رواية جمر الجليد الفصل الثاني عشر 12 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل الثاني عشر بقلم شروق مصطفي 

عاصم نظر إليها بصدمة، ثم انفجر ضاحكًا:


"أتجوز مين يا ست؟! أنت هتبليني ببلوة! لا طبعا، دي أمانة عندي هنا لحد ما أرجعها."


فاطمة، مدهوشة ومش مصدقة:


"يا لهوي! انت خاطفها يا بني؟! ليه كده؟ دي مش أخلاقك، ولا مشيت في الحرام؟!"


عاصم ضحك بصوت عالي:


"حرام إيه بس؟! ولا خطف إيه؟! روحي ريحي، شكل السفر بقى مأثر على أخلاقك! يلا يلا."


فاطمة نظرت إليه بعينين مشبعتين بالقلق، ثم قالت بلهجة قاسية:


"والله شكلك مش مريحني، لما أطلع أشوفها."


رد عاصم بسرعة:


"سيبيها لحد وقت الغدا، وشوفيها بعدين."


فاطمة هزت رأسها:


"ماشي يا عاصم بيه."


ثم ذهبت إلى غرفتها بجانب المطبخ لترتاح قليلاً.


---


بعد عدة ساعات، استيقظت سيلا على صوت خبط على باب غرفتها. قامت بسرعة وتقدمت للباب.


كانت فاطمة تقف أمام الباب:


"الغدا جاهز يا هانم، وعاصم بيه منتظرك تحت."


تركته فاطمة وغادرت.


اتجهت سيلا للحمام لغسل وجهها، ثم نزلت لأنها لم تأكل منذ الصباح. عندما وصلت إلى الطاولة، وجدته جالسًا، فأشار لها بيده دون أن ينظر إليها، كي تجلس.


جلست بجانبه، وبدأت في تناول الطعام بسرعة، وكأنها لم تشعر بشيء حولها. لكن مع مرور الوقت، انتبهت أنه كان يراقبها، فشعرت بالحرج وقالت:


"أحم، شبعت، الحمد لله."


ابتسم عاصم لها نصف ابتسامة، ثم قال:


"كملي طبقك كله، وقومي بعدين، أنا الحمد لله."


تركها على راحتها، وذهب إلى مكتبه.


ردت سيلا في نفسها:


"أحسن برده عشان آخذ راحتي... حتى اللقمة بصص لي."


بعد أن امتلأت معدتها، جاءت فاطمة لتلم الأطباق.


قالت سيلا مبتسمة:


"تسلم إيدك، الأكل جميل. إنتِ اسمك إيه?"


أجابتها فاطمة:


"اسمي فاطمة."


سيلا ابتسمت وقالت:


"عاشت الأسامي. بس قوليلي، الباب اللي في المطبخ ده بيودي على فين؟"


أجابتها فاطمة:


"ده بيودي على الجنينه اللي بره."


قالت سيلا بتململ:


"آه، طيب. أنا زهقانة عايزة أطلع الجنينه بره. ممكن؟"


فاطمة قالت بجدية:


"هبلغ عاصم بيه الأول، لو ينفع، هخرجك."


سيلا ردت بملل:


"يبقى مش هطلع، أنا بقالى يومين هنا محبوسة أصلاً وزهقت بجد."


فاطمة قالت مطمئنة:


"طالما أنا اللي قولتله، مش هيقولي حاجة. استني بس، هخلص المطبخ وروح استأذنه."


سيلا ابتسمت بانتصار "لم تاخد بالها."


انتظرت حتى خرجت فاطمة من المطبخ، ثم دخلت هي مرة أخرى وأخذت شيئًا كانت قد خبأته سابقًا، ثم جلست تنتظر فاطمة.


عندما دخلت فاطمة، بدت حزينة، وقالت:


"موافقش صح."


ردت سيلا:


"معلش يا بنتي، بكره هكلمه تاني، يمكن يرضى. بس إنتي عملتي إيه مخليه مشدد الحراسة عليكي كده؟ ومش عاوزك تخرجي حتى!"


