رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل الثامن عشر بقلم فاطمة على محمد
حالة "شمس الأخاديد" كانت مستقرة لحد كبير، رغم الغيبوبة اللي كانت فيها، واللي كانت بسبب الأدوية اللي بيحقنها بيها "أوتو" بأمر مباشر من "فولاك" المختفي عن الأنظار لعدة أيام، كانت "نور" في خلالهم مرافقة لـ "شمس الأخاديد" طول الوقت، وده كان مضايق "آشماداي" اللي ما كانش قادر ينفرد بزوجته عشان يختبر وعيها، ويطمن على حالتها الصحية.
"آشماداي" كان قاعد على الكرسي في ركن الأوضة بيراقب "أوتو" اللي انتهى من عمله، عشان يقوم من مكانه متجهة ناحيته يسأله بقلق مرسوم على ملامحه:
- إيه أخبار جلالة الملكة؟.. وليه ما فاقتش من الغيبوبة لحد دلوقتي؟
سحب "أوتو" نفس قوي بأسى مرسوم وهو بيبص ناحيتها بحزن مرددًا:
- حالتها زي ما إنت شايف، لكنها مستقرة، في نفس الوقت اللي مش عارفين هتفوق فيه إمتى، أو إيه من أعضاء جسمها اتأثر بالشلل.
والتفت ناحيته يبصله بنظراته المتألمة وهو بيقوله:
- ما كنتش أعرف إنك بتحب جلالة الملكة للدرجة دي.
حاد "آشماداي" بنظراته عن "أوتو"، وارتكز بيها على "شمس الأخاديد" المستلقية بفراشها وهو بيتنهد بقوة وبيجاوبه :
- الوحيدة اللي حبتني بصدق، وعاملتني بمحبة وود، مافرقش معايا الشائعات اللي بتطلع عليا، واللي كل الممالك بتتكلم عنها، الوحيدة اللي شافت "آشماداي" من جوه.
"أوتو" كان بيسمع له بثبات قوي بيناقض سخريته الداخلية من كل كلامه، عشان يسحب نفس بطئ وهي بيطبطب على كتفه برفق وبيقوله:
- اطمن.. جلالتها هتفوق، وهترجع لنا بالسلامة، وهتعرف كل اللي عملته عشانها.
ارتباك طفيف ظهر على ملامح "آشماداي" اللي بلع ريقه بقوة وهو بيتلجلج بكلامه :
- مش فاهم.
ابتسم "أوتو" ابتسامة واسعة وهو بيروح بعينيه ناحية الكرسي يبصله بنظرة سريعة وبيقوله:
- إنك ماسيبتش جلالتها لحظة، وكنت بتنام على الكرسي قصادها طول الوقت.
اتنفس "آشماداي" براحة وهو بيقوله:
- ده واجبي كزوج لجلالتها.
في اللحظة دي دخلت "نور" الغرفة، وهي بتطوف جسم الملكة "شمس الأخاديد" بابتسامة خفيفة، قبل ما تلتفت ناحية "أوتو" تسأله بلهفة حقيقية :
- جلالتها عاملة إيه النهاردة؟
التفت ناحيتها "أوتو" بملامحه الجدية وهو بيجاوبها:
- حالتها مستقرة.
تجاهلت "نور" "آشماداي" تمامًا وهي بتتجه ناحية "أوتو" تقوله بمودة:
- تقدر تروح ترتاح دلوقتي، أنا هاخد الشيفت بتاعي.
هز "أوتو" راسه بنفي وهو بيقولها :
- هفضل معاكي.
ورفع أنطاره ناحية "آشماداي" وهو بيكمل كلامه :
- عشان لو احتاجتي حاجة، أو جلالتها فاقت.
رفعت" نور" أنظارها الغاضبة ناحية "آشماداي" وهي بتجاوبه بنبرة متوعدة:
- ما تقلقش.. مش هحتاج حاجة، وبعدين "رنة" موجودة معايا لو حاجة حصلت هبعتهالك هوا، على ما تيجي أكون قضيت على الحاجة دي، ونضفت المكان وراها كمان.
