![]() |
رواية بنت الجزار الفصل الاول بقلم شهيرة عبد الحميد
أنا والدي جزار وكنت متعودة أخلص جامعتي وارجع اطمن عليه و اقف اساعده حبتين على قد مجهودي وبعدين اطلع البيت، وده روتين معتادة عليه وحافظة تقريبًا كل الزباين اللي بتتردد علينا، لحد ما في يوم جتلنا ست تشبه الغجر بتوع زمان.
لابسة اكسسورات قديمة ودهب من الكبير ده وباين عليها يعني ست مقتدرة رغم عبايتها السودة البسيطة، زي أي ست كبيرة.
أول ما شوفتها قدمتلها كرسي من باب الذوق وقولتلها "اتفضلي يا أمي أقعدي، حضرتك محتاجة إيه".
طبطبت على ضهري وأنا بساعدها تقعد وشيء غريب حسيته في جسمي لأول مرة، قشعرة وإحساس بقبضة قلب بشع.
تغاضيت عن احساسي وابتسمتلها، وقالتلي "متقلقيش يا حببتي، بابا عارف طلبي كويس".
رجعت لبابا اللي كان مشغول بفرم اللحمة في المكنة وقولتله "بابا في ست كبيرة برا قعدتها على كرسي، شوفها كده عايزة ايه هي بتقولي بابا عارف طلبي".
خرج بابا بص عليها ورجعلي قالي "يوووه، احنا مش هنخلص بقا".
حسيت أن بابا مستاء من وجودها، وسألته "مالك يا بابا؟ هي عايزة ايه بالظبط".
رد وقالي "يابنتي دي بتجيلي كل ما بدبح جديد وبتطلب مني احوشلها عضمة بيت اللوح ومبتاخدش لحمة خالص رغم أن على قلبها قد كده شايفة الدهب معاها عامل ازاي".
أنا اتصدمت...
ازاي بابا مش فاهم أن العضمة دي بيتعمل عليها الأعمال السفلية والأذى كله!
سألته "وانت بتديهالها؟"، وللأسف رد وقالي "اه يابنتي ثواب بردو هعمل ايه يعني، لو موجودة بديهالها".
بابا راجل طيب وكبير في السن، حتى موضوع الجزارة ده جديد عليه وخبرته مازالت على قده.
قولتله "طب خليك هنا، أنا هخرج اتصرف معاها، وياريت يا بابا بعد اذنك العضمة دي تتكسر وتترمي، لأنها مشهورة عند الدجالين بحاجات الله يحفظنا".
وخرجت لقيتها بتبص عليا ومبتسمة، فــ قولتلها "معلش بابا أيده مشغولة، حضرتك عايزة إيه بالظبط اجهزولك أنا ؟".
ردت وقالتلي بعد ما سنانها الصفرا المكسرة بانت "شوية عضم كده اعمل عليهم شوربة، انتي عارفة الشتا بقا يا بنتي".
عملت نفسي ساذجة وقولتلها "عنيا يا أمي ليكي" و رُحت جبتلها شوية مواسير من الموجودين وقولتلها "اتفضلي يا ماما، عايزة حاجة تاني؟".
بصت على المواسير وضحكت وقالتلي "لا لا يا بنتي مش دول، اصل الدكتور واصفلي عضمة تانية مفرودة كده، اكمن فيها الغذا كله، معلش هتعبك معايا شوفيهالي ضروري أحسن دي بتريحني أوي اكتر من العلاج".
استخفافها بعقلي خلاني اكشفلها وشي التاني وقولتلها "قصدك عضمة بيت اللوح بتاعت الأعمال السفلية؟، لا يا ماما مش موجودة اصل أنا بكسرها كل ما بلاقيها ".
