رواية جمر الجليد الفصل الثالث عشر بقلم شروق مصطفي
وقفت سيلا مكانها، متجمدة، دون أن تلتفت لصوت عاصم. مسحت دمعة تسللت رغماً عنها، دمعة شوق لأهلها. تبعته بخطوات هادئة نحو المكتب.
لاحظ عاصم ارتعاش عينيها، جلس خلف مكتبه وقال بصوت هادئ:
"تعالي، اقعدي."
جلست أمامه صامتة، فقال مبتسماً:
"خلصتي الكتاب ولا لسه؟"
رفعت نظرها إليه بدهشة، وأجابت:
"لا، لسه. نمت قبل ما أخلصه، فاضلي آخر أربع فصول. غريب أوي، مكنتش متوقعة ألاقي النوع ده من الكتب عندك."
ابتسم بسخرية خفيفة وقال:
"ليه يعني؟ مش بني آدم زيكم؟ عموماً، الجزء اللي كنتِ واقفة عنده ده مش تبعي أصلاً."
نظرت إليه بفضول:
"أمال تبع مين؟"
أجاب وهو يعقد ذراعيه:
"ده تبع رودينا، أختي. كانت بتجيب معاها كتب لما كانت بتزور المكتب قبل ما تتجوز، وسبتهم هنا."
سرحت سيلا للحظة عندما سمعت اسم صديقتها القديمة، وشعرت بضيق غريب. لكنها لم تُعلّق، فقط نهضت وقالت بهدوء:
"طيب، أنا هطلع بعد إذنك."
وهي على وشك الخروج، استوقفها بصوته الواضح:
"مش عايزة تكلمي أهلك؟"
توقفت، التفتت إليه وأومأت بالإيجاب.
قال:
"طيب، تعالي اقعدي. أنا هكلم والدك."
تناول الهاتف وأجرى اتصالاً. وما إن رد الطرف الآخر، أعطى الهاتف لسيلا. أخذته بسرعة، وعيناها تلمعان بالفرحة، وقالت بشوق:
"بابا!"
رد والدها بحنان:
"سيلا، حبيبتي! عاملة إيه يا قلب أبوك؟"
أجابت بصوت مخنوق من الشوق:
"أنا كويسة، بابا، بس وحشتوني أوي. أنا عايزة أرجع، مش قادرة أستحمل البُعد عنكم."
حاول تهدئتها، رغم الألم في صوته:
"معلش يا حبيبتي، دي فترة وهتعدي. قريب ترجعي لنا."
لكن صوت نرمين، والدتها، جاء سريعاً وهي تخطف الهاتف:
"سيلا! يا حبيبتي، إنتِ كويسة؟ صوتك ماله؟ حد ضايقك؟"
ابتسمت سيلا رغم اختناقها وقالت:
"لا يا ماما، أنا كويسة. محدش مضايقني، بس... وحشتوني أوي. فين همسة؟ عايزة أكلمها."
راقبها عاصم بصمت، لم يغفل عنها للحظة.
جاء صوت همسة من الطرف الآخر مليئاً بالشوق:
"سيلا! البيت وحش من غيرك. تعالي بقى!"
نظرت سيلا لعاصم بتحدٍ وهي تقول:
"وحشتيني يا همسة. خلي بالك من نفسك، وقريب جداً هكون عندك."
ردت همسة بصوت منخفض وكأنها تخشى أن يسمعها أحد:
"حاضر. بس قوليلي، عامل معاكي إيه اللي ما يتسماش اللي عندك؟"
همست سيلا وهي تكتم ابتسامة:
"هتوديني في داهية يا بت! هاتي بابا."
عاد والدها إلى الهاتف وقال بلهجة جدية:
"سيلا، خلي بالك من نفسك. وأنا متفق مع عاصم إنه يخليكِ تكلمينا باستمرار."
ردت بتوسل:
"بابا، أنا عايزة أمشي من هنا. زهقت، مش طايقة المكان."
قال والدها بحزم:
"سيلا، بطّلي العناد. إنتِ مش صغيرة، لازم تسمعي كلامه. هو عارف مصلحتك. ولما ترجعي من السفر، هيبقى ليا كلام تاني معاكي." ثم أضاف:
"هاتي عاصم."
ناولته الهاتف. تحدث عاصم مع والدها باختصار، ثم قال:
"ما تقلقش، وأقرب وقت هخليها تكلمك تاني. مع السلامة."
قالت بهدوء ممتن:
"شكراً ليك."
أجاب بابتسامة صغيرة:
"العفو."
فاطمة دخلت تخبرهم بأن الفطور جاهز. جلس عاصم على الطاولة وألقى نظرة على سيلا، التي كانت ما زالت واقفة. قال بصوته الحازم:
"اقعدي."
ردت سيلا ببرود:
"مش هقدر أفطر دلوقتي. سبني على راحتي."
قال بنبرة لا تقبل النقاش: