رواية لا تترك يدي الفصل الثالث والاربعون
صلى خالد ومريم الفجر وقرءا الأذكار معاً. أقتربت مريم من خالد وأنحنت وقالت.
"تعالى أسندك للسرير."
نظر خالد للأعلى وقال.
"لا مفيش وقت. يا دوب أجهز وأنزل."
رفعت مريم حاجبها وقالت.
"تنزل دلوقت أزاي يا خالد. لسة الساعة دلوقت خمسة قول عقبال لما تجهز تبقى ستة. هتنزل الساعة ستة وأمتحانك لسة الساعة تسعة."
"يا مريم لازم أروح قبل الإمتحان بفترة. علشان أشوف هيعملوا لي أيه في وضعي ده. المفروض يمتحنوني في لجنة خاصة ويجيبوا حد أمليه ويكتب لي. علشان أنا مش هعرف أكتب بأيدي ده."
"ربنا ييسر لك الحال يا رب."
"يا رب. جهزت هدومي؟"
"آه مجهزاها من إمبارح."
"كويس. هاتي لي أفطر علشان أخد الدواء. مش هقدر أعمل حاجة النهاردة من غير المسكنات."
"حاضر هدخل أجهز لك الفطار دلوقت حالاً."
أعدت مريم الطعام وجلست هي وخالد يأكلان معا في الصالة على مائدة الطعام. قربت مريم اللقمة من فم خالد فنظر لها وقال.
"على فكرة أنا أقدر أكل بأيدي الشمال."
"عارفة لكن ما ينفعش تاكل بالشمال. علشان كدة أنا اللي هأكلك بأيدي لغاية لما أيدك اليمين تخف إن شاء الله وتقدر تأكل بنفسك."
أبتسم خالد وقال.
"أنا خايف أخد على الدلع ده."
"وأيه المشكلة. ربنا يقدرني وأدلعك العمر كله."
أبتسم خالد وربت على خدها بيده اليسرى ونظر في عينيها بحب وقال.
"ربنا ما يحرمني منك أبدا يا مريم. أنا مش عارف من غيرك كنت عملت أيه."
توردت وجنتي مريم ونظرت للأسفل. ضحك خالد ضحكة خفيفة وقرص خدها وقال.
"يا سلام عليك لما تتكسفي كدة."
رفعت مريم رأسها ونظرت له بغيظ وقالت.
"مش هتبطل بقى وتأكل. هتتأخر على الإمتحان."
"حاضر حاضر. ولا تزعلي نفسك."
أنتهيا من طعامهما وعاونت مريم زوجها ليرتدي ملابسه. أتصل خالد بحارس العمارة وطلب منه يستدعي سيارة أجرة. نزل خالد ورافقته زوجته لتعاونه في الطريق. ركبا الأثنان السيارة وتوجها لمدرسته. أخرجت مريم كتاب خالد وبدأت تراجع له النقاط المهمة في المادة. وصلا إلى المدرسة قبل موعد الإمتحان بساعتين وتوجه خالد للإداره ومعه زوجته وعرضا التقارير الطبية الخاصة بحالته. أستجابت إدارة المدرسة لطلب خالد للإمتحان في لجنة خاصة مراعاة لظروفه الصحية. وتقدمت مريم كمعاونة له في الإمتحان لتكتب ما يمليه عليها خالد.
بعد ثلاث ساعات سلمت مريم ورقة الإجابة للمراقب وتنفس خالد الصعداء. عاونت مريم خالد للخروج بعد الإمتحان. رآه بعض زملائه أثناء خروجه من لجنة الإمتحان وصدموا وتأثروا لما حدث له. دعا أغلبهم له بالشفاء ومنهم ما مازح خالد ليخفف من وطء الخبر عليه.
"أيه يا خالد؟ أيه اللي حصل لك؟"
"لا أبدا مفيش ده حادثة بسيطة يا محمود."
"لا بعد الشر عليك. مش تاخد بالك يا رجل."
"هنعمل أيه يا أحمد؟ قدر الله وما شاء فعل. كل شيء نصيب ."
"ربنا يشفيك."
"الله يكرمك يا سامح."
نظر حسام لخالد ومريم ولوى فمه قليلا ثم قال.
"معلش يا خالد. يمكن تكفير ذنوب. الغلاسة أن الحادثة حصلت في وقت ما ينفعش خالص. ده حتى إحنا في الإمتحانات. يا ترى عملت أيه النهاردة؟"
أبتسم خالد له إبتسامة صفراء وأجابه.
"الحمد لله ما تقلقش. الإمتحان عدى على خير. عملوا لي لجنة خاصة."
"آه ما هو لازم. يعني أنت هتعرف تكتب أزاي بأيدك ده. لكن لاقيت منين حد يكتب لك. ولا الأنسة جاية معك علشان كدة؟"
كظم خالد غيظه ويده قبضت على يد مريم بشدة وقال.
"أيوة ربنا يكرمها هي اللي بتساعدني."
ألتفت خالد لمريم وقال.
