رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل التاسع عشر 19بقلم فاطمة على محمد

رواية فجوة زمنية الجزء الثانى  الفصل التاسع عشر بقلم فاطمة على محمد



تلاشت إبتسامة "نور" تدريجيًا وهي بتبصلها بصدمة كبيرة وبتردد بسخرية :

  - "مويرا"؟!.. خطيبة جلالة الملك "فولاك"!


وخطت خطوة ناحيتها وهي بتقولها باستنكار قوي :

  - إنتِ بقا اللي عشقك "يونس"؟!.. إنتِ اللي خربتي ودمرتي حياتي؟!

 

شدت "مويرا" جسدها بزهو وكبرياء صامت، عشان تمط "نور" شفايفها بسخرية وهي بتكمل كلامها بتهكم قوي:

  - فرحانة بإنجازك!.. افرحي بس مش قوي، لأن "يونس" مش الراجل اللي الواحدة فينا تفتخر إنه جوزها، وده مش عشان وحش.. خالص.

 

واشتعلت أنظار "نور" غضبًا، واحتد صوتها كنصل سيف بطار وهي بتسترسل:

  - ده عشان خاين، جري ورا أهواؤه، وحب جنية مش تمام زيك.. بس والله تستاهلوا بعض، ماهو الخبيثين للخبيثات، وإنتِ ما شاء الخبث بينط من عينيكي، رغم جمالك اللي يسحر ده، واللي أنا شخصيًا انبهرت بيه للحظة.

 

ابتسمت "مويرا" ابتسامة ساحرة، خلابة وهي بتعيد خصلات شعرها للخلف وبتقولها بلا مبالاة:

  - الإنسي كان مجرد نزوة عابرة في حياتي، وبعد توسل وتذلل كتير منه، حاول معايا أكتر من مرة.. وأنا أهانته، لكنه كان متلذذ بالإهانة دي، وأنا كمان حبيت خضوعه ليا، وتذلله قدامي عشان بس أبص له نظرة رضا، كان مستعد يعمل أي حاجة عشاني، لدرجة إنه اختار الموت في سبيل إنه يحافظ على قلبي، لكنه في الآخر كان إنسي وضيع، إنما خطيبي واللي إنتِ مرافقاه حاليًا فهو جلالة الملك "فولاك"، اللي كل نساء الأرض تتمنى قربه، وإنتِ واحدة منهم.

 

اشتعل الغضب بأوردة "نور"، وده ظهر جليًا على عروق عنقها النافرة، واللي لمحها "فولاك"، اللي ما كنتش أقل منها غضب، فإن كان لـ "نور" تار مع "مويرا"، فلـ "فولاك" العديد، فاتحرك ناحيتها بخطوات سريعة، وهو بيسحبها من دراعها ناحيته بكل قوة، عشان تصطدم بصدره بتقرب حميمي منها، ونظرات هائمة تصارع نظراته الساخطة وهو بيصك على أسنانه بكل غضب مرددًا :

  - جاية ليه يا "مويرا"؟

 

رفعت ايدها تتلمس عضلات صدره البارزة وهي بتجاوبه بنبرة عاشقة :

  - جاية أرجع خطيبي، بس لازم أعتذر له الأول، واعترف بغلطي قدامه، وأقوله إني ضعفت، واستسلمت في لحظة طيش مني، أو نسميها لحظة غرور، كان عاجبني خضوعه ليا، في عز كبرياءك، ورفضك لتقربي منك، غلطت.. وبطلب منك العفو.

 

عيونه القادحة بنيران الغضب كان بتطوف معالمها بتهكم وسخرية قوية، عشان يصمت للحظات طويلة قبل ما يجاوبها باستنكار شديد:

  - عفو!.. تفتكري الملك "فولاك" ابن جلالة الملك "برقان" يغفر خطيئة زي الخيانة؟! ، يغفر إن راجل يلهو بمتتلكاته! ، يغفر إن شريكته تشوف أي مخلوق غيره؟! 

  

تعمقت "مويرا" بأطراف أناملها أسفل قميصه، ظنًا منها أنها تلهو بأوتار قلبه العاشق، وهي تردد :

  - بس "فولاك" اللي حب "مويرا"، واللي أقسم إنه يحافظ عليها حتى من شيطانه؛  يقدر يغفر، ويسامح. 

