رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الحادى عشر
(اسرار مكشوفة)احذر من القسوة مع الأنثى ، فهي لا تحتاج للسيطرة بل للأمان والحنان ، في لحظات ضعفها ، تبحث عن من يفهمها ويمنحها السند.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور عدة ايام
كانت أروقة المستشفى تعج بالحركة كعادتها ، خطوات مسرعة ، وأصوات متداخلة بين نداءات الأطباء ، وهمسات المرضى.
وقف فريد أمام المصعد ، يقلب ملفاً في يده بتركيز ، قبل أن يصل إليه شذا عطرها الساحر ، ويعقبه صوتها الرقيق : صباح الخير يا دكتور فريد
إلتفت نحوها ليراها بمعطفها الأبيض الذي زاد من رقتها رغم ملامحها الجادة ، رد تحية الصباح بإبتسامة خفيفة : صباح النور .. مبدرة معانا في الطواريء انهاردة!!
رفعت كوب القهوة أمام عينيه ، وأجابته بإبتسامة مرهقة : مطبقة .. ماروحتش من امبارح
فسح لها الطريق ، لتدخل المصعد الذي فتح أبوابه في تلك اللحظة ، وقفت هالة بجانبه ، بينما ضغط على الزر المخصص للطابق الذي كانا يقصدانه.
لحظات قصيرة مرت قبل أن يتوقف المصعد فجأة ، وأظلمت الأنوار معلنة عن انقطاع التيار الكهربائي.
_ايه اللي حصل..!!
تساءل فريد بتفاجئ متوتر ، وهو يتحسس الجدران ، فجاءه صوتها المنزعج بخفوت : تاني..؟
فريد بعدم فهم : ايه!!
شرحت هالة له بهدوء مهزوز : دي المرة التالتة للي تقف المولدات فيها .. شوية وهترجع تشتغل تاني
تغيرت ملامحه على الفور مع إجابتها ، ليضغط بسرعة على أزرار الطوارئ دون جدوى ، تذبذب صوته بين الهلع والإختناق : هالة...!!!
التفتت نحوه ، لتراه يضغط على صدره ، ونشيج أنفاسه متلاحقة بشكل مخيف ، فتسألت بفزع : دكتور فريد؟! إنت كويس؟!
اختنقت أنفاسه أكثر وسقط على ركبتيه ، ثم استلقى على الأرض ، ركعت بجواره فوراً ، ووضعت يدها على رقبته لتتحقق من النبض ، وعينها تراقب صدره الذي يرتفع بصعوبة ، لتربت على وجهه بخفة ، وقالت بإضطراب : رد عليا من فضلك
شعر بأصابعها تمسح على رأسه بلمسة حانية ، فهمس بصوت ضعيف دون أن يفتح عينيه : انا .. كويس..
_أنت عندك فوبيا الأماكن المغلقة، مش كده؟
هز رأسه ببطء رداً على سؤالها ، فتمتمت بحنان ورقة : دلوقتي الكهرباء هترجع .. ماتقلقش .. انا جنبك
بدأت أنفاسه تستقر قليلاً بفضل لمساتها ونبرتها الهادئة ، فرفع عينيه نحوها ، وتجلى فيهما لمعة جعلت قلبها ينبض بسرعة لم تعهدها من قبل ، ليهمس بصوت مبحوح : هالة...
_نعم..!!
شيء في صوتها المتلعثم ، دفعه ليتجاوز حواجز عقله في لحظة ضعف وانجذاب لا إرادي ، فاقترب منها حتى شعرت بشفتاه تلامس شفتيها برقة ، وإنصهرت المسافات فى قبلة تنبض بالعاطفة.
لكنها سرعان ما ابتعدت بصدمة ، وعينيها متسعتان بإنشداه ، وحرارة خجلها إجتاحت وجهها كما لو أن نيراناً تلتهمه ، ويدها ارتعشت قليلاً بينما ترفعها الظلام إلى شفتيها ، وكأنها تحاول استيعاب ما حدث للتو.
