رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم منال سالم


 رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الخامس والخمسون

في الفيلا القابعة بالمنتجع السياحي ،،،

جـــاب أوس الصالة الواسعة ذهاباً وإياباً وهو يزفـــر بصورة متوترة ، ثم رفـــع رأسه للأعلى ليرى إن كانت تقــى قد إنتهت من إرتداء ملابسها ، وفي إتجاهها للنزول ..
تحسس بيده طرفي ياقة قميصه الأســـود ، وتأكد من غلق غالبية أزراره حتى لا تنتبه هي إلى تلك الخدوش التي أحدثتها بصدره حينما كانت تحــاول تحرير نفسها من أحضانه .. 
نظر إلى ســاعة يده وهو يحدث نفسه بضيق :
-ممم.. 5 دقايق وأطلع أشوفها ! 

.......................

في نفــس التوقيت كـــانت تقى تقف مشدوهة على عتبة المرحـــاض غير مستوعبة أن مـــا عاشته كان مجرد حلماً لا أكثر .. 
دلفت إلى داخـــل المرحــاض ، وتأملته بنظرات دقيقة ، وخاصة ستائر النافذة ذات اللون البيج ، وتلمستها بأصابعها وهي تضيق عينيها في حيرة ، ومحدثة نفسها بإندهاش بـ :
-غريبة ! الستاير لونها وشكلها غريب !

إلتفتت برأسها ناحية سائل الإستحمــام والشامبو ، وزاد إنعقـــاد ما بين حاجبيها حينما رأت العبوات مختلفة في النوع والشكل – وكذلك الرائحة – وتابعت حديث نفسها بإنهــاك بـ :
-الظاهر إن تعب اليوم طلع عليا ! ماهو مش ممكن أكون اتوهمت ده كله ، ومافيش حاجة حصلت !

عـــادت أدراجها إلى الغرفة ، ومطت شفتيها للأمـــام وهي تحاول تذكر أين وضعت حقيبة سفرها .. فرأتها في زاوية الغرفة .. 
فســـارت ناحيتها بخطوات متهادية ، ثم جثت على ركبتيها ، وبدأت تتفقد ما بها من ملابس ..
أمعنت النظر في الثياب الجديدة ، وهمست قائلة لنفسها :
-أنا هالبس حاجة طويلة ، مش عاوزة أحس إن عينيه شايفة جسمي ، كده أضمن !

وبالفعل أخـــرجت تقــى من الحقيبة بنطالاً قماشياً يشبه التنورة في تصميمه ولكن أرجله واسعة من اللون الأســـود ، وبه حــزام عريض فضي .. وإنتقت كنزة بيضاء اللون ومتوسطة الطول من الحرير ذات أكمــام قصيرة ، ومن أعلاها قررت إرتداء " كــارديجان أســـود " – أي سترة قماشية طويلة تغطي الأرداف وما بعدها بمسافة معقولة – وذي أكمـــام طويلة فضفاضة لتضمن تغطية جسدها وعدم تجسيم تفاصيله .. 
إبتسمت تقــى لنفسها في رضــا بعد أن وجدت مبتغاها ، ونهضت عن الأرضية ، ثم أمسكت بالثياب بكلتا يديها ، ودلفت إلى المرحـــاض لتبدل ملابسها على عجــالة .. 
..............................

زفــــر أوس مجدداً من الضيق ، ونظر في ساعته بتوتر .. وأردف قائلاً بإنزعـــاج :
-الظاهر صنف الستات واحد ، في التأخير أساتذة ! 

ظل يركل الأرضية اللامعة بمقدمة حذائه الأســـود ، ثم أخــرج هاتفه المحمول من جيبه ، وظل يعبث به محاولاً إلهـــاء نفسه ...
..........................

