رواية جمر الجليد الفصل الرابع عشر 14 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل الرابع عشر 14 بقلم شروق مصطفي 

قال بنبرة لا تقبل النقاش.. 


"سيلا، اقعدي."




زفرت بتأفف وجلست في مكانها، ليضيف بصرامة:




"اتفضلي، كُلي."




أمسكت السكين بعصبية، وبدأت تقطع الجبن بعنف، تصدر أصواتاً واضحة أثناء التقطيع. وضعت قطعة صغيرة أمامها وظلت تنظر إليها دون أن تتحرك.




ابتسم عاصم بسخرية وقال:




"شكلها حلو، صح؟ خلصينا بقا. مش باكل بنت أختي، وبعدين أنا شلت القهوة من مكانها. افطري زي الشاطرة."




زفرت بضيق، لكنها بدأت تأكل ببطء وهي تنظر إليه نظرات مليئة بالغضب والاحتقان. بعد دقائق قليلة أنهت إفطارها وقالت بنبرة تحدٍ:




"ممكن أشرب قهوتي بقى؟"




نظر إليها ببرود وقال:




"أفكر."




همست بكلمات وصلت لمسامعه:




"إنسان بارد."




رفع عينيه نحوها وقال بعصبية:




"قلة أدب! مش بحبها."




صمتت على الفور، متجنبة إثارة غضبه أكثر. نادى على فاطمة قائلاً:




"داده، اعملي لها قهوة."




ردت فاطمة:




"حاضر يا بيه."




نظرت سيلا إليه بخجل وقالت بتردد:




"كنت عاوزة أطلب حاجة كده يعني..."




أجاب بحدة:




"اطلبي!"




تحدثت بصوت منخفض:




"أنا هنا ومعنديش لبس، ومحتاجة آخد شاور يعني و..."




قاطعها سريعاً:




"طيب، ماشي. هتصرف."




نهض من مكانه غاضباً، تناول مفاتيح سيارته، وغادر دون أن يضيف كلمة.




بعد دقائق، جاءت فاطمة بالقهوة. شكرتها سيلا، ثم لمعت عيناها بفكرة. استغلت خروجه السريع، وهرعت إلى غرفتها. بدّلت ملابسها سريعاً، وأحدثت بعض الفوضى المتعمدة في الغرفة. جلبت شيئاً كانت قد أخفته سابقاً، ثم اتجهت نحو فاطمة تطلب منها ترتيب الغرفة.




فاطمة، كالعادة، وافقت بابتسامة قائلة:


"حاضر يا هانم."


 تنفّست بعمق وكأنها تنتظر ما سيأتي بعد ذلك.




 ظلت تراقب بعيناها جميع الاتجاهات على موضع كاميرات حتي وجدتها.


نظرت لها و ابتسمت لها و عملت حركة بصوابع ايديها كأنها تقول له سلام.




و جلبت كرسي صعدت عليه و قامت بتغطيتها و حاولت فتح الباب عدة مرات الى ان فتح اخيرا و صفقت بسعادة: يس يس.




نظرت للخارج بحذر يمين شمال وجدت الحراس واقفين بعيدا خارج البوابه خرجت و اغلقت الباب و ركضت حتى وقفت خلف شجرة تختبئ وراءها حتى تجد مخرج للخارج نظرت حولها تستكشف المكان حولها .


المكان محاط بسور عالي و بوابه حديد و وقوف بعض الحراس و كلاب.




 وجدت مخرج اتجهت خلف المنزل بسرعة و أزاحت بعض الأشجار و تسلقت السور لم يكن عالي و قفزت للخارج و ظلت تركض لم تجد الا شجيرات فقط تحدثت حالها : وبعدين بقا مفيش طريق عربيات ليه.




حاولت تبتعد بقدر الامكان من المنزل ثم وقفت تسترح قليلا لحد ما ! ...


خرج للخارج وركب سيارته لكنه لم يكن مرتاحا تحرك للخارج لشراء بعض ملابس لها تناسبها وصل للطريق بعد فتره قصيره و دخل على محل ملابس و اختار لها بعض ملابس و انتهى سريعة وركب سيارته و غادر .


و امسك جهاز التابليت الموصل بكاميرات المراقبة داخل المنزل و ابتسم ابتسامه شيطانيه :


 قلبي حاسس والله يلا بينا نلعب شويه و تجربي وشي التاني عامل ازاي. 