وفي اللحظة التالية ، عادت الكهرباء أضاء المصعد فجأة ، ليكشف عن ملامحها المتوترة بحرج ، وعن عينيه التي تراقب إحمرار وجنتيها بشغف ، وإضطراب يعكس ما يجول فى نفسه.
نهضت هالة بسرعة ، ونبضات قلبها تطرق بعنف ، ورمقته بنظرة عصبية ، بينما لامست رقبتها بارتباك ، قبل أن تخرج من المصعد بخطوات متعثرة ، تاركه إياه خلفها ، جالساً على الأرض بقلب ينبض بشدة ، وروح مشتعلة بالأسئلة التي تحتاج إلى إجابة مُلحة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى جزيرة إيبيزا
بينما البحر يزخر بأمواجه المتلألئة تحت أشعة الشمس ، وقفت إبريل علي متن اليخت ممسكة بيدها كوباً من العصير البارد ، وهي تنظر إلى البحر الممتد بلا نهاية ، تحاول الهروب من أفكارها الحائرة حول تصرفات باسم معها منذ تلك الليلة.
لا تنكر أنه كان حنونًا ومتفهّمًا معها إلى أقصى حد ، ويدثرها كل ليلة بين أحضانه الدافئة ، لكن مشاكسته وجرأته المحببة لقلبها اختفت ، ولم يحاول الاقتراب منها ولو لمرة واحدة منذ ليلتهما الأولى معًا.
بدأ القلق يتسرب إلى عقلها ، فهل لا يزال غاضباً منها؟ هي تعلم أنها جرحته بحماقتها في حين لم يصرح بشيء ، فقط تراقب بروده وتجنبه لتصرفاته الوقحة المعتادة ، ورغم عدم فهمها ، لكنها لا تملك الجرأة لمناقشته حول هذه الأمور.
استنشقت ابريل نفساً عميقاً ، وقررت أن تخوض خطوة جريئة ، وترتدي المايوه الذي أحضرته في حقيبتها الصغيرة ، ربما تنجح في إذابة جليد مشاعره ، لكن في اللحظة التي تحركت بها ، جاءها باسم بصوته الماكر : إيه رأيك تلبسي المايوه عشان ننزل نعوم شوية؟
نظرت ابريل إليه بتفاجؤ ، وتلاشت شجاعتها كما يتناثر الرماد في الرياح ، فتبسمت متصنّعةً عدم الفهم : مايوه ايه؟..
اقترب باسم منها بنظراته الواثقة ، ليقول بنبرة تحمل مزيجًا من التحدي والخبث الخفى : اللي جايباه معاكي
ارتبكت إبريل أكثر ، حينما أدركت أنه رآى ما في حقيبتها ، فلا فائدة الآن من الكذب والانكار ، لتقول ببرود وهي تستدير مبتعدة عنه ، محاولةً إخفاء خجلها : ماليش مزاج البسه .. وبعدين مش عاوزة انزل البحر دلوقتي
ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية ، ونظرة خبيثة غمرت ملامحه ، وهو يقف خلفها ، عيناه تتابعانها بشغفٍ واضح ، فجأة نزع التيشيرت عن جسده بخفة ، كاشفًا عن عضلات صدره القوية التي تألقت تحت ضوء الشمس.
_إبريل...
ناداها باسم بصوت هاديء ، لكنه حمل نبرة مشاكسة جعلتها تلتفت نحوه باندهاش : نعم!
لم يرد بل اقترب منها بغموض ، وفي لحظة خاطفة رفعها بين ذراعيه دون سابق إنذار ، فشهقت بفزع : في ايه؟!
لم يعطها فرصة للاستفهام ، إذ ركض بها نحو حافة اليخت ، وضحكته العالية تتردد في أذنيها ، ثم قفز بها مباشرة في البحر.
إبريل وهي تسأله بأنفاس متلاحقة : إيه دا يا مجنون؟ اليخت هيسيبنا ويمشي!
