رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل العاشر 10 بقلم نورهان محسن


 رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل العاشر 



بين أمواج العشق المالحة ،
أغرق في بحرٍ لا ساحل له ،
تسحبني أعماقك بلا رحمة ،
وتغرقني في لذّة الألم ،
قلبي ينبض بشوقٍ لا يُقاوم ،
وفي كل همسة منك أغرق أكثر ،
أنتَ الموج ، وأنا الغريقة ،
مستسلمة لجنونك ،
في عشق لا يعترف بالحدود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد عدة ساعات

بدأت الشمس تغرق في الأفق ، مخلفة وراءها بقايا ضوء خافت يذوب في السماء ، كأنها تودع اليوم بلطفٍ حزين.

عند ابريل

جلست إبريل في صالة الجناح ، تحيطها ظلال القلق التي انعكست على ملامح وجهها ، بينما كانت عيناها تلحظان عقارب الساعة التي بدت وكأنها تتباطأ عن قصد لتعذيبها.

باسم لم يعد بعد خرج منذ الصباح ولم يترك خلفه سوى صمت ثقيل زاد من إضطرابها.

حاولت أن تشغل نفسها بأي شيء ، ولكن الأفكار كانت أقوى من محاولاتها ، كانت تعلم جيدًا أن تأخره سببه غضبه منها ، هى الكلمات الحادة التي أطلقتها في وجهه من قلبها المكسور قبل عقلها.

عادت ابريل برأسها إلى الوراء تتكئ علي حافة الأريكة مغمضة عينيها بضيق حيث مع زوال الصداع تفتحت أبواب الذاكرة التي أغلقتها الصدمة صباحًا ، كل لحظة من تلك الليلة عادت إليها محملة بمشاعر دفنها عقلها تحت ركام من الاضطراب.

مرت الأحداث في ذهنها ببطء ، دفء لمسته ، وكيف كانت أصابعه تتنقل على جسدها كأنها تعزف لحنًا خاصًا ، كان كل شيء فيه ينطق بالشغف بكل معاني الحب والاحتواء ، حتى نظراته سرقت منها أنفاسها وأفقدتها قدرتها على التفكير وهو يغمرها في بحر من الغرام ، وشعور عذب سرى في أعماق قلبها ، داخل حضن ذلك الرجل الذي احتواها برفق حنون ، وبلمساته نثر بذور عشقه في روحها ، لتُزهر بمشاعر لم تعرفها من قبل.

لكن مع كل هذا الجمال الذي عاشته فى عالمه الخاص ، كانت هناك غصة في قلبها ، من الخوف الذي نشب بداخلها فجأة عندما استيقظت صباحًا ، وأدركت أنها استسلمت لرجل ربما قد يتخلى عنها يومًا ، ورغم أن باسم لم يُظهر لها سوى الحنان والطمأنينة ، إلا أن جروح الماضي وخوفها من الفقدان دفعاها للصراخ في وجهه ، وكيف تستطيع مواجهته الآن بعد أن أهانته؟

انحدرت دمعة حائرة على خدها بندم يثقل روحها ، وهي تنظر إلى الباب بانتظار أن يُفتح ، أن يعود إليها ليأخذها من دوامة أفكارها ، ويعيدها إلى حضنه ، حيث ينتمي قلبها دون أدنى شك.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

عند ريهام

اندفعت ريهام إلى غرفتها في فندق والدتها ، وألقت الحقيبة بعنف على السرير ، فيما إنهمرت دموع القهر والغضب على وجنتيها كجمرات متقدة ، وكلمات داغر السامة لا تزال تتردد في أذنيها ، وتخترق روحها كسهام نارية لا ترحم.

flash back 

ازداد غضبه كبركانٍ لفظ حممه بلا رحمة ، وفي لحظة خاطفة ، مد يده ليقبض على كتفيها ، ليهزها بقسوة ، وهمس بصوت يكاد يقطر كراهية : مظبوط اختياري ليكي انتي هو اللي دمر حياتي .. هو اللي خلاني أفقد كل حاجة بحبها .. ودلوقتي ابني هيبقى معايا وهتنسيه تمامًا .. مفهوم!!!

