رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثالث عشر 13 بقلم نورهان محسن


 رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثالث عشر

قلبي ملككِ ، لكنه ضائع في ظلكِ المتسارع
أنتِ سُرُّ عذابي ، وأنتِ السبب في فرحي الهادر
كلما رأيتكِ ، شعرت بأن العالم بأسره ضائع
إلا أنتِ ، في سكونكِ عاصفة عشق تتجدد لا تهدأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الصباح الباكر

كانت الغرفة غارقة في سكون ثقيل ، رغم الضوء الخافت الذي تسلل بخجل من بين ستائرها ، ليعكس ملامحهما المتعبة. 

خالد مستلقيًا على ظهره ، يحدق في سقف الغرفة كأنه يفتش عن إجابة لا يملكها ، بينما لميس على الجانب الآخر ،  مستلقية على جنبها ظهرها مواجه له ، كأنها تحتمي من نظراته ، أو ربما من نفسها.

صوت أنفاسها المتوترة كان يملأ الفراغ بينهما ، تشعر به يقظًا خلفها ، تعلم أنه لم ينم مثلها ، لكن جموده وصمته كانا أكثر إرباكًا من أي رد فعل آخر. 

خالد رجل هادئ بطبعه ، ناضج ، متزن ، لكنها الآن تخشى أن يكون هدوؤه ، هدوء العاصفة التي لم تأتِ بعد.

صوت خالد باغتها فجأة : انتي صاحية؟

التفتت لميس إليه بارتباك ، وارتعشت شفتاها ، وهي تحاول أن تبتسم رغم قلقها الواضح : صباح الخير يا خالد..

نظرة دافئة خاطفة ظهرت في عينيه ، تبعها ابتسامة خفيفة ، لكنها كانت كافية لتُشعرها بشيء من الطمأنينة ، ثم رد عليها بصوت هادئ : صباح النور

لم تستطع أن تقرأ شيئًا في ملامحه رغم دفء ابتسامته ، لكن قلبها يخبرها أن الآمر مازال يشغل عقله ، ترددت للحظة قبل أن تسأل بخفوت : هو إحنا إمتى هنروح للدكتورة؟

أدار خالد وجهه نحوها بالكامل ، تأمل ملامحها الشاحبة ، بقي صامتًا لثوانٍ ، ثم قال بنبرة هادئة وحنونة رغم جديته : قومي البسي .. هننزل نروحلها 

ارتبكت لميس قليلًا ، لكن صوته لم يكن قاسيًا كما توقعت ، بدا وكأنه يختار كلماته بعناية ، ليخفف عنها رغم حيرته الواضحة ، سألته بتردد : ممكن أهلي أو أهلك ييجوا وما يلاقوناش؟

هز خالد رأسه بنفى قبل أن يخبرها : محدش هييجي قبل العصر .. 

نهضت لميس من السرير بخطوات بطيئة ، فشعر بنغزة في قلبه ونهض أيضًا ، محاولًا دفع الأفكار عن عقله ، عاجزًا عن تفسير ما حدث ليلة الأمس.

حين لاحظ ارتعاش يديها ، قطع الصمت فجأة وهو يقول بصوت خافت : لميس

توقفت لميس مكانها ، ورفعت عينيها إليه ببطء ، فابتسم ابتسامة أوسع هذه المرة ، ورفع كفه يشير لها : تعالي هنا

اقتربت لميس بحذر حتى وقفت أمامه ، مد يده وأمسك بيدها برقة ، وهو يربت عليها كأنه يطمئنها ، ثم قال بصوته العميق : ماتخافيش .. إحنا هنروح عشان نطمن مش أكتر .. عاوزك تبقي هادية انا معاكي .. ماشي؟

كلماته كانت كقطرات ماء باردة على قلبها المشتعل بالتوجس ، هزت رأسها ببطء ، والدموع تتلالأ في عينيها ، لكنها ابتسمت بصعوبة ، قائلة بصوت منخفض : حاضر

ترك خالد يدها بلطف ، وهو يقول بنبرة أخف لتلطيف الجو : يلا .. لو اتأخرنا أكتر مش هنلحق نرجع قبل ما أهلك يوصلوا وهيفتكروني خطفتك

ضحكت لميس رغم توترها ، وهي تراقبه يتجه ناحية النافذة ليزيح الستائر ، بينما بدا لها أن ضوء الصباح صار أهدأ قليلًا مثل قلبها.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

في منزل باسم

استيقظت ابريل من النوم ، شاحبة بعض الشيء ، جراء تعرضها لأزمة ربو حادة الليلة الماضية ، لتجد نفسها نائمة على صدره. 

اتسعت حدقتيها حالما تذكرت أنها سحبته ، ليستلقى على السرير بجوارها ، وهي تحت تأثير الدواء ، واحتضنته طوال الليل بدلاً من شال جدتها.

شعرت بحرج يغمرها كالموج، فقد استسلمت لرغبتها رغم علمها بحساسيتها، غير قادرة على مقاومة الإغراء الذي انتهى بها إلى مرض شديد ، بينما هو بثباته وحنانه ، سيطر على الموقف.

رفعت رموشها المتثاقلة لتتأمل ملامحه الوسيمة المسترخية في نومه الهاديء ، بينما إحدى ذراعيه ملتفة حول خصرها كحصنٍ حامٍ ، بينما الأخرى تستقر على مرفقها العاري ، لتبث في داخلها مشاعر مختلطة من الأمان والحياء.

