رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثانى عشر
بريق شاماتها مقتبسٌ نورًا من حواف النجوم ، يتموضع في قلبي العاشق كقطعةٍ من وميضٍ مشتعل ، واستقرت شرارة حبٍّ صغيرة من عينيها البنيتين في القلب ، فوقعت صريع الهوى على صفحات جسدها المرمرية ، مغمورًا في أغوارها المجنونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عصراً
_الست مني لسه طالعة علي الشقة يا باشمهندس
_تمام متشكر يا عم حسن
أغلق عز الهاتف مع حارس المبنى السكني الذي يقيم فيه بهدوء ، بينما قلبه يكاد ينفجر من شدة اللهفة
وصل إلى هناك فى دقائق معدودة ، وحين دخل الشقة تسللت إلى حواسه رائحة عطرها المميزة ، فاشتعل قلبه بجمرات شوق ملتهبة ، تغلغلت في أعماقه كالنار في الهشيم ، وقف لحظة ليتمالك نفسه ، ثم استجمع قواه ، وواصل خطواته نحو غرفة النوم ، بعدما رأى الضوء ينبعث منها ، وقلبه يسبق جسده في التوق إليها.
_قوليلي بتدوري علي ايه عشان ادور معاكي؟
ألقى سؤاله بهدوء قسري ، يتناقض تمامًا مع نار الوله المشتعلة في أعماقه ، وهو يقف عند عتبة الباب ، أما مني فقد نظرت له بإرتباك ، رغم علمها أن لحظة اكتشافه لحضورها آتية لا محالة ، لكنها لم تكن تتوقع وصوله بهذه السرعة ، فابتلعت ريقها ، وقالت بصوت مشحون بالاضطراب : اسفة لو جيت من غير ما اقولك .. بس كنت محتاجة ورق ليا مهم وكنت ناسياه هنا..
راقبها بنظرة حادة ، ثم سألها بصوت شبه جاف : في واحدة تعتذر انها جاية شقتها؟
صمتت عن الرد ، فشعر بالتوتر يملأ الأجواء بينهما ، تنفس بعمق ثم غيّر مجرى الحديث : وايه هي الاوراق دي؟
مني بإختصار : اوراقي الشخصية
_ماشي
تمتم ببرود ، وظل واقفًا يتأملها بنظراتٍ أججت ارتباكها ، فتساءلت بصوتٍ غير راضٍ يفضح توترها : انت هتقف واقف كدا؟
لمعت عيناه بخبث ، واستفسر بتلاعب : ايه انا موترك ولا حاجة!؟
تجاهلت الرد عليه بغضب ، واستمرت في البحث داخل الخزانة حتى أخرجت بعض الأوراق وجواز سفرها ، وعندما وضعتهما في حقيبتها ، فسألها بنبرة مليئة بالريبة : انتي محتاجة الباسبور في ايه؟
_هسافر
قالتها بلا مبالاة ، جمدت الدماء في عروقه ، كأنها ألقت قنبلة في قلبه أحدثت انفجارًا داخليًا في أعماقه.
خطا خطوة حذرة نحوها ، ثم تحدث بنبرة حاسمة تعكس عزمه : ماتقدريش تسافري بدون موافقتي يا مدام..
_طليقتك يا عز
نطقتها برقة مخلوطة بصرامة ، تحاول من خلالها إخفاء مرارة الكلمة على لسانها ، جاء دور عز ليلقي كلماته الواثقة ، فكانت كقنبلة مدوية وقع صداها في قلبها : وانا رديتك لعصمتي يا مني من تاني يوم دخلتي فيه المستشفي
تجمدت مني للحظات ، ثم انفجرت ضحكتها الساخرة المختلطة بالغضب ، وهي تلوح بيدها في الهواء : حلو اوي!! تطلقني بكيفك وتردني بكيفك .. وانا بقي زي اللعبة في ايدك مطرح ماتحطني اتحط وانا خارسة
اتسعت مقلتاها بدهشة حين رآته يتقدم نحوها ، فابتعدت إلى الوراء بتوتر ، ليقترب منها أكثر في كل خطوة تتراجعها ، حتى اصطدم ظهرها بالخزانة ، فاستنكرت بتساؤل : ابعد .. انت بتقرب كدا ليه؟!!