ضحك باسم بخبث : ما تقلقيش واقف .. والقبطان راح ياخد جولة بالجيت سكي بعيد عننا
إبريل بتذمر ، وهي تحاول السباحة بعيداً عنه : يا بني ادم تقوم تنزلنا بهدومنا كدا؟! ده انت مش طبيعي والله!!
اقترب منها ، وهو يمد يده لإبعاد خصلات شعرها المبللة عن وجهها : مش انتي مترددة تلبسي المايوه قدامي؟ أهو وفرّت عليكي و عليا المناهدة
أنهى باسم حديثه بغمزة عابثة ، بينما حاولت هي إخفاء ابتسامتها العذبة ، لكن فجأة صاح بدهشة : إيه دا؟
تساءلت إبريل بقلق ، عيونها تتنقل بين اليمين واليسار : فين دا؟
همس باسم بالقرب من شفتيها بصوت خفيض مليء بالتوق : تخبلي وانتي مبلولة كدا .. اخيرا هعرف استفرد بيكي يا بندقة
تسللت ابتسامة خجولة إلى محياها ، وبدت أكثر استرخاءً ، وكأن جرأته المحببة قد أذابت معها آخر بقايا غضبه منها ، ليعود كما كان معها بطبيعته المشاكسة.
ضحكت ابريل بنعومة ، وهى تحاول رشه بالماء بمشاغبة ، فأسرع باسم بيده ليمسك بمعصمها ، وبحركة خاطفة سحبها نحوه ، ليصبح قريبًا بما يكفي لتتلاقى أنفاسهما ، فيما أنامله ترفع ذقنها بحركة واثقة ، ليحبس نظراتها التائهة بجاذبيته المهلكة في سجن عينيه الفضيتيْن الذائبتين بشوق يعجز عن كتمانه.
سحبها في دوامة متأججة من اللهفة والوله ، حيث أطبق على شفتيها برقةٍ ساحرة ، فتراخى جسدها بين يديه كعصفورٍ في قبضة العاصفة ، سرعان ما تحولت تلك اللمسة اللطيفة إلى عاصفة ملتهبة من القبلات المشتعلة ، بينما شفتيه تطوف بين خديها ورقبتها ، تمزج بين جنون العشق وضراوة الشغف.
تسللت يديه بجرأةٍ على جسدها ، تنقش على كل شبر منه أشواقه المخبأة ، لتصهرها في لهيبٍ مثير أسر حواسها ، حتى ارتفعت موجة من البحر ، محاولًة أن تفرق بينهما ، لكنه بقي محيطاً بها بين ذراعيه بحماية.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى مساء اليوم نفسه
جلست هالة على حافة السرير في غرفتها الهادئة ، كأنها تبحث عن مرفأ في بحر من الأمواج العاتية ، بينما أصابعها ارتجفت بخفة ، وهى ترفعها ببطء إلى شفتيها ،
وذاكرتها عاجزة عن محو ذلك التلامس الذي أشعل زوبعة في روحها ، فأول قبلة تختبرها في حياتها دفعتها إلى عالم آخر ، تتشابك فيه مشاعرها الحائرة كلوحة غامضة تنصهر ألوانها بين الضياع والانبهار.
دفنت رأسها في وسادتها محاولة كتم أفكارها المشوشة ، لكن صوت طرق خفيف على الباب قطع شرودها ، قبل أن ترد انفتح الباب ودخلت لميس بحماس : هالة!
إقتربت لميس منها بابتسامة عريضة ، وجلست بجانبها على السرير ، لتردف بحرج طفيف : انا عارفة انك راجعة تعبانة وانا دوشتك جامد معايا الايام اللي فاتت في الجهاز واللبس الجديد .. بس خلاص كل الحاجات الاون لاين اللي طلبناها وصلوا وتممت عليهم .. مافاضلش غير فستان الفرح اللي محتارة جدا فيه .. فعاوزاكي تساعديني اختار ده ولا ده؟
أنهت لميس جملتها بأنفاس متلاحقة ، وهي تمد الهاتف لها ، بينما الأخرى عيناها مثبتتين في الفراغ.
رفعت لميس حاجبيها بإستغراب ، ملوحة بيدها أمام وجهها : هالة! أنا بكلمك وانتي مش معايا خالص!
