رواية لعنة الخطيئة الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الرابع والاربعون بقلم فاطمة أحمد


- أنا مش هنطق بكلمة كل اللي هقولهولك ان مصدر الضرر قريب منك بس انت مش قادر تشوفه ولو مش مصدقني روح اسأل الست حكمت هانم. 


انصدم آدم مما يقوله ودقت نواقيس الخطر بداخله فاِنتفض بتشنج وغمغم مستجوبا إياه بحدة :

- ايه علاقة ستي بالموضوع ده انت بتعرفها منين. 


- ده أنا اللي بعرفها كويس ... ابقى روح لحكمت هانم واسألها انتي عملتي ايه في الماضي يا ستي خلانا نوصل للوضع ده اسألها وهنشوف اذا هترد عليك ولا لأ يا ... حفيد العمدة السابق. 


وتبع حديثه الغامض صوت رنين متقطع يدل على إنهاء المكالمة !


انتفض آدم وردد بإنفعال مكتوم :

- استنى متقفلش ... ألو ... ألو !! 


أعاد الإتصال به لكن الخط كان خارج مجال التغطية فأطلق شتيمة ساخطة وغَلَت الدماء برأسه الذي كاد ينفجر وهو يكرر الحوار في ذهنه بأعصاب تالفة متسائلا، ما علاقة هذا المجرم بجدته ومالذي يقصده بأفعالها في الماضي. 

هل أذت شخصا لدرجة أن يعود بعد سنوات من أجل الانتقام حسنا إذا كان ما يظنه صحيحا فهذا يعني أن جدته تعلم هوية عدوه أو على الأقل تستطيع توقع من يكون ! 


زفر آدم بخنقة واستند على حافة الشرفة مبرطما :

- بس هو كان يقصد ايه لما قالي ان سمعتي واعتباري انا اللي هيتضررو لما تنكشف الحقيقة ياترى كان مجرد كلام يضيعني بيه ولا بيتكلم بجد. 


لم يستوعب، أو بالأحرى لم يتقبل استيعاب ما يسمعه من الأطراف المحيطين به فكل شخص في حياته سبق وسبب له الضغط والمشاكل والآن هو لا يعلم من أين ستأتيه الضربة القادمة !! 


حك آدم ذقنه باِنفعال وقرر الذهاب لغرفة جدته الآن واستجوابها لكنه تراجع وقد فكر ليس من الصواب أن يواجهها الآن بينما الجميع منتبه، ولذلك سيتركها هذه الليلة تنام قريرة الأعين وربما غدا يكتشف سر حكمت أو مثلما أخبره ذلك الوغد، جريمة حكمت !!


_________________

خرج من منزله حاملا معه محفظة من الجلد تحمل بعض الملفات المتعلقة بعمله وأغلق الباب وهو منشغل بالتفكير في حادثة البارحة بعدما عجز عن طرد ذكريات ماحدث من ذهنه. 

 حيث كاد يتهور أكثر من مرة ويتصل بـحليمة -عمته- لعله يستدرجها لتخبره عن آخر المستجدات وربما يطمئن من خلالها على حالة آدم -وهو ما رفض الاعتراف به بالمناسبة- لكنه في كل مرة يتراجع ويعلق مستهجنا :

- انا اللي اتضربت بسببه يبقى مين المفروض يطمن على التاني ؟ 


تأفف مراد مستفيقا من شروده وانطلق متوجها نحو سيارته ليصادف جارته على حين غرة فتنحنح مبرطما :

- صباح الخير ... آنسة زينب.  


- استاذ مراد صباح النور ازي حضرتك. 


- بخير الحمد لله ... انتي رايحة لشغلك ؟ 


أماءت زينب بإيجاب واستفسر مراد عن مكان عملها مستطردا بعدما أخبرته :

- ده نفس طريقي تحبي اوصلك. 


- مش عايزة اتعبك. 

