رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل السادس والخمسون 56 بقلم منال سالم


 رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل السادس والخمسون

في الملهى الملحق بالمنتجع السياحي ،،،

نظرت تقـــى إلى المشروب الموضوع أمامها بحيرة شديدة ، وترددت في شربه ، ولكنها راقبت من حولها بتعجب ، فوجدتهم يرتشفون ما طلبوه بإستمتاع غريب .. ضغطت على أصابعها في توتر ، ثم تنهدت في إستسلام ، ومــدت يدها لتمسك بالكــأس ..
قربته من شفتيها ، وحـــاولت تذوقه بحذر .. فكان طعمه إلى حد كبير لاذعاً ، وتشنج وجهها منه .. 
وتسائلت مع نفسها بإستغراب :
-هو طعمه مزز كده ليه ؟! 

ثم أخذت نفساً عميقاً ، وزفرته على عجــالة ، وبدأت في إرتشـــاف ما به بتأفف بادي على تعابير وجهها ..
راقب أوس حيرتها وإرتباكها بإستمتاع واضــح ، وحاول أن يخفي إبتسامته المتسلية وهو يمتع عينيه برؤيتها على سجيتها ، ولكنه لم يستطع ..
ولكن حينما وجد الأمـــر قد إتخذ معها منحنى جـــاداً ، فقرر أن يتدخـــل فوراً ، فهو لا يريد أن يضعها في موقف محرج .. خاصة أن المشروب الذي طلبته كان أحــد أنواع الخمــور المشهورة  ...
لذا إنحنى بجسده للأمـــام نحوها ، وهمس لها في أذنها - وشفتيها ملتصقتين بالكـــأس - متسائلاً بمزاح :
-ها ، الخمرة حلوة ؟

تجمدت تعابير وجـــهها لوهــلة محاولة إستيعاب جملته الأخيرة .. فتابع قائلاً بتسلية :
-أصل سيادتك طلبتي كوكتيل فودكا على آآآ...

لم يكمل أوس جملته الأخيرة حيث تفاجيء بها تبصق ما ظل عالقاً في حلقها قبل أن تبتلعه أمـــامها بطريقة مقززة قائلة بذهـــول :
-لألألألأ...!

 وكذلك شرقت لمحاولتها الحديث فجــأة ، فسعلت لعدة مرات ، و أرخت أصابعها عن الكــأس فسقط فوراً على الأرضية وتناثر جزء من محتوياته على بنطالها الواسع وحذائها بالإضافة إلى الأرضية ..

صُدم الجميع مما فعلته تقـى ، ونظروا لها بنظرات إستغراب ، وأخـــرى مشمئزة .. 
في حين ظلت إبتســــامة أوس المتسلية بادية على وجهه .. وزادت غبطته حينما رأهـــا لم تعاند في أمـــر كهذا ، فهي لا تزال نقيـــة محافظة على برائتها رغم تصرفها الطائش هذا ، فلم تتهور لمجــرد معاندته ..

نهضت تقــى مذعورة من مقعدها ، وظلت تسعل محاولة لفظ ما إبتلعته من مشروب مُسكر ..

تسائل ماركو بإستغراب وهو محدق بها بلكنة عربية غريبة :
-ما الأمــر سينيورا ؟
لم تجبه تقــى ، بل أولته ظهرها ، وأكملت سعالها ..
نهض أوس هو الأخـــر من مقعده ، ووقف خلفها ، وأسند يده على ظهرها مربتاً عليه ، وقائلاً بهدوء :
-خلاص يا تقى ، ماحصلش حاجة

نظرت هي له شزراً وهي تزيح يده عن ظهرها ، ومدت يدها لتمسك بمناشف ورقية لتمسح لسانها وفمها من بقايا المشروب ...

