رواية للعشق وجوه كثيرة الفصل الثامن والستون 68 بقلم نورهان ال عشري


رواية للعشق وجوه كثيرة الفصل الثامن والستون بقلم نورهان ال عشري 

انا معك دائما . بساطه الأحرف تتنافي تماما مع عمق الشعور الذي لامس قلبي حين أخبرتني بذلك


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


برقت عيناه و تجمدت أطرافه و شعر بأن قلبه علي وشك التوقف عن الخفقان في تلك اللحظه . فهل ما يراه حقيقي ؟ بعد كل تلك السنوات من العذاب و الحرمان و الفقد هل يمكن أن يكون والده مازال علي قيد الحياة ؟ و لكن مهلا فهو لم يكن والده الحقيقي أنه ذلك الرجل الحنون العطوف الذي كان يظنه والده و الذي لازال يتذكر ميتته البشعه التي جعلته يعيش عمرا بأكمله يخطط ليأخذ بثأره .

اقترب رائد بخطوات سّلحفيه من ذلك الجسد الهزيل الذي كان ينام علي ذلك الفراش البالي في تلك الغرفه المقيته و التي كانت و كأنها كوخ قديم كل شئ به مهترئ و بالِ و الإضاءة تكاد تكون منعدمه لذا أخذ يقترب أكثر و أكثر إلى أن أصبح علي بعد خطوتان من ذلك الذي كان ينام و الألم يلون تقاسيم وجهه .. توقف لثوان يطالع ذلك الوجه الذي كانت ملامحه محفورة بذاكرته و هو لا يدري اهو يحلم ام مازال علي أرض الواقع ! حاول أن يمد يده لتلامس ملامحه التي انهكها المرض و الحزن و لكنه توقف ما أن لمح ارتجافه ملامحه و رفرفه رموشه التي كشفت عن عينان زابله انهكتها كثرة الدموع و الألم فاهتز قلبه علي مظهر والده الذي أخذ يطالعه بإستفهام فهو لم يره منذ ذلك اليوم المشئوم بل لم يكن يري أحدا من الأساس لذا أخذ يدقق النظر إليه و أخذ يغلق عينيه و يفتحها فقد أخذت سنين الظلام من بصره الكثير لذا قال بصوت متهدج و لسان ثقيل بعض الشئ 

" انت مين ؟"


رعشه قويه ضربت جسده عندما استمع الي صوته الذي لم ينساه أبدا حتي و إن ضعفت نبرته و ثقلت كلماته فهطلت العبرات بغزارة من مقلتيه و اخذت شفتيه ترتعش و هو يحاول نطق تلك الكلمه (بابا) و لكن بدلا عن خروجها خرج انين مكتوم بفعل الوجع الكامن في أعماقه و الذي تجدد اليوم بكامل قوته حين رآى والده ! 

اعتدل محمود في نومته و استند بضعف علي مخدعه و هو يجبر نفسه علي التحرك فضرب الألم جميع جسده و تجلي ذلك في صوت طقطقه عظامه التي نبهت رائد لوضعه فاقترب منه بلهفه يمسك يده التي كانت تبحث عن شئ تستند عليه فإذا به يجد ذلك الغريب الذي حين اقترب رآي بعيناه نظرات كان يعرفها تمام المعرفه منذ أكثر من ثلاثون سنه لتضرب عقله حقيقه صادمه بأنه يقف أمام 


" رائد !"

قبل أن يستطع عقله نطقها اجابه هو بشفاه مرتعشه و دموع لم تتوقف و نبرة متهدجه فلم يستطع محمود التحدث بل أخذت أنفاسه تتسارع و جف حلقه من تلك الصدمه التي لم يكن يتوقعها أبدا فذلك الشيطان أخبره بأن عامر قد قتل ولده الصغير لإنه كان يظنه ابنه و هكذا اغرقه في بحر من الندم و العذاب لأنه المتسبب في هلاك الإثنان و لكن حقيقه وجوده جعلت العالم يدور به فاسنده رائد بلهفه و اجلسه فوق السرير و هو يقول بصوت أجش

" انت كويس ؟"


نعم إنه هو تلك النبرة التي كانت و لا تزال محفورة في رأسه و في قلبه أيضا إضافه الي نظرات ضربت قلبه بصوت الذكريات التي تدافعت الي رأسه بقوة فجعلته يدور فأجلسه رائد علي السرير و هو يناظره بنظرات يملؤها القلق الذي تحول الي ذعر عندما وجد باب الغرفه يفتح بقوة فتسارعت دقات قلبه حتي شعر بأن ضجيجها في أذنه و لكنه تنفس الصعداء عندما وجد فاتح الذي إندفع تجاهه و هو يقول بلهفه 

" يالا مفيش وقت . راغب جاي علي هنا "


لم يستطع استيعاب حديثه أو بالأحري فقد استنكر قلبه أن يترك والده في تلك الغرفه التي من الواضح أنه محبوس بها لوقت طويل و لكن أتت كلمات فاتح الغاضبه لتعيده الي رشده 

" مش وقت سرحان بقولك قوم معايا بدل ما نروح في داهيه كلنا .."


أخيرا نطق محمود قائلا بأنفاس مقطوعه

" قوم معاه يا ابني .. متخليش الشيطان دا يشوفك هنا علشان مش يأذيك ."

نظر رائد إليه و كان يود الحديث و لكن لم يمهله فاتح الوقت إذ قام يجذبه بقوة من يده و اندفع الي الغرفه الآخري فسمعوا صوت جلبه بالخارج فاخذ فاتح يبحث بالمكان حوله الي أن جاءه ذلك الصوت الذي سمره في مكانه ..


**************


صباحا 

اقتربت من الفراش تطالعه بحنان ممزوج بعشق كبير ذلك الذي كان و لا يزال حلمها الجميل الذي لم تتمني سواه منذ أن بدأ قلبها الصغير يخرج الي هذا العالم المخيف ليكون هو ملاذها و الكتف الذي لا يميل أبدا و الأمان الذي لا تشعر به سوي بوجوده . كانت تعلم بأنه غاضب منها كثيرا و لكنها تعلم أيضا بأن حنانه اكبر بكثير من غضبه ، لذا اقتربت منه بهدوء تتأمل ملامحه المحفورة فوق جدران قلبها المفعم بعشقه و المختوم باسمه للأبد و صارت يدها تتلمس تقاسيمه الرائعه بعشق كبير تجلي في دقات قلبها الجنونيه التي توازي جنون شوقها إليه فقد تركته منذ ساعات قليله لتجد نفسها كالمجنونه تتلهف لرؤيته و الإرتماء بين ذراعيه لتنعم بدفأهما فقد أيقنت بتلك اللحظه أن عشقها اليه تخطي حدود المعقول فهو أصبح كالإدمان الذي لا تود أبدا الشفاء منه بل تريده أكثر و أكثر لم تعد تكتفي برؤيته فقط تريد أن تروي ظمأها منه فاقتربت شفاهها تنثر عشقها فوق ملامحه التي كانت تغط في نوم عميق تتخلله رائحتها العذبه و ملمسها الناعم فهي دائما ما تكون بطله أحلامه لم يكن يكفيه وجودها في الواقع بل و بالخيال هيا متربعه علي عرشه أيضا . شعر بهمسات رقيقه كالفراشات فوق ملامحه فتململ قليلا في نومته الي أن تحولت تلك اللمسات الي جمرات تحرقه بنيراان الشوق التي اشتعلت بقلبه فور أن استيقظ علي قبلاتها فحاول الثبات قدر الإمكان متلهفا للخطوة التاليه و لكن ما أن لامست شفتيها خاصته حتي هدرت الدماء بعروقه و تعالت أنفاسه مما جعلها ترتد للخلف تناظره بخجل تحول الي خبث و قد أيقنت بأنه مستيقظ لذا قررت أن تعبث معه قليلا فأخذت تمرر شفتيها علي ملامح وجهه بالكامل دون أن تمس شفتيه فكانت تعزز شوقه إليها بدلا من أن تروي ظمأه منها و ظلت علي تلك الحاله حتي اصبح الوضع بالنسبه اليه غير محتمل و قد فطن الي لعبتها فبلمح البصر هب من مكانه جاذبا إياها لتصبح أسفله و قد تبدل الوضع تماما بعد أن كانت هيا المسيطرة وجدت نفسها تحت رحمته مع نظرات ماكرة تجلت في نبرته حين قال 

" دا احنا بقينا نعرف نلعب اهوة."


تسارعت أنفاسها من فعلته و لكنها سرعان ما تغلبت علي صدمتها و ارتسمت ابتسامه فاتنه علي ملامحها قبل أن تقول بدلال

" عشان تعرف أن تلميذتك شاطرة .."


ناظرها بشوق تحول الي رغبه حارقه تجلت في نظراته التي كانت تتنافي مع حديثه الساخر حين قال 

" شاطرة اوي انتي هتقوليلي .."


انهي جملته الساخرة و أوشك علي النهوض فلم تعطه الفرصه ليتفاجئ بذراعيها تكبلان عنقه لتقربه منها أكثر حتي تلامست أنوفهم فتنبهت جميع حواسه بفعلتها المباغته و نظرة التحدي التي رآها في عيناها الساحرة و كلماتها المتدلله حين قالت بخفوت 

" معرفش ليه حاسه انك عندك شك في قدراتي ؟"


حاول التحكم في دقات قلبه التي تدق بجنون تطالبه بها الآن و لكنه كان لا يزال غاضبا منها فالليله الماضيه كانت ثقيله جدا علي قلبه الذي اعتاد دفء أحضانها و التي بدونها كانت ليلته باردة كالصقيع لذا أجبر نفسه علي الثبات قدر الإمكان و هو يقول بتهكم

" هيا فين القدرات دي انا مش شايفها اصلا !"


شعرت بصدمه من كلماته التي بدت و كأنه يسخر منها و قد تحولت صدمتها لعتاب كبير بين نظراتها و في نبرة صوتها حين قالت بخفوت 

" عشان كل واحد بيشوف الي هو مؤمن بيه .و مدام انت مش شايف قدراتي يبقي انت مش مؤمن بيها .. و عموما انا كنت جايه اقولك صباح الخير ."


اختتمت جملتها ثم وضعت قبله سطحيه بجانب شفتيه و انسلت من بين ذراعيه تاركه إياه في زهول فهو كان يقصد شيئا آخر بحديثه و كان ينتظر رد فعل مغاير تماما لما حدث منها فقد توقع أن تقوم بمراضاته لتثبت له ما يقصده بحديثه المازح و لكنها حولت الأمر الي منحني آخر لم يكن يقصده و عندما هم باللحاق بها جاءه الطرق علي باب الغرفه و الذي لم يكن سوي لروفان التي ما أن رآها حتي شعر بالحنق فزفر بحدة تجلت في نبرته حين قال 

" خير .. "

رسمت روفان ابتسامه سمجه علي ملامحها قبل أن تقول بإحراج 


" صباح الخير يا أبيه "

يوسف بفظاظه

" مش عارفين لسه إذا كان هيبقي خير و لا لا استني أما نتأكد و ابقي تعالي تاني "

هم بغلق الباب في وجهها و لكنها وضعت يدها قائله بلهفه 


" ايه يا أبيه هتقفل الباب في وشي ؟ حد بردو يعمل كدا مع أخته حبيبته !"


يوسف بحنق 

" اللهم طولك يا روح عايزة ايه يا بت انتي عالصبح ؟"

روفان بهدوء مستفز 

" الصراحه يا أبيه انا مش عيزاك انت في حاجه انا جايه لكاميليا صاحبتي عشان مفروض ورانا مشاوير النهاردة مع بعض .."


