رواية لا تترك يدي الفصل الرابع
في الفجر
استيقظت مريم على صوت طرق على باب غرفتها والحاج إبراهيم ينادي على خالد.
"خالد، قوم يا ابني علشان تصلي الفجر، قوم بسرعة صلاة الجماعة هتفوتنا."
نهضت مريم وفتحت الباب ووجدت إبراهيم وزوجته أمامها مندهشين لخروجها من غرفة خالد. سألها الحاج إبراهيم:
"أنت بتعملي ايه هنا يا بنتي؟"
صاحت سعاد فيه.
"شوفت يا حاج اللي بيحصل في بيتك."
دفعت سعاد مريم جانبا ودخلت الغرفة بإندفاع. فقالت مريم لإبراهيم:
"خالد نايم مع هشام يا حاج."
خرجت سعاد من الغرفة بعدما تأكدت من خلوها. مسكت بذراع مريم وسألتها بعنف:
"أنت ايه اللي خلاك تنامي هنا؟ مش كنت نايمة في المطبخ في أول الليل؟ ولا حتة حتة هتستولي على الدار بحالها؟"
فاجأهم صوت خالد.
"أنا اللي خليتها تنام هنا يا مرات عمي. ده بنت وما ينفعش تنام في مكان مفتوح. ينفع يعني اي حد فينا او من ولاد عمي يدخل المطبخ بالليل يلاقيها نايمة على الارض؟"
تركت سعاد يد مريم وقالت لخالد:
"يعني يا ابني تخرجك من فرشتك علشان تنام هي؟"
ربت إبراهيم على كتف ابن اخيه وقال له:
"عين العقل يا خالد. مش صح ابدا انها تنام في المطبخ يا سعاد. وانا قولت لك كدة. ادي خالد حل المشكلة ولاقى لها مكان تنام فيه غير المطبخ."
مصمصت سعاد شفايفها وقالت:
"كتر خيره طول عمره حنين زيك يا حاج."
"ادخلي انت كملي نومك يا بنتي. تصبحي على خير."
"حاضر يا سيدي الحاج. تصبح على خير."
"تكمل نوم ايه. تعالي ساعديني في الخبيز."
"حاضر يا ستي الحاجة."
"جهزت للصلاة يا خالد؟"
"أيوة يا عمي. جاهز من بدري."
"طيب تعالى نلحق الجماعة. هشام برضه ما قامش يصلي؟"
"حاولت اصحيه رفض."
"ربنا يهديه. تعالى يا ابني."
ذهب خالد وإبراهيم لصلاة الفجر وذهبت مريم مع سعاد للخبيز وتجهيز الفطار
* * *
في الصباح، كان خالد وعمه وابناء عمه فوق سطح المنزل يتحدثون معا بعد وجبة الافطار. نظر خالد للأفق البعيد واستنشق الهواء النقي. سرح بخياله في جمال الطبيعة المحتضن لمنزل عمه. فأمامه الحقول مفترشة الأرض باللون الأخضر الهادئ. يقطعها النيل بلونه الفيروزي المتلألأ. وفي الأفق تشرق الشمس بين خبايا الجبل المحتضن الوادي. مكث دقائق يستمتع بالمنظر الخلاب الذي ازداد جمالا بظهور مريم تدريجيا وهي تصعد الدرج حاملة صينية الشاي لهم. ألقت عليهم السلام وأقتربت تقدم الشاي لهم جميعا وعندما قدمت الشاي لخالد تمعض وجهه وسألها:
"أيه اللي جرى لأيدك التانية؟"
"مفيش حاجة."
"أيه يا بنتي مش تاخدي بالك شوية."
"حاضر يا سيدي الحاج."
قال خالد بإستياء
"ده شكلها لسعة جامدة."
نظرت سعاد لمريم وقالت بهدوء تداري به غضبها.
"لا جامدة ولا حاجة. هي بس اتلسعت وهي بتطلع الخبيز."
نظر خالد لمريم بضيق لإهمالها في نفسها.
"ابقي طهريها ده كمان. هتعرفي ولا لأ"
"حاضر. هاعرف اطهرها."
"روحي انت علشان تنظفي الدنيا تحت."
"حاضر يا ستي الحاجة."
اتجهت مريم للسلم ثم ترددت برهة ونظرت لخالد فسألها.
"في حاجة يا مريم؟ عاوزة حاجة؟"
"كنت عاوزة اطلب طلب صغير انا اسفة انا عارفة اني تقلت عليكم."