نظرت تقــى إلى إنعكـــاس صورتها في المـــرآة بإنهبار واضح في نظرات عينيها .. فقد كانت الثياب مناسبة لها بشكل غير معقول .. فتلك هي المرة الأولى التي ترتدي ملابساً باهظة الثمن ، ومن مــاركات عالمية .. 
فجل ما إرتدته كانت تشتريه بصحبة والدتها من الأســواق الشعبية أو من ســوق المستعمل إن تعذر الحـــال .. 
تغنجت بجسدها قليلاً لتتأكد من عدم بروز أي مفاتن لها أثناء حركتها ..
رمشت بعينيها مذعــــورة حينما تذكرت أنها لم تؤدي فرائض اليــوم ، فأســرعت بالوضــوء ، وتجفيف وجهها ، ثم بحثت عن حجاب لائق لترتديه .. 
ومع هذا وقفت حائرة في مكانها ، فهي لا تعرف إتجاه القبلة ، فحكت رأسها بضيق ، وزمت ثغرها قائلة :
-طب أستدل عليها إزاي ، مممم.. 

إلتفتت برأسها للجانب لتــرى الشرفة ، فإبتسمت لنفسها بثقة ، وهتفت بحماس :
-أيوه صح ، انا فاكرة لما بابا قالي حددي القبلة من اتجاه البحر 

دلفت تقــى إلى الشرفة ، وإستندت بكفيها على حافتها ، وحدقت أمامها بإهتمـــام لتحدد إتجاه البحر ، وإبتسمت لنفسها بسعادة حينما تذكرت كيف تمكنت بسهولة من تحديد إتجاهها .. 

عــادت للغرفة ، وإتخذت وضعية الصلاة ، ثم أقبلت عليها بشغف صـــادق ، وخشعت للمولى وهي تؤديها ..
................................

إستدار أوس برأســـه للخلف بعد أن تجمدت ملامحه وقد دار في خلده أن تكون تقــى قد تهورت وإرتكبت حماقة مــا .. 
فإتسعت حدقيته برعب ، وحدث نفسه قائلاً :
-لأحسن تكون هربت تاني !

أســـرع ناحية الدرابزون ، وصعد عليه ركوضـــاً ، ووصل إلى الغرفة ..
كان بابها موارباً ، فســار على أطراف أصابعه ، وإختلس النظرات من فتحته الضيقة محاولاً رؤيتها أو حتى سماع أي أصوات تصدر من الداخل تشير لها .. ولكن كان كل شيء ساكناً بطريقة مريبة ..
إنقبض قلبه بشـــدة ، ولم يتردد في فتح الباب والدخــول .. 
ولكنه تسمر في مكانه مصدومـــاً حينما رأهــا ساجدة ..

إقشعــــر بدنه بصورة عجيبة وهو يراها على تلك الوضعية .. فهو نـــادراً ما رأى أحداً من أهله يصلي أو يتضرع للمولى ، وكأنهم في عالم أخـــر  .. حتى شهر رمضــان بالنسبة لعائلته كانت مجــرد وسيلة للظهور إعلامياً بأنهم من محبي فعل الخيرات لا أكثر ولا أقــل .. 
لم يحيد بعينيه عنها ، وشعـــر بأن هنـــاك هـــالة ما مميزة تحيط بها ، وتضفي عليها نوراً غريباً ..
فرغم كل ظروفها الطاحنة وما مرت به من مآسي معه إلا أنها لا تزال كما هي تقية نقية تحافظ على صلاتها ..
الصلاة .. أيخجل أن يقول لها أنه لم يتعود على أدائها ، بل إنه لم يؤديها مطلقاً ..  
-الله أكبر ..!
قالتها تقـــى بصوت رقيق وخافت وهي تعتدل في سجودها ، فزدات قشعريرة أوس ، وإهتز كيانه بالكامل ، وتراجع بخوف للخلف ..
لم يدرْ ما الذي أصابه فجـــأة ، ولكنه أدرك أن هنـــاك فجوة كبيرة بينهما .. إنهما مختلفان في كل شيء .. بل هما النقيضان .. 
هو الذي يتباهى أمــام الجميع بعنفه وتسلطه وجبروته وقوته المفرطة وإرتكابه للفواحش والموبقات .. ولكنه من الداخل أضعف من طفل صغير عاجز عن حماية نفسه ..
أما هي فرغم وهنها وضعفها وحالة الإنكســـار المسيطرة عليها ، إلا أنها أقـــوى داخلياً ، وأنقى روحياً ، ومعها سلاح يعيد تشكيل قوتها كلما إنهـــارت .. هو سلاح التقوى والإيمــان ..
 
