رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الرابع والاربعون الجزء الثاني
في منزل تقى عوض الله ،،،،
وقفت تهاني على باب المنزل قائلة بنبرة صـــادقة :
-هاروحله يا فردوس ، هاقوله إني أمه ، وهو ..آآآ..
قاطعتها فردوس بجمود قائلة وهي تعقد ساعديها أمـــام صدرها :
-ماتعشميش نفسك أوي ، انتي متعرفيهوش زي ما احنا عارفينه كويس
هزت رأسها رافضة وهي تقول بإستنكار :
-لأ ، أنا غير أي حـــد ، أنا أمـــه الحقيقية
أضــــافت فردوس قائلة ببرود بعد أن حلت ساعديها ، ورمقت أختها بنظرات إستهجان :
-يا تهاني الزمن اتغير ، والابن اللي بتحكي عنه زمــان ده كبر ، وبقى حاجة تانية ، بقى وحش قــادر بإشارة من صباعه يهد المعبد على اللي فيه !
أصغت تهاني لما قالته أختها ، فربما هي مُصيبة في حديثها ، ولكنها كــأي أم تظن الخير في ابنها مهما بلغت به درجة الوحشية ..
لذا إبتلعت غصة مريرة في حلقها ، وقالت بإصرار :
-لألأ .. انتي مش عارفة حاجة ، كله هيرجع زي زمـــان ، وهاتشوفي
ثم أدارت المقبض ، وخرجت من المنزل ، وصفقت الباب خلفها وهي تمني نفسها بتحقيق حلم اللقاء بإبنها الوحيــــد ......
..............................
في سيارة أوس الجندي ،،،،
رن هاتف أوس الموضوع على التابلوه ، فمـــد يده ليلتقطه ، ونظر إلى شاشته بدقة ، ثم ضغط على زر الإيجاب قائلاً بجمود :
-ايوه يا عدي !
صـــاح عدي بصوت مضطرب بـ :
-أوس ، إنت فين ؟
أجابه بهدوء وهو يوزع أنظاره ما بين المرآة الأمامية والجانبية :
-عندي حاجة مهمة بأعملها
أضـــاف عدي قائلاً بتوجس:
-أنا عاوزك تبعتلي عفاف حالاً
ضيق عينيه الحادتين بإندهاش وهو يردد بـ :
-عفاف !
أجابه بصوت متوتر بـ :
-أيوه ، أنا مش عارف أتعامل مع ليــان خالص ، كل ما أقرب منها تصوت وتصرخ ، وأخــر مرة كانت ناوية تنتحر !!
اتسعت مقلتيه في خـــوف عليها ، وتسائل بجدية :
-اييييه ، امتى ده حصل ؟
رد عليه دون تردد بـ :
-من شوية
مط أوس فمه قليلاً ، وتابع قائلاً بإهتمام :
-ممم.. ماشي ، أنا هابعتلك عفاف على طول، بس ماتسبش ليان على حالتها دي ، وكلم الدكتور
أضــاف عدي قائلاً بإندفــاع :
-اوكي ، بس تيجي عفاف ، لأني معاها !
-على طول ، سلام !
...............................
على مقربة من الحـــــارة ،،،،
وصـــل ممدوح بسيارته إلى مدخل الحـــارة ، وأطل برأسه خـــارج النافذة محاولاً الإستدلال على العنوان المذكور ..
لمح أحــد الأطفال وهو يركل الكرة لأخــر ، فهتف قائلاً بصوت مرتفع :
-خد يا بني هنا
إلتفت له الطفل ، وضيق عينيه بإندهــاش ، ثم ركض نحوه وسأله بفضول :
-خير يا بيه ؟
ســـأله ممدوح بصوت خشن وهو يرمق الصغير بنظرات متأففة :
-اومال تهاني ساكنة فين ؟
رفع الطفل حاجبه للأعلى ، وأردف متسائلاً بعدم فهم :
-تهاني مين ؟
مط ممدوح فمـــه للأمـــام ، وقال بتردد :
-آآ.. تهاني ، اللي هي .. الولية المجنونة
هتف الطفل قائلاً بثقة :
-تهاني مانخوليا !
هز رأسه وهو يجيبه بجدية :
-ايوه
إستـــدار الطفل برأسه للخلف ، وأشـــار بذراعه نحو بناية ما وهو يجيبه بصوت مرتفع :
-عند البيت القديم اللي هناك ده
ابتسم له ممدوح بإبتسامة باهتة وهو يقول :
-ماشي ، شكراً
-أي خدعـــة
قالها الصغير وهو يوليه ظهره ويركض في إتجاه بقية رفاقه متابعاً بصوت مرتفع :
-شــــوط يا بني الفاول ده !
ضغط ممدوح على زر الإتصــــال بناريمان ، ووضع الهاتف على السماعة الخـــارجية ، وإنتظر ردها عليه ..
بعد ثوانٍ أجابته بصوت متوتر بـ :
-ايوه يا ممدوح ، إنت فين دلوقتي ؟
رد عليها ممدوح بهدوء حذر وهو محدق بالبناية :
-أنا قريب من بيتها ، وصلتي لفين ؟
هتفت قائلة بإرتباك واضح في نبرة صوتها :
-أنا قربت من الحتة اللي انت قولتلي عليها ، دقايق وهاكون هناك ، بس أنا خايفة من آآآ...