لمعت عيناها ببريق متوهج ، وهناك رغبة مٌلحة داخلها تهمس لها بشيئاً ما ، لترفع ذراعها وتتحرك بأطراف أصابعها مثل رفرفة الفراشات على قسمات وجهه المنحوت ، وهى تتأمله بإفتتان ، لتمرر إصبعها على أنفه المرتفع وصولاً إلى شفتيه السميكتين المثيرتين تتلامسها بعقل مغيب. 

أحست بحرارة غامضة تجتاح أطرافها من إنحراف أفكارها ، وهي تخاطب نفسها داخليا بسخرية : مش دي الحركات اللي كنتي بتتريقي عليها قدامه .. امسكي نفسك بقي..

وقبل أن تبعد يدها عن ذقنه ، فتح عينيه فجأة ، بعد أن أيقظه شعور بلمسات غريبة على وجهه ، تسببت في دغدغة لذيذة في جسده ، مما جعله ينظر حوله بذهول نعسان ، لتخفض رأسها سريعاً في ارتباك على صدره ، ثم تستدير لتنام على ظهرها ، وهي تعض شفتيها بتوتر حتى لا تأتى عيناها فى عينيه الموجهتين إليها.

_أخيرا صحيتي .. طول الليل كنت قلقان عليكي!!

همس باسم بصوت أجش ناعس ، فأدارت أبريل وجهها ، لترى القلق متمركزًا داخل مقلتيه ، فقوست فمها بابتسامة قبل أن تتمتم بصوت أبح ناعم : أنا بقيت كويسة دلوقتي

نهض باسم متكئاً على مرفقه على السرير ، ليشرف عليها بجزعه العلوي ، وهو يضع ظهر يده على جبهتها يتفحص حرارته ، فأغمضت عينيها ترتجف بشعور حلو بشكل غريب تجاوباً مع نعومة لمسته التي أربكت نبضاتها ، قبل أن تسمعه يتنهد بارتياح قائلا بجدية فاجأتها بدهشة : الحمدلله مفيش حرارة .. وباين عليكي انك احسن

ختم باسم جملته ، وعيناه تبتسم لها كأنه يعانقها بنظرته الدافئة ، بينما يمسك ذقنها بين أطراف أصابعه ، صانعاً تواصلاً بصرياً معها لعدة ثوان ، لتقول بنبرة امتنان يغلفها الضعف : كله بفضلك

لاحت ابتسامة على فمه قبل أن يعتدل بجلسته مبتعداً عنها ، ليسمح لها بالتنفس بحرية أكبر بعد أن لاحظ ارتعاش تنفسها ، ليفسره على أنها بحاجة لمزيد من الهواء ، ولم يكن يعلم أن هناك صراعًا يدور داخل قلبها بسبب قربه المهلك منها ، بينما تساءل هو بهدوء : اكيد عطشانة؟! هجبلك تشربي

مع آخر كلمة نطق بها استدار نحو الطاولة بجانب السرير ، يأخذ منها كوبًا من الماء ، فى حين نهضت هي تجلس بجواره بوهن ، وتستمع إلى كلماته الهادئة في صمت : روقتي كتير عن امبارح .. بس لسه لونك مخطوف شو...

تبخر صوته مع الريح ، وتسارعت نبضات قلبه بمجرد أن فاجأته بقبلة خاطفة على شفتيه ، فتجمد ذراعه على الفور في الهواء من الصدمة ، بينما تصلبت نظراته عليها ، وهو يضغط بأصابعه على كوب الماء حتى لا يسقط منه ، بعد أن أثارت هذه المربكة وجدانه بمشاعر عديدة دفعة واحدة بحركة بسيطة منها.

أشاحت ابريل ببصرها بعيدًا عنه بإرتباك ملحوظ فى لغة جسدها ، فهى لم تعد تستطيع النظر إليه أكثر من ذلك بعد أن ظلت عيناه تنظران إلى ملامح وجهها طويلاً ، وتجزم أنها رأت الدهشة الساطعة في رماديتيه من هذه المبادرة التي لم يتوقعها منها على الإطلاق على الرغم من جراءتها الزائدة عن الحد معه فى بعض الأحيان ، لكنها الآن أرادت أن تعرب له عن امتنانها الكبير لاهتمامه بها ، لأن هذا أمرًا عظيمًا بالنسبة لها.

تنحنحت إبريل برقة ، ثم انفلتت كلماتها بتلعثم : تعبتك معايا .. شكرا علي اهتمامك بيا

ظل باسم يحدق بها ، وعلى وجهه تعابير غير مقروءة بعد أن أصبحت أفكاره مشوشة تماما ، فحاولت صرف الانتباه عن إحراجها بالتحدث بطريقة عادية ، وطرحت عليه سؤالاً بنبرة متحمسة : جعان..؟ خليني اقوم احضر لنا فطار .. نفسي مفتوحة علي الاكل جدا

استدار باسم بصدره أثناء حديثها ، ليعيد الكأس إلى الطاولة ، وما زال يشعر بأنفاسها الساخنة تداعب رقبته من شدة قربها منه.

