رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثاني (عشقها أحياني) الفصل الحادي عشر
تصوَّرتُ في البدءِ..
أنَّ هواكِ يمرُّ مرورَ الغمامَه
وأنَّكِ شطُّ الأمانْْ
وبرُّ السلامَهْ..
وقدَّرتُ أن القضيّةَ بيني وبينكِ..
سوفَ تهونُ ككُلِّ القضايا..
وأنّكِ سوف تذوبينَ مثلَ الكتابة فوق المرايا..
وأنَّ مرورَ الزمانْ..
سيقطعُ كلَّ جُذور الحنانْ
ويغمُرُ بالثلج كلَّ الزوايا
تصوَّرتُ أنَّ حماسي لعينيكِ كان انفعالاً..
كأيِّ انفعالْ..
وأنَّ كلامي عن الحُبِّ، كان كأيِّ كلامٍ يُقَالْ
واكتَشفتُ الآنَ.. أنيَ كنتُ قصيرَ الخيالْ
فما كان حُبُّكِ طَفْحاً يُداوى بماء البنفسج واليانسُونْ
ولا كان خَدْشاً طفيفاً يُعالَجُ بالعشب أو بالدُهُونْ..
ولا كان نوبةَ بَرْدٍ..
سترحلُ عند رحيل رياح الشمالْ..
ولكنَّهُ كان سيفاً ينامُ بلحمي..
وجَيْشَ احتلالْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..ٍ
جثى على رُكبتيه سريعاً وهو يكاد يبكي..ناداها بصوت مُتحشرج
-روجيدا!!
ولم يصله سوى صوتها وهى تأن بألم..فلم يتحمل صوتها المُتألم. حملها بحذر وسألها بلهفة قلقة
-حبيبتي مالك!!..حاسة بـ إيه؟
-خرج صوتها ضعيف:بطني..هتموتني
-ليرد بسرعة:بعد الشر عليكي
ثم ركض خارج الغرفة..وهو يزعق بصوته
-سااااااامح
هرول سامح ليرى ما سبب صوته الجهوري ذاك..ليخرج على مشهد الدماء التي تُقطر من زوجته فسأله بـ إهتمام
-مالها روجيدا!
-رد جاسر بغضب:مش وقته روح شغل العربية بسرعة
-حاضر
ثم ركض شقيقه سريعاً..ولم يكن سامح وحده من أنتفض فزعاً من صوت جاسر..فخرجت عمته و والدته بالإضافة إلى الخدم..الكل إجتمع والكل قلق...
ركضت والدته خلفه لتجده يحمل زوجته ويهرع بها إلى الخارج...شهقت بفزع وهى تصك صدرها بقوة..ثم قالت بخوف
-حصل إيه!!
لم يُجيب جاسر ولكنه أكمل الطريق إلى الخارج..لتلحق به والدته وعمته..لتقول فاطمة بصوت لاهث إثر الركض
-يابني فهمني
-زفر بضيق وقلبه ينزف خوفاً عليها:مش وقته يا أمي..أنا هاخدها المستشفى
-لترد بجدية:أنا جاية معاك
-فقال هو بحزم:لأ..أهلها جايين ولازم حد يكون هنا
خرجت عنيات عن قوقعة صمتها لتقول بجدية وهى تخطي بسرعة
-أنا هروح مع چاسر وخليكي إهنه يا فاطمة
ثوان وحضر سامح بسيارته..ليهرع جاسر دون الإلتفات لهم..فتح الباب الخلفي للسيارة..ثم دلف و وضع زوجته برفق..وأمر شقيقه بصرامة
-بسرعة ع المستشفى
وأذعن سامح لطلبه وإنطلق بعدما دلفت عنيات..ظل جاسر يربت على وجنتها برفق وهو يتحدث بصوت لاهث إثر خوفه
-إتحملي شوية..مش هنتأخر..خمس دقايق وهنكون فـ المستشفى
أماءت بخفوت قبل أن تُغلق عينها مُستسلمة لذلك النُعاس الجبري الذي داهم جفونها..سقط قلب جاسر بعد فعلتها تلك وما زاده ذلك الشحوب الذي بدأ يزحف إلى وجنتيها..ضرب وجنتيها برفق وهو ينطق بصعوبة
-روجيدا!!..ردي عليا!..حبيبتي
ولكنه لم يجد رد..ليهدر بصوت يحمل نشيج باكي
-أسرع يا سامح.....
*****************
تباً لذلك الحُمق..عفواً العشق الأحمق..عشقت ذلك السامح..ليقوم القلب بسَحّر العقل وتسخيره من أجل رغباته الماجنة..وما المشكلة في عشق رجل متزوج؟..فليجب أحد!..لا يوجد مُشكلة..سأحبه وأملكه وأجعله ملكاً لي....