قاطعها بصـــوت جاد قائلاً :
-خلاص مش وقته ، أما توصلي نكمل كلامنا .. يالا أنا مستنيكي !
ردت عليه بإيجــــاز :
-اوكي .. باي !
..........................
على مقربة من قصــــر عائلة الجندي ،،،،
وصلت تهاني إلى الشـــارع الجانبي المؤدي إلى بوابة القصر الرئيسية ، وجابت بعينيها المكان بتفحص شديد ..
كان قلبها يسبقها في خطواتها من أجـــل رؤية ذلك الغائب الذي تشتاقه ..
ابتلعت ريقها محاولة تخفيف حدة الجفاف التي أصابت حلقها ..
وقفت حـــائرة على مسافة من البوابة ورأت الحرس منتبهين لكل شـــاردة وواردة ، فخشيت أن يظنوا بها الســوء ويتشاجروا معها ..
فكرت في طريقة تمكنها من الدخـــول للقصر دون أن تثير الشبهات حولها ..
فبوجود حراسة كتلك ، سيتعذر عليها الدلوف من غير أن يتحقق من هويتها أحدهم ..
لمحت إحدى السيدات وهي تخرج من البوابة وتتبادل الحديث مع أحد الحرس ..
فضيقت عينيها متمعنة في ملامحها ..
وحدثت نفسها قائلة بحيرة :
-أكيد دي دي واحدة شغالة جوا ، طب .. طب أسألها عن أوس ولا أعمل ايه، ما أنا خايفة أشوف ناريمان جوا ، وتمنع ابني عني !
ســــارت عفاف بخطوات أقرب للركض في إتجاه الطريق الرئيسي ، فلحقت بها تهاني ، وهي تهتف بهمس :
-يا .. يا أستاذة ، لو سمحتي
إنتبهت لها عفاف ، وتوقفت عن السير، وأدارت رأسها للخلف ، وتفرست في ملامحها بإستغراب قائلة بنبرة غير مبالية :
-في حاجة ؟
وقفت تهاني قبالتها ، ونظرت لها بحنو متسائلة بنبرة حزينة :
-ايوه ، معلش ، هو .. هو إنتي شغالة هنا في القصر ؟
أومـــأت برأسها بخفة وهي تجيبها بإيجاز :
-أهــا
لم تنكر عفــــاف أن ملامح تلك السيدة أثــــار فضولها بدرجة مريبة ، فقد كانت بها لمحــات جلية من الصغيرة ليــــان .. رغم فــارق السن والتجاعيد البادية على وجه تلك السيدة ...
سألتها تهاني بتلهف وعينيها تلمعان ببريق غريب :
-طب .. طب أوس الجندي موجود فيه ؟
ضيقت عفاف عينيها قليلاً ، ورمقتها بنظرات أكثر دقة وهي تسـألها بجدية :
-وبتسألي ليه ؟
ارتبكت تهاني لوهلة ، وترددت في إخبارها بهويتها الحقيقية ، وحاولت أن تختلق عذراً ما ، فقالت بتلعثم :
-هـــاه .. آآ.. أنا .. أنا كنت عاوزة أشوفه
ردت عليها عفاف بهدوء وهي محدقة بعينيها التي كانت مشابهة لعيني ليــان كثيراً وتشدقت بـ :
-والله لو ليكي ميعاد معاه تقدري تقابليه في شغله
سألتها تهاني مجدداً بنبرة راجية وهي تشير بعينيها الحزينتين :
-أنا بس عاوزة أعرف إن كان جوا ولا لأ
أجابتها عفاف بإقتضاب وهي تتحرك للأمـــام :
-وأنا مقدرش أقولك !
لحقت بها تهاني ، وأمسكت بها من ذراعها لتوقفها عن الحركة قائلة بإستعطاف :
-الله يكرمك بس ردي على سؤالي ، أنا مش عاوزة أكتر من كده
أزاحت قبضتها عن ذراعها وهي تجيب سؤالها بســـؤال :
-وأجاوبك ليه أصلاً ؟
لم تجد تهاني بداً من التصريح عن هويتها ، فقالت وهي مطرقة الرأس وبتلعثم واضح :
-عشان .. عشان أنا .. أنا أبقى أمه
جحظت عفاف بعينيها في صدمة ، وشهقت قائلة :
-هـــــاه ، ميييين ؟!
تابعت تهاني قائلة بنبرة متلهفة وهي تشير إلى نفسها :
-أنا أمه الحقيقية ، صدقيني ، أنا تهاني شحاته ، أم أوس مهاب الجندي
فغرت عفاف ثغرها قائلة بذهــــول :
-إنتي تهاني !
هزت رأسها بهدوء وهي تجيبها بتلهف :
-ايوه
تقطع صوت عفاف وهي تسألها بصدمة :
-يعني .. يعني انتي مامت الباشا أوس ؟
-أيوه ، دليني على طريقه
لم تفق عفـــاف من تلك الحقيقة العجيبة ، فمن تقف أمامها وتحدثها هي والدة أوس الجندي ..
دار بخلدها فكرة أنها ربما تختلق تلك الأكذوبة ، ولكن الشبه بينها وبين ليــــان كبير ..