استقرت يده الكبيرة على الخزانة بجوار وجهها ، يحاصرها دون لمس ، لكن قربه أرهق أعصابها المرتجفة ، بينما عيناه الداكنتان توغّلتا في عينيها بعمق حنون ، وصوته خرج خفيضًا بخشونة آسرة : اعتبريني مارديتكيش .. كأننا بنتعرف علي بعض من جديد .. اديني فرصة جديدة اخيرة وحيدة زي ما تسميها
طرق حديثه قلبها كأنه نداء لا يمكن تجاهله ، فأشاحت بوجهها سريعًا محاولة الحفاظ على تماسكها ، وردت بصوت رقيق مشحون بالتردد : كل مرة بتقول نفس الكلام
لم يمهلها مجالًا للهروب ، التقط وجهها بأصابعه الدافئة وأجبرها على النظر إليه ، فتلاقت أنفاسهما في مساحة ضيقة تخلو من أي مفر ، وانحدرت عيناه نحو شفتيها المرتجفتين ، وصوته العميق خرج أكثر إصرارًا ، يغلفه جرأة مغوية : لو مالقتيش تغيير مني معاكي المرة دي .. صممي علي الطلاق .. بس وانتي بتصممي .. بلاش شفايفك ترتعش كدا .. عشان ساعتها مش هرحمهم
كلماته أضرمَت النيران في أنوثتها ، لكن كبرياؤها دفعها لاستجماع شتات قلبها ، وردت ببرود مصطنع يخفي اضطرابها : هنشوف الحكاية دي بعد ما أرجع من السفر
اقترب منها أكثر ، وعيناه لا تفارقان ملامح وجهها الذي اكتسى بالاحمرار الخفيف ، وصوته صار قاطعًا بتحدى ، يزلزل كل محاولات الرفض التي تتمسك بها : مفيش سفر طول ما انتي مش معاكي ورقة الطلاق اللي نفسك تمسكيها
حدجته بنظرة مشوبة بالقلق والإمتعاض ، لترد بإحباط : بس الحفلة اللي هسافر عشانها دي خطوة مهمة لمستقبلي يا عز .. ولو فوتها هتضيع عليا فرصة ممكن ماتتكررش بسهولة
مال برأسه قليلًا ، فشعرت بدفء أنفاسه على وجنتها ، وأصابعه انزلقت ببطء مثير على عنقها ، وهو يهمس قرب أذنها بنبرة قطعت كل مقاومة لديها : طالما مهمة أوي كده .. يبقى أنا هسافر معاكي .. وده آخر كلام عندي
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
بعد مرور أسبوع
فى منزل باسم الشندويلى
داخل غرفة النوم
وقفت إبريل أمام المرآة ، تمسك بقلم الكحل لتضع خطًا دقيقًا على جفنيها ، ليُبرز جمال عينيها الفيروزيتين ويُضفي عليهما بريقًا خاصًا.
ابتسمت بخفوت لنفسها ، بينما تضع لمسات مكياجها النهائية ، محاولة تجاهل أفكارها المتشابكة ، لكن عقلها ظل يعيد التفكير في كل ما مر بها في الأيام الأخيرة.
استرجعت حديث باسم معها بعد مكالمة يوسف ، حينما أخبرها بكل شيء بدايةً من زيارة داغر ودياب لمنزله ، وما كشفه داغر عن علاقته بريهام ، وأنه الوالد الحقيقي لعمر ، وصولًا إلى يوم زفافهما وأخذ داغر لعمر من ريهام.
تأرجحت مشاعرها بين الاشمئزاز من ريهام بسبب ما فعلته ، وبين الشفقة عليها لما وصل إليه حالها ، مدركة أن لا أحد معصوم من الخطأ.