تلك الكلمات رددها عقلها..ليُؤكد عليها قلبها..فقد عشقت وقعت صريعة للعشق الذي سرى بأوردتها وشُريانها..أخرجها من شرودها صوت أحدهم يدلف غرفتها..رفعت عيناها لتجد تلك النظرات الثعلبية والتي تتأمل جسدها ومنحنياته بشهوة مُقززة بالطبع لم تكن سوى نظرات زوج والدتها ذلك السكير القذر..سرت رجفة قوية بجسدها بدءاً من عمودها الفقري حتى أطرافها..خرجت حروفها مُذبذبة وهى تقول بثبات زائف
-أنت..بتعمل آآ..إيه هنا!!..ومين سمحلك تدخل؟
-رد عليها بـ إبتسامة مُستفزة:جرى إيه يا روحي أنا زي أبوكي برضوا
-فقالت بشراسة وهى تُشهر بسبابتها:أخرس..أنت عمرك ما هتكون أبويا
-فخرجت حروفه تُقطر خبثاً:وماله..أنا أصلاً مش عاوز أكون زي أبوكي أنا...
قطع كلماته يتطلع عليها بجرأة أفزعتها..ثم تحدث بشهوة
-أنا عاوز أكون حاجة تانية
-شهقت بخوف وقالت بغضب:إطلع برة..إطلع برة يا حيوان
-أموت فيك يا شرس
-ردت عليه بتقزز:حقير
وإزدات عيناه لمعاناً خابثاً..فلم تزده سبتها إلا رغبة فيها..ليقول بنبرة شيطانية وهو يلوح لها بيده
-معلش كل ما أصبر كل ما تحلوي يا بنت رضوة..مع أنك تتاكلي أكل
رمقها بنظرات متوعدة..ثم خرج تهاوت هى بجسدها على المقعد خلفها..ثم أجهشت بالبكاء الحار..تعلم ذلك الثعلب..مُتربص حتى يهجم..قالت من بين شهقاتها
-فينك يا بابا تيجي تنقذني من اللي أنا فيه.....
******************
وصلت السيارة إلى المشفى في غضون عشر دقائق..ليهرول جاسر خارج السيارة وهو يحمل زوجته يركض بلا هوادة دون الإلتفات إلى شقيقه وهو يصرخ به لينتظره..دلف إلى المشفى ليقول بصوت هادر
-حد يجي بسرعة..
هرولت ناحيته ممرضة..وعندما رأت روجيدا..إستنتجت ما بها..لتقول له بجدية وهى تقوده إلى غرفة ما
-هاتها هنا يا جاسر بيه
سار خلفها دون نبس حرف..وضعها على فراش أبيض صغير..تبعه بعدها دلوف الطبيب الذي قال بهدوء
-لو سمحت ممكن تتفضل برة عشان أشوف شغلي
-أمسكه جاسر من تلابيبه وقال بتوعد شرس:لو حصلها حاجة حياتك هى التمن
-أجابه الطبيب بهدوء مهني:طب من فضلك سبني أشوف مالها
تركه جاسر على مضض ثم خرج..ليُقابله سامح وعمته التي حدثته بتساؤل
-عاملة إيه!!
-رد جاسر بفتور:الدكتور بيكشف عليها
-ربت سامح على كتفه وقال بتشجيع:إن شاء الله هتكون كويسة
-ليقول جاسر بأمل:يااااارب
ثم جلس وهوينظر إلى الدماءالجافة على يده..زفر بضيق..وضع يده على عيناه..وهو يتنهد بخوف..تذكر مشهد تكورها على أرضية المرحاض والدماء تسيل منها بغزارة. ما أن أغلق عيناه..فسريعاً فتحهما عله يزيل ذلك المشهد من رأسه..ورغماً عنه ذكره شيطانه ذلك الحادث مُنذ أشهر وهى مُضرجة بدمائها يوم أصابتها رصاصة غدر في صدرها.. يالا قسوة تلك الذكرى فلن يستطيع نسيان ذلك الألم والخوف الذي إعتراه... رحمه من تلك الذكريات القاسية صوت الطبيب الذي خرج..فنهض جاسر مُسرعاً يسأله بلهفة
-مراتي!!
-ليرد الطبيب بهدوء:حضرتك جوزها
-زفر بغضب وقال:ايوة
-فقال الطبيب بغموض:طب ممكن تتفضل معايا المكتب يا جاسر بيه
-عقد ما بين حاجبيه وتساءل بصوت قاتم:مراتي حصلها حاجة؟.