ابتسم "أوتو" بخفة وهو بيرفع أنظاره ناحية "رنة" اللي ظهرت في الهواء أعلى "نور"، عشان يهز راسه بموافقة وهو بيقولها :
- تمام.. أنا في غرفتي، مجرد ما "رنة" تخبط الباب هتلاقيني قدامك.
هزت "نور" راسها بموافقة وهي بتتبع أثر "أوتو" اللي خرج من الغرفة، عشان تشبك أصابع ايديها الاتنين ببعض، محدثة صوت فرقعة خفيفة قدام وجه "آشماداي" اللي كان بيبصلها بتوعد قوي.
*******
أما "ايزابيل" واللي كانت في غرفتها بتهدهد "برقان" الصغير واللي أصبح وجوده جزء مهم من يومها، فكان بير أسرارها اللي بترمي فيه كل ما في قلبها من حكايا، عشان يقتحم عليها غرفتها خادمها بعدما طلب الإذن بالدخول، وانحى قدامها باحترام مرددًا :
- مولاتي جلالة الملكة "إيزابيل".
ضمت "إيزابيل" "برقان" إلى صدرها وهي بترفع أنظارها ناحية الخادم وبتقوله :
- هات ما عندك.
رفع الخادم راسه قليلًا ينظر لها وهو بيقولها :
- جلالة الملكة "شمس الأخاديد".
عقدت "إيزابيل" جبينها بتعجب وهي بتقوله بنبرة حادة :
- كمل كلامك كله.
=جلالتها دخلت في غيبوبة من أيام، والأطباء عجزوا عن إفاقتها.
أحاسيس متضاربة خالجت قلب "إيزابيل" اللي انتفضت من مكانها تلقائيًا، تناول "برقان" لمربيته اللي كانت واقفة جوارها، قبل ما تتجه ناحية الخادم تسأله بلهفة :
- إنت بتقول إيه؟
بص الخادم لـ "إيزابيل" بنظرات مرتبكة وهو بيجاوبها :
- الشائعات مالية المملكة جلالتك.
قبضت "إيزابيل" على تلابيب الخادم تسحبه ناحيتها بغضب قوي وهي بتصيح به :
- أنا مش همشى ورا شائعات، أنا عايزة خبر مؤكد.
ابتلع الخادم ريقه بخوف قوي من نظرات الملكة له، وقالها بتلجلج :
- الخبر مؤكد يا مولاتي، البصاصين التابعين لنا في المملكة أكدوا الخبر، ده غير إن جلالة الملك "فولاك" مختفي من وقتها.
ضيقت "إيزابيل" عينيها باستنكار وهي بتسأله بدهشة :
- "فولاك" مختفي؟!.. سايب جلالة الملكة في وقت عصيب زي ده ومختفي؟!.. إيه السبب؟
أجابها الخادم بنبرة متزنة نوعًا ما :
-البصاصين بيقولوا إن جلالتها كانت هتعلن زواجها، لكنهم دخلوا غرفتها لقيوها واقعة على الأرض فاقدة وعيها، ومن وقتها ما يعرفوش عن جلالة الملك "فولاك" أي حاجة.
صدمة قوية حلت على راس "إيزابيل" عشان تحرر تلابيب الخادم من قبضتها وهي بتسأله بشرود :
- "شمس الأخاديد" تعلن زواجها؟!.. من مين؟.. وإمتى؟
هز الخادم راسه بنفي وهو بيجاوبها :
- ده كل اللي وصل لنا من هناك يا مولاتي، لو تحبي أطلب من البصاصين الاقتراب من القصر أكتر...
رفعت "إيزابيل" كفها مقابل وجه الخادم تقطع حبل حديثه وهي بتقوله بشرود مسيطر على كل تفكيرها:
- لأ.. أنا اللي هدخل القصر بنفسي.. انصرف دلوقتي.