أطرق رأســـه في خــزي ، وأعـــاد غلق الباب بهدوء ، وحدث نفسه قائلاً بحزن :
-هي إزاي كده ؟ ده أنا .. أنا جمبها شيطـــان ! 
أغمض عينيه ، وأخـــرج تنهيدة حـــارة من صدره ، ثم عاود السير وإتجه نحو الدرج وهو يجرجر أذيــال خيبته ..
.............................

إنتهت تقـــى من الصلاة ، ودعت الله بإخلاص قائلة وهي ترفع كفيها للأعلى وبصرها للسماء :
-يا رب نجيني من الهم اللي أنا فيه على خير ، يا رب احميني منه ، وعيني عشان أرجع لأهلي !

مسحت وجهها بعد أن فرغت من دعائها ، ونهضت عن الأرضية لتبحث عما ترتديه في قدميها ..
نظرت مجدداً إلى داخل الحقيبة ، فوجدت جيباً خاصاً بالأحذية ، فإبتسمت قليلاً ، ولكن إختفت إبتسامتها حينما وجدت أن غالبيتهم من الكعوب العالية والرفيعة ..
فركت عينيها في ضيق ، وحدثت نفسها بضجر :
-وده هالبسه إزاي ؟ ده أنا طول عمري بألبس شباشب يا جزم في الأرض !

في النهاية حسمت أمرها بإختيار ما يتناسب مع لون ثيابها ، ومشيت بخطوات حذرة تجــاه المرآة لتعدل من وضعية حجابها ، وتعقده بطريقة مناسبة ..

ثم ســـارت ببطء شديد في إتجــاه باب الغرفة وهي تتمتم بخفوت :
-يا رب ما أقع وأنا ماشية !

أمسكت بالدرابزون ونزلت عليه بحرص شديد .. وظلت محدقة بقدميها حتى لا تزل إحداهما وتتعثر .. 

.......................

سمـــع أوس صوت وقع أقدام كعب نسائي ، فعفوياً وجه أنظاره نحو الداربزون ليراها تنزل عليه بإرتباك ملحوظ في حركتها .. فإلتوى فمــه بإبتسامة صغيرة ، وتأمل هيئتها بإعجــاب واضح .. وظل محدقاً بها لبرهـــة .. ثم تنحنح بصوت قوي وهو يضع يده المتكورة أمـــام فمه ليلفت إنتباهها ..

نظرت تقى نحوه بضيق ، ثم عاودت النظر إلى قدميها ، وتابعت نزولها ..

تحرك أوس في إتجــــاه الدرج ، ومــد يده ليمسك بها أثناء نزولها الدرجات المتبقية ، ولكنها نظرت له شزراً ، ورفضت أن تمسك يده ، وقالت بصوت خافت :
-أنا مش مشلولة ، بأعرف أنزل لوحدي !

نظـــر لها مندهشاً من ردهـــا الفظ ، ولم يعقب ، بل أرخى ذراعه إلى جانبه ..

إلتفت ســـاقها حول الأخــرى ، وتعثرت وهي تنزل بقية الدرجات ، وكـــادت أن تسقط على وجهها ، ولكن أســـرع أوس بإسنادها ، حيث قبض عليها من ذراعيها ، ومنعها من السقوط قائلاً بقلق واضــح في نبرته :
-حاسبي يا تقى !

توردت وجنتيها بحمــرة قوية وهي ترى صدق واضح في نظراته الخائفة عليها ، ورغم رعبها المعتاد منه حينما يلمسها إلا أنها شعرت بصدق نواياه في مساعدتها فقط ..
 إعتدلت في  وقفتها ، وتبدلت ملامح وجهها للتجهم ، ونظراتها للإحتقان لإستمرار قبضتيه على ذراعيها ..
نظــــر لها بثبات ، ثم أرخى أصابعه عنها .. وتنحنح بصوت خشـــن وهو يشيح بوجهه بعيداً عنها ....