أزالت ابريل الغطاء عن جسدها لتهم بالنهوض ، لكن يده سرعان ما دفعتها بحركة سريعة ، لتستلقي على ظهرها عبر عرض السرير ، وهو ينحني عليها ، ويسند مرفقه إلى جوارها ، وكفه الآخر على قمة شعرها ، ثم غرس شفتيه بين شفتيها المتباعدتين قليلا ، فى قبلة شغوفة أذابت خلاياها توقاً لها ، فلم تعطي نفسها فرصة للتفاجؤ أو الصدمة بل بادلته ، وهى تحرك رأسها من جانب إلى الآخر معه بإنسجام ، وهو يمتص شفتها السفلية ، يبدل بينهما بتروى أحياناً ، وجنوناً أحياناً أخرى ، في لحظة لا يريد أن يكتب لها نهاية.

فصل باسم قبلتهم المحمومة بعد عدة ثوانٍ ، ليدعها تلتقط أنفاسها المسروقة قليلا ، ويزيح خصلات شعرها عن وجنتيها قبل أن يلثمها برقة ، ليهمس بحرارة : مش عايز فطار .. انا عاوزك انتي .. انا بحبك يا ابريل .. مش بس بحبك .. بعشقك .. مجنون بيكي!!

اتسعت عيناها بصدمة بسبب جملته الأخيرة التي تتردد في أذنيها مرات متتالية ، فَوَضَعَ جبهته على جبهتها متنفسًا من نفس هوائها ، شابكًا أنامله بخاصتها الرقيقة ، ثم حملق بها مغمغًا بسؤال مُلِحّ في عقله يحترق شوقًا لمعرفة إجابته : بتحبيني؟ انا شايفها جواه عينكي ومتأكد اني مش غلطان!! ونفسي اسمعها منك..

لمعت فيروزيتها بالعشق ، ونبرة صوته المثيرة فعلت بقلبها الأفاعيل ، فقبل أنفها بخفة ، ودقات قلبها الصاخبة تطرب أذنه ، متابعًا بصوته الأجش ، وعيناه مليئة بالإصرار المعذب : قوليها .. قوليها .. قولي أي حاجة تهدي نار شوقي ليكي للي تاعب قلبي!!

ازداد نبضها بسرعة كضربات الطبول ،
فبللت شفتيها بطرف لسانها بإغراء غير مقصود ، وهي ترفع ذراعها الحر ، وأخذت تداعب خصلات شعره الناعم برقة ، لتهمس بنبرة خافتة : لا مش غلطان .. انا بحبك يا باسم

لمعت عيناه ببريق العشق والرغبة ، وتاه متأوهًا بتنهيدة طويلة انطلقت من أعماقه. 

اقترب برأسه منها ، خاطفًا شفتيها مرة أخرى بنهم وشغف ، وتجاوبها الحار مع مشاعره الجارفة زاد من جنونه ولهفته ، مشعلًا في عروقه وجسده نار الرغبة الكامنة تجاهها ، وقلبه يطالبه بامتلاكها ، يريدها بشدة ، فالمرة السابقة لم تزدده إلا شوقًا لخوض التجربة ذاتها معها مجددًا ، لكنه هذه المرة متأكدًا تمامًا من أنها واعية وراغبة فيه ، ويشعر بعشقها الذي حطم كل قيودها ، وأسقط سيطرتها على عقلها العنيد.

تعالى رنين هاتفه على الطاولة ، لكنه مر دون أدنى اكتراث منهما ، إذ كانا غارقين في خضم متعتهما داخل عالمهما الشبق.

تكرر الرنين مرارًا ، فانسلخ عنها بصعوبة بالغة، وأمسك الهاتف بيد متوترة ، متنهدًا بضيق وهو ينقل بصره إلى الشاشة ، ليتمتم بصوت حانق تحت أنفاسه اللاهثة : دي ريهام؟!! هي عايزة ايه دلوقتي!!

تسللت نظرات باسم نحوها مثقلة بعاطفة متأججة ، متأملًا مظهرها المغري تحت الغطاء الخفيف الذي بالكاد يستر جسدها العاري. 

ارتسمت على ملامحه علامات الضجر وهو يشيح بعينيه بعيدًا ، مستعدًا للضغط على زر جهاز الاستقبال ، لكن حركته توقفت فجأة عندما تطوقت يداها حول عنقه بجرأة ، لتجذبه نحوها باندفاع مثير ، هامسة له بصوت مشبع بالحرارة والشوق : هو رجع لحضنها وارتاحت .. مش هسيبك انت تبعد عن حضني..

بحروفها التائقة ، لامست شفتيه برقة بالغة ، فألهبت نيران الرغبة في عروقه ، وهو يبتسم بانشداه ونشوة غامرة ، ما لبث أن ألقى الهاتف جانبًا ، غير مبالٍ بما حوله ، ليغمره موج عشقها الثائر
 
بينما تلك الأخرى ، التي تملكتها الصدمة ، كانت تستمع إلى آهات المتعة المتبادلة بينهما ، وتنهيدات إبريل التي تحثه على المزيد ، فسقطت دمعة حارقة من عينيها. 

أغلقت الهاتف بقلب مثقل باليأس ، وأخذت حسرة عميقة تجتاح قلبها ، بعدما أدركت أن قلبًا كان في يومٍ ما يبدو وكأنه ملكٌ لها ، لم يكن لها من الأساس ، وأصبح بعيدًا عن متناولها ، لا يمكنها العودة بالزمن إلى الوراء.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

داخل عيادة طبيبة نسائية 

في غرفة هادئة مطمئنة بديكوراتها البسيطة وألوانها المريحة ، إستلقت لميس على السرير الطبي كما طلبت منها الطبيبة ، بينما بقي خالد جالسًا على الكرسي في الغرفة الملحقة أمام المكتب ، يراقب الوقت بقلق ، منتظرًا انتهاء العملية التي تخضع لها لميس.