انحنى الخادم بطاعة لمولاته، وهو بيتراجع للخلف، لحد ما وصل باب الغرفة وغادرها بسلام، عشان تميل "إيزابيل" براسها قليلًا وهي بتردد بدهشة :
- "شمس الأخاديد" تتجوز!.. "شمس الأخاديد" في غيبوبة!
*********
"هيرينا" كانت لسه في فراشها، بتحط ايدها على عيونها بتكاسل تحجب عنها نور النهار، عشان يدخل الغرفة في الوقت ده "خوان" وعلامات الحزن والأسى مسيطرة على كل قسمات وجهه، عشان يروح ناحية خزانة ملابسه ياخد منها ثياب نضيفة، وايده بتفك أزرار قميصه، قبل ما ينزعه عنه، قبل ما تشوفه "هيرينا" اللي نهضت من نومتها، تتطلع عليه بنظرات عاشقة وهي بتقوله :
- إنت كده هتتعب يا حبيبي، بقالك كام يوم ما نمتش.
اتنهد "خوان" تنهيدة حارة وهو بيحط ثيابه النضيفة على مخدع المقعد المقابل لسريره، قبل ما يقعد على طرفه، وضهره لوجه "هيرينا" وهو بيقولها بشجن قوي:
- حالة جلالة الملكة ما تطمنش خالص، مفيش أي تقدم بيقولنا عنه "أوتو"، وكمان "فولاك" المختفي واللي سايب وراه شعب عايش على الشائعات.. غيابه عنه ممكن ياخدنا لطريق مفيهوش رجوع.
اقتربت "هيرينا" من "خوان" تحتضنه من الخلف وهي بتستند بطرف ذقنها على كتفه العاري وبتقوله:
- لكنه شعب بيحب ملكه، وعمره ما ينقلب عليه، وكمان جلالة الملكة حالتها مستقرة وده قالهولي بنفسه الطبيب "أوتو".
سحب "خوان" نفس قوي، وزفره ببطيء وهو بيقولها :
- برضه ما ينفعش ندي أمان كامل، أنا حاسس بحركة مريبة في المملكة.
عقدت "هيرينا" جبينها بدهشة وهي بترفع راسها بعيد عن كتف "خوان" وبتحرك جسمه ناحيتها، لحد ما أصبح مقابل لها وهي بتقوله بتعجب:
- حركة إيه مش فاهمة؟!
كز "خوان" على أسنانه بقوة وهو بيقولها :
- جماعات ملثمة بتنقل أخبار غريبة بين الشعب.
هزت "هيرينا" راسها باستغراب قوي وهي بتسأله:
- جماعات إيه؟!.. وأخبار إيه؟!
هز "خوان" راسه بثقل وهو بيقولها :
- بعدين هحكيلك، لازم أبدل ملابسي وأروح أطمن على جلالة الملكة "شمس الأخاديد".
وقام من مكانه يلتقط ملابسه، عشان تقفز "هيرينا" عن السرير أرضًا، وهي بتعترض طريقه بغضب قوي وبتقوله:
- وطبعًا الإنسية هناك.
أجابها "خوان" بإيجاب :
- أكيد.. ماهي المرافقة لجلالتها طول النهار.
سحبت "هيرينا" نفس قوي وهي بتعقد دراعاتها قدام صدرها بقوة، وبترفع راسها ناحية سقف الغرفة تتأمله بغيظ قوي رافق كلماتها :
- وأنا مش عايزاك تتطمن على جلالتها بالنهار، قدامك الليل كله بيكون موجود فيه الطبيب "أوتو".
ضيق "خوان" عينيه بدهشة وهو بيقولها بتهكم:
- مش فاهم.
نزلت "هيرينا" بأنظارها ناحية "خوان" تجاوبه بنبرة حادة :
- يعني مش عايزاك تتقابل مع الإنسية دي خالص، ولا حتى تلمح طيفها، ولو قابلتها صدفة تتجاهلها تمامًا.
ابتسم "خوان" ابتسامة متهكمة وهو بيقولها :
- وده عشان إيه؟!
جاوبته "هيرينا" بغيظ :
- عشان أنا عايزة كده.