سيلا ردت بغضب:


"هو أصلاً خاطفني، بيقول إنه بيحميني، وأنا أقدر أحمي نفسي كويس ومستغنية عن خدماته دي!"


فاطمة هزت رأسها وقالت بحكمة:


"لا، يبقى موضوعك كبير طالما بيحميكي. هو أكفأ ضابط مخابرات، مش بيمسك مهمة إلا لو كانت كبيرة قوي."


أضافت فاطمة بنبرة جادة:


"عنده حق إنه مشدد الحراسة عليكي، اسمعي كلامه يا بنتي، عشان مش عاوزين مشاكل معاه. أنا مربياه وفاهماه. ما يغركيش إنه ساكت كتير كده. لما يطلع غضبه، محدش يقدر يتحكم فيه. خلي بالك."


ثم قالت بلطف:


"ولو كنتي زهقتي، استني بكرة، يمكن أخرجك شويه."


سيلا بتفكير:


"هو فين طيب؟ عاوزاه!"


: _ في المكتب "استني، دخلي له القهوة دي معاكِ."


خبطت على الباب، وسمعت صوته يقول:

"ادخلي يا فاطمة."


دخلت سيلا الغرفة فوجدت عاصم مشغولًا بالأوراق أمامه، لم يلاحظ وجودها. اقتربت منه بصمت، وضعت القهوة على المكتب، لكن فور أن نظرت إلى شاشة الحاسوب، فوجئت بما رأته، فوقف جسدها فجأة من الصدمة.


كانت شاشة الحاسوب تعرض مراقبة لكل تحركاتها في المنزل. تفاجأت، ووقف قلبها في مكانه. انتبه لها عاصم، أغلق الحاسوب بسرعة، ونظر إليها باستغراب:


"خير، إيه اللي جابك هنا؟"


جلست سيلا أمامه، محاولة الهدوء:


"ممكن أقعد؟"


عاصم رفع حاجبه بتعجب:


"أمال إنتِ عملتي إيه دلوقتي؟"


سيلا كانت قد جاءت لتحدثه بشأن أمر ما، لكنها قررت تغيير خطتها عندما اكتشفت أنه يراقب تحركاتها. شعرت أن لا مفر من الهروب، لكن قررت إعلان هدنة مؤقتة معه.


قالت سيلا بنبرة هادئة:


"يعني، كنت جايه أقولك إني فكرت بكلامك، يعني وأنا شكلي فعلاً اتسرعت. بس أنا هقعد هنا لامتى؟ مش متعودة على حبسي ده، ومش عارفة أنا فين أصلاً."


عاصم أومأ برأسه:


"كويس إنك فكرتِ، هتقعدي لأمتى لحد ما نمسك أفراد العصابة. إحنا بنراقبهم، وقريب هيتقبض عليهم أول ما يطلعوا من جحورهم."


سيلا بتفاؤل:


"بجد؟ طيب كويس، بس ما قلتليش إحنا فين؟"

عاصم بضجر:

"في ألمانيا."

سيلا صُدمت وقالت:

"هااااه؟ بجد؟ طيب إزاي وجيت هنا إزاي؟"


عاصم:

"مش عاوزة رغي كتير. عندي شغل، اتفضلي قومي."


سيلا بحذر:

"ممكن استعير كتاب من عندك أقرأه بدل الزهق ده؟"


عاصم نظر إليها قليلاً، ثم قال:


"ماشي، خدي. المكتب مليان كتب."

سيلا بابتسامة صفراء:

"ميرسي."


ثم قامت تبحث في المكتب عن كتاب، رغم أنها لم تكن تحب القراءة، لكنها وجدت أنها لا تملك خيارًا آخر لتمضية الوقت.


أمسكت بكتاب لفت نظرها بعنوان "موجوع قلبي"، وهمست لنفسها:


"وده إيه اللي وجع قلبه ده كمان؟ عشان يجيب "موجوع قلبي"، هي ناقصة وجع قلب! عدينا المرحلة دي من زمان."


