رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الاول 1 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الاول

فات الميعاد
وبقينا بعاد بعاد
والنار بقت دخان ورماد
فات الميعاد
تفيد ب أيه يا ندم يا ندم
وتعمل ايه يا عتاب
طالت ليالي ليالي الألم
واتفرقوا الأحباب
كفايه بأه تعذيب وشقى
ودموع فى فراق
ودموع فى لقى
تعتب عليا ليه
انا ب ايديه ايه
فات الميعاد فات الميعاد

ظلت تتأمل منظر مياه النيل والذي تلون بـ أشعة الشمس الحمراء وقت الشفق لينعكس عليه بـ بريق أحمر ناري يوازي النيران المُندلعة في قلبها..وإلتفت أصابعها بـ درجة أكبر على قدح الشاي الأخضر الذي تحتسي وبدأت تشرد في أخر ذكرى جمعتهم سويًا مُنذ ما يقُرب سنتين...

"عودة إلى وقتٍ سابق"

حين دلفت المطبخ بـ ذلك المنزل في أحد أطراف المدينة..كان وجهها مُتجهمًا بـ درجة كبيرة وعيناها تُرسلان إشارات غاضبة بـ وضوح..حينها لمحته يقف في زاوية المطبخ بـ جانب طفلته التي وضعت يدها على فاها قائلة ب ذعر

-الطبق إتكسر يا بابي!!..

وحين كاد أن يرد رفع وجهه ليُقابل وجهها المُتجهم تضع يديها في خصرها وقدمها تطرق على الأرض بـ عصبية..عيناها كانتا مُسلطتان على شظايا الصحن والذي تحبه بـ شدة..وبلا تفكير أشار إلى طفلته وقال بـ ملامح مذعورة و نبرة بريئة كـ براءة طفلته

-بنتك هى اللي كسرته
-شهقت الصغيرة وقالت بـ حنق:حرام..مش تكدب يا بابي..اللي بيكدب بيروح النار...

زجرها بـ عينان حادتان ولكن الصغيرة لم تأبه له فـ أكملت وهى تنظر إلى والدتها

-هو اللي كسره يا مامي
-تشدق بـ عبوس:كدا تفتني عليا يا جوجو!!..هى دي أخرة الأبوة اللي بينا
-تخصرت الصغيرة كـ والدتها وقالت:أنت اللي كدبت..وأنت بتقولي مش تكدبي وقولي الحقيقة ومش تخافي
-تمتم بـ إمتعاض:دا لما الواحد ميكونش متجوز واحدة زي مامي يا حيلة أمك
-هتفت هى بـ قوة:بس...time out (وقت مستقطع 

ثم أشارت إلى طفلتها بـ صرامة

-خشي أوضتك يا جُلنار..وخلي بالك وأنتي ماشية عشان مش تتعوري
-ردت الطفلة بـ طاعة:حاضر يا مامي...

وقبل أن ترحل إلتفتت إلى والدها ثم أخرجت له لسانها وركضت..بينما جاسر هتف بـ حنق

-يلا يلعن أبو تربيتك...

ولكنه لم يُكمل تحت نظراتها التحذيرية ثم لوى شفتيه بـ إمتعاض..تنهدت بـ يأس ولم تلبث أن تحركت في إتجاة الشظايا..إنحنت تجمعهم ولكن قبل أن تطولها يدها..أمسكتها يد صارمة بـ حنو ونبرة تهفو قلقًا

-أنتي فاكرة نفسك بتعملي إيه!
-رفعت أحد حاجبيها ثم قالت بـ بساطة:هنضف المكان...

إلا أنه رفعها من معصمها وهتف بـ نبرة لا تقبل الجدال

-سبيها إن شالله عنها ما إتنضفت..أنتي عاوزة تتعوري!!

أمالت رأسها إلى أحد الجوانب مع إبتسامة رائعة..ولكنها تساءلت

-كنتوا بتعملوا إيه!!
-تنحنح وقال:بنتك كانت عاوزة تاكل كورن فليكس
-إرتفع حاجبيها وقالت بـ تعجب:بجد!!..هى هتاكل كورن فليكس فـ كل الطبق دا
-تنحنح بـ حرج ثم قال بـ خفوت:منا كنت هاكل معاها...

إنفجرت ضاحكة على زوجها والذي كان ممتعض الملامح ثم قال بـ تهديد

-ممكن تبطلي ضحك وإلا مش هعوضك

سكنت ثم قالت بـ نبرة ذات مغزى

-وياترى هتعوضني إزاي؟!
-إبتسم بـ مكر ثم دفعها إلى البراد خلفها وقال:كدا...

وكانت تعويضه أكثر من عادل وشفتيه تعرف طريقها جيدًا إلى خاصتها فـ كان يعزف مقطوعة رائعة على شفتيها..وبعدما إنتهت عاصفة تعوضيه حتى إستند بـ جبهته على جبهتها وهمس بـ خفوت

-بعشقك يا فراولتي...

"عودة إلى الوقت الحالي"

رُغمًا عنها إنحدرت دمعتان منها على ما كان..وبعد تلك الذكرى كان الفُراق الحتمي..اليوم هو موعد عودته بعد غياب دام ثلاثة أشهر لم تخلو فيها من تذمرات فتاتها..وإبتسمت روجيدا على سذاجة طفلتها فـ هى تتذمر على عدم رؤيتها لوالدها لمدة ثلاثة أشهر أما هى فـ ماثلتهم عددًا وأضعاف...

تنهدت روجيدا بـ ثقل ورفعت القدح إلى شفتيها تستمد من دفئه عله يُبدد صقيع قلبها..

**********************************

نهضت على تلك اللمسات الناعمة على وجنتها وما أن أبصرت وجهه المُبتسم حتى إبتسمت هى الأخرى ثم قالت بـ رقة

-صباح الخير
-مال على شفتيها وقال:صباح الورد والفل والياسمين...

وما بين كل كلمة كان يوثق بـ صك ملكية صغير..مدّ يده بـ زهرة حمراء قائلًا

-وأدي الورد...

إعتدلت في جلستها ثم أخذت منه الزهرة وإبتسمت..هذا هو ما يفعله كل صباح مُنذ أن تصالحا في ما يقرب خمسُ سنوات..تذكرت ما أن أفاقت و وجدته بـ قربها حتى صرخت وبكت بـ هستيرية .. حينها إندفع جاسر إلى الداخل آمرًا شقيقه أن يخرج...

سحب مقعدًا وجلس أمام نادين التي أخذت تشهق بـ بكاء حار ثم تشدق بـ إبتسامة حنونة

-أزيك يا نادو؟

لم ترد عليه وأكملت بكاءها الحار فـ تنهد تنهيدة حارة ومال بـ جسده ثم قال بـ ثبات

-لو عاوزة تنفصلي أنتِ وسامح..أنا معنديش مانع

حينها نظرت إليه بـ هلع وسكن بكاءها عدا ذلك النشيج الطفيف..فـ إبتسم جاسربـ خبث وقال

-ها!!
-فـ ردت عليه بـ تلعثم:يـ..يعني..إيه؟!

عاد جاسر بـ جسده إلى الخلف ثم أكمل بـ هدوء

-يعني حقك يا نادين..سامح غلط فـ حقك ولازم يتوضعله حد..فـ لو عاوزه تبعدي عنه وتريحي قلبك..أنا معنديش مانع بـ العكس أنا هقف جمبك...

ظلت تنظر إلى بـ توتر ولم ترد..بل أخفضت رأسها بـ يأس..إبتسم هو ثم نهض وجلس على طرف فراشها رافعًا ذقنها إليه وقال بـ حنان وكأنه والدها

-أنا كدا وصلي ردك..أنا عارف أنك بتحبي سي سامح..بس لازم تعلميه الأدب وتخليه يهدى ويعقل ويبطل تهور..فـ أنتِ إيه رأيك!!..تأدبيه وأنا هساعدك؟

أماءت بـ رأسها بـ خفوت ثم أخفضها ليربت جاسر على خصلاتها وهمس بـ عبث

-عاوزك تعرفيه إن الله حق...

ضحكت بـ رقة وأماءت بـ رأسها عدة مرات مرةً أخرى..ومُنذ ذلك الحين وسامح لا يترك مناسبة إلا وأغدقها بـ حنانه..صباحًا تتنعم بـ تلك القُبلة المُحلاه بـ زهرة حمراء وأخرى بيضاء...

عادت من ذكرياتها على صوت سامح الحنون وهو يقول

-فطار سمو الأميرة مستني سعادتك هنا...

قالها وهو يُشير بـ عيناه إلى الطاولة في الشرفة..إبتسمت بـسعادة ثم أزاحت الغطاء وهى تقول بـ مزاح

-امممم..أربع سنين دلع مخلفتش يوم..شكلي كدا هبقى ست بيت كسولة أكتر منا...

وضع يده أسفل ركبتيها وأخرى أسفل ظهرها لتشهق بـ فزع ولكن ما لبثت أن وضعت يدها حول عنقه فـ طبع قُبلة رقيقة على طرف أنفها ثم قال بـ حنو

-وضيفي ع الأربع سنين..أربعة وأربعة وأربعة كمان..لأني هفضل طول عمري أعمل كدا ومش همل أبدًا..كفاية عليا أنك مسبتيش لما كنت واحد حقير مـ..
-وضعت يدها على فاها ثم نهرته:ممكن منتكلمش فـ اللي فات!!..هو مش هيفيد بـ حاجة غير وجع القلب...

إبتسم بـ عمق نظراته إليها والتي تحولت إلى عابثة..لتضيق حدقيتها وهى تقول بـ حدة

-اللي بتفكر فيه دا مستحيل..ويلا ع الأكل
-إتسعت عيناه بـ براءة قائلًا:دي بوسة واحدة بس
-لتقول بـ صرامة:لأ..ويلا ع الأكل
-رد بـ إمتعاض:طيب...

تحرك بها عدة خطوان لترتخي ملامحها من صرامتها ما أن لاحظت إمتعاضه فـ رق قلبهل وقبلته على وجنته بـ رقة..نظر إليها رافعًا أحد حاجبيه لتتنحنح وتهتف بـ جدية 

-بقولك أيه..أنا بس براضيك..غير كدا متحلمش..ويلا أنا جعانة...

وضعها على المقعد الخشبي وغمزها بـ عبث ثم قال بـ نبرة لا تقل عبثًا 

-عندك حق أنا كمان جعان..وبـ المرة نشحن طاقتنا..عشان سمعة البلد واقفة على هذا الحدث...

ضحكت نادين بـ قوة وهى تهز  رأسها يأسًا من زوجها فـ من الواضح أن جينات الوقاحة مُتأصلة بـ أنجال عائلة الصياد بدءًا من الشقيق الأكبر

*****************************************

دلفت إلى غُرفة صغيرتها فـ وجدتها جالسة على الفراش تقوم بـ تلوين أحد الرسومات..إبتسمت بـ حنان ثم دلفت إليها..رفعت الصغيرة رأسها وما أن أبصرت والدتها حتى إبتسمت بـ سعادة ثم قفزت هاتفة

-مامي...

تلقتها روجيدا في أحضانها ثم رفعتها عن الأرض وقالت بـ حنو

-حبيبة مامي بتعمل إيه!...
-أشارت جُلنار إلى الفراش وقالت:بلون رسمة الميس إديتهالي عما بابي يجي...

عقدت روجيدا حاجبيها بـ تساؤل ثم قالت بـ عدم فهم

-بابي يجي منين ولفين؟!

تنغصت تعابير الصغيرة وبدت جاهلة تمامًا فيما تفوهت به والدتها ولكنها تشدقت مرة أخرى بـ حماس

-بابي إتصل بيا وقالي أجهز عشان جاي...

شعرت روجيدا بـ غصة في حلقها و وغزة حادة تنخر قلبها أوصل بهم الحال إلى ذاك المنحدر!..يُهاتف صغيرته يُخبرها أن تستعد ليأتي إليها ولا يِهافتها هى..ظلت سنتان لم تستمع فيهما لصوته ولا أن تتنعم بـ رؤية وجهه الذي لطالما عشقت النظر إليه..إبتعلت ريقها بـ صعوبة وهى تشعر بـ الغصة تزداد ثم هتفت بـ إبتسامة مهزوزة

-وجُلنارتي جهزت نفسها!!
-نفت بـ رأسها وقالت:No (لا
-داعبتها روجيدا بـ أنفها:ولأ ليه إن شاء الله!
-تشدقت جُلنار بـ براءة:مش أعرف..أنتي علطول بتحضريها
-تنهدت روجيدا وقالت بـ إبتسامة:طيب يا قلبي..خلصي رسمتك وأنا هحضرلك الشنطة...

ثم وضعتها أرضًا فـ ركضت الصغيرة إلى فراشها ذو اللون الوردي وأكملت رسوماتها الطفولية..وضعت روجيدا يدها على وجهها تخفي عبرة شقت طريقها إلى وجنتها..سرعان ما محتها وهى تستمع إلى رنين الباب..أشارت إلى طفلتها التي حاولت النهوض

-خليكي يا جوجو..هتلاقي السواق اللي بعته بابي..هفتحله وأجيلك..
-نهضت جُلنار وقالت بـ سعادة تطفران من عيناها:أوووكيه..أنا هطلع الفستان اللي بابي بيحبه...

أغمضت روجيدا عيناها بـ نفاذ صبر ثم توجهت إلى باب المنزل الصغير لتفتحه..وما أن فتحته حتى تجمدت مكانها..شعرت وكأن الكهرباء صعقتها لتُصيب جسدها بـ إرتجافة عنيفة كادت أن تُسقطها أرضًا وهى تُبصر عيناه بعد فراق دام سنتان..لأول مرة مُنذ ذلك الحين تراه..يقف أمامها بـ شموخه المُعتاد ونظرته القوية...

أغمضت روجيدا عيناها لحظات تستوعب الصدمة ثم ما لبثت أنا قالت بـ نبرة مُهتزة 

-جـ..جاسر!!..أزيك؟!

وحاولت رسم إبتسامة بلهاء ولكنها لم تقدر...

كان جاسر يُحدق بها بـ إشتياق ظاهر للعيان وجسده كله الذي يرتجف يتواطئ مع فؤاده بـ أن يُضمها في إعصار يسحق عظامها به..طال الفُراق بينهما وتضخم الإشتياق به..مُنذ يوم الرحيل وهو يعيش جسد بلا روح..شعر يومها بـ أن أحدهم إمتدت أياديه وإنتزعت روحه بـ قسوة آلمته..وعقله يصرخ بـ التعقل فـ هذا هو الأفضل لهما...

إبتسم جاسر بـ أشتياق حقيقي جعل ضربات قلبها تطرق كـ مطرقة عنيفة في صدرها ثم تشدق بـ هدوء عكس موجة الإشتياق الجنونية داخله

-الحمد لله..أزيك أنتي!!

قال الأخيرة وهو يمد يده كي يُصافحها..بقيت تنظر إلى يده مُطولًا ثم ما لبثت أن وضعت يدها داخل كفه العريض..لم يخفَ عليها تلك الرعشة التي أصابته وعيناه التي توهجتا بـ قوة..لتبتسم بـ لا وعي وهي تهمس

-بخير الحمد لله
-تنحنح جاسر دون أن يترك يدها:جُلنار جاهزة!

نظرت إلى يدهما المُتشابكتين ثم رفعت فيروزها إليه مرةً أخرى وقالت بـ حرج

-بنتك مقالتليش غير دلوقتي..فـ مش لحقت أجهز شنطتها..ممكن تتفضل لحد أما أخلص...

أجفل جاسر كثيرًا ولكنه إبتسم وقال بـ حذر

-لأ..هستنى تحت وأبعت السواق...

بـ الرغم من الحزن الذي تلبسها وكاد الجمود أن يطغى عليها مرة أخرى إلا أنها قالت بـ إبتسامة ناعمة

-مش هتأخر..أتفضل...

تردد جاسر..يعي أنه في منطقة الخطر فما أن يدلف إلى الداخل يعلم أنه لم يخرج كما دلف بل ستتغير أشياء كثيرة..لم تعلم كم مقدار ما تطلبه كي يمنع نفسه من القدوم..ولكن غلبه الشوق بعد سنتين وصعد إلى ذاك المنزل..بالرغم من أنه لم يغفل عنها لثوانٍ..ولكن متعة رؤية عفويتها بـ المنزل لا تُضاهيها مُتعة...

ولكن بـ الأخير دلف..وحينها عَلِم أن الأمور ستنقلب رأسًا على عقب..تغلب على ذلك الشعور ثم قال أيضًا دون أن يفلت يدها

-طيب..بس ياريت متتأخريش...

ضيقت روجيدا عينها بـ غضب أسود وقد لمحه..يعلم ما يموج في داخلها ولكنه لم يقدر على التفوه بـ حرف..أخذت نفسًا عميق ثم نظرت إلى يدهما وقالت بـ فتور

-طب ممكن إيدي عشان شكلك نستها!...

عقد ما بين حاجبيه بـ تعجب وأخفض نظره ليجد حقًا ما زال يقبض على كفها..لم يشعر بـ أنه لا يزال يتمسك بها وكأنه يشعر بـ أنها في موقعها الطبيعي...

إبتسم بـ حرج ثم سحب يده ولكنه كلما سحب يده كلما ضغط عليها وكأنه يُخبرها أنها لن تكون الأخيرة..إبتسمت ثم إستأذنت وبقى هو يُراقبها بـ متعة خالصة..ثوبها الصيفي المُتطاير حول ساقيها الرشيقتان..كانت ترتدي ثوبًا من اللون الخوخي مُطعم بـ فصوص ألماس حول خصرها الدقيق وأكمامه التي إنسدلت عن كتفيها بـ مقدار إنش زادها نعومة فوق نعومتها ..تنهد تنيهدة ممدودة تحمل الكثير من الرغبة في إحتضانها والهرب بها هى وطفلتهما..بعيدًا عن كل ما يُفرقهما...

جلس جاسر على أقرب مقعد بـ الصالة الواسعة و وضع يده على صدره فوق قلبه مباشرةً وكأنه يستشعر ذاك الوشم الذي وشمه على جسده..يُدمغ جسده بـ اسمها ليكون محرمًا على أي أمرأة بعدها..قطع سيل أفكاره إندفاع جُلنار التي هتفت بـ إشتياق وسعادة غير محدودة

-بااابي...وحشتني جدًا..جدًا...

كانت تقولها بين كل قُلبة تقذفه بها على وجنته المشذبة..ليحتضنها بـ دوره ليُبادلها الإشتياق..ثم قال وهو يُقبلها بـعمق

-وأنتي وحشتيني أوي يا روح بابي
-رفعت سبابتها وقالت بـ تحذير طفولي رقيق:مش تسافر تاني وتسبني..
-قرص وجنتها بـ خفة:حاضر يا قلب بابي..مش هسافر  وأسيبك...
 
ليسمع صوت روجيدا وهى تأتي من غُرفة الصغيرة هاتفة بـ حنق

-كدا نسيتي شنطتك يا جُلنار!
-هتفت الصغيرة بـ إعتذار:sorry mum(أسفة أمي
-إقتربت روجيدا منهما وقالت بـ حنو:مش تعتذري يا جوجو...

ثم إقتربت أكثر ليأخذ الحقيبة من يد روجيدا ليهمس

-يلا عشان منتأخرش
-تساءلت روجيدا:أنت هترجع المنيا ع طول!

أماء بـ رأسه دون أن يرد..فـ تقدمت خطوة أخرى وقالت بـ إبتسامة

-تسمعي الكلام يا جُلنار ومش تزعلي آنة منك
-ردت الطفلة بـ طاعة:حاضر يا مامي..مش هزعل آنا خالص...

إبتسمت روجيدا وهى تُملي على خُصلاتها ثم إقتربت تُقبل وجنتها بـ عمق..ولم تلحظ ذاك القُرب المُهلك منه..كانت وجهها قريبًا منه بـ درجة أفقدته عقله..حتى وشك أن يضع طفلته أرضًا ويسحق شفتيها الناعمتين التي تُقبل فتاته بـ شفتيه القاسيتين..عقابًا لها على عدم مراعتها لشوقه الذي يُهدد بـ الإنفجار بـ أي وقت...

لم يشعر وهو يُغمض عيناه يتمتع بـ هذا القُرب..يستنشق عبيرها المُسكر..بـ الفعل شعر بـ إنتشاء وهو لا يزال يتذكر رائحتها الشبيهه بـ الفراولة بل هى حقًا فراولة...

فتح عيناه عندما إبتعدت عنهما وكأنها أخذت قطعة معها بـ إبتعادها..تنحنح يُجلي حنجرته ويستعيد رُباطة جأشه ثم قال بـ تحشرج

-لازم نمشي عشان طريق السفر
-أماءت بـ خفوت وقالت بـ رجاء:خلي بالك منها..ومنك...

قالت الأخيرة بـ همس لم يصله..ليومئ بـ رأسه ثم أنزل الصغيرة وأمسك يدها..إلتفتا ليخرجا من باب المنزل..ولكن قبلًا إلتفتت جُلنار ثم أرسلت قُبلة لوالدتها وقالت وهى تلوح لها

-باي مامي..هتوحشيني
-فعلت روجيدا المثل وقالت بـ دموع:وأنتي كمان يا قلب مامي...

رفعت نظراتها إلى جاسر الذي نظر بـ دوره إليها بـ إطمئنان ثم قال بـ لهجة غريبة

-أشوفك قريب يا روجيدا...

ولم يترك لها الوقت..فـ أغلق الباب ورحل لتشعر هى بـ الصقيع الذي غلف قلبها..ثم همست وقد إنسابت عبراتها إشتياقًا وألمًا

-بحبك يا أحلى قدر...

*************************************

-ما تبطل تدور وراه وأنت هترتاح...

نطق بها أحدهم وهو يجلس أمام ذاك الضابط الشاب..فـ رد عليه بـ برود

-أنا مبدورش وراه قد ما المعلومات بتقع فـ إيدي
-أنحنى الشاب بـ جسده إلى الأمام وتشدق:يا شريف مش عليا..أنا عارف أنك عاوز توقعه بـ أي طريقة...

نظر له المدعوْ شريف بـ عيناه الرماديتان بـ حدة ولم يرد..فـ نهض عن مقعده بـ جسده الضخم المُعضل بما يتحتم عليه من مهنته واضعًا يده في جيبي بنطاله وتشدق بـ فتور

-واحد زي جاسر الصياد مش سهل..حاجات كتير بيعملها والكل عارف بيعمل إيه بس محدش بينطق يا مجد...

نهض مجد ليقف خلفه ثم وضع يده على منكبه وقال بـ هدوء

-أنت لسه منقول جديد يا شريف..فـ أنت متعرفش حاجة
-إلتفت شريف بـ عنف وقال بـ غضب:معرفش حاجة!!...

ثم لم يلبث أن إتجه إلى مكتبه الراقي بـ خطوات تنهب الأرض وأخرج منه بعض الأوراق ليتشدق وهو يُبعثرها بـ عصبية

-أولًا تهديد شركاءه فـ الشغل بـ طرق غير مشروعة وأحيانًا بتوصل للقتل
-رد عليه مجد بـ هدوء:وأنت عارف كلهم كانوا أيه
-لم يفقد شريف شراسته وأكمل:إختفاء جابر الهواري من أكتر من سبع سنين بعد رجوع جاسر الصياد من سفره بـ ساعات...

رفع مجد كتفيه بـ لا مبالاه وقال بـ هدوءه الذي أثار غيظ صديقه

-صدفة..وبعدين برضو متنساش جابر الهواري كان أيه
-إشتعلت عيناه أكثر وهو يهدر:مش من حقه يقتل..مش هو اللي ف إيديه مصير الناس...

تأفف مجد بـ نفاذ صبر ثم ما لبث أن إتجه إلى صديقه ومال بـ جسده إليه وقال بـ نبرة ذات مغزى

-ما تقول أنك بتعمل كل دا عشانها!!...

تحولت عيناه شريف إلى القتامة وقد تشنج جسده كله عقب ما تفوه به صديقه والذي ينظر إليه بـ قوة وثقة..لم يحيد بـ نظراته القاتمة عنه وقال من بين أسنانه بـ تحذير

-خد بالك من كلامك يا مجد عشان منخسرش بعض
-عقد ذراعيه أمام صدره وقال بـ ثبات:مش دي الحقيقة ولا إيه!..من ساعة أما شوفتها لما فتحت قضية جابر مرة تانية وأنت مش عارف تشيلها من دماغك...

إزدادت ملامحه قتامة وقد تقلصت عضلات فكه بـ شدة..رُغمًا عنه شرد تفكيره بـ ذكرى لقاؤه الأول بها..هنا في هذا المكتب بعد إنتقاله من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة..ومُنذ أن إنتقل وهو ينبش في بعض القضايا المُعلقة والتي غُضْ البصر عنها بـ محض إرادتهم..ذلك هو دوره..يقوم بـ النبش في المحظور...

دلفت إلى مكتبه بـ خطوات واثقة دون حتى أن تتكلف عناء الطرق على الباب..ثم وقفت أمام المكتب تقول بـ صوتها الأنثوي القوي

-النقيب شريف المهدي!...
رفع رأسه بـدهشه وغضب من دلوف تلك المُتطفلة دون الإستئذان وهو ينتوي الصراخ والإهانة..إلا أنه إبتلع ريقه بـ صعوبة وهو يرى تلك الحورية ذات العيون الفيروزية القاتلة بـ براءة..تقف بـ شموخ وثقة تتحداه أن يتفوه بما كاد أن يتفوه به...

ظل يحدق بها من قمة رأسها إلى أمخص قدميها..لم يستطع منع نفسه من تأمل تلك الفاتنة التي تُعد إحدى بطلات الحكايات الهاربة من كتاب الأساطير..سيدة يعرف أنه لن يراها مرة أخرى وهالة القوة المُحيطة بها تُجبره على الصمت وإنتظار حروفها الرقيقة لينصاع لما تقول مسلوب الإرادة...

أخرجته من تأمله العميق الذي لم تلحظه وهى تقول بـ جمود

-ممكن أقعد!

نظر إليها بـ عينان متسعتان ثم تنحنح ليُجلي حنجرته ويُحاول إطفاء بريق عيناه الغريب عنه وقال

-طبـ..طبعًا أتفضلي...

أومأت بـ رأسها ثم جلست بـ رشاقة واضعة ساق على أختها..ليزفر بـ ضيق وهو يُراقب أناقتها..ولكن بلا مُقدمات تشدقت بـ جمود

-ممكن أعرف جاسر الصياد محبوس بـ تهمة إيه؟!...

إرتفع حاجبها بـ دهشة..ثم ما لبث أن إبتسم بـ قسوة وقال بـ جفاء

-وحضرتك مين إن شاء الله!
-رفعت أحد حاجبيها وقالت بـ نبرة جافة تحمل الفخر:حرم جاسر الصياد...

إرتفع حاجباه أكثر وقد قست معالمه بـ قوة حتىأن يده كانت تقبض على القلم بـ شدة حتى كاد أن يحطمه..ثم تشدق بـ جفاء

-أظن تهمته واضحة
-لترد عليه بـ تحدي:اللي هي!...

صمت قليلًا يُحاول السيطرة على إنفعالاته ثم قال بـ هدوء 

-القتل
-لم تهتز عضلة لها وهى ترد بـ ثقة:مفيش تهمة قتل طالما مفيش جثة..مش دا القانون ولا إيه يا حضرة النقيب!
-مط شفتيه وقال بـ برود:وأدينا بندور ع الجثة...

أخفضت نظرها قليلًا ثم رفعته مرة أخرى غافلة عن توهج نظراته التي تابعت تساقط خُصلاتها على منكبها لتُغطي وجنتها..ثم قالت بـ تحدي

-دا لو فيه جثة أصلًا...

عقد حاجبيه يتساءل بـصمت لترد على سؤاله الصامت

-مش ممكن يكون هرب بعد لما إتعرفت عنه كل حاجة...

لم يرد أيضًا ولكن عيناه قد بدأت في التوحش..لتخرج هى عدة أوراق تضعها على مكتبه ولكنه لم يتكلف عناء النظر إليه أو حتى إلتقاطه..لتقول بـ لهجة حازة تحمل التهديد

-أكيد أنت منقول جديد عشان متعرفش حاجة عن جابر الهواري..الملف دا فيه كل بلاويه واللي جاسر هو اللي سلمها لدولة من تلت سنين..وللإضافة..خاله برضو ليه فـ نفس طريق إبنه..دا من باب العلم بـ الشئ...

لم تضف كلمة وهى تتأمل ملامحه الجليدية..ثم نهضت وقالت بـ برود

-أظن كدا مفيش تهمة والعسكري هيجي يقولك انهم ملقوش حاجة..وساعتها جاسر هيطلع وأنت هتخسر..بس دا يعلمك لما تحب تتدور ع الحق..متحاولش مع الناس الغلط..بعد إذنك...

ثم خرجت بـ خطوات واثقة كما خرجت وهو يتأمل خُصلاتها الكستنائية التي تتراقص على ظهرها...

مر على تلك الذكرى ما يقرب الثلاث سنوات وهو لا يزال يتذكرها ويُعيدها مرارًا على ذهنه حتى لا يفقد بريق عينيها الفيروزية التي أسرته في لحظة...

************************************

وقفت في صالة الإستقبال بـ المطار تنتظر أختها الغير شقيقة .. وبـ الفعل بعد عدة دقائق أبصرتها قادمة في إتجاهها تُلوح بـيدها بـ سعادة ثم ركضت تحتضنها هاتفة بـ أشتياق

-وحشتيني مووووت..موووت يا قلبي
-ربتت روجيدا على ظهرها وقالت بـ حنان:وأنتي كمان يا بوسي...

أبعدتها عنها تتفحصها جيدًا..لتجدها كما تركتهم مُنذ سنتان..وضعت يدها حول كتفيها  وقالت

-أيه أخبار روما والمنحة!!
-ردت عليها بسنت بـ حماس:روعة..روعة جدًا..خلصت المنحة وأشتغلت فـ أكبر شركة تصميم هناك...

إستمعت لها روجيدا وهما يتحركان إلى الخارج وخلفهم العامل الذي يحمل الحقائب..لتتساءل فجأة 

-صابر يعرف إنك هنا؟!

بهتت تمامًا بسنت ولم ت بل نكست رأسها أرضًا خجلًا..هزت روجيدا رأسها بـ يأس وقالت ب عتاب

-ليه كدا يا بسنت!!..بتعذبيه معاكي ليه!
-رفعت بسنت رأسها فجأة وقالت بـ إستدراك:أبدًا والله..أنتي عارفة أني بحب صابر جدًا..بس آآ...

صمتت ولم تجدما تقول..لتحثها روجيدا قائلة

-بس أيه!
-تنهدت بسنت وقالت:مش عارفة..خايفة يا روجيدا..أنا مريت بـ تجربة صعبة أوي وكنت لسه طفلة..مش أكتر من أني خايفة
-لتقول روجيدا بـ تقرير:بس صابر مش هيأذيكي
-الخوف مش منه..أنا خايفة من التجربة كـ كل مش أكتر..خايفة وهو مش مقدر دا
-ضمتها روجيدا أكثر وقالت بـ حنان:فهميه..أنتي رجعتي وجاتلك الفرصة تفهميه وتعرفيه موقفك..صدقني صابر بيحبك بضمير
-عارفة...

قالتها بـ إبتسامة وتقرير..مر فترة صمت بعدما صعدتا إلى السيارة لتتنحنح بسنت قائلة

-روجي..ممكن أطلب منك طلب!!

أومأت روجيدا بـ رأسها دون حديث..لتقول بسنت بـ تلعثم

-في عشا عمل النهاردة بالليل ولازم أحضره..بس مش عاوزة أحضره لوحدي..فلو أمكن تيجي معايا!!..بليييييز...

إستدارت روجيدا تنوي الرفض ولكن بسنت كانت تنظر لها بـ وداعة وبراءة..لتزفر بـ قلة حيلة قائلة بـ هدوء

-طيب
-تهللت أسارير بسنت وقالت بـ إمتنان:حبيبة قلبي..بصي هروح لمامي الأول وبعدين هفوت عليكي أخدك أنتي وجُلنار
-ردت روجيدا بـ خفوت:جُلنار..أبوها أخدها..يعني هاجي لوحدي...

صمتت بسنت ولم تفتح مجالًا للحديث..هى على دراية بما  حدث وذلك الفراق الغامض بينهما...وأكملت السيارة سيرها إلى وجهتهم في صمت كاد يُطبق على أنفاسهم...

************************************

كان جاسر يقود السيارة وسط ثرثرة الصغيرة عما فعلته أثناء غيابه في روضتها وخارج روضتها..إلى أن سألها بـ أهتمام

-ومامي بتاخد الدوا فـ معاده يا جوجو!
-أومأت بـ رأسها وقالت:أيوة..بتاخده في معاده..بس ساعات هى بتنسى وأنا بفكرها
-ربت على خُصلاتها وقال:شطورة يا جوجو...

إبتسمت الفتاه بـ سعادة وأكملت ثرثرتها حتى تصاعد رنين هاتف والدها ليقول جاسر بـ حنو

-بصي يا قلبي هرد ع الفون ونكمل كلامنا
-أووك...

قالتها صغيرته وهى تفتح عبوة العصير التي أشتراها لها والدها..وضع جاسر الهاتف على أذنه وقال بـ هدوء

-أيوة يا صابر..أه أنا وصلت..خير في إيه!
-أتاه صوت صابر يهتف:معلش يا جاسر..في عشا عمل مع الوفد اللبناني
-ليتساءل جاسر مُستدركًا:أي وفد لبناني؟
-بتاع المدام داليدا...

تأفف جاسر بـ نفاذ صبر ثم قال

-بس أنا مسافر مع جُلنار..روح أنت
-ليرد عليه صابر بـ حنق:منا لو كنت فاضي كنت رحت..معلش يا جاسر تعالى ع نفسك
-تأفف جاسر بـ حنق ثم قال:طيب..طيب..سلام...

ثم أغلق الهاتف وقذفه بـ إهمال ليقول جاسر بـ هدوء

-حبيبة بابي..هتروحي معايا مشوار قبل أما نشوف تيتة..أوكييه!!
-هزت رأسها بـ موافقة ثم قالت بـ إعتراض:اسمها آنا..مش تيتة
-ضحك جاسر وقال:طيب يا لمضة...

ثم أبدل جاسر وجهته وذهب إلى المطعم الذي أرسله له صابر عنوانه واسمه فيما بعد...

*************************************

دلفت روجيدا بـ ثوبها الأسود الذي يحصل إلى ما قبل رُكبتيها بـ قليل..كان ينسدل على جسدها مُلتصقًا به ليُظهر رشاقة قدها..ذات ويتجمع أطرافه حول عنقها بـ نعومة مُطعم بـ الأحجار الكريمة..عاري الظهر والأكتاف..ويحد خصرها الدقيق حزام ذهبي ينسدل طرفه على جانبها الأيسر..وخُصلاتها تجمعت في جديلة فرنسية لتطاير بعض الخُصلات لتُعطي وجهها الخالي من مستحضرات التجميل جاذبية مُهلكة...

تبعتها بسنت والتي لم تقل جاذبية عن شقيقتها بـ ثوبها الأزرق الطويل الذي يصل إلى كاحلها من خامة الحرير..ذو فتحة صدر واسعة أظهرت عظمتي الترقوة لتزيدها فتنة..وحمالات عريضة أخفت منكبيها..أما خُصلاتها السوداء فـ قد تركتها حرة تنساب على وجهها وعنقها بـ جاذبية...

سألتها روجيدا بـ ملل

-هما فين يا ست بسنت!...

بحثت بـ رأسها حتى وجدته جالسًا في أحد الطاولات الراقية..لتُشير إليه قائلة بـ حماس

-أهو هناك
-عقدت روجيدا حاجبيها وتساءلت:هو واحد مش جروب!
-نفت بـ رأسها وقالت:لأ هما جروب..بس البوص جيه الأول..يلا نتحرك...

ثم جذبتها وهى تتحرك في إتجاه ذلك الشخص..الذي ما أن أبصرهم حتى نهض ورحب بهم بـ أبتسامة عريضة

-أهلًا..أتفضلوا...

أشار لهم بـ الجلوس..لتقول بسنت بـ أبتسامة

-روجيدا أختي..روجيدا دا مستر مراد النويهي..صاحب الشركة اللي بشتغل فيها
-إبتسمت روجيدا مُجاملةً وقالت:تشرفت بـ حضرتك
-رد مراد بـ نبرة رخيمة:الشرف ليا يا مدام روجيدا..بسنت حكتلي عنك كتير...

إكتفت روجيدا بـ إبتسامة ولم ترد..بينما أخذت بسنت تتحدث عن العمل مع مراد..وبعد مدة وصل بعض الأشخاص وسادت دائرة الحديث عن العمل بينهم شاركت فيها هى قليلًا بـ خبرتها القليلة في العمل الذي أكتسبت من ذلك المجال خبرة ضئيلة عندما كانت تُشارك العمل مع زوجها جاسر...

وعلى الناحية الأخرى كان جاسر يجلس كمن يجلس على صفيح ساخن..شارد الذهن قليلًا بل كثيرًا في لقاؤه القصير مع ذات العيون الفيروزية...

ولكن قاطع شروده صوت أنثوي شديد الرقة 

-مستر چاسر..وين عقلك شارد!..أنت مو معي بالمرة
-تنحنح جاسر بـ حرج وقال:أسف يا مدام داليدا..أنا لسه راجع من سفر ومش مركز بس
-أومأت بـ رأسها وتابعت بـ رقتها:إييه بعرف..وكتيير أسفة بشان (عشان) هيك
-إبتسم جاسر بـ فتور وقال:ولا يهمك...

نحت داليدا بـ نظرها إلى الصغيرة التي تشبه والدتها في لون خُصلاتها الكستنائية وعيناها الفيروزيتان المائلة إلى الزرقة..ثم تشدقت بـ إبتسامة

-هيّ بنتك!!
-وضع جاسر يده على رأس طفلته وقال بـ حنو:أها
-إتسعت أبتسامة داليدا وقالت:ماشالله..أديشها (أد إيه) چميلة
-ليقول جاسر بـ شرود:جميلة زي مامتها...

كانت جُلنار تتناول طعامها بـ صمت غير آبهه للحديث الدائر بين والدها وتلك الشقراء ذات البشرة الخمرية..ليرفع جاسر عيناه عنها بعد تأمل دام دقيقة ثم قال بـ جدية

-نكمل كلام فـ الشغل!
-أومأت بـ رأسها بـ موافقة وقالت:إييه بنكمل...

ومر الوقت وهما يتحادثان عن العمل..لينتفض على صوت إبنته وهى تقول بـ حماس ودهشة مُشيرة بيدها إلى إحدى الطاولات

-مامي..مامي هناك أيه...

عقد جاسر ما بين حاجبيه ثم ما لبث أن رفعها وينظر في إتجاه ما تُشير إليه صغيرته..لتُلجمه الصدمة وهو يراها تجلس مع بعض الأشخاص..وما أن دقق حتى إتسعت عيناه بـ دهشة تحولت في ثوان إلى قتامة وغضب حارق..يده كانت تنقبض في تكور إبيضت لها مفاصله...

نهض عن مكانه بـ عنف أدى إلى وقوع المقعد وقال بـ صوتٍ خافت يُسري الرعب في النفوس

-ثواني يا مدام داليدا..هروح أسلم على حرمي المصون...

ودون حرفٍ أخر كان قد إندفع كـالثور الهائج وأعصابه تشتعل بـشراسة تجعل جسده كله يتشنج وهو يرى حبيبته تُجالس أخرين بل وتتجاذب أطراف الحديث مع ألد أعادءه وأكثرهم كرهًا له..ليقول جاسر بـ همس يُشبه فحيح الأفاعي

-أنا بعدت عنك كتير يا روجيدا..وجيه والوقت اللي ترجعيلي فيه...

تعليقات



×