![]() |
رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل المائة والخامس والثلاثون بقلم فاطمه عبد المنعم
★ملخص لأهم الأحداث السابقة★
* عاد "عيسى" إلى الاسكندرية، بعد سفر مطول إلى "شرم الشيخ".
*محاولة "علا" الانتحار، وقدوم بشير لإغاثتها.
*زواج "بشير" و"علا"
*رفض "سهام" اقتران "عز" بابنتها وسماعه لرفضها هذا.
*مرور زمني في الأحداث، يقف على اختطاف "عيسى" و "شاكر" واحتجازهما في مكان واحد.
ملحوظة:
(المرور الزمني ده هيذكر تباعا في الفصول القادمة، يعني الأحداث اللي حصلت قبل خطف "شاكر" و"عيسى" هتتذكر متتالية في الفصول الجاية، وهنرجع برضو للنقطة الواقفين عنها وهي الخطف، يعني جزء من اللي حصل وجزء من الحالي.)
أسيبكم مع الفصل:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد امتلكت الرد، ولكني اخترت الصمت طواعية، كل ما فعلته قصدته، لست أسف على أي شي، ولمن أعتذر؟، هل لمن اختاروا باجتهادهم الشخصي أن يصبحون حميرًا، متفاديين حتى ذكاء الحمار.
لا أعتذر إلا لها، هذه التي تقبع في أطراف المدينة، ولا أطيل في الحديث، حتى لا تقع في حبي مجددا...
مع خالص كرهي للجميع إلا هي.
★***★***★****★***★***★****★****★****★
عجلة الأيام هي الأشرس، قادرة على فعل الكثير، من يصدق الآن أنهما معا في غرفة واحدة، كل منهما مكبل بالقيود على مقعده.
لم يتوقع "عيسى" أن يجتمعا من جديد، والأدهى في غرفة واحدة، مغلقة على كليهما، من لا يتسبب اللقاء بينهما إلا في الكوارث، الآن سويا في مكان واحد، والمفتاح بيد من أوقعهما في الفخ.
لأول مرة بعد الحادثة التي قلبت كل شيء رأسا على عقب، طالعه "عيسى" باستخفاف وتحدث:
مقرتلكش الفاتحة ولا مرة في فترة الموت على فكرة.
_ أنا أحسن منك وقرأتها لأخوك كتير.
لولا قيودهما لكانت حرب طاحنة الآن، وأمام قول "شاكر" هذا هتف عيسى بابتسامة متوعدة:
شاطر.
ثم أكمل غامزًا وهو يشير على قيوده:
يتشالوا بس، وإن شاء الله هخليك تقرأ القرآن كله يا شيخ "شاكر".
نطق " شاكر" مراوغًا:
بس احلوت بعد الطلاق، احلوت أوي، طول عمرها حلوة بنت الإيه.
_أمك ولا إيه؟
كان هذا سؤال "عيسى" والذي تمنى لو يحرق المقعد بشاكر الآن.
والسؤال المسيطر على عقل كل منهما، من أتى بهما إلى هنا، من الذي تجرأ ووضع النيران بجوار المادة القابلة للاشتعال، ليحقق المستحيل، ويجمعهما الآن هنا!
سبق هذا الحدث الجلل، العديد من الأحداث، كانت الأيام السابقة له مليئة، بارعة الحياة في استغلال ولو ثانية واحدة، تذكر "عيسى" جلوسه الأول على مائدة العائلة بعد عودته، لم يتغير شيء، سوى أن صغير "طاهر" يجافيه، وشقيقته يبدو الحزن على طيات وجهها، كان والده الأكثر حماسًا وبان هذا في قوله:
إن شاء الله دايما متجمعين.
وأمن "طاهر" على هذا بقوله ضاحكا:
إن شاء الله بس عيسى يعقل.
طالعه "عيسى" بغيظ، وضاعفه قول "حسن":
أنت لو مشيت تاني أنا هحط حاجتي الزيادة في أوضتك، هتقولي ما في أوض كتير، هقولك بس أنا عيني على دي.
نطق لأول مرة منذ هذه الجلسة:
بس يالا.
ضحك " حسن" وقد نجح في إثارة غيظه، ولاحظت "رفيدة" نظرات "عيسى" نحو "يزيد" فمالت على الصغير تلومه برفق:
أنت مسلمتش على عيسى ليه؟
_ كده مش عايز.
هكذا رد ببساطة، وأكملت هي عتابه:
ليه بس مش أنت قبل كده قولتلي إنك بتحبه أوي، وهو بيجبلك ألعاب من اللي بتحبها؟
فرد عليها بما وصل للجالسين على الطاولة:
مبقتش ألعب بالحاجات دي، ومش بحبها.
طالع "طاهر" ابنه بانزعاج، وسريعا ما قالت "سهام":
عيب كده يا " يزيد".
_ لا مش عيب أنا مش عايز أكلمه، ومش ه...
قطع قول الصغير نداء والده بحدة:
يزيد
طالعه الصغير ورأى الغضب في عيني "طاهر" والذي أشار له ناحية الأعلى:
قوم من هنا، اطلع على اوضتك، وحسابنا بعدين.
أدرك الصغير أنه معاقب، ولم يرق لعيسى هذا فأسرع يهدأ "طاهر":
محصلش حاجة يا طاهر خلاص، متقومش الواد من على الأكل، سيبه يكمل أكله.
ولم يستجب " طاهر" بل ألقى على مسامع ابنه بنبرة لا تقبل النقاش:
اعتذر لعمك.
_ يا بابا...
ولم يعط ابنه الفرصة للجدال بل كرر بصرامة:
قولت تعتذر
رغمًا عنه نطق وهو يطالع "عيسى" بضيق:
أنا أسف يا عمو.
ضحك "عيسى" على "عمو" هذه، لا يناديه باسمه كما اعتاد، هز رأسه موافقًا على اعتذاره حتى لا يطول الأمر، هو يعلم كم أن "يزيد" غاضب منه.
وحاول "نصران" تخفيف الأمر على ابنه، فربت على كتفه وتحدث بنبرة منخفضة:
معلش، يزيد صغير، وكان زعلان أوي إنك مشيت، وأنت شايف أهو أخوك مسكتلوش، اصبر عليه يومين وهيصفالك.
هز "عيسى" رأسه بابتسامة، كان أخر ما يريده في هذه اللحظة، هو "سهام"، التي قربت أحد الأطباق تضعها، أمامه، وقبل أن ينسى كل شيء، ويرفضه، ويصفعها بكلماته، لاحظ " طاهر" المراقب لكل تفصيلة بداية من تعبير وجهه حين قدمت والدته الطلب، بل وحتى انتظار رده فاضطر قبوله بابتسامة مجاملة ليثبت له للمرة الألف أن حديثه السابق بأنه سامحها لم يكن كذبًا، ودعم هذا بتعليقه:
شكرا.
