رواية لا تترك يدي الفصل الثامن
خرج خالد من المطبخ ووجد إبراهيم يقف أمامه ينظر له نظرات مريبة. سأله خالد
"خير يا عمي. عاوز حاجة؟"
"قولت لي أنك عاوز تاخد مريم معك مصر."
"أيوة يا عمي. ده بعد اذنك طبعا."
"وأنا موافق."
فرح خالد جدا وارتسمت السعادة على وجهه. سعدت مريم أيضا بسماع هذا الخبر من الحاج إبراهيم. فقد خرجت من المطبخ وهي تحمل صينية الشاي لتقدمها للجميع. راقبهم إبراهيم بتمعن ولاحظ السعادة المرتسمة على وجوههما لمعرفة قراره. فقال لهم.
"لكن عندي شرط واحد."
أختفت البسمة من على وجه خالد ومريم. نظرا الإثنان لبعضهما البعض بقلق ثم سأل خالد عمه.
"شرط أيه يا عمي؟"
"قبل ما تخطي خطوة واحدة برا الدار معها لازم تعقد عليها."
علا صوت تهشم أكواب الشاي وإصطدام الصينية على الأرض. فقد سقطت صينية الشاي من يد مريم وكوب الشاي من يد خالد في لحظة واحدة.
"نعم؟"
"أيه في ايه؟ مالكم اتفزعتوا كدة ليه؟"
نظر خالد لمريم ثم التفت لإبراهيم وأجابه.
"لا أبدا لا أتفزعت ولا حاجة. لكن أنا مش فاهم حضرتك."
"وفي أيه في كلامي مش مفهوم. قبل ما تأخد مريم خطوة واحدة برا البيت لازم تتجوزها. مش موافق على الشرط يبقى اتفضل أنت سافر لوحدك ومش عاوز أشوف وشك هنا تاني لغاية لما مريم تروح بيت عدلها."
جرت مريم على المطبخ وهي تبكي.
"مش حكاية موافق ولا لأ."
"أمال أيه الحكاية؟"
"يا عمي أيه اللي جاب سيرة الجواز دلوقت. أنا مش بفكر في الجواز أبدا دلوقت. أنا قدامي على الأقل عشر سنين قبل ما أفكر في جواز أو غيره. أنا لسة بأتعلم وقدامي سنين طويلة عقبال لما أخلص. أتجوز أزاي دلوقت؟"
"وفيها أيه لما تتجوز دلوقت. ما أنت كبرت وبقيت راجل خلاص. لو أتجوزت دلوقت مش هتعرف تخلف ولا أيه. مش أنت رجل ولا أيه حكايتك. ولا أنت إمبارح كنت رجل والنهاردة لأ"
أحمر وجه خالد من الغضب. جز على أسنانه وقال لعمه.
"عمي أرجوك بلاش الكلام بالأسلوب ده."
شعر إبراهيم بغلطته. أستغفر ربه ومسح على وجهه بيده ثم جلس على الأريكة وطلب من خالد أن يجلس بجواره.
"تعالى يا خالد أقعد جنبي."
تنهد خالد وأستغفر ربه وجلس بجوار عمه. فقال له عمه.
"أنا أتجوزت في سنك. أبوك أتجوز وهو أكبر منك بثلاث سنين بس. فيها أيه لما تتجوز دلوقت."
"يا عمي أنا وريا حاجات تاني كتير. الجواز مسئولية وأنا مش فاضي لها دلوقت. عاوز أخلص تعليمي وبعدين أمسك الفنادق بتاعة أبويا الله يرحمه. لما أقف على رجلي أبقى أفكر في الجواز."
"كلامك كله صح. لكن دلوقت يا ابني الظروف اتغيرت. أنت هتقعد في مصر لحالك. هتقعد في شقة كاملة لوحدك. مفيش حد معك يساعدك ويساندك. لو حتى عييت أو رقدت مفيش حد يناولك كوباية ماية. البنت غلبانة ومحتاجة مكان تعيش فيه. وأنت قلقان عليها ومهتم بها. وفي نفس الوقت محتاج لحد يونس وحدتك هناك. بدل ما تبقى عايش بطولك هي تقعد معك تاخد بالها منك وانت كمان تاخد بالك منها. والحمد لله الفلوس موجودة والمكان موجود. يبقى لازمتها أيه تفضل أنت عايش لوحدك وهي متمرطة في البيوت."
"يا عمي كلامك صح. لكن أنا عمري ما فكرت في الجواز دلوقت خالص. أنا لسة 16 سنة هي 13 سنة. جواز أيه اللي أفكر فيه دلوقت؟"
نظر له إبراهيم نظرة حانية وقال له:
"أنت مش قبل أي قرار تاخده بتستخير ربنا. خلاص ألغي سفرك النهاردة وأستخير. وشوف ربنا هيدلك لأيه. واللي فيه الخير واللي يختاره ربنا لك أقبله مهما كان أيه. قدامك النهاردة فكر كويس وأستخير ومستني ردك بكرة إن شاء الله. ماشي؟"
أومأ خالد برأسه.
"ماشي يا عمي."
"أسيبك أنا بقى أروح أشوف الأرض. صالح مشغول مع مراته وابنه المولود أمبارح ومش هيقدر ينزل الأرض."
"أتفضل يا عمي في أمان الله."