ارتجفت ريهام تحت وطأة زمجرته القاسية ، ولم تستطع كبح شهقة الإعتراض التي انطلقت من بين شفتيها المرتعشتين : لا يا داغر .. أنا مش همشي من هنا غير لما أشوفه! مش كفاية واخده مني بالغصب؟

أطلق داغر ضحكة باردة خاوية من أي إحساس ، ثم عاد ليمسكها بقسوة كأنما يعاقبها على جرأة كلماتها ، غارساً عينيه الخضراوتين في بحر عينيها بنظرة حارقة تنضح ازدراءً ، قبل أن ينطق بلهجة حادة كالسيف : لولا إني عاوز أحافظ على سمعة ابني .. كان زمانك في السجن بتهمة التزوير

لم تستطع إلا أن ترفع حاجبيها بذهول وألم من جبروته ، وتمتمت بصوت مبحوح يكاد يختنق تحت ثقل الذل : انت زي ما انت .. نفس القسوة والتسلط .. منك لله يا داغر..

لم يتأثر بكلماتها ، بل انحنى نحوها هامسًا بنبرة تنذر بالتهديد : حسابك عمال بيتقل يا ريهام .. بس لسه دفع الفاتورة ماجاش أوانه

تحدثت ريهام بصوت خافت متردد : داغر .. لو سمحت من حقي أشوفه .. هو لسه في حضانتي

تسللت يده لتقبض على ذقنها بقسوة ، ثم رفع وجهها بحزم ، ليجبرها على النظر مباشرةً في عينيه ، وهسهس بصوت بارد يقطر احتقار : لو كنت شوفتك تستحقي تكوني أمه .. كنت سيبتهولك

سقطت عبارته على قلبها كصخرة في بحيرة من المعاناة ، وعندما أفلتها أخيرًا ، كانت عيناها مغرورقتين بالدموع ، ووجهها يعكس هزيمة مريرة لم تعتد عليها.

بصوته الغارق في البرود اضاف ببطء متعمد كأنه يستمتع بتعذيبها : شوفتي القدر مش منصف ازاي؟ خلي واحدة زيك تكون أم وهي اصلا ماتستحقش تكون زوجة ولا حتي بني آدمة بكل الشر والغل والأنانية اللي جواها.. 

تابع داغر بنبرة محترقة بالألم والآسى : واللي كانت بتعتبرك صحبتها .. وتتمنى يرزقها ربنا بطفل عشان ترضيني .. ماتت وهي كاتمة في قلبها زعلها وجرحها مني

انغرست في قلبها غيرة مريرة ، وكلماته التي تفيض بعشقه لزوجته اخترقت مسامعها ، لتعيد إلى أعماقها جرحًا قديمًا ينبض بالألم ، فدمعت عيناها بالقهر ، لكنها أنكرت بصوت متحشرج : أنا … أنا عمري ما كنت عاوزة أخد مكانها … ولا فكرت أجرحها .. دا كله حصل غصب عني مش بإيدي إني وقعت فيك ولا إنك تعلقت بيا .. ودفعت تمن غلطتي سنين بعد ما اطلقت من اسعد وربيت ابني لوحدي

قهقه داغر ببرود كأنه يسخر من مشاعرها ، ثم أقتنص بذقنها بقوة ، وقال بصوت قاتم : التمن اللي انتي دفعتيه .. كان أقل بكتير من اللي استحقاه جرحي وجرحها .. بس أنا هعرف ازاي ارد حقي منك بالعقاب اللي تستحقيه

خفضت ريهام عينيها محاولةً تجنّب نظراته التي كانت تمزقها كالسيوف ، لكن صوتها خرج هذه المرة مليئًا بالاستسلام : انت مش هتقدر تعاقبني أكتر من اللي انا فيه دلوقتي … خسرت كل حاجة .. اولهم احترامي لنفسي .. واخرهم ابني اللي اخدته مني .. عاوز ايه تاني يا داغر؟

صاح داغر بحدة علي الفور ، وصوته كان يقطر كراهية وبغض : عاوزك تفضلي ندمانة ومتحسرة طول عمرك..