في حين رمقتها المرأة المثيرة بنظرات إحتقارية ، وأطلقت سبة باللغة الإنجليزية مهينة إياها .. 
ولكن إلتفت أوس برأســـه نحوها ، وحدجها بنظرات حــــادة مضيفاً بغلظة وهو يشير بإصبعه محذراً :
-Hey ! Don't you dare  ( إنتي ! إياكي أن تجرؤي على إهانتها ) 

إبتلعت المرأة المثيرة ريقها ، ونظرت له بتوجس وهي تجيبه بـ :
-I didn't mean .. ( لم أقصد أن آآ... )

تجاهلها أوس ، وعــــاود النظر إلى زوجته قائلاً بجدية :
-في حمــام في الأخــر ، تعالي هوديكي عنده !

لوت تقى فمها وهي ترد عليه بضيق :
-أنا مــ..آآ...

لم تتمكن من إتمام جملتها حيث تفاجئت بقبضة أوس على ذراعها ، ثم جذبها معه بعيداً عن الطــــاولة ، فلم ترغب في إثارة مشكلة أمـــام الجميع ، خاصة وأنها رأت في عينيه نظرات غضب جلية .. فخشيت أن تكون تسبب في إثارة حنقه ، وهو يريد تعنيفها على ما حدث ...
نظرت له بتوجس ممزوج بالرعب وهي تحاول اللحاق بخطواته السريعة والحفاظ على إتزانها أثناء السير ، ولكنها لم تنجح وتعثرت ، وكادت أن تسقط على وجهها ، ولكنها إستندت على ظهر أوس بكفها ، فإستدار سريعاً للخلف ليمسك بها من ذراعها الأخــر ، وحــــال دون سقوطها ، ثم زفـــر في ضيق وهو يهتف بصوت محتد :
-وأما انتي مش عارفة تمشي فيه ، لبستيه ليه من الأول ، ولا هو عِند وخلاص ! 

إلتوت قدم تقـــى بشدة ، ولم تردْ إخباره بالآلم الرهيب الذي تشعر به فيها ، فأدمعت عينيها عفوياً ، وزادت حمرة وجهها .. وأطرقت رأسها للأسفل ، فظن أوس أنها شعرت بالحرج مما حدث ، لذا تابع قائلاً بضيق :
-خلاص مش قضية عشان نقلبها مناحة !

عضت هي على شفتها السفلى ، وقالت بصوت مختنق : 
-أنا عاوزة أروح الحمام لوحدي ، مش محتاجة مساعدة منك 

زفـــر في إنهــاك من الجدال الغير مُجدي معها .. 
ومع هذا لم ينكر أن رؤيتها وهي خجلة تماماً ومحرجة من فعلتها الطفولية أغرته بشدة لضمها إلى صدره ، وإحتضانها بين ذراعيه ، وطمأنتها .. وكذلك تلمس وجنتيها الخجلتين بأصابعه ، والشعور بحرارتهما عليهم .. 
جاهد نفسه ليصرف عن عقله تلك الأفكار المتأججة والجامحة حتى لا يتهور ويرتكب أي حماقة ، وتنهد في ضيق زائف ..
ثم أشـــار بيده للأمام قائلاً بنفاذ صبر :
-أوكي ، هو هناك !

ردت عليه بإيجاز وهي تعتصر قبضتها :
-طيب 

أومــأ بعينيه قائلاً بجدية وهو يتأمل إضطرابها الغير مفهوم :
-يالا ، روحي !

هتفت قائلة بصوت شبه محتد :
-لما تمشي الأول

زم فمـــه قائلاً بغيظ :
-حتى في دي ! 

ثم نفخ بصوت مرتفع من عِنادها المستمر ، وفرك طرف ذقنه وهو يضيف بيأس :
-اعملي اللي تحبيه ، وأنا مستنيكي هناك !

ثم أولاها ظهره ، وإتجه عــــائداً إلى الطاولة .. بينما تحركت هي بحرص شديد نحو المرحاض وهي تصر على أسنانها مقاومة شعور الآلم الرهيب الذي أصاب قدمها ..
رأهـــا مدير الملهى وهي على تلك الحالة ، فأســرع نحوها وهو يهتف بتوجس :
-خير يا هانم ؟ في حاجة حصلت

رفعت تقى عينيها الدامعتين لتنظر له وأجابته بإقتضاب :
-مافيش !