لذا دون وعي منها هتفت قائلة بإندهاش :
-معنى كده إنك تبقي .. تبقي مامت ليان كمان
فغرت تهاني شفتيها في حيرة ، وتسائلت بإهتمام ، خاصة بعد أن جذب الإسم إنتباهها بشدة ، بــ :
-هـــاه ، ليان ! مين دي ؟!
تنحنحت عفاف بإرتباك ، وتردد في توضيح موقفها قائلة :
-إحم .. آآ.. أصل
هتفت بها تهاني متسائلة بحدة :
-قولي مين ليان دي ؟
ردت عليها بنبرة خافتة وهي تتفرس في تعابير وجهها محاولة فهم ردة فعلها :
-دي المفروض إنها بنتك على حسب كلام ناريمان هانم !
اتسعت حدقتي تهاني الحمراوتين في صدمة أكبر ، وخفق قلبها بقوة ، وشهقت بفزع قائلة :
-بنتي ؟ هي ... هي لسه عايشة !
هزت رأسها إيجابياً وهي تسألها بإستغراب :
-أها .. هو حد قالك إنها ماتت !
وضعت تهاني يدها على فمها ، وأردفت قائلة بنزق :
-يعني مهاب خطفها مني ، وقالي إنها ماتت ؟ الكلب الواطي آآآآه !
ثم نظرت إلى عفاف ، وامسكت بها من ذراعيها ، وسألتها بتلهف :
-طب .. طب اختها موجودة ؟
سألتها عفاف بحيرة وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-اخت مين ؟
ردت عليها تهاني وهي تلهث بعد أن تلاحقت أنفاسها :
-ليان بنتي كان ليها توأم اسمها بيسان ؟!
ردت عليها عفاف بنوع من الجمود قائلة بعد أن سلطت أنظارها على قبضتيها :
-بصي أنا معرفش حاجة عن الكلام ده
أرخت تهاني قبضتيها ، وسألتها بإستفهام وهي تتوسل لها بعينيها :
-انتي شغالة هنا من زمان ؟
أجابتها بهدوء وهي ترمقها بتلك النظرات الغريبة :
-اها ، من سنين
ظهرت إبتسامة رضـــا على محياها ، وهزت رأسها وهي تضيف بنبرة شبه هادئة :
-يعني .. يعني ولادي عايشين كويس ومبسوطين ؟
تقوس فم عفاف قليلاً ، وأجابتها بإمتعاض :
-هــاه ، مش عارفة أقولك ايه ، بس ادعيلهم
هتفت بها تهاني قائلة بإصرار :
-أنا عاوزة أشوف ولادي
ردت عليها عفاف بنبرة جادة وهي تدير رأسها للخلف :
-محدش فيهم موجود في القصر
-طب .. طب هما فين ؟
سمعت كلتاهما صوتاً رجولياً يأتي من الخلف متسائلاً بقوة بـ :
-ست عفــــــاف ، في حاجة ؟ في حد بيضايقك ؟
إلتفتت عفاف برأسها نحو صاحب الصوت المألوف ، وردت عليه بجمود :
-لأ يا جمـــال ، مافيش
اقترب منهما ، وسلط أنظاره على تهاني متفحصاً إياها بدقة ، وتابع بنبرة جــــادة :
-أصــل أنا شايفك بترغي مع الست دي
ابتلعت تهاني ريقها في خوف ، وإرتعدت من فكرة التسبب في حدوث مشكلة لتلك السيدة ، لذا ردت بتوتر :
-هـــاه .. أنا .. أنا كنت تايهة وبســأل عن عنوان كده
سألها بنبرة قوية وهو يحدجها بنظراته الحـــادة :
-عنوان مين ؟
أضافت عفاف قائلة بصوت جاد وهي تشير بكفها :
-خلاص يا جمــال ، مافيش حاجة ، روح انت شوف شغلك وأنا طالعة على أول الشارع
لوى فمه في تأفف ، ورد بإيجاز :
-ماشي !
ثم رمقهما بنظرات منزعجة قبل أن يتركهما وينصرف مبتعداً ...
تابعته تهاني بنظراتها القلقة ، ولكنها عادوت النظر إلى عفاف بعد أن شرعت حديثها بجدية بـ :
-بصي يا ست تهاني ، أنا مش هاعرف أتكلم الوقتي لأني مستعجلة ، بس انتي ممكن تديني رقمك وأنا هأفهمك على كل اللي عاوزة تعرفيه بعدين
تهللت أسارير تهاني ، ونظرت لها بإمتنان وهي تجيبها بنبرة شاكرة :
-ماشي ، يبقى كتر خيرك ، وده جميل مش هانسهولك أبداً
.................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
لم يغمض لتقى جفن بعد تلك الحقائق الصادمة التي استمعت لها .. يكفيها ما عانته لتتجرع من جديد مرارة الظلم على يد أقرب أقربائها ..
كانت عبراتها الساخنة تحرق قلبها قبل وجنتيها ..
حبست أنفاسها قدر المستطاع حتى لا يستمع أحد إلى صوت صراخ قلبها الملتاع ..
كانت والدتها تجلس على مقربة منها تحيك تلك الرقع المتواجدة بقميص زوجها ، وتتنهد في حزن محدثة نفسها بصوت مسموع نسبياً :
-هاترجع وخيبة الأمل راكبة جمل ، ويبقى ما نبنا غير الفضيحة بزيادة !