أخــذت تقى نفساً عميقاً ، وزفرته بتوتر .. ثم ســارت بخطوات حــذرة إلى الأمــام وفي إتجاه الباب ..
ســار أوس خلفها ، وظل يتأمل مشيتها المتعرجـــة بنظرات متسلية ...
كورت هي قبضتي يدها في إرتبـــاك كبير بسبب خوفها من التعثر مرة أخــرى أمامه ، واللجوء إلى مساعدته ، وحاولت ألا تتسرع في خطواتها حتى نجحت في الوصــول إلى باب الفيلا ، فتنفست الصعداء ، وأخذت نفساً عميقاً لتستعد لإكمــال سيرها بعد أن فتحه أوس ، وسبقها نحو السيارة ..
.......................

في الحـــــارة الشعبية ،،،،

دقق عـــدي نظراته من نافذة سيارته الأمـــامية نحو مدخـــل الحــارة الشعبية التي تقطن بها تهاني بعد أن إستدل عليه .. إلتفت هو برأســه نحو المدبرة عفاف الجالسة إلى جواره وسـألها بحيرة :
-هو ده المكان ؟

هزت كتفيها في عدم تأكد ، وأردفت قائلة وهي تجوب بعينيها المكان :
-بيتهيألي كده ، البقــال اللي كانت إدتني رقمه قالي على العنوان ده ! 

مط فمه قليلاً وهو يتابع بجدية :
-طيب أنا هســأل أي حد من اللي ساكنين هنا ممكن يدلنا اكتر بدل ما نتوه 

أومـــأت برأسها موافقة إياه وهي تجيبه قائلة :
-اوكي يا عدي باشا 

ترجـــل عدي من السيـــارة ، وأغلق الباب بهدوء ، وتلفت حوله بترقب شديد ، ثم أشـــار بيده لأحد الباعة الجالسين على الرصيف قائلاً بصوت مرتفع :
-لو سمحت يا كابتن 

إستدار ذلك البائع – بملابسه القديمة – نحوه ، وهتف بنبرة عالية :
-إيييه يا بــاشا !

اقترب عــدي منه ، وتلفت حولــه بحيرة وهو يضيف متسائلاً بجدية :
-بأقولك ، هو آآ.. بيت الست تهاني هنا ؟

أشـــار البائع بيده للأمـــام وهو يرد عليه بصوت عادي :
-هنـــاك ، على أخــر الشارع ، في البيت القديم ده

هــز عدي رأسه في إمتنان وهو يمعن النظر في الإتجاه المشـــار إليه :
-تمام ، شكراً 

رد عليه البائع بصوت خشن بـ :
-تؤمر يا ريس 

عـــــاد عدي إلى السيارة ، وإنحنى ليحدث عفاف من نافذتها قائلاً بصوت رخيم :
-طلع البيت هناك ، على أخــر الشارع ده 

إبتسمت له عفاف وهي تردف بـ :
-طب يالا بينا يا باشا 

أجابها بإيجاز وهو يعتدل في وقفته :
-يالا 

ترجلت عفاف هي الأخـــرى من السيارة ، فأغلقها الأخير بالقفل الإلكتروني ، وســـار كلاهما في إتجـــاه البناية القديمة ..
..........................

عند الملهى الملحق بالمنتجع السياحي ،،،

توقفت سيـــارة أوس الجندي أمـــام مدخل الملهى الفــــاخر الذي يقع في منتصف المنتجع السياحي ..
ترجلت الحراسة الأمنية من السيارة المسئولة عن تأمينه ، وأسرع أحدهم بفتح باب السيارة الملاصق له ، فترجل منها ، ووقف على الجانب ليغلق زرار سترته .. ثم مــد يده للأمــام ليمسك بكف زوجته وهي تخرج من السيارة ، ولكنها نظرت له بحدة ، ورفضت الإمساك بكفه المدود نحوها ، وترجلت بمفردها مما سبب الحرج له ..
أشـــاح الحارس الأمني برأسه للجانب حتى لا ينظر إلى كلاهما .. 
في حين رمقها أوس بنظرات محتدة ، وضغط على شفتيه بقـــوة وهو يأخــذ نفساً عميقاً ليسيطر على غضبه ..

