رواية ميساء في قلب الصعيد (ابوالبنات) (كامله جميع الفصول) بقلم صفاء حسني


رواية ميساء في قلب الصعيد الفصل الاول بقلم صفاء حسني

"يعني إيه عايزين أتجوزه يا بابا وأعيش في الصعيد؟ يعني أضيع عمري كله في بلد كلها جهل ؟ عايزين بسهولة كده أتجوز واحد معرفهوش، وكمان كان متجوز وعنده تلات بنات! مين ده اللي يرضى بكده؟"

تنهد أبوها بضيق، وشوية قلة حيلة باينة على وشه:


"أنا وأنتِ يا ميساء كنا السبب في موت مراته. المعقولة ما تفتكريش العربية اللي طالعة فجأة قدامها وهي حامل وعايزة تروح المستشفى؟"


ميساء رفعت حاجبها وقالت بصوت حازم:


"مكنش السبب يا بابا، والتحقيقات أثبتت إن الفرامل كانت فيها مشكلة. أنت خدعتني ورجعتيني مصر بحجة مرضك و إنك عايز تدفن في أرضك، وكلام فارغ كله ألاعيب! وبعدين عايز تجبرني أتجوز واحد زي ده؟"


الشاب اللي بيتكلموا عنه دخل وهو بيصرخ، ووشه أحمر من الغضب، عينيه زي الجمر:


"أنتِ فاكرة إني مُغرّم بيكي ومش عايش من غيرك؟ ده جواز زفت ومصلحة عشان نبني المصنع على أرض أبوكي، ونصدر الزرع اللي هيطلع من الأرض بعد التعبئة، عشان الشغل اللي لازم أسلمه، وبعدين...غوري في داهية!"


الأب دخل بينهم وقال بصوت مُتعب:


"عيب يا هائم اللي بتقوله ده! أولاً، جوازك منها مش عشان شركة أمريكية ولا عشان موت ميساء الله يرحمها، الجواز ده عشان البنت الصغيرة اللي في الحضانة، روحها متعلقة ببنتنا ميساء من وقت ما شالتها في المستشفى وهي فاكرها أمها. وشفتي لما بعدتيها عنها تعبت تاني؟"


ميساء سكتت شوية، تنهدت وقالت:


"ما أنا قولت أربيها، رغم إني مُدرسة مش مربية، بس رضيت وأنا بدرس بناتك وأتابع الطفلة، لكن أتجوز واحد متعجرف وسليط اللسان زي ده؟ أبداً!"

دخلت الأم على حسهم، وقالت بصوت حاد:


"وكلام الناس يا بنتي، إحنا في الصعيد مش في البحري ولا البندر. يعني شرف البنت زي الرصاص، ودخولها وخروجها كده من غير ما يكون فيه حاجة رسمية، عيبة في وشنا. وزي ما قولنا لكِ، يكون على الورق مجرد اسمه صورة، مش أكتر."


حضرت واحدة ست كبيرة، ملامحها شبه ملامح ميساء، وقالت باستغراب:


"مين الحاجة دي؟ هو إنتِ بتكلميني؟"


ابتسمت الست الكبيرة وقالت:


"أوف يا قطعتني، نسيت إنك خاوجة ومش بيقولوا لكِ الكلام ده. المهم، أحضريها هنا، نهنيها. مش زي بلاد بره، يدخلوا ويخرجوا عادي، لأ، فيه حدود وربط وسمعة. يرضيك يتقال كلام مش مليح على بنتك؟"

الأتنين بعدوا عن بعض، ودخلوا أوضهم، كل واحد فيهم بيفتكر اللي حصل من شهور، وشوية حزن باينة على ملامحهم.

فلاش باك 


خرج ملهم، وشه باهت كده، شكله تعبان أوي، عيونه فيها غضب مكبوت، من اجتماع في قرية صغيرة قريبة من نيويورك، يتنفس بصعوبة. كانت هاديسون، تلك القرية الهادئة، تشبه حي بروكلين الراقي، لكن بنسخة ريفية ساحرة. يقال إنها مسحورة، من يذهب إليها لا يتركها. ولعل هذا ما حدث لملهم بالضبط.


ثقل عليه وطأة اليوم، وكانت مشاعره مختلطة بين الإحباط والغضب. لم يكن يتوقع أن ينتهي اجتماعه بهذه الطريقة، فقد شعر بالغربة الشديدة في هذا المكان، رغم ما حققه من نجاحات.


خرج خلفه جوكس، شكله رايق كده، مبتسم كده من تحت لتحت، عيونه الزرقاء فيها ذكاء وحِيلة، رجل بملامح غربية، عيونه زرقاء، وشعره أشقر.


جوكس: مالك يا ملهم؟ ليه خرجت من الاجتماع كده بسرعة؟


ملهم، وجهه مُتصلّب، مكمّش شفايفه، حواجبه متقاربة: يا عم، مقدرتش أستحمل أكتر من كده! الناس دي.. معرفش، مش مناسبين لينا خالص.


جوكس، واثق من نفسه، مُرتاح: يا جدع، دي فرصة ذهبية! هتاخد فلوسك كلها مرة واحدة! الشركات الصغيرة دي هتفضل تدفع لك قسط قسط طول عمرك.


ملهم، شكّاك، قلقان: أنا واثق في الشركات دي، عارف إنهم هيوزعوا منتجاتي كويس في نيويورك، وفي أمريكا كلها. أما الشركة دي.. معرفش هي هتوزع فين، ولا حتى أصلها منين! شركة غامضة كده.