عاصم، الذي كان يراقبها، رد مازحًا:


"ها، خلصتي كلام مع نفسك ولا لسه؟"


سيلا ابتسمت ابتسامة باردة وقالت:

"لا، أبدًا. لاقيت كتاب هنا، هقراه وأرجعه تاني."

عاصم:

"ماشي، خدي الباب وانتي طالعة."

سيلا:

"حاضر."

خرجت بالكتاب وذهبت لتقرأه.

دخلت غرفتها، غيرت ملابسها، وجلست على السرير. ظلت تقرأ حتى غلبها النوم، والكتاب داخل حضنها.


بعد أن انتهى من عمله، توجه عاصم إلى غرفته ليستريح. لكنه سمعها تتهمس، ثم طرق الباب، ولم يأتِ الرد. ففتح الباب ودخل ليجدها نائمة، والكتاب فوقها. كانت تتحدث وتبكي أثناء نومها:

"ليه؟ ليه كده؟"


وقف عاصم مترددًا، مستغربًا من حالتها، لم يعرف إن كان يوقظها أم يتركها نائمة. قرر في النهاية تركها وشأنه.


أخذ الكتاب من يديها ووضعه جانبها، ثم غطاها بالبطانية.


رجع إلى غرفته لينام بعمق.


أغلقت همسة عينيها بعد أن قرأت الرسائل التي أرسلها وليد، وعلى وجهها ابتسامة خفيفة قبل أن تسقط في نوم عميق من شدة التعب. في الجهة الأخرى، كان وليد في حالة من الإحباط بعد أن لم يتلقَ أي رد منها، متسائلًا في نفسه عن السبب وراء تجاهلها لرسالته.


أما معتز، فقد ركب سيارته بعد أن أجرى اتصالًا سريعًا، وقال للمُجيب في الطرف الآخر، "انتو فين؟"، وبعدما تلقى الإجابة، أضاف "طيب تمام، أنا جايلكم. سلام." وقاد سيارته مبتعدًا عن المكان.


دخل معتز الملهى الليلي، وحاول أن يبحث عن حمزة وحسام وسط الأضواء الخافتة والموسيقى الصاخبة. لم يمر وقت طويل حتى عثر عليهم، وكانوا جالسين معًا على إحدى الطاولات.


حمزة: "إيه يا عم، عاش من شافك!" حسام: "لك وحشة، أبرنس! فينك مش بتظهر ليه؟" معتز: "أكون فين يعني؟ في الشغل وقرفه، سيبك مني. أنتم عاملين إيه؟ وأخبار الليلة إيه؟"


 حمزة: "إحنا زي الفل، والليلة بدأت تحلو اهيه." 


وغمز بعينيه باتجاه فتاة جالسة مواجهتهم، ملابسها تكشف أكثر مما تستر، وكأنها جزء من التسلية في المكان. 

حسام: "بس إيه، رماك علينا المرة دي؟ مش بتيجي إلا وإنت وغمزله."


 معتز: "عندك، ولا أروح أشوف في مكان تاني؟" 


حسام ضحك ضحكة عالية: "عيب تقول الكلام ده، وأنا صاحب المكان، كده بتشتمني! طلبك عندي، بس مش عاوزين قلق."


 معتز: "عيب عليك." 


حمزة تدخل: "معتز، أنت مش بطلت الموضوع ده بقالك فترة، رجعت له ليه تاني؟" 

معتز: "خليك في حالك."


معتز نظر إلى حسام قائلاً: "إيه الكلام؟" 

حسام قام قائلاً: "خمسة دقايق وجاي." مرّ بضع دقائق، ثم عاد حسام وغمز لمعتز، قائلاً: "طلبك مستنيك فوق."


معتز قام وصعد إلى الغرفة، مستعدًا لما ينتظره هناك.

… ..