بعد وقت بدا طويلًا ، خرجت الطبيبة وهي تخلع القفازات الطبية ، بينما نهض خالد علي الفور وسألها بلهفة : خير يا دكتورة

ردت الطبيبة بنبرة هادئة ، بينما جلست خلف مكتبها بثبات : خير يا أستاذ خالد .. اطمن كل شيء تمام

أشارت له بالجلوس ، ثم أضافت بنبرة مهنية واثقة : زي ما شرحت لحضرتك الغشاء عند مدام لميس من النوع المطاطي .. وده كان سبب الصعوبة اللي واجهتوها مش أكتر

دخلت ممرضتان بهدوء ، وهما تُساندان لميس التي بدا التعب واضحًا على وجهها ، لكنها تشعر بأي ألم بفضل المخدر الموضعي الذي تم استخدامه أثناء العملية ، فاقترب خالد منها بسرعة وساعدها في الجلوس على الكرسي برفق وحنان.

سأل الطبيبة بنبرة تعكس القلق الذي يملأ قلبه عليها : يعني هي دلوقتي كويسة؟ أقصد صحتها بعد العملية؟

ابتسمت الطبيبة بهدوء ، ثم أجابت بطمأنينة : مفيش داعي للقلق .. الجراحة كانت بسيطة جدًا وملهاش أي مضاعفات .. نصيحتي ليها إنها ترتاح النهاردة وما تعملش أي مجهود

_شكرا يا دكتورة

نهض خالد عن الكرسي ومد يده بلطف ليساعد لميس على النهوض ، ممسكًا بكفها بين يديه وهمس بإبتسامة : يلا يا حبيبتي .. نرجع البيت عشان ترتاحي

لمعت عينا الطبيبة إعجابًا بعقلية خالد المتفتحة ، وفهمه العميق لهذه المسألة ، حيث نادرًا ما تجد مثل هذا الوعي ، فقد كانت كثيرًا ما تصادف حالات يظهر فيها جهل الأزواج بهذه الأمور ، مما يعرض العديد من النساء للظلم بسبب نقص المعرفة العلمية.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

على سلم الطوابق بالمستشفى

وسط أجواء تعج برائحة المعقمات وصوت الأجهزة التي تنبعث من الطوابق العليا ، بينما هالة تصعد السلم بخطوات هادئة ، وتحمل في يدها مجموعة من الأشعات والتقارير الطبية.

على حين غفلة ، اخترق اسمها بصوته الرجولي العميق صمت الأجواء ، وفي اللحظة ذاتها ، شعرت بيده تحيط معصمها بحزم رقيق ، جعلها تستدير بارتباكٍ واضح.

_نعم يا دكتور فريد؟ 

قالتها بتوتر وهي ترفع عينيها إليه بتردد ، لتلتقي بعينين مليئتين بالعتاب والأسئلة التي كانت تتجنبها منذ أيام ، فقد حاولت أن تحافظ على مسافة أمان بينها وبين أي لقاء غير متوقع ، إلا أن هذا اللقاء فرض نفسه عليها ، وكأن القدر هو من أعد لهما اللقاء.

فريد وقف فريد أمامها ، ملامحه متماسكة ، لكن بها شيء من التحدي الخفي ، بدا عليه إصرار رجل لم يعتد الهروب من المواجهة ، إذ رفع حاجبًا بخفة ، وهو يجيبها بابتسامة ساخرة : من أسبوع كنت فريد بس .. والنهاردة دكتور فريد؟! حلو أوي!

شعرت هالة بحرارة تسري في وجنتيها ، فأجابته بسرعة ، محاولًة أن تتخلص من قبضته : لو سمحت .. ما يصحش تمسكني كده

أفلت يدها بهدوء ، وعيناه تومضان بالغضب ، فجزّ على أسنانه ، وتحدث بصوت مستاء : كل ما تشوفيني بتهربي .. يا بتتجاهليني .. مش مدياني فرصة ليه أوضحلك موقفي في اللي حصل؟!

رفعت يدها أمامه بحسم ، والجدية تغطي وجهها ، لتخفي الخجل الذي يشتعل في عينيها : دكتور فريد .. أنا مش عاوزة منك تفسير ولا توضيح .. أنا نسيت اللحظة دي .. ومن فضلك انساها أنت كمان .. وخلينا نتعامل كأنها محصلتش .. ونركز في شغلنا وبس

رفع فريد حاجبيه بتعجب ، وضاقت عيناه بنظرة مليئة بالاستفهام ، قبل أن يتساءل بثقة : إيه الجزء بالظبط اللي محصلش؟ إنك ماخدتنيش في حضنك .. ولا إننا مابوسناش بعض؟ عشان الاتنين أنا متمسك بعدم نسيانهم يا هالة

دق قلبها بسرعة شديدة ، وكأن أنفاسها توقفت من جرأة كلماته ، فأجابته بلهجة محملة بالضيق والإصرار : كلامي واضح يا دكتور .. إحنا زمايل شغل مفيش حاجة أكتر من كده

فور أن أنهت جملتها، دارت ظهرها له وواصلت صعود السلم مسرعة.