صمت لوهله قبل أن تكمل بإحباط :
-يا ربي ليه بس بيحصلنا ده كله ، ما احنا طول عمرنا في حالنا، وأعدين كافيين خيرنا شرنا ، وفي الأخر يبقى ده نصيبنا ، والناس لسانها مابيسكتش ، في الفضايح طول كده ، وفي الحقايق ولا حس .. آآآه ، يا ريتني مت ولا شوفت الهم ده كله ، وعوض ايدي منه والأرض .. آآآه ، كله في الأخر على كتافك يا فردوس !!
بكت تقى أكثر وكتمت فمها بكف يدها كي لا تنتبه لأنينها الصامت ..
فمن تزوجته قسراً نهش لحمها كما ينهش الأســد فريسته دون ندم ، وبشهوة مريضة نَهِمَ من جسدها بإشتهاء مقزز ، وتركها بلا روح ..
أما والدتها فهي تعمد إلى وضع الزيت على النيران لتزيد من شرارة عذابها .. ألا يكفيها ما تقاسيه لتردد دوماً على مسامعها أنها الابنة المذنبة التي فرطت في شرفها رغم أنها كانت تحميها من ظلمات الحبس وبرودته القاسية ..
تنهدت بآلم كبير .. وحاولت ألا تصدر صوتاً ، واكتفت بحبس وجعها الثقيل في صدرها ...
انتبهت فردوس إلى صـــوت قرع جرس باب منزلها ، فنهضت بإرهــاق من على الأريكة ، وأنزلت ساقها المثنية على الأرضية ، وأسندت أدوات الخياطة على جنب .. ثم ســارت بخطوات عرجــاء نحو الخـــارج
استغلت تقى فرصــة خروج والدتها من الغرفة لتخرج شهقاتها المكتومة ، وترثي حالها البائس ..
..............
لفت فردوس طرف حجابها حول كتفها ، ثم فتحت الباب ونظرت إلى المرابطين أمـــامه بإستغراب ، فقد كانت هيئتهما مختلفة وغريبة إلى حد كبير .. وخاصة أن ملابسهما تعبر عن ثراء واضح ..
أفاقت هي من صمتها ، وتسائلت بإهتمام :
-ايوه ، عاوزين مين ؟
تحرك ممدوح خطـــوة للأمـــام ليرمقها بتلك النظرات الساخطة قبل أن يسألها بصوت متصلب :
-فين تهاني ؟
تراجعت فردوس للخلف ، ونظرت بتوجس له ، ثم سلطت أنظارها على تلك السيدة ذات النظرات المتعالية والإحتقارية التي دلفت إلى الداخل ، وتسائلت بحيرة :
-إنتو مين ؟
رمقتها ناريمان بنظرات إحتقارية ومهينة وهي تضيف قائلة بسخط :
-ده بيت المجنونة !
لوحت فردوس بيديها وهي تصيح بقوة :
-في ايه ؟ مالكم داخلين كده من غير احم ولا دستور ؟ عاوزين مين ؟
أشـــار ممدوح بيده بعد أن أدار رأسه للخلف قائلاً بهدوء حذر :
-شش يا ناريمان !
ثم إلتفت لينظر ناحية فردوس متسائلاً بصوت قاتم :
-قوليلي يا ست ، فين تهاني ؟
لوت فمها وهي تردد بإمتعاض :
-تهاني اختي
أشارت لها بإصبعها في إستهزاء وهي تقول بنبرة مهينة :
-ياي ، هو انتي اختها ، لوكـــال أوي !
صاحت بها فردوس بنبرة محتقنة :
-ما تقفي عوج وتتكلمي عدل يا ست إنتي !!
لوت ناريمان فمها في تأفف ، وقالت بإمتعاض :
-أوووف ، ايه ده ، بيئة !
إستدار ممدوح برأسه للخلف ، وحدج ناريمان بنظرات محذرة وهو يصيح بشراسة من بين أسنانه:
-ناريمان ، من فضلك ، سبيني أتعامل !
ثم أدار رأسه في إتجاه فردوس ، وتحرك قبالتها وهو يضيف قائلاً بجدية مريبة :
-احنا جايين نســأل عن تهاني !
رمقته فردوس بنظرات قوية وهي تهتف بنبرة محتدة :
-وأنا مش هـــارد عليكم قبل ما أعرف إنتو مين ؟
................................
في نفس التوقيت وصلت سيارة أوس الجندي إلى الحـــارة ، ومعه سيارتي حراسته الخاصة ..
تفاجيء هــو بوجود سيارة عائلته التي يعرفها وسيارة أخــرى ملاصقة لها خمن صاحبها على الفور ..
فإنقبض قلبه بشدة ، وإكفهر وجهه بصورة واضحة ..
ثم ترجل من سيارته ، وأشـــار لرجــال حراسته بيده ، وهو يحدثهم بصرامة جلية :
-الكل يجهز ، وتفتحوا عينكم كويس ، مش عاوز حد لا يدخل ولا يخرج من هنا ، مفهوم
أجابه أحدهم بنبرة رسمية بـ :
-حاضر يا باشا !
ثم دلف أوس إلى داخــــل البناية وهو ينتوي شراً لمن سيجده بالأعلى ..................................... !!