صفت لميس جانباً انشغالها بتحضيرات زفافها الوشيك من خالد ، الذي لم يتبقَ على موعده سوى أسابيع معدودة ، لتنتبه إلى إرتباك هالة الذى أقلقها ، فألحّت عليها بإصرار متوجس : في ايه؟ مخليكي مسهمة اوي كده ومش علي بعضك؟
مررت هالة بكفها المرتعش على نسيج ترنجها القطيفة ، وبدأت تروي لها ما حدث في المصعد بتوتر.
تسمّرت لميس في مكانها ، تنصت بصمت وملامحها مزيج من الذهول والتساؤل ، وعيناها تتبعان خطوات هالة المتوترة يميناً ويساراً دون مقاطعة.
تلونت معالم هالة بين العصبية والارتباك ، بينما تابعت حديثها بنبرة حائرة يشوبها الانفعال : يمكن مكنش واعي للي بيعمله؟ بس أنا كان لازم اديلو بالقلم عشان أفوقه لنفسه صح!! معرفش ازاي عقلي وقف وسمحتله يعمل كدا؟ اكيد شكلي دلوقتي بقي زي الزفت قدامه!
رفعت لميس حاجبيها بإستغراب تجلى في نبرتها الناعمة : انتي بتبرريله ومتعصبة عليه في نفس الوقت..!!
مدت لميس لها كوب الماء من فوق المنضدة بهدوء : خدي اشربي عشان تهدي شوية
تجرعت هالة الماء دفعة واحدة ، لتسكن التوتر الذي يعتصر قلبها ، ثم جلست بجوارها ، والدموع تتألق في عينيها الزرقاوتين كبحيرة هادئة تعكس ضباب أفكارها ، وقالت بصوت مخنوق مليء بتأنيب الضمير : أنا متلخبطة .. بجد متلخبطة! ده خاطب .. وخطيبته صحبتي .. إزاي حصل كده؟ إزاي يسمح لنفسه يعمل كده؟
تنهدت لميس ومالت برأسها للأمام ، ثم سألت بتأنٍ ، وكأنها تقيس رد فعلها : هو انتي متأكدة إنه مصدق حكاية إنك لسه مخطوبة دي؟
تجمدت هالة للحظة ، وكأن سؤال لميس أشعل شيئًا في ذهنها ، ضيّقت عينيها بشك ، وهي تسترجع بسرعة كل التفاصيل الماضية ، نظراته التي كانت دومًا تنصب على دبلة خطوبتها ، أسئلته الغامضة حول هذا الأمر.
ردت هالة بهمس ، وكأنها تتحدث إلى نفسها أكثر مما تخاطب لميس : أكيد عارف إني بكذب .. هو مش من النوع اللي بيتصرف تصرفات طايشة أو مش محسوبة .. ماظنش شخصيته كدا خالص...
وضعت هالة قبضتها أمام فمها ، والشك الذى بدأ ينمو فى قلبها تحول إلى يقين مفزع ، فنظرت إلى لميس بعينين مذعورتين ، كأنها تطلب تفسيرًا لما لا تستطيع فهمه : بس لو عارف .. ليه ساكت؟ وليه عمل اللي عمله؟
رفعت لميس كتفيها بعجز ، ولم تجد ما تقوله فى تلك اللحظة ، سوى أن تربت على ظهرها بحركة هادئة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت
أوقف سيارته أمام فيلا فاخرة ، وسرعان ما فتح الباب ببطء ليظهر صلاح ، وصعد درجات السلم بخطوات واثقة.
دخل إلى البهو الفسيح ، وعينيه تجولان في الأرجاء ، حتى وقعت عيناه علي دعاء ، جالسة على الأريكة بهدوء ، مرتدية فستان أسود انيق يعانق تفاصيل جسدها برقة وأنوثة ، ويكشف عن أكتافها الناعمة ، وشعرها البني الداكن ينساب حول وجهها الشاحب كغيمة حزينة ، وعيناها تحملان نظرة مجهولة مزيج من الثبات والقلق.