بقيت كلماته ترن في أذنها ، وهي عاجزة عن الرد ، وقد شعرت بأن كل ذرّة كرامة فيها قد انكسرت تحت وطأة هذا الموقف المهين.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

عند باسم

دلف باسم بخطوات واثقة لكنها مشوبة بالحذر إلى الجناح الذي يغرق في سكون الليل ، عينيه تبحثان عنها بلهفة مختبئة تحت قناع السيطرة ، قبل أن يخطو ببطء نحو غرفة النوم الرئيسية ، وحين عبر الباب سمع صوت الماء ينهمر من داخل مقصورة الاستحمام ، أنغامه تشبه نداءً خفيًا يجذبه دون مقاومة.

تجمدت خطواته فجأة عند عتبة الباب ، ورماديتاه تسمرتا على الزجاج المعبق بالبخار ، حيث ظهر خلفه خيالها الساحر ، رغم ضبابية الرؤية ، استطاع بوضوح أن يفصل منحنياتها التي تشع إغراءً يتحدى قوانين المنطق ، بدت كجنية بحر خرجت لتوّها من بين الأمواج ، تتراقص قطرات الماء فوق جسدها العارى ، فحطمت حصونه دفعة واحدة بهيئتها المهلكة على لرجولته.

اختلطت أنفاسه بشهيق مرتجف ، وقلبه ينبض بجنون ، وكل ذرة في جسده صرخت برغبته ، ودماؤه تدفقت في عروقه كسيل من الحمم الساخنة ، تجرّه نحوها ليغوص في أعماقها بكل لهفة ، ويغدو أسيرًا لشغف لا نهاية له.

اقترب باسم بخطوة كمن استسلم لغريزة متوحشة ، ورفع يده يلامس الزجاج الذى كان يحجزه عن جنّته الموعودة ، لكن فجأة، أغمض عينيه بقوة حتى يقمع نفسه بصعوبة هائلة. 

مرر باسم يده على جبينه المبلل بالعرق ، مستحضرًا كلماتها الجارحة فى ذهنه كطوق نجاة ، وأجبر قدميه على الهروب نحو الشرفة ، ثم إلى الشاطئ ، حيث عانقه هواء البحر المالح ، باحثًا عن صمود هش أمام أنوثتها المدمرة.

✾♪✾♪✾♪✾♪✾

خرجت إبريل من مقصورة الاستحمام ، تلف جسدها بمنشفة ناعمة ، وقطرات الماء تنحدر من خصلات شعرها لتلامس عنقها المرمري ، وتنزلق برفق إلى مقدمة صدرها. 

تقدمت ابريل بخطواتها الحافية على الأرضية الخشبية ، حتى وقفت أمام المرآة ، تتأمل انعكاسها بنظرات شاردة ، وهي تشعر بحرارة أنفاسه التي لا تزال تلامس روحها ، وكأن حضوره يطاردها حتى في غيابه.

انزلقت عيناها ببطء نحو عنقها ، حيث لامست أصابعها المرتعشة آثار شفتيه التي تركت علامات ملكيته عليها ، كأنها أختام أبدية ، تُخبرها بأنها أصبحت له بكل كيانها ، شاهدة على ليلة غمرتها بعشقه الجارف ، ليلة أصبحت فيها زوجته بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

حدقت ابريل في انعكاسها بعمق ، وذكريات الأمس تتسلل إلى عقلها كأنها مشهد مُعاد ، تستعيد دفء حضنه الذي احتواها ، ورقة لمسته التي أذابت جمود مخاوفها ، وتنهيدات شوقه التي أججت أحاسيسها ، تروي حكاية استسلامها لعشقه الجارف وانصهرها بين ذراعيه.

فجأة أفاقت من شرودها على نسيم البحر البارد الذي تسلل إلى الغرفة ، لتدرك أن باب الشرفة مفتوح ، وباسم يقف على الشاطئ يعطيها ظهره. 