ابتسمت لا إراديًا ، متذكّرة الضيق الواضح الذي ارتسم على ملامح باسم حينما انقطعت تلك اللحظات فجأة ، لكنه أجاب على سؤالها بهدوء نسبي ، حين سألته بخجل عن موعد عودتهم إلى مصر ، ليخبرها أن إجازتهم ستنتهي بعد ثلاثة أيام.
وبالفعل ، عادوا إلى القاهرة ، وذهبت إبريل لزيارة ريهام.
نظرت لها الأخيرة بغرابة وانشداه ، حين أخبرتها إبريل بأنها ستتواصل مع دياب شقيق داغر ، الذي علمت من حديث باسم عنهم ، أنه الوحيد القادر على تليين رأس أخيه العنيد ، وما لبثت ريهام أن فاجأت إبريل باحتضانها القوي ، وهي تبكي بقهر وضعف ، غير قادرة على تصديق أن إبريل قد تمد يد المساعدة لها ، بالرغم من كل مكائدها السابقة ضدها.
في هذا الصباح ، تلقت إبريل اتصالًا من ريهام ، التي أخبرتها بحماسٍ غامر أن عمر قد وصل في سيارة خاصة بوالده ، وأنه سيمضي معها عدة أيام.
لا تستطيع إبريل إنكار الدهشة التي اجتاحت قلبها من التغير الملحوظ في معاملة ريهام لها ، والتي باتت أكثر لطفًا ، وعندما ناقشت الأمر مع ريم ، أوضحت لها أنها كانت تحمل في أعماقها أوجاعًا وتراكماتٍ أثرت على علاقتها بابنها ، تمامًا كما عانت هي من معاملة داغر معها ، لكن في لحظة اختبار حقيقي ، كان تعلقها بعمر واضحًا ، مما جعل إبريل تشعر بأن هناك أملًا في أن تكون ريهام على أعتاب مرحلة جديدة ، وبداية تصالح مع نفسها من أجل طفلها.
فى تلك الأثناء
دخل باسم الغرفة بخطوات واثقة ، لتتسارع نبضاته عند رؤيتها ، وهي ترتدي فستانًا أزرق ملكيًا يعانق جسدها القصير برقة وأنوثة ، بينما انسدلت خصلات شعرها بانسيابية على كتفيها ، وزينت شفتيها لمسة وردية ناعمة سلبت عقله.
لاحظت وجوده بخجل حينما اخترق صفير إعجابه أجواء الغرفة ، فتقدّم نحوها بنظرة مليئة بالشغف ، وقال بصوته الأجش الممزوج بالمرح : شايف تطورات هايلة في الالوان
كادت أن تلتفت نحوه ، لكنه أحاطها بذراعيه برقة ، معانقًا إياها من الخلف ، فشعرت بدفء أنفاسه على رقبتها ، قبل ان يهمس في أذنها بغرور مثير : اكيد فنان وعنده ذوق اللي اختارلك الفستان
تاهت في حنان حضنه ، بينما ابتسمت عيناها بحبٍ متأجج، وهي تتأمل انعكاسهما في المرآة ، ثم همست برقةٍ تحمل مكرًا أنثويًا : خليني اصلحلك جملتك انت ماخترتوش انت ساعدتني اختاره
ضحك باسم بخفة ، وامتدت يده برقة ليلامس خصلات شعرها ، ثم قال مبتسمًا بهيام : مش هحاسبك علي انكارك لمجهودي .. عشان مش مركز في حاجة غير في جمالك وحلاوتك نسوني نفسي
أدارت رأسها نحو وجهه ، فشعرت بأنفاسه تداعب بشرتها ، وهمست له بمشاكسة ناعمة : يا سلام!! لا حاسبني انا شاطرة اوي في الحساب
مال برأسه قليلاً نحوها ، وهمس في أذنها بنبرة مشحونة بمعانٍ يفهمها كلاهما : بمناسبة الحساب .. هي الظروف القهرية هنودعها امتي؟
توقفت يداها التي كانت تعبث بأكمام سترته ، ووجهها تلون بحمرة خجلٍ فاتنة ، أشعلت في عينيه شرارةٍ من اللهفة ، تراجع خطوة إلى الوراء ، ويداه بدأتا تفكّان أزرار سترة بدلته السوداء بحركة سريعة مفعمة بالحماس ، ليهمهم علي الفور ، وهو يخلعها دون تردد : اخيرا .. انا جاهز .. يلا نتحاسب
لكن إبريل أسرعت بمنعه ، ممسكةً بأطراف السترة ، وهي تضحك بدهشة : يا مجنون بتعمل ايه؟ مفيش وقت احنا متأخرين!!
