رواية عشق النمر الفصل الثالث 3 بقلم فهد محمود

رواية عشق النمر الفصل الثالث بقلم فهد محمود

  

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، والهدوء يخيم على أرجاء المنزل، إلا من صوت الرياح القوية التي تهز النوافذ. جلس هيثم في غرفته الصغيرة، يحاول أن يُغرق نفسه في الدراسة. عينيه مرهقتان من السهر، ويده ترتعش وهي تقلب صفحات الكتاب.

في الخارج، سمع صوت والده يتحدث بصوت خافت، ثم يضحك بطريقة مستفزة. توقف هيثم عن الكتابة ونظر نحو الباب الذي يفصل غرفته عن غرفة والده الصوت لم يكن واضحًا، لكنه كان كافيًا ليشعل نار القلق داخله.

اقترب من الباب بحذر، محاولاً سماع ما يجري. "إيه ؟ هتيجي بكرة؟ ماشي يا جميلة ... بس متتأخريش!"

كانت الكلمات كالصاعقة. لم يفهم كل التفاصيل لكنه شعر بخيانة صامتة تجاه والدته الراحلة. عاد إلى سريره وهو يحاول أن يكبت غضبه، لكن صدره كان يضيق مع كل نفس.

حل الصباح، واستيقظ هيثم على صوت والده يصرخ باسمه.

"هيثم انزل حالا!"

هب من فراشه على عجل، لكن عينيه كانتا منهكتين من السهر. نزل إلى غرفة المعيشة ليجد محمود جالسًا على الطاولة، كوب شاي في يده ونظرة غاضبة تعلو وجهه.

كنت بتعمل إيه بالليل؟ بتسمعني وأنا بتكلم؟"

هز هيثم رأسه بسرعة: "لا يا بابا... أنا كنت بذاكر."

لكنه لم ينج من قبضة محمود، الذي سحبه بقوة من ذراعه وأخذه إلى الخارج.

لو فكرت تراقبني تاني هخليك تندم

ربطه هذه المرة بالشجرة الموجودة في الفناء الخلفي، والبرد القارس يلسع جسده الصغير تركه هناك لساعات، حتى بدأ المطر يهطل بغزارة. لم يصرخ هيثم أو يطلب النجدة، فقط جلس تحت الشجرة ينظر إلى السماء بعينين فارغتين، وكأنه يتحدث مع القدر بصمت.

في صباح اليوم التالي، عاد هيثم إلى المنزل بعد أن أطلق سراحه جسده كان متعبا، لكن روحه لا تزال تصارع بدل ملابسه المتسخة وذهب مباشرة إلى غرفة جدته.

كانت جدته سميرة تجلس على كرسيها الخشبي القديم، تسبح بخاتمها الصغير. ابتسمت حين رأته يدخل، لكن ابتسامتها سرعان ما تحولت إلى قلق حين رأت آثار التعب على وجهه.

"إزيك، يا حبيبي ؟ ليه شكلك كده؟"

اقترب هيثم منها وقبل يدها: "أنا كويس، يا تيتة متقلقيش."

مسحت على رأسه بحنان وقالت: "ربنا كبير يا بني هو اللي هيقف جنبك."

وصل هيثم إلى المدرسة متأخرا كالعادة. دخل الفصل بخطوات بطيئة، محاولاً تجاهل نظرات المعلمة وزملائه. جلس في مقعده وأخرج كتبه لكن صوت يونس قطع صمته.

"مالك يا هيثم؟ شكلك تعبان.

رد عليه بصوت خافت

"عادي... كنت تعبان شوية."

اقترب منه أنس وسيف خلال الاستراحة. قال سيف

"إحنا أصحابك لازم تقول لنا لو في حاجة مضايقاك."

مش هتقدروا تعملوا حاجة. كل واحد عنده مشاكله، وأنا لازم أواجه مشاكلي لوحدي.

لكنهم لم يتركوه وحيدًا جلسوا معه طوال اليوم يحاولون إخراجه من حالته كانت كلماتهم بسيطة لكنها حملت الكثير من الدفء الذي افتقده في منزله.

في تلك الليلة، بينما كان هيثم يدرس في غرفته سمع صوت تكسير زجاج قوي بجانبه التفت ليجد نافذته محطمة، وقطعة زجاج مغروسة في ساقه. تألم بصمت وهو ينزعها بيده، ثم مسح الدماء التي تساقطت على الأرض. لم يكن هناك مجال للبكاء فقد جفت دموعه منذ زمن.

بدل ملابسه وذهب إلى غرفة جدته وجدها نائمة لكنه ألقى التحية عليها بصوت خافت قبل أن يخرج من المنزل. مر بمنزل عمه، الذي استقبله بقلق حين رأى الجرح في ساقه.

"مالك يا هيثم؟ مين عمل فيك كده؟

"مافيش حاجة، يا عمي بس كنت بحاول أفتح الشباك، ووقع الزجاج.

رغم كذبته الواضحة، لم يضغط عمه عليه. تعالى، أنا هكلم أبوك عشان نتفاهم."

لكن كلمات عمه لم تكن كافية لتخفيف العبء عن كاهل هيثم.

عاد هيتم إلى المنزل في المساء ليجد محمود ينتظره في غرفة المعيشة، يمسك بورقة درجات الامتحان الأخيرة.

ناقص علامتين؟!"

حاول هيثم التبرير یا بابا، الامتحان كان صعب، بس أنا حاولت."

لكن محمود لم يسمع شيئًا. أمسكه بقوة وضربه بلا رحمة. هذه المرة، لم يتوقف عند ذلك؛ أشعل مكواة وضغطها على كتف هيثم.