أنهى طعامه، وغمز لشقيقته بأنه يريد الحديث معها بعد أن تتنتهي هي الأخرى، ولم تتأخر، علمت بأنه في غرفته، فصعدت له، جلست أمامه على الفراش، وعبر لها عن اشتياقه:
وحشتيني.
ابتسمت له وهي تخبره بصدق:
أنت كمان وحشتني أوي.
_ طب زعلانة ليه بقى، إيه التكشيرة دي؟
أشار على تعبيرات وجهها وهو يسألها، فحاولت الهرب بقول:
أنا بس عندي أرق شوية الأيام دي.
فرد شقيقها وهو يضحك بتسلية:
أرق اسمه "عز"؟
طالعته بغير تصديق، وأول ما جاء لرأسها والدها فنطقت:
بابا اللي قالك؟
هز رأسه نافيًا فصححت:
يبقى ماما.
ونهاه هو عن الاسترسال بقول:
مش هنقعد بقى بابا، وماما، أنا عايز اسمع منك اتكلمي.
ولم تنتظر هي، بل تحدثت، أخبرته بكل ما في جعبتها، وانتهت عند:
أنا مش عارفة أعمل إيه.
حلل ما قالته، ثم هتف:
والله أنا شايف الراجل صريح معاكي، جه دوغري، بس أنتِ بقى عندك مشكلة.
استفسرت بعينيها ونطق هو:
لاوعتي، علشان رميتي ودنك لسهام.
رمقته بحدة، وأكد هو:
أنا مش هكدب عليكي، بصارحك، أنتِ بنفسك قولتي إنك فكرتي وكنتي هتوافقي، وكلامها هو اللي لغبطك، وخلاكي تتهربي منه، ومتبقيش عارفة تقولي قرار، لا اه ولا لا.
_ الحب لوحده مش كفاية يا عيسى.
قالت هذا ردًا على حديثه، وعلق هو:
هو مش كفاية فعلا، وأنا معنديش مشكلة لو أنتِ رافضة " عز" بقرار نابع منك أنتِ، لكن التشتت ده يا رفيدة، جاي من كلام اللي حواليكي.
سقطت عبراتها وهي تصارح شقيقها:
أنا بحبه، بس أنا خايفة أوي، أنا عارفة إنه هينفذ اللي وعدني بيه، ومش هحس بفرق، بس في المقابل هو هيتعب أوي، والتعب ده هيجيب كل حاجة تنهي العلاقة دي.
أزال عبرات شقيقته وهو يخبرها:
هو أنا أخر واحد ممكن أنصح في العلاقات أنا عارف، لكن اللي أعرفه إنه زي ما بتفكري في الكلام ده، فكري في ردوده على نفس الكلام، فكري عز فعلا يستاهل فرصة ولا لا، وابعدي ودانك عن "سهام"، وخصوصا بعد الموقف اللي حكتيلي إنها عملته معاه.
وضرب بخفة على وجنتها متابعا:
وفكي التكشيرة.
بالفعل ابتسمت، وأدارت الحديث نحوه بسؤال متلهف:
أنت مش هتمشي تاني صح؟
لم تسمع رد، فاستفسرت بتخوف:
اوعى تكون هتمشي.
وقبل أن يجاوبها، دخل " طاهر" برفقة ابنه، وكأن الصغير تحول كليا، حثه والده فهرول ناحية "عيسى" يحتضنه، ويخبره كم اشتاق له بقول:
أنت وحشتني، بس أنا زعلان منك.
يدرك جرمه بالنسبة ليزيد، ومدى تعلق هذا الصغير به، ضمه "عيسى" معتذرًا:
مش أنت بابا بيسيبك علشان شغله بيخليه يعمل ده، أنا كمان كنت مضطر، وبعدين أنت كمان زعلتني، بقى اللعب اللي جبتهالك مش حلوه ومبتحبهاش؟
_ قولت كده علشان زعلان منك.
هكذا رد عليه فسأله ضاحكًا:
يعني بتحبها؟
هز "يزيد" رأسه بالإيجاب فاتسعت ضحكة "عيسى"، حاوطه من جديد، وهو يطالع " طاهر" بنظرة ممتنة لكونه حل الأمر، يستند دائما عليه، ولم يخذله شقيقه الروحي أبدا.
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
الجفاء حل محل الود في علاقة "ندى" و"بيريهان"، لم تأت "ندى" إلى هنا إلا بطلب من عمها "ثروت"، كانت وجهتها الأولى غرفة ابنة عمها، دقت الباب وحين سمحت لها، دخلت، حل الصمت و" بيريهان" تطالع حاسوبها متجاهلة وجودها تماما، فسألتها "ندى":
ازيك يا بيري؟
ردت عليها باختصار:
بخير.
_ أنا بقالي سبع شهور تقريبا يا " بيري" مستحملة منك الخصام، والمعاملة الناشفة دي، أنا مكنتش السبب إنك تخسري البيبي يا بيري ولا حتى إنك تسيبي شاكر، ليه بتشيليني ذنب مش ذنبي؟
ألقت هذا على مسامعها، ولكنه لم يؤثر بها، بعدما أجبرها "ثروت" على ترك زوجها، صار كل شيء عندها بلا معنى.
حاولت "ندى" من جديد معها مقترحة:
طب إيه رأيك نخرج شوية، في مطعم بي....
_ مش حابة، وياريت تخرجي علشان محتاجة ارتاح.
لم تمهلها حتى تكمل الجملة، طالعتها "ندى" بحزن، وحاولت منع نفسها بصعوبة من البكاء، ولكنها لم تفلح، بكت وحينها قررت أن تغادر، ولم يمنعها سوى أن استوقفتها "بيريهان"، لم تتحمل عبراتها، احتضنتها، وانخرطت في نوبة بكاء هي الأخرى، لم تصدق " ندى" أنها استجابت أخيرا لها، هون هذا عليها قليلا صعوبة الأحداث الأخيرة، تذكرت شهورها السابقة، عادت بالزمن تحديدًا عند تلك اللحظة التي اتهمتها فيها "بيريهان" بأنها السبب في ضياع كل شيء، السبب في ضياع طفلها، وأنها لا هدف في حياتها سوى ملاحقة "عيسى"، تذكرت انهيارها، ومكالمتها العاجلة لباسم، حين عرضت عليه:
تتجوزني؟
وياليتها ما فعلت، طلب منها أن تأتي إلى مقر عمله، فعلت هذا، وجلست أمامه لتسمع سؤاله الذي بان فيه استغرابه:
إيه الطلب الغريب اللي سمعته في التليفون ده؟
فقررت ألا تترك مجالا للمراوغة وردت:
مش غريب ولا حاجة، أنا قولتلك اللي عندي، لو موافق بلغني، رافض قول.
_ والله أنا لو وافقت هيبقى بشرط.
كان قوله مبهمًا، دفعها لتسأل بفضول:
شرط إيه؟
رفع كتفيه ببراءة وهو يلقي على مسامعها:
هيبقى جواز محدود المدة، يعني وقت ما احب هطلق، من غير جو أنت خدعتني، وجرحتني والكلام ده، ومن غير أنا حامل ها
كانت مذهولة وأكمل هو مراقبًا تعبيرات وجهها:
يعني مش عايز عيال، علشان بعد ما نفضها محدش فينا يبقى مربوط بالتاني.