قالت سعاد بتململ:
"خير عاوزة ايه كمان؟"
وقال لها إبراهيم:
"قولي يا بنتي محتاجة حاجة. ما تتكسفيش."
نظر خالد لمريم نظرة يشجعها لتتحدث. فنظرت مريم للأرض وقالت بصوت خافت.
"كنت بس عاوزة اتعلم الصلاة. لو حد بس يقول لي اصلي ازاي."
سألتها سعاد بدهشة:
"هو أنت عمرك ما صليت؟"
فأجابها زوجها:
"وهي مين هيعلمها الصلاة يا حاجة"
قام خالد واقترب من مريم وسألها:
"عاوزة تصلي يا مريم؟"
رفعت مريم رأسها وقالت له بعيون دامعة.
"ايوة بالله عليكم علموني الصلاة. نفسي اقف قدام ربنا واصلي. خايفة اموت من غير ما اصلي له."
قام إبراهيم وربت على رأسها.
"خلاص يا بنتي ما تعيطيش."
التفت خالد لزوجه عمه وسألها.
"ممكن يا مرات عمي تعلميها الوضوء والصلاة؟ ابقي صلي بها جماعة هنا في البيت."
"أنا؟"
أجابها زوجها.
"أمال مين هيعلمها يا أم صالح؟ حتى تكسبي فيها ثواب. ربنا يجازيك خير على تعبك."
"حاضر. لما يأذن الظهر هاصلي معك جماعة."
جرت مريم وانحت تقبل يد سعاد.
"الله يكرمك يا رب. ربنا يجازيك خير يا رب. يا رب تزوري بيت الله."
نتشت سعاد يدها من يد مريم.
"بس بقى بطلي شغل الشحاتة ده."
وقفت مريم ورأسها مطأطأ من الخجل ثم خرجت من المكان لتقوم بأعمال المنزل.
التفت خالد لإبن عمه وسأله.
"هشام أنا عاوز أنزل وسط البلد النهاردة اشتري شوية حاجات. هينفع توصلني؟"
"أنزل مع ولد عمك يا هشام أكيد هيمل من القعاد هنا طوالي."
"ماشي يا خالد. أنزل معك حتى نعدي على اصحابي ونسهر سهرة حلوة."
"قشطة يا ابن عمي."
"ما تسهرش ابن عمك كتير. ده متعود ينام بدري علشان يصحى للفجر مش زيك ناموسيته كحلي."
لاحظ خالد تغير تعبيرات وجه هشام لضيق.
"عادي يا عمي انا مش مشكلة بالنسبة لي لما أسهر عادي الحمد لله باصحى للفجر واصلي برضه مهما سهرت ممكن بس بعد الفجر ابقى اكمل نوم."
"ربنا يزيدك يا ابني."
* * *
في منتصف الليل، عاد خالد وهشام من الخارج ووجد خالد مريم تنتظرهم فسألها.
"ايه اللي مصحيك لغاية دلوقت؟"
تثاءبت مريم ثم أجابته بصوت ضعيف من الإرهاق.
"ستي الحاجة طلبت مني ما انامش من قبل ما احضر لكم العشا."
قال لها هشام:
"إحنا أكلنا برا. أدخلي نامي."
ثم توجه لغرفته لينام.
"حاضر تصبحوا على خير."
توجهت مريم لغرفتها ولكنها توقفت عندما سمعت خالد يقول لها.
"أستني يا مريم خدي الحاجات ده معك."
أعطي خالد مريم حقيبة فسألته بتعجب:
"أيه ده؟"
"ده إسدال صلاة علشان تلبسيه لما تيجي تصلي مع مرات عمي. وده ام بي ثري تسمعي منه قرآن."
"ايه؟ أم بي ايه."
"بصي يا ستي. أنا فكرت اشتري لك مصحف لكن افتكرت انك مش بتعرفي تقرأي ولا تكتبي. ولازم تحفظي قرآن علشان تعرفي تصلي. فأشتريت لك الجهاز ده ونزلت عليه المصحف كامل بصوت الحصري. ده شيخ المقرئين يعني اصح قراءة ممكن تسمعيها اليومين دول. هتسمعي منه القرآن وهتقدري تحفظي القرآن إن شاء الله."
شرح لها خالد كيفية تشغيل الجهاز وكيف تستمع للقرآن منه. قالت له مريم بعيون تبرق بالامل ودموع السعادة.