قالت جملتها ثم دخلت الي الغرفه وجلست علي الأريكه وسط نظرته المدهوشه و التي تحولت لغاضبه حين سمع حديثها فخرجت الكلمات منه مستنكرة

" نعم مشاوير ! هيا كمان هتقضي اليوم مع حضرتك ؟"


لم يكد ينهي جملته حتي خرجت كاميليا في تلك اللحظه من المرحاض مرتديه روب الإستحمام الخاص بها فقد بدت فاتنه بشعرها الذي كانت تتساقط منه قطرات المياه و ملامحها الصافيه و عيناها المتوهجه و التي كانت تشعل نيران الشوق بقلبه فاوشك علي التقدم منها ليلحظ وجود تلك الروفان التي كانت جالسه تنظر إليهم بعينان متسعه و هيا تضع كلتا يديها تحت ذقنها تطالعهم بإستمتاع و ترقب و كأنها تشاهد فيلمها المفضل فزفر بغضب قبل أن يتوجه الي المرحاض و هو يلعن بسره فما أن أغلق الباب خلفه حتي انفلتت ضحكه خافته من صغرها علي مظهره و شاطرتها روفان التي اقتربت قائله بخفوت 

" بت يا كامي ابيه يوسف هيولع . شكلك نفذتي نصايح غرام .."


كاميليا بخفوت 

" وطي صوتك الله يخربيتك لو سمعنا هيخلص علينا . انتي ايه الي جابك دلوقتي ؟"

روفان برقه ممزوجه بالتوسل 

" بصراحه يا كامي مقدرتش استني لما تنزلوا و قولت اطلع استعجلك عشان ننفذ الخطه بتاعتنا عشان على يصالحني . تصوري أنه مرنش عليا يقولي صباح الورد يا احلي وردة في الدنيا زي كل يوم ؟"


ناظرتها كاميليا بحنق تجلي في نبرتها حين قالت 

" هو انتي يا بت انتي عايزة تشليني ! ما أن شالله ما اتصل . ايه يعني الي حصل ؟"


روفان بتأثر 

" اسكتي يا كاميليا. اصلك مش فاهمه انا معرفش ابدأ يومي من غير ما اسمع صوته و هو كمان . تخيلي ازاي قلبه طاوعه ميكلمنيش ازاي قدر يقسي عليا بالشكل دا ؟"


برقت عيناها من مظهر روفان التي كانت علي وشك البكاء فاقتربت منها كاميليا و الإستنكار باد علي ملامحها و قالت بحنق 

" هو مين الي قسي عليكي يا بت انتي ؟ هو لسه عمل حاجه ! اومال لو انتي مرتبطه بواحد شبه اخواتك دول كنتي عملتي ايه دول سقونا المر كاسات ياختي دا احنا لينا الجنه علي كدا "


روفان بإقرار

" لا يا كاميليا ماهو انا فرفورة و مش حمل مرمطه . انا عايزة احب واتحب و اتفسح و انبسط . بصي انا عايزة ادلع . من الآخر كدا انا جايه الدنيا دي ادلع و بس . "


لم تجبها بل توجهت الي غرفه الملابس و تبعتها روفان التي ظلت تثرثر إلي ان انتهت كاميليا من إرتداء ملابسها و خرجت من المكان المخصص للقياس و توجهت أمام المرآه لتكمل زينتها فطالعتها روفان بإنبهار قائله بحماس

" ايه دا يا بت يا كامي انتي جبتي البدله دي امتا دي هتاكل منك حته "


لم تكد تجيبها حتي ظهر يوسف الذي كان يتلهف للإختلاء بها و عندما خرج و لم يجد شقيقته ظن بأنها غادرت فتوجه الي غرفه الملابس حتي يراها و هو يلتف بالمنشفه حول خصره ليتفاجئ بروفان التي ما أن شاهدته حتي وضعت يدها فوق عيناها و هيا تقول بصراخ 

" ايه يا أبيه حد يطلع من الحمام كدا مش تراعي أن في آنسات واقفين ؟"


شعر يوسف بأنه يتآكل من الغيظ لذا قال بحدة 

" والله انا مشوفتش في بجاحتك ! يعني واقفه في اوضه نومي و تحديدا غرفة الملابس بتاعتي و كمان انتي الي مش عاجبك "


 روفان بإحراج و هيا مازالت تضع يدها فوق عيناها و قالت


" معلش يا أبيه اصل عندي مشكله صغننه و محدش هيقدر يحلها غير كاميليا يالا يا كامي "

خرجت و هيا تجر خلفها كاميليا التي كانت تود أن تشاكسه قليلا و لكن اجبرتها تلك الحمقاء علي الخروج برفقتها فأتاهم صوته الغاضب من داخل الغرفه


" استني يا بت انتي هنا و اشمعنا كاميليا يعني الي هتقدر تحللك مشكلتك "

روفان ببساطه 

"عشان كاميليا صاحبتي و بعدين عندها قدرات جبارة هيا تبان سهتانه كدا بس لا بيطلع منها افكار عنب "


خرج يوسف بعد أن ارتدي بنطاله و مازال جزعه عاريا و هو يضع كلتا يديه حول خصره يطالعهم بنظرات يملؤها السخط تحولت لآخري ناريه عندما وجدها تضع أحمر شفاه قرمزي أبرز جمال شفتيها فخرجت الكلمات من فمه تلقائيه 

" هيا فعلا قدرات جبارة "

اغتاظت كاميليا من كلماته و التي ظنت بأنها ساخرة لتمسك بحقيبتها و هيا تنظر إليه قائله بنبرة ذات مغزي


" انا عنيا ليكي يا روفي عارفه ليه ؟ عشان انتي مؤمنه بقدراتي . "

روفان بحماس

" انا طول عمري مؤمنه بيكي يا روحي و بقدراتك .. اومال هو في كام كاميليا الحسيني في الدنيا .هيا واحده بس "


تأثرت كاميليا بحديثها من ناحيه و من ناحيه آخري كانت تود إغاظته لذا اقتربت منها تعانقها بتأثر تجلي في نبرتها حين قالت 

" يا روفي انتي قلبي والله .."

شاركتها روفان المشهد حيث قالت بأسف مصطنع 

" شوفتي بالرغم من إنك مطنشاني بقالك فترة و مشغوله عني و فضلتي حد تاني عليا هاه .. (قالتها و هيا تنظر إليه بنظرات ذات مغزي ثم تابعت بتمثيل ) بس لا انا بردو مقدرش ازعل منك و لا أنكر انك انتي كمان قلبي "


تبادلت الفتاتان العناق تحت أنظاره الساخطه و لكن جاء رنين هاتفه لينقذهم من غضبه الذي بدأ بالتصاعد فأمسك بهاتفه مجيبا 

" ايوا يا أدهم.. "

اجابه أدهم الذي كانت كل عظمه بجسده تؤلمه 

" يوسف انا تعبان شويه و مش هقدر اروح الشركه النهاردة"


يوسف بتهكم 

" بيني و بينك اوضتين و متصل بيا عشان تقولي كدا ؟ "

 أدهم بتعب

" لا ماهو انا مش في القصر انا في الشقه بتاعتك الي في المقطم و معايا مازن"

يوسف بقلق 

" و بتعملوا ايه في شقه المقطم ؟ في ايه يا أدهم انتوا كويسين؟"

" متقلقش يا يوسف انا بس شكلي خدت برد .. كنت بلفلف بالعربيه انا و مازن و لقينا نفسنا هناك فقولنا نطلع ارتاح شويه بالليل هنبقي نيجي عالقصر "

لم يرتح يوسف لحديثه و لكنه قال بإختصار 

" تمام . لو احتجت حاجه كلمني "

انهي مكالمته و التف ليجد باب الغرفه قد أغلق بعدما هربت الفتاتان فتوعد بداخله لتلك الكاميليا التي تثير جنونه و غضبه و شوقه في آن واحد …


****************


في الخارج تحدثت روفان التي كانت تجلس بجانب كاميليا في السيارة 

" بت يا كاميليا تفتكري أدهم و مازن قاعدين في الشقه دي لوحدهم ليه ؟ يكونوش بيخونوا غرام و كارما ! "


نظرت إليها كاميليا بإندهاش تجلي في نبرتها حين قالت

" انتي اجننتي يا روفان ؟ ايه الي بتقوليه دا ؟"


روفان بتفكير 

" هيا بعيدة بس انا الفار بيلعب في عبي بصراحه ايه يودي اللتنين يباتوا هناك ؟ و خصوصا أن الشقه دي محدش يعرفها غير يوسف و انتي و هما مش دي الي قولتي يوسف خدك عليها لما رجعك من اسكندرية؟"


انتبهت كاميليا لحديث روفان الذي أثار ريبتها و قالت بشك

" ايوا هيا .. بس عندك حق ليه راحوا هناك ؟ هيا حاجه تقلق فعلا بس بردو لا أدهم و لا مازن عمرهم ما يعملوا حاجه غلط "

كاد الفضول يقتلها لمعرفه ما يحدث فأتتها فكرة مجنونه فالتقطت هاتفها و قامت بإجراء مكالمه لتقول كاميليا بإستفهام.

" بتكلمي مين ؟"

لم تحبها و إنما قالت بحماس 

" غراااام .. عندي ليكي حته خبر انما ايه طازة عالفرازة .."

برقت عيناها من تلك الكارثه المسماه بروفان و حاولت انتزاع الهاتف منها و لكن هيهات فقد ألقت روفان حديثها دفعه واحده 

" أدهم اخويا بايت في شقه المقطم بتاعت يوسف هو و مازن و منعرفش بايتين هناك ليه و احنا شاكين انا و كاميليا أنه بيخونك و مازن بيهون كارما.."

أخيرا استطاعت كاميليا انتزاع الهاتف منها و حاولت تهدئه تلك القنبله التي علي وشك الإنفجار حين قالت 

" متصدقيهاش يا غرام دي مجنونه .. أدهم و مازن فعلا في الشقه هناك بس أدهم شكله تعبان اوي . هو قال ليوسف كدا في الفون "


علي الجانب الآخر هدأت غرام التي أثارتها كلمات روفان لتتذكر ما حدث البارحة فقالت بلهفه 

" ايوا يا كاميليا هو تعبان فعلا انتي معرفتيش الي حصل امبارح "


كاميليا بإستفهام 

" لا معرفتش هو حصل حاجه امبارح ؟"


انخرطت غرام في نوبه بكاء و هيا تروي لهما علي الهاتف ما حدث البارحه لتتفاجئ كلا من كاميليا و روفان من حديثها و سرعان ما تحولت صدمتهم الي ضحك هستيري و هم يتخيلون الكلاب تطارد كلا من مازن و أدهم مما ادي الي غضب غرام التي قالت بحدة 

" بتضحكي علي ايه يا زفته منك ليها ؟ و لا عشان محدش عملكوا افكار مجنونه زي حبيبي كدا متغاظين ؟"


توقفت روفان عن الضحك و هيا تذم شفتيها كالأطفال و تقول بتحسر

" اه والله عندك حق . شفتي اخويا بيعملك حاجات حلوة ازاي اخوكي معمليش اي حاجه من دي . يرضيكوا كدا "


قهقهت كاميليا علي مظهرها مما جعلها تقول بحنق 

" بتضحكي عليا . ماشي انا بقي هوريكي على هيعملي ايه ؟"


*****************


كان أدهم يتمدد بإهمال علي الفراش يأن من وجع جسده الشديد نتيجة السقطه القويه من فوق الشجرة و بجانبه مازن الذي كان منهكا منذ البارحه و كان يتمدد علي الأريكه و هو يقول بتعب 

" الله ينتقم منك يا على يا ابن فاطمه .. معدش فيا نفس .. انا عايز افضل نايم كدا لمدة أسبوع "


اجابه أدهم الذي كان يعاني من شدة الألم فقال بنواح

" امال انا اعمل ايه .. دانا جريت الصبح قبله ييجي عشرة كيلو و وقعت ذرع بصل من عالشجرة و كل دا مكفهوش الجاحد يقوم يسيب الكلاب ورايا .. انا لو معمولي عمل مش هيجرالي كدا .. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا على .. وديني لهربيك أن ما فشكلتلك الجوازة مبقاش انا أدهم الحسيني .."