تحرك أوس بجسده أمامها ليسد عليها الطريق ، فتسمرت في مكانها ، ومــال عليها برأسه ، وهمس لها قائلاً بصوت محتقن :
-لو مفكرة إنك بكده بتحرجيني تبقي غلطانة ، أنا قولتلكأنا مش هأذيكي ، فصدقيني ، لأني لو حابب أعمل ده مش هايمنعني حــــد !

إبتلعت ريقها بتوتر رهيب ، ونظرت له بخوف ، في حين إبتسم هو لها إبتسامة شرسة ، ثم فـــرد كف يده أمامها ، وأومــأ بعينيه نحوه .. ففهمت من إشارته تلك رغبته في الإمســاك بها أثناء دخولهما هذا المكان الغريب ..
مـــدت تقى كف يدها المرتجف ببطء نحوه ، فإلتقطته راحته ، وقبضت عليه بأصابع قوية ، ثم ســـار معها نحو المدخــل ...
بينما أغلق الحـــارس الأمني باب السيارة ، وأشــار للبقية باللحاق بهما ...
......................................

في منزل تقى عوض الله ،،،

نظرت فردوس إلى عفاف وعــدي بنظرات مريبة وهي تسألهما بصوت جـــاف على عتبة باب المنزل :
-انتو عاوزين تهاني ليه ؟

رد عليها عدي بإيجاز وهو ينظر لها بتفحص :
-موضوع يخصها !

زمت شفتيها بضيق ، وردت عليه بصوت منزعج :
-هو أنا مش هاخلص من بلاويها 

قطبت عفاف جبينها بإمتعاض ، وأضافت على مضض بـ :
-حضرتك إحنا جايين في خير 

أجابتها فردوس بسخط بـ :
-أيوه ، وبعد كده بتقلب بنصيبة 

إغتاظ عدي من ردودها الفجة ، فهتف بصوت شبه محتد :
-قوليلنا يا ست هي موجودة ولا لأ ! 

ردت عليه ببرود وهي تحدجه بنظرات غير مكترثة :
-لأ.. مش هنا ! 

سألها بصوت جـــاد وهو ينفخ بضيق :
-طب هاترجع امتى ؟

أجابته بتهكم وهي ترفع حاجبها للأعلى 
-أما تخلص مـــوال كل يوم !

نظر عدي إلى عفاف بحيرة ، ثم ســـألها مجدداً بعدم فهم :
-يعني إيه ؟

ردت عليه بنبرة جـــافة :
-يعني بتخرج كل يوم من صباحية ربنا لحد أخــر الليل تنوح وتولول على عيالها ، وترجع تنام عشان تعيده تاني 

مـــال عدي برأسه على عفاف ، وهمس لها بصوت شبه غاضب وهو يغطي فمه بكف يده :
-انا مش فاهم حاجة من الست دي ، ويا ريت تدخلي بدل ما أخنقها ! 

ابتسم له ابتسامة مصطنعة وهي تجيبه بإختصــار :
-حاضر 

نظرت عفاف إلى فردوس بنظرات جـــادة ، ثم أردفت بصوت هــاديء :
-احنا عاوزين نعرف هي بتروح فين بالظبط عشان نقابلها ، لا أكتر ولا أقل 

هتفت قائلة بضجر وهي تشير بكفها :
-شوفوها عند اللي ضحكوا عليها ، ووحلوا عيلتي معاها ، هي متلأحة هناك طول النهار والليل 

إزداد إنعقــاد ما بين حاجبي عفاف، وسألتها بإهتمام :
-قصدك مين ؟

ردت عليها بسخط :
-ابنها المفتري وعيلته 

إتسعت حدقتي عفاف وهي تهتف دون تردد بـ :
-أوس باشا !!

تابعت فـــردوس حديثها بتذمــــر :
-ايوه هو .. كان يوم أخبر يوم ما اتشبكنا معاه ، واتحطينا في الوحلة السودة دي !

..................................