لم يستطع منع عيناه التى ومضتا بانجذاب معتاد كلما رآها ، وقفت فور اقترابه منها بخطوات ثابتة ، لكنه لم يمهلها الوقت لأي رد فعل ، حيث مد يديه ، وضمها بين حنايا صدره بقوة ، وهو يقول بصوت خافت لكنه مفعم بالحنين : رغم اني كنت زعلان من صدك وبعدك عني الفترة اللي فاتت .. بس مكالمتك ليا نسيتني كل حاجة وجيتلك بأقصي سرعة
بدلاً من أن تلتف ذراعيها حوله كما كان يتوقع ، دفعت صدره برفق ، وخطوتها للخلف كانت حاسمة ، وعيناها تملؤهما نظرة صلبة تحمل في طياتها قرارًا لا رجعة فيه ، لكن شفتاها ارتعشتا للحظة قبل أن تقول بهدوء قاتل : صلاح .. أنا طلبت أشوفك عشان أقولك حاجة مهمة
ابتسم لها بتوتر ، يحاول تخفيف الأجواء الثقيلة التي شعر بها : قولي اللي نفسك فيه يا قلبي
أخذت نفسًا عميقًا ، وأشاحت بوجهها للحظة، ثم قالت بصوت ثابت : عاوزة أطلق يا صلاح
حدق بها بذهول غير مستوعباً للحظة ما نطقت به ، قبل أن يهتف بلهجة مستنكرة : يعني إيه اللي إنتي بتقوليه ده؟!
واجهته بنظرة حادة غير مألوفة لديه ، وكأنها تخلت عن ضعفها القديم : الطلاق مالوش غير معني واحد .. ترمي عليا يمين الطلاق .. ونروح للمحامي للي جوزنا عشان تطلقني عنده دا لو لسه عايش!!
أنهت جملتها بسخرية ، فأطلق نظرة نارية صوبها ، وهو يقترب منها بخطوات بطيئة ، ثم خرج صوته كهدير غاضب : إنتي اتجننتي؟ تطلقي؟ من إمتى بقى عندك الجرأة دي؟ من إمتى بتتكلمي معايا بالشكل ده؟
أشاحت بوجهها عنه ، وعيناها تتجولان في المكان كأنها تبحث عن اجابة ، لكنه لم يمنحها فرصة للهروب ، قبض على ذراعها بشدة ، وبنبرة حادة أردف :
مش كنتي ماتقدريش تعيشي من غيري!! مش دا كان كلامك طول عمرك! فجأة كدا عايزة تطلقي؟ ليه؟
تلاقت نظراتها المرتبكة بعينيه اللتين اشتعلتا بالغضب والشكوك للحظات مثقلة بالصمت ، قبل أن يهدر بغضب جنونى : ولا في سر ورا الطلب ده؟ يمكن ... فيه راجل تاني؟
اتسعت عيناها بذُهول ، كأن كلماته صفعة أخرستها للحظات ، قبل أن يخرج صوتها المستنكر مختنقًا بالصدمة : انت بتقول إيه؟! إنت بتتهمني إني...؟
قطع صلاح جملتها بسخرية لاذعة ، شقت أذنيها كحد السيف المسنون : وإيه الغريب في كده؟ ودي أول مرة؟ انتي ماكنتيش بتحبيني وانتي على ذمة أخويا!!
طوّقتها كلماته بحبلٍ خانق ، ليخفي ارتجاف يديه في جيوبه ، ورغم نار الإهانة في صدرها ، ردت بسخرية مشبعة بالغضب والمرارة : اخوك!! دلوقتي افتكرت اخوك ونسيت اللي خليتنا نعمله؟
لم تترك دعاء له مجالًا للرد ، إذ تقدمت خطوة مترددة نحوّه ، لتتابع بحدة بالغة : مافتكرتوش ليه لما جيت معاه زمان عشان يتقدملي؟! ماقالتلوش ليه انك انت بتحبني قبل منه؟ ايه؟!! جريت السنين بينا لدرجة خلتك تنسي اننا حبينا بعض قبل مايشوفني اخوك..!!