تابع مدير الملهى قائلاً بقلق واضح في نبرته :
-بس حضرتك .. آآ.. يعني رِجل سيادتك تعباكي ؟

ردت عليه تقى بصوت منزعج وهي تتحرك ببطء :
-مافيش حاجة 

أردف هو متسائلاً بإهتمام وهو يشير بيده :
-تحبي أبلغ الباشا ، واطلب مساعدة ؟

هزت رأسها معترضة ، وأجابته بإصرار :
-لأ .. متقولش حاجة ، أنا كويسة !

تشنج وجهها من الآلم ، وأطلقت صرخة مكتومة وهي تحاول السير .. فهتف مدير الملهى قائلاً بتوجس :
-لحظة بس ! 

ثم فرقع بأصابعه لنادلة ما تقف على مقربة منهما ، وتابع قائلاً بنبرة رسمية :
-مع الهانم بسرعة 

اتجهت النادلة نحو تقــى ، ومدت يدها لتمسك بها ، وعاونتها في السير نحو المرحاض ، وسألتها بهدوء :
-هو رجل حضرتك بتوجعك ؟

أجابتها تقى وهي تعض على شفتها من الآلم :
-آآآه .. أوي

أشــــارت النادلة بعينيها نحو مقعد قريب ، وهتفت قائلة بإهتمام :
-طيب حضرتك ارتاحي هنا ، وانا هاجيبلك تلج عليها
-ماشي 

تنهدت تقـــى في إرتياح لأنها وجدت من يساعدها دون اللجوء إلى أوس .. 
وجلست بحذر على المقعد ، وإنحنت بجسدها للأمـــام لتفرك قدمها المتألمة ، فصدرت منها تأوهات مكتومة ..
.....................

جلس أوس على مقعده ، وأسند ساقه فوق الأخـــرى ، وأشـــار بعينيه لنـــادل ما قائلاً بجدية :
-نضف اللي وقع هنا 

نظر النـــادل إلى حيث أشـــار ، ورد عليه بهدوء شديد :
-على طول يا فندم !

نفخ أوس بإنزعــــاج من تصرفات تقى المعاندة معه ، وإستدار برأســـه للجانب ليحدق بنظرات فارغة في المرقص .. فباله مشغول على زوجته ، وخشي أن يكون سبب لها هذا إحساساً بالإنزعـــاج والحرج ، وأفســد الليلة دون داعي .. بالرغمن من عدم أهميته ..
حــــاول ماركو أن يتجاذب معه أطراف الحديث ، ولكن ردوده كانت مقتضبة للغاية وفاترة .. فتطرق المترجم الجالس إلى جواره إلى حديث أخـــر غير العمل لجذب إنتباهه ،وسأله عن زوجته قائلاً بفضول :
-أخبرني سينيور أوس كيف تعرفت إلى زوجتك ؟

حدجه أوس بنظرات قوية ، وسأله بصرامة :
-وده هايفيد في الشغل بينا ؟ 

رد عليه المترجم بحذر بـ :
-لا سيدي ، ولكنه فضول

رمقه أوس بنظرات محذرة وهو يجيبه بصوت متصلب :
-وأنا مش بأتكلم عن اللي يخصني مع أي حد !
.......................................