سحب "خوان" نفس قوي، حبسه في صدره للحظات يطفئ به نيران غضبه، اللي اشتعل في أحداقه اللي بتطوف ملامحها بجمود وهو بيجاوبها بنبرة حازمة :
- يمكن سنين البعد بينا نسيتك مين القائد "خوان"، اللي بيتقدم جيوش جرارة، واللي بتقوم حروب بكلمة واحدة منه.
هزت "هيرينا" راسها بنفي وهي بتقوله بنبرة أكتر حدة:
- وأنا مابكلمش القائد العظيم "خوان"، أنا بكلم "خوان" زوجي، اللي شايفة تعامل الإنسية معاه حميمي بزيادة، واللي بتكلمه كأنه صديق مقرب ليها.
رجع "خوان" راسه للخلف للحظات سحب فيها رداء ثباته قبل ما يرجع يبصلها بحنق وهو بيقولها:
- ما هو عشان بتكلمي "خوان" زوجك سمحت لك بالتمادي في حديثك التافه ده، وتغاضيت عن إتهامك لـ "نور"، وهعتبره من باب الغيرة مش أكتر، "نور" اللي حبها "فولاك" أخوكي، وصديقي، واللي هحميها بروحي لحد ما يرجع بالسلامة، وده كنت بعمله من قبل رجوعنا لبعض، وهفضل أعمله طول ما فيه نفس خارج من صدري.. حابة تثقي فيا هنعيش في سلام، شيطانك هيوزك بالشك ده هتتعبي.. اختاري اللي عايزة تعشيه.
وسابها مشتعلة بنيران غضبها وغيظها، مغادرًا ناحية المرحاض الخاص بيه.
*********
أما "مويرا" واللي كانت استعادت جزء كبير من نشاطها وجاذبيتها، وده كان بشهادة "نيرون" العاشق اللي واقف قصادها يتأمل سحرها اللي عمره ما فشل في أسر قلبه، وضياع عقله، عشان يقولها بنبرة عاشقة :
- عمري ما كنت أتخيل إني هشوفك واقفة قصادي تاني بطلتك الساحرة دي، يوم ما أخدت جثمانك عشان أحتفظ بيه قدامي، كانت أكبر أحلامي وأمالي إن وشك يفضل قصاد عينيا، وأفضل أبص له لآخر يوم في عمري.. لكن إن يحصل اللي شايفه دلوقتي ده درب من دروب الخيال.
التفتت "مويرا" ناحية "نيرون" ترمقه بنظرات طويلة وهي بتقوله بغموض :
- مش خيال يا "نيرون"، أنا واقفة قدامك، وكنت عارفة إني راجعة تاني، يمكن إنت سرعت الرجوع بحفظك لجسمي، ومساعدتك ليا لحد دلوقتي، أنا متأكدة إنك بتساعدني بطيب خاطر، لكن الجاي مالكش مكان فيه، ولازم أكون فيه لوحدي.
الدهشة والتعجب رسموا ملامح "نيرون" اللي كانت عينيه متعلقة بعيونها وهو بيسألها:
- يعني إيه لوحدك؟!
اتنهدت "مويرا" بقوة وهي بتتحرك ناحيته خطوة، لحد ما أصبحت محازية له ، عشان تقوله بثبات قوي:
- يعني هرجع قصري، وهرجع المملكة، وهرجع لـ "فولاك"، وكل ده لازم أكون فيه لوحدي.
اشتعل غضب "نيرون" اللي التفت ناحيتها يسحب دراعها لصدره بقوة وهو بيصرخ فيها :
- يعني إيه ترجعي لـ "فولاك"؟!.. طب واللي عمله فيكي؟!.. والمحاكمة؟!.. والخطبة اللي انتهت بنفيك؟.. سيبك من كل ده.. أنا فين من حياتك؟!.. أنا اللي حطيت حياتي على المحك عشان أدخل مملكة "فولاك" وأهرب بجثمانك؟.. أنا اللي لفيت ممالك الجن والإنس عشان أجيب محلول الحفظ اللي حطيت جثتك فيه؟!.. أنا اللي كنت بعتبرك جزء مهم من يومي، وكنت بحكيلك عن كل تفاصيله.. جاية دلوقتي وبعد كل ده تقوليلي هكمل لوحدي؟!