عارضت بحرج لكن مراد ابتسم ببساطة وهو يُصِر عليها :

- مفيش تعب ولا حاجة مش هياخد من وقتي اتفضلي. 


ركبا السيارة معا وبينما هما في الطريق انتبهت زينب للجرح والكدمات الطفيفة على وجهه فقالت :

- الجرح اللي ع جبينك لازم يتعقم وميتسابش كده عشان ميلتهبش.  


تبسم الآخر وعلَّق على كلماتها بهدوء :

- بتنصحيني بطبع شغلك ماهو انتي ممرضة بقى.


- اه يمكن بس حضرتك اهو سمسار وصاحب مكتب محترم اللي بيشوفك ميقولش انك ممكن تدخل في عركة زي عيال اليومين دول .... احم اسفة لو تجاوزت حدودي. 

أردفت معتذرة عندما أدركت أنها تواقحت معه لكن مراد لم يبدُ أنه انزعج منها بل ظل مبتسما وهو يعقب على جملتها :

- المظاهر بتخدع والحكم ع الناس من أول مرة بيخدع كمان يعني احيانا بتلاقي واحد معدنه صلب من برا بس وحش اوي من جوا. 

وأحيانا الانسان بيضطر يدخل في خناقات ويعمل تصرفات غلط عشان يحمي نفسه ويرد حقه. 


أحست زينب من صوته الغائم أن الموضوع حاد عن كونه عفويا وبدأ يلمح لأشياء أخرى، أكثر ظلاما. 

وانتبه مراد لما يقوله فتدارك نفسه وأردف بنبرة حاول جعلها ليِّنة :

- الجرح بسيط ومش مستاهل و ياستي لو حسيت انه بيلتهب هجيلك لحد بيتكم واطلب منك تعقميهولي. وآكل محشي ورق العنب من ايد خالتي ام زينب عشان التعقيم يجيب فايدة. 


انزلقت ضحكة خفيفة من فم زينب وسايرته في مزاحه بعدما أُزيلت بعض من الرسمية بينهما وبعد فترة توقف أمام إحدى العيادات لتحدجه باِمتنان شاكرة إياه :

- متشكرة لحضرتك اوي يا استاذ مراد.


- حضرتي بيقولك العفو وبيقولك بلاش كلمة حضرتك ديه انا كده ببقى حاسس انك مش طايقاني. 


- لا خالص بس عشان يعني لسه مبنعرفش بعض كويس. 


أخفت زينب بداخلها حقيقة أن طبيعة حياتها جعلتها تتعامل برسمية زائدة مع المحيط من حولها. 


- المهم أنا هنزل دلوقتي لأني متأخرة اصلا ... شكرا لتاني مرة ومع السلامة. 


ترجلت من السيارة بسرعة فراقبها مراد حتى دخلت للعيادة المقصودة ثم انطلق إلى مكتبه وقد نجحت صحبتها القصيرة في جعل ذهنه يتشتت مؤقتا ...

________________


بعد ليلة قضاها يتلضى على الجمر نهض عن سريره بمزاج ضيق وانتظر نيجار حتى تهبط إلى الأسفل ثم ذهب لغرفة جدته وولج بعدما دق الباب.

كانت حكمت جالسة على مقعدها المعتاد برأس مرفوع وملامح وجهه مقتضبة، وعندما رأت وجهه قالت مباشرة :

- شكلهم ضغطو عليك اوي المرة ديه ياحفيدي. 


تنهد آدم واقترب منها مرددا :

- كالعادة أكيد حضرتك سمعتي بالهجوم اللي حصل عليا امبارح صح. 


علمت ومنذ ذلك الوقت وهي تتقلب على النار. كتمت حكمت هذه الجملة في نفسها وأجابته بهدوء :

- كنت مستنية تجيلي ليلة امبارح وتكلمني في الموضوع بس على العكس انت روحت لأوضتك ومطلعتش منها ... يمكن لقيت الست اللي تشكيلها همومك بدالي وأنا مبقاش ليا داعي. 