اجتاحت قلبها راحة عميقة فور رؤيته ، فدفعها شعور غريزي نحو الخزانة ، التقطت أول ثوب نوم وقع بصرها عليه ، وارتدته بعجلة ، ثم اندفعت بخطواتها الحافية نحو الخارج ، حيث احتضنت الرمال الباردة قدميها ، لكنها لم تُلقِ بالًا لذلك.

اقتربت إبريل منه ، تتردد في خطواتها
وهي تراقب إستقامة كتفيه ، ويديه المتشابكتين أمامه في صمت ، وقفت خلفه ، وهمست بصوتٍ مرتجف : باسم...

لم يلتفت إليها ، بل ظل يحدّق في الأفق ، كأنما يستمد صبره وإتزانه من النجوم البعيدة حتى لا يستدير إليها 

ظلّ باسم يحدّق في الأفق ، مستمدًّا صبره من النجوم البعيدة ، يكبح نفسه من الإستدارة إليها ، ليسحقها في عناقٍ يجعل عظامها تئنّ من شدته كما يتألم من شوقه اللعين لها ، حالما طال سكونه الذى كان بمثابة عاصفة خفية تتصارع فيها كرامته مع شوقه ، فاستجمعت بقايا شجاعتها بصوت خافت يكاد ينهار من ضعفه : أنا .. أنا آسفة..

أغمض باسم عينيه للحظة ، قبل أن ينظر إليها ببرود ، ثم يسألها بنبرة أجش قاسية : آسفة على إيه؟ على إنك جرحتيني بكلامك؟ ولا على إنك ندمانة ومش واثقة فيا؟

تألمت ابريل من حدة كلماته اللاذعة ، لكنها لم تستسلم ، تقدمت منه أكثر ، وفركت يديها الباردتين بتوتر تجلى في نبرة صوتها الرقيقة : انا ماكانش قصدي اللي قولته الصبح ولا كان قصدي اجرحك

نظرت ابريل إلى عينيه بعذوبة ، ثم أضافت بصدق محاولة أن تنزع ذاك الألم العالق فى قلبه بسببها : انت أكتر حد ممكن أكون واثقة فيه

رفع باسم حاجبيه ببرود ، وعينيه تخفيان حزناً وراء نبرته الساخرة : واثقة؟ عارفة اني حسيت إنك.. إنك مش شايفاني إنسان .. حسيت إن اي حاجة عملتها عشانك مالهاش أي قيمة وفوقهم حسيت نفسي حيوان

شعرت بقلبها يتهاوى مع كلماته ، لتلقي بكبريائها على الأرض ، وأمسكت بيده بإندفاع ، وهمست بخجل بدموع يتخللها غصة في حلقها : باسم لو كنت عارفة إن الكلام ده هيجرحك كده ما كنتش قلته .. انا عشت سنين عمري كلها ضيفة .. بس وانا في حضنك ماحسيتش كدا وغصب عني اللي قولته .. والله العظيم كان غصب عني

تنهد باسم محاولاً أن يهرب بعينيه منها ، وأنفاسها القريبة منه ، إلا أنها أحاطت وجهه بكفيها ، مجبرة إياه على النظر إلى عينيها العميقتين ، كأنها تبحث عن كل ذرة حزن كي تنتزعها منه ، وهمست بخفوت محمل بالصدق : انا خايفة تضيع مني بعد مالقيتك يا باسم

شعر باسم بضعف داخلي يخترقه ، كأن قلبه يذوّب من شدة قربها منه ، قبل أن تدحرج رماديته مع قطرة ماء من شعرها المبلل تسللت عبر رقبتها ، هنا انتبه إلى هيئتها وما ترتديه ، وأين يقفان ، هذا الشاطئ خاص بهم ولا يوجد حولهم أحد ، لكن هذه الحمقاء تلفحها برودة البحر دون اهتمام ، وكأنها لا تدرك أنها قد تلتهم جسدها ببطء ، وتزرع فيه تعبًا يهدد صحتها الهشة.