بادلته "مويرا" نظراته الغاضبة بنظرات زجاجية، بلا أي مشاعر وهي بتقوله :
- أه.. هكمل لوحدي، لأنها حاجة تخصني لوحدي، وأنا ماطلبتش منك تحط حياتك على المحك عشان تنقذني، ولا طلبت منك تحتفظ بجثماني، اللي كنت محتفظ بيه أساسًا عشان نفسك، عشان تستمتع بالنظر لوشي ده، و كمان عشان تلاقي حد تحكيله يومك بدل ما أنت منبوذ من الكل.
تأجج غضب "نيرون"، واشتعلت نيرانه بأنظاره الحانقة، عشان يضغط على دراعها بكل قوته وهو بيقولها بوعيد :
- زي ما قدرت أحتفظ بيه كل الوقت ده، أقدر أحرقه وأرمي رماده بين كل الممالك، إوعي تكوني فكراني أحمق زي الإنسي اللي حافظ على قلبك، لحد ما سلمهولك، ومات بسلام، أنا لا بتاع موت بسلام، ولا حتى حياة بسلام يا "مويرا".
تحدت "مويرا" نظراته بنظراتها الأكثر غضبًا وهي بتحرر دراعها من قبضته بقوة وبتقوله:
- على أتم استعداد للحرب، مهما كان الخصم.
ونفضت ايده بعيد عنها وهي بتغادر الأوضة قاصدة قصرها.
*********
في غرفة "أوتو" كان "فولاك" بيستمع لتقرير وافي عن حالة الملكة "شمس الأخاديد" وهو بيهز راسه بتفكير عميق، عشان ينتهي "أوتو" من تقريره بجملة :
- الوضع مستقر حاليًا، لكن لإمتى هنفضل نحقن جلالتها بالمخدر؟
حك "فولاك" ذقنه بأطراف أنامله برفق وهو بيستعيد كامل نشاطه وبيقوله:
- هانت.. كده لعبت بأعصاب "آشماداي" للأخر، لسه فاضل بس اللمسة الأخيرة.
بصله "أوتو" بثبات قبل ما يقوله:
- ممكن أسأل جلالتك سؤال؟
هز "فولاك" راسه بموافقة وهو بيقوله :
- أسألتك كتير يا طبيب، لكن تقدر تسأل كل الأسئلة اللي بتيجي في بالك، وكمان انا أقدر أحدد أي سؤال هجاوبك عنه.
ابتسم "أوتو" ابتسامة خفيفة وهو بيسأله:
- إزاي جلالتك توقعت إن "آشماداي" هيحاول يقتل جلالة الملكة؟
انفرجت إبتسامة خفيفة متهكمة بثغر "فولاك" وهو بيقوله :
- مين قالك إن "آشماداي" كان ناوي يقتلها؟!
ضيق "أوتو" عينيه بدهشة وهو بيسأله:
- أومال كان عايز يعمل فيها إيه؟!
مط "فولاك" شفايفه بلامبالاة وهو بيجاوبه:
- كان عايز يعمل فيها نفس اللي عملناه إحنا بالظبط.
نطق "أوتو" بصدمة:
- يخدرها؟!.. طب ليه؟
هز "فولاك" راسه بنفي وهو بيقوله:
- عايزها مريضة طريحة الفراش حتى لو وصلت للموت، لكن أهم حاجة بالنسباله إن يكون فيها نفس، عشان يضمن وجوده في المملكة، وده اللي بحققهوله دلوقتي، وأديه موجود في المملكة، وتحت عينيا.
سؤال آخر تفوه بيه "أوتو"، لكنه لم يحظى بجوابه:
- وجلالتك عرفت منين إنه ناوي يعمل كده؟
ابتسم "فولاك" ابتسامة خفيفة وهو بيشرد في نقطة ثابتة قدامه، عشان يعود بذاكرته لأيام قليلة.