ظلت مي جالسة في غرفتها، عينيها لا تفارق الجدار أمامها، مشاعر القلق تسيطر عليها. كلما تذكرت نظرته الغريبة، كلما شعرت برهبة أكبر. فكرت في نفسها مرارًا: "أكيد جاي هنا صدفة، مفيش غير كده." لكنها لم تستطع التخلص من تلك النظرة التي لا تفارق ذهنها، كانت مرعبة لدرجة أنها بدأت تشك في كل شيء حولها.


"أنا و سيلا كنا عاوزين نسيئ سمعتهم و نكتب عنهم كلام غلط في شركتهم... الحمد لله، ملحقناش." قالت لنفسها، محاولة أن تجد مبررًا لما حدث. "يا لهوي، ده كان موتني بشكله ده."


استمر التفكير يتوالى في رأسها حتى غلبها النعاس، وغفت على سريرها، بينما كانت الصورة المرعبة التي تركها في ذهنها لا تزال عالقة، تفكر في ما إذا كانت ستلتقي به مرة أخرى، وكيف سيكون رد فعلها حينها.


ــــــــــــــــــــــــــ

دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه بعنف، عينيه مليئة بالغضب والانفعال. كانت جالسة تنتظره، لكنها تراجعت إلى الوراء، بعدما رأته واقف أمامها يخلع حزامه ويلفه حول يده، ملامحه مشدودة وعينيه مليئة بالغضب، ثم بدأ في صوته القاسي وهو يردد كلمات مؤلمة عن الخيانة، و ضرباته على جسدها كانت عميقة في تأثيرها، أنتهى منها أرتدى ملابسه، ثم قام بأخراج دفتر الشيكات والقي أمامها، تاركا المكان وهو غارق في أفكاره المشتتة والضبابية.


بينما هو في طريقه إلى منزله، عينيه لا تبرح صورة وجهها الذي لا يزال في ذهنه. كان يحاول الهروب من ذكرياته بطرق مختلفة، لكنه لم يستطع. عندما وصل إلى غرفته، توجه إلى حقيبة الملاكمة ليخرج ما تبقى من غضبه على الحقيبة المعلقة، محاولاً أن يتخلص من تلك المشاعر التي تحاصره.


أخذ حمامًا باردًا على أمل أن يهدأ قلبه، ثم جلس في مكانه، يردد كلمات غير واضحة، وكأنها محاولة لتبرير نفسه. لكن في أعماقه كان يعلم أن ما فعله لن يكون قادرًا على تهدئة تلك النار المشتعلة داخله.


في صباح اليوم التالي، استفاقت سيلا وجلست على السرير لبعض الوقت قبل أن تنهض وتنزل إلى الأسفل. هناك، قابلت فاطمة التي كانت تحضر الفطور.


"صباح الخير"، قالت سيلا بابتسامة.


"صباح الخير يا حبيبتي"، ردت فاطمة بحنان، "بحضر الفطار ثواني ويكون جاهز."


"لا، أنا محتاجة قهوة مش بفطر"، قالت سيلا وهي تقترب من المطبخ، "خليكي هعملها أنا."


تحدثت فاطمة بنبرة الأم الحانية: "لا قهوة ايه، لازم تفطري الأول."


ابتسمت سيلا ابتسامة هادئة وقالت: "عارفة، بتفكريني بماما كل يوم الصبح نفس الكلام ده لحد ما غلبت معايا."


"عارفة، واحشتني أوي هي وبابا وهمسة..." قالت سيلا بتأثر، ثم صمتت فجأة عندما سمعت صوته خلفها.


عاصم، الذي كان يقف خلفها، قال: " روحي جهزي الفطار يا دادا."


"حاضر يا بني"، قالت فاطمة بسرعة، وتركتهما وذهبت لتكمل تحضير الفطور.


ثم نظر عاصم إلى سيلا وقال بنبرة حازمة: "تعالي يا سيلا، على مكتبي، عاوزك."


لم تلتفت له فور سماعها صوته، لكنها مسحت بيدها بقايا دمعة هربت منها، محاولة إخفاء مشاعرها.

 الفصل الثالث عشر من هنا

تعليقات



×