كان واضح اني ضيعت عليها حاجة مهمة وانفعلت وقالتلي "أعمال إيه اللي بتقولي عنها، هو أنا وش كده حرام عليكي اتقي الله، انتي ابوكي معلمكيش تحترمي الأكبر منك؟"
الوش البشوش اللي كانت جاية بيه فجأة اختفى، حتى حركتها البطيئة اتغيرت لما قامت وقفت قدامي بتحدي كأنها عايزة تنتقم مني.
ورغم خوفي من أسلوبها ومن نظرة عيونها اللي كلها شر، تماسكت وقولتلها "لا بابا علمني كويس، وعلشان علمني فأنا عارفة أنتي عايزة العضمة دي بالتحديد ليه، اي خدمة تاني؟!".
سابتني ومشيت بدون ما ترد عليا، لكن كان واضح أنها بتحاول تتماسك وتخفي شرها خوفًا من عيون الناس اللي حوالينا، واللي كانوا التفتوا للموضوع بينا.
اليوم انتهى ورجعت البيت مش هقول بعد مجهود كبير لأنه معتاد، لكن لأول مرة أحس بكتسير الجسم الغريب ده.
دخلت الحمام أخد دش قبل النوم، مجرد ما الماية لمست جسمي حسيت بنار في ضهري!
نفس المكان اللي الست لمستني فيه؟!
مش عارفة أنا بتوهم لأن الموقف معلق معايا، ولا فعلاً أنا اتأذيت منها؟! حاولت اشوف ضهري في المراية لكن ملقتش أي أثر، وشكيت يكون جالي غضروف أو اتخبطت بدون ما أحس.
المرعب أكتر في الموضوع مش الألم اللي في ضهري لأ، المرعب كان في كل مرة بغمض فيها عيني وبشوف نفس الست الغجرية دي مقربة من وشي جدًا وعيونها كلها مقلوبة والكحل سايح منها في منظر بشع كأنها بتتوعدلي بالشر.
كنت بلحق نفسي كل ما أشوفها وافتح عيني بسرعة واطمن أنها مجرد تخاريف وهلاوس مش أكتر.
دخلت أرتاح واهدي أعصابي، ومسكت تليفوني شوية لحد ما غبت في النوم بدون ما أحس، وقومت على دبابيس بتنغز في كل حتة من جسمي.
ألم رهيب في كل حتة، بقيت أصرخ لحد ما بابا وماما سمعوني ودخلولي جري مش فاهمين فيا إيه، كل اللي بقوله "سكاكين يا بابا ألحقني".
احساس صعب عمري ما تخيلت أنه يحصلي، فكرة أن في شخص خفي عمال يدخل في سكاكين ودبابيس في جسمك ومفيش أي أثر عليك غير الالم وبس، كان من ابشع الحاجات اللي مريت بيها.
بابا مبقاش عارف يتصرف إزاي، جري خبط على الدكتور "مسلم" جارنا، هو مش دكتور بالظبط هو لسه في كلية طب لكن بنعتبره دكتور الطوارئ القصوى.
دخل مسلم شافني بتألم بالشكل ده ومش قادرة أقعد مكاني وعمالة اتحرك في الشقة وبصرخ زي المدمنين، استغرب من حالتي وقالهم "دي تقريبًا تشنجات عصبية، اصل مفيش ألم بياكل في الجسم كله مرة واحدة كده! يمكن حساسية هي كلت فراولة أو حد زعلها قبل النوم؟".
رديت وقولتله "شوفلي أي مسكن يا مسلم، سكاكين بتتحرك في جسمي".
محدش عرف يتصرف معايا، ماما اقترحت ينزلوني للمستشفى لكن مسلم قالهم مش هيعملولها حاجة غير المسكن وملوش لزوم.
وبعد حوالي أقل من ساعة وقف الألم وكل شيء، اترميت على سريري زي المتخدرة ولا كأني كان فيا حاجة ونمت بشكل غريب.
تاني يوم صحيت من نومي لقيت على ملايتي دم كتير! دم كأن في حاجة مدبوحة مكاني.
اتنفضت وجريت قدام المراية أفتش في جسمي وأشوف أنا اتعورت فين ولا إيه اللي حصل؟ لكن جسمي كان سليم ومفيش خدش واحد فيا.
بابا كان نزل الشغل، ندهت لماما علشان تشوف المهزلة اللي بتحصل دخلت وقالتلي "متقلقيش يا حببتي، دانا دبحتلك أرنب كده علشان الحسد، وبسلقوهلك في المطبخ أهو".
وسابتني ورجعت للمطبخ، وانا واقفة مصدومة مكاني!
ازاي ماما تعمل الأفعال دي؟ ويعني إيه تدبح عليا أرنب وانا نايمة دي عمرها ما حصلت، ولا كان لينا في التصرفات دي.
جريت دخلت المطبخ وراها علشان اعاتبها، ولسه بقولها "يا ماما أنتي ازاي…"!! لقيت نور المطبخ شغال وفي حلة محطوطة على النار لكن المطبخ فاضي!
ماما كانت لسه داخلة قدام عيني دلوقتي حالًا.
قلبي اتقبض ووجعني، خرجت أشوفها في باقي الشقة لقيت نفسي لوحدي ومفيش غيري في البيت.
بصيت على ساعة الحيطة لقيتها تسعة الصبح، وده نفس الميعاد اللي ماما بتنزل فيه السوق كل يوم.
خلاص أنا بقيت متأكدة إني اتأذيت، ومينفعش أقعد لوحدي في البيت الفترة دي.
دخلت لبست هدومي بسرعة وأنا بترعش من الخوف، وجريت علشان أنزل، بس افتكرت الحلة اللي كانت على النار!
دخلت طفيت النار، وخطر في بالي افتح الحلة واشوف فيها ايه؟ مهو مستحيل ماما تنزل وتسيب أكل على البوتجاز وأنا نايمة أكيد.
فتحت ويارتني ما فتحتها.
اللي شوفته كان أكبر من درجة تحملي، لأني للأسف لقيت راس ماما في الحلة.
معرفش أنا وقعت من طولي ازاي وأمته، لكني متأكدة إني لما وقعت كنت في المطبخ ومخرجتش منه.
في حين اني فوقت على سريري وماما بتصحيني وبتقولي "قومي يا عزيزة، انتي هتفضلي طول اليوم في سريرك كده، قومي يابنتي علشان تفطري".
اللي أكدلي إني مَكنتش بحلم ولا بخرف، اني مازلت بهدوم الخروج اللي لبستها قبل ما أقع، يعني كل اللي حصل ده حقيقي لكن حد حطني على السرير من تاني وغطاني.
بصيت في تليفوني كانت الساعة تلاتة العصر، قومت دماغي تقيلة وهمدانة ورغم كل تعبي ده إلا إني صممت أنزل لبابا المحل ومسيبش نفسي للوهم.
نزلت المحل أول ما بابا شافني جري عليا حضني وسألني "عزيزة.. طمنيني عليكي يا حببتي بقيتي أحسن بعد المسكن؟".
بابا بيحبني بشكل جنوني وملوش غيري في الدنيا من بعد ربنا، مقدرتش أقوله بنتك تعبانة ومأذية، وكتمت جوايا وقولتله "اطمن يا حبيبي انا بخير اهو، وهشتغل معاك النهاردة كمان ".
ولاني مش في قدرتي البدنية الكاملة، قررت اشوف حاجة خفيفة اعملها على قد مجهودي، وقعدت جنب المحل كده قدامي ترابيزة صغيرة اعمل عليه البرجر وأغلفه.
طبعًا أنا شغالة وبالي كله شارد في اللي حصلي من امبارح لـ النهاردة، ومفيش غير الملعونة اللي أكيد عملت فيا كل ده انتقام.
"بتشتمي واحدة قد ستك ليه، مش عيب كده بردو"
بصيت ورايا لقيتها...