ارتعشت أنفاسها ، وهي تتابع بسخرية مريرة مزجت الحزن بالقهر : لا تكون نسيت كمان ان اللحظة اللي استنيتك تدخل فيها بيتنا عشان تطلبني من اهلي .. لاقيتك جاي مع اخوك وهو اللي بيتقدملي؟!
لوى صلاح فمه بإنزعاج شديد ، ثم هتف بخشونة بها ارتجافة توتر واضحة : خلاص يا دعاء .. ماكنتش جملة قولتها من غيرتي عليكي وصدمتي من طلبك البايخ .. ولا انتي بتكبري الموضوع وعايزة تفتحي كل الجروح القديمة في ليلة واحدة وخلاص؟
كلماته لم تهدئ نيرانها الحانقة ، بل اشتعلت في صدرها غضب مكبوت ، تراقص على حافة الانفجار ، قبل أن تجد كلماتها طريقها إلى الرد : مافيش جروح اتقفلت من الاساس يا صلاح .. كل اللي وصلنالو دا عشان مقدرتش تقول زمان انك بتحبني .. فضلت عليا وسام لانها بنت عمك وورثها كله هيبقي تحت ايدك لما تتجوزها
ابتلعت غصة خانقة ، وأضافت ، والدموع متجمعة في عينيها ، تأبى الانهمار : عشان الفلوس سيبتني اتجوزه .. لا انت رحمتني ولا اهلي اللي ماصدقوا لاقو عريس مفهوش غلطة جاي لبنتهم وماتقدرتش ترفضه..
توقفت لثوانٍ لتلتقط أنفاسها ، وتوهجت عيناها بحدة كسكينين يخترقان أعماقه ، ثم استأنفت بصوت منخفض يحمل قهرًا تراكم في قلبها سنوات : ماصعبتش عليك وانا عايشة معاه بجسمي وعقلي وقلبي مافيهمش حد غيرك؟
انسابت دموعها ببطء مع إستكمالها الحديث بألم يلتهم روحها : ولا حتي لما سافر مأمورية في الجيش واستشهد .. وانا عشت ذنبه طول عمري عشان مات وهو مقهور لما عارف ان قلب مراته ملك لأخوه .. وبرده عشان الفلوس انت أجلت ان الكل يعرفوا اننا هنتجوز .. وبعديها بأسبوعين كنت واخدني عند المحامي واتجوزنا عرفي
صرخت فجأة بجنون ، فاندلع توتره حتى وصل إلى قمته المشتعلة كبركان : ازاي بعد دا كله طايق تعيش؟ مابتحسش بخنقة من كتر القرف اللي عملنا!! دوسنا علي كل حاجة شرع ودين وقانون عشان ايه في الاخر؟ عشان ايه؟ عشت معاك عمري كله في الضلمة بتيجي تشوفني وانت متكهرب زي الحرامية؟!! عمرك ماحسيت بإبنك اللي اتربي يتيم في حضنك .. والاخر مطلع نفسك الضحية وانا الخاينة
لم يتحمل صلاح أكثر ، فانهار صبره ورفع كفه ليهوي بصفعة قاسية على وجهها ، جعلتها ترتد إلى الخلف وتسقط على الأريكة ، بينما اشتعلت عيناه بنيران الغضب ، وخرج صوته كنصل قاطع بصرامة : اخرسي!! سيبتك تخرفي علي مزاجك عشان تستريحي .. بس احنا مش صغيرين علي الجنان دا .. اهدي وفوقي لنفسك
وضعت يدها المرتجفة على خدها المحترق بالألم ، ورفعت عينيها المثقلتين بالدموع نحوه بإصرار خنقه العبرات : مفيش وقت كنت فايقة فيه قد اللحظة دي .. استكفيت من حبك الملعون وانا راضية بكل حاجة معاك .. كفاية مابقاش عندي طاقة اتحمل بيها تاني .. طلقني .. طلقني يا صلاح...