وقفت تهاني على باب المنزل قائلة بنبرة صـــادقة :
-هاروحله يا فردوس ، هاقوله إني أمه ، وهو ..آآآ..
قاطعتها فردوس بجمود قائلة وهي تعقد ساعديها أمـــام صدرها :
-ماتعشميش نفسك أوي ، انتي متعرفيهوش زي ما احنا عارفينه كويس
هزت رأسها رافضة وهي تقول بإستنكار :
-لأ ، أنا غير أي حـــد ، أنا أمـــه الحقيقية
أضــــافت فردوس قائلة ببرود بعد أن حلت ساعديها ، ورمقت أختها بنظرات إستهجان :
-يا تهاني الزمن اتغير ، والابن اللي بتحكي عنه زمــان ده كبر ، وبقى حاجة تانية ، بقى وحش قــادر بإشارة من صباعه يهد المعبد على اللي فيه !
أصغت تهاني لما قالته أختها ، فربما هي مُصيبة في حديثها ، ولكنها كــأي أم تظن الخير في ابنها مهما بلغت به درجة الوحشية ..
لذا إبتلعت غصة مريرة في حلقها ، وقالت بإصرار :
-لألأ .. انتي مش عارفة حاجة ، كله هيرجع زي زمـــان ، وهاتشوفي
ثم أدارت المقبض ، وخرجت من المنزل ، وصفقت الباب خلفها وهي تمني نفسها بتحقيق حلم اللقاء بإبنها الوحيــــد ......
..............................
في سيارة أوس الجندي ،،،،
رن هاتف أوس الموضوع على التابلوه ، فمـــد يده ليلتقطه ، ونظر إلى شاشته بدقة ، ثم ضغط على زر الإيجاب قائلاً بجمود :
-ايوه يا عدي !
صـــاح عدي بصوت مضطرب بـ :
-أوس ، إنت فين ؟
أجابه بهدوء وهو يوزع أنظاره ما بين المرآة الأمامية والجانبية :
-عندي حاجة مهمة بأعملها
أضـــاف عدي قائلاً بتوجس:
-أنا عاوزك تبعتلي عفاف حالاً
ضيق عينيه الحادتين بإندهاش وهو يردد بـ :
-عفاف !
أجابه بصوت متوتر بـ :
-أيوه ، أنا مش عارف أتعامل مع ليــان خالص ، كل ما أقرب منها تصوت وتصرخ ، وأخــر مرة كانت ناوية تنتحر !!
اتسعت مقلتيه في خـــوف عليها ، وتسائل بجدية :
-اييييه ، امتى ده حصل ؟
رد عليه دون تردد بـ :
-من شوية
مط أوس فمه قليلاً ، وتابع قائلاً بإهتمام :
-ممم.. ماشي ، أنا هابعتلك عفاف على طول، بس ماتسبش ليان على حالتها دي ، وكلم الدكتور
أضــاف عدي قائلاً بإندفــاع :
-اوكي ، بس تيجي عفاف ، لأني معاها !
-على طول ، سلام !
...............................
على مقربة من الحـــــارة ،،،،
وصـــل ممدوح بسيارته إلى مدخل الحـــارة ، وأطل برأسه خـــارج النافذة محاولاً الإستدلال على العنوان المذكور ..
لمح أحــد الأطفال وهو يركل الكرة لأخــر ، فهتف قائلاً بصوت مرتفع :
-خد يا بني هنا
إلتفت له الطفل ، وضيق عينيه بإندهــاش ، ثم ركض نحوه وسأله بفضول :
-خير يا بيه ؟
ســـأله ممدوح بصوت خشن وهو يرمق الصغير بنظرات متأففة :
-اومال تهاني ساكنة فين ؟
رفع الطفل حاجبه للأعلى ، وأردف متسائلاً بعدم فهم :
-تهاني مين ؟
مط ممدوح فمـــه للأمـــام ، وقال بتردد :
-آآ.. تهاني ، اللي هي .. الولية المجنونة
هتف الطفل قائلاً بثقة :
-تهاني مانخوليا !
هز رأسه وهو يجيبه بجدية :
-ايوه
إستـــدار الطفل برأسه للخلف ، وأشـــار بذراعه نحو بناية ما وهو يجيبه بصوت مرتفع :
-عند البيت القديم اللي هناك ده
ابتسم له ممدوح بإبتسامة باهتة وهو يقول :
-ماشي ، شكراً
-أي خدعـــة
قالها الصغير وهو يوليه ظهره ويركض في إتجاه بقية رفاقه متابعاً بصوت مرتفع :
-شــــوط يا بني الفاول ده !
ضغط ممدوح على زر الإتصــــال بناريمان ، ووضع الهاتف على السماعة الخـــارجية ، وإنتظر ردها عليه ..
بعد ثوانٍ أجابته بصوت متوتر بـ :
-ايوه يا ممدوح ، إنت فين دلوقتي ؟
رد عليها ممدوح بهدوء حذر وهو محدق بالبناية :
-أنا قريب من بيتها ، وصلتي لفين ؟
هتفت قائلة بإرتباك واضح في نبرة صوتها :
-أنا قربت من الحتة اللي انت قولتلي عليها ، دقايق وهاكون هناك ، بس أنا خايفة من آآآ...