أحضرت النــــادلة كيساً بلاستيكياً موضوعاً بداخله مكعبات الثلج ، ثم جثت على ركبتها ، ووضعته بحذر على مقدمة قدم تقــى ..
تشنجت تقى بخــوف ، وأصدرت أنيناً مختنقاً ، ثم نظرت للنادلة وأردفت بإمتنان :
-معلش ، تعبتك معايا 

إبتسمت لها النادلة بإطراء ، وأجابتها بخفوت هاديء:
-تعبك إيه يا فندم ، أنا هنا في خدمتك ! 
-كتر خيرك 

قامت النادلة بتحريك الكيس بحركات دائرية لتضمن توزيع البرودة على كل الأجزاء التي تؤلمها .. 
كتمت تقــى تأوهاتها لأكثر من مرة ، وعضت على شفتيها السفلى لتمنع خروج أي صـــوت رغماً عنها .. 
وتشبثت بطرفي المقعد بكفيها ، وإزدادت حمـــرة وجنتيها بدرجة واضـــحة ..
أضافت النادلة بجدية :
-ماتدوسيش عليها كتير ، ولو الآلم مخفش بعد شوية يبقى حضرتك لازم تشوفي دكتور متخصص لأنه جاي يكون حصل تمزق

نظرت لها تقى بذعـــر وهي تقول :
-هـــاه
-وألف سلامة على حضرتك
قالتها النــــادلة بإبتسامة وهي تعتدل في وقفتها .. ثم تركتها وإنصـــرفت لتكمل عملها ..

زفــــر تقى بضجر قائلة :
-كنت ناقصة ده كمـــان 

أخــذت نفساً عميقاً ، وحبسته في صدرها لتنهض بحذر شديد من على المقعد .. ثم داست على قدمها بحرص واضح ، ولكنها مازالت تؤلمها ...

فكرت في أن تعتذر عن إكمـــال السهرة ، وتعود إلى الفيلا لتستريح ، فلا داعي لوجودها .. فهو لن يضيف شيئاً ، وغيابها لن يؤثر في الأمـــر .. 
والعقبة الوحيدة أمامها هي رفــض أوس لرحيلها ، وإصراره على جلوسها معهم .. 
ومع هذا صممت على تنفيذ رغبتها .. فمن هو ليمنعها عما تريد .. 
إنتصبت في وقفتها .. وحدقت أمامها بثبات ، وســارت رافعة الرأس – رغم آلمها – بعزيمة واثقة نحو الطــاولة ..

ولكن سريعاً ما تلاشت شجاعتها الزائفة في أقل من ثانية حينما لمحت المرأة المثيرة وهي تحرك جسدها بحركات لعــوب ، وبطريقة مغرية ، لتداعب أوس بأسلوب فـــج خالي من الحياء .. فتسمرت في مكانها ، وحدقت بهما في ذهـــول ..
هي إعتادت وقـــاحته ، واسلوبه الجريء معها ومع غيرها .. ولكنها المرة الأولى في حياتها التي تراها فيه يتجاوب مع غيرها .. فشعرت بإهانة أشــد ، وبإذلال نفسي أعمــق .. وظنت أنه يتعمد التحقير من شأنها ، ولكن بطريقة غير مباشرة .. نعم فهي الفقيرة الغريبة التي جــاء بها إلى أرقى المناطق وأغلاها ليؤكد لها على قوته وسلطته ، وقدرته على فعل المستحيل ..

ابتلعت غصة مريرة في حلقها ، وضغطت على أصابعها قائلة بحزن واضح :
-هو جايبني هنا عشان يذلني اكتر ، يعرفني إني ماسواش حاجة ..!

أطرقت رأسها في خـــزي ، وأضافت بنبرة أشد بؤســـاً :
-لا ده كان مكاني من الأول ، ولا إحنا ننفع نكون مع بعض 

تنهدت بحرارة وهي تتابع :
-كفاية عليا أخلص منه وأرجع لحضن أبويا وأمي .. مش عاوزة أكون في العالم الفالصو ده ، آآآه .. ربنا يهونها عليا !

أشـــاحت بوجهها للناحية الأخـــرى حينما رأت المرأة اللعوب تضع يدها على فخــذ أوس .. وأغمضت عينيها لوهــلة لتمنع نفسها من البكاء أسفاً على حالها ، وأخرجت من صدرها تنهيدات خانقة ..
رأهـــا مدير الملهى وهي تقف مكانها ، فأســـرع نحوها وهو يهتف بتوجس :
-في حاجة مضيقاكي يا هانم ؟ البنت عملت آآ...