"معلش يا مريم ممكن نمشي بسرعة علشان أنا مش قادر أقف أكتر من كدة؟"
نظرت مريم للأعلى وقالت.
"آه طبعا يا خالد."
نظر حسام لخالد وقال.
"أوقف لك تاكسي. أصل صعب تلاقي تاكسي بسهولة والوقوف طبعا مش كويس علشانك."
شعرت مريم بتوتر جسد خالد وشدة قبضة يده علي يدها فأجابت حسام.
"لا شكرا مش محتاجين مساعدة."
أحضر أحدى زملائه كرسي وقال لخالد.
"خالد أقعد أنت ريح هنا عقبال لما أوقف لك تاكسي."
جلس خالد على الكرسي وشكر صديقه. أستقلا خالد ومريم سيارة آجرة بمساعدة زملائه وتوجها للمنزل. أثناء الطريق ألتفتت مريم لزوجها وسألته.
"هو حسام صاحبك اللي أنت كنت حكيت لي عليه عمل مشكلة معك في الفندق؟"
نظر خالد من نافذة السيارة ولم يلتفت لها وأجابها.
"أيوة هو يا ستي. أنا مش عارف هو بيكرهني ليه كدة. أنا ما كنتش متخيل أبدا أنه يشمت في."
"ما تقولش كدة. هيشمت ليه بس؟"
ألتفت خالد لها وقال.
"أنت ما شوفتيش طريقته لما شافني. ولا سمعتي كلامه."
"سمعت وشوفت يا خالد. لكن ليه نسيئ الظن. يمكن مش قاصده."
نظر خالد للأمام وقال.
"الله أعلم بنيته وبقصده."
"أيوة بالظبط الله أعلم. قول لي. أنت ما قولتش حاجة لصاحبك جاسر. أصل كنت متخيلة أنه مش هيسيبك أبدا في حاجة زي كدة."
ألتفت خالد لها أجابها.
"أيوة ما قولت لهوش أي حاجة. لو كنت قولت له كان ساب كل حاجة وجه قعد جنبي وهو عنده إمتحانات دلوقت."
"لا خليه بعد ما يخلص إمتحاناته أبقى قول له. ربنا يكرمه السنة اللي فاتت ما سابكش أبدا لما رجلك كانت مكسورة."
"ربنا يبارك فيه طول عمره جدع وأخ مش مجرد صديق."
قاطعهما صوت هاتف خالد. تلقى خالد الإتصال. أستمعت مريم للمحادثة من طرف واحد عندما شعرت بحزن زوجها.
"أيه يا صالح؟ لا حول ولا قوة إلا بالله."
"معلش يا صالح. البقاء لله. البركة فيك."
"وهو عامل أيه دلوقت؟"
"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إنا لله وإنا إليه راجعون."
"ومرات عمي عاملة أيه؟"
"خد بالك منه يا صالح. أكيد الموقف صعب عليه."
"أنا أسف خالص مش هقدر أجي."
"لا الموضوع مش إمتحانات وبس. الحمد لله يعني حصلت لي حادثة بسيطة. ومش هقدر أسافر خالص دلوقت."
"حصلت يوم الخميس بعد ما كلمتني وقولت لي على حادثة هشام."
"ما بصراحة أتلهيت في الحرق ده وما عرفتش أتصل بك أسألك عنه. أنا أسف خالص."
"لا تيجي أيه دلوقت. ما ينفعش خالص. خليك أنت بس مع هشام. وربنا يشفيه."
"البقاء لله يا صالح."
"مع السلامة."
أنهى خالد الإتصال ونظرت له مريم بإهتمام وسألته.
"في أيه يا خالد؟ مين مات؟"
نظر لها خالد بحزن وأجابها.
"هشام إبن عمي. مراته وابنه ماتوا."
نظرت له مريم بذهول وسألته.
"أيه؟ أزاي؟ إنا لله وإنا إليه راجعون."
"كانت حصلت له حادثة عربية يوم الخميس. أنا نسيت خالص أقول لك لما حصل الحرق."
قلبت مريم كفا على كف وقالت.
"يا عيني. ده الموضوع أكيد صعب عليه قوي. إبنه ومراته في وقت واحد. ربنا يصبره يا رب"
"يا رب. أدعي له يا مريم يحسن حالته صعبة قوي."
"طبعا يا خالد. مش إبنه ومراته."
"صالح بيقول أنه غايب عن الدنيا خالص. متوه تماما."
"أستغفر الله العظيم. ربنا يصبره يا رب."
"يا رب. إن شاء الله أول لما أخلص إمتحانات هبقى أسافر أنا وأنت."
"بإذن الله."
توقفت السيارة أمام عمارة خالد ونزل هو بمعاونة مريم وصعدا لشقتهما. عاونت مريم خالد ليبدل ملابسه وينام.