كان عقلها عاجر عن استيعاب أنه تفوه بهذا حقا، وجدت نفسها تتناول كوب المياه، وتسكبه في وجهه دفعة واحدة، طالعها بغضب، ولم تقل نظراتها عنه، بل صفعته بحديثها:
أنت حقيقي عندك عقدة نقص، مبتخليش فرصة إلا وتبينلي ده، بتعاملني كإني واحدة من الشارع، وفاكر إنك كده بتندمني، وبتدفعني تمن إني رفضتك زمان.
ردعت دموعها وهي تكمل:
بس أنا اللي غلطانة، أنا الغلطانة علشان افتكرتك اتغيرت، ونسيت، وهينفع نبتدي بعيد عن كل اللي فات.
سحبت حقيبتها وقررت الرحيل، دون كلمة إضافية، ولكن منعها محاوطته لمقعدها، شهقت بغير تصديق، وحاولت التمسك بأخر قوتها، وهي تطالعه هاتفة:
ابعد.
ولكنه لم يبتعد، بل صحح لها بأن الأمر أكبر بكثير، ونطق بسخرية:
نبتدي بعيد عن اللي فات، ليه هو أنا الاستبن بتاعك، نبتدي بعيد دي جملة بتضحك أوي، لو كنتي افتكرتي كرامتي اللي دوستي عليها رايح جاي، مكنتيش قولتيها، وقت ما تضيق عليكي، وتلاقي مبقاش ليكي لزمة تجيلي، نتجوز يا ندى، لا أصل أنا بحب عيسى، طب سابك خلاص نتجوز بقى، لا أنا هتجوز جابر،
كانت تحاول القيام، ولكن دفعها لتبقى مكانها وهو يسترسل:
وأول ما بقت رقبتك تحت رجلين الباشا اللي اتجوزتيه جتيلي، روحتي اتجوزتي وأنتِ عارفة اني بحبك، وياريتك حتى اتجوزتيه عن حب لا ده أنتِ اتجوزتي أي واحد وخلاص علشان تغيظي حبيب القلب القديم، قوليلي بقى يا ندى مين دلوقتي مساوي كرامتك بالأسفلت علشان جيالي تقولي اتجوزني؟، ماهو أنا عارف، أنتِ مبتفتكرينيش إلا لما حد بيحسسك قد إيه أنتِ رخيصة أول، علشان عارفة إن أنا اللي هعملك قيمة.
ليست كلمات بل صفعات متتالية، لم تطق سماعها، طالعته ببغض شديد، بصقت في وجهه، وردت:
لما يبقالك أنت قيمة الأول علشان تبقى تعملي، ومرة تانية أنا اللي غلطانة إني جيت هنا، حسبتها غلط، أنت أقل من إنك تتجوزني.
ضحك هازئا، ابتعد عن مقعدها، ليتركها ترحل، ولكن ألقى على مسامعها ما لم تصدقه أبدًا:
هتتجوزيني غصب عنك، وبالشروط اللي أنا قولتها كمان.
سخرت منه، ولم تصدقه، ندمت وبشدة على الحضور إلى هنا، ولم يمر سوى شهر واحد، لتعرف بعدها من والدها أنه تقدم لخطبتها، رفضت وبشدة، ولكنها سمعت ما لم تطق سماعه:
قال إنه هيسد نص اللي عليا مقابل الجوازة دي.
هل هذه طريقته الآن، يستغل حاجة والدها حتى توافق مجبرة بشروطه، وحين اعترضت، كسرها الرجاء في نبرة والدها:
وافقي يا "ندى"، مش بس علشاني، لكن " باسم" هيعيشك العيشة اللي اتعودتي عليها.
سألته باستنكار:
وأكرر اللي حصل مع "جابر" تاني؟
_ جابر مين، هو أنتِ هتجيبي جابر ده، لباسم، اه الاتنين معاهم فلوس، لكن باسم متحضر عنه، في فرق في التربية، والبيئة اللي اتربوا فيها.
وأصرت على رأيها:
باسم ميفرقش حاجة عن جابر يا بابا.
ربت والدها على كتفها قائلا:
أنا اتكلمت مع عمك ثروت وهو شايفه مناسب، أنا كمان شايف كده، ياريت تفكري كويس يا ندى، لمصلحة الكل.
لم ترد أن تقص على والدها الإهانة التي تلقتها على يد ذلك الذي يطلب منها الآن الاقتران به، كالعادة قرر عمها وأبوها بناءًا على المصلحة، ولكنها اختارت نفسها هذه المرة، أبلغت والدها الرفض بعد عدة أيام، ولم تبال، تتذكر حين خرجت للذهاب لمقابلة إحدى صديقاتها واعترض سيارتها، فنزلت تسبه:
هو أنت متخلف؟
جذبها من مرفقها يسألها بانزعاج:
بقى قولتلهم يبلغوني إنك رافضة؟
_ معلش أنا عارفة إنها صدمة، بس أنا مبيتلويش دراعي يا باسم، ومستحيل أقبل أتجوزك بعد اللي سمعته منك في المكتب، حتى لو أنت فاكر إنك مقدم العرض اللي ميترفضش.
وأهانها بقول:
ما أنتِ كنتي جاية وبتقوليلي اتجوزني ولا أنا علشان قولتلك حقيقتك اتجرحتي أوي؟
وتجاهلت الإهانة بقول:
أنا معنديش رد على كلامك اللي عندي قولته.
أرخى قبضته عن مرفقها، طالعته ورأت أنه شبه يختل توازنه، دققت التركيز لتتأكد ثم سألت بقلق:
مالك؟
_ مش عارف.
أدركت أن حالته ليست الأفضل، تناست كل شيء مؤقتا، وقررت أن تقله إلى منزله، سألته خلال الطريق أثناء قيادتها للسيارة:
بقيت أحسن؟
كان يغمض عينيه ويرخي رأسه على المقعد، تنهدت بقلق واقترحت:
أوديك مستشفى؟
هز رأسه نافيًا فأكملت به إلى حيث منزله، هذا المكان المنعزل، الذي لا تعلم كيف يعيش به، بعيدًا عن البشر، وكأنه يهرب منهم.
فتح الباب ورأت أنه بترنح، فنزلت تساعده، وهي تستفسر:
أنت بتاخد دوا معين طيب؟
وكان الجواب:
ساعديني بس أدخل.
بالفعل سندته حتى وصل إلى منزله، فتح الباب بمفتاحه ودخل، وبقت هي مكانها في الخارج، وعرضت عليه:
محتاج حاج.....
لم تكد تكمل لتجده يجذبها نحو الداخل، شهقت بغير تصديق، وهي تراه في أقل من ثانية قد استرد صحته، كان يخدعها، طالعته بذهول ناطقة:
أنت كنت بتمثل يا حقير؟
تجاهلها وأغلق الباب منبهًا:
متطوليش لسانك.