قاطعها بصـــوت جاد قائلاً :
-خلاص مش وقته ، أما توصلي نكمل كلامنا .. يالا أنا مستنيكي !
ردت عليه بإيجــــاز :
-اوكي .. باي !
..........................
على مقربة من قصــــر عائلة الجندي ،،،،
وصلت تهاني إلى الشـــارع الجانبي المؤدي إلى بوابة القصر الرئيسية ، وجابت بعينيها المكان بتفحص شديد ..
كان قلبها يسبقها في خطواتها من أجـــل رؤية ذلك الغائب الذي تشتاقه ..
ابتلعت ريقها محاولة تخفيف حدة الجفاف التي أصابت حلقها ..
وقفت حـــائرة على مسافة من البوابة ورأت الحرس منتبهين لكل شـــاردة وواردة ، فخشيت أن يظنوا بها الســوء ويتشاجروا معها ..
فكرت في طريقة تمكنها من الدخـــول للقصر دون أن تثير الشبهات حولها ..
فبوجود حراسة كتلك ، سيتعذر عليها الدلوف من غير أن يتحقق من هويتها أحدهم ..
لمحت إحدى السيدات وهي تخرج من البوابة وتتبادل الحديث مع أحد الحرس ..
فضيقت عينيها متمعنة في ملامحها ..
وحدثت نفسها قائلة بحيرة :
-أكيد دي دي واحدة شغالة جوا ، طب .. طب أسألها عن أوس ولا أعمل ايه، ما أنا خايفة أشوف ناريمان جوا ، وتمنع ابني عني !
ســــارت عفاف بخطوات أقرب للركض في إتجاه الطريق الرئيسي ، فلحقت بها تهاني ، وهي تهتف بهمس :
-يا .. يا أستاذة ، لو سمحتي
إنتبهت لها عفاف ، وتوقفت عن السير، وأدارت رأسها للخلف ، وتفرست في ملامحها بإستغراب قائلة بنبرة غير مبالية :
-في حاجة ؟
وقفت تهاني قبالتها ، ونظرت لها بحنو متسائلة بنبرة حزينة :
-ايوه ، معلش ، هو .. هو إنتي شغالة هنا في القصر ؟
أومـــأت برأسها بخفة وهي تجيبها بإيجاز :
-أهــا
لم تنكر عفــــاف أن ملامح تلك السيدة أثــــار فضولها بدرجة مريبة ، فقد كانت بها لمحــات جلية من الصغيرة ليــــان .. رغم فــارق السن والتجاعيد البادية على وجه تلك السيدة ...
سألتها تهاني بتلهف وعينيها تلمعان ببريق غريب :
-طب .. طب أوس الجندي موجود فيه ؟
ضيقت عفاف عينيها قليلاً ، ورمقتها بنظرات أكثر دقة وهي تسـألها بجدية :
-وبتسألي ليه ؟
ارتبكت تهاني لوهلة ، وترددت في إخبارها بهويتها الحقيقية ، وحاولت أن تختلق عذراً ما ، فقالت بتلعثم :
-هـــاه .. آآ.. أنا .. أنا كنت عاوزة أشوفه
ردت عليها عفاف بهدوء وهي محدقة بعينيها التي كانت مشابهة لعيني ليــان كثيراً وتشدقت بـ :
-والله لو ليكي ميعاد معاه تقدري تقابليه في شغله
سألتها تهاني مجدداً بنبرة راجية وهي تشير بعينيها الحزينتين :
-أنا بس عاوزة أعرف إن كان جوا ولا لأ
أجابتها عفاف بإقتضاب وهي تتحرك للأمـــام :
-وأنا مقدرش أقولك !
لحقت بها تهاني ، وأمسكت بها من ذراعها لتوقفها عن الحركة قائلة بإستعطاف :
-الله يكرمك بس ردي على سؤالي ، أنا مش عاوزة أكتر من كده
أزاحت قبضتها عن ذراعها وهي تجيب سؤالها بســـؤال :
-وأجاوبك ليه أصلاً ؟
لم تجد تهاني بداً من التصريح عن هويتها ، فقالت وهي مطرقة الرأس وبتلعثم واضح :
-عشان .. عشان أنا .. أنا أبقى أمه
جحظت عفاف بعينيها في صدمة ، وشهقت قائلة :
-هـــــاه ، ميييين ؟!
تابعت تهاني قائلة بنبرة متلهفة وهي تشير إلى نفسها :
-أنا أمه الحقيقية ، صدقيني ، أنا تهاني شحاته ، أم أوس مهاب الجندي
فغرت عفاف ثغرها قائلة بذهــــول :
-إنتي تهاني !
هزت رأسها بهدوء وهي تجيبها بتلهف :
-ايوه
تقطع صوت عفاف وهي تسألها بصدمة :
-يعني .. يعني انتي مامت الباشا أوس ؟
-أيوه ، دليني على طريقه
لم تفق عفـــاف من تلك الحقيقة العجيبة ، فمن تقف أمامها وتحدثها هي والدة أوس الجندي ..
دار بخلدها فكرة أنها ربما تختلق تلك الأكذوبة ، ولكن الشبه بينها وبين ليــــان كبير ..