  

تصارعت دقات قلب "نور" بقسوة ما بين العشق، والغيرة، وبين الصدمة والتوتر وهي بتطوف يد "مويرا" اللاهية بمتتلكاتها الآن، لتوقفها قبضة "فولاك" القوية، اللي اعتصرتها بكل غضب، ينفضها بعيد عنه وهو بيقول لها:

  - مش "فولاك" اللي حب "مويرا" هو اللي كان بيحافظ عليها، ده كبرياء الملك "فولاك" هو اللي كان رافض علاقة بدون زواج خاصة مع أميرة كان زواجه منها مصالح مشتركة مش أكتر.

  

وحرر ايدها من قبضته وبالأخرى سحب ايد "نور" برفق، يضعها موضع خافقه مرددًا :

  - إنما ده.. عمره ما نبض، ولا ثار غير للإنسية "نور".. الأنثى الوحيدة في الكون اللي شفتها ملكة على عرشه، وشفتني أسير  لعشقها.. ودي الوحيدة اللي قاموسها موجودة فيه كل مصطلحات الملكية الخاصة، والغفران التام، والعشق الجامح. 

  

تاهت "نور" في أحداق "فولاك" بجواد العشق الشارد، وهي تستشعر صرخات خافقه أسفل كفها، ليُجيبه خافقها بآيات عشق صارخة، أشعلت غضب "مويرا" التي كانت تطوفهم بحقد قوي قبل ما تصيح به:

  - ودي ما تتسماش خيانة؟.. لما تعشق أنثى تانية وفيه جنية مكتوب على اسمك، ما اسميهاش خيانة يا جلالة الملك؟! 

  

أتاها الجواب، لكنه من شخص آخر تمامًا، فـ "هيرينا" كانت قد اقتحمت الغرفة لتوها للاطمئنان على "شمس الأخاديد" عشان تجاوبها بحدة :

  - ما اسمهاش خيانة يا سمو الأميرة. 

  

التفت الكل بأنظاره ناحية "هيرينا"، عشان تسحب "نور" ايدها من ايد "فولاك" بتوتر قوي، في نفس اللحظة اللي قربت منهم "هيرينا" وهي بتعقد ساعديها قدام صدرها بلا مبالاة، وبتكمل كلامها بتهكم قوي :

  - الخيانة دي لما يكون فيه علاقة بينك وبين جلالة الملك يا "مويرا"، وعلى ما أتذكر إن خطبتكم لاغية بأمر محكمة.. المحكمة اللي أثبتت خيانتك. 

  

اتسعت ابتسامة "مويرا" وهي بتقرب من" هيرينا" تواجهها بتحدي قوي، وكبرياء أقوى مرددة بسخرية هادئة:

  - محكمة إيه اللي أثبتت خيانتي يا سمو الأميرة؟!.. ما افتكرش إن فعل الخيانة تم إثباته، وإن كان إتحكم عليا بالنفي، فده عشان سلطة وتجبر "فولاك"، مش عشان عدالة المحكمة.. وإن كنت انتحرت فكبريائي كان السبب. 

  

"فولاك" كان بيتابع حديث "مويرا" و "هيرينا" بشرود تام، فتفكيره كان بمحل آخر، ربما تسوق الأقدار "نور" إليه، أما "نور" فكانت نبضات قلبها القوية ثائرة خوفًا من القادم، فتلك الجنية التي استطاعت كسب فؤاد زوجها، ربما تسيطر على عقل معشوقها بتعويذة خاصة، عشان تزفر زفرة قوية وهي بتابع كلام "هيرينا" الساخر :

  - والإنسي اللي اعترف قدام المحكمة الكبرى إنه عشقك، وضحى بنفسه عشانك. 

  

تعالت ضحكات "مويرا" الساخرة وهي بتجاوبها بتقطع من بينها :

  - الإنسي؟!..

  

وبلحظات استعادت اتزان صوتها مرة أخرى وهي بتسترسل بزهو شديد:

  - أظن مش ذنبي إنه عشقني!.. وكمان مش ذنبي إنه ضحى بروحه عشاني.. ومش هو بس على فكرة.. 