انطلقت سيارته بسرعة، وعيناه تشعان بالغضب كأن بركانًا يوشك على الانفجار. وصل إلى البوابة، وتوقف فجأة، ثم خرج من السيارة مسرعًا، ممسكًا بسلاحه، وأخذ شيئًا آخر قبل أن يتوجه نحو الحراس. بدا الغضب يتساقط من كل كلمة نطق بها، وهو يوجه لهم اللوم بلا رحمة: "أنتم أغبياء! كيف ما شفتوش حاجة؟ موقف زي ده كأنكم بهائم!" ثم أشار بيده إلى الحراس، وأضاف بتحدٍ: "لما أرجع، مش عايز أشوف حد فيكم!"




نظرت عيناه ببرود إلى الكلب الجالس بجانبه، ثم تجاهل الحراس الذين حاولوا التوسل إليه. "غبية... مش هرحمك. عديتلك كتير، بس دلوقتي في مملكتي. خروجك يعني نهايتك، ومش هعديها لك المرة دي!" ثم انطلق متجهًا إلى الجزء الخلفي من المنزل. كان الباب مفتوحًا، فدخل بخطى سريعة، يشم في الهواء بحثًا عن أي أثر يدل عليه.




الكلب بدأ يشم شيئًا على الأرض، ثم أمسك بقطعة كانت قد سقطت منها أثناء نومها في الطائرة. حملها في فمه، وركض خلفه. توقف الكلب فجأة، ثم بدأ ينبح بعنف، وكأنما يوجهه إلى وجهة معينة. وقف عاصم بجانب الكلب، يراقب بتوتر، وفجأة انطلقت نداءات صوته في الأفق: "سيلااااااه!"




توقفت سيلا فجأة وسط الركض، تكاد لا تجد أنفاسها. حولها غابات كثيفة، وعرفت أنها تاهت، ولكنها لم تستسلم. بينما كانت تواصل الركض، بدأ قلبها ينبض بقوة، وسرعان ما أدركت أن شيئًا رهيبًا يقترب منها. ثم، في لحظة، سمعته ينادي اسمها بصوت قوي ومهيب، يتزامن مع صوت الرعد الذي يخترق السماء.




توقفت فجأة، غير قادرة على اتخاذ خطوة واحدة أخرى. التفتت ببطء، لتجد عاصم واقفًا أمامها بابتسامة باردة، يده داخل جيب بنطاله، والكلب بجانبه في وضع الاستعداد، ينبح وكأن اللحظة التي سينقض فيها عليها قد حانت.




ظلا يواجهان بعضهما البعض، وعينيه تشتعلان بغضب لم يطفئه حتى تساقط الأمطار. بل على العكس، كانت النيران في عينيه تزداد اشتعالًا، وكأنها تهدد بابتلاع كل شيء حوله.




لم تكن سيلا قد حسبت حساب هذه المواجهة. بدأ الرعب يتسلل إلى قلبها، فشعرت بدفء التوتر في الجو وبرودة الأمطار التي كانت تتساقط على بشرتها. ولكن برودة الجو كانت أقل تأثيرًا من حرارة نظرته التي كانت تجمد كل شيء في محيطها. خطوة بخطوة، بدأت تسحب قدميها إلى الوراء، تحاول الابتعاد عنه، ولكن كلما تحركت خطوة إلى الخلف، كان يقترب منها أكثر وأكثر.




"مفيش مفر من هروبك خلاص، ارجعي يا سيلا. أنا حذرتك قبل كده، وقولتلك إن الضربة المرة اللي فاتت كانت على هواء، لكن إنتي استهنتي واستعجلتي!" كانت كلماته ثقيلة، كالرصاص، تضغط على قلبها وتزيد خوفها.




عينيه كانت تتبع كل حركة منها، وكلما تراجعت أكثر، كان يخطو هو للأمام. شعرت أن الحافة قد اقتربت منها، وأنه لا مفر. عندما أمرها بالتوقف، كان صوته عميقًا، يأمرها بالانتظار، لكن قلبها كان قد انتفض في صدرها وركضت مبتعدة عنه بسرعة.




بينما كانت تهرب، سمعت صوته يأمر الكلب: "قف روي!" توقف الكلب فجأة عن الركض وراءها، ولكن فضولها جعلها تلتفت للحظة واحدة. كانت تلك لحظة قاتلة. لم تتعد ثوانٍ معدودة حتى شعرت بشيء غريب، ثم جاء الصوت المفاجئ.