اجابه مازن باعتراض

" تفشكل ايه دانتا كدا بتخدمه .دا هو أكبر عقاب ليه أنه يتجوز روفان اختك ."


أدهم بتأييد

" تصدق عندك حق .. اهي دي الي هتجلطه و تجيب أجله "

رن جرس الباب فنظر الإثنان لبعضهم البعض و تحدث أدهم قائلا  

" قوم افتح يا ابني مش سامع الباب ؟'


مازن بتذمر

" ما تقوم تفتح انت انا مش قادر "

أدهم بحنق 

" يا اعمي القلب و النظر انت مش شايفني متفشفش قدامك ما تقوم يا ابني انت ."


تحرك مازن علي مضض و هو مازال يلعن على في داخله و توجه إلي الباب ليفتحه ليتفاجئ بكلا من غرام و كارما التي اندفعت الي أحضانه و هيا تقول بلهفه

" مازن حبيبي .. عامل ايه دلوقتي ؟"


تفاجئ مازن من رؤيتهما و لكن سرعان ما تحولت مفاجأتة الي فرحه عارمه عندما شعر بها بين ذراعيه التي التفت حولها بشوق كبير بادلته إياه فاغمض عيناه يستشعر دفء عناقها ليفزعهم صوت غرام الغاضب و هيا تقول بصراخ

" يخربيتك منك ليها انتوا ايه معندكوش بربع جنيه كسوف . الخجل ميعرفش طريق بيتكوا . بتحضنوا في أي مكان كدا."


نظر إليها مازن بحنق قائلا 

" بقولك ايه يا بت انتي أنا مش ناقصك مش كفايه الي الحيوان اخوكي عملوا فينا امبارح هتبقي انتي و هو علينا "

غرام بحدة

" ماتقولش عليه حيوان "


مازن يتهكم 

" طب خشي شوفي حبيب القلب متكوم جوا ازاي و انتي هتقولي عليه ستين حيوان مش حيوان واحد "


هرولت غرام الي تلك الغرفه التي أشار إليها يسبقها قلبها المتلهف إليه و ما أن دخلتها حتي صدمها مظهره المشعث و هيئته المبعثرة و ملامحه التي يبدو عليها الألم فاندفعت تجاهه و هيا تقول بلهفه 

" أدهم.. الف سلامه عليك يا حبيبي "


وصله صوتها المتلهف و لكنه استنكر وجودها فهيا لا تعلم مكانه و هاتفه قد نفذ شحنه لذا لم يفتح عيناه و لكن ما أن استنشق رائحتها العذبه حتي فتح عيناه ليجد عيناها التي تناظره بحزن و تأثر كبير فقال بعدم تصديق 

" غرام .. انتي هنا بجد ؟"


غرام بحنان 

" ايوا هنا جمبك . قولي ايه بيوجعك "

أدهم بتحسر

" قولي ايه مبيوجعنيش . كل عضمه في جسمي بتوجعني .. الله يسامحه اخوكي المفتري "

غرام بحب 

" سلامتك يا حبيبي و سلامه عضمك . عضمه. عضمه "


تاه أدهم في نظراتها و كلماتها و لكن سرعان ما ارتسم التحسر علي ملامحه حين قال 

" طبعا ادلعي براحتك مانا مكسر مش هقدر اعمل حاجه .. ربنا ينتقم منك يا على "


غرام بحدة

" متدعيش علي اخويا . اينعم هو مفتري و بيستهبل بس بردو . "


ضيق أدهم عيناه و قال بحنق

" والله انتوا عيله كلها مفتريه . بقي بتدافعي عنه بعد كل الي عمله ماشي خليكي فكراها "

اقتربت غرام منه و قد شعرت بأنها اغضبته وقالت بندم 

" حقك عليا والله ما اقصد ازعلك .. انت حبيبي "

أدهم بحزن مصطنع 

" لا حبيبك ايه بقي . دانتي زي ما يكون فرحانه فيا "


غرام بلهفه 

" والله أبدا دانا كنت هتجنن عشانك و طول الليل منمتش من القلق عليك "

أدهم بمكر 

" كلام '

غرام بلهفه 

" طب قولي اعمل ايه عشان تصدق ؟"


أدهم بوقاحه

" كان في مشروع بوسه امبارح قبل ما ينطلي الي ما يتسمي اخوكي دا فإن أمكن يعني تكمله دلوقتي "


اغتاظت غرام من وقاحته فلكزته بكتفه قائله بأستنكار

" بطل قلة ادب بقي .. حتي و انت تعبان كدا قليل الأدب "

أصابت قبضتها جرح اصابه البارحه أثناء سقوطه من علي الشجرة فخرجت منه صرخه متألمه جعلتها تنتفض في مكانها و صدمها منظر الجرح لم يكن غائرا و لكنه آلم قلبها الذي يعشقه فقالت بخوف 

" أدهم انت متعور . انا هنادي كارما تشوفك "


لم تتح له الفرصه للحديث و هرولت للخارج تنادي بلهفه 

" كارما الحقي أدهم متعور تعالي شوفيه "

بالفعل توجهت كارما يتبعها مازن للداخل و قامت بفحص أدهم و قالت بعمليه 

" متخافيش دي مجرد خدوش عايزة تتعقم بس عشان التلوث و كلها كام يوم و تخف (ثم نظرت إلي مازن قائله بإستفهام ) فين صندوق الإسعافات الاوليه الي هنا عشان اعقمله الجروح دي "

مازن بإستنكار 


" نعم ياختي و انتي مال اهلك تعقميله انتي ليه ؟"


كارما بسخريه

" يمكن عشان أنا دكتورة مثلا و دا شغلي !"

مازن بصرامه

" بلا دكتورة بلا بطيخ مراته موجودة اهيه. تبقي تعقمله هيا .. و بعدين مفيش هنا لا إسعافات اوليه و لا نيله خليه بطينه كدا "


ادهم بإستنكار 

" ايه بطينه دي يا حيوان انت .ما تحسن ملافظك "

مازن بسخرية 

" مش عاملي روميو و متشعبط عالشجرة اشرب بقي .."


تدخلت غرام قائله بحنق

" لا والله دا وقت هزار احنا في ايه و لا في ايه . بدل ما عمال تتريق اتفضل روح هات الحاجات من الصيدليه و أنا هعمله انا كل حاجه "


مازن بتهليل 

" الله اكبر .. العو جه العو حضر .. حمامه و اكون جايبلك كل حاجه . انتي بس اقعدي جمب لمحروس بتاعك لحد ما نيجي .. يالا يا كارمتي " 


لم يتح لها المجال للإعتراض بل امتدت يداه لكارما التي لبت نداءه بلهفه و هرول الإثنان للخارج وسط نظراتها المزهوله و نظراته الماكرة التي تحولت للضعف حين شعر شعر بأنها غضبت و قال بألم مصطنع 

" اه يا ايدي .. "

تبدد غضبها فورا و تحول الي لهفه و هيا تقترب منه قائله 

باهتمام 

" حركت ايدك ليه بس اهي وجعتك "

تحولت نظراته للعشق الذي صوب سهامه إلي قلبها حين قال بصوت اجش

" خايفه عليا ؟"


رفعت غرام رأسها تطالعه و قد اخجلتها نظراته و جعلت الدماء الحارة تندفع لوجنتيها و شعرت بخطورة الموقف فهيا الآن معه بمفردها في تلك الشقه و عادت إليها ذكري أليمه فارتعشت شفتيها رغما عنها و تعالت أنفاسها فشعر هو بما يجول بخاطرها فامتدت يداه تحتوي كفوفها برفق و يقربهم الي شفتيه ليضع قبله دافئه علي راحتها و يرفع رأسه يناظرها بحنان تجلي في نبرته حين قال 

" اوعي تخافي مني أبدا.. انا اهون عليا الموت و لا إني أأذي شعرة منك .."


قبلته الدافئه و كلماته الحانيه اخترقت نوبات الخوف بداخلها و شقت الطمأنينة طريقها في الوصول إلي قلبها فارتسمت ابتسامه هادئه مطمأنه فوق شفتيها جعلته يتنفس براحه قبل أن يقول بخفوت 

" اطلعي استنيني بره علي ما آخد شاور و اطلعلك و يكون مازن و كارما رجعوا "


خرج منها الحديث بلهفه نابعه من خوفها عليه

" طب هتعرف تاخد شاور و انت كدا ..انا ممكن اجيب فوطه مبلوله و امسحلك حوالين الجرح لحد ما …"


قاطعها بحنو قائلا 

" متقلقيش انا كويس . و بعدين انا فعلا محتاج اخد شاور . المنظر مش لطيف خالص بالنسبه لواحد وسيم زيي سمعتي كدا ممكن تبوظ "


قال جملته الأخيرة بمزاح لتضحك علي حديثه ثم نهضت من مكانها و مدت له يدها تساعده علي الوقوف و هيا تقول برجاء مغلف بالخجل 

" طب هساعدك تقوم عشان اتاكد انك كويس "


اطاعها و مد يده لتعانق يدها الممدودة إليه و حاول استجماع قوته حتي ينهض من مكانه فأصبح أمامها مباشرة تناظره بعينان يملؤها الحنان الممزوج بعشق كبير كان اضعافه بقلبه الذي كاد يود لو يأخذها بين أحضانه في تلك اللحظه و لكنه احكم سيطرته علي جيوش شوقه الذي يحرق شرايينه لكي لا يخيفها منه فهذا آخر ما يريده بعد ما قطع كل تلك المسافه للفوز بها لا يريد اي شئ قد يعيده الي نقطه الصفر معها مجددا لذا ابتسم قبل أن يقول مازحا  

" بصي انا معرفش إذا كان في حاجه في الشقه دي تنفع تتشرب و لا تتاكل بس انا بصراحه جعان جدا . فإنتي خدي جوله استكشافيه في المطبخ كدا علي ما اخذ الشور بتاعي تمام "

غرام بخجل 

" تمام " 


اتجهت غرام الي المطبخ فوجدت به بعض الاشياء اللازمه لصنع بعض الطعام فتحمست كثيرا و قامت بإعداد الاطعمه اللذيذة و هيا تدندن بعض الألحان و اندمجت في الطبخ و الغناء فلم تنتبه لذلك الذي خرج من المرحاض و أخذ يقترب من صوت غناءها و قد تسمر في مكانه يراقب تلك الفاتنة التي تلهو و ترقص يمينا و يسارا و لا تدري بأنها ترقص علي اوتار قلبه المفعم بعشقها . فصارت عيناه تتابعها بحب و اعجاب كبيران و قد نسي كل شئ في تلك اللحظه المكان و الزمان وحتي جروحه المؤلمه لم يعد يشعر بها فقد أسرت تلك المرأة كل أحاسيسه و مشاهده و احتكرت قلبه و جوارحه للحد الذي يجعله لا يتردد ثانيه واحده في أن يهبها حياته بأكملها .