✾♪✾♪✾♪✾♪✾

في غرفة الأشعة

دخلت هالة بتوتر شديد ، كأنها تهرب من وطأة النقاش الذي أثقل قلبها ، بينما تبعها فريد بثباته المعتاد ، وأغلق الباب جزئيًا دون أن يقفله تمامًا.

وقفت في منتصف الغرفة ، تضغط على التقارير التي في يدها ، وكأنها تسعى لطمأنة نفسها بشيء مادي ، وحاولت أن تبدو متماسكة ، لكن أنفاسها المتلاحقة خذلتها.

كسر فريد الصمت بصوته الحاد : كلامك غير منطقي!! إزاي عايزاني أنسى بالبساطة دي يا هالة؟!

تقدمت خطواته نحوها بثبات ، ثم قبض على مرفقها بلطف قاسٍ ، مجبرًا إياها على مواجهته بنظراتها المشبعة بالحرج والاضطراب ، حتى جعلت عسليتيه تلين اتجاهها، ليقول بعدها بصوت عميق : تنكري إن في قلبك مشاعر ناحيتي يا هالة؟

سحبت هالة ذراعها من يده بهدوء يتنافى مع دقات قلبها الصاخبة ، ثم أجابت بصوت مختنق : إيه ما كان شعوري .. يا دكتور حضرتك خاطب وأنا..

أوقف فريد حديثها بنبرة قاطعة ، وعينيه تشتعلان بالتصميم : انتي مش مخطوبة يا هالة

رفعت هالة عينيها نحوه بصدمة ، ثم همست بهدوء : يعني عارف؟

أومأ فريد برأسه بثقة ، وابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه أجابها : من يوم فرح أخوكي .. وانا عارف إن خطوبتك مفسوخة .. اللي مش فاهمو ليه خبيتي وقلتي عكس الحقيقة؟!

ابتعدت هالة قليلاً ، ثم قالت بتردد : لما جيت اعزمك علي فرح اخويا .. كانت خطيبتك موجودة وحسيت ان الموقف هيكون محرج او هتفهم غلط .. لو عرفت اني مش مرتبطة

تابعت بنبرة صادقة : بس فعلا هدير بنت طيبة وقلبها ابيض .. مش حابة اتسبب لها اي الم او صدمة من النوع دا .. خصوصا اني مريت بتجربة مشابهة شوية وعارفة ان الاحساس دا مش لطيف ابدا

نظر إليها بجدية ، وكأن عيناه تخترقان كل ما تحاول أن تخفيه ، وهو يوجه لها سؤالاً بحزم : وانتي ليه متأكدة اوي كدا انها هتتألم من مشاعري نحيتك؟

احمر وجهها من الحرج ، لكنها حاولت أن تتماسك ، لترد بإندفاع مشوب بالإستنكار : إزاي مش هتتألم وأنتو مخطوبين؟

هز فريد رأسه بخفة ، وأخذ نفسًا عميقًا، متوصلًا أخيرًا لفهم سبب ابتعادها عنه ، ثم قال بنبرة واثقة : لو كنتي بتديني فرصة عشان تسمعيني .. كان زماني قولتلك ان مبقاش في بينا ارتباط .. والخطوبة اتفسخت قبل ما تسافر تكمل دراستها .. وعلي فكرة دا كان قرارها زي ما هو قراري لان عمرنا ماتفقنا ولا في مشاعر وتفاهم بيجمعنا

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

خيّم الصمت داخل السيارة ، بينما كانت لميس مستندة إلى النافذة ، وإرهاق الساعات الماضية يسيطر عليها ، فى حين كان خالد يقود بتركيز ، لكن عينيه بين الحين والآخر كانت تراقبها بقلق مكتوم 
، وما إن وصلا إلى الشقة ، حتى نزل خالد أولًا وأسرع إلى بابها ، فتحه وساعدها على النزول مُمسكًا بكفها داخل يده الدافئة 

عند مدخل الصالة ، توقف قليلًا ثم قال بصوته العميق الحاني : تعالي هنا .. اقعدي على الكنبة ترتاحي شوية

أسند يده برفق على ظهرها ، وأرشدها للجلوس بلطف على الأريكة ، فاستسلمت له بصمت دون اعتراض.

_هجيب لك عصير..

رفعت رأسها إليه ، وهمست بنبرة واهنة : مفيش داعي انا حاسة بنعاس .. وهموت وأنام

ابتسم خالد بخفة ، وتحدث بحزم هادئ : مش قبل ما تشربي العصير .. ثانية واحدة

غاب للحظات قصيرة داخل المطبخ ، ثم عاد ومعه كوب عصير ، جلس قبالتها بهدوء وقرّب الكوب منها ، هامساً بلهجة حانية : اشربي ده .. وبعدها نامي براحتك

تطلّعت إليه باستسلام وإمتنان تناولت الكوب ، بينما ظل خالد يراقبها بعينيه المليئتين بالاهتمام والحب.

بعد أن انتهت ، أسندت رأسها إلى الوراء على الأريكة ، بينما اقترب خالد أكثر وهمس بتساءل : محتاجة حاجة تانية؟

رفعت نظراتها إليه ، ثم ردت بإستيحاء : كنت عاوزة اخد دوش عشان اعرف انام

أومأ خالد برأسه بالموافقة ، مد يده بلطف نحوها ، مساعدًا إياها على النهوض ، ثم أمسك بها بحذر وهو يقودها نحو الحمام. 