جوكس، بيستهزأ كده بهدوء: يا راجل، ما تقلقش. قولت لك قبل كده، ما تقولش لحد إنك مصري! الغرب دول مش بيحبو المصريين قوي.


ملهم،كان فخور بنفسه: أنا فخور إني مصري! ومش هخبي ده عن حد. غلطت لما سبت بلدي وجيت هنا. لو كنت صبرت، كنت هنجح هناك.


جوكس، مستغرب: يا ملهم، بص، في ست سنين بس، بنت شركة، وأرض، ومصانع.. في مصر ما كنتش هتعمل ده!


ملهم، زعلان، مضايق: أنا مهندس زراعة، مش بياع بطاطس! ولو كنت صبرت، كنت هنجح. أنت بتقلل من شأني!


جوكس، بيحاول يهدّيه: مش قصدي، بس مستغرب عصبيتك دي. ركز مع العميل.


ملهم، متألم، قلقان: مراتي تعبانة أوي، وجاي هنا في يوم إجازتي، والناس دي عاوزين أتعاون مع شركة غامضة كده! فاهم؟


جوكس، بيُنصحه: أنت ذكي، بس مشكلتك إنك حاطط خلافات دولتك معاهم حاجز.


ملهم، واثق من نفسه، عازم: أنا ذكي، ونجحت هنا، وأنت شريكي، بس عدو بلدي هو عدوي. ولو وقفت معاه، هسيبك على طول. فاهم؟


جوكس، مستغرب: يا راجل، أنت مش طبيعي النهاردة!


في مكان آخر، تظهر ملساء، وشها شاحب، عيونها فيها قلق، شفاهها بتترعش: سيدة صغيرة في الثلاثين من عمرها، ومعها طفلتاها.


ملساء، قلقانة، متوترة: يا ملاك، يا مهتاب، فينكم؟ عاوزة اروح عند جيني.


- ظهرت البنتين، شبهين أبوهم في ملامحهم، وأمهم في بشرة بيضا، وخصوصًا ملاك اللي عندها خمس سنين، ومهتاب اللي عندها تلات سنين.

- ملاك ومهتاب، فرحانين مبسوطين: (بيصرخوا بصوت عالي) هنروح معاكي يا مامي!

- ملساء، حنينة، بتحبهم: يلا بسرعة، البسوا البالطو عشان ما تبردوش، والحذاء.

- أومأت البنتين برؤوسهم موافقة، واستعدوا للخروج.

- شعرت ملساء بألم شديد في بطنها، كانت في شهرها السابع، بس الألم كان مختلف، أقوى. كانت عايشة في بيت ريفي بعيد عن المدينة، وبتحاول تتصل بزوجها ملهم، بس من غير فايدة.

- كانت ملساء بتحاول تتصل بملهم أكتر من سبع مرات، بس من غير فايدة.

- ملساء، زعلانة، وحشاها جوزها: (في نفسها): ليه سبتني النهاردة يا ملهمي؟ مش وعدتني إنك هتبقى معايا اليوم كله؟ (ثم تتراجع) ما أنتِ اللي قولتيله امشي لما ألح عليه جوكس دلوقتي. متضايقة من عدم وجوده، بس أنا بتألم جدًا، ووحشني كمان من كتر حبي فيه. مش قادرة أسيبه، وعشت معاه لحظات جميلة، هههه، وعلشان كده جبت البنات ورا بعض، وبقوا يقولوا عليّ أرنبة. معرفوش إن اللي تعيش الحب معاك، تعشقه، وتحِب إنها تعيشه لحظة بلحظة. أنت شاب ناجح في كل شيء، معرفش إزاي قدرت إنك تكون صاحب مزرعة كبيرة، ومصانع للخضروات، وكمان مصانع للتعبئة والتجهيز، وتهتم بيا، وأحس إنك ليا فقط، وأول يوم إجازة تسيبنا كده!

- كان ألمها الجسديّ يعكس ألمها النفسيّ، فقد غمرها شعورٌ بالوحدةِ والحنينِ الشديدِ إلى زوجها، ذلك الرجل الذي تُكنّ له كلّ حبّها وتقديرها، ولكنها لم تستطع فهم سبب غيابه المفاجئ في هذا اليوم المهمّ.

- ملهم وتركها هى والفتيات :

- يأتوا الفتيات.

- الفتاتان: لقد انتهينا، مامي! هيا بنا!


- ملساء: حاسة بألم شديد ومش قادرة أستحمل. هاسيب البنات معاكي وأروح المدينة للدكتور أو الصيدلية.

- جيني في نفسها: لا، مش باين عليها أي ألم. هي كذابة عشان تروح لملهمها ويسهروا مع بعض.

- جيني: وأين الفرس بتاعك يا مهرة؟ ليه مجاش معاكي؟

- ملساء ما اتحملتش تبقى مع جيني أكتر من كده، وعرفت اللي بيدور في دماغها. فقبلت البنتين.

- ملساء: لا تزعجي عمتك ، جيني. يا بنات 

ولما يجي بابا، قولي له ماما تحبك جدًا وراحت تجيب لنا أخ.

- وبعد كده بصّت لجيني.

- ملساء: مفيش حاجة من اللي بتدور في عقلك، حتى اسألي جوزك هو اللي طلبه وخده من حضني. وخدي الشنطة دي فيها أكل وهدوم للبنات، لأني مش عارفة هاجي النهاردة ولا بكرة.

- جيني بغيظ: أوك، سوف تعودي سالمة مع طفلك، لكن أنا أعلم الطفل يولد في التاسع، لكن الفرس المصري وأولاده مستعجلين.

الفصل الثاني من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1