لذا دون وعي منها هتفت قائلة بإندهاش :
-معنى كده إنك تبقي .. تبقي مامت ليان كمان
فغرت تهاني شفتيها في حيرة ، وتسائلت بإهتمام ، خاصة بعد أن جذب الإسم إنتباهها بشدة ، بــ :
-هـــاه ، ليان ! مين دي ؟!
تنحنحت عفاف بإرتباك ، وتردد في توضيح موقفها قائلة :
-إحم .. آآ.. أصل
هتفت بها تهاني متسائلة بحدة :
-قولي مين ليان دي ؟
ردت عليها بنبرة خافتة وهي تتفرس في تعابير وجهها محاولة فهم ردة فعلها :
-دي المفروض إنها بنتك على حسب كلام ناريمان هانم !
اتسعت حدقتي تهاني الحمراوتين في صدمة أكبر ، وخفق قلبها بقوة ، وشهقت بفزع قائلة :
-بنتي ؟ هي ... هي لسه عايشة !
هزت رأسها إيجابياً وهي تسألها بإستغراب :
-أها .. هو حد قالك إنها ماتت !
وضعت تهاني يدها على فمها ، وأردفت قائلة بنزق :
-يعني مهاب خطفها مني ، وقالي إنها ماتت ؟ الكلب الواطي آآآآه !
ثم نظرت إلى عفاف ، وامسكت بها من ذراعيها ، وسألتها بتلهف :
-طب .. طب اختها موجودة ؟
سألتها عفاف بحيرة وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-اخت مين ؟
ردت عليها تهاني وهي تلهث بعد أن تلاحقت أنفاسها :
-ليان بنتي كان ليها توأم اسمها بيسان ؟!
ردت عليها عفاف بنوع من الجمود قائلة بعد أن سلطت أنظارها على قبضتيها :
-بصي أنا معرفش حاجة عن الكلام ده
أرخت تهاني قبضتيها ، وسألتها بإستفهام وهي تتوسل لها بعينيها :
-انتي شغالة هنا من زمان ؟
أجابتها بهدوء وهي ترمقها بتلك النظرات الغريبة :
-اها ، من سنين
ظهرت إبتسامة رضـــا على محياها ، وهزت رأسها وهي تضيف بنبرة شبه هادئة :
-يعني .. يعني ولادي عايشين كويس ومبسوطين ؟
تقوس فم عفاف قليلاً ، وأجابتها بإمتعاض :
-هــاه ، مش عارفة أقولك ايه ، بس ادعيلهم
هتفت بها تهاني قائلة بإصرار :
-أنا عاوزة أشوف ولادي
ردت عليها عفاف بنبرة جادة وهي تدير رأسها للخلف :
-محدش فيهم موجود في القصر
-طب .. طب هما فين ؟
سمعت كلتاهما صوتاً رجولياً يأتي من الخلف متسائلاً بقوة بـ :
-ست عفــــــاف ، في حاجة ؟ في حد بيضايقك ؟
إلتفتت عفاف برأسها نحو صاحب الصوت المألوف ، وردت عليه بجمود :
-لأ يا جمـــال ، مافيش
اقترب منهما ، وسلط أنظاره على تهاني متفحصاً إياها بدقة ، وتابع بنبرة جــــادة :
-أصــل أنا شايفك بترغي مع الست دي
ابتلعت تهاني ريقها في خوف ، وإرتعدت من فكرة التسبب في حدوث مشكلة لتلك السيدة ، لذا ردت بتوتر :
-هـــاه .. أنا .. أنا كنت تايهة وبســأل عن عنوان كده
سألها بنبرة قوية وهو يحدجها بنظراته الحـــادة :
-عنوان مين ؟
أضافت عفاف قائلة بصوت جاد وهي تشير بكفها :
-خلاص يا جمــال ، مافيش حاجة ، روح انت شوف شغلك وأنا طالعة على أول الشارع
لوى فمه في تأفف ، ورد بإيجاز :
-ماشي !
ثم رمقهما بنظرات منزعجة قبل أن يتركهما وينصرف مبتعداً ...
تابعته تهاني بنظراتها القلقة ، ولكنها عادوت النظر إلى عفاف بعد أن شرعت حديثها بجدية بـ :
-بصي يا ست تهاني ، أنا مش هاعرف أتكلم الوقتي لأني مستعجلة ، بس انتي ممكن تديني رقمك وأنا هأفهمك على كل اللي عاوزة تعرفيه بعدين
تهللت أسارير تهاني ، ونظرت لها بإمتنان وهي تجيبها بنبرة شاكرة :
-ماشي ، يبقى كتر خيرك ، وده جميل مش هانسهولك أبداً
.................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
لم يغمض لتقى جفن بعد تلك الحقائق الصادمة التي استمعت لها .. يكفيها ما عانته لتتجرع من جديد مرارة الظلم على يد أقرب أقربائها ..
كانت عبراتها الساخنة تحرق قلبها قبل وجنتيها ..
حبست أنفاسها قدر المستطاع حتى لا يستمع أحد إلى صوت صراخ قلبها الملتاع ..
كانت والدتها تجلس على مقربة منها تحيك تلك الرقع المتواجدة بقميص زوجها ، وتتنهد في حزن محدثة نفسها بصوت مسموع نسبياً :
-هاترجع وخيبة الأمل راكبة جمل ، ويبقى ما نبنا غير الفضيحة بزيادة !