_ يعني ده جزائي إني ساعدت واحد زيك؟
وأمام سؤالها ذكرها هو بحدث مر:
أنتي كنتي هنا قبل كده، وكنت أقدر أخد اللي أنا عايزه ومعملتهاش
فهتفت ردًا على أقواله بانفعال:
فقولت تكمل الحقارة بقى، وتعوض المرة دي.
_ لو عايز هعملها، بس أنا مش عايز غير إننا نتفق.
هكذا أخبرها، جلس بهدوء على الأريكة، وأشار لها بعينيه لتجلس على المقعد المقابل، فجلست مضطرة، وهي تنطق:
اتفاق إيه؟
حاول استدعاء الهدوء، قبل أن يقول:
خلينا صرحا مع بعض يا "ندى"، الكلام اللي أنا قولتهولك ده، قولته وأنا متضايق ومنفعل من تصرفاتك، وتعاملك على إني شيء مركون على الرف لما الكل يصدك تروحيله، لو أنا غلطان في نظرتي قولي، يمكن أعتذر عن اللي قولته و...
قاطعته تردف بصدق:
لا يا " باسم"، أنا فعلا يومها لجأتلك، علشان كنت عايزة أبعد عن الكل، عايزة أبعد عن كل حاجة، واختارت أبعد معاك، مش علشان أنت استبن بالنسبة ليا زي ما أنت قولت، أنا موقفي من ناحيتك اتغير بعد طلاقي من "جابر"، أنا مش بتعامل معاك على إني أجيلك لما الكل يصدني، أنت غلطان،
نزلت دموعها وهي تصارحه:
أنا في حاجة جوايا اتحركت ناحيتك، اختارتك أنت علشان أرجع ابتدي وأكمل معاك.
تملكتها القهرة وهي تختم:
بس أنت بوظت كل حاجة.
استقام واقفًا، فتح أحد الأدراج، يخرج علبة مخملية، تقدم نحوها، وفتحها، ليظهر بها خاتم، تحدثت عيناه قبل أن ينطق:
أنا كنت جايب ده وجايلك، كنت هتقدملك، قبل ما تتصلي بيا وتعرضي عليا اتجوزك، أنتِ جرحتيني كتير يا ندى، لدرجة إنك لما طلبتي مني، مبقتش شايف قدامي غير حاجة واحدة بس، إنك لسه بتتعاملي بنفس الطريقة، وإني بالنسبالك ولا حاجة، مجرد حل بتلجأيله علشان مجبرة.
استقامت واقفة، وخاطبته بندم حقيقي:
أنا أسفة.
لم يكن في مقدرتها مطالعته، حثها على النظر إليه، وسألها:
لو لسه جواكي أي حاجة يا ندى لعيسى أو لغيره، هبعد بهدوء، أنا مش عايز أي حاجة توجعني تاني.
هزت رأسها نافية، تؤكد له أنها خلال هذه الفترة تغيرت أفكارها ومشاعرها، وعبرت عن هذا ناطقة:
هبقى كدابة لو قولت إني من يوم ما اتطلقت من جابر مبقاش في جوايا حاجة لعيسى، لإنه كان فيه، لكن أنا الفترة الأخيرة وخصوصا بعد ظهورك الكتير، حسيت إني متاخدة، وإني بروح لحتة تانية، أنا كنت هبقى معاك علشان أنا من جوايا عايزة ده، وأكبر دليل إن لما سمعت منك الكلام اللي سمعته بعدت.
تكن له شيء، هذا ما وصله، ولكنه عاجز عن أخذ أي قرار، يخشى وبشدة أن يقع في فخها مجددا، وكذلك هي تخشى أن تعاني معه الويلات، خاصة وهي على يقين من أن جرحه بسببها غائر، مسحت دموعها، ربتت على كتفه تبدي اعتذارها، الدموع في عينيها شتته، وأسره أسفها ونطقها باسمه هكذا:
أنا أسفة يا باسم.
قبل أن ترحل من هنا، وتفر هاربة، بعيد عن شيء، خاصة عنه هو.
★***★***★***★***★***★***★***★***★**★
لم يكن يعلم أنه سيجد صديقه عنده بعد أيام قليلة من خبره المباغت له، كان "بشير" ممدد على الأريكة، يطالع هاتفه، حتى سمع دقات متواصلة على بابه، فتح فوجده "عيسى"، استفسر بتوتر قبل أن يرحب بدخوله:
جيت القاهرة امتى؟
تخطاه "عيسى" ودخل، جلس على الأريكة، وحثه:
قولي إنك كنت بتخرف لما كلمتني في التليفون.
_ لا مبخرفش أنا اتجوزت "علا".
أصر على قوله، ولم يهتز أمام قول صديقه المنفعل:
عملت كده ليه يا "بشير"... بتدخل ال**** دول حياتك ليه؟
دافع باستماتة:
لا يا "عيسى"، هي مش كده، ومش شبههم، أنا مكنتش هقدر أخسرها، علا كانت هتروح فيها لمجرد إنها بتحاول تهرب من حياتها، وأنا اللي لحقتها.
فاستقام واقفًا يصيح باعتراض:
وأنت بيخيل عليك بقى الكلام ده
_ يا عيسى كانت بتموت، أنا اللي موديها المستشفى، لولا لحقتها، كانت خلاص.
قال هذا، وكان الرد من صديقه سؤال مستنكر:
وده يخليك تتجوزها؟
قال "بشير" وهو يقف أمام صديقه:
أنا حر يا عيسى أعمل اللي أعمله، أنا قولتلك بس علشان متتفاجئش.
كان خروجها موتر، ضاعفت شحونة الأجواء حين خرجت فجأة من غرفة صديقه، بان عليها التعب بشدة، كانت مجهدة، كل شيء يخبر أنها تمر بمأزق صحي، حاولت ألا يتفاقم الوضع بينهما بقولها:
مش مستاهلة كل اللي أنت عامله ده، أنا مش هجيب لبشير مشاكل متقلقش، أنا أصلا مكنتش موافقة على الجواز بالطريقة دي وهو أصر، حاجة كمان لو اللي أنت عامله ده بسبب الموقف الأخير مع "ملك" فده كان غصب عني، شاكر غ....
لم تكمل، طالعها "بشير" بغير تصديق لما تفوهت به، وسألها "عيسى" بارتياب:
موقفك الأخير مع "ملك" إيه؟
أدركت أنها وقعت في خطأ، واستفسرت بارتباك:
هو مش أنتوا رجعتوا لبعض؟
سألها وقد نوى أن يعرف كل ما لديها الآن:
وأنتي مين قالك الكلام ده؟
_ هي اللي قالت، قالت كده لما قابلت "شاكر".
قولها هذا أضرم النار داخله، طالع صديقه وهو يعلق:
ده طلع في حاجات كتير أوي أنا معرفهاش يا "بشير".