كان "فولاك" في صالة التدريب الخاصة به كعادته يوميًا، عشان تظهر قدامه "رنة" من العدم، وتهبط أرضًا تنحني له بتقدير وإجلال مرددة :
- مولاي.
استدار "فولاك" ناحيتها بكل جسمه عشان يكون مقابل لها وهو بيسألها :
- وصلتي لإيه؟
جاوبته "رنة" بكل جدية، وبنبرة تقريرية :
- "آشماداي" تسلل خارج القصر جلالتك، وكان ماشي بكل حذر وحرص عشان محدش يشوفه، لحد ما وصل للحديقة الخلفية للقصر، وقابل شخص ملثم، كان بيتكلم معاه عن جلالة الملكة "شمس الأخاديد".
ردد "فولاك" بنبرة متسائلة جدية :
- معرفتيش مين الملثم ده؟.. كان ذكر أم أنثى؟
هزت "رنة" راسها بنفي وهي بتجاوبه :
- للأسف جلالتك كان مختفي تمامًا، حتى صوته كان متبدل بصوت آلي.
اتنهد "فولاك" بهدوء وهو بيسألها :
- وكان عايز إيه الملثم ده من جلالة الملكة؟
بلعت "رنة" ريقها بتوتر وهي بتجاوبه :
- طلب من "آشماداي" إنه يخلط العقار ده بمشروب جلالتها.
ومدت "رنة" ايدها ناحية "فولاك" بقنيقة صغيرة بها سائل شفاف، عشان يتناوله منها وهو بيقولها :
- كملي.
استرسلت "رنة" بتقريرها:
- العقار ده كفيل إنه يشل جلالتها تمامًا، لكنه مش هيتسبب في موتها، وده اللي عايزينه، عشان "آشماداي" يفضل موجود في المملكة، وينفذ خطته اللي جه عشانها.
ابتسم "فولاك" ابتسامة ذات مغزى وهو بيتنهد بقوة قبل ما يسألها وايده مرفوعة بالعقار مقابله :
- وجيبتي دي إزاي؟
جاوبته "رنة":
-بدلتها جلالتك بإزازة مقويات، الملكة متعودة إنها تاخدها.
هز "فولاك" راسه بنفي وهو بيقولها :
- لأ.. الطبيب "أوتو" هيعمل تركيبة خاصة، تاخديها تبدليها بالإزازة اللي حطتيها، وعينك تفضل على "آشماداي" زي ما قولتلك، مش عايزها تغفل لحظة، أنا ما أفرجتش عنه غير لما إتأكدت إنك قد المهمة دي.
انحنت "رنة" باحترام وتقدير بشكل مسرحي وهي بتقوله :
- شرف عظيم إن جلالتك تكلفني بمهمة زي دي، بانتظار تركيبة الطبيب "أوتو".
الطبيب "أوتو" وصوته هو اللي جذب" فولاك" من ذكرياته، عشان يبصله بتأمل وهو بيقوله :
- ده وقت عودتي لشعبي، وظهوري لـ "آشماداي".
*******
أما "نور" واللي كانت بتصب كامل اهتمامها على "شمس الأخاديد"، انتهت أخيرًا من تنضيف ايديها بالمياه الباردة، عشان تبص ناحية "رنة" وهي بتناولها الوعاء وبتقولها:
- خدي الحاجات دي يا "رنة".
وقامت من مكانها تبص ناحية "آشماداي" بغضب وهي بتكمل حديثها:
- الماية بقت مش نضيفة، ارميها في الزبالة.
التقطت "رنة" الوعاء من ايد "نور" وحلقت في سماء الغرفة، تقف على شرفتها، عشان تفرغ كل محتوياته بالخارج، وتعود سريعًا لتتمم مهمة مراقبة "آشماداي" اللي قام من مكانه متجهة ناحية "شمس الأخاديد" موجهًا كلامه لـ "نور":
- أظن كده ينفع أقرب وأطمن عليها بعد ما خلصتي تنظيفها.