رغم ضيق آدم من تلميحها إلا أنه لم يتوانَ عن تقبيل كف يدها مبرطما بمسايرة :

- انتي ست الكل يا حكمت هانم ومحدش هياخد مكانتك بس انا كنت تعبان ومش حمل ارد على أسئلتكم وكده كده احنا قبضنا على اتنين من الصايعين اللي اتهجمو عليا ومسيرهم يعترفو بمكان المعلم بتاعهم. 


في هذه اللحظة بالذات كانت حكمت تستحق الجائزة الكبرى على ضبط أعصابها وهي تقاوم بكل ما أوتيت من قوة حتى لا تهتز رمشة من عينيها أو ترتجف يدها المضمومة بين أصابع يدي آدم الذي رمقها بنظرات عميقة متفرسا في كل نظرة تقوم بها. 


- بس حصلت حاجة معايا امبارح بليل ... المعلم بتاعهم اتصل بيا.

لم يسعها الوقت للتفاجؤ وهو يتابع :

- هددني زي العادة وأنا مهتميتش بس قال حاجة خلتني استغرب. 


سحبت حكمت يدها منه وهتفت بجمود دون مواربة :

- واضح انها خطيرة جدا مادامك جيت لعندي من صباحية ربنا عشان تحكيهالي. 


- عندك حق فعلا يا ستي بالي مشغول من ساعتها ومش فاهم كان قصده ايه بس أنا لما هددته وقولتله هلاقيك وافضحك هو اتريق عليا وقالي ان عيلتي اللي هتتفضح الأول وكمان ... لمحلي انه ليكي علاقة بكل اللي بيحصل. 


عجزت حكمت عن درء انفعالها وهي تنتصب واقفة بعجرفة مرددة :

- ليا علاقة ازاي مش فاهمة. 


تنهد آدم مستحثا الثبات حتى يصل لحقيقة الأمر ثم نهض من بعدها وأخبرها مباشرة عن حديث العدو الذي جعله يسهر طوال الليل مفكرا في حقيقته ...


"متبقاش واثق من نفسك كده مش ممكن انت اللي تتفضح لما تتكشف حقيقتي وسمعتك تبقى في الاراضي.  

وليه ميكونش حقيقة هتقضي على اعتبارك انت الاول يا ولد سلطان الصاوي"


" كل اللي هقولهولك ان مصدر الضرر قريب منك بس انت مش قادر تشوفه ولو مش مصدقني روح اسأل الست حكمت هانم" 

 

" ده أنا اللي بعرفها كويس ... ابقى روح لحكمت هانم واسألها انتي عملتي ايه في الماضي يا ستي خلانا نوصل للوضع ده اسألها وهنشوف هي هترد عليك وتقول ايه يا حفيد العمدة السابق" 


طفق يردد على أسماعها نفس الكلمات محولا إياها إلى كتلة من الجمر المشتعل وإحساس خانق يحتكم حلقها وهي ترى درجات الخطر الملوحة أمامها دون أن تكون قادرة على صدِّه !!

بعدما انتهى آدم من سرد الوقائع صمت محدقا فيها باِستجواب وشكٍّ بائن فاِستعادت حكمت صلابتها وتحكمت في سطوة مشاعرها الفياضة وهي تغمغم بجفاء :

- اهو اي كلام فاضي بيقوله واحد قاطع طريق عشان يتوهك ويكسب وقت. 


اقترب آدم منها بخطوات رصينة حتى وقف أمامها وغمغم بغموض :

- هو قال انك بتعرفيه وكمان جاب سيرة الماضي ومكنش باين عليه انه بيكدب ولا بيخترع حوارات. 