حاول "بشير" أن يهدأه، ولكنه رفض قائلا:
لا أنا مش محتاج اهدى، أنا مش نايم على وداني على فكرة، أنا حكاية موت "شاكر" دي مبلعتهاش بمليم، وكنت عارف إنها لعبة *** من أبو بيريهان علشان يحميه، بس كنت مستني أشوف أخرة اللعبة دي إيه، كنت مستني علشان متقولوش إن أنا اللي بجري ورا المشاكل يا بشير ومبتصرفش بعقل، سيبتكوا تتصرفوا، مش ده اللي كنتوا عايزينه، أطلع أنا منها.
يتذكر جيدا كلمات والده، حين لمح له بأن موت "شاكر" مخطط، وردعه بقول:
ملكش دعوة يا "عيسى"، عايش، مات... اطلع منها، ولو حصل حاجة طاهر وبشير يبقوا يحلوها.
كان هذا القول، من التراكمات التي أدت لرحيله أيضا، قرر ألا يتحرك من هنا، إلا بعلم كل شيء، الآن سيحقق ما يريده هو، لا غيره، ولن يتراجع.
★***★***★***★***★***★***★***★**★***★
كانت " ملك" في غرفتها، قبل أن تدق عليها "هادية"، دخلت وأخبرتها بهدوء:
يلا علشان تاكلي.
أشارت لها "ملك" لتأتي، وبالفعل أتت لها والدتها، أغلقت الباب خلفها، وسألتها باهتمام:
في حاجة ولا إيه؟
هزت "ملك" رأسها، كانت مرتبكة ولكنها في الأخير تحدثت:
أنا بعمل كل حاجة بتطلبيها، يوم ما قابلت شاكر وحكيتلك، واتفقنا أقول لطاهر، عملت كده، لكن حصل حاجة من ساعتها وأنا متلغبطة.
سألت والدتها بعينيها، وقالت هي:
أنا قابلت عيسى واتكلمنا و....
قاطعتها "هادية" بحدة، وقد طفح كيلها من هذا:
تاني عيسى، احنا مش اتفقنا تخليكي في حياتك وتتجاهليه.
_ أنا هتجاهله يا ماما حاضر، عيسى بقى هيسكت؟
كان هذا سؤالها المستنكر وردت والدتها:
أبوه هيبعده، أنا ما صدقت هدينا يا "ملك"... أنا عايزة أشوفك مرتاحة يا بنتي، أنا كان أكره ما على قلبي أشوف بيتك بيتخرب، وسكتت علشانك، ولسه يا دوب باخد نفسي وأقول الحمد لله بتبقي أحسن، تيجي تقوليلي كده، هو أنتِ عايزة ترجعيله؟
وقبل أن ترد، أتاها اتصال، سمعت فيه ما أشعل غضبها، سمعت ما جعلها تهاتف " نصران" تطلب منه أن تقابله، طلب منها أن تحضر في المساء، لم تعلم لماذا، ولكنها حضرت، استقبلتها "تيسير" وتحركت معها ليذهبا إلى مكتب "نصران"، تفاجأت بتواجد " عيسى"، لم تنطق وعلق هو:
سيبيها هي عارفة السكة يا "تيسير" مش هتتوه.
رمقته بانزعاج قبل أن تدخل لنصران، بمجرد أن جلست وقبل أن تعاتبه، هتف هو:
هو مكانش هنا، كان في القاهرة، حظك بقى، لسه راجع دلوقتي، قبل ما تيجي بدقايق.
بدأت في الحديث بانفعال:
عمو أنا حكيتلك اللي حصل في المطعم لما شافني أنا و"نور"، وحكيتلك إن المقابلة دي كانت صدفة، وإني قطعت علاقتي تماما بنور بعد اللي عرفته، حتى لما حاول يشرحلي الموضوع وإنه اتهدد من ثروت، قولتلك، حصل ولا لا؟
هز "نصران" رأسه مؤكدا حدوث هذا، فقالت:
ابنك بقى راحله الصبح بدري بيته، واتخانق معاه تاني، غير خناقة المطعم، هو عنده وهم إن "نور" بيحاول يقرب مني، وسواء نور أو غيره هو ملهوش دعوة يا عمو هو مش ولي أمري.
صحح لها "نصران" المعلومة قائلا:
سيبك من تصرفات "عيسى" يا "ملك"، الراجل الدكتور ده أنا كنت معتبره ابني، بس هو ميستاهلش، مصانش شغلانته، مكانش عمل الغلط من الأول علشان ميخليش حد يحط رقبته تحت رجليه، وأكبر دليل إنه مش كويس إنه كلمك يقولك عيسى جالي يتخانق معايا،
قاطعته موضحة:
هو كلمني علشان أفهم " عيسى" إن مفيش حاجة من اللي فاهمها.
_لا يا ملك، أنتي مش قولتيلي إنه حاول أكتر من مرة يكلمك بحجة إن بيتطمن، حتى لو نيته سليمة بس بعد اللي عمله، لازم منطمنش لتصرفاته، وأنا مش مرتاحله.
هزت رأسها بالإيجاب، وطالبته وقد أوشكت على البكاء:
حاضر يا عمو، هو تصرفاته مش مظبوطة، بس أنا مش عايزة "عيسى" يتدخل في أي حاجة تخصني، أنا ما صدقت، خلي كل واحد في حاله، زي ما عاش الفترة اللي فاتت يعيش دلوقتي
_ احنا جايين علشان نتكلم بالراحة.
قال "نصران" هذا ولم تهدأ الجالسة بل تضاعف انفعالها وهي تخبره:
يا عمو أنا مش جاية علشان اتكلم، أنا طلبت من حضرتك طلب، وحضرتك وعدتني قبل ما اجي هنا، إنك هتسمع طلبي وتنفذه.
فكرر طلبها قاصدًا أن يصل إلى ابنه الذي يعرف أنه يقف في الخارج كل حرف:
يعني أنتِ طلبك ابعد "عيسى" عنك.
وكما توقع تماما لم ينتظر ابنه بالخارج أكثر، بل اقتحم غرفة المكتب عليهما ضاربًا بكل تعليمات والده عرض الحائط، ومعترضًا بضجر:
مراهق أنا بقى، جاية تشتكيه لأبوه علشان بيضايقك في الفصل.
أثارت سخريته من حديثها غضبها فقررت ألا تبقى ثانية اخرى، فقط أبلغت والده باحترام:
أنا ماشية يا عمو.
فاعترض ابنه طريقها هادرًا بانفعال:
علاقتك بيه هتتقطع، تغيري رقمك اللي معاكي ده، ولو قابلك في حتة هتسيبيه وتمشي، مش هتقعدي تاخدي وتدي معاه.
وردت هي بإصرار:
ملكش دعوة بيا، أنا حرة، ياريت تعقل وتفهم ده.
وكان إصراره مضاعف وهو يلقي على مسامعها:
لا أنا هفضل مجنون، وعلاقتك بيه هتتقطع يا "ملك".
تحركت لتغادر، بعد أن طفح كيلها منه، وأصمته والده قبل أن يتفوه بحرف اخر:
إياك تنطق بكلمة تاني.