أنهت إعداد الطعام و التفت لتحضر بعض الأشياء من الخزانه لتتجمد في أرضها عندما وجدت ذلك الذي كان يستند علي جانب الباب يراقبها بنظرات عاشقه فخجلت كثيرا و خاصتا عندما وجدته لا يرتدي سوي بنطال قطني تاركا جزعه الاعلي عاريا و قطرات الماء التي تنساب من شعره المبلل لتصل الي جسده المفتول العضلات و التي كانت مقسمه بحرافيه جعلت الدماء تهدر بعروقها و شعرت بأن قلبها سيتوقف من شدة الخفقان و خاصتا عندما اقترب منها و هو يناظرها بتلك الطريقه فقد شعرت بأنه نظراته تلتهمها و قد أيقنت بأنها هالكه لا محاله فهي لن تستطع مقاومته كيف و كل شئ بها يريده بشدة . ما أن اقترب منه حتي أغمضت عيناها تلقائيا و كل شئ بها يتلهف للمساته و لكنها تفاجأت حين سمعت صوته المنبهر خلفها 

" انا مش مصدق نفسي مكرونه بشاميل .."


شعرت غرام و كأن دلو من الماء المثلج قد سقط فوق رأسها عند سماعها جملته فالتفت ببطأ لتزداد صدمتها حينما رأته يمسك بإحدي الشوكات و يغرسها بالمعكرونه التي كانت بالطاجن و التي اخرجتها للتو من الفرن الكهربائي و كان يقول بسعادة غامرة 

 " انتي عرفتي منين اني بحبها .. "


لم ينتظر منها إجابه بل شرع في تذوقها و هو يخرج صفير مستمتع للغايه جعلها تنظر بغيظ مكتوم و خاصتا حين قال 

"تعرفي يا ميمو كل الأكل بينزل في بطني الا المكرونه بشاميل بتنزل في قلبي .."


حاولت رسم ابتسامه مكرهه علي شفتيها و هيا تتمتم بحنق 

" وجع قلبك يا بعيد .. "


أدهم بإستفهام 

" بتقولي حاجه يا روحي ؟"

غرام بتحسر 

" لا بقول بالهنا و الشفا يا حبيبي .. هقول ايه يعني ؟"


أدهم بمزاح 

" انا كدا اطمنت علي مستقبلي معاكي يا ميمو . "

اغتاظت من حديثه فاندفعت تجاهه تأخذ منه الشوكه و توجهها إليه قائله بتحذير 

" بص انا مابحبش حد يبوظلي شكل الأكل مش انا اتعب و حضرتك تاكل عالجاهز . معنديش انا الكلام دا "


صُدِم أدهم من حديثها و قال بإندهاش

" ايه دا هو انا مفروض اعمل حاجه ؟"

غرام بحدة 

" ايوا طبعا .. "

أدهم بعدم فهم

" اعمل ايه طيب ؟"

ارتبكت من سؤاله كثيرا و لم تعرف كيف تجيبه و لكنها أسرعت بالقول 

" يعني مثلا تحضر السفرة .. ايه هناكل في المطبخ مع الشغالين ؟"


أدهم بإندهاش 

" هما فين الشغالين دول يا بنتي هو في غيري انا و انتي في الشقه ؟"


غرام بتهكم و إندفاع

" كويس انك عارف ."

ادهم بإستفهام 

" نعم "

غرام محاوله تصحيح كلامها 

" قصدي لازم تبقي عارف مهامك من دلوقتي.. انا هطبخ و انت تحضر السفرة .. اتفضل يالا روح حضرها "


لم يتح له المجال للحديث حتي رن هاتفها فتوجهت الي الخارج لترى من المتصل و الذي لم يكن سوي مازن فأجابته قائلا

" ايه يا مازن اتأخرتوا ليه ؟"

مازن بإعتذار 


" معلش يا ميمو طلعلي مشوار من تحت الأرض .. انا بعتلكوا عم عبدة بالدوا و بهدوم لأدهم و هخلص مشواري و هعدي اخدكم .. "


غرام بغضب 

" مازن انت بتستهبل ازاي يعني مش جاي ؟"

مازن بمراوغه 

" غرام مش سامعك الشبكه بتقطع . طب بقولك ايه انا مضطر اقفل اصلي مش سامع منك حاجه . ابقي قولي لأدهم مازن بيقولك بدله الفرح عليك ماشي . يالا باي باي ."


اقترب منها أدهم الي كان يقف و يستمع لحديث مازن الذي قدم إليه فرصه علي طبق من ذهب في الانفراد بها فابتسم بتخابث علي خجلها الذي تحاول إخفاؤه خلف ستار الغضب و تقدم منها قائلا ببراءه

" ايه يا غرام في ايه مازن عايز ايه ؟"


غرام بغضب 

" دا مش مازن دا زفت الطين "

حاول كبت ضحكاته و قال ببراءة مزيفه 

" ليه عمل حاجه ضايقتك و لا ايه؟"

" هو كل عمايله تضايق اصلا . والله ما عارفه كارما متحملاه علي ايه ؟"


أدهم بنبرة ذات مغزي 

" بتحبه .. و الي بيحب حد بياخده كدا زي ما هو بعيوبه و بمميزاته . مبيقفش ينقي و يقول هاخد دا و اسيب دا "

شعرت بأنه يقصد شئ ما من حديثه و ما أن همت بأن نجيبه حتي أوقفها رنين جرس الباب فتحدث أدهم قائلا 

" ادخلي انتي جوا دا اكيد عم عبده هاخد منه الحاجه و انادي عليكي."


اطاعته دون حديث ليتوجه الي الباب و بالفعل كان السائق الذي جلب له أغراضه مع الدواء فشكره و اغلق الباب و توجه إلي الغرفه و هو يناديها ففتحت الباب لتأخذ منه حقيبه الدواء و يذهب هو ليضع باقي الاغراض بالغرفه فأذا بجرس الباب يرن من جديد فتفاجئ الإثنان و تحدثت غرام قائله بإستفهام 

" هو انت مستني حد ؟"


أدهم بإستنكار 

" هكون مستني مين يعني .. هتلاقي عم عبده نسي حاجه و راجع يديهالي .. ادخلي انتي جوا و أنا هشوفه "


اطاعته للمرة الثانيه و توجه هو الي الباب لمعرفة من بالخارج و ما أن قام بفتح الباب حتي تسمر في مكانه عندما وجد مرام تقف امام باب الشقه تنظر اليه بوداعه و خجل زائفين فخرجت الكلمات من فمه تلقائيا 

" انتي !"


مرام بخفوت 

" اذيك يا أدهم "

حل الغضب محل الصدمه و لكنه حاول التحكم به إذ قال بلهجه غير ودودة 

" اهلا .. انتي ايه الي جابك هنا و عرفتي مكاني منين"


تجاهلت لهجته الحادة و قالت بنبرة متوسله 

" جايه اتكلم معاك و همشي علي طول يا أدهم . اكيد مش هتسبني واقفه عالباب كدا ؟"


زفر أدهم بحنق و قد انتبه أنهم في عقار به العديد من الجيران لذا تنحي جانبا ليفسح لها المجال للدخول و اغلق الباب و هو يلعن بداخله حظه العاثر الذي و كأنه يعانده دائما . فهاهي تلك الكارثه التي ظن بأنه قد تخلص منها تأتي في أكثر الأوقات الخطأ . وقف أدهم ينظر إليها بملل واضعا يديه بجيوب بنطاله ينتظر منها أن تبدأ بالحديث و لكن طال صمتها فتحدث قائلا بنفاذ صبر 

" خير يا مرام كنتي عايزة تتكلمي معايا في ايه ؟"


مرام بخجل مصطنع

" بصراحه انا كنت جايه اعتذرلك . عالي حصل بينا آخر مرة "

أدهم بإستنكار

" تعتذريلي ! علي ايه جايه تعتذريلي ؟"

افلتت دمعتان علي خديها محاوله كسب تعاطفه قبل أن تقول بتأثر مصطنع

" اعتذر عن اسلوبي معاك و اني ضايقتك بكلامي انا كان غصب عني . ضعفي و حبي اتجمعوا في وقت واحد و مقدرتش اسيطر علي نفسي و لا اتحكم بأعصابي ."


فطن أدهم الي مغزي حديثها الذي لم يكن يروقه بالمرة لذا قال بإختصار

" تمام يا مرام حصل خير . الموضوع اتقفل خلاص و أنا نسيته "


مرام بلهفه

" بجد يا أدهم يعني سامحتني و ممكن نفتح صفحه جديده ؟"

رفع ادهم إحدي حاجبيه و هو يقول بإستنكار

" نعم ! صفحه جديدة . دا الي هو ازاي يعني ؟"

مرام بحزن

" يعني لو خسرتك كحبيب . بلاش كمان اخسرك كصديق . و خصوصا اني مبقاليش اي حد في الدنيا "


اوشكت غرام في تلك اللحظه علي الانقضاض علي تلك اللئيمه و تشويه وجهها المقزز و اقتلاع عينيها التي تطالعه بتلك الطريقه الوقحه فقد اعمتها غيرتها المجنونه عليه خاصتا عندما تنبهت الي أنه مايزال علي حاله عاري الصدر أمام تلك الوقحه التي تكاد تأكله بنظراتها و تتلون كالحرباء أمامه و تحاول التأثير عليه بسم لسانها و لكنها حتما لن تعطيها الفرصه فأخذت تدور حول نفسها في الغرفه محاوله كتم غيظها لتأتي علي بالها فكرة مجنونه شرعت في تنفيذها في الحال 

كان أدهم يحادث مرام التي فجأة جحظت عيناها و هيا تنظر خلفه فالتفت ليري ماذا هناك فشعر بدقات قلبه التي أصبحت تقرع كالطبول عندما شاهد تلك الفاتنة تنزل درجتي السلم و هيا ترتدي القميص الخاص به و الي يصل الي منتصف فخذها مما يجعلها آيه في الجمال و الفتنه و خاصتا و هيا تتقدم نحوهم بذلك الدلال فجف حلقه و احتبست أنفاسه انبهارا و تأثرا بمظهرها الخاطف للأنفاس فشرد لثوان يتأمل كل إنش بها غافلا عن كل شئ حوله ليستفق علي لمسات اصبعها فوق صدره و هيا تنظر إلي تلك التي تقف مشدوهه بما تراه و سرعان ما تجاوزت صدمتها عندما سمعت صوت غرام الساخر و هيا تقول ناظره لأدهم


" ايه يا أدهم احنا عندنا ضيوف و لا ايه ؟؟"


كان أدهم ينظر إليها بوله فلم ينتبه لسؤالها لتناديه بدلال  


" دومي . "


ادهم بعشق


" عيونه "


غرام بسخريه غلفتها بالدلال


" هو احنا عندنا ضيوف ؟"


" لا دي مرام كانت جايه و ماشيه علي طول .."


غرام بسخريه


" كدا من غير ما تشرب حاجه .. دا يبقي عيب في حقنا .. اتفضلي .."


قالت جملتها الأخيرة ناظرة الي مرام التي ارتسمت بعيناها أطنان من الغضب و الحقد و لكنها رسمت ابتسامه صفراء و هيا تتوجه الي الصالون حيث أشارت غرام و جلست لتتفاجئ بأدهم يجلس و غرام تجلس علي قدميه و بين أحضانه و هيا تقول بدلال


" متعرفناش !"


شعرت مرام بتحدي غريمتها المبطن فقالت قاصدة إستفزازها 


"انا مرام خطيبة أدهم الأولانيه و اول حب في حياته معقول محكالكيش عني !"


غرام متصنعه التفكير ثم قالت بتنهيدة و براءة مفتعله


" الحقيقه أدهم حكالي عالحاجات المهمه الي كانت في حياته قبلي بس الحاجات التافهه لا مجابليش سيرتها .." 


شعرت مرام بأن الأرض تهتز بها و بأنها قد تلقت صفعه قاسيه لتوها من غريمتها جعلتها تهب واقفه و هيا تقول بغضب 


" انتي قليله الأدب !"