في المساء أتى الطبيب لتبديل ضماد جرح خالد. أصرت مريم على التواجد في الغرفة أثناء تبديل الضماد. صدمت مريم لبشاعة ما رأت. فهي لم تتخيل أبدا أن رجل خالد كانت مسلوخة تماما من الجلد. شعرت مريم بعدم الإتزان والدوخة عندما رأت عروقه بارزة واضحة. أستندت على المكتب بجوارها حتى لا يشعر خالد بحالتها ويطلب خروجها من الغرفة. بعدما أنهى الطبيب عمله أعطته مريم أجرته وأوصلته للخارج. قبل أن يفتح الباب سألته مريم.
"دكتور هو أمتى جرحه يلم ويبدأ يكون طبقة الجلد؟"
"ربنا ييسر الحال إن شاء الله. ممكن بعد أسبوع تتكون طبقة جلد لكن طبعا هتكون لسة خفيفة. يعني برضه هيحتاج تغيير لسة على الجرح."
"طيب والحرق ده هيسيب علامة؟"
"أكيد."
"طيب يا دكتور أنا سمعت أن عسل النحل ممكن يساعد على الشفاء بسرعة وتكوين الأنسجة وفي نفس الوقت بيزيل أي أثر للحرق. الكلام ده صحيح؟ وينفع يا ترى مع حالة خالد؟"
"هو عسل النحل فعلا مفيد جدا. لكن المشكلة أن صعب تقدري تجيبي عسل نحل نقي. لو حطيت عسل مش نقي ومغشوش على الجرح هيلوثه. لكن العسل النقي مطهر في حد ذاته."
"يعني لو قدرت أجيب عسل نقي أدهن له منه؟"
"لو متأكدة مليون المية أنه عسل نقي ويصلح للجروح أستخدميه."
"هو في عسل للجروح وعسل عادي؟"
"أيوة طبعا. في عسل مخصص للجراحات. لو قدرت تجيبيه يبقى يا ريت."
"حاضر يا دكتور. إن شاء الله هجيبه وهوريه لك قبل ما أستخدمه."
"إن شاء الله. وبالشفاء."
"شكرا يا دكتور."
فتحت مريم الباب وخرج الطبيب. دخلت مريم غرفة خالد وأخرجت كتبه وبدأت تذاكر فيها لتساعده في مراجعة المواد.
بعد أسبوع زارهم فرحات وأخبر خالد أنه بعد فحص زجاجة الزيت التي أستخدمها خالد وقت الحادث وجد فيها أثار بنزين. فعلم أن الحادث مدبر فسأل حاتم زميل خالد في الفندق وضيق عليه الخناق بأسئلته فعلم منه أنه من وضع بنزين في زجاجة الزيت بعد الإتفاق مع حسام وأخذ رشوة منه خمسمئة جنيه. غضب خالد جدا هو مريم مما سمعا. فلم يتخيل أبدا أن صديقه يكرهه لدرجة أن يتسبب له بحادث مثل هذا. فكان من الممكن أن يتسبب له بعاهة دائمة أو حتى يفقد حياته بسبب هذا الحادث. فلولا رحمة الله وفضله الذي أرسل فرحات في هذا الوقت ليطفئ النار لكانت النار ألتهمت جسد خالد بأكمله.
أخبر فرحات أيضا خالد أن سامي مدير الفندق علم بعمل خالد في الفندق. وأن رجوع خالد للعمل في الفندق ليس له أي فائدة الآن لعلم سامي به. فخطة خالد أن يعلم خبايا العمل في الفندق لن تفلح بعدما علم الجميع بأنه صاحب الفندق. غادر فرحات بعدما تناول معهما وجبة العشاء بعد إلحاح شديد من خالد. أثنى فرحات على أكل مريم وطلب منها ومن خالد ألا يترددا في الإتصال به وطلب أي شيء منه في أي وقت.
واست مريم خالد وحاولت تهدئتة غضبه بعدما علم بحقيقة الحادث. لم توفر مريم أي جهد في مساعدة خالد فيما يحتاجه سواء في إستذكار دروسه أو أموره اليومية. فهي كانت تذاكر معه وتذهب معه للإمتحان لتكتب ما يمليه عليها. وتعود معه للمنزل وتقوم بكل الأعمال المنزلية وأيضا تبدل له ضمادة جرحه بعدما أستغنيا عن الطبيب لعدم قدرتهما على دفع أتعابه.
بعدما أنتهت إمتحانات خالد ذكرت مريم فكرة العمل مرة أخرى لخالد. وافق خالد على عرضها لعجزه عن العمل لظروفه الصحية فهو لم يستطع الوقوف على قدمه لفترات طويلة بسبب الحرق. أنشأت مريم صفحة على مواقع النت تعرض فيها بعض المنتجات للبيع. فكانت تشتري الطرح والعبايات وتقوم بتطريزها ثم بيعها.
حزن خالد كثيرا لشعوره بالعجز والإحتياج للمال ورؤيته لزوجته ترهق نفسها بالعمل وهي تحمل طفله. أصر ووعدها في سره أن يفعل كل ما في وسعه حتى لا تحتاج للعمل ثانياً.