في الملهى الملحق بالمنتجع السياحي ،،،

بخطوات متهادية ســـارت تقى وهي تتأبط ذراع أوس نحو الطــاولة المخصصة لهما في هذا الملهى العجيب بعد أن أجبرها على الإمساك بكفها لحين وصولهما للطابق العلوي ، فأرخى قبضته عنها ، وجعلها تتعلق في ذراعه ...
سيطر الإنبهـــار على نظراتها وهي تتأمل المكان بدقــة شديدة ..
لم تتخيل أن يأتي يوم في حياتها وتصبح هي من رواد تلك الأمـــاكن الخاصة بعلية القوم ..
الثراء والفخامة والرقــي كانت من أهـــم سمات هذا المكان ..
الطاولات زجاجية ، وحولها أرائك جلدية كبيرة ذات اللون الأرجواني الباهت ، وكذلك مقاعد مريحة صغيرة على الجوانب من دون مسند ..
وفي أعلى كل طـــاولة مزهرية رفيعة من الزجاج بها وردة بيضــاء مميزة ، وشموع مضيئة ..
وإنتشـــر صوت موسيقى شهيرة هادئة في أرجـــاء المكان ..

كانت الطاولة الخاصة بأوس الجندي تقع في مكان مميز بالملهى ، وعلى مقربة من المسرح المخصص للرقص .. 
تم وضع طاولة مميزة أمــام الأريكة الرئيسية - أكثر عرضاً ومزدانة بمزهرية مختلفة الشكل - وعلى زوايتيها وضعت مقاعد فردية أصغر حجماً من نفس لون الأريكة ، ولكنها بمساند لإعطــاء راحة أكبر للجالس عليها ..

اقترب مدير الملهى منهما ، وهتف قائلاً بنبرة رسمية :
-نورت المكان يا باشا 

رمقه أوس بنظرات باردة وهو يجيبه بإيجاز :
-أهــا 

تابع مدير الملهى حديثه قائلاً بجدية وهو يشير بيده :
-اتفضل يا باشا ، التربيذة بتاعة حضرتك هناك ، والوفــد الأسباني على وصــول 

رد عليه أوس بجمود وهو يرمقه بنظرات محذرة :
-تمام .. مش عاوز أي تقصير 

هتف مدير الملهى بثقة :
-اطمن يا باشا ، كلنا هنا تحت أمرك !

رد عليه أوس بإقتضاب :
-اوكي

إبتسم مدير الملهى لتقى ، وأردف قائلاً بنبرة مجاملة :
-شرفتي يا هانم 

حدقت به تقــى بإستغراب ، وعضت على شفتيها متوترة ، ولم تجبه .. فقد كانت تشعر بالغرابة الشديدة من كل ما يحدث حولها ..

مــال أوس برأســـه نحو رأسها ، وهمس لها بصوت آمـــر :
-تعالي !

نظرت له من طرف عينها ، ونفخت في ضيق ، ثم ســارت معه ..
أفسح لها المجــال لتجلس على الأريكة المريحة في المنتصف ، ولكنها إبتعدت عنه ، وجلست على أحد المقاعد الفردية الموضوعة على جانبي الطاولة ، فإحتقنت عينيه غضباً ، وصــر على أسنانه مغتاظاً منها ، وكان على وشك تعنيفها ، ولكنه لمح قدوم مترجم أعضـــاء الوفد الأسباني ، فأخذ نفساً عميقاً ، وزفره على مهل .. ورسم إبتسامة زائفة على وجهه ، ثم هتف قائلاً بصوت هــاديء :
-هــاي ، اتفضل

أســرع المترجم بالرد عليه قائلاً بلكنة غريبة :
-مرحباً بك أوس بيك ، نحن سعداء لمقابلتك مجدداً 

إلتوى فمــه بإبتسامة باهتة وهو يجيبه بإقتضاب :
-شكراً 

أردف المترجم متسائلاً بإهتمام بـ :
-ما أخبار زوجتك ؟

سلط أوس أنظاره على تقى ، وأجابه بهدوء :
-تمام 

ثم باغتها بلف ذراعه حــول خصرها ، وضمها إلى صدره ليتابع بنبرة عابثة وهو يرمقها بنظرات عميقة :
-وهي معايا بنفسها 

جحظت تقــى بعينيها مصدومة من حركته المفاجئة ، وإحتقن وجهها بحمرة واضحة ، وعضت على شفتيها بضيق .. ثم وضعت أصابعها على كفه الملاصق لخصرها، وحاولت إزاحتهم عنها ، ولكنه تشبث بها أكثر ، وباغتها بإمساكها بكفها الأخــر ، ورفعه إلى فمه وتقبيله أمــام الجميع قائلاً بمكر :
-هو أنا عندي أغلى منها !