  

وقربت منها تهمس جوارها بصوت مسموع وصل لمسامع ثلاثتهم :

  - "نيرون" كمان عشقني.. ولف العالم بس عشان يحافظ على جسمي زي ماهو، وكان بيجيلي كل يوم يحكيلي عن أحداث يومه، ويتغزل في جمالي رغم إني جثة محفوظة في محلول جوه تابوت... شفتي بيضعفوا قدامي إزاي؟! 

  

اشتعل غضب "هيرينا" كـ "فولاك" اللي برقت عيونه بنيران الحقد والغل، وهو بيسحب ايدها ناحية الخارج بكل قوته، صارخًا :

  - روحي لـ "نيرون" اللي عشقك وحافظ على جسمك طول الوقت ده، هو أولى جن بيكي.. وياريت تسيبي المملكة وتروحي معاه، أو ترجعي مملكتك وأنا كفيل بعمل هدنة بين شعبك والعفاريت. 

  

جاهدت "مويرا" لحفظ توازنها، عشان تستقر أخيرًا بعيدًا عنه وهي ترمقه بغضب قوي، وبتقوله:

  - لو كنت عايزة "نيرون" ما كنتش هتشوفني قدامك، لو كنت ناوية أسيب قصري ما كنتش رجعت أدور على حقي فيك يا "فولاك".. حقي اللي مش هسيبه. 

  

دفع "فولاك" الباب في وجهها بكل قوته، وهو بيستدير بجسمه، عشان يكون مواجه لـ "مويرا" و"نور" اللي ابتدى القلق يكسو ملامحها. 


*******

أما "خوان" فكان بالخارج يتفقد تأمين القصر والمملكة، ويتمم مع قائد الحرس الخاص بالقصر على كل ترتيبات الحماية، عشان يلمح "إيزابيل" متقدمة نحوه، فزفر  زفرة قوية وهو بيشاور للقائد بالانصراف، وبالفعل انصرف قائد الحرس، و"ايزابيل" توقفت قدام "خوان" تمامًا وهي بتبصله بنظرات متهكمة ككلماتها:

  - أتمنى إنك تكون بتعمل شغلك صح يا "خوان"، إنت عارف المملكة مطمع لكتير، خاصة لما يختفي الملك بتاعها، وفي ظروف زي تعب الملكة "شمس الأخاديد"، بتكون المملكة في مهب الريح، يعني أقل شوية هوا يهدموها. 

  

ابتسم "خوان" ابتسامة خفيفة وهو بيجاوبها بنبرة جامدة، خالية مع أي انفعالات:

  -طول عمري بعمل شغلي صح جلالتك، أما باقي كلامك فهعتبره من باب قلقك على المملكة، عشان كده أحب أطمنك إن جلالة الملك "فولاك" في غرفة جلالة الملكة" شمس الأخاديد" اللي حالتها مستقرة تمامًا، واللي  هتسترد وعيها في أي لحظة، فاطمني على المملكة، مش نسمة خفيفة زي دي اللي تهدمها. 

 

اشتعلت نيران الغضب بصدر "إيزابيل"، عشان تقرب منه بغيظ قوي وهي بتقوله :

  - عمري ما حبيتك، حتى يوم ما اتقدمت لخطبة "هيرينا" بنتي.. كنت رفضاك، وشايفاك وقح لمجرد إنك اتجرأت وفكرت إنك ممكن تتجوزها، لكن الملك "برقان" يومها وافق ورمى بكلامي عرض الحائط، طبعًا.. ما أنت الصديق الوفي لـ "فولاك".. وريث العرش، أما يوم ما اخترته وفضلته على "هيرينا" الفرحة ما كانتش سايعاني، عشان اتخلصت منك.. لكنك رجعت وأخدتها مني من جديد.

 

ابتسم "خوان" ابتسامة واسعة وهو بيجاوبها بثبات قوي:

  - عشان أنا ما اتنسيش جلالتك، ولو مرت سنين وأعوام، وبعدين بنتك دي هي اللي رجعت لحد عندي، أما بخصوص جلالة الملك "برقان"، فكان عارف قيمة الجني اللي متقدم للزواج من بنته، عشان كده وافق.. بس ده بعد ما حطني في اختبارات مفيش جني قبلي تخطى مستوى واحد منها... جلالتك في حضرة قائد عظيم.. وشرفتي مملكتنا، اللي جلالة الملك "فولاك" بذاته أمر بفك تحصينها لجلالتك وللملك "نيرون"، لأنه كان متأكد من زيارتكم للاطمئنان على صحة جلالة الملكة "شمس الأخاديد".