الطلقة أصابتها مباشرة. تراجعت بضع خطوات إلى الوراء، وكأن قدميها فقدت قوتها تمامًا. شعرت بألم مفاجئ، ودمائها بدأت تسيل. تجمدت في مكانها للحظة، وعينيها اتسعتا، فمها مفتوحًا في صدمة، وعقلها غير قادر على استيعاب ما حدث.




سقطت أرضًا، وكأنها فقدت كل قوتها، بينما كانت الأرض من تحتها تتحول إلى سواد دامس.


ـــــــــــــــــ


استفاق معتز من نومه، وقد بدت علامات الإرهاق واضحة على وجهه بعد يوم طويل من العمل الشاق. كان جسده يصرخ من التعب، لكنه حاول أن يطرد هذا الشعور. نهض بتثاقل، واتجه إلى الحمام ليأخذ حمامًا منعشًا يساعده على استعادة نشاطه. بعد أن انتهى، ارتدى ملابسه بعناية، وأخذ لحظة ليجمع أفكاره قبل أن يخرج من المنزل.




قبل أن يغادر، قرر إجراء مكالمة هامة، ثم خرج ليقابل وليد عند الباب. اتجه الاثنان معًا إلى الشركة، حيث جلس معتز خلف مكتبه في هدوء، عينيه تركزان في الفراغ وكأن ذهنه مشغول بمكان آخر. كان ينتظر بشدة وصول شخص ما، وكأن الوقت يمر ببطء وهو جالس هناك.




مر وقت طويل، ولكن لم يحدث شيء. بدأ وليد يلاحظ انشغال معتز، فتوجه نحوه وسأله بقلق: "مالك يا بني؟ فيك إيه؟ بقالي ساعة بكلمك مش بترد." كان يشير بيده أمام وجهه، وكأنه يحاول استعادة انتباهه.




استفاق معتز أخيرًا، وقال وهو يحرك رأسه: "إنت لسه قاعد هنا؟ فكرتك مشيت؟"




غمز وليد بابتسامة واسعة، وقال على أمل: "لا، ما مشتش. مالك بقى؟ رحت فين؟ شكلك فكرت في كلامي، يا بن عمي، ولا إيه؟"




تنهد معتز بعمق، وأجاب: "آه، فعلاً فكرت في كلامك... وبحاول أتنفذه. امشي أنت دلوقتي، عشان أنا مستني حد."




ابتسم وليد وقال: "ماشي يا عم، الله يسهلها. أطير أنا بقى."




مرت ساعة كاملة قبل أن يأتي خبر مفاجئ من السكرتارية: هناك شخص من جريدة يريد مقابلته. معتز كان جالسًا في مقعده، مولّيًا ظهره للباب، عندما سمع طرقًا خفيفًا على الباب. أذن بالدخول، ثم لف كرسيه ليواجه القادم. وعندما نظر، تفاجأ تمامًا بما رآه أمامه...




… 


في مكان آخر، كان الحديث متوترًا، حيث كان الرجل الأول يصرخ بصوت غاضب: "يعني إيه اختفت؟!" كانت كلماته مليئة بالتهديد، عينيه تبرقان بالغضب.




رد الرجل الآخر بحذر، محاولًا التخفيف من حدة الموقف: "محدش عارف مكانها يا باشا. إحنا بنراقب بيتها، وما فيش غير اختها ووالدتها وأبوها. حتى الجرايد مش رايحة لها."




لكن غضب الرجل الأول لم يهدأ، بل زاد تأججًا. أمسك بالرجل الآخر من عنقه، وقال بصوت مخنوق: "إنت عارف لو البت دي مظهرتش، الباشا الكبير هيصفينا كلنا! يعني لازم نجيبها! رقبتنا في خطر، فاهم؟"




أصبح الوضع أكثر توترًا، فصرخ الرجل الأول في وجهه: "امشي من قدامي، متجيش تاني إلا لما تعرف مكانها! يلا، فاهم؟"




الرجل الآخر، وقد خشي على نفسه من غضب الرجل الأول، رد بسرعة: "أمرك يا ريس." ثم خرج مسرعًا، عاقدًا العزم على العثور عليها بأي طريقة كانت.