دخلوا معًا ، وتوقف قليلاً أمام حوض الاستحمام ، ليملأه بالماء الدافئ ، مضيفًا بعض الزيوت العطرية المهدئة ، مما أعطى المكان أجواء من السكينة والراحة.

وقف أمامها لوهلة قبل أن تمتد يده نحوها ، مبتغيًا مساعدتها على خلع ثيابها ، لكن لميس اعترضت ، ووجنتاها يحترقان خجلًا ، ودقات قلبها تتسارع كالطبول : مش مستاهلة يا خالد .. أنا هقدر لوحدي

لكن قلبه لم يسمعها ، بل أصابعه امتدت برقة إلى أزرار قميصها ، يفتحها بلمسات لطيفة وسريعة ، بينما كانت اعتراضاتها الخجولة تمر أمامه كهمسات عابرة ، ثم توجه بها نحو الحوض ، مساعدًا إياها على الجلوس ، فارتاحت للغاية في المياه الدافئة التي غمرتها برفق.

عندما انتهت أخذها إلى خارج الحمام ، وما زال يساندها بلطف حتى وصل بها إلى الخزانة ، وأخرج منها ثوبًا فضفاضًا ، وهو ينوى بهدوء إلبّاسها إياه ، لكن لميس بشيء من الخجل همست بعذوبة : لا يا خالد .. معلش كفاية .. أنا هعرف أكمل لوحدي

أمسك خصلة من شعرها برقة ، وعينيه تفيض بالشغف والوله ، بينما قلبه يحترق بنيران ، وهو يراقب المنشفة التي تحاول تثبيتها على جسدها المرتجف ، لكنه
هز رأسه بالموافقة علي مضض ، قائلاً بلطف : طيب .. هدخل أنا كمان أخد شاور .. وانتي على مهلك

تحرك خالد بعيدًا إلى الحمام ، بينما أخذت لميس ترتدي ملابسها بسرعة ، ثم توجهت إلى الفراش لتستلق عليه ، وهي تنتظر خروجه. 

مع مرور الوقت ، بدأ جسدها يتثاقل ، حتى غفت في نوم عميق ، لم تشعر به حين خرج من الحمام ، لا بوقوفه لثوانٍ قليلة بجوار السرير ، وعينيه تراقبها بحب ولهفة ، ثم توجه نحوها ليستلقي بجانبها. 

جذبها خالد برفق نحو صدره ، لتتوسد رأسها قلبه ، بينما أخذت أصابعه تلامس أنفها وفمها برقة ، ثم طبع قبلة رقيقة على جبينها ، وأغمض عينيه بتعب ، ليغرق في نوم هادئ ، حتى شعر بها تتململ بين ذراعيه ، ففتح عينيه ببطء ليجدها تنظر إليه ، فسألها بصوت أبح خشن ، وقد ارتسم القلق على ملامحه : عاملة إيه دلوقتي؟ التعب خف شوية؟

أجابته لميس بإبتسامة ناعمة : أه .. هي الساعة بقت كام؟

تناول خالد هاتفه من فوق المنضدة ، ونظر إليه سريعًا قبل أن يتمتم : 5 ونص المغرب

تثاءبت لميس برقة : يا نمنا كتير اوي

مرّر خالد كفّه برفق فوق رأسها ، وابتسامة حنونة تُضيء ملامحه نطق : أهم حاجة تكوني مرتاحة دلوقتي .. ونمتي كويس؟

_الحمدلله

_رايح فين؟

سألته لميس بدهشة ، وهو ينهض من الفراش ، ليخبرها بنبرة دافئة بينما يرتدي تيشيرت قطني : هجيبلك طبق فاكهة تاكليها قبل ما تاخدي الدواء اللي كتبته الدكتورة .. وبعدين نطلب دليفري من برا عشان نتغدى قبل ما حد ييجي يزورنا 

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

مساءً في مدينة دبي ، حيث تتلألأ الأضواء وتنبض الحياة في كل زاوية.

في الإضاءة التي تتراقص على جدران غرفة الفندق الفخمة ، وقف عز بجانب مني أمام مرآة ضخمة ، عيناها تلمعان في انعكاسها، لكنها لم تتمكن من إخفاء ارتباكها ، يداها ترتجفان وهما تحاولان وضع الحلق في أذنيها ، أما هو يقف خلفها تمامًا ، يمشط شعره الناعم ، ويداه تتعمدان الاحتكاك بجسدها بشكل غير مباشر ، بينما تشعر بأنفاسه تلامس عنقها كالنيران التي تشعل في قلبها ولعًا واشتياقًا ، لكنه حاول كبح ابتسامته وهو يزرع في قلبها توترات لا حصر لها.

_ممكن تبطل أمور التلزيق دي؟

قالتها مني بمزيج من الغضب والعجز ، وهى على وشك الإنفجار من هذا القرب المهلك لقلبها ، بينما ارتسمت على فمه ابتسامة خبيثة يشوبها السخرية : وفيها إيه لما أتلزق في مراتي؟ خصوصا ان الجو هنا فيه لطشة برد تشجع اوي علي التلزيق!