_ازاي خارجة كدا؟ خلينا ندخل قبل ماتاخدي برد...

تحدث باسم بحزم واهتمام أسَرَّ قلبها ، ويده تحتوى كتفيها ، ثم دار بها برفق نحو الداخل.

جلست ابريل على السرير بصمت ، تنتظر اللحظة التالية في قلقٍ خافت ، عيناها تراقب كل حركة له ، بينما اقترب منها حاملاً مجفف الشعر ، وجلس أمامها بهدوءٍ ، بدأ بتجفيف خصلاتها برفق ، يده تتنقل بين خصلات شعرها بحنانٍ ، فخجلت من نفسها ، كيف استطاعت أن تهينه في الصباح؟ كيف تجرأت على الصراخ في وجه رجل منحها كل هذا الحب؟ االذي غمرها في أعماق عالمه وجعلها تشعر بأنها ملكته ، تلك الأفكار ألهبت قلبها بندم لاذع ، فاندفعت العبرات إلى عينيها ، لتتحول سريعًا إلى شهقاتٍ ونشيج ، أوقف حركاته وزلزل قلبه وأثار قلقه عليها ، فهمس بإسمها في صوتٍ خافت : ابريل!!

_انا .. اسفة..

همست ابريل بصوت مختنق بالدموع ، ويديها تتشبثان بقميصه ، همس لها بنبرة رخيمة لتهدئتها : خلاص اهدي دلوقتي 

احتضنت خصره بذراعيها ، وغمرت رأسها في صدره ، فيما امتدت يديه تربت على شعرها برفق ، بعد أن وضع المجفف جانباً ، وتمدد على السرير دون أن تبتعد عن حضنه ، بل تشبثت بدفئه أكثر ، لتستكمل حديثها بنبرة تتأرجح بين التردد والحزن : انا مريضة يا باسم .. مريضة بعقد نفسية كتير اوي .. من كترها كنت خايفة يا باسم .. خايفة بعد ما بقيت اماني وسندي و راحتي .. تسيبني وتتخلي عني وتبعد .. دايما بتساب وانا معملتش ليهم حاجة .. كلهم عملو فيا كدا .. ليه ولا واحد منهم رأف بحالي وفكر فيا هيكون مصيري ايه؟ ليه الكل ماشافنيش روح من لحم و دم وليا قلب مكسور مليون حته من اللي عملوه فيا؟

ترك باسم لها المجال لتفرغ ما في قلبها من وجع وإنزعاج ، بينما يعتصرها بإحتواء بين ذراعيه الدافئتين ، ووجهها مستقرًا على صدره الذي ينبض بإسمها عشقاً ، وهو يمسّد ظهرها برفق ، مهدئًا كل ذرة قلق في روحها ، وكل لمسة منه تحمل الأمان ، وتمنحها إيقاع الطمأنينة ، فيحتوي ألمها ، حزنها ، ومخاوفها، حتى هدأت ارتعاشاتها ، لكنه بقي على هذا الوضع ، محتضنًا إياها داخل ضلوعه.

رفعت ابريل عينيها المغروقتين بالدموع نحوه ، وهمساتها تقطعت بين أنفاسها المتسارعة : انا .. مش عامية القلب والنظر عن كل اللي بتعمله عشاني .. وسط ما الكل ضدي ومحدش واقف في صفي .. كنت انت واقف في وش الكل بتدافع عني .. بعد ما كنت حاسة ان ماليش ضهر ولا سند يجبلي حقي .. بقيت انت كل حاجة ليا..