بعد إطلاق النار، اقترب عاصم منها بسرعة، وحملها بين ذراعيه، عائداً إلى المنزل. عند الباب، قابلته الست فاطمة التي صُدمت عندما رأت حالتها. كانت ملابسها مبللة بالدماء والأمطار، وجسدها ينزف بشدة. لطمت على صدرها، وتفجرت مشاعرها قائلة: "يا لهوي! يا لهوي! مالها؟ حصلها إيه؟ ليه مش بتتحرك كده؟ يا حبيبتي يا بنتي!"




لم يكن عاصم في حال يسمح له بالكلام الكثير. رد بسرعة: "مش عايز كلام كتير، عاوز مياه مثلجة بسرعة، وجيبي عدة الإسعافات من مكتبي، يلا بسرعة!" كان صوته عميقًا، وصدره يضيق من التوتر.




فاطمة لم تتردد، هرعت مسرعة: "حاضر، حاضر." ثم جرت إلى مكتبه لتنفيذ أوامره.




نقلها عاصم إلى الكنبة، وتأكد من وجود نبض في جسدها، بينما كانت لا تزال فاقدة للوعي. ساعده ذلك في تحديد مكان الرصاصة، فقام بسرعة بإحضار مقص وقطع ملابسها حول يدها اليسرى. خرج الرصاصة بعناية، ثم بدأ في تعقيم الجرح. في تلك اللحظة، دخلت فاطمة ومعها المياه الباردة وعدة الإسعافات، فشرع عاصم في تعقيم الجرح مرة أخرى، ثم لفه بالشاش بإحكام. كان معتادًا على هذه الأمور من خلال المهمات التي يشارك فيها.




ظلت سيلا غارقة في إغمائها، تهمس بكلمات غير مفهومة، لكنه لم يكترث. حملها بحرص وأمر فاطمة: "تعالي ورايا." توجه بها إلى غرفتها، حيث قال لها: "غيري لها ولبسيها الملابس دي، فيها هدوم كتير. ناديني بعد ما تخلصي."




أجابت فاطمة: "حاضر." ثم خرج عاصم بسرعة، متجهًا إلى غرفته. حاول أن يسيطر على غضبه الذي بدأ يشتعل داخله، فتمتم لنفسه: "أيامك سودة معايا، وانتي جربتي غضبي." استبدل ملابسه بسرعة، ثم حضر شيئًا ما قبل أن يخرج مرة أخرى.




عندما دخل غرفتها، وجد فاطمة قد انتهت من تغيير ملابسها. سألها عاصم بصوت أجش: "خلصت؟" أجابت فاطمة: "أيوه، يا بني، خلصت. بس... إيه اللي حصل لها؟ مين اللي ضربها بالنار كده؟"




عاصم رد بنبرة غاضبة: "وانتي كنتي فين لما هربت؟ مش عايز أسمع كلمة تانية." ثم أضاف بأمر: "أنا هديها حقنة مسكنة، هي احتمال تسخن. خليكي جنبها، وأول ما تفوق تبلغيني."




أومأت فاطمة برأسها في طاعة، وقالت: "حاضر يا بني."




ثم أعطى لها عاصم الحقنة، وأمسك يدها بعناية. في تلك اللحظة، وضع سوارًا حديديًا أسود اللون حول معصم يدها، ثم قفله باستخدام مفتاح خاص به. تركها في الغرفة، وخرج.




على الجانب الأخر، ذهبَت مي إلى الجريدة كما اعتادت، متبعَة الروتين اليومي. كانت تكتب المقالات وتنسبها لسيلا، حتى تبتعد عن أي مراقبة أو تخطيط من العصابة التي كانت تطاردها. جلست على مكتبها، لكن سرعان ما طلبها المدير، أحمد.




قال أحمد وهو يبتسم: "تعالي يا مي، أنا حبيت أشكرك بنفسي على المجهود الرائع اللي بتعمليه، وأنا مش ناسي ده، وطبعًا هكافئك."




أجابت مي بتواضع: " يا فندم، أنا بعمل المفروض يتعمل."