رددت كلماتها بتصميم حاسم جعل أعصابه تهتز ، فحاول أن يخفي اضطرابه خلف نبرته الباردة ، قبل أن يتركها ويرحل : انتي باين عليكي أعصابك فلتت منك علي الاخر .. هسيبك تراجعي نفسك وماشي قبل ما أفقد أعصابي معاكي أكتر من كده
انهارت تمامًا بعد خروجه ، وتساقطت دموعها بغزارة ، وعادت أفكارها لتغزو عقلها بشراسة وإندفاع ، كعاصفة ملتهبة بالحقد والإختناق ، فإذا لم يحررها من هذا السجن الملعون، ستكشف السر ولن يهمها حينها أن تهدم القلاع التي بناها من حوله ، ولن تبالي بالخراب الذي سيلتهمهم جميعًا ستدمر كل شيء فوق رأسه ، لأن ما عاشته كان أفظع من أي عقاب قد يعقب ذلك ، يكفي أنها ملعونة للأبد في نيران الآخرة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى جزيرة إيبيزا
عادا إلى غرفتهما في المنتجع ، وهو يحملها بين ذراعيه كأميرةٍ مدللة ، ليطبع قبلةٍ على جبهتها ، ثم على خدها ، قبل أن يصل فمه إلى فمها ، ليذوب في شفتيها وكأنها الأكسجين الذي يحتاجه للبقاء.
بحركة رقيقة وضعها علي السرير قبل أن يعتليها فإختلطت أنفاسهما وشفاهه التقت بشفتيها في شوق غامر بالعشق والجنون بينما هي تذوب بين ذراعيه ، وتردّ كل قبلة بشغفٍ يوازيه وأخذت يديه تتحسس بشغف تفاصيلها الفاتنة وحرارة جارفة تصهر جسدها في احتراق مثير ليذوبان معًا في معركةٍ من الشوق ، تنبض بقلوبٍ متسارعة.
لكن فجأة وبلا مقدمات ، وجدها تدفعه عنها بخفة ، لتستعيد أنفاسها بنشيج طفيف ، فابتسم بحنان ، وأبعد خصلات شعرها عن وجهها ، ثم قبّل جبهتها بلطف وحرارة ، ليقول بأنفاس لاهثة : اسف .. مش عارف احوش نفسي ازاي!! وانتي في حضني؟
همست ابريل من بين أنفاسها بعتاب رقيق : زي ما كنت قادر تحوش نفسك الايام اللي فات .. عشان كنت لسه واخد علي خاطرك مني؟!!
أغمض عينيه لحظة ، قبل أن يهمس بصوت أجش لامست شغاف قلبها : كنت عاوز اديكي وقتك .. كل حاجة مريتي بيها انا فاهمها وحاسسها .. عشان كدا حاولت ابعد شوية واسيطر علي شوقي ليكي .. بس قلبي مابيعرفش يعمل كدا يا ابريل .. انا بتعذب من قوة شوقي وجنوني لقربك اكتر ما عقلك الناشف دا ممكن يتخيل
دفعته نحوها بجنون ، وهي تُطوّق عنقه بين يديها ، لتقبّله برقة قاتلة كانت كفيلة بتحطيم صموده المتأجج شوقًا لها ، فى لحظة مشبعة بالهيام ، ذابت فيها الكلمات بين أنفاسهما المتلاحقة ، حتى كسر صوت هاتف إبريل الصفاء الذي غلّف لحظاتهما الحميمية ، تجاهلا الرنين في البداية ، لكن إلحاح المتصل دفع إبريل بتوجس لمحاولة إبعاد هذا العاشق الملتصق بها.
نهضت بصعوبة من حضنه ، وأنفاسها ما زالت مضطربة ، لتتفاجأ حين نظرت إلى الشاشة أن المتصل هو يوسف شقيقها.
ردت بصوت مبحوح، لكنها سرعان ما شعرت ببرودة قاسية تجتاح أطرافها حين أخبرها يوسف بصوت مليء بالقلق والتوتر أن ريهام حاولت الانتحار وأصيبت بصدمة عصبية حادة.