عضَّ عز على شفته بنهاية جملته ، فرفعت حاجبها بغيظ من تلميحه الجريء ، ثم قالت بحدة : حركاتك دي يا عز انا عارفها كويس .. لفيت ودورت وعملت اللي في راسك .. وخليتنا في اوضة واحدة وسكت .. رغم اني قولتلك من قبل مانوصل .. هنزل في اوضة لوحد .. ف ماتزودهاش!!!

وضع عز يده على سطح طاولة الزينة ، مائلًا نحوها قليلاً ، وعيناه تلمعان بإفتتان  بجمالها الذى يأسره ، ليسألها بصوت مفعم بالتحدي والمكر : طيب سيبي التلزيق و الحركات علي جنب .. منظرنا كان هيبقي ايه قدام التيم بتاعك وكل واحد فينا نازل في اوضة؟

أمسك عز ذقنها بنعومة ، ثم أمال رأسها تجاهه أكثر ، وهمس في أذنها بخشونة جذابة : سكتي يعني! ماتسمعينا صوتك الحلو؟

أثارت نظراته في قلبها اضطرابًا محببًا ،  لكنها دفعته عنها بلطف ، وعيناها تتحداه بنظرة أكثر صرامة ، محاولة مقاومته بصلابة مفعمة بالرقة : انا مش عيلة صغيرة مرهقة يا عز .. هتأثر بكلامك دا وشوية النحنحة بتوعك

رد عز عليها بضحكة ساخرة ، وهو يراها غارقة في تضارب مشاعرها : مصدقك يا روح عز .. التأثير مش باين عليكي خالص

اقترب عز منها بشدة بعد أن انتهى من كلماته ، واضعًا قبلة على جبينها ، كأنها شعاع شمسٍ ينساب في عروقها ، ويبعث في قلبها دفءً يشعلها ، حيث يعلم بتوترها منذ الصباح بسبب الحفلة ، فحاول أن يلهيها بمشاكسته ، كالعاصفة التي تزيل عن قلبها الثقل.

بينما هى ذابت في أنفاسه ، وجسدها كاللهبٌ يتراقص على إيقاع شوقه ، ثم قبضت على كتفه بقوة ، وقلبها يدق كطبول الحرب ، يعزف لحنًا صاخبًا يوازي تلاطم مشاعرها المشتعلة ، وعندما اقترب منها ليلتهم شفتيها بشوق داخل فمه ، قطع رنين الهاتف لحظتهما ، فابتعدت عنه فجأة ، وكأنها تفرّ من لهيب اللحظة التي لن تجد لها عودة ، وأجابت سريعًا على المكالمة ، ثم اندفعت نحو الحمام ، تختفي خلف جدرانه ، وكأنها تلوذ بالنجاة من نظراته العاشقة ، لتهمس لنفسها بعزمٍ مضطرب تردد في أعماقها : انت غلطت غلط كبير في حقي ومش اول مرة بس انا مش هتساهل في حقي المرة دي .. وزي ما كنت السبب في زعلي هتلف حوالين نفسك عشان ترضيني

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

بعد مرور ساعة

جلس خالد ولميس على طاولة الطعام ، 
رفع خالد عينيه إليها ، وسأل بنبرة هادئة : مابتاكليش ليه؟ السمك مش عجبك؟

هزّت لميس رأسها سريعًا بابتسامة جميلة : لا .. حلو أوي .. بس لسه حاسة بصداع

قال خالد بنبرة رجولية هادئة : من الصبح مكلتيش حاجة ونمتي قليل .. كملي اكلك عشان ترتاحي

أنهى خالد حديثه بابتسامة هادئة ، بينما يضع قطعة السمك برفق في فمها.

نظرت لميس إليه بدموع تترقرق من عينيها ، كأنها تراه لأول مرة بقلبها لا بعينيها ، فهو رجل لا مثيل له اجتمع فيه الحنان مع الصبر ، والإخلاص مع الحب ، حتى باتت نظراته إليها تُغرقها في بحر من العشق الذي لا ينضب. 

وفي تلك اللحظة تحديدًا ، اجتاحها شعور غريب لم تألفه من قبل ، إحساس نقي يفيض حبًا وطمأنينة يتسرب إلى أعماقها ، وكأن قلبها يزهر لأول مرة ، أيقنت حينها أن الله منحها نعمة عظيمة ، رجلٍ لن تجد مثله مهما مرّت الأيام ، وأنها وجدت في قلبه موطنًا لن تهجره أبدًا.

لاحظ خالد شرود لميس في ملامحه ،
فأسند ظهره إلى الكرسي وبدأ يراقبها بنظرة فاحصة ، وابتسامة جذابة على شفتيه سألها : في حاجة في بالك وعاوزة تقوليها؟

أطرقت لميس برأسها في خجل ، ثم تحدثت بتردد : كان يوم مش سهل ومليان توتر .. بس عدا بفضل هدوءك وثقتك فيا

نظر خالد إليها بعينين مليئتين بالتركيز والإهتمام ، كأنه ينتظر منها أن تتابع حديثها ، فأضافت بتوتر زاده خجلها ، وهي تعبث بأطراف أصابعها في حجرها : بصراحة كنت مستغربة من هدوئك .. يعني .. حد تاني مكانك كان ممكن يتصرف بعصبية أو يشك أو حتى يجرحني بكلمة .. لكن أنت احتويتني من غير ما تقول كلمة تزعّلني .. وده بجد .. ريحني أوي

رفعت لميس عينيها نحوه بتعبير مليء بالامتنان ، فابتسم خالد ابتسامة هادئة ، تاركًا لها المجال لاستكمال حديثها.