رد أحمد: "عموماً، المرة دي هننسب الموضوع ليكي أنتي. نفس الشركة اللي حضروا الافتتاح في الغردقة، لكن فرعها هنا. المدير كلمني وطلب حد من عندي، طلبك بالاسم كمان! تعملي معاه حوار عن إنجازات الشركة، ها يا ستي، مبسوطة؟"




أخذت مي نفسًا عميقًا، فشعرت بشيء غير مريح. لم ترتح لهذه المقابلة، وأيقنت أن نية المدير ليست بريئة. لكن ابتسمت ابتسامة متوترة وقالت: "أه طبعًا مبسوطة جدًا، بس... بس إيه؟ في حاجة كدة ممكن أي زميل يعمل الحوار؟"




أجاب أحمد بإزعاج: "مي، ازاي يعني؟ ده شغل يا أستاذة! هنلعب ولا إيه؟ بعدين انتي مطلوبة بالاسم! عايزني أبدلك بحد تاني؟ اتفضلي، تقدري تروحي دلوقتي، هو في انتظارك!"




مي، التي لم تجد مفرًا، ردت بقلة حيلة: "تمام يا فندم." ثم خرجت، وهي لا تعرف ماذا تفعل، فاستقلت المواصلات وذهبت إلى منزل همسة. فتحت لها الباب ودخلتا معًا إلى غرفتها.




قالت همسة بابتسامة مشجعة:


"مي، واحشتيني أوي! عاملة إيه؟ وأخبار المعرض إيه؟"




ابتسمت مي وردت بحماس:


"الحمد لله، خلاص قرب، فاضل كام يوم بس. أكيد هتيجي معايا، ما تسبنيش في اليوم ده، انتي كمان!"




ضحكت همسة وأكدت:


"طبعًا جايه يا حبيبتي، ربنا يوفقك يا رب."




ثم فجأة، توقفت مي وكأن شيئًا خطر ببالها، فسألت:


"سيلا، ما اتصلتش تاني بيكم؟"




تغيرت ملامح همسة للحزن وهي ترد:


"لا، للأسف."




لاحظت همسة شحوب وجه مي، فسألتها بقلق:


"مالك يا مي؟ شكلك مش مريحني، في حاجة حصلت؟ مامتك كويسة؟"




ردت مي بتردد:


"ماما كويسة، الحمد لله. لكن أنا حاسة إني مشوشة، مش عارفة إيه اللي بيحصل لي بالضبط."




حاولت همسة طمأنتها:


"خير يا حبيبتي، انتي قلقتيني عليكِ. فيكي إيه؟ احكي لي، يمكن أفيدك."




أخذت مي نفسًا عميقًا وقالت:


"أنا مش عارفة، بجد. فاكرة يوم ما مشيت من عندك آخر مرة؟ فاكرة معتز، أخو عاصم، اللي وصلنا؟ اللي شوفناه يوم الغردقة؟"




ردت همسة وهي تتذكر:


"آه، فاكرة طبعًا."




تابعت مي بنبرة مرعوبة:


"لقيته واقف تحت البيت عندي، وشكله كان مرعب أوي. طلعت فوق جري وخفت منه جدًا. بصيت عليه من الشباك لقيته فجأة رافع راسه يبص عليا، وبعدها مشي مرة واحدة. ومن وقتها وأنا خايفة، مش عارفة سبب وجوده هناك."




تفاجأت همسة وقالت باستغراب:


"غريب جدًا! طيب ليه ما كلمتيهوش وسألتيه؟"




هتفت مي بخوف:


"أكلمه إيه؟ ده شكله كان مش طبيعي أبدًا، وكمان اللي خوفني أكتر إنه طلبني أنا تحديدًا عشان أروحله أعمل معاه حوار. أنا المفروض أكون عنده دلوقتي كمان!"




ردت همسة بقلق:


"طيب وبعدين؟ مش هتروحي؟ ده ممكن يسببلك مشكلة مع الجريدة!"




ردت مي وهي تشعر بالارتباك:


"مش عارفة. أنا مش هروح، بس أتمنى يبعد عني. مش كفاية زمان حاولنا نقطع علاقتنا برودينا؟"




همسة أيدتها:


"فعلاً، هم ما فيهمش تفاهم. وإنتِ وذنبك إيه اللي خلاهم يعاملوا سيلا بالطريقة دي؟"




مي تنهدت بحزن:


"معرفش. كل اللي عارفاه إن وقتها كل واحد فيهم اتعصب علينا وبعد أخته تمامًا عننا. ومن يومها ما نعرفش عنها حاجة."




حاولت همسة تهدئتها:


"متقلقيش يا مي، إحنا مع بعض."




ردت مي وهي تبتسم وتغمز لها:


"بس ابن عمه شكله غيرهم خالص! هادي وعاقل، مش كده؟"




احمر وجه همسة قليلًا وقالت بتردد:


"مش عارفة والله."