صرخ الطفل من الألم، لكن عينيه بقيتا جافتين مليئتين بالتحدي والصبر.

جلس هيثم على سريره في تلك الليلة، ينظر إلى الحروق الجديدة على جسده. رغم كل الألم، كانت هناك شرارة صغيرة في قلبه ترفض الاستسلام.

نظر إلى السماء من النافذة وهمس لنفسه يوم ما ، كل ده هينته .. وهبقى أقوى من كل حاجة."

استيقظ هيثم مع شروق الشمس على ألم ساقه وجرح رأسه الذي لم يُشفَ بعد. الغرفة كانت باردة، ورياح الصباح تتسلل عبر النافذة المكسورة. لم يحاول حتى تنظيف الجروح، فقد تعوّد على تجاهل ألمه. نهض بصعوبة وبدّل ملابسه القديمة بأخرى بالكاد تناسبه، ثم توجه إلى غرفة جدته.

كانت سميرة تجلس على كرسيها المعتاد، تسبّح بخاتمها وتتمتم دعاءً غير مسموع. عندما رآها، شعر بدفءٍ خفيّ يخفف من برد قلبه. اقترب منها وقبّل يدها.

سميرة:
"صباح الخير، يا حبيبي. عملت إيه في امتحانك؟"

هيثم:
"كويس، يا تيتة. نقصت علامتين بس."

أومأت برأسها ولم تزد على ذلك، لكنها شعرت بحزنٍ عميق وهي ترى آثار التعب على وجه حفيدها الصغير.

سميرة:
"ربنا معاك، يا هيثم. إنت قوي، وهتفضل قوي. ما تخليش أي حاجة تهزمك."

هزّ رأسه بصمت، ثم ودّعها متجهًا إلى المدرسة.

---

بينما كان يسير في الشارع، مرّ هيثم بمنزل عمه صالح. لمح عمه يقف على الشرفة، فناداه بابتسامة:
"صباح الخير، يا عمي!"

صالح:
"صباح النور، يا بطل. تعال هنا، مالك؟ شكلك تعبان."

اقترب هيثم منه، وأخذ صالح يتفحص الجروح على ساقه ورأسه.
"ده حصل إزاي؟"

هيثم:
"مافيش، يا عمي. الزجاج وقع عليا وأنا بفتح الشباك."

نظر صالح إليه بشك، لكنه لم يُرِد إحراجه.
"طيب، خلّي بالك من نفسك. ولو حصل حاجة، أنا هنا."

---

وصل هيثم إلى المدرسة ودخل الفصل متأخرًا كعادته. جلست المعلمة على مكتبها، لكنها توقفت عن الشرح فور أن رأته.

المعلمة:
"هيثم، إنت كويس؟ ليه متأخر؟"

هيثم:
"آسف، يا ميس. كان في شوية ظروف."

أومأت برأسها، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها. بعد انتهاء الحصة، اقترب أصدقاؤه الثلاثة: سيف، يونس، وأنس.

يونس:
"مالك يا هيثم؟ كل يوم تيجي شكلك تعبان أكتر."

سيف:
"مش كفاية إنك ساكت طول الوقت؟ إحنا أصحابك، ولازم تقول لنا لو في حاجة."

هيثم:
"أنا كويس. والله، يا جماعة، مفيش حاجة."

أنس:
"ما تكذبش علينا. إحنا شايفينك. إنت مش زي باقي الأطفال. في حاجة غلط."

جلسوا حوله في ساحة المدرسة، يحاولون إخراجه من عزلته. رغم صغر سنهم، كانوا يحملون همومًا تفوق أعمارهم.
سيف:
"بص، يا هيثم. لو محتاج مساعدة، إحنا هنا. مش هنسيبك لوحدك."

لأول مرة منذ وقت طويل، شعر هيثم بدفء الصداقة. لكنه لم يجرؤ على البوح بما يجري في منزله.

---
في تلك الليلة، جلس هيثم في غرفته، ينظر إلى الحروق الجديدة على جسده. كانت عينيه فارغتين، وروحه مثقلة. أمسك بقلمه ودفتره القديم، وبدأ يكتب:

"لو كان الألم إنسانًا، لكان والدي..."

لكنه توقف. لم يعرف ماذا يكتب. أغلق الدفتر وأطفأ المصباح، ثم تمدد على السرير، يحاول أن يجد أي معنى لكل ما يمر به.

---

في الصباح التالي، دخلت سميرة غرفة هيثم ووجدته نائمًا. جلست بجانبه، ومسحت على رأسه بحنان.
سميرة (بصوت خافت):
"يا رب، خفف عن الولد ده. خلي عنده صبر أكتر، وارحمه من اللي هو فيه."

حين استيقظ، وجد جدته تنظر إليه بحبٍ ودموع في عينيها. لم يقل شيئًا، فقط قبّل يدها مجددًا، ثم ذهب إلى المدرسة.

في المدرسة، كان أصدقاؤه ينتظرونه في الساحة.
أنس:
"مش هنسيبك لوحدك، فاهم؟ إنت واحد مننا."

يونس:
"لو والدك بيعاملك وحش، لازم تقول لنا."

نظر إليهم هيثم بعينين مليئتين بالتعب وقال:
"أنا كويس. بس محتاجكم جنبي. ده كفاية عليا."

وقفوا بجانبه، وأقسموا أن يحموا صداقتهم مهما حدث.

عاد هيثم إلى المنزل ليجد محمود ينتظره كعادته، لكن هذه المرة كانت هناك نظرة مختلفة في عينيه. ماذا يخطط؟

تعليقات