 

ومد "خوان" ايده ناحية باب القصر وهو بيكمل كلامه بابتسامته الحافية:

  - اتفضلي جلالتك.

 

انتفض جسد "إيزابيل" من شدة غضبها وهي بتطوف ملامح "خوان" البشوشة، وبداخلها إعصار قوي من السباب والشتائم، لكنها فضلت أن تتجاهله تمامًا حتى ولو بشكل مؤقت، عشان تلتفت براسها ناحية باب القصر اللي كانت واقفة قدامه "مويرا" بطلتها الغاضبة، واللي تسببت في رسم ملامح الصدمة والدهشة على وجه"إيزابيل"، اللي نطقت بهذيان :

- "مويرا"؟! 


التفت "خوان" بأنظاره ناحية المكان اللي بصت له "إيزابيل"، عشان يشوف "مويرا" اللي خطت ناحيتهم بخطوات مختالة، توقفت أخيرًا أمامهم وهي بتوزع أنظارها ما بين "خوان" و"إيزابيل" مرددة بدهشة واستغراب قوي:

  - جلالة الملكة "إيزابيل" بذاتها موجودة في مملكتنا؟!.. وكمان واقفة تتسامر مع القائد "خوان"؟!.. الظاهر إن زمن المعجزات رجع تاني، ورجوعي من الموت مش هو المعجزة الوحيدة فيه!

 

="مويرا"!

نطقها "خوان" باستغراب متهكم، في نفس الوقت اللي رددت فيه "إيزابيل" بسخرية:

  - رجوعك من الموت؟!.. تعرفي إني الوحيدة اللي ما كنتش مصدقة المسرحية اللي عملتيها دي، ويومها قولت "مويرا" مش غبية، وما بتخطيش خطوة بشكل عشوائي، دي جنية عارفها طريقها كويس، ومصممة على هدفها مهما قابلها من صعوبات، عشان كده كنت مستنية الفصل الأخير من مسرحيتك، وأديني شوفته قدامي أهو.

 

ابتسمت "مويرا" ابتسامة واسعة بزهو قوي وهي بتهز راسها بنفي وبتقولها:

  - بس لسه مشهد النهاية، وده أنا بطلته.. اللي بتحيكي على ذكائك يا جلالة الملكة "إيزابيل"، وإنك الوحيدة اللي عارفاني وفهماني.. بس أتمنى الجاي يبهرك، وأنا أوعدك بده.

 

ومالت بأنظارها ناحية "خوان" اللي كان بينظر لها بتفحص شديد، وهي بتقوله :

  - كنت أتمنى إن صديقك يكون فاهمني زي جلالتها، أو على الأقل فاهم إني مش بسيب حقي، و "فولاك" حقي ومش حق الإنسية، وإن ما كانش ليا، مش هيكون لغيري.. حتى لو وصلت لـ....

 

وسحبت نفس قوي حبسته في صدرها للحظات، قبل ما تخرجه مع كلماتها الغير مبالية:

  - تفتكر بعد ما شيلت قلبي من بين ضلوعي بإيدي واخترت إنه يعيش في جسم الإنسي لشهور، قبل ما يرجع جسمي تاني، هتراجع عن إني أشيل قلب "فولاك" من مكانه لو ما اختارنيش؟!

 

ابتسم "خوان" ابتسامة ساخرة وهو بيجاوبها بسؤال متهكم :

  - تفتكري إن "فولاك" بينفع معاه تهديد؟!.. أو إن الخوف ساكن قلبه اللي إنتِ عايزة تقلعيه من مكانه ده في الأساس؟!.. دوري على حيلة تانية يمكن تجيب معاه نتيجة.

 

وسابهم وغادر بدون ما يديها أي فرصة للجواب عن أي سؤال، عشان تتبع "مويرا" أثره بشرود وهي بتهمس بخفوت شديد :

  - "خوان"! 

 

********

أما بالداخل، فاقتربت "هيرينا" من "فولاك" بحنق شديد في نفس الوقت اللي اقتربت فيه "نور" من "شمس الأخاديد" تجفف عرق جبينها بطرف منشفة مبللة بمياه باردة، وعقلها وقلبها يتصارعا في فهم ما مرت به من لحظات قليلة، ليطوفها "فولاك" بنظرات قلقة، متوترة، فكم تمنى الآن أن يجذبها إلى صدره، ويضمها نحو خافقه بكل قوة، ليبث إليها عشقه، وشوقه لها، لتقطع "هيرينا" حبل أفكاره هذا وهي بتسأله:

  - هتعمل إيه مع "مويرا"؟ 

  

ذابت نظرات القلق بأحداقه، واشتعلت بدلًا منها نظرات الغضب والحقد وهو بيلتفت نحوها يجاوبها بحدة :

  - وإيه علاقتي بيها أصلًا؟!.. دي كانت حكاية وخلصت، وكانت ضيفة عندنا وإقامتها انتهت. 

  

بصت له "هيرينا" بمودة وهي بتتنهد بقوة وبتقوله:

  - فكر كويس قبل ما تاخد أي خطوة، لأنها ممكن تئذي الإنسية "نور"، ودي غريبة في أرضنا، ومش حمل أي أذى من أي جني أو جنية في عالمنا. 

  

تجاوز غضب "فولاك" حدوده المسموح بها للبقاء على هيئته الطيبة، واشتعلت نيران جميع مؤشرات جسده، اللي اتحول للون الأحمر القاني كما أحداقه المشتعلة، وهو بيرفع سبابته في وجهها بتحذير شديد اللهجة :

  - مفيش مخلوق على وجه البسيطة يقدر يئذي "نور"، لإنه هيضطر يواجهني الأول، ومواجهته ليا بموته، مين ما كان يكون يا "هيرينا". 

  

وسابها مسرعًا بخطواته ناحية "نور" يحتضن معصم يدها بقبضته المتشنجة، ويسحبها نحو الخارج وهو يوجه كلامه لـ "رنة" اللي مازالت مستقرة بسقف الغرفة:

  - سلامة جلالة الملكة مسئوليتك لحد ما يوصل الطبيب "أوتو". 

  

وغادر الغرفة قاصدًا غرفته، تاركًا خلفه" هيرينا"  اللي اتنهدت بحزن قوي وهي بتتجه ناحية "شمس الأخاديد" تمسد خصلاتها برفق مرددة :

  - فوقي جلالتك.. محدش هيقدر يلجم شيطان "فولاك" غيرك.. النهاردة ولأول مرة تتغلب عليه صفاته الوحشية.. فوقي. 

  

*******

مجرد ما دخل "فولاك" غرفته قفل الباب وراه وهو بيسحب "نور" إلى حضنه بكل قوة، وبيحاوطها بدراعاته بتملك قوي، صامتًا للحظات طالت، تشبثت فيها "نور" بقميصه بكل قوتها، وهي بتحاصر خصره بدراعاتها، وبتسحب نفس قوي، علها تجد به الأمان .


طالت اللحظات، و"نور" أغمضت عينيها تحتبس دمعاتها المتمردة التي أوشكت على الهطول، عشان يشعر بها "فولاك" فأخرجها من حضنه يبعدها عنه قليلًا، لحد ما أصبحت مقابلة له، في الوقت اللي رفعت أنظارها القلقة نحوه بترقب شديد وتلك الدمعة اللعينة قد تحررت من أحداقها، وانسابت فوق خدها، ليلتقطها "فولاك" بأطراف أنامله، ويرفعها أمام عينيه مرددًا بقسم صادق:

  - أقسم لك بمن أسكن عشقك حجرات قلبي، وأَمَّنَه بها، بأن تكون دمعاتك القادمة كلها فرحًا وسعادة يا نور دربي، وعشق يومي وغدي، يا سكون ثورتي، وجنون صمتي، يا رداء قوتي، ونصل ضعفي... أقسم لك أن أحبك حبًا يتناوله العشاق في حكاياهم، أقسم أن تكوني حبيبتي، وصديقتي، وزوجتي، وطفلتي المدللة.

 

ارتفعت شهقات "نور" ببكاء متقطع وهي ترمقه بنظرات ضعفها الذي شق صدره، ليأخذها إلى كرسيه الملكي، ويجلسها أعلاه برفق وهو يقول لها :

  - إوعي تخافي أو تضعفي في يوم،  أهل المملكة دول عايشين لحد النهاردة بفضلك إنتِ، يعني إنتِ الملكة على عرش مملكتهم.

 

هزت "نور" راسها برفض وهي بتجاوبه بصوتها الباكي:

  - مايهمنيش كل ده، ولا حتى عايزة أكون ملكة، ولا ليا فضل علي مخلوق هنا، أنا كل اللي يهمني إنت.

 

نزل "فولاك" يستند على ركبتيه أمامها، وهو بيبصلها بنظراته العاشقة مرددًا :

  - وأنا معاكي، وعمري ما هسيبك.

 

بلعت "نور" ريقها بصعوبة وهي بتجاوبه :

  - بس أنا خايفة تاخدك مني زي ما أخدت "يونس" قبل كده.

 

مجرد ذكرها لاسمه كان خنحر تلم بينهش في نياط قلبه بكل قسوة وتجبر، لكنه تغاضى عن هذا في سبيل إنه يطمنها، فسحب نفس قوي ينعش به صدره وهو بيبتسم لها بود شديد مرددًا:

  - محدش يقدر ياخدني منك.. "مويرا" كانت ماضي وعدى في حياتي.

 

=حبيتها؟


اتنهد "فولاك" تنهيدة قوية وهو بينهض من مكانه يقعد على المقعد المجاور لها، عشان تلتفت ناحيته بجسدها وهو بيجاوبها :

  - حب كان بعقلي، يعني كانت مناسبة ليا بكل المقاييس، أميرة، وطبيبة، والشعب بيحبها، وكانت هتكون ملكة حكيمة.

 

=وجميلة، وفاتنة، ومثيرة.

لفظت "نور" هذه الكلمات بغيرة تنهش أحرفها، عشان يبصلها "فولاك" بتعجب قوي للحظات قرأ فيها سطور غيرتها، فقرر مشاكستها وهو بيقولها:

  - طبعًا.. فيها كل المواصفات دي وأكتر كمان.

 

لكمة قوية في صدره منعته من استكمال حديثه، عشان يهز راسه بدهشة مصطنعة وهو بيقولها :

  - مالك يا "نور"؟!.. أنا بجاوب سؤالك اللي سألتيه.

 

نهضت "نور" من مقعدها بغضب قوي، وهي بتضم ايدها قدام صدرها بقوة وبتجاوبه بتهكم :

  - "نور"؟!.. "نور" إيه بقا بعد ما الست "مويرا" هانم رجعت تاني، ومش بس كده، ده جلالتك عمال تمدح فيها ومنشكح قوي.. لو عجباك اتفضل روح لها واشبع بيها كمان، بس أنا مش هسيب هنا، أظن إني ليا دين في رقبة كل شعبك، وأنا عايزاه يتردلي بقا.

 

تحكم "فولاك" في ابتسامته بصعوبة بالغة، وتلبس ثوب الجمود واللامبالاة، وهو بيقوم من مكانه يقف مقابل لها مرددًا بدهشة مصطنعة :

  - دين إيه اللي يتردلك وإزاي؟!.. مش فاهم

 

رفعت حاجبيها لأعلى بزهو وكبرياء وهي بتقوله :

  - لولا دمى اللي اختلط بدم المحروسة بتاعتك ونزل جوه قلبها ماكانتش لعنتها اتفكت، وكان زمان كل الشعب ده ميت متجمد.

 

ابتسم "فولاك" ابتسامة طفيفة جاهد لكبتها، لكنه فشل وهو بيقولها:

  - أكيد طبعًا، وجميلك ده الشعب كله شايله في رقبته، وأنا قبلهم.

 

لوت "نور" فمها باستياء شديد وهي بتقوله:

  - بلاش إنت جلالتك، خليك مع ست "مويرا" الفاتنة، إنما بقا اللي في رقبة شعبك، فيلزمني.

 

ضيق "فولاك" عينيه بتعجب وهو بيسألها بجدية:

  - إزاي يعني؟! 

 

بصتله "نور" بغيظ قوي وهي بتقوله :

  - هسخر كل عفاريت مملكتك إنهم يطفشوا المثيرة بتاعتك دي من المملكة، ولو فشلوا في ده وحصل واتجمعتوا، يسخطوك قرد، عشان تفضل تتنطط لها طول النهار والليل، وتبقى تاخدك بقا وتسرح بيك في الموالد، دي هتلم من وراك فلوس!

 

تدلى فك "فولاك" بصدمة من تفكير "نور" الطفولي، عشان يسألها بلاتصديق:

  - قرد يا "نور"؟!.. عايزاني أتسخط قرد؟!

 

جاوبته "نور" بجدية مغتاظة :

  - أيوة قرد، أومال عايزها تتهنى بيك كده عادي، وأنا أدب دماغي في الحيطة؟!.. ماتنساش هخليها تلف بيك كمان في الموالد يا "فولاك"، وأسميك الملك القرد أبو عيون زايغة، اللي نسي وعده لحبيبته، واللي كان بيضحك عليها بكلام الحب، ومعيشها في أوهام.


تلاشت ابتسامة "فولاك" تمامًا، وحلت مكانها نظرات الجدية والحزم، عشان يقولها بنبرة صارمة :

  - مش الملك "فولاك" اللي ينسى وعد وعده، ولا هو اللي محتاج يضحك عليكي بكلام حب أو يعشيك في أوهام، وده ببساطة لأني مش محتاج أعمل كده، أنا كنت بحاول أطمنك على قد ما أقدر، وهفضل أطمنك، وهفضل جنبك، وهفضل أحبك، لكن لو يوم واحد حسيت إنك مش شايفة الحب ده، ولا حاسة بيه، هحررك منه، وهرجعك عالمك، ووعد مني إني هفضل حواليكي أحميكي كرد لديني ودين شعبي. 

  

فرقت "نور" شفاهها للحديث، لكنه كان تركها وغادر الأوضة ، عشان تتنهد بحزن قوي وهي بتقول :

  - هو زعل ليه؟.. أنا متأكدة والله إنه بيحبني زي ما بحبه ويمكن أكتر كمان، لكني مرعوبة من مجرد فكرة إنه يرجع يحن لـ "مويرا" تاني، وهي شكلها ناوية ترجعه ليها بكل الطرق. 

  

*******

في غرفة "شمس الأخاديد"، كان "أوتو" بيطمن على الحالة الصحية ليها، وبيحقنها بمحلول مقوي لجسدها، عشان تقرب منه "هيرينا" اللي كانت بتبصله بغيظ قوي وهي بتقوله:

  - شايفاك شغال حقن لجلالتها بأدوية وعقاقير من تركيبك الخاص، واللي ماحدش يعرف لها أصل، وما شفتش منها أي تقدم في حالة جلالتها!

 

التفت "أوتو" بأنظاره ناحية "هيرينا" وهو بيقولها بطريقة عملية :

  - مجرد استقرار الحالة الصحية لجلالة الملكة يعتبر تقدم يا سمو الأميرة.

 

انفرجت ابتسامة ممتعضة بثغر "هيرينا" وهي بتقوله :

  -تمام.. بس أنا طلبت من طبيب آخر يتابع حالة جلالتها معاك، لأني مش واثقة فيك.

 

ابتسم "أوتو" ابتسامة خفيفة وهو بيجمع متعلقاته في حقيبة كتفه، اللي وضعها أعلى الطاولة جوار سرير الملكة، قبل ما يلتفت ناحيتها مرة تانية وهو بيجاوبها بثبات انفعالي قوي:

  - أعتقد إن جلالتها الملكة "شمس الأخاديد" مش الملكة "إيزابيل" عشان تاخدي قرار زي ده، وأعتقد إن جلالة الملك "فولاك" الوحيد المسئول عنها، وجلالته اللي إداني الثقة الكاملة لمتابعة حالتها الصحية، وده يكفني.