اشتعل غضب غرام من تلك السليطه اللسان و ما كادت أن تجيبها حتي وجدت يداه تقرص علي خصرها الذي يعتقله بين ذراعيه لتلتفت إليه فوجدته يقول بشراسه


" متخلقش لسه الي يهين مرات أدهم الحسيني .. لسانك دا لو اتطاول عليها تاني هقطعهولك . فاهمه و لا لا ؟ "


مرام بإنفعال


" هيا الي غلطت فيا الأول .."


ادهم بصرامه 


" هيا تغلط براحتها . لو خلصتي الي جيتي عشانه اتفضلي يالا من غير مطرود .."


مراد بسخريه


" لا لسه مخلصاش .. و مدام انت مخدوع اوي كدا في الست هانم يبقي اتفضل شوف حقيقتها بنفسك .."


اختتمت جملتها و أخرجت من حقيبتها ظرف ناولته إياه و ما أن فتحه حتي اسودت عيناه من الغضب حين رأي تلك الصور التي تجمع حبيبته مع رجل آخر و رغما عنه شعر بنيران قويه تحرق صدره و تجلت نيرانه في نظراته التي وجهها لغرام و هو يقول بنبرة آمرة 

" ادخلي استنيني جوا يا غرام "


حاولت الحديث لتفهم منه ما يحدث و لكن نظراته ارعبتها فتوجهت مهروله الي الداخل لتتحول نظراته الي جحيم مستعر و هو ينظر لتلك المرام التي لم تستطع استيعاب ما يحدث عندما باغتها بإعتقال عنقها بين يديه و هو يقول بشراسه 

" جبتي الصور دي منين يا بنت ال*** "

ذُعِرت مرام من مظهره و يده التي تقبض علي عنقها جاعله مرور الهواء الي رأتيها أمرا مستحيلا فقالت بلهجه مختنقه 

" أدهم . هموت . سيبني .. "


أدهم بغضب جحيمي 

" انا هموتك بإيدي فعلا لو مقولتيش جبتي الصور دي منين ؟"

أرادت صب الزيت علي النار فقالت بإختناق

" أسأل مراتك المحترمه"


لم تكد تنهي جملتها حتي ارتفعت يداه و هوت بصفعه قاسيه فوق خدها جعلت الدماء تسيل من أنفها و هو يقول صارخا 

" اخرسي يا *** انا مراتي اشرف منك و من بلدك .. و لو جبتي سيرتها علي لسانك ال*** دا هقطعهولك . ايه كنتي مفكراني اهبل و هتضحكي عليا بشويه الصور المتفبركه دي . لا يا حلوة دانتي حفرتي قبرك بإيدك "


ارتعبت مرام من حديثه و تراجعت للخلف و هيا تقول بذعر 

" لا والله يا أدهم مش بضحك عليك.. أرجوك اسمعني .الصور دي مش مفبركه والله العظيم .. انا مش بكذب عليك "


تحولت نظراته للجنون و هو يطالعها و اقترب منها ببطأ مميت و هو يقول بهسيس

" و كمان بتحلفي بربنا و عايزة تشوهي صورة مراتي الي اشرف من الشرف .. طب انا بقي هخليكي تشوفي الجحيم علي الأرض .. و خليكي فاكرة انك انتي الي بدأتي يا مرام "


أخذت تهز برأسها يمينا و يسارا و هيا تقول ببكاء

" والله ما بكذب عليك . طب اسمعني بس "

لم يلتفت لتوسلاتها و إنما قام بفتح باب الشقه و جرها الي الخارج بمنتهي القسوة و الإهانه و صفق الباب بعنف هز أرجاء الشقه فهبت بذعر من مكانها تلك التي كان القلق ينهش داخلها من مظهره و صراخه التي لم تكن تفسره و شعرت لوهله بالشفقه علي تلك التي كانت تحت رحمته في الخارج و لا تعلم ماذا حدث لها ؟ كانت تشعر بالخوف و الحيرة هل تخرج إليه ام تنتظر حتي يأتي هو و لكن بالنهايه حسمت قرارها بالتوجه الي الخارج بعد أن ارتدت ملابسها مرة ثانيه ففتحت الباب و توجهت إليه فقد كان معطيا إياها ظهره. و ممسكا بشئ ما في يده فاقتربت أكثر منه لتتفاجئ بتلك الصور و التي كانت لها بين أحضان شخص ما فشهقت بقوة و تراجعت خطوتان الي الخلف و قد ارتسم الذعر علي ملامحها و تناثر الدمع من عيناها و خاصتا عندما التفت اليها فظنت بأن هلاكها سيكون علي يديه و لكنها تفاجأت به يلقي بتلك الصور خلف ظهره و تمتد يده تجذبها برفق الي داخل أحضانه و هو يقول بحنان ينافي شراسته منذ قليل 

" اشش . اهدي . انا مش مصدق اي حاجه من الصور دي .. انا عارف انك انقي و اشرف بنت في الدنيا .. ارجوكي اوعي تخافي مني . انا عمري ما هأذيكي أبدا ..اهدي عشان خاطري "


كانت نبرته يشوبها التوسل و هو يشدد من احتضانها إلي أن هدأت ثورة انفعالها قليلا فقام بإمساك كلتا يديها برفق جاذبا إياها لتجلس علي أحد المقاعد و يجلس هو علي ركبتيه أمامها و يده تمس برفق دمعاتها المتساقطه و الآخري مازالت تحتضن يدها بحنان تجلي في نبرته حين قال 

" معقول دموعك الحلوة دي تنزل عشان حاجه هايفه زي دي .. معقول تفكري اني ممكن اشك فيكي تاني .. انا ممكن اشك في نفسي و انتي لا . "


نظرت إليه برعب حقيقي و قالت بتلعثم 

" أدهم.. الصور . دي .."

قاطعها قائلا بلهفه

" انا عارف ان الصور دي متفبركه من غير ما تقولي . استحاله تكون دي انتي "


لم تستطع الصمود أكثر و خرج الكلام منها دون إرادتها حين قالت ببكاء 

" الصور دي مش متفبركه دي انا فعلا !"



يُقال بأن الدفء عادة ما يأتي بعد سقوط المطر . لهذا تركت قلبي في السماء يعانق الغيوم بخيط من الدعوات التي لم أكف عن ترديدها منذ رحيلك ، و في الأرض غفت روحي علي أمل أن تُمطر تلك الغيمات فيمسح المطر علي قلبي بنسيم رائحتك لأستيقظ علي دفء وجودك …


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


كان أدهم يناظرها بعدم تصديق مما سمعه لتوه فلم يستطع عقله ترجمه حديثها الذي خرج من بين شفتيها المرتعشه و قد كان صدقه مرتسم بعيناها التي كان بها إعتذار أفقده كل ذرة تعقل لديه لتمتد يديه تقبض علي معصمها بعنف غير مقصود جعلها ترتجف من فرط الخوف خاصتا حين قال بصوت مرعب

" يعني ايه الصور دي حقيقيه ؟"


لم تطاوعها شفتيها علي الإجابه فقد تملك الرعب بكل خليه منها و ارتجف جسدها بشدة و صار الدمع يتقاذف من مقلتيها فأعاده مظهرها المذري الي وعيه فسحب يده الممسكه بيدها و هب من مكانه يحاول تنظيم أنفاسه لثوان قبل أن يلتفت إليها ليجدها علي حالها من الرعب الباد علي محياها فاقترب منها بهدوء ينافي جحيم غضبه المستعر بداخله و قال بتعقل 

" غرام .. ممكن تهدي و تفهميني تقصدي ايه بكلامك دا ؟ يعني ايه الصور دي مش متفبركه .. انتي ..انتي فعلا الي .."


لم يطاوعه لسانه بنطقها و قد احتدم غضبه مع وجعه و غيرته ليشكلا الجحيم بنظراته التي تحولت إلي جمرات و هيا تطالعها بتوسل كي تنفي ما تفوهت به لتأتي كلماتها التاليه لتزيد من نيرانه حين قالت بإرتباك 

" أيوا يا أدهم انا فعلا الي في الصور دي .."


اخترقت جملتها منتصف قلبه كسهم مسموم سري مفعوله كالنيران في عروقه ليشعر بألم حاد يجتاح جسده بأكمله فلم يشعر سوي بنفسه و هو يترنح ليسقط علي المقعد خلفه و كأن قدميه لم تعد تقوي علي حمله أو أن قلبه لم يعد يستطع تحمل ذلك الألم القاتل الذي جعل التنفس بات ثقيلا عليه مما جعل الدماء تهرب من وجنتيه فأصبح شاحبا كالأموات و هو يتخيل أن تكون حبيبته طفلته معشوقته مع رجل آخر عند ذلك الهاجس اشتدت قبضة يده حتي برزت عروقه بقوة تنافت مع ضعف نبرته حين قال بألم 

" ليه ؟؟"


توقعت منه الغضب و الصراخ و حتي العنف . توقعت ان تري رجل غاضب جريح قد يعميه غضبه و هواجسه كما اعمته من قبل. توقعت منه الأسوء حتي أنها ظنت للحظه بأنها سوف تهلك علي يده ما أن تتفوه بجملتها تلك و لكن ما لم يخطر علي بالها ان تري كل هذا الضعف و الألم . فمن يري وجهه الآن يظن بأنه علي وشك مفارفه الحياة . لم تستطع مقاومه رغبتها بأن تري تأثير حديثها عليه و هل ستري ذلك الوجه البشع الذي سبق و رأته قبل ذلك في تلك الليله المشئومه ! و لكن ما رأته الآن جعل قلبها يلعن تلك الرغبه اللعينه فهرولت اليه لتجلس أمامه علي ركبتها و هيا تقول بلهفه و ندم 

" أدهم . الموضوع مش زي مانتا فاهم .. انا معرفش مين دا اصلا الموضوع كله جه صدفه .."


انتشلته كلماتها من قاع الجحيم الذي ابتلعه منذ دقائق ليرفع رأسه و يطالعها بعدم فهم لتقول هيا بلهفه 

" انا هحكيلك كل حاجه .. بس قبل ما احكيلك انت واثق فيا و هتصدقني صح ؟"


كانت تطالعه بتوسل ارتسم بنظراتها فلم يستطع أن يجيبها سوي بهزة بسيطه من رأسه و قد كان داخله يحترق حتي يستمع إلي ما ستقوله لتخرج الكلمات متلهفه من بين شفتيها 

" انا معرفش مين دا . انا في يوم كنت خارجه من الكافيه و كنت معيطه و اعصابي بايظه و دورت العربيه عشان امشي و فجأة لقيت العربيه بدل ما تطلع قدام رجعت لورا و خبطت العربيه الي راكنه ورايا . الناس اتلمت فنزلت جري عشان اشوف حصل ايه قعدوا يتخانقوا معايا يلوموني و اني بهدلت العربيه وقتها اترعبت و قولت انا هدفع تمن تصليحها و فين صاحبها و جه الشاب دا و قعدت اعتذرله و قولتله هدفع تمن تصليح العربيه فهو لما لقاني اعصابي بايظه و عماله اعيط قعد يهديني و اقترح عليا اني ادخل الكافيه اشرب حاجه و نقعد نتكلم . و أنا في الوقت دا فعلا مكنتش قادرة اقف علي رجلي من كتر الضغط و التوتر الي كنت فيه و دخلنا فعلا و الحقيقه أنه كان شاب محترم جدا و قالي مفيش مشكله و ان هو مش عايز مني اي حاجه و انا اصريت ادفع تمن تصليح العربيه و هو اضطر يوافق و عرفني علي نفسه وقتها . أنا حتي مش فاكرة اسمه ايه من اللخبطه الي كنت فيها و طلعت مبلغ ادتهوله و قمت عشان امشي فجأة حسيت الدنيا بتلف بيا و دوخت و هو لحقني زي ما في الصورة كدا .. "


هرولت تجاه أحدي الصور و التقطتها لتضعها أمام عيناه و هيا تشير الي مظهرها فكانت مغمضه الأعين من يراها و لا يعرف حقيقه الأمر يظن أنها في حالة من العشق و الهيام و لكن عندما أمعن النظر بها لمس صدق حديثها فتابعت بعد أن أتت بصورة آخري و هيا تقول بصدق 

" محستش بنفسي غير بعد فترة و الناس كلها حواليا و بتفوقني . و بعد ما فوقت أصر يوصلني عشان كنت مش قادرة اسوق بس انا رفضت و اصريت اطلب اوبر و على بعت السواق يجيب العربيه و اول مرة اعرف انه شالني لما شوفت الصور دي دلوقتي . و من وقتها مشوفتوش و لا اعرف عنه حاجه حتي اسمه مش فاكراه .. دا كل الي حصل ."