أدار باسم عينيه بتفكير قبل أن يتمتم على مضض : ماشي .. بس خلي في بالك هحاسبك للصبح لما نرجع
لم يمنحها فرصة للرد ، إذ جذبها من وجهها بعنف عذب ، وهو يشعر بالنار تلتهم صبره ، وتشتعل في عروقه ، وانقض على شفتيها بقبلة عميقة عبّرت عن شوقه المكبوت.
انزلقت يده إلى أسفل ظهرها ، تشدها إليه أكثر ، فضاعت تمامًا في متاهة جنونه العاطفى ، بينما جسدها يستجيب لنبضاته المتسارعة بين ذراعيه.
أخيرًا تراجع بصعوبة ، أنفاسه لاهثة ، وابتسامة متسلطة ترتسم على شفتيه وهو يراقبها تحاول التقاط أنفاسها ، قبل أن تستدير نحو المرآة بغضب ، تتحسس شفتيها المتورمتين ، لتتذمر بضيق : باسم! حرام عليك بوظت الروج اللي بقالي ساعة بظبط فيه!
ضحك باسم بصخب ، رافعًا حاجبيه بتسلية ، ثم مال نحوها برغبة لا تخلو من العبث ، قبل أن يهمس في أذنها كلمات أشعلت وجنتيها بحمرة الخجل من جراءته اللامحدودة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
بعد عدة ساعات
داخل منزل خالد
كان الهدوء يلف الغرفة كوشاح حريري ، جلست لميس على الكرسي أمام المرآة ، ظهرها مستقيم قليلاً ، ويديها تمسك بطرف فستانها الأبيض الطويل بحركة لا إرادية ، وعيناها البنيتان تحدقان فى انعكاسها بشرود ، تتأمل ملامحها الناعمة التي ازدادت وهجًا تحت أضواء الغرفة الدافئة ، وشفتيها ممتلئتان بارتعاشة خفيفة ، وكأنها لا تصدق أنها أصبحت الآن زوجة خالد.
أناملها تحركت بتردد على طرف الطرحة تزيلها ببطء ، لينساب شعرها البني الناعم فوق كتفيها ، وصدرها يعلو ويهبط بنمط غير منتظم ، انعكاسًا لذلك المزيج بين الترقب والخجل.
شعرت لميس بالبرودة تلمس كتفيها المكشوفين ، وهى تحاول أن تستجمع شتات أفكارها ، لم يكن التوتر خوفًا ، بل شيئًا أقرب إلى الحياء الطبيعي الذي يغمر كل عروس في تلك اللحظة المهيبة ، وأنها على وشك بدء حياة جديدة.
فُتح الباب ببطء ، ودخل خالد ملامحه القوية بدت أكثر صرامة تحت الإضاءة ، لكن دفئًا شغوفًا تسلل فى نظراته إليها ، وهو يستشعر توترها من تلك الحركة الخفيفة لأصابعها ، وهي تعبث بأطراف الطرحة.
اقترب خالد بخطوات ثابتة حتى وقف خلفها ، تلاقت أعينهما في المرآة ، فابتسمت لميس بخجل ، وأسرعت بخفض نظرها إلى الأسفل.