توجهت نحو الخارج، وجمدها مكانها ما وقعت عليه عيناها، ترى " قسمت" أمامها، وخلفها تلك التي لا تعرف عنها شيء، كانت تطالع قسمت بانزعاج شديد، وقبل أن تتخطاها سمعتها تقول:
هو مش أنتوا اتطلقتوا، ولا هو أنتوا عندكم طقس في العيلة بتزوروا طليقكم من وقت للتاني.
_ لا عندنا طقس إننا منبصش لرجالة مش معبرانا.
هكذا ردت عليها "ملك" بضيق، قبل أن تستدير، وتجده قادم، فأكملت خطواتها لتغادر من هنا، رغم سماعها ندائه.
وقبل أن يلحق بها، اعترضت "قسمت" طريقه ومن خلفها "چنا" التي سمعت "قسمت" تقول:
البتاعة اللي أنت جايبها تشتغل معانا في الجاليري دي هتمشي.
أشارت "چنا" على نفسها وهي تسألها بغضب:
أنا بتاعة، ده أنتِ اللي مبتفهميش حاجة.
ثم سألت الواقف أمامها:
هو مش أنت قايلي إن أنا مكانك، وإن أي حاجة في الشغل يا "عيسى" اتكلم فيها.
واحتد الشجار، و"قسمت" تصرخ في وجهها:
بتاع إيه أصلا أنتِ تتكلمي في الشغل
ثم طالعته وتابعت:
وأنت كمان قافل تليفونك ليه، يعني هو علشان نعرف نوصلك لازم نجيلك لحد هنا... "چنا" هتمشي.
هتف بنفاذ صبر:
لا "چنا" هتفضل.
وحاول الفصل بينهما ناطقًا بانزعاج:
ووسعوا أنتوا الاتنين من سكتي بقى.
لحق بملك على البوابة، والتي تعمدت أن تتباطأ حتى تسمع أغلب ما يدور، حاول إيقافها، فاستدارت تحدثه بغضب:
إياك تكلم معايا، هو أنت حد مسلطك عليا؟
_ اسمعيني يا "ملك".
ولم تستجب بل صاحت باستنكار:
أسمع إيه، ده بقى في " چنا" كمان، ولسه عايزني اسمع تاني، وليك عين تكلمني.
تمسك بمرفقها، رغم كل اعتراضاتها، ولم يجعلها تصمت سوى صوت "قسمت" التي أتت من الخلف تقول:
ممكن يا "عيسى" خمس دقايق بس تحل الموضوع، علشان أنا عندي مشاوير ولازم أمشي، ولو مش فاضي بقى دلوقتي خالص، أنا همشي ونتقابل في مكاننا.
طالعته "ملك" وقد كانت قاب قوسين أو أدنى من الفتك به، ولم تسمع سوى أنه همس بسبة نابية، قبل أن يحملها، ويتجه بها إلى مرسم شقيقه، ضاربًا بكل اعتراضاتها عرض الحائط، احتجزها داخله وأغلق الباب، أمام نظرات "قسمت" المذهولة، خرج، ليعود ويصب كامل غضبه على الاثنتين "قسمت" و"چنا" ولكن عنف "ملك" في الدق على بوابة المرسم، التي يغلقها بيده ويقف أمامها، ومحاولاتها في الفتح، جعلته يلقي على مسامعهما:
روحوا.
ويدخل لهذه التي تركها في الداخل، تحت نظرات ضيفته المفاجأة، والتي لم يعجبها الوضع برمته مطلقًا.
سنحت له الفرصة الانفراد بها الآن، بمجرد أن دخل لها، صبت عليه كامل غضبها، ناطقة:
اوعى من سكتي.
هز رأسه نافيًا، وقد استدعى كل ذرة هدوء لديه، بل وتحدث:
سمعت إنك قابلتي المرحوم.
طالعته باستغراب، وسريعا ما أدركت مقصده، وقبل أن تنطق، أكمل هو:
وعرفت كمان إنك قولتيله إننا رجعنا
بهت وجهها، خاصة حين غمز هو سائلا:
بالله عليكي ينفع أكسرلك كلمة؟
استدعت ثباتها، جاهدت حتى لا ينجح ويثير التوتر في نفسها، ونطقت:
أنا مش هرجعلك يا "عيسى"، مش اللي هنعيده هنزيده، فضيناها يابن الناس بقى، أنا فعلا قابلت "شاكر"، وقولت كده، وأكيد أنت عارف إني لو قولت كده هيبقى علشان مخليهوش يشمت فيا، كنت بقوي نفسي، أصل أنا جبانة
ذكرته بكلمته لها يوم أن صفعته، وأكملت:
لسه بحس إني خايفة منه.
واجهها يدافع عن نفسه:
أنتِ عارفة إني مكنتش أقصد ولا كلمة من اللي اتقالت، أنتِ بنفسك قولتي كده.
تنهد بتعب، قبل أن يكمل:
أنا لما قولتلك إني رديتك، مسمعتينيش.
_ علشان مينفعش أسمع واحد، بيقولي إنه عمل حاجة تخصني، ومرجعليش، مش كل حاجة بتمشي بنظامك يا عيسى، وكويس إنك معملتش كده فعلا علشان أنا مكنتش هسكت.
كانت نظراته صادقة، مؤثرة، ونبرته أكثر:
لو طلبت منك أوريكي حاجة في شقتنا، أو اللي كانت شقتنا هتوافقي؟
وقبل أن ترفض، صمم:
اعتبريها اخر مرة هطلب منك حاجة.
جذبها من يدها هذه المرة برفق، وهو يتوجه بها إلى خارج المرسم، كانت " تيسير" قد استضافت "قسمت" و "چنا" في الداخل، وقبل أن تغلق الباب لمحت ما يحدث، قررت إخبار رب عملها، الذي طلب منها هذا، دخلت مكتبه وقالت:
هو خد دلوقتي الست ملك وطلع على شقته.
هز رأسه موافقًا، وقال:
ضايفي اللي برا يا تيسير، وشوية كده وتقوليلهم طلع مع مراته، وبيعتذرلكوا.
_ ولو قالولي يا حاج دي طليقته مش مراته.
دفعها فضولها لهذا، كان تريد وبشدة معرفة الجواب، ويفهمها "نصران".
ابتسم وجاوبها وهو يريد أن يصل هذا أيضا للجالسة في الخارج:
قوليلهم اتصافوا، ورجعوا لبعض.
خرجت، تنتوي تنفيذ ما طلبه، بينما كان ابنه في الأعلى، فتح الباب، ولم تتحرك إلا وهي تنبهه:
الباب ده ميتقفلش.