 

- وإذا ؟ ممكن يكون واحد من عديمي الأصل اللي حقدو علينا في الماضي بسبب مكانة عيلتنا وكمان احتمال يبقى حد من. اعدائنا ضروري أنا افتكر كل واحد عدى من قدام باب بيت الصاوي ؟


عارضته بعنفوان متمسكة بموقفها ومجاهدة حتى لا تُفضح في غفلة منها إلا أن آدم الذي لم تظهر عليه علامة تؤكد أنه وقع في خيوط كذبها واجهها مجددا وبحدة أقوى كي يضغط عليها :

- معلش يعني يا ستي بس هو مجبش سيرة الصاوي بشكل عام ده ذكر اسمك انتي بالذات يعني مشكلته معاكي فـ ازاي حضرتك بتقولي انك مبتعرفيهوش. 


نفضت حكمت يده الموضوعة على كتفها لتصرخ فيه بصوت حاولت جعله منخفض رغم تدرجات العصبية النافرة به :

- قصدك ايه ياولد ولدي عاوز توصل لـإيه اني كدابة وبخبي الحقيقة عنك ؟ نسيت انك واقف قدام حكمت هانم ست البلد ديه كلها وجاي تستجوبني وبتعاملني كأني مجرمة. 


لاح ثغره في شبه ابتسامة متهكمة وهو يراها تفقد أعصابها على غير العادة، لكنه قابلها بالهدوء الشديد ما بعد العاصفة هامسا بكلمات صارمة خُيِّل لحكمت أنها تحمل التهديد بين طياتها : 

- اللي عاوزه يا حكمت هانم هو اني اعرف الحقيقة اللي بقالي كتير بشك فيها وعاوز اتأكد اذا فعلا احنا هنتفضح اول ما السر ينكشف ولا لا عشان اعرف الحق نفسي فياريت تواجهيني ومتخفيش عني اي حاجة قبل فوات الأوان. 


ساد الصمت بين الاثنين وهما يتطلعان لبعضهما البعض بقوة، كلاهما يعتبران من أقوى أفراد عائلة الصاوي المعروفة بأصالتها وربما آدم كان ومازال شبلها الذي تربى على يديها وحمل نفس جبروتها وعنادها لذلك فإن النيران المشتعلة في عينيه هي قطعة من نيرانها فهل سيأتِ يوم ويحرقها بها ؟

هكذا فكرت حكمت التي لم تتحرك قيد أنملة حتى قاطعهما طرق الباب وصوت أم محمود تناديها من الخارج :

- الفطار جاهز يا ست هانم. 


انسلخ هذا الأخير عنها منهيا النقاش لكنه قال بصلابة قبل مغادرته :

- بتمنى انك تفكري فكلامي كويس وتقدري تفيديني قبل ما اوصل أنا بنفسي وساعتها حاجات كتيرة هتتغير ما بيننا يا ستي، ودلوقتي بعد اذنك. 


خرج من الغرفة ونزل إلى الأسفل بملامح واجمة استرعت انتباه نيجار فأوقفته متسائلة :

- انت رايح فين مش هتفطر ؟ 


- لا عندي شغل مهم لازم اخلصه. 


ردَّ بنزق ونفور ثم تحرك ليتجاوزها لكنها تحدثت بلين في محاولة منها لتهدئته قليلا بعدما رأت انفعاله الشديد :

- طب استنى بس انت باين عليك متعصب اوي تعالى اقعد واحكيلي في ايه انا....


تأفف آدم بضجر ونفض يدها بقسوة لم ينتبه لها وهو يسحب قدرا يسيرا من غضبه عليها :

- وانتي مالك في الموضوع اصلا وبعدين انا قولتلك اني مشغول يبقى جاية تصدعيني ليه انتي مبتفهميش ! 


بهتت نيجار وتزعزعت بنظرة قاسية قذفها آدم بها من عينيه قبل أن يرتدَّ جسدها بدفعة من جسده ما ان اخترقها مغادرا بخطوات مهتاجة تاركا خلفه قلبا مجروحا ودموعا محتارة مابين الغضب منه أو الحزن عليه !

الفصل الخامس والاربعون من هنا


تعليقات