"بجد؟ يعني ممكن أحفظ القرآن؟"
"أحفظي الاول سورة الفاتحة لأنها من غيرها مش هتعرفي تصلي. وبعدين تقدري تحفظي السور الصغيرة وشوية شوية هتحفظي اكتر واكتر وان شاء الله تحفظي القرآن كامل."
"يا رب ده أمنية عمري أني اعرف أصلي واقرأ قرآن."
"إن شاء الله هتعرفي تعملي كل حاجة. تصبحي على خير."
"وأنت من أهله. شكرا خالص يا خالد."
"ما تنسيش تغيري على الجرح اللي في ايدك."
"حاضر ما تقلقش انت."
دخلت مريم لغرفتها لتنام فيها ودخل خالد لغرفة ابن عمه لينام.
* * *
بعد شهر
سعاد وهشام يتحدثان معا في غرفته.
"اديك اخدت الدبلوم. مش هتنزل بقى الارض مع اخوك."
"حاضر يا اما. الاسبوع الجاي ان شاء الله هأبدأ شغل مع اخوي."
"هو كل اسبوع تقول الاسبوع الجاي. أنت هتنزل من بكرة."
"يا اما سيبيني افوق شوية أنا لسة مخلص امتحانات من شهر بس."
"يا واد انا عاوزاك تنزل الشغل مع اخوك وتقف معه. مش عاوزاه يشيل الليلة كلها. لو حصل حاجة لأبوك مش هتعرف تاخد حق ولا باطل من أخوك. أنت عاوزه هو بس اللي ياخد كل حاجة ويبقى ماسك كل حاجة."
"وفيها ايه يا اما. مش أخوي. مش ابنك زي ما انا ابنك برضه."
"لا مش أبني. أنت و بكر اخوك بس اللي اولادي. صالح ابن اختي."
"يا اما حرام عليك. ده الناس كلها معتبراك امه. ده هو عمره ما قال لحد غيرك يا اما. ده عمره ما شاف امه ولا يعرف ام غيرك. جاية دلوقت تقولي انه مش ابنك."
"أيوة مش ابني. أنا اخدته لحمة حمرا اه. أختي الله يرحمها ماتت هي وبتولده ولا عمرها شالته ولا حتى رضع منها. أنا ربيته وكبرته وشيلته زي ما يكون ابني بالظبط. لكن وقت الجد أنت واخوك بكر بس هم اللي اولادي. أنت فاكر بعد عمر طويل لأبوك ان صالح مش هيقول حقي برقبتي؟ فاكر وقتها هيقول اخواتي وامي. طبعا لأ هيرمينا ولا هنطول منه حق ولا باطل."
"حرام عليك ما تفتريش على الرجل. ده صالح طيب جدا ويحبك ويحبنا كأننا اخواته شققا."
"بص اخواته ولا مش اخواته. أنت تنزل الأرض من بكرة وتعرف كل كبيرة وصغيرة في ملك ابوك. فاهم ولا لأ."
"حاضر فاهم."
دخلت مريم قاطعتهما.
"خلصت الغسيل يا ستي الحاجة. محتاجة مني أي حاجة تاني أعملها؟"
"أيوة كان في شوية مواعين بصبنهم وما خلصتهمش. روحي صبنيهم."
"حاضر."
خرجت مريم وتركتهم. لاحظت سعاد نظرات ابنها المتتبعة لمريم.
"يا شيخ استنظف. مش لاقي غير بنت الشوارع ده كمان اللي تبص لها."
"أبص لمين بس يا اما. أنا مش ببص لحد."
"أنت فاكرني مش شايفة بصاتك لها في الرايحة والجاية. طيب بص لحد يستاهل مش ده. شاور انت بس وانا اخطب لك اجمل واحسن بنت في البلد مش تبص للي مش عارفين لها اصل ولا فصل."
" خطوبة ايه وجواز ايه بس يا اما. أنا مش بفكر في الحاجات ده دلوقت خالص."
"ليه بقى. ده ابوك اتجوز اختي وهو اصغر منك بسنتين."
"ده كان زمان مش دلوقت."
"زمان ولا دلوقت. أنت بس قول لي على اللي تعجبك من اهل البلد واجوزها لك. لكن اللي عينك عليها ده أياك تفكر فيها."
"أنا عيني مش على حد. ومش ده اللي عيني تبقى عليها يا اما."
"أيوة ربنا يكملك بعقلك يحسن لو قليت عقلك وعملت اي حركة نقص ابوك ممكن يطردك من البيت."
"ايه بس اللي بتقوليه ده يا اما. حركات نقص ايه احنا مالناش في الكلام ده واصل."
"أنا بس بوعيك."