هز رأسه موافقًا، وبالفعل دخلت معه، هذا المكان الذي لم تطأه قدميها منذ أن غادر، كان من المفترض أنها تقيم في الأسفل، حتى يتم تجهيزه ليكون خاص بهما، ولكن هذا لم يتم، طالعت ما تراه بذهول، كل شيء تغير، كان قد أخبرها أنه سيجعله على ذوقها، تتذكر كيف اقترحت عليه أن تكون ألوانه هادئة، هي ترى هذا الآن، تحركت مسلوبة، ناحية هذا الركن، الذي حوى عدة أطر، تحمل صور لها، صورتهما معًا يوم أتى "طاهر" لخطبة "شهد"، والصور التي التقطها لها أما دكان والدتها، كل شيء هنا يذكرها بالذي كان، لمعت الدموع في عينيها واستدارت للواقف خلفها تسأله:
أنت جايبني هنا ليه يا " عيسى" المكان ده مبقاش يخصني دلوقتي.
لم تلحظ الباب الذي أغلقه أثناء تركيزها في الصور، ونطق هو دون أن يحيد بنظراته عنها:
أنا عملته علشاننا، عملته على ذوقك يا "ملك"، علشان عايز أكمل حياتي معاكي فيه، كل حتة هنا عارفاكي.
سيهزمها فؤادها الآن، وكيف لا وهو ينظر لها هكذا، تجرأ ونطق:
أنتِ بقيتي نقطة ضعفي، مفيش حاجة فيا معايا، بفكر فيكي بس.
تسارعت أنفاسها من فرط الارتباك، وأكمل هو:
حتى لما قولتلك إني رديتك، وشوفت رفضك، خلتيني جريت زي العيل وراكي، وقولتلك لا أنا معملتش كده، علشان خوفت لما ترجعي تعندي، وتصري إني لازم اسيبك.
لم تصدق ما قاله الآن، وقبل أن تنطق بحرف، وضع سبابته أمام شفتيها، ناطقًا بمشاعر وصلتها:
أنا رديتك بعد ما كنتي عندي في شرم الشيخ، لما اتخانقنا، لما كلمت الحاج وقولتله إني هردك واستنى الدنيا تهدى وأبلغك، قالي لا، وإني لازم اقعد معاكي، وناخد القرار ده احنا الاتنين، فمتكلمتش تاني معاه، عملت كده من دماغي، حتى هو مكانش يعرف، أنا عارف إني أناني إني رديتك وقت العدة وسيبتك كل ده ومقولتش، عارف إن مفيش حاجة تغفرلي ده عندك، حتى لو قولتلك إني كنت بموت يا " ملك"، احنا مكناش عارفين نسمع بعض في الوقت ده، وأنا مكنتش محتاج حد غيرك، كل ما كنت أفكر أقولك كنت أخاف من رد فعلك وأسكت، الموت بالانتظار كان أحسن من الموت بخسارتك يا "ملك".
كل إنش في جسدها يرتجف الآن، غزتها البرودة، وهي تسمع ما يقال، بان حزنها في عينيها وهي تخبره:
أنت بتحطني قدام الأمر الواقع يا " عيسى"، بتعمل فيا كده ليه، بترجعني من غير ما تقولي؟، وكإني لازم أقبل غصب عني، أنا مش عارفة أصدق إنك عملت كده.
_ اللي أنا عملته ده كان الحاجة الوحيدة اللي نجتني، اللي ادتني أمل، أنا لما مشيت كان علشان مأذكيش، كنت مقرر ابعد، حتى بعد ما جيتيلي هناك، واتخانقنا، قعدت اقنع نفسي إن طلاقنا كان صح، بس مقدرتش يا "ملك"، كان هيجرالي حاجة، أول مرة افتكر إني هقدر أعمل حاجة ومقدرش.
نزلت دموعها وهي تواجهه بانفعال:
يعني أنا أطلب منك، واتحايل عليك إنك تقعد، واهدى ونرجع، وتسيبني ورا ضهرك وتمشي وتقول لا، لكن علشان أنت مقدرتش يبقى نرجع عادي، ومتقوليش كمان، لحد ما يجي الوقت اللي يعجبك وتقول فيه.
وبنفس نبرتها سألها:
هو أنتِ ليه مش عايزة تقتنعي إني كمان كنت بتأذي لما مشيت، كنت سايب كل حاجة بحبها ورايا، أنتِ بنفسك قولتيلي إني بقيت بأذيكي، وهقولهالك تاني، أنا مكنتش هقعد مقابل إنك تستحملي أي حاجة تحصل حتى لو مش عايزاها، أنا كمان على فكرة يا "ملك" اتوجعت زيك كده بالظبط لما طلبتي مني الطلاق، في أكتر وقت محتاجك فيه، لما كنت نايم تعبان، وأنتِ جاية تقوليلي أول ما تقوم هتطلقني، ده أنتِ حتى مستنتيش لما ابقى كويس، واعتذرتلك مرة واتنين وألف ساعتها، وقولتلك متعمليش فيا كده، متحطيناش هنا، وأصريتي، بس أنا سامحتك، افتكرتلك الحلو الكتير، افتكرته علشان أنسى، لكن واضح كده إنك مشوفتيش مني حاجة واحدة حلوه تشفعلي عندك.
ثم سألها بحزن:
هو أنتِ مشوفتيش مني خير خالص يا "ملك"؟
وأمام عدم ردها، هز رأسه موافقًا وهو يخبرها بألم يعتصره داخليًا:
عموما أنا كنت مقرر، لو بلغتك إني رديتك، وموافقتيش، هعملك اللي أنتِ عايزاه، حتى لو غصب عني، أنا كنت عايز أقول كل اللي عندي وخلاص قولته، شوفي اللي يريحك وأنا هعمله، ولو مش محددة قرارك دلوقتي، خدي وقتك.
انتبهت للباب، فتحدثت:
أنا عايزة أروح دلوقتي.
_خليكي معايا النهارده طيب، النهاردة بس، وأنا راضي بأي حاجة تختاريها بعد كده.
بان الرجاء في عينيه، والخذلان أيضا، حين لم تنطق، بان الرفض في نظراتها وبشدة.
هز رأسه موافقًا، وضع المفتاح في كفها قائلا بنظرات لم تفشل في أسرها لحظة:
براحتك يا " ملك".
غادرها متجها إلى إحدى الغرف، أصبح القرار قرارها الآن، كانت ستغادر، ولكن حتى هي تتعذب، سمعت صوته من الداخل، فتوقفت على مقربة من باب الغرفة التي لم تطأها بعد ما جدده، وسمعته يعتذر:
معلش أنا كنت قافله، علشان الصداع.
قال له أحدهم شيء، ورد هو:
لا أنا مش كويس، محتاج أجيلك العيادة، بس مش هينفع أنزل شرم دلوقتي خالص، أنا حاسس إني ممكن في أي لحظة أعمل كارثة من كتر ما أنا مش كويس.
هي حزينة وإن قالت غير هذا فهي كاذبة، هذا ما أدركته، وهي تسمعه يقول بنبرة هزت فؤادها الذي يعشقه:
أنا فعلا محتاج ارتاح بس مش عارف.
واقترح عليه "طارق" شيء ما، فرد هو:
أنا مبحبش حوار الجلسات الأونلاين ده، بس هو شكله الحل الوحيد دلوقتي فعلا، شوف مواعيدك كده وقولي، لو ينفع دلوقتي ياريت علشان أنا مش كويس خالص.