قاطعته بصوت متحشرج وهي تنظر للأمـــام بكبرياء :
-مافيش حاجة 
-بس يا فندم ، حضرتك باين عليكي مش تمام 

تنهدت بحرارة وهي تضيف بمرارة :
-أنا بس مخنوقة من هنا ، حاسة إني مش عارفة أخد نفسي

رد عليها المدير بتلهف وهو يشير بيده :
-في Open Area ( منطقة مفتوحة ) هنا ، بتطل على البحر ، والأعدة فيها لطيفة وهادية ، كمان الـ View ممتاز !

نظرت له تقـــى بأعينها اللامعة ، وسألته بنبرة حائرة :
-أنا مش فاهمة اللي بتقوله !

ثم مسحت بأناملها تلك العبرات العالقة بأهدابها ، وتابعت بإصرار :
-أنا عاوزة أطلع من هنا !

رد عليها بإهتمـــام وهو يشير بكفيه :
-أنا أقصــد يا فندم إن في مكان مفتوح زي التراس كده هنا ، بيطل على البحر ، الهوا فيه منعش ، وهايعجب حضرتك أوي 

أومـــأت برأسها متشدقة بـ :
-ماشي ، وديني هنـــاك !

ابتسم لها المدير إبتسامة مجاملة وهو يقول :
-اتفضلي يا هانم ، هو من هنا ! 

ســـارت تقــى بصحبته – وهي تكتم شعورها بآلام قدمها – ببطء وحذر في إتجـــاه الشرفة ..

...................................

على الجانب الأخـــر ، راقبت المرأة المثيرة أوس بإعجاب واضــح من حالة الغموض المثيرة التي تحيطه .. ومسحت على شفتيها بطرف لسانها ، ثم مالت نحوه وهي ممسكة بكأسها ، وأردفت قائلة بنبرة ناعمة :
-I think you're so stressed ( أعتقد أنك مضغوط بشكل واضح )

ثم وضعت يدها على فخذه ، وغمزت له قائلة بنبرة مغرية :
and need a massage- ( وتحتاج إلى مســـاج ) 

حدجها أوس بنظرات عميقة وغامضة فقد أدرك نواياها نحوه بسهولة ، بينما أكملت هي قائلة بلؤم :
-I am here for you ( أنا هنا لأجلك ) 

ثم تعمدت الضغط بأصابعها عليه لتثير رغبته ، ولكنه أمسك برسغها بقبضته القوية ، وإعتصرها قائلاً بجمود وهو يرمقها بنظرات شرســـة :
-I don't care ( أنا لا أهتم ) 

ثم دفعها للخلف ، وحدجها بنظرات نـــارية وهو يلوي فمــه بسخط ..
إحتقن وجهها بالغيظ ، ورمقته بنظرات مغلولة وهي تفــرك رسغها من أثـــار أصابعه الغليظة ..
...................................

في نفس التوقيت ، كـــان ماركو عائداً من المرحـــاض حينما لمح تقى وهي تتجه للشرفة ، فإعتلى ثغـــره إبتسامة لئيمة ، فقد أعجبه كثيراً جمالها الشرقي الممزوج بالغربي ، وأراد أن ينفرد بها دون أن يراه زوجها حتى يتمكن من تذوق حُسنها على راحته ودون إزعـــاج من أحـــد .. 
 ألقى بالمنشفة الورقية بعد أن جفف يديه في الســلة القريبة ، ثم غير وجهته ، وســــار خلفها ..

وقفت تقـــى مستندة بكفيها على حــــافة الشرفة المعدنية وهي تتأمل المكان بنظرات إنبهـــار ..
فقد صدق مدير الملهى حينما أخبرها أنها ستجد الجمــال والهدوء هنا ..
أثلج هواء البحر المنعش صدرها المختنق قليلاً .. وإستمتعت برؤية الأمـــواج تتلاطم بتناغم عجيب .. 