توقفت لميس للحظة تلتقط أنفاسها ، ثم استطردت بصوت أكثر هدوءًا : شكراً يا خالد..

عقد خالد حاجبيه بنظرة جدية ، وصوته خرج عميقًا كعادته : أكبر غلط ممكن نقع فيه هو إننا نحكم بجهل على حاجة مانعرفش أسبابها .. أيوه طبيعي نتهز لما نواجه شيء مش متوقع .. بس ماينفعش نوقف العقل أكتر من اللحظة اللي بتمر علينا وإحنا مصدومين

ابتسم خالد بخفة ، وهو يُضيف بنبرة صادقة تحمل بين طياتها حزمًا واحتواءً : وأنا ماشكتش فيكي لحظة واحدة .. انتي في عيني أطهر وأغلى بنت في الدنيا

ارتعشت شفتاها بتأثر واضح ، وهمست بصوت خجول : ممكن .. تحضني؟

رمقها خالد للحظة ، ثم ضحك بتعجب : وأنا إيدي ظفرة كده؟

رفعت لميس كتفيها بلا اكتراث ، وردت ببساطة ، وهي تحاول إخفاء خجلها : اه

نهض خالد من مكانه بخطوات هادئة ، لكن قلبه كان يسبق جسده في التوجه نحوها ، فتح ذراعيه لها بابتسامة مليئة بالشغف والحنان ، فاندفعت نحوه ، وعانقته بكل قوة ، وهى تشعر في حضنه بمزيج من الدفء والأمان ، وعشق يغمر كل ذرة فى كيانها.

— يلا كملي اكلك .. مش عايز اسمع حماتي تقولي دي شكلها تعبانة بسببك

قالها خالد بمرح ، وهو يعيدها برفق إلى مكانها على الطاولة ، بينما ضحكت لميس بخفة وراحة علي مزحته.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

داخل غرفة نوم دعاء

دخلت وسام بعجلة ، واقتربت من السرير ثم صاحت بعدم رضا : معقولة يا دعاء لسه نايمة؟ مش ورانا مشاوير يا بنتي؟

فتحت دعاء عينيها بتعب ، وردت بصوت خافت : مش قادرة يا وسام .. معلش

_غريبة الكسل اللي بقي فيكي الايام دي؟!! طيب خلاص خلينا نخلص اللي ورانا .. وتبقي تكملي نوم في حضن عيال كارما عندنا من امبارح يلا قومي قومي

أنهت وسام حديثها بإبتسامة لطيفة ، لكن دعاء أغمضت عينيها ثانية لثوانٍ ، ثم تمتمت بتنهيدة : خليني على راحتي يا وسام .. أنا مرتاحة في بيتي

نظرت وسام إليها بتعجب ، وكأنها لا تصدق ما تسمعه : الكلام دا يا دعاء من إمتى؟ بينا بيتي وبيتك؟

لم ترد دعاء على الفور ، ثم رفعت رأسها أخيرًا ، ونظرت إليها بعينين مليئتين بالتعب والعذاب الكامن ، وهتفت بإنفعال : من دلوقتي يا وسام من دلوقتي .. بطلي معاملتك دي بطلي تكلمي بالطيبة دي .. عشان خلاص ما بقتش قادرة اكتم في قلبي زيادة عن كدا

شعرت وسام بالإرتباك ، غير قادرة على استيعاب كلامها ، لتقول بدهشة : أنا مش فاهمة من اللي بتقوليه دا أي حاجة يا دعاء؟

أضافت وسام بنبرة حائرة : ملاحظة تغييرك معايا .. وتوترك الزيادة وعصبيتك .. بس محبتش اضغط عليكي .. بس كدا يبقي في حاجة كبيرة دي اول مرة تكلميني كدا .. ايه الحكاية بالظبط؟!

نهضت دعاء من السرير ببطء ، وقدماها مهزوزتان ، وكأن الأرض تحت قدميها تتراقص.

نظرت إلى وسام بنظرة مليئة بالوجع ، ثم ردت بصوت متعب وغامض : الحكاية اني ماستاهلش تبقي طيبة معايا اوي كدا .. انا لو كنت مكانك عمري ماكنت هبقي واثقة فيكي بالطريقة دي ..

استدارت دعاء وفتحت أحد أدراج الكومود في هدوء غريب ، تحت أنظار وسام التي بدا عليها الفضول والتعجب من حالتها ، وشعرت أن شيئًا ثقيلًا في قلب دعاء كان ينهار. 

أخرجت دعاء عدة أوراق ملفوفة ، ومدتها لوسام وهي تقول بصوت مهزور بخوف وبوادر البكاء : خدي اقرأي دي هتفهمك كل حاجة..

نظرت إلى دعاء بتمعن ، وهى تشعر بتردد في أخذ الأوراق ، ثم بدأت في قراءة الكلمات المطبوعة ، ومع كل كلمة كانت تزداد ملامح وجهها شحوبًا ، وأدركت وسام بصدمة مروعة ما كان مخفيًا عن عينيها طوال العمر ، لدرجة أنها توقفت عن التنفس للحظة من هول الأمر ، بينما دعاء واقفة أمامها ، ووجهها مغطى بظلال من الألم والمرارة والخوف.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1