وانتظر رده، وحين سمعه نطق:
متخافش يا "طارق" مش هعمل في نفسي حاجة، علشان تقولي مقعدش لوحدي، خلص وشوف هينفع دلوقتي ولا لا.
جاوبه، وختم عيسى:
خلاص هستناك الساعة دي.
أغلق المكالمة، وبقت هي مكانها لا تعلم ماذا تفعل، كانت ستتحرك لتهرب من هنا، من أمام الغرفة هذه، ولكنها وجدت بابها يُفتح، انتفضت بفزع، ولعن هو نفسه لفتحه الباب في هذه اللحظة، ربما تتراجع عن قرارها بالمكوث الآن، هربت الأقوال، ونطقت بتوتر وهي تقدم له المفتاح:
المفتاح اهو أنا فتحت الباب.
تدرك كم حجتها واهية، كان بإمكانها تركه على الطاولة في الخارج، أعطته الفرصة ليسيطر عليها، خاصة حين سألها:
هتخليكي النهارده صح؟
رأى الخوف في نظراتها، فأقسم لها وهو يتناول كفها:
مش هقرب منك، أي حاجة أنتي مش عايزاها، مش هتحصل، أنا بس عايزك موجودة جنبي، النهارده بس يا "ملك"، انسي كل حاجة النهارده.
هزت رأسها موافقة، وتحركت معه طواعية ناحية غرفتهما، كانت تطالع كل إنش بها، تدرس ما طرأ عليها من تغيير أيضا، بدا على وجهه الإنهاك فانتبهت له وسألته:
اتغديت؟
_ لا، مكانش ليا نفس، لو هتاكلي معايا، ممكن أطلب أكل.
كل أقواله في هذه الليلة حانية، كلها تأسرها، ولكنها لم تنسها ما في الأسفل.
علقت بنبرة استنبط السخرية منها:
وضيوفك اللي تحت.
وقف أمامها، يخبرها وهو يراقب تفاصيل وجهها وكأنه يحفظهم:
في داهية ضيوفي يا " ملك".
تاهت في عينيه، اقترب منها، كان سيقبلها حين رأى استجابتها، ولكنها فاقت وابتعدت، لن تنجرف إلى هذه النقطة، واحترم هو رغبتها، تمدد على الفراش، وقد أنهكه كل شيء حتى هي، طلب منها قبل أن يغمض عينيه:
لو هتفضلي صاحية، ساعة وصحيني.
بخطوات متهملة، ذهبت ناحيته، جلست جواره، عرفت يدها الطريق إلى خصلاته تمسح عليها برفق، وكأنه سحرها، فتح عينيه يطالعها، ونطق بما هدم حصونها:
نامي في حضني النهاردة.
تمددت جواره، ولم تستطع التحرك أكثر، فاحتضنها هو، ضمها بكل قوته، وكأنها الدواء الوحيد لأيامه العجاف، وعرفته الطمأنينة، حين حاوطته بذراعها هي الأخرى، ناوية تحقيق أمنيته الليلة، تنام بأحضانه، الليلة فقط، تنسى كل شيء، وتتذكر فقط أنها تشتاقه، تشتاقه وتفتقده وبشدة، أما هو فكان أبلغ ما يصفه الآن أبيات امرؤ القيس في محبوبته حين عبر ببلاغة:
رجل وما استسلمْتُ قَبلُ لفارسٍ
مالي أمام عيونها مستسلِمُ !؟
أأعودُ منتصِرا بكل معاركي
وأمام عَيْنيها البريئة أُهْزَمُ !؟
أنا شاعرٌ ما أسعفتْه حروفه
الحبُّ من لغة المشاعر أعظمُ
لي ألف بيتٍ بالفصيح أجدْتُها
لكنني في حبها أتلعثمُ !
★***★***★***★***★***★***★***★
الكثير والكثير من الأحداث، مرت، ولكن عودة مؤقتة إلى ما يحدث الآن، كانت أجمل ذكرى تلك وهي تجاوره، يحتضنها وبشدة، كان ساكنًا في شروده هذا وفاق على صوت من يجاوره في محبسه، تجاهله تماما بعد أن أشعل غضبه، تركه هكذا، ولكن "شاكر" لم يتركه بل هتف:
بس مكنتش أعرف إنك عنيف أوي يا "عيسى" كده، بايع روحك أنت، كنت هتموتنا يا راجل ليلة ما قلبت العربية.
ضحك "عيسى" باستهزاء، قبل أن يطالعه بشراسة، هاتفا بسخرية:
لا ده أنت مجربتنيش بقى في ال level الأعنف من ده.
_ كتكوتة ملك عليك أوي.
واستجمع ثباته رغم غضبه وعلق:
متجبش سيرة مراتي على لسانك يا *****
كانت سبة نابية، انكمش وجه "شاكر" وهو يقول بتصنع الاشمئزاز:
مش معقول تكون بتسمع منك الألفاظ دي... أخلاقك بقت في الأرض.
_ لا هي طول عمرها في الأرض، علشان أعرف أروق على اللي زيك، صحيح يا "شاكر" سمعت إن "بيري" خلعت هي ومعالي الوزير.
قال جملته الأخيرة وضحك عاليا، وهو يكمل:
المغفلة، فاقت متأخر أوي، أبوها ساعدك كتير علشانها، بس أنا كنت عارف إنه هيبيعك.
لاحظ "عيسى" تغير نظراته، قوله السريع مدافعًا عنها:
"بيري" دي أحسن وأنضف من إنك تتكلم عنها أصلا.
ضحك وهو يسأله:
لا والله؟... ده على أساس إنك حبيتها بقى وكده،
يلا، اهي خلعت وفاقت لنفسها، سابوك ليا علشان استفرد بيك.
لم يكد "شاكر" يرد حتى فُتِح الباب، كان أخر من توقعه، إنها امرأة، حين لمحها "عيسى" عرف من وراء تواجدهم هنا، أدرك الجزء الأهم في اللعبة، تقف أمامه الآن "رزان"، ضحك حتى سعل وطالعته هي بغير تصديق، انتظرت على أحر من الجمر أن يقول أي شيء، وكعادته ينطق بكل جديد، وغير مناسب:
الليلة شكلها طويلة، واللعب فيها هيبقى حلو، علشان كده بقى....
انتظرت على أحر من الجمر قوله وصدمها بـ:
أنا عايز بابل تي.
بقت مكانها تطالعه بغير تصديق، محتجز يطلب مشروبه المفضل، وكأنه تم احتجازه لتحقيق أمنياته، ولكن معه دائما تكتشف كل جديد، كيف لا وهي تعرفه جيدًا، قادر على قلب الموازيين، لذلك دائما تخشاه، وتعلم علم اليقين، أن ما يفعله " جابر" الآن لن يمر أبدا مرور الكرام مع هذا تحديدًا.
الفصل المائة والسادس والثلاثون من هنا