صمت لوهله قبل أن تكمل بإحباط :
-يا ربي ليه بس بيحصلنا ده كله ، ما احنا طول عمرنا في حالنا، وأعدين كافيين خيرنا شرنا ، وفي الأخر يبقى ده نصيبنا ، والناس لسانها مابيسكتش ، في الفضايح طول كده ، وفي الحقايق ولا حس .. آآآه ، يا ريتني مت ولا شوفت الهم ده كله ، وعوض ايدي منه والأرض .. آآآه ، كله في الأخر على كتافك يا فردوس !!
بكت تقى أكثر وكتمت فمها بكف يدها كي لا تنتبه لأنينها الصامت ..
فمن تزوجته قسراً نهش لحمها كما ينهش الأســد فريسته دون ندم ، وبشهوة مريضة نَهِمَ من جسدها بإشتهاء مقزز ، وتركها بلا روح ..
أما والدتها فهي تعمد إلى وضع الزيت على النيران لتزيد من شرارة عذابها .. ألا يكفيها ما تقاسيه لتردد دوماً على مسامعها أنها الابنة المذنبة التي فرطت في شرفها رغم أنها كانت تحميها من ظلمات الحبس وبرودته القاسية ..
تنهدت بآلم كبير .. وحاولت ألا تصدر صوتاً ، واكتفت بحبس وجعها الثقيل في صدرها ...
انتبهت فردوس إلى صـــوت قرع جرس باب منزلها ، فنهضت بإرهــاق من على الأريكة ، وأنزلت ساقها المثنية على الأرضية ، وأسندت أدوات الخياطة على جنب .. ثم ســارت بخطوات عرجــاء نحو الخـــارج
استغلت تقى فرصــة خروج والدتها من الغرفة لتخرج شهقاتها المكتومة ، وترثي حالها البائس ..
..............
لفت فردوس طرف حجابها حول كتفها ، ثم فتحت الباب ونظرت إلى المرابطين أمـــامه بإستغراب ، فقد كانت هيئتهما مختلفة وغريبة إلى حد كبير .. وخاصة أن ملابسهما تعبر عن ثراء واضح ..
أفاقت هي من صمتها ، وتسائلت بإهتمام :
-ايوه ، عاوزين مين ؟
تحرك ممدوح خطـــوة للأمـــام ليرمقها بتلك النظرات الساخطة قبل أن يسألها بصوت متصلب :
-فين تهاني ؟
تراجعت فردوس للخلف ، ونظرت بتوجس له ، ثم سلطت أنظارها على تلك السيدة ذات النظرات المتعالية والإحتقارية التي دلفت إلى الداخل ، وتسائلت بحيرة :
-إنتو مين ؟
رمقتها ناريمان بنظرات إحتقارية ومهينة وهي تضيف قائلة بسخط :
-ده بيت المجنونة !
لوحت فردوس بيديها وهي تصيح بقوة :
-في ايه ؟ مالكم داخلين كده من غير احم ولا دستور ؟ عاوزين مين ؟
أشـــار ممدوح بيده بعد أن أدار رأسه للخلف قائلاً بهدوء حذر :
-شش يا ناريمان !
ثم إلتفت لينظر ناحية فردوس متسائلاً بصوت قاتم :
-قوليلي يا ست ، فين تهاني ؟
لوت فمها وهي تردد بإمتعاض :
-تهاني اختي
أشارت لها بإصبعها في إستهزاء وهي تقول بنبرة مهينة :
-ياي ، هو انتي اختها ، لوكـــال أوي !
صاحت بها فردوس بنبرة محتقنة :
-ما تقفي عوج وتتكلمي عدل يا ست إنتي !!
لوت ناريمان فمها في تأفف ، وقالت بإمتعاض :
-أوووف ، ايه ده ، بيئة !
إستدار ممدوح برأسه للخلف ، وحدج ناريمان بنظرات محذرة وهو يصيح بشراسة من بين أسنانه:
-ناريمان ، من فضلك ، سبيني أتعامل !
ثم أدار رأسه في إتجاه فردوس ، وتحرك قبالتها وهو يضيف قائلاً بجدية مريبة :
-احنا جايين نســأل عن تهاني !
رمقته فردوس بنظرات قوية وهي تهتف بنبرة محتدة :
-وأنا مش هـــارد عليكم قبل ما أعرف إنتو مين ؟
................................
في نفس التوقيت وصلت سيارة أوس الجندي إلى الحـــارة ، ومعه سيارتي حراسته الخاصة ..
تفاجيء هــو بوجود سيارة عائلته التي يعرفها وسيارة أخــرى ملاصقة لها خمن صاحبها على الفور ..
فإنقبض قلبه بشدة ، وإكفهر وجهه بصورة واضحة ..
ثم ترجل من سيارته ، وأشـــار لرجــال حراسته بيده ، وهو يحدثهم بصرامة جلية :
-الكل يجهز ، وتفتحوا عينكم كويس ، مش عاوز حد لا يدخل ولا يخرج من هنا ، مفهوم
أجابه أحدهم بنبرة رسمية بـ :
-حاضر يا باشا !
ثم دلف أوس إلى داخــــل البناية وهو ينتوي شراً لمن سيجده بالأعلى ..................................... !!