تقولش كدة. وألف مبارك يا مريم يا حبيبتي."
"الله يبارك فيك يا ماما. ما تقعدي معنا شوية كمان."
"لا بجد مش قادرة ومحتاجة أنام. أشوفكم بكرة إن شاء الله."
"إن شاء الله."
* * *
فتحت فريدة باب شقتها وتنحت جانبا لتدخل مريم الشقة.
"السلام عليكم ورحمة الله."
"وعليكم السلام ورحمة الله. أيه يا مريم أتأخرت النهاردة ليه كدة؟"
جلست مريم على كرسي في الصالة وأغلقت فريدة الباب وجلست على الكرسي المقابل. خلعت مريم حجابها وأجابتها.
"مش عارفة يا ماما راحت علي نومة. ما كنتش قادرة أقوم خالص."
"ليه كدة أنت اليومين دول مش عجباني خالص."
"مفيش يا ماما. يمكن برد مكسر جسمي كله. بنام مش بحس بالدنيا. النهاردة بالعافية قومت الصبح فطرت خالد وبعد وما مشي دخلت نمت تاني ما قدرتش أقعد خالص."
"برد أيه يا مريم؟ أنت بقالك ثلاث أسابيع دلوقت تقولي برد. برد أيه اللي يقعد الفترة ده كلها وكمان لا بتعطسي ولا بتكحي."
"يمكن برد مدفون. جسمي مكسر وعاوزة أنام على طول واللي زاد وغطى حكاية معدتي اللي كل شوية تقلب ده."
"في أي مشكلة تاني؟"
غمزت فريدة لمريم ففطنت مريم مقصدها وأجابتها.
"ما هي كمان متأخرة وقرفاني. كل ما أقول يمكن تكسير الجسم ده منها والوخم والنوم ألاقيها برضه ما جتش. أنا زهقت منها ومن لخبطتها."
"لا كدة الموضوع ما يتسكتش عليه يا مريم. أنت لازم تروحي لدكتور."
ضحكت مريم وقالت.
"على أيه يا ماما. أروح لدكتور أقول له عاوزة أنام."
"لا يا فالحة. تقولي له على كل اللي حساه. تعب معدتك والدورة المتأخرة والنوم الكتير كل ده ممكن يكون حمل."
فغرت عيني مريم وقالت.
"حمل؟"
"أيوة يا فالحة حمل. ولو مش حمل الدكتور يقدر يديك دوا للبرد اللي مش راضي يسيبك ده. لكن دلوقت احنا ما نقدرش نديك أي دوا من غير ما نتأكد الأول."
أستوعبت مريم ما سمعته وسألت فريدة.
"يعني أنا ممكن أبقى حامل؟ ممكن أخلف وأبقى أم؟"
"ايوة مالك مستغربة كدة ليه؟ هو أنت مش زي أي ست متجوزة ممكن تبقى حامل."
"أيوة يا ماما. لكن أنا عندي 16 سنة دلوقت. أبقى أم أزاي؟ وبغض النظر عن السن. أنا عمري ما كان لي أم ولا أسرة ولا بيت. أزاي هقدر أربي أبني أو بنتي. أزاي هكون أم لهم وأنا ما أعرفش يعني أيه أم."
أقتربت فريدة من مريم وجلست على كرسي مجاور لها ومدت يدها مسحت دموع مريم منهمرة على وجهها الصغير. قالت لها بنبرة حانية.
"حبيبتي الأمومة فطرة. ده غريزة ربنا حطها في قلوبنا. أول لما تشوفي إبنك أو بنتك هتلاقي نفسك بتحبيه أكتر من أي حد في الدنيا. أزاي تربيه بقى ده شيء مش سهل أبدا على الكل. المتعلم والجاهل. التربية الصحيحة مش وصفة أكل تتعلميها وتعمليها. ده حاجة محتاجة عقل وشخصية وخبرة وتعلم وصبر وحب. وكل ده عندك ناقصك بس التعلم. وأنت الحمد لله ذكية وسهل تتعلمي أي حاجة أنت عاوزاها. والخبرة ده هتيجي بقى بالممارسة. يعني الطفل الأول يا عيني هتدربي فيه لما يطلع عينه."
ضحكت فريدة ضحكة خفيفة لتلطف من حدة الموقف ووضعت يدها تحت ذقن مريم وجعلتها تنظر إليها وقالت بكل حنان وحب.
"وما تنسيش كمان أن أنا معك. أزاي تقولي أن مالكيش أم. هو أنا مش أمك؟ أنا مش هسيبك أبدا طول ما أنا عايشة."
أحتضنت مريم فريدة وقالت.
"ربنا ما يحرمني منك أبدا يا رب."
"قومي أغسلي وشك وما تشيليش الهم. سيبيها على الله."
"ونعم بالله. بس تفتكري يا ماما خالد هيعمل أيه لو طلعت حامل."
أبتسمت فريدة وقالت.
"هيعمل أيه يعني. هو الرجل بيعمل أيه في الحمل. هيخلي باله منك."
"مش قاصدي."
"أمال قصدك أيه؟"
"خايفة يضايق."
عقدت فريدة حاجبيها وسألتها.
"ليه بقى؟ هيضايق من أيه؟"
لفت مريم بجسدها مواجهة لفريدة وقالت.
"يا ماما. خالد لسة طالب. إن شاء الله السنة ده ياخد الدبلوم وبعد كدة يدخل الجامعة. تفتكري وجود عيل مش هيبقى مسئولية كبيرة عليه. هو أصلا ما كانش ناوي يتجوز إلا لما يخلص كلية ويمسك الفنادق بتاعته. دلوقت أتجوز وهيخلف كمان."
أبتسمت فريدة وقالت.
"خالد قد المسئولية. هي هتبقى مسئولية كبيرة عليه آه. لكن هو قدها وقدود. فعلا هو ما كانش ناوي على الجواز. لكن في خلال السنتين اللي انت عشتيهم معه حسيت أنه تخلى يوم واحد عن مسئوليته تجاهك."
هزت مريم رأسها بالنفي. أردفت فريدة.
"خلاص أيه اللي خلاك تقولي أنه هيتخلى عن مسئوليته كأب. أنا متأكدة أنه هيكون أب ممتاز كمان."
"إن شاء الله."
"ما تفكريش كتير دلوقت. الله أعلم يمكن لما نروح للدكتور يطلع الموضوع مجرد برد مش أكتر. ما تقلقيش نفسك على الفاضي."
تنهدت مريم وقالت.
"يا رب يا ماما يطلع مفيش حاجة. أنا مش عاوزة أتقل الحمل على خالد أكتر من كدة."
"سيبيها على الله. وأعرفي أن كل طفل ربنا يبعته لكم رزق وكمان بيبعت معه رزقه. ورزقه مش مجرد فلوس لا صحة وقوة تحمل وصبر. يعني ما تقلقيش خالص وخلي ثقتك بالله."
"ونعم بالله."