لم تطق تقى ما يفعله معها ، فسحبت يدها بضيق منه ، وجلست على المقعد ونفخت بصوت منزعج 

نظر لها أعضـــاء الوفد بتعجب ، وتشدق المترجم متسائلاً بإستغراب وهو يوزع نظراته بينهما :
-هل هناك ما يزعجها ؟

أجابه بنبرة واثقة وهو يسلط أنظاره الشقية عليها :
-هي مش بتحب أني أعمل كده قصاد أي حــد ، بتكسف ، I mean my wife is shy 

ابتسم له المترجم وهو يرد بهدوء :
-أها ، فهمت مقصدك 

ثم إلتفت برأســه للخلف ، وأضاف بصوت جــاد :
-سيأتي السيد ماركو بعد لحظات 
-اوكي

هــــزت تقى ساقيها بعصبية واضحة ، وأشاحت بوجهها للجانب لتتجنب النظر إليه .. بينما جلس المترجم على المقعد الصغير ، وجلس أوس على الأريكة ..

حضر مدير الملهى ومعـــه نادل ما ، وأردف قائلاً بنبرة رسمية :
-اتفضل يا باشا ، مينو المشروبات ! 

ثم قـــام النـــادل بتوزيع القوائم على الجالسين بحرفية ، وتراجع خطوة للخلف ويديه معقودتان خلف ظهره ..

لمح المترجم أعضــاء وفده وهو يدلفون للملهى ، فنهض من مقعده ، وهتف قائلاً :
-سينيور ماركو 

لوح له السيد الأجنبي بيده وهو يبتسم ، وأسرع في خطواته نحو الطاولة 

بدأ المترجم في ترجمة أقــوال ماركو ، ورحب أوس به وبمن معه .. 
ثم إستدار ماركو نحو تقى ، ونظر لها بإندهـــاش وهو يتســأل عن كنيتها ، فأجابه المترجم بأنها زوجة أوس الجندي ، فمدحها هو بإعجاب واضح بلكنة عربية غريبة قائلاً :
-جمالك أورينتـــال سينيورا

ثم مـــد يده ليصافحها وهو منحني نحوها قليلاً ، فخجلت منه تقى ، وإنزعجت من تصرفه ، ورفضت أن تصافحه ..
بينما إحتقن وجه أوس من تصرفه ، ثم مـــد يده نحوه ليصافحه وهو يضغط على أصابعه بقوة قائلاً بصوت جامد وهو يرمقه بنظرات مشتعلة :
-اتفضل يا .. يا سينيور ماركو ، مراتي محافظة !

ضيق مـــاركو عينيه في حيرة ، وسأله وهو يهز كتفيه :
-لا أفهمك ؟!

قـــام المترجم بترجمة مقصد أوس له ، فإبتسم الأخير قائلاً بمرح :
-سي.. ( نعم ) !

أشــــار له أوس بالجلوس على الأريكة ، وأفسح له المجــال ليمر ..
وإنضم له رجلين أخرين ، وامرأتين جميلتين ، ملابسهما في غاية الإثــــارة ..
جلس أوس إلى جوار تقى ، فتنهدت في ضيق ، فقد إعتقدت أنه سيجلس مع هذا الغريب على الأريكة ، ولكن خابت أمالها ، فقد أثر الإلتصاق بها ..

نظرت إحدى المرأتين إلى أوس ، وهتفت قائلة بعبث وبلكنة عربية متكسرة :
-أنا باهب ايجبت ( أحب مصر ) ، You men look gorgeous ( أنتم أيها الرجــال تبدو رائعين ) 

ثم مــالت للأمـــام لتظهر مفاتنها واضحة أمامه وهي تتابع بصوت مغري :
-And you sir look so special and different ( وأنت تبدو مميز ومختلف عنهم ) 

شعـــرت تقى بعدم الإرتياح من حديث تلك المرأة ، بينما بادلها أوس حديثاً هادئاً لم تفهم هي معظمه ،  وخجلت من تصرفاتها الوقحـــة وهي تتعمد إظهـــار جسدها المثير أمامه ، وكذلك من ضحكاتها المستفزة .. وأجفلت عينيها في حرج ..