تأمل خالد انعكاسها جميلة إلى حد أربكه ، فوضع يديه على اعلى كتفيها ، وقال بصوته العميق الممزوج بحنان : تحبي أساعدك في حاجة؟
رفعت لميس عينيها له بحرج ، وتحدثت بتردد ، وهي تشير إلى الفستان : شكرا .. كنت هقوم أغيره في الحمام
نهضت لميس من مكانها بِارتباك فور أن أنهت جملتها.
_لميس
جاء صوته منخفضًا بينما كفه يحيط بمعصمها بنعومة ، لكنه بحزم في الوقت ذاته ، ليوقفها قبل أن تخطو نحو الباب.
خفقت نبضات قلبها ، وهي تلتفت إليه ، وعيناها تحملان خليطًا من الخجل والاضطراب : نعم
خالد بابتسامة صغيرة يشوبها القليل من التردد : كنت بفكر .. ينفع أطلب منك حاجة؟
حملقت لميس به بحذر ممزوج باستفهام : إيه هي؟
مدَّ خالد يده برقة ، لتمرَّ على خصلة من شعرها ، ثم تحدث بهدوء : ما تغيريش الفستان دلوقتي .. لو مش مضايقك!!
تعجبت لميس من طلبه ، وبابتسامة رقيقة ارتسمت على شفتيها استفسرت :
مش أوي .. بس ليه؟
مال خالد برأسه قليلاً ، وعيناه تغرقان في تأملها بعشق خالص تجلى في نبرات حديثه : مالحقتش أشوف تفاصيل الفستان عليكي بصراحة .. الليلة ضاعت وأنا ملخوم ومتوتر في مية حوار .. اللي يسلم واللي يبارك .. كل ده منعني إني أركز في أهم حاجة في الليلة دي ... جمالك!!!
كلمته الأخيرة المفعمة بإعجاب صادق ، كانت كفيلة بأن تجعل قلبها يخفق بعنف ، بينما شعرت بحرارة وجهها تزداد ، وكأن لهباً دافئاً قد اشتعل فيه.
حرك خالد إبهامه برقة على ظهر كفها المخملي ، ثم أكمل بمرح : بس ممكن نلحق باقي الليلة .. ونعوض اللي فاتنا .. مفيش داعي نستعجل .. ولا احنا لازم نحرق كل حاجة بسرعة؟
غمز خالد لها بنظرة مشاكسة في نهاية عبارته ، فأجابته ضاحكة بصوت ناعم ، بينما شعرت براحة غامرة لقدراته على كسر التوتر بينهما : طيب .. هفضل بيه
ظل خالد ماسكًا يدها برفق داخل كفه ، بينما استخدم يده الأخرى ليخرج الهاتف من جيب بنطاله ، وعبث به قليلًا قبل أن تملأ الغرفة نغمات موسيقية هادئة بألحان رومانسية ساحرة ، ثم قال بابتسامة جذابة : تسمحيلي بالرقصة دي؟
نظرت لميس إليه بعينين يلمع فيهما مزيج من الدهشة والسعادة ، وهزت رأسها موافقة.
جذبها خالد برفق نحو صدره ، فوضعَت يدها على كتفه ، بينما أحاطت يده الأخرى بخصرها ، ويداهما تشابكتا معًا ، وبدأت تتحرك معه بخطوات بطيئة ، لم تكن الرقصة مُتقنة ، بل كانت تنساب على إيقاع مشاعرهما المتناغمة.
همس خالد بصوت منخفض بالقرب من أذنها : اقولك علي حاجة .. بس متضحكيش عليا ولا تفكريني ببالغ
نظرت لميس إليه بابتسامة هادئة ، وتمتمت بفضول : قول
_بتمنى تلبسيلي كل يوم الفستان الأبيض .. نفسي كل يوم نعيشه كأنه بداية جديدة لينا مع بعض..
شعرت لميس بلهيب مشاعره يخترق خجلها ، لكنها لم تستطع الرد ، فصمتت وهي تخفض عينيها.