ولكن إخترق سكونها المؤقت صـــدى كلمات أوس لها ، وخــاصة " بنت خالتي " والتي رددها على مسامعها صبيحة اليوم ، فأثارت ضيقها بشكل واضــح ، وزفرت لأكثر من مــرة بإنزعـــاج من تلك الحقيقة البغيضة التي أقرهـــا لها .. 
فإن كان رابط زواجهما سينتهي عاجلاً ، فرابط الدم لن ينقطع بينهما أبداً ..
كم أرهقها التفكير في إحتمالية رؤيته بعد أن يحدث الإنفصـــال بينهما .. فحاولت أن تنفض عن عقلها أي شيء مزعج حتى تستمتع بتلك الأجواء الساحرة ..

قطع تفكيرها المتعمق صـــوت ماركو وهو يقترب منها متحدثاً بعبارات أسبانية غير مفهومة بالنسبة لها ...
ضيقت عينيها في حيرة ، وقطبت جبينها وهي تســأله بضجـــر :
-إنت جاي هنا ليه ؟

تابع مـــاركو حديثه لها وهو يرمقها بنظرات جريئة متفحصة جسدها بتأمـــل شديد ..
رأت هي نظراته الوقحة المسلطة عليها ، فإنكمشت على نفسها في خــوف ، وجذبت طرفي سترها إلى صدرها ، وهتفت قائلة بتوتر :
-إنت .. إنت عاوز ايه ، روح للباشا بتاعك هو أعد هناك

تحـــرك ماركو ناحيتها مشيراً بيده نحو جسدها ، فزدات رجفتها منه ، فقد فهمت تلك النظرات التي رأتها من قبل في عيني أوس ، فشعرت بأنها في خطـــر قريب إن ظلت باقية بمفردها معه ..
تناست آلم قدمها ، وتراجعت بحذر للخلف وهي تحذره بإصبعها :
-لو .. لو فضلت تقرب مني هاصوت !

رد عليها بكلمات أكثر غموضاً فلم تفهمها على الإطلاق ، ولكن تعبيرات وجهه ، وإبتسامته الماكرة التي تبرز من خلف أسنانه الصفراء أربكتها حقاً ...
......................................

إنتــــاب أوس حـــالة من القلق لعدم عودة تقى إلى الآن من المرحـــاض ، ونظر في ساعته ، ثم نفخ بضيق ، وظل يهز ساقه بعصبية واضحة .. وتسائل مع نفسه بـ :
-ايه اللي أخــرها أوي كده ؟!

طـــرأ بباله أن تكون قد فكرت في الهروب منه ، فإنتفضت جميع حواســـه ، وحسم أمـــره بالذهــاب إليها ..
نهض عن مقعده قائلاً بجدية شديدة :
-Excuse me , I will back ( معذرة ، سأعود بعد قليل ) 

ثم إتجـــه نحو المرحـــاض بخطوات سريعة ، ولكن أوقفه صــوت مدير الملهى وهو يهتف قائلاً :
-أوس باشا ، بــــاشا ! من فضلك لحظة !

إلتفت أوس برأسه نصف إلتفاتة ، ورمقه بنظرات حادة وهو يسأله بإقتضاب :
-في ايه ؟

وقف قبالته ، وأضــاف قائلاً بتوجس :
-الموضوع يخص الهانم 

هتف أوس دون وعـــي بـ :
-تقــى ، مالها ؟ 

رد عليه وهو يشير بيده نحو الشرفة قائلاً :
-هي واقفة في الـ Open Area ، وحصلت إنها آآ..

أدار أوس رأســـه في إتجاهها ، وتحرك صوبها ليرى زوجته من على بعد وهي تتراجع للخلف وتشير بيدها بطريقة مريبة ، وبدى على تصرفاتها الإنزعـــاج ، فوجــه أنظاره نحو من تشير له ، فصُدم حينما تأكد من هويته .. 
.............................