أردف المترجم قائلاً بحماس :
-هل نطلب الآن ما نريد ؟

أشـــار أوس بيده قائلاً بجدية :
-أه يا ريت

ثم قـــام المترجم بتوضيح رغبة أوس من الجميع بالنظر إلى قائمة المشروبات ، وإختيار المناسب 

أمسكت تقى بالقائمة بيدٍ مرتجفة ، ونظرت إلى محتوياتها بعدم فهم .. 
فقد كانت الغالبية مكتوبة باللغة الإنجليزية ، وهي لا تجيدها ..
فعضت على شفتيها في حرج ، وحركت أصابعها في حيرة على أسمــاء المشروبات وتهجئتها بصوت متلعثم بـ :
-بـ.. .. آآ... با .. بارا .. بــ..آآآ

إلتوى فم أوس بإبتسامة متسلية وهو يراها ضائعة في أمـــر تافه ، وأيقن أنها لا تستطيع قراءة قائمة المشروبات ، فإنحنى عليها برأسه ، وهمس لها :
-أنا هاطلبلك آآ...

إلتفتت برأسها نحوه لترمقه بنظرات حـــادة ، وقاطعته بصوت مغتاظ :
-أنا مش جاهلة ، هاعرف أطلب لوحدي !

رد عليها بخفوت بـ :
-اوكي براحتك ، بس أنا عاوز أفهمك آآ...

لم تمهله الفرصـــة لإتمام جملته ، حيث هتفت بصوت مرتفع وهي تشير إلى النـــادل بعينيها :
-لو سمحت أنا عاوزة البتاع ده !

اقترب منها النــــادل ، ونظر إلى ما أشـــارت إليه بإصبعها في القائمة ، فشعر بالغرابة من طلبها ، وأجابها بهدوء شديد :
-حاضر يا فندم !

ثم تنـــاول منها القائمة ، فإعتدلت تقى في جلستها ، ونظرت إلى أوس بطرف عينها وحدثت نفسها بثقة :
-فاكرني مش هاعرف أتصرف !

تلقى النــــادل طلبات أعضـــاء الوفد الأسباني ، وإنصرف مسرعاً ليحضرها لهم ..
واستمـــر أوس في حديثه معهم عن سوق العمل وإحتياجاته ..
كانت تقى تختلس النظرات بين الحين والأخــر إلى المرأة المثيرة لترى ما الذي تفعله ، خاصة بعد أن بدلت مكان جلوسها لتصبح إلى جوار أوس ..

ســـادت موسيقى صاخبة في المكان ، فنظرت تقى إلى المرقص ، فوجدت بعض الشباب من الجنسين يتمايلون بأجسادهم في مياعة وإنحلال ، وغالبية الفتيات أجسادهن عارية ، ومثيرة .. فأجفلت عينيها في ضيق .. وظلت تفرك أصابعها متوترة ..
فالأجواء هنا لا تناسبها على الإطلاق .. فكل شيء متكلف ومصطنع ، ومقزز بدرجة كبيرة .. وهي لم تعتد ســـوى على البساطة والإحتشام في كل تصرفاتها ..
ولكنها تجد في هذا المكان النقيض تماماً ..

حضــــر مدير الملهى ومعه النـــادل وهو يحمل صينية المشروبات ، ثم أشـــار له ليوزع ما بها بحذر على الجميع ..
فوضــع هو أمـــام تقى مشروباً غريباً في كــأس عريض ، ألوانه ممتزجة ، وبه مظلة صغيرة أعلاه ، وعصا بلاستيكية رفيعة إلى جوارها ..
ظلت هــي محدقة في الكــأس لفترة وعلى وجهها علامات الحيرة والإندهـــاش ، وتسائلت مع نفسها بفضول :
-ايه البتاع ده ؟ أنا مشوفتش زيه قبل كــده ............................................. !!!!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1