كان يناظرها بنظرات غامضه لم تفهمها مما جعل الرعب يغزو قلبها من جديد و ازدادت دقاته بعنف حتي شعرت بأنه قد سمعها من مكانه لتقول بتوسل 

" والله كل الي حصل كان صدفه يا أدهم ."


ادهم بغضب 

" لا يا غرام دي مش صدفه "

صدمتها كلماته و تلك القسوة التي انبعثت من عيناه ذكرتها بنظرات رأتها من قبل فتجمدت الدماء بعروقها و جف حلقها و خرجت الكلمات من فمها بأنفاس مقطوعه 

" يعني ايه يا أدهم ؟ انت مش مصدقني ؟"


ناظرها بقوة تجلت في نبرته حين قال 

" الصور دي مدام وصلتني يبقي الي حصل مكنش صدفه يا غرام .. دا مترتبله و مترتبله صح اوي .. "


وصل لعقلها المعنى المبطن لكلماته فقالت بإندهاش

" انت تقصد أن في حد رتب لالي حصل دا عشان يصورني و .."


توقفت الكلمات عند أعتاب شفتيها ليتابع هو قائلا بقسوة 

" و يبعتلي الصور و اشوفها و اتاكد انك بتخونيني .."

غرام بعدم تصديق 

" لا يا ادهم مش معقول كلامك دا .. مانتا مش معقول كنت هتشوف الصور من غير ما تسألني و اكيد انا كنت هقولك الي حصل . معتقدش الموضوع زي مانتا بتفكر كدا ."


زفر أدهم بحدة قبل أن يقول غاضبا 

" مانا ممكن مكنتش اصدقك .. و خصوصا بعد الي حصل قبل كدا .."

طالعته غرام بشك قبل أن تقذف كلماته الرعب بقلبها حين قال بحنق 

" الي عمل كدا دا عارف الي حصل بينا قبل كدا .. و عشان كدا عمل اللعبه القذرة دي عشان اتجنن و اكرر غلطي معاكي .. و بكدا يضمن انا انا و انتي نفترق للابد."


اخذت غرام تدور حول نفسها و هيا ترتجف قائله بإنفعال 

" دي تبقي كارثه .. لو فعلا زي ما بتقول عارف بالي حصل بينا قبل كدا . يبقي انا كدا روحت في داهيه .."


اعماه الغضب من خوفها الواضح فامتدت يداه تقربها إليه بعنف و هو يقول بصرامه 

" انتي مجنونه ! محدش في الدنيا دي يقدر يجيب سيرتك بحرف . و الي يفكر بس همحيه من علي وش الارض .."


لم تجد ادفء من أحضانه لترتمي بها حتي تزيل تلك البرودة التي قذفها الخوف بداخلها فاشتدت يداها الممسكه بمقدمه قميصه و كأنها تخبره ليس لي سواك . ليلبي هو ندائها الصامت و تلتف ذراعيه حولها بحمايه ليتسلل الأمان الي سائر جسدها الذي تراخي لتجد نفسها تستند عليه فقام بالجلوس علي المقعد خلفه و هيا لا تزال بين أحضانه و يداه تربت برفق فوق خصلات شعرها حتي شعرت بأنها قد هدأت و عاد انتظام أنفاسها و استطاعت أخيرا أن ترفع رأسها لتنظر الي عيناه بإعتذار لم يفهمه لتقول بخفوت 

" حسيت بأيه لما قولتلك أن الصور دي حقيقيه "


شعر بأن سؤالها كان له معنا آخر و لكنه أجاب بتلقائيه 

" انك غرزتي سكينه في نص قلبي بالظبط .. "

طالعته بندم اندهش له كثيرا لتصدمه كلماتها التي خرجت من بين دموعها 

" أنا أسفه .. بس مقدرتش اقاوم رغبتي بأني اشوف في عنيك انك عمرك ما هتأذيني تاني .."


كان اعترافها اشد قسوة من تأثير فعلتها عليه فقد كانت كشخص القي به في قاع الجحيم ثم وقف يشاهد احتراقه بهدوء تام اتبعه باعتذار بارد لم يزده سوي عذابا تجلي علي قسمات وجهه التي كوبته بين كفيها و هيا تقول من بين دموعها 

" لما قولتلك أن الصور حقيقيه و سكت عقلي قالي اني هشوف أدهم الي في يوم من الايام حول حياتي لجحيم بس قلبي قالي لا .. كل مرة كنت بتقولي بحبك و سامحيني كان عقلي بيقف بينك و بيني و يقولي اوعي تسامحيه هيرجع يأذيكي تاني مع اول مشكله تحصل بينكوا. حتي بعد ما رجعنا لبعض مكنش عقلي قادر يستوعب دا و كنت بهرب من مواجهته دايما. لكن النهاردة بس هقدر أواجه بحبي ليك الي عمري ما هندم لحظه عليه .." 


كان يعطيها كل الحق فيما فعلته سابقا بل و كان يلوم نفسه معها و لكن الآن حقا آلمه قلبه للحد الذي جعله غير قادر علي الغفران شعر بأن كل ما فعله من أجلها ضاع هباءا منثورا و لم تشفع نظرات التوسل التي كانت تطالعه بها أن يعطيها الحق تلك المرة أيضا و يتجاوز عن خطأها يحقه لكنه لم يستطع جل ما استطاع التفوه به هو 

" النهاردة بس خدتي حقك مني يا غرام .. قدرتي توجعيني زي ما وجعتك يمكن اكتر كمان . ارتاحي . حقك رجعلك و زيادة شويه .."


ارتعب قلبها عند سماعها لكلماته و شعرت بمرارة الندم تسري في حلقها فتزايدت عبراتها في الهطول و قد كانت كجمرات تسقط فوق قلبه الذي كان يفيض منه الوجع فامتدت يداه تمسح قطراتها برفق و قام برفعها من فوق قدميه و نهض بهدوء تجلي في نبرته حين قال 

 " هغير هدومي عشان نمشي . "


لم يستطع المكوث امام عيناها أكثر فتوجه الي الداخل و ما كاد أن يخطو خطوة الي غرفة النوم حتي تفاجئ بصوت قفل باب الشقه فالتفت ليجدها تغلق باب الشقه بالمفتاح و هيا تنظر إليه بتصميم اذهله بقدر ما ازهلته كلماتها القويه 


"تمام براحتك يا أدهم . بس خليك عارف ان مفيش حد مننا هيخرج من هنا غير و احنا متصالحين و كل واحد فينا مش شايل في قلبه حاجه من التاني . عشان حراااام بجد انا معنتش قادرة اتحمل وجع اكتر من كدا .. نفسي بس في ليله واحده تعدي عليا من غير عذاب و دموع و حرقه قلب .." 


أنهت جملتها الأخيرة و انخرطت في نوبه بكاء هستيري جعلها غير قادرة علي الوقوف علي قدميها فجلست بوهن علي الأرض و هيا تدفن وجهها بين يديها تاركه العنان لدموعها و شهقاتها التي أتت به جرا إليها فلم يحتمل قلبه رؤيه انهيارها بهذا الشكل فسرعان ما التفت ذراعيه تحاوطها بقوة و عشق تغلب علي كل شئ بداخله فصار جسدها يهتز بفعل البكاء و أخذت شهقاتها تعلو أكثر فاشتدت يداه حولها و كأنه يريد أن يغرسها بين ضلوعه حتي يخفف عنها وطاة ما تشعر به و ظلوا علي تلك الحاله لوقت غير معلوم حتي هدأت تدريجيا و استكان جسدها بين ذراعيه فاحتواها لتتكور هيا بين أحضانه كالجنين في رحم والدته فأخذ هو ينثر عشقه فوق خصلات شعرها و كأنه يودع بين قبلاته اعتذارات علي طريقته و ما هم أن يترجمها الي اقوال صُدِم عندما وجدها قد غفت فاهتز قلبه حين رأي سكونها فقد لمس مدي شعورها بالأمان بين ذراعيه الذي يجعلها تغفو هكذا و قد أيقن في تلك اللحظه بأنها أسلمت إلي عشقه بكل جوارحها و برغم صعوبة طريقهم المليئ بالأشواك التي تركت بصماتها في قلبه إلا أن شعوره بها الآن كان كالبلسم الشافي لجروحه فوضع قبله عميقه فوق شفتيها و هو يقول بصدق 

" بحبك يا غرامي .."


******************


كانت كاميليا تتحدث علي الهاتف مع فاطمه التي كانت تتحرك بعشوائية في المطبخ لتتوقف عند جمله كاميليا التي صدمتها فقالت بخوف 

" بتقولي ايه يا كاميليا روفان مالها ؟؟"

كاميليا بتأثر مصطنع 

" بقولك داخت يا خالتو و احنا في المول النهاردة و كان هيغمي عليها بس لحقناها و جبناها هنا عالبيت .."


فاطمه بذعر تجلي في علو نبرتها حين قالت 

" يا قلبي يا بنتي . طب متعرفيش ايه الي عمل فيها كدا ؟ تكونشي خرجت من غير فطار ؟"


كاميليا بنبرة ذات مغزي  

" اه فعلا يا خالتو هيا مردتش تتعشي امبارح و لا تفطر النهاردة و قاطعه الأكل خالص شكلها زعلانه من حاجه .. مانتي عارفه روفان بقي رقيقه قد ايه ؟"


فاطمه بتأثر 

" اه يا ضنايا عارفه دي عامله زي البسكوته مبتتحملش .بس يا تري مين زعلها و خلاها تقطع الاكل كدا ؟ "


كان هذا الحديث يقع علي مسامع على الذي كان عائدا للتو من الخارج و قد تسمر في مكانه عندما سمع حديث والدته فدق الخوف بقلبه علي محبوبته التي لم تحتمل عقابه و غضبه منها فلعن بداخله علي غباءه فكيف يقسو عليها بتلك الدرجه فهو أكثر من يعلم كيف أنها رقيقه بل هشه أقل شئ يؤثر بها و ها هي قد مرضت بسببه. عند هذا الحد لم يستطع الإنتظار أكثر بل عاد ادراجه للخارج و قد عزم علي أرضاءها بل و الإعتذار منها على قسوته تلك و ما كاد أن يخطو خطوة الي خارج القصر حتي سمع نداء والدته التي هرولت تجاهه و هيا تقول بلهفه 

" استني يا على .. انت رايح فين ؟"


على باختصار 

" رايح اشوف روفان "

فاطمه ببراءة 

" انت عرفت ! دانا كنت جايه اقولك كاميليا لسه قافله معايا و قالتلي .."