_ساكتة ليه؟
سألها خالد بابتسامة ، فقضمت شفتيها بحركة عفوية أثارته ، ثم همست ردًا بصوتٍ بالكاد يُسمع : محروجة شوية
رفع خالد ذقنها بتأنٍ ، متأملاً عينيها البنيتين بكل عاطفة، قبل أن يضيف بصوتٍ أعمق : من الليلة بقينا روح واحدة يا لميس .. مفيش بينا مسافات ولا إحراج ولا كسوف
مازحها خالد ، وهو يضحك بمرح : طب سمعيني صوتك عشان اطمن
نظرت لميس إليه بتحدٍ خفيف ، وهمست بصدق : بحب اسمعك يا خالد .. كلامك بيطمني ومشاعرك الحلوة دي بتخطف قلبي
شدها خالد إليه أكثر ، حتى تلاحمت أنفاسهما ، وهمس بصوتٍ أجش يعكس شوقه العميق : كلي ليكي يا روح وعيون خالد
همساته أشعلت كل خلاياها بنيران شغفٍ لا يُقاوم ، ولم تشعر إلا بذراعيه تحيطان بها بحنانٍ قوي ، بينما أصبحت الموسيقى خلفية خافتة لمشاعر جارفه انفجرت بينهما.
تسللت يده بهدوء ليفك قيود فستانها من الخلف بتأنِ ، بينما أنفاسه الحارة تداعب رقبتها بنعومة لا يمكن مقاومتها ، وكل لمسة تُثير في قلبها تفاعلًا لا يمكنها كبحه.
بدأ خالد بإزاحة الفستان عن كتفها ، فتلاحقت أنفاسه بنارٍ من الرغبة المشتعلة ، حينما لمحت عيناه بريق شاماتها التي تزين كتفيها وبداية صدرها ، وكأنها نجوم تسطع على جسدها ، ليتنقل بين رقبتها ونحرها وكتفيها بقبلات ألهبت مشاعرها برقة مهلكة ، لتغرق في بحر من الشوق والشغف ، فلا تملك أمامه سوى الاستسلام.
رفع خالد رأسه بحذر ليطبع قبلة على جبينها ، ثم بدأ ينزل بشفتيه ليلامس وجهها بحرارة تُثير كل حواسها ، حتى التقت شفاهما ، فارتشف من رحيقها العسل الصافي بنهم ووله ، قبل أن يحملها بين ذراعيه إلى السرير ، ليعبر لها عن عشقه بأسلوبه الخاص.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
ليلاً
وسط سكون الغرفة ، التي غلفها نور خافت صادر عن المصباح بجانب السرير ،
نهضت إبريل كأنها تحاول الهروب من شيء ما ، خطواتها حذرة ، تكاد تلمس الأرض بأطراف أصابع قدميها ، كي لا توقظ باسم الذي كان يغط في نوم عميق بجانبها ، بعد عودتهما منهكين من حفل زفاف لميس وخالد ، لكن النوم استعصى عليها ، وشعرت أن صدرها يضيق بأنفاس متقطعة ، وحلقها جاف كأنه صحراء ملتهبة.
خطت ابريل إلى المطبخ ، ثم فتحت الثلاجة ، وأمسكت زجاجة الماء بيد ترتعش ، وارتشفت منها بنهم كأنها تحاول أن تطفئ الحريق المشتعل بداخلها.
فجأة ، كسر الصمت صوت باسم المبحوح الذى غلب عليه النعاس : إبريل... بتعملي إيه؟
تجمدت ابريل في مكانها للحظة ، ثم حاولت أن تبدو طبيعية ، وهي تدير رأسها نحوه ببطء : أنا .. بس .. صحيت أشرب ميه
اقترب باسم منها بخطوات ثابتة بعد أن أشعل الإضاءة ، وعيناه الحادتان تركزان على ملامحها ، ويديها المرتعشتين التي تمسك الزجاجة بصعوبة ، ثم سألها بريبة : إيدك بترعش ووشك محمر كده ليه؟
أنهى باسم جملته بقلق ، وعيناه متسمرتان على وجهها الشاحب ، ثم اقترب أكثر ، ولمس جبينها بحذر قبل أن يقول بوجل : حرارتك عالية! في حاجة وجعاكي؟
أجابته ابريل بصوت مبحوح وضعيف : حاسّة بخنقة... وريقي ناشف... وفي وجع فرقبتي وزوري
عبست ملامحه محاولاً السيطرة علي قلقه المتصاعد ، ثم استفسر بجدية : من إيه! كلتي إيه ولا شربتي؟
سعلت ابريل بتحشرج ، وترددت للحظة وهي تستعيد ذكرى الكعكة التي تجرأت على تناولها في زفاف لميس وخالد ، رغم يقينها أن الكريمة تخفي خطر اللبن الذي يثير حساسيتها ، لكنها بدافعٍ من رغبة عابرة ، أقنعت نفسها بأن جرعة الدواء ستكفي عند العودة ، لتجد الشريط فارغًا.