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
خرج إبراهيم وترك خالد حائرا في أمره لا يعلم ماذا يفعل. دخل الحمام توضأ وأخذ مصحفه وطلع فوق سطح المنزل. جلس هناك لساعات يقرأ القرآن ويصلي ويدعو الله أن يلهمه الخير له ولمريم. ظل هكذا طول النهار حتى غابت الشمس وفرش الليل ظلامه على العالم. نزل للطابق السفلي وجد عائلة عمه إبراهيم ملتفة حول مائدة الطعام يتناولون العشاء. ناداه عمه ليشاركهم الطعام.
"تعالى يا خالد. اقعد جاري هنا."
أقترب خالد وجلس بجوار عمه. ربت عمه على ظهره وقال له:
"أنا طلبت منهم محدش يزعجك ولا يكلمك علشان تفكر براحتك."
أبتسم له خالد نصف إبتسامة ولم يجبه.
"قول لي قررت أيه؟"
"يا عمي بجد مش عارف أقرر أي حاجة. فكرة أني أتجوز دلوقت مرفوضة تماما بالنسبة لي. لكن برضه لما أتخيل أني هارجع أعيش لوحدي تماما هناك تبقى صعبة علي قوي. أنا مش عارف أقرر أيه ولا عاوز أيه."
"مش أنت أستخرت ودعيت ربنا؟"
أومأ خالد برأسه وقال:
"أيوة الحمد لله. دعيت ربنا أنه يلهمني للخير. لكن برضه مش عارف أخد أي قرار."
"خلاص سيبها على ربنا وهو هيحلها لوحده. بإذن الله على بكرة هتكون أخذت قرارك."
"يا رب يا عمي. أنا بجد نفسي أساعد مريم وأطمن عليها أنها مرتاحة في بيت كويس. لكن في نفس الوقت بقول لو أني أتجوزتها وأنا مش متقبلها ولا عاوزها ده برضه ظلم لها. أنا أساعدها أه لكن في نفس الوقت ما أضرش نفسي ولا أضرها. ده جواز يعني قرار مصيري لنهاية العمر أنا مش عارف إذا كنت أقدر أخد قرار زي ده دلوقت."
"سيبها على الله وهو هيحلها. كل أنت بس دلوقت وريح عقلك من التفكير. أنت على لقمة الصبح لغاية دلوقت. سيبها على الله."
"ونعم بالله."
تناول خالد عشاؤه وصلى العشاء مع عمه في الجامع مثل كل فرض. عاد من الجامع ودخل غرفة هشام صلى إستخارة وقيام الليل ثم أستسلم لنوم هانئ. أما إبراهيم فظل مستيقظا طول الليل بين الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والتضرع لله. يدعو الله أن يلهمه ويلهم خالد بالخير له ولمريم. فخشي أن يكون بشرطه هذا يحكم على ابن أخيه وأمانته بالشقاء طول العمر والزواج من إنسانة لا تناسبه. ظل يدعو ويصلي لله حتى سمع آذان الفجر. فلبس عباءته وخرج ليصلي الفجر في الجامع. وقف على باب غرفة ابنه ونادى على ابن أخيه.
"خالد قوم علشان الفجر."
فتح خالد الباب لعمه وقال له.
"أنا صاحي من شوية وجاهز يا حاج."
أستدار إبراهيم وتوجه لباب المنزل ولكنه توقف عندما سمع خالد يسأله.
"هي مريم فين؟ باب غرفتها مفتوح وهي مش نايمة جوا."
أستدار إبراهيم ونظر له بتساؤل.
"هتكون فين يعني؟"
"مش عارف. دقيقة أشوفها يمكن تكون طلعت فوق السطح."
طلع خالد الدرج وبحث عن مريم على سطح المنزل فلم يجدها. نزل لعمه الذي أيقظ سعاد وكانت تبحث عن مريم في المطبخ وباقي غرف المنزل.
"مش فوق يا عمي."
"لا في المطبخ ولا حتى في الحمام يا حاج."
"هتكون راحت فين البنت بس. الدنيا لسة ضلمة وعمرها ما خطت برا الدار من يوم ما جت. يعني ما تعرفش حد في البلد ولا حد يعرفها."
"مش عارف يا عمي لكن أنا قلقان عليها."
"أنا سامع الإقامة. تعالى نصلي الفجر ونعلن في المسجد عنها يمكن نلاقيها."
"حاضر يا عمي."
خرج إبراهيم وخالد يصليان الفجر وبعد الصلاة أعلنا في الجامع عن أختفاء طفلة وأعلنا عن صفاتها لأهل البلد. خرج المصلون من الجامع يبحثون عن مريم في كل أرجاء البلد. أنفصل خالد عن عمه كل في إتجاه للبحث عنها. شعر خالد بقلق لم يشعر به من قبل. هاجمته الظنون والأفكار السيئة عن حالها ومكانها. سأل نفسه العديد من الأسئلة.
هي فين؟ كيف حالها؟ هل هربت؟ هل أختطفت؟ إلى أين ستذهب؟ كيف فرط فيها؟ هي كانت مسئوليته وتركها تذهب بمفردها؟ هل هناك من يعطف عليها أم يستغل ضعفها؟ هل قصر في حمايتها لذلك هربت وتركت البيت الذي أواها؟ هل سيراها ثانية؟ سيطمئن عليها؟ سيعرف أحوالها؟
العديد والعديد من الأسئلة والظنون كادت أن تفتك برأسه. لكن كانت أسوأها عليه وأصعبها إحتمالية ألا يراها ثانية. ألا يعرف أحوالها. ألا يطمئن عليها أبدا.
في هذا الوقت علم إجابة سؤاله وأتخذ قراره.