قاطعها على و قد غلى قلبه من كثرة القلق عليها و لم يرد تضييع الوقت اكثر لذا قال بنفاذ صبر 

" عرفت يا ماما سمعتك و انتي بتكلمي كاميليا.. و أنا رايح عشان اشوفها ."


فاطمه بلهفه 

" طب استني انا جايه معاك .*

لم يجيبها بل هز رأسه و توجه مهرولا الي سيارته و تبعته فاطمه التي كانت تشاهد انفعالاته و تبتسم بخبث علي نجاح خطتهما في جعله يسامح تلك الفتاة الرقيقه التي كانت تحبها فاطمه و تشعر بنقائها لذا شاركتهم في خطتهم حتي تجعل ذلك المغرور يراضيها و يوجهها بطريقه آخري فالخصام و الهجر لا يزيد القلوب سوي قساوة و طرقه تصنع الفجوات بين القلوب 

كان على يقود بسرعه كبيرة و قلبه لا يتوقف عن تعنيفه بسبب غباءه في التعامل مع محبوبته و عدم تقديره لطبيعتها الرقيقه فكان من المفترض عليه أن يحادثها بهدوء و يوضحلها أن لكل زوجين اسرار تخصهما فقط و أن عليها طاعته فيما يطلبه منها و أن من من دواعي نجاح اي علاقه هيا حفاظ كلا الطرفين علي وعوده و قد قرر أن يراضيها ثم يحادثها بما يريد و هو اكيد من أنها سوف تفهم و تقدر ما يطلبه منها .

أخيرا وصلا إلي قصر الحسيني و ترجل علي بلهفه يسبقه قلبه الي محبوبته التي كانت بغرفتها يفرضها القلق و الرعب من تلك الخطه اللعينه التي وضعتها غرام لكي تجعل على يأتي للإطمئنان عليها و مراضاتها خاصتا عندما يعلم بأنها مرضت بسبب قسوته عليها و قد أعطتها كارما اسم عقار عندما تتناوله سيجعل ضغطها ينخفض قليلا كي يبدو كل شئ طبيعي و ها قد حدث ما أرادت و لكنها لا تعلم لما ينهش القلق داخلها بهذا الشكل و خاصتا عندما هرولت والدتها للاطمئنان عليها فادعت أنها متعبه و أخذ الندم يقرضها من الداخل حين رأت لهفه والدتها فشعرت بعمق خطأها و تساقط الدمع من مقلتيها خاصتا عندما دخلت هند الي الغرفه والتي كانت تعتزل الجميع منذ مجيئها الي ذلك القصر و لكن ما أن سمعت من والدتها خبر مرض روفان حتي أتت علي استحياء للإطمئنان عليها فوجدتها تبكي بحزن فاقتربت منها بتحفظ و هيا تقول بحنان 

" ألف سلامه عليكي .."

لمست روفان الحناان في صوتها فرفعت رأسها و قالت من بين دموعها 

" الله يسلمك .."


جلست هند بجانبها و هيا تقول بخفوت 

" انتي شكلك زعلانه و دا الي تعبك صح ؟"

هزت روفان رأسها دون حديث لتقول هند بحزن

" حاسه بيكي .. اكتر حاجه بتتعب الزعل و الحزن . دول اكتر حاجه بتخلي البني آدم يقع .."


روفان بلهفه 

" لا بعد الشر عليا مش للدرجادي . بس انا ضميري مأنبني شويتين . "


ابتسمت هند علي عفويتها و قد أحبت تلك الفتاه الرقيقه العفويه كثيرا فقالت بتعقل

" بما أن ضميرك بيأنبك لدرجه انك تتعبي و تعيطي يبقي اكيد عملتي حاجه غلط .."


هزت روفان رأسها بأسف لتقول هند بإستفهام 

" طب احكيلي يمكن اساعدك .. و متخافيش سرك في بير "

روفان بأسف 

" مش هينفع احكي للأسف "


هند بإستفهام 

" هو الموضوع كبير ولا ايه ؟"

روفان بحزن 

" للأسف اه .."

ربتت هند علي كتفها و هيا تقول بمواساه

" خلاص يا حبيبتي و لا يهمك متحكيش مدام مش حابه .. بس لو في اي وقت احتاجتيني هتلاقيني . انتي اكيد عارفه اوضتي .."


نظرت إليها روفان بتأنيب ضمير فقد ظنت أنها احزنتها لذا قالت بلهفه 

" انتي زعلتي و لا ايه .. انا والله مش قاصدة اخبي عليكي . بصي هقولك .. بس الي هقوله دا سر . اوعي تفتني عليا و تقولي لحد. الفتنه أشد من القتل خليكي فاكرة .."


ابتسمت هند داخليا علي حديثها لكنها تصنعت الجديه إذ قالت 

" لا طبعا انتي بتقولي ايه وحياة ربنا ما هقول لحد .. عيب عليكي "


ما أن أنهت جملتها حتي انخرطت روفان في نوبه بكاء و هيا تقص عليها ما حدث و انتهت أخيرا قائله 

" و بس يا ستي كذبنا علي على عشان ييجي هو و يصالحني أصله وحشني اوي و كرامتي تمنعني اني اروح اصالحه.."


تجمدت يداه الممسكه بقبضه الباب و غلى الدم بعروقه عند سماعه حديثها و اقسم بالا يمرره مرور الكرام ….


****************


كان الجميع يجلس حول الطاوله يتناولون طعامهم بصمت لم يجرحه سوي صوت الملاعق عند إرتضامها بالأطباق و لكن كان كلا منهما ينخرط في تفكيره الخاص فنجد تلك التي كانت تناظر سميرة بإستخفاف من حينا لآخر فقد قاربت علي اقتلاع جذورها من هذا المكان و رميها الي الخارج خاصتا عندما ملكت قلب ذلك الشيطان الذي كان يسيل لعابه عند اقترابها منه و قد تنازلت علي آخر ذرة شرف تملكها و سلمته اغلي ما تمتلكه و بالمقابل كانت تناظرها سميرة بحقد كبير فهيا من ربتها طوال تلك السنين و رحمتها من اسوء مصير يتلقاه انسان بهذا العالم أن يصبح لقيطا و جعلتها الابنه و الحفيدة المدلله لواحده من أكبر عائلات المجتمع الراقي حتي تساعدها في الأخذ بثارها و لكن بغبائها أضاعت كل شئ و لم يكفيها ذلك بل قررت بأن تسلب منها عرش تلك القلعه التي ظنت بأنها ملكتها بدون أن يرف لها جفن و لكنها سوف تكون لها بالمرصاد و لن تجعلها تنل ما تطمح إليه .


و بالطرف الآخر كان رائد ينظر إلي طعامه و داخله يغلي من الغضب من ذلك الشيطان الذي أصبح لا يستطع تنفس الهواء ذاته معه فكل أخطاءه استطاع تحملها إلا ذلك الخطأ الذي جعله يحاول جاهدا التمسك بكل ذرة إراده لديه حتي لا يقتلع قلبه في تلك اللحظه فهو لم ينسي أبدا حال والده الذي ظل مدفوناً لسنوات بتلك الغرفه المقيته يتجرع انواع شتي من العذاب و الجميع يظن بأنه ميت . لم يستطع عقله أن يمرر ما رآه ليله البارحه و ذلك الضغط الذي تعرض له حين ظن أن أمره قد انكشف و لكن انقذته سميرة بالوقت المناسب و فتحت لهم باب ذلك السرداب الذي كان يأخذهم الي الحديقه الخلفيه للقلعه و بذلك نجو بأعجوبه من بطش ذلك الشيطان الذي كان يطالعه بترقب و علي شفاهه ترتسم بسمه كريهه قاطعها صوته البشع حين قال بوقاحه

" سميرة . نيفين . كل واحده علي اوضتها ."


جفلت سميرة من وقاحته و التفتت غاضبه نحوه و لكنها تفاجئت بتلك الأفعي تقول برقه مصطنعه 

" امرك يا راغب بيه .."


صُدٌمت من طاعتها العمياء له و رقتها المصطنعه فاشتبكت نظراتها مع فاتح الذي لم تهتز ملامحه انما ارتسمت السخريه بنظراته و التي كانت و كأنها تخبرها 

" شاهدي و تعلمي من غريمتك ."


لذا ابتلعت غضبها و رسمت ابتسامه هادئه و هيا تقول بطاعه 

" حاضر يا حبيبي .."

شددت من كلمتها الأخيرة مما آثار ريبة راغب الذي تفاجئ بخنوعها دون جدال أو مشاجرة و قد راق له ذلك كثيرا و لكنه لم يعلق بل انتظر الي أن خرجت المرأتين و وجه نظراته إلي كلا من فاتح و رائد و قال بفظاظه


" النهاردة معاد تسليم اول شحنه للروس . بعد ما اتفقنا معاهم و طبعا لازم كل حاجه تمشي مظبوط و إلا هنروح في حديد .."


فاتح بهدوء

" متقلقش . المرادي هكون موجود بنفسي .."

نظر راغب الي رائد الذي كان يتابع حديثهم بصمت و قال بإستهزاء

" الافندي مسمعش الكلام و لا حاجه ."


حاول كتم غضبه بشتي الطرق و قال بنبرة ثابته 

" سمعته .. متقلقش . كل حاجه هتمشي زي ما احنا مخططينلها .."


ابتسم راغب بسخريه قبل أن يقول 

" هنشوف . و متقلقش العمليه دي تتم علي خير و هنفوق بعدها لولاد الحسيني ."

ابتسم رائد بسخريه رغما عنه قبل أن يقول بغموض

" هنفوقلهم ! و كل خاين هيدفع تمن خيانته غالي اوي .. "


قهقه راغب بشر قبل أن يقول بوعيد 

" هيحصل ! وغلاوتك عندي هيحصل ."


كان فاتح ينظر إلي راغب بغموض و قد شعر بخطب ما في حديثه لذا استغل انشغاله بتلك الرساله النصيه التي أتت علي هاتفه و أشار في الخفاء لرائد الذي فهم ما يريده و نظر إلي راغب قائلا 

" هقوم انا اجهز عشان بالليل . "


راغب بتهكم

" وماله .. جهزلي نفسك .. عشان الي جاي شديد .. شديد اوي ."


شعر في حديثه بشي ما بعث القلق في نفسه و لكنه تجاهل ذلك و مضي في طريقه و قد وصل شعوره إلي فاتح الذي حاول تجاهل ما يشعر به من ريبه و نظر إلي راغب قائلا بهدوء 

" معاد التسليم الساعه ٢ ؟ و هيكون في (...) ؟"


نظر إليه بغموض قبل أن يقول ساخرا

" مش عيب تبقي دراعي اليمين و مش مركز ؟"

لم يتأثر خارجيا بحديثه و إنما قال بإختصار  

" انا طول عمري مركز "


راغب بتهكم 

" و دا الي عاجبني فيك .. بس المرادي فلتت منك ."

فاتح بإستفهام 

" يعني ؟"

" يعني انا غيرت المعاد و المكان . اصل بصراحه مواعيد نص الليل دي معدتش جايه علي هوايا . "  


تفاجئ فاتح من حديثه فقال مستغربا

" تقصد ايه ؟"

راغب بشر 

" اقصد أن التسليم هيبقي الساعه ٧ و الشحنه هتعدي من قدام الحكومه و محدش هيقدر يتكلم و لا يفتح بقه حتي لو شافوا المخدرات بعنيهم "


 دخل فاتح إلي غرفته و عقله يعمل في جميع الإتجاهات و لكنه شعر بشئ خاطئ يحدث فانتظر دخول راغب غرفته فتوجه الي سميرة التي كانت تغلي من الغضب و تفاجئت بدخوله الي غرفتها و أغلاقه للباب خلفه و باغتها قائلا 

" تسمعي الي هقولك عليه و تنفذيه بالحرف الواحد ."