سألتها مي بخبث:


"مكلمكيش تاني؟"




ردت همسة بجدية:


"اتكلم، بس أنا ما أعطيتوش فرصة. إنتِ عارفة أنا مش بحب أعلق نفسي في حاجة ممكن تجرحني. ما بردش حتى على رسايله."




وافقتها مي:


"عندك حق. اللي جاد مش هيضيع وقته في اللف والدوران."




قطع حديثهما اتصال من ياسر، زميل مي في الجريدة.




أجابت مي بسرعة:


"ألو، إيه يا ياسر؟ عملت إيه؟"




لكن ملامحها تغيرت فجأة وهي تسمع رده:


"إيه؟ بجد؟! طيب، وانت عملت إيه؟"




أغلقت مي الهاتف بصوت متوتر:


"خلاص، هتصرف. مع السلامة."




سألتها همسة بقلق:


"في إيه؟ مالك قلبتي كده؟"




مي بتوتر واضح قالت:


"شكي طلع في محله! هو عاوزني أنا مخصوص، مش حد تاني. أنا بعت ياسر عشان أتأكد، بس دلوقتي هيقلب عليا المدير، وهتبقى مشكلة كبيرة. مش بعيد أترفض. أنا مش فاهمة ليه حاططني في دماغه بالشكل ده! والله ما جيت جنبه أبدًا. ربنا يستر."




همسة، محاولة تهدئتها:


"طيب، هتتصرفي إزاي؟ هتروحي تقابليه؟"




ردت مي بسرعة وحزم:


"أقابله؟ لا طبعًا! ده عصبي وما بيتفهمش مع حد. أنا بجد مش عارفة أعمل إيه. المهم، أنا همشي دلوقتي. وهكلمك بعدين عشان المسابقة بتاعتك. مع السلامة. شكلها بكره هتنفجر في الجريدة."




همسة بتوسل:


"خليكي شوية طيب!"




لكن مي رفضت بشدة:


"لا، لا. لازم أروح وأشوف هتصرف إزاي. مع السلامة."




...


في مكان آخر، كان معتز ينتظر بابتسامة لاستقبال الصحفي، لكنه تفاجأ بدخول شخص آخر غير المتوقع.




الشخص القادم قال بتوتر:


"أنا ياسر، من جريدة... حضرتك طلبت صحفي يقدم حوار للشركة."




معتز، وهو يعتصر الورقة التي بيده، تحدث بحدة واضحة:


"آه، أنا كنت طلبت الأستاذة مي، لأنها حضرت افتتاح الفرع الجديد بنفسها. هي مجتش ليه؟"




ياسر رد بتوتر:


"اعتذرت، وطلبت مني أجي بدلها."




فجأة، ارتفع صوت معتز غاضبًا:


"ده تهريج! مش شغل أبدًا! يعني إيه اعتذرت؟ أنا متفق مع المدير! ده لعب عيال ولا إيه؟! انتو مش عارفين أنا مين ولا إيه؟! ممكن أقفل الجريدة على دماغكم. بس أنا مش هعديها على خير أبداً. اتفضل! وأنا هعرف ليه كلامي ما بتسمعش لا من المدير ولا من الأستاذة!"




أشار له بالخروج، فخرج ياسر مسرعًا، متفاجئًا من غضبه وتوتره.




همس ياسر لنفسه بعد الخروج:


"يا حول الله... لازم أكلمها وأبلغها. يمكن تلحق تتصرف قبل ما يوصل الخبر للمدير!"




... 




استيقظت سيلا من نومها تتأوه بألم وهي تهمس لنفسها:


"آه... أنا فين؟ آه... إيدي!"




تذكرت ما حدث، وهمست بغضب وألم:


"حيوان! آه لو شفتك قدامي، إيدي..."




لاحظت الست فاطمة نائمة بجوارها على الأريكة، وحاولت النزول من الفراش. تأوهت من الألم وهي تنادي:


"داده... يا داده! عاوزه أشرب... عطشانة داده."




لم تجد استجابة، فجمعت شجاعتها وتحاملت على نفسها للوقوف. بالكاد استطاعت الوصول إلى الباب، وعندما همّت بفتحه، وجدته يفتح من تلقاء نفسه.




ظهر أمامها فجأة، فتصلبت ملامحها وهتفت بغضب، دون أن تخفي رعشة صوتها:


"نعم؟ جاي تكمل على إيدي التانية؟ لعلمك، أنا مش هعدّي اللي عملته ده على خير، فاهم؟!"