قطعت "نور" الطريق عليه بجسدها المستقيم، وايديها المعقودة قدام صدرها وهي بتقوله بتهكم قوي:
- أديك قولت.. نضفتها.. يعني ماينفعش تقرب منها.
شوح "آشماداي" بإيده في الهوا قدامها وهو بيصرخ فيها غاضبًا:
- دي زوجتي، وأنا الوحيد اللي من حقه إنه يكون جنبها ويعتني بيها.
بصتله "نور" بنظرات ممتعضة وهي بيتقوله:
- تصدق بالله.. أنا مش عارفة جلالتها اتجوزتك إزاي؟!.. وأنا الغريبة عن العالم بتاعكم ده ما ارتحتش لأمك من أول ماشفتك قدامي، كانت جيتك المملكة جية الشوم.
ضحك"آشماداي" ضحكات ساخرة وهو بيقولها بتهكم :
- غريبة.. مع إنك اتجوزتي الإنسي "يونس" اللي خانك مع الأميرة "مويرا"، ومعرفتيش تكتشفي خيانته دي مع إنك كل ليلة كنتي في حضنه!
اشتعل الغضب بقلب "نور"، وفارت الدماء بعروقها، عشان ترفع سبابتها في وشه بتحذير قوي وهي بتقوله:
- إنت تجاوزت كل حدودك يا عفريت الغم إنت، وأنا مش هسكت.
ابتسم "آشماداي" ابتسامة وقحة وهو بينزل بأنظاره يطوف معالم أنوثتها مرددًا :
- حابب أعرف هتعملي إيه؟..
وفتح دراعاته جانبًا وهو بيكمل كلامه :
- أديني قدامك مستسلم تمامًا، وأدينا لوحدنا، لا "خوان"، ولا الطبيب هيقطعوا علينا خلوتنا.
شهقت "نور" شهقة قوية ما أن فهمت مقصده، عشان تبص لـ "رنة" بتوتر قوي، قبل ما ترجع بأنظارها ناحيته مرة تانية وهي بتقوله :
- إنت حيوان، وحقير، واللي زيك عندنا بنسميه متحرش.
ومالت ناحية رجلتها تلتقط نعلها، وترفعه بايدها تضربه به وهو بتكمل كلامها:
- وبنقلع شبشبنا نديله فوق دماغه، حتى لو طويل وأهبل زيك.
واستمرت في ضربه بكل غضب وغيظ، عشان يضحك بسخرية وهو بيمسك ايديها بايديه الاتنين، وبيلويهم خلف ضهرها، يضمهم لبعض، ويكتفهم بايد واحدة، وهو بيسحبها ناحية صدره بكل وقاحة وبيقولها:
- واللي زيك عندنا بنخطفها لفراشنا على طويل.
دقات قلب "نور" تسارعت بقوة، ونظراتها اتحولت لنظرات ذعر وهلع، خاصة لما قرب "آشماداي" من شفاهها كي يقتنص قبلة حارة منهما، ليجد لكمة قوية أطاحت به للخلف، ليحرر ايدين "نور" تلقائيًا، قبل أن ينقض عليه "فولاك" بسيل عارم من اللكمات الغاضبة وهو بيقوله بسعير حنقه :
- فتحت أبواب الجحيم على نفسك في اللحظة اللي شيطانك صورك فيها إنك ممكن تمسها بسهولة، جيت مملكتي ودخلتها بحجة إنك جوز جلالة الملكة "شمس الأخاديد"، وسمحت لك بالتواجد فيها عشان جلالتها.. إنما تفكر إنك تمس اللي يخصني، يبقى كتبت كلمة النهاية لحياتك.
وكال له لكمات قوية، سال لأجلها أنفه، وتحطم معها فكه، ليركض "خوان" للداخل، بعدما سمع جلبة آتية من داخل غرفة الملكة، عشان يبصله بصدمة وهو بيجري ناحيته يمنعه عن قتل "آشماداي" وهو بيصيح بصدمة :
- هتقتله جلالتك.