****************


كانت تنام بعمق داخل أحضانه و لأول مرة تشعر بتلك الراحه و الأمان الذي كان كاملا تلك المرة حيث رفع عقلها راية الإستسلام و اقتنع أخيرا بإحتياج قلبها الشديد له و إنتماء روحها الكامل إليه و الذي شعر هو به حين كان يراقب ملامحها الهادئه و التي بدت و كأنها مستمتعة بتلك الغفوة القصيرة و التي أخرجها منها رنين هاتفها المستمر و الذي جعل أدهم يسب بداخله خاصتا حين وجدها تتململ بين ذراعيه فقد كان يحاول الوصول إلي ذلك الهاتف ليغلقه حتي لا يقلق نومتها الهانئه و يقطع عليه لذه الأستمتاع بمراقبتها . و لكنها استيقظت قبل أن يستطع إغلاقه فكان أول ما رأته عندما فتحت عيناها هيا عيناه التي كانت صافيه يملؤها عشق كبير تجلي في ابتسامته البسيطه و التي تحولت إلي انبهار حين أعطته تلك البسمه الساحره و التي خرجت من اعماق فؤادها لتخترق فؤاده في الحال الذي أسرته عيناها الجميله و التي ظلت متعلقه بعيناه للحظات قبل أن يقطع تواصلهما البصري رنين الهاتف مرة آخري فتحرك أدهم تجاهه و قام بألتقاطه فوجدها فاطمه فنظر إلي غرام التي كان الخجل يكسو ملامحها الجميله و قال برقه 

" دي ممتك الي بتتصل "


جفلت غرام عندما سمعت حديثه و هبت من مكانها و أخذت الهاتف منه بلهفه و همت بالإجابه علي والدتها التي قالت بغضب 

" ايه يا ست هانم برن عليكي كل دا مبترديش ليه ؟"

اجابتها غرام بتوتر 

" أبدا يا ماما مسمعتش الفون .. في حاجه و لا ايه ؟"

" لا مفيش حاجه بس بطمن عليكي ..انتي قدامك قد ايه و تروحي ؟"


غرام بلهفه 

" بالكتير اوي نص ساعه .."

" طب تعاليلنا عند كاميليا احنا كلنا هناك . "

قطبت غرام جبينها و قالت بإستفهام 

" اشمعنا كدا ؟" 

" ابدا روفان تعبانه شويه و جينا نطمن عليها و طنط صفيه اصرت أننا نتغدي معاهم . يالا تعالي متتاخريش . انا كلمت كارما و هيا مع مازن و جايين في الطريق ."


غرام بطاعه 

" حاضر يا ماما مسافه السكه هكون عندك .."


أغلقت غرام الهاتف و هيا تنظر إليه ذلك الذي كان يراقب تعابير وجهها بإستمتاع تجلي في ابتسامته التي زينت ثغره فجعلت الدماء تغزو وجنتيها و خاصتا عندما امتدت يداه تقرص إحداهما بمزاح و هو يقول بخفوت 

" بيبان عليكي لما بتكذبي . عنيكي بتفضحك . و خدودك كمان "


ابتسمت بخجل قبل أن تقول 

" عشان أنا مش متعودة اكذب عليها . بس طبعا من وقت ما عرفت حضرتك و انا بقيت اكذب عليها كتير ."


باغتها سؤاله حين قال بإستفهام 

" ندمانه انك عرفتيني .؟"

خرج الحديث من اعماق قلبها دون إرادتها 

" عمري ما ندمت اني عرفتك أبدا . "


لامست كلماتها اوتار قلبه و أسرته لهفتها في الحديث فقال بخفوت 

" حتي بعد كل الي حصل ؟"


اخفضت رأسها قليلا قبل أن تقول بصدق 

" حتي بعد كل الي حصل .. كان بييجي عليا لحظه توحشني اوي كنت بطفي نور الأوضه و اقعد في الضلمه و احط الهند فري و اشغل الريكوردات الي كنا بنبعتها لبعض و افتكر اللحظات الحلوة الي عشتها معاك وقتها و تقريبا دي الحاجه الوحيدة الي كانت بتصبرني علي كل الوجع الي جوايا"


في كل مرة يأتي علي ذكر ما حدث بينهم سابقا تأتيه صدمه تجعله يعض أصابعه من الندم و خاصتا مظهرها الحزين فحاول أن يغير دقه الحديث و قال بمزاح 

" و كنتي بتقعدي في الضلمه لوحدك و مش خايفه تتلبسي أو يطلعلك عفريت ."


جمدته بأرضه إجابتها حين قالت بحزن 

" كنت بخاف عيني تيجي عالمرايه و اشوف ضعفي و حبي ليك بعد ما رمتني و دوست عليا بالطريقه دي . اي حاجه تحصلي كانت هتبقي اهون بكتير "

لم يستطع ان يمنع يديه التي امسكت بخصرها تقربها إليه في عناق ساحق كان به الكثير من الإعتذارت التي لم يستطع اللسان الإفصاح أو التعبير عنها و الكثير من الحب الذي يكنه لها داخل قلبه الذي آلمه بشده علي ما تسبب لها به من حزن و قد أعطاها الحق لأن تلقنه ذلك الدرس بل و أجبره علي الإعتذار منها للمرة للأخيرة إذ قال بصوت أجش 

" هقولهالك للمرة الأخيرة أسف . و بعد كدا هخليكي تشوفيها بعنيكي . و وعد مني يا غرامي اول ما تبقي في بيتي هعمل كل حاجه في الدنيا عشان انسيكي اي عذاب اتسببتلك فيه "  


رفعت رأسها تطالعه بحب و هيا تقول برقه 

" انا واثقه انك هتنسيني كل حاجه وحشه شفتها . و عشان كدا انا سلمتلك قلبي و عارفه انك مش هتخليني اندم أبدا. انا معنتش قادرة عالعذاب في بعدك يا أدهم "


نظر إليها بحب و كوب وجهها بين يديه و قال بصدق

" مفيش عذاب و لا حزن تاني يا روح أدهم . في فرح و سعادة و حب و بس "

ابتسمت بحب قبل أن تقول بخفوت 

" ربنا يخليك ليا. "

أدهم بحنان

" و يخليكي ليا يا غرامي . و احلي حاجه حصلتلي في حياتي .." 


****************


كانت هند تجلس في الحديقه تنظر إلي الفراغ الذي استوطن قلبها منذ غيابه حتي تلك المكالمات البسيطه التي كانت تأتيها منه لم تفلح في إخماد شوقها إليه و لا حتي في تهدئه نيران القلق التي تنهش بداخلها و تجعلها غير قادرة على التعامل مع من حولها بشكل طبيعي فاختارت عزلتها و التي كانت رائحته انيسها الوحيد بها فصارت تغفو كل ليله و هيا تتلحف بمنامته و بيدها مسبحتها التي شهدت علي دعواتها التي لم تفارق شفتيها و لم يكف قلبها عن ترديدها و كانت هيا حبل الامان بالنسبه إليها .

أخرجها من شرودها دخول يوسف من بوابه القصر و ترجله من السيارة و لكنه توقف حين رن هاتفه و قام بالإجابه عليه لتتحول ملامحه علي الفور و يعود إدراجه الي السيارة و ينطلق الي الخارج فلا تعلم لما شعرت بالخوف من مظهره و خروجه بتلك الطريقه فهبت من مقعدها و توجهت للداخل فوجدت كاميليا التي كانت في طريقها للخارج ما أن سمعت صوت سيارتة و لكنها تفاجئت بعدم وجوده لتقابلها هند التي ما أن راتها حتي قالت بلهفه 

" كاميليا اتصلي بيوسف شوفي في ايه ؟"


كاميليا بزعر 

" ايه يا هند الي حصل ؟"

هند بعدم فهم و صوت أوشك علي الإنهيار من شدة القلق 

" معرفش جه و يدوب نزل من العربيه تليفونه رن رد عليه و فجأة شكله اتغير و ركب عربيته و جري "


ارتعب قلبها لدي سماعها حديث هند و ما أن همت بالتوجه للداخل حتي رن هاتف هند التي قالت بلهفه 

" دا رائد الي بيتصل ."

كاميليا بلهفه 

" طب رودي بسرعه ."

و علي الفور أجابت هند و التي فجأة تبدلت ملامحها و سقط الهاتف من يدها و أخذت تهز برأسها قبل أن تهرول الي بوابه القصر و تبعتها كاميليا التي لم تفهم شيئا و أخذت تصرخ بها قائله

" هند ..استني رايحه فين ؟"


خطت كاميليا الي خارج البوابه و ظلت تنظر حولها فلم تجد أحد و فجأة شعرت بأحدهم يكمم فاهها و سقطت مغشيا عليها ….


*****************


في المساء كان يوسف يحاول الإتصال بفاتح الذي كان هاتفه خارج نطاق التغطيه و الساعه قد أوشكت علي الثامنه و النصف و ها هو لم يهاتفهم و قد كانوا جميعا علي أهبة الإستعداد في المكان المتفق عليه و لكن لم يأتي أحد شعر يوسف بأن هناك شئ ما قد حدث و قد بدأ القلق ينشب مخالبه بعقله و لم يعد قادر علي الصمود أكثر 

ليأتيه أدهم الذي لم يري أخاه في تلك الحاله من قبل فقال محاولا التخفيف عنه 

" ايه يا عمهم اهدي كدا . ان شاء الله خير "

 أخذ نفسا طويلا قبل أن يقول باختصار

" أن شاء الله "


أدهم بتحفيز 

" لا روق كدا لما انت تبقي قلقان بالشكل 

امال احنا هنبقي عاملين ازاي "


يوسف بتوتر

" الموضوع حساس المرادي يا أدهم الي في نص النار دا مش اي حد دا اخوك .. "


كان أدهم يشعر بما يعانيه يوسف من خوف لا يستطيع الإفصاح عنه و قد كان يشعر هو الآخر بنفس الشعور لذا قال بتمني 

" بإذن الله ربنا مش هيضيعنا و هتعدي علي خير .."


مرت ساعه اثنان و لم يأت خبر و قد انضم إليهم كلا من مازن و على و كان الجميع علي صفيح ساخن و كلا يسبح في أفكاره الي أن وصلت الي يوسف رساله نصيه تفيد بأن هاتف فاتح يعمل الآن و بعد مرور ثوان جاءه اتصال منه ليجيب يوسف بتحفظ 

" آلو .."

أتاه آخر صوت كان يود سماعه بالعالم 

" يوسف بيه الحسيني .. مفاجأة مش كدا … "

اغمض يوسف عيناه بغضب فقد حدث ما كان يخشاه لذا حاول التظاهر بالقوة حين قال 

" مين معايا ؟"


راغب بشر 

" عملك الاسود . عزرائيل الي هياخد روحك انت و عيلتك كلها واحد ورا التاني . "

يوسف بنبرة قويه متوعدة  

" دا في احلامك .. عيلتي لإنتا و لا مليون واحد من عينتك يقدروا يمسوها بأي شر دول مانا عايش علي وش الدنيا .."

راغب بسخريه

" قبل ما تتكلم بثقه كدا استني اعرف المفاجآت الي انا محضرهالك ."


يوسف بنفاذ صبر 

" اخلص عايز تقول ايه ؟"

راغب بسخريه 

"المرادي مش انا الي هقول ."

حبس أنفاسه لدي سماعه تلك الجمله و لكن برقت عيناه حين استمع الي ذلك الصوت الذي جعل كل خليه به تنتفض ذعرا ً 


" يوسف الحقني !"

الفصل التاسع والستون من هنا

تعليقات



×