تسللت ابتسامة هادئة إلى شفتيه ، ثم قبّل جبينها بلطف ، واحتضنها في صمت ، كأشعة شمس دافئة انبثقت في قلب الشتاء القارس ، لتنعكس بدفئها على روحها المرتجفة ، سكنت في حضنه بكل استسلام ، ونامت في طمأنينة بينما هو غارق في تأمل ملامحها ، وعقله يعيد على ما حدث في الصباح ، حين ترك الغرفة غاضبًا.

flash back

وقف باسم أمام البحر ، والرياح تعصف بخصلاته ، وعيونه متوترة كأنها تعكس أمواج البحر المتلاطمة ، بينما الهاتف على أذنه ، وكلماته تتناثر من بين شفتيه، مشوبةً بغضب مكبوت

_عقلي هينفجر محتار في تصرفاتها!! مابقتش عارف ازاي اتعامل معها؟

خرجت كلماته الحائرة ممتزجة بأنفاسه المضطربة ، سرعان ما جاء الرد من الطرف الآخر ، هادئاً مفعم بتفهم عميق : ممكن تهدي من فضلك انا مقدرة تماما الوضع اللي بتمروا بيه يا استاذ باسم

أخذ باسم نفساً عميقاً ، وحاول أن يظهر تماسكه : انا هادي يا دكتورة ريم .. واقسملك بالله من يوم ما حضرتك كلمتيني بعد مرواحها لمصطفي من ورايا وفهمتيني اللي بتمر ابريل في حياتها .. وانا بحاول اطمن قلبها وماعملتش حاجة تضرها .. دايما بكون جنبها ومعها

تخللت أصابعه فى شعره بتوتر ، وهو يتابع بلمحة من الإرتباك : اللي حصل امبارح دا شئ خارج عن ارادتي .. من حبي ليها بس معنديش اي نية او رغبة اني ابعد عنها او ماكملش معها زي ماهي متوقعة...

ردت ريم بنبرة مشبعة بالعقلانية والجدية : مشكلة ابريل في خوفها الشديد من الفكرة دي بالذات .. وللاسف دا مخليها مضطربة ومهزوزة من ناحيتك .. خصوصا بعد ما اعترفت لها ان سبب قربك ليها هو دافع الانتقام من اختها

جز باسم على أسنانه بغضب من نفسه : ولو اقدر ارجع بالزمن للحظة دي صدقيني مكنتش...

_عاوزاك تفكر فيها من جانب تاني .. يمكن ماكنش سيء اللي حصل و كان ممكن يحصل الاسوء مثلا اختها تملأ دماغها بقصص وهمية عنك وعنها دا كان هيبقي مخلي موقفك معها اصعب لكن كلامك انت ليها كان لحظة انفعال وغضب و اتصالحتو

أضافت ريم بثقة أكبر : وانا شخصيا واثقة من حبك واهتمامك بإبريل .. وهي بنفسها قالت انها بتحس معاك بالراحة والامان والسند اللي ماحستوش مع اقرب الناس ليها .. بس كمان الصدمات المتراكمة من طفولتها مع اللي حصلها في الكام شهر اللي فاتو .. ممكن يزعزعو ثبات جبل شامخ .. ما بالك بروح هشة زي ابريل

تابعت ريم بجدية مدروسة : بس دا ماينفيش طبعا غلطها في حقك .. ودا يعتمد علي تعاملك معها هو دا اللي يوازن الامور بينكم .. لازم تاخد موقف وتحسسها انها زودتها المرة دي معاك .. ساعتها هي اللي هتبادر وتحاول تصالحك من نفسها

ردد باسم بإستنكار : ابريل تبادر!! انتي عارفة قد هي شخصية عنيدة ودماغها ناشفة؟

اخبرته ريم بثقة : مش مظبوط بالمرة الكلام دا خصوصا انها بتحبك .. هي دلوقتي بس مشوشة ومش مركزة وياريت تديها كام ساعة لوحدها .. وكمان انت تهدي اعصابك وتصفي ذهنك .. ممكن اختفي شوية وخليها تحس بغيابك وانك زعلان ومصدوم من كلامها .. عشان تتأكد انها غلطانة

back 

تمكنت تلك الجنية من السيطرة على مشاعره بخيوط من الاعترافات التي أسرت قلبه وهدأت عقله المشتعل ، لكن هذا لن يمنعه ترويض تمردها بأسلوبه الخاص ، عازماً على بدأ فصلًا جديدًا في روايتهما ، حيث سيغرقها في بحر عشقه المجنون الذي لا يعترف بالحدود ، ليجعلها تدمنه بكل كيانها.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1