دفع "فولاك" "خوان" بعيد عنه وهو بيصرخ فيه بتحذير شديد اللهجة :
- إياك تفكر إنك تمنعني.
هز "خوان" راسه بنفي وهو بيقوله :
- طب وجلالة الملكة اللي دخلت الغيبوبة وهي زوجته، لما تفوق منها نقولها إيه؟.. إرميه في السجن زي ما جلالتك عايز، لكن تقتله لأ.
غمض "فولاك" عينيه بقوة غاضبًا، عشان يسحب "خوان" "آشماداي" للخارج، قبل ما يفتح عينيه مرة تانية ويتجه ناحية "نور" اللي كانت بترتجف بقوة يسألها بقلق:
- عملك حاجة؟
بصتله "نور" بعيون مغيمة بدمعات الخوف والذعر، المخلوطة بنظرات العتاب واللوم وهي بتكور قبضتها بغضب شديد، وبتلكم عضلات صدره بكل قوتها، وبتصرخ فيه بعصبية باكية:
- إنت أناني.. ومش مسئول بالمرة، سيبتني لوحدي في عالم معرفش فيه غيرك، عالم موجودة فيه عشانك، مابحسش بالأمان فيه غير قربك، تسيبني لحيوان ده ده يحاول....
بكاها كان سياط من نار بتجلد قلبه، وعتابها كان أصفاد من سعير بتكبل روحه، عشان يشدها لحضنه بكل قوة، وهو بيمسح على شعرها بحنان قوي وبيقولها :
- حقك عليا.. مش هسيبك تاني أبدًا.
شهقت "نور" شهقات متقطعة وهي بتقبض على طرف قميصه بكل قوتها وبتقوله :
- لو سيبتني تاني ماعتش هكلمك .
هز "فولاك" راسه بنفي وهي بيضمها برفق مرددًا :
- مش هسيبك يا نور دربي.
شعرت "رنة" بخجل قوي من ثنائي العشق الوله، عشان تستدير بجسمها وهي بتبتسم بسعادة تاركة لهم مساحتهم كاملة، لكن يبدو أنه كان هناك من له رأي آخر، فطرقات خفيفة قد ارتفعت بباب غرفة "شمس الأخاديد".
تورترت "نور" بقوة، وتملصت من بين ايدين "فولاك" اللي تشبث بيها، عشان تقوله بخجل :
- إنت ما صدقت.
ابتسم "فولاك" بعشق جارف وهو بيقولها :
- قلبي اللي ما صدق يلاقيكِ يا "نور".
دفعته بعيد عنها برفق وهي بتقوله :
- ماعتش نطقك لاسمي بيوترني.. إلعب غيرها يا شاطر.
سحب "فولاك" نفس قوي بسعادة وهو بيهمس جنب أذنها :
- ده اعتراف ضمني بحبك ليا يا "نور".
وحرر جسدها من بيت دراعاته، عشان يستقيم بجسمه وهو بيسمح للطارق بالدخول.
لحظات ودخل الخادم، تليه "مويرا" بطلتها الفاتنة، واللي تضاعفت سحر وجمال بفستانها الأبيض الناعم، المكشوف الصدر والأكمام، واللي بيبرز معالم أنوثتها بكل قوة، وخصلاتها المنسدلة أعلاه خلف ضهرها، عشان تنفر كل أوردة، وشرايين، وعروق "فولاك" اللي بصلها بصدمة قوية، على عكس "نور" اللي بصت لها بانبهار، وإعجاب، وافتتنان قوي، وهي بتهمس :
- يخربيت جمالك.. مين القمر دي؟
مجرد ما وصلت كلمات "نور" لمسامع "مويرا"، اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي بتخطو نحوها بخطى واثقة، متجاهلة "فولاك" تمامًا، لحد ما وقفت قدامها تقولها بزهو مختال:
- الأميرة "مويرا".. خطيبة جلالة الملك "فولاك".