ارتفع صوتها، فأفاقت الست فاطمة من على الأريكة، وسارعت نحوها:


"فوقتي يا حبيبتي؟ عاملة إيه دلوقتي؟"




نظرت سيلا لفاطمة بحب، وردت بصوت هادئ:


"الحمد لله، أحسن."




أشار هو للست فاطمة بحزم:


"روحي انتي يا فاطمة، ارتاحي. أنا هكمل مكانك."




هزت الست فاطمة رأسها وقالت:


"حاضر يا بني."


بقلم شروق مصطفى


خرجت، لكن سيلا انتفضت وهي تصيح بغضب:


"اطلع برا! أنت! أنت داخل ليه؟ برا!"




لم يأبه لصراخها، بل تقدم نحوها بخطوات ثابتة، وعيناه تلمعان بشرارات غضب واضحة. أشارت إليه بأحد أصابع يدها السليمة قائلة بتحدٍ:


"عارف لو قربت أكتر؟ أنت... أنت حر! فاهم؟ هتعمل إيه أكتر من اللي عملته؟ والله أنت مجنون!"




وقف أمامها بثبات، وتحدث ببرود قاتل وهو يشير إلى ذراعها الملفوفة:


"دي كانت قرصة ودن صغيرة. لكن لو حاولتي تاني... مش هتتوقعي الضربة تبقى فين، أو ممكن أعمل إيه. أبعدي عن غضبي... لأن غضبي وحش!"




لم تتراجع سيلا، بل نظرت إليه بتحدٍ صارخ وهتفت:


"غضبك؟ أنا مش خايفة منك! فاكر إنك تخوفني باللي عملته؟ أنا مش هسيب حقي، فاهم؟ لو كنت فاكر إنك أقوى مني، يبقى إنت غلطان!"




اقترب خطوة أخرى، لكنها لم تتحرك، وظلت تواجهه بشجاعة رغم الألم الذي ينهش جسدها.




نظر إليها بحدة وهو يقترب خطوة أخرى، حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد تختفي. نبرة صوته كانت أشد برودة وهو يرد:


"حقك؟ اللي زيك ما ليهش حق عندي! أنتي تعديتي حدودك، وأنا عرفت كويس إزاي أوقفك عندها. لو كنتي عاقلة، كنتي فهمتي الرسالة من أول مرة."




سيلا لم تتراجع، رغم أن قلبها يخفق بقوة من مزيج الخوف والغضب، وهتفت بشجاعة مصطنعة:


"إنت فاكر نفسك مين عشان تهددني كده؟ أنا مش لعبة بين إيديك! واللي عملته مش هيسكتني، بالعكس، ده السبب اللي هيخليني أواجهك وأقف ضدك لآخر نفس!"




رفع حاجبه بسخرية، وضيق عينيه وهو يقترب أكثر:


"أواجهني؟ تقفي ضدّي؟ أنتي مش عارفة بتلعبي مع مين. المرة دي هعدّيها، لكن لو حصلت تاني... مش هتلاقي حد ينقذك، ولا حتى نفسك."




لم تتراجع سيلا، ولكن صوتها بدا أكثر هدوءًا وهي ترد:


"روح هدّد حد غيري. أنا مش زي الباقيين اللي بتخوفهم كلمتين. لو عندك الشجاعة اللي بتدعيها، وريني أفعال مش كلام!"




اشتعلت عيناه بالغضب من تحديها، لكنه فجأة ابتسم ابتسامة ساخرة وقال بنبرة تنم عن الهدوء المريب:


"زي ما تحبي، يا سيلا. بس وقت ما تغلطي تاني، ما تلوميش غير نفسك."




تراجع خطوة للخلف، لكنه قبل أن يغادر أضاف:


"بس خلي بالك... اللعب معايا خطير، وأنتِ لسه ما شفتيش الوجه الحقيقي لي."




خرج من الغرفة بهدوء، تاركًا إياها تواجه أفكارها المتشابكة ومشاعرها المختلطة بين الغضب والخوف، وبين إحساسها بأنها دخلت لعبة أكبر مما كانت تتصور.




جلست سيلا على طرف السرير، وضغطت على يدها المصابة بحذر، وهمست لنفسها:


"ما فيش حد فوق القانون... هوريك مين اللي غلطان."

الفصل الخامس عشر من هنا




 

تعليقات



×