-أجابه الطبيب بنفي قائلاً:لأ زوجة حضرتك بخير..وكمان الجنين صحته كويسة وقفنا النزيف الحمد لله
زفر الجميع بسعادة..وكان جاسر أكثرهم سعادة..فقاطعهم صوت الطبيب
-لو سمحت يا جاسر بيه..لازم نتكلم
-توجس جاسر من لهجة الطبيب وقال بثبات زائف:تمام جاي معاك
تحرك الطبيب فتبعه جاسر..بينما تساءلت عنيات بفضول
-خبر إيه!!..مش هو جال إنها بجت كويسة..ليه عاوزه!
-رد سامح ببديهية:ممكن عاوز يتكلم معاه فـ حاجة بخصوص الحمل..مش قضية
-لتقول عنيات بلهجة تحمل التقرير:لع..فيه حاچة
-مط شفتيه بفتور وقال:متكبريش الموضوع يا عمتي..المهم أنا هكلم ماما أطمنها عشان مبطلتش إتصال من وقتها
ثم تحرك بعيد عنها..لتضع عنيات يدها أسفل ذقنها وهى تقول بينها وبين نفسها
-إيه اللي حوصل يا ترى!!..أكيد الموضوع دهِ في إن..تعب مرته إكده من غير سبب بيجول فيه حاچة غلط.....
***************
جلس صابر خلف مكتبه بـ إستمتاع عقب تلك المُكالمة مع المُشاكسة الصغيرة..أدار تلك الورقة المطوية بين يديه والتي حصل عليها بشق الأنفس..كم كلفته من نقود وكم كلفته من مجهود..فقط ليحصل على حُرية تلك المُشاكسة..ليوقعها في أسره هو..طرقات خافتة على الباب تبعها دلوف سكيرتيرته وهى تقول بجدية
-صابر بيه..في بنت عاوزة تقابل حضرتك برة
-عقد ما بين حاجبيه وقال:بنت مين!!
أتاه صوت أنثوي صغير وهى تقول بمرح مُعتاد
-دا أنا يا بيبي
أفسحت السكيرتيرة الطريق لتدلف شقيقته..فنهض هو ليقول بترحيب
-تعالي يا نوري
دلفت الصغيرة لترتمي بأحضان أخيها..أشار لتلك الواقفة لكي تخرج..أمسك كفها سار بها ناحية الأريكة وجلسا ليسألها بنبرة ذات مغزى وهو يضرب جبينها بخفة
-إيه سر الزيارة اللي مش سعيدة دي خالص؟!
-لتشهق بفزع مصطنع وهى تقول:أنا!!..أخص عليك بقى جاية أطمن ع أخويا حبيبي يقوم يقولي كدا!
ثم أجهشت ببكاء مصطنع..ليضرب هو كف بأخيه..ثم قال بلهجة حازمة بعض الشئ
-نووور...عاوزة إيه!!
-فتحت عيناها اليُسرى وقالت بسرعة:عاوزة أروح عيد ميلاد واحدة صاحبتي
ثم زفرت زفرة طويلة تُظهر ما كانت تحمله على عاتقها من حِمل ثقيل..نظر لها بنصف عين وهو يرى توسلها الخفي ثم قال بصوت هادئ
-بس كدا؟
-ردت بخفوت:أها
-ليقول هو:موافق
إبتسمت..ولكن سريعاً ما أختفت إبتسامتها وهى تسمعه يقول
-بس فيه شرط
-تحدثت بعد أن عبثت ملامحها:قول شرط
-هاجي معاكي..عشان مش مطمن أسيبك لوحدك
قالها ونبرته تحمل الحزم والتهديد والذي تبينته بوضوح من نبرته..أما الحضور معك..أو عدم ذهابك عزيزتي!!..زفرت بضيق ويأس فهى تعلم أخاها لن يتراجع عما يدور بعقله..رفعت كتفيها بفتور وقالت
-أوكيه
-إبتسم ليقول:شطورة
-فردت عليه بحنق وهى تقف على ركبتيها:منا لو رفضت يبقى مش رايحة
-ليقول بمزاح:ما شاء الله لماحة كمان
-رمت بثقلها وقالت بغضب مكتوم:رخم
ضحك صابر بـ لذة..فها هى نسخة أخرى عن متمردته..فمن الواضح أنه سيتعامل فيما بعد مع نسختين من نفس الطباع..ويبدو أن تلك الليئمة قد قرأت عما يدور بخلده لتقول بنبرة ماكرة
-عملت إيه معاها!
-عقد ما بين حاجبيه بعدم فهم مصطنع:مين!!
-ضيقت عيناها ترمقه بنظرة ذات مغزى..ثم تشدقت بمكر:اممم..شكلك بوق ومعرفتش تجيب الورقة اللي قرفتيني بيها
لمح بعينيها لمعة المكر..ليضحك بتخابث..أراح جسده إلى الخلف وقال بمُشاكسة:وأنتي مالك
-قفزت على ركبتيه وقالت بغضب:لأ مالي..إخلص ولا أروح أفتن لجاسر إنك بتعلق أخت مراته
أمسك أذنها الصغيرة..ثم شدها منها بقوة وقال بنبرة حازمة تحمل المُزاح
-سمعيني كدا بتقولي إيه!!..