في سيارة عدي ،،،،، 

نفخت عـــدي لأكثر من مرة في ملل ، وأدار رأســـه في كافة الإتجاهات محاولاً رؤية تهاني بوضوح في حالة عودتها ..
نظرت له عفاف بإرهـــاق وهي تقول :
-كفاية يا عدي باشا ، الظاهر إنها مش جاية النهاردة 

هز رأسها نافياً قائلاً بإعتراض :
-لأ ، مش هامشي من هنا قبل ما أقابلها وأتكلم معاها 

زمت عفاف فمها قليلاً لتضيف قائلة :
-بس أختها قالت إن مالهاش مواعيد

تجهمت تعابير وجهه وهو يتابع بنبرة ضجرة :
-ماليش دعوة بيها الست دي ، أصلاً الواحد روحه كانت في مناخيره وهو بيكلمها ، حاجة فظيعة ! 

إبتسمت قليلاً وهي تهز كتفيها قائلة :
-في ستات كده كتير !

نظر لها بضيق قائلاً بنزق :
-يا ساتر ، كويس إن النوعية دي مش بأقابلها كتير 

إستدارت عفـــاف برأسها للجانب لتلمح طيف إمرأة يأتي من على بعد ، فدقق النظر فيها ، فعرفتها من ملامحها المحفورة في ذاكرتها على الفور ، وهتفت قائلة وهي تشير بإصبعها نحوها :
-بـــص يا باشا ، تهاني أهـــي !

نظر عدي حــــوله بحيرة وتسائل بتلهف :
-فين ؟

حركت إصبعها نحوها ، وأضافت قائلة :
-اللي جاية هناك دي 

أمعن عـــدي النظر في هيئة تلك السيدة المسنة ، وتأكد من تشابه ملامح وجهها مع ليــان ، فأردف دون تردد وهو محدق بها :
-أنا نازلها 

أضافت عفاف قائلة بجدية :
-أنا جاية معاك يا باشا 

ترجل الإثنين من السيارة ، وســـارا نحوها .. ثم هتف عدي قائلاً بصوت مرتفع :
-ست تهاني !

تسمرت الأخيرة في مكانها ، ورفعت رأسها نحوه ناظرة إليه بحزن بادي في مقلتيها .. ولم تجبه ..

وقف عـــدي قبالتها ، ورسم على ثغره إبتسامة هادئة وهو يقول ك
-إنتي متعرفنيش ، بس أنا آآآ...

لم يكمل عدي جملته حيث هتفت هي مقاطعة إياه بصوت حــاد :
-إنتي !

نظر لها عدي بإستغراب ، في حين تابعت تهاني حديثها وهي تتجه نحو عفاف قائلة بنشيج :
-دليني على ابني ، هو بعد عني وانا ماليش ذنب في أي حاجة حصلت ، أبوس ايدك وصليني ليه 

أمسكت بها عفاف من ذراعيها ، ونظرت لها بحنو وهي تجيبها بصوت هــاديء ومطمئن :
-حاضر يا ست تهاني ، هاعمل كل اللي انتي عاوزاه !

ثم صمتت للحظة لتتابع بهدوء وهي توميء بعينيها:
-بس الأول الباشا عاوزك في حاجة أهم 

ضيقت تهاني عينيها في عدم فهم ، وسألتها بتوجس :
-باشا مين ؟

أردف عـــدي قائلاً بصوت جـــاد :
-أنا معرفتكيش بنفسي ، أنا عدي ، جوز بنتك ليــان !

حدقت تهاني فيه بإندهـــاش وهي تهتف بصدمة :
-هـــاه ، ليــــان !

أومــأ برأسه بخفة قائلاً :
-أيوه !

ثم أمســــك بكف يدها ، فزادت دهشتها من تصرفه ، وأجفلت عينيها للأسفل للحظة ، وعـــاودت النظر إليه بإرتباك ، فتابع قائلاً بنبرة جــــادة دون أن تطرف عينيه :
-وهي محتاجة إنك تكوني معاها الوقتي ............................................... !!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1