ازدردت إبريل ريقها بصعوبة ، والكلمات خرجت منها مرغمة كاعتراف مذنب : كلت حتة من الجاتوه في الفرح .. بس .. مكنتش عارفة إن فيها لبن..
توقفت إبريل للحظة تطالع عينيه التي تتابعها بإمعان ، ثم أضافت وهي تخفض رأسها بخجل وندم : بصراحة كنت عارفة بس .. بس والله أنا كنت هاخد الدوا لما نرجع .. بس لاقيته خلص
لم يضيع باسم لحظة في التعبير عن سخطه ، بل استدار بخطوات سريعة يبحث عن الهاتف ، وهو يسألها بصوت جاف : اسمه إيه الدوا ده؟
استمع باسم الي اجابتها ، ثم أسرع بطلب الدواء من الصيدلية القريبة منهم.
غاب باسم عن عينيها للحظات ، فاستندت بتعب على حافة المنضدة ، قبل أن يعود سريعًا يحمل كوبًا من الماء في يده ، ومده لها : اشربي ده على ما يوصل الدوا
تناولته إبريل منه ، وفور انتهائها من الشرب ، استمعا إلى صوت جرس باب الشقة ، توجه باسم بسرعة نحوه ، لكنه عندما عاد لم يجدها في مكانها ، تطلع حوله باضطراب حتى انتبه إلى صوت يأتي من الحمام ، فتوجه إليه.
دخل باسم ممسكًا بشريط الدواء ، فرآها جالسة على الأرض ، وجسدها المنهك منحني قليلاً ، وهي تحاول أن تلفظ ما في بطنها بألم.
جثا باسم على ركبتيه بفزع ، ودون أن ينبس بكلمة ، مسّد على ظهرها برفق وحنان.
رفعت إبريل رأسها إلى الأعلى تستنشق الهواء بشق الأنفاس ، فمدّ يده ليضع قرص الدواء في فمها ، ثم أعطاها الماء لتبتلعه ، بينما يده الأخرى ترفع شعرها المبلل عن وجهها الشاحب ، ولاحظ أن حرارتها لم تهدأ.
_حرارتك لسه عالية...
تمتم باسم بصوت قلق مشوب باللهفة ، ثم رفعها بين ذراعيه بدعم ، وأسندها إلى حوض الاستحمام ، دون تردد فتح صنبور الدش ، وترك الماء البارد يتساقط عليهما معًا ، وعيناه تراقبان وجهها بتوتر ، يبحث في ملامحها عن أي علامة تدل على أنها بخير.
أما إبريل ، فكانت تقف بين ذراعيه بضعف ، بالكاد قادرة على التقاط أنفاسها ، كغريق نجا لتوه من أعماق البحر.
رفع أنامله ليبعد خصلات الشعر المبللة عن وجهها الشاحب ، ثم همس بصوت مليء بالتوتر : انتي كويسة؟
بدا كأنها لم تسمعه ، لكنه استمر في مراقبتها بقلق متقد ، وذراعاه تحتويانها أكثر ، كل شيء حولهما كان ساكنًا إلا نبضاتهما المتسارعة وصوت الماء المتساقط ، يتناغم مع كل نبضة يشعر بها.