-ردت بتأوه:اااه..ودني يا صابر
شدد أكثر لتتأوه أعلى..فحدثها بخبث
-شكلك كدا مش عاوزة تروحي عيد ميلاد صاحبتك
-ومن بين تأوهاتها قالت بسرعة:لألألأ..بهزر يا رمضان..سرك فـ بير
ثم اشارت على فمها وقامت بحركة تدل على عدم فتح فاها..ضحك ثم ترك أذنها لتفركها هى بألم..فقالت ومازالت تفرك أذنها
-بتكلم جد والله
-تنهد وقال:جبتها مع أنها كلفتني كتير..بس مش مهم معايا دلوقتي
-فسألته بجدية:طب هتعمل إيه دلوقتي؟
-رد عليها بغموض غلفه الحزن:هستنى لما عدتها تخلص وهنتجوز..سواء برضاها أو غصب عنها
-نظرت له بقوة ثم قالت بمزاح علها تُخفف عن أخيها:والله وجاتلك اللي توقعك ع بوزك يا كبير
نظر لها بغل ثم قال
-بت تصدقي بقى أنك اللي بتجبيه لنفسك
كاد أن يُمسكها من أُذنها مرة أخرى إلا أنها ركضت..وركض هو خلفها فأمسكها أخيراً..فقالت بتوسل تستعطفه
-خلاص والنبي..أنا نور حبيبتك
وأمام توسلها الطفولي ضحك..وأخذها في أحضانه ثم قال بحب
-مش حبيبتي وبس..دا أنتي بنتي..وأختي..
-قفالت هى بـ إبتسامة وهى تُشدد على إحتضانه:وأنت ابويا وسندي يا أخويا
ربت على ظهرها ثم قبلها من جبينها..ثم قال وهو يسحب سترته
-طب يلا عشان نلحق نجبلك فستان تحضري بيه الحفلة
-فنطقت بنبرة غير مُصدقة:بجد!..ربنا يخليك لي
ثم قبلته..ليضحك لها بحنو..وسار بها إلى الخارج فكم يعشق شقيقته والتي لا يعتبرها شقيقته..بل إبنته فهو من رباها..وربما سيربي تلك الراعنة الآخرى ليكبح جماحها.....
***************
دقائق مرت عليه أمام الطبيب وقد بدأ القلق يتسلل إلى قلبه رويدا..طرقات تبعها دلوف ممرضة..مدت يدها بأوراق فتناولها الأخير لتقول هى
-دي التحاليل الخاصة بمدام روجيدا الصياد اللي حضرتك طلبتها
-فرد الطبيب:طيب تقدري تتفضلي أنتي يا حنان..
عن أي تحاليل تتحدث!!..حدسه يُنبأه بخطباً ما..خرجت الممرضة..فبدأ الطبيب بفض الاوراق..ثم إنكب عليها يقرأها بتركيز..وجاسر يُتابعه وشعوره بالخوف والقلق يتفاقم بشدة..وأخيراً رحم الطبيب الأخير من ذلك الشعور الذي إجتاح خلاياه بلا رحمة..نظف الطبيب حلقه ثم ترك الأوراق امامه وقال
-أنا لما شوفت حالة زوجتك من الأول طلبت أعمل تحاليل..خاصةً إن دا نزيف مش عادي..وزي ما أنا شايف حالة زوجتك الصحية ما شاء الله كويسة فـ نزيف فـ الوقت دا ومع حالة صحية كويسة وحالة جنين فـ بداية الرابع أكدلي إن النزيف مش من تأثير صحي او نفسي
-أغمض جاسر عيناه بحنق ثم قال من بين أسنانه:وضح يا دكتور قصدك إية؟
نظر الطبيب له بقوة..ثم أكمل حديثه
-أنا عملت التحاليل عشان أتاكد من وجود حاجة فـ دماغي
ضرب جاسر بقبضته على المكتب بغضب شديد..جعلت الطبيب يجفل للحظات..ليهدر جاسر بعنف
-متلعبش ع أعصابي أحسنلك قول اللي عندك وخلص
-أنا مقدر وضع حضرتك..بس اللي هقوله عاوز حضرتك تتعامل معاه بحنكة
نظر له جاسر بنارية..وقبل أن يتفوه بحرف..كان الطبيب أسرع منه ليقول بنبرة تقريرية
-التحاليل بتوضح إن المدام روجيدا إتعرضت للإجهاض بطريق غير مباشر.........