 

اشتعل غضب "هيرينا" اللي ضيقت عينيها قليلًا، تطلق من خلالهم سهم ناري تفاداه" أوتو" اللي ردد بابتسامة واسعة:

  - أنا جني محارب قبل ما أكون طبيب سموك، كل المهارات دي متعلمها من طفولتي، اللي كنت فيها رامي محترف، ومناور عظيم.. فأتمنى ما ترهقيش نفسك سموك، وتخلصي طاقتك بدون داعي.

 

وسحب المقعد المجاور لسرير "شمس الأخاديد" عشان يجلس عليه بكبرياء، في نفس اللحظة اللي دخلت فيها "إيزابيل" تطوف كل إنش في الغرفة بنظرات حاقدة، قبل ما ترسى أنظارها أخيرًا على جسد "شمس الأخاديد"، عشان تهرول ناحيتها مسرعة وتقف مقابلها، أسفل أقدامها مرددة بتشفي كبير :

  - جيه الوقت اللي تنامي فيه بدون حول ولا قوة منك، في نفس الوقت اللي أنا واقفة فيه على رجليا، جوه أوضتك.. أوضتك اللي كنت بتعتبريها منطقة محرمة، ممنوع إن أي حد يقرب منها.

 

وابتسمت ابتسامة متهكمة وهي بتقولها :

  - شايفة المنطقة المحرمة بتاعك، الكل دخلها.. وإنتِ مرمية فيها على سريرك مش قادرة تتحركي، ولا تمنعي حد من دخولها 

 

أتاها الجواب من "فولاك" اللي دخل الغرفة لتوه، بنبرة متعالية، وقورة:

  - جلالتها ينحني لها شعوب حتى لو نايمة في سريرها، ومنطقتها المحرمة هتفضل محرمة لآخر العمر.

 

التفتت "إيزابيل" و"هيرينا" ناحية "فولاك"، ونهض "أوتو" من مجلسه بابتسامة تهكم على حال "إيزابيل" اللي اتنفض جسدها بتوتر قوي مجرد ما سمعت صوت "فولاك"، اللي قرب منها وهو بيتابع حديثه :

  - أما دخولك لغرفة جلالة الملكة فده من باب زيارة المريض، وإنك جاية لحد عندها عشان تتطمني على جلالتها، وإلا ماكنتش هسمح بكده أبدًا.. نورتي مملكتنا يا جلالة الملكة "إيزابيل".

 

تلاشت ابتسامة "إيزابيل" تمامًا وهي بتبص لـ "فولاك" بتوتر، وبتجاوبه بتلجلج :

  - المملكة منورة بوجودك يا "فولاك".

 

مط "فولاك" شفايفه باستياء طفيف وهو بيقرب منها وبيقولها :

  - يعني أنا ألقبك بلقب شرفي، وإنتِ تنزعي مني لقبي الأصلي.

 

ابتلعت "إيزابيل" ريقها بصعوبة وهي بتلتفت بأنظارها ناحية "هيرينا" اللي كانت متابعة الحديث بغضب قوي، وصدمة أقوى  من وجود والدتها بالمملكة، لكنها قررت أن تأخذ دور الابنة المُحبة، فاقتربت من "فولاك" بابتسامة خفيفة وهي بتقوله:

  - جلالة الملكة بتعتبر جلالتك في مقام ابنها، زيي وزي "نيرون" يعني.

 

بادل "فولاك" شقيقته بابتسامة ودودة، تخالف كلامه الحاد رغم نبرته الهادئة وهو بيقولها :

  - بس أكيد أنا مش بعتبرها في مقام أمي.

 

واتلفت ناحية "إيزابيل" بأنظاره يكمل كلامه :

  - وأكيد ده حاجة ما تزعلكيش يا زوجة جلالة الملك "برقان" الثانية.


وأعاد أنظاره ناحية "شمس الأخاديد" مستطردًا بكبرياء :

  - أمي.. هي جلالة الملكة "شمس الأخاديد" الملكة الأصلية للبلاد، واللي وجودها بيمحي وجود أي ملكة تانية.

  

وأنهى حديثه وهو بيتبادل إبتسامة واسعة مع "شمس الأخاديد" اللي فتحت عينيها ترمقه بنظرات محبة واشتياق قوي. 

الفصل العاشر من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1