رواية سدفة ج2 (عن تراض) الفصل الثاني 2 بقلم أيه شاكر


رواية سدفة ج 2 (عن تراض) الفصل الثاني بقلم أيه شاكر 


-حاضر يا باشا... طيب انتوا هتجوزوني واحد وسيم وكده ولا مشـ ـلول ولا أعمـ ـى ولا غني... إيه نظامه!


-قلت اخرسي يا بت... ويلا اركبي.


قالها الرجل وهو يوقع كلماته وباغتها أخر بتصويب سـ ـلاح لظهرها، فشخص بصرها لبرهة ثم قلبت عينيها في المكان بتوجس، وما أن أدركت خطـ ـورة الموقف، طفقت تصك وجهها بكلتا يديها وهي تصيح:

-ما هو قالي متروحيش يا حماره أنا اللي مفهمتش الإشاره... حد يلحقني يا ناس...


قالت جملتها الأخيرة وهي تثب في هلع، جذبها رجل أخر من ذراعها لتصعد للسيارة وظلت هي تصرخ بذعر دون اكتراث للسلاح المصوب لظهرها، اشتدت دقات قلبها، وارتعدت فرائصها، وهي تُخاطب نفسها ليس حُلمًا هي الآن بواقعٍ مرير، ولا تدري ما الذي ينتظرها بعد هذه اللحظة العصيبة وما الذي يجب أن تفعله؟


لم تكن تلحظ ذلك الشاب الذي يتواري خلف جدار ويتابع ما يجري في قلقٍ وفزع، كانت أوصاله ترتعد وقدميه التصقتا بالأرض من هول صدمته، حائرٌ لا يدري أمن الصواب أن يركض إليها ويلقي بنفسه فيهلك، أم يأخذ حذره ويطلب العون أولًا، وفي سرعة وتهور أخذ قراره وكبطلٍ شجاع ركض إليها...


أما سراب فحين لاح لها طيف شاب يركض صوبهم من بعيد مشهرًا سلاحه وهو ينادي اسمها تهللت أساريرها، وانفرجت شفتيها بابتسامة وهي تردد ببهجة:

-مفتول العضلات وصل... وصل، وصل أحلى واحد في الكون.


وتبددت سعادتها حين تبينت هويته كان شاب نحيل، ضئيل الوزن، متوسط القامة، ترتعش يداه وهو يمسك سـ ـلاحه، سُرعان ما أطلق عدة طلقات في الهواء، وهو يرنو إليها ويصيح:

-ابعدوا عنها... متقلقيش الشرطه جايه حالًا يا سراب... ابعــــــدوا عنها.


قالت سراب بنبرة محبطة:

-نادر! ليه نادر، ليه نادر؟ ليـــــه!

خاب أملها فقد كانت تنتظر ظهور مفتول العضلات الذي سيخطف قلبها من النظرة الأولى.


من ناحية أخرى أجفل الرجال خشية قدوم الشرطة، وقال رئيسهم:

-هاتوها واركبوا بسرعه...


صعد الرجال للسيارة في سرعة، بينما حاول أحدهم جذب سراب لتصعد معهم لكنها ركلته أسفل بطنه وركضت صوب «نادر» الذي أطلق قدميه مع الريح، وأسرع الإثنان بالفرار والابتعاد.


وأمر الرجل حراسه أن يتبعوهما ويحضروهما


********

وبعد فترة من الركض


وقفا في ظل أحد البيوت في مكان أشبه بالخرابه.


طالعت سراب نادر بامتنان وقالت:

-أنا كنت متأكده إن فيه حد هينقذني، مع إني تخيلت إنه هيكون مفتول العضلات وعيونه تشبه الـ.....


ابتلعت سراب باقي كلامها ورمقته شزرًا وهي تقول:

-يلا مش مشكله كتير خيرك يا نادر، ربنا ما يوقعك في ضيقه...


بتر نادر كلماتها بإشارة من يده أن صه، وجحظت عيناه فجأة وهو ينظر خلفها مرددًا بذعر:

-اجري يا سراب!

-نجري ليه تاني أنا نفسي اتقطع!!

-طيب بصي وراكي كده...


نظرت خلفها وحين أبصرت الحراس يتجهون صوبهما شهقت وعندما أعادت نظرها لنادى وجدته فر راكضًا، فأطلقت ساقيها مع الريح وهي تناديه:

-نـــــادر... استنى يا نــــادر... 


-أستنى إيه أنا مش مستغني عن عمري، دول لو لحقونا هيعملونا بانيه!

قالها وهو يلهث ويركض، فضحكت وهي تُسرع من وتيرة ركضها تتبعه، قالت من خلف أنفاسها المتسارعة:

-والله نفسي أكل بانيه، هخلي البت تقى تعمله بكره بس بطريقة صحيه عشان الدايت، وهجيبك تتغدى معانا.

رشقها نادر بنظرة ثاقبة سريعة وهز عنقه باستهانة ثم أكمل ركض دون تعليق.


ركضا كثيرًا طفقا يدلفان لشارع ويخرجان من أخر، فيلاحظا أنهما عادا لنفس النقطه وكأنهما داخل متاهة ما!


وأخيرًا وقف نادر يلتقط أنفاسه، سألها منفعلًا ولاهثًا:

-إنتِ كنتِ فين يا سراب؟ إيه اللي جابك في المكان المقطوع ده!! ومين دول؟

-كان عندي شغل...

قالتها من خلف أنفاسها المرتفعة وهي تنحني وتلمس ساقيها لشدة ألمها أثر الركض، فاستفهم ساخرًا:

-شغل إيه ده يا سراب اللي في المكان ده!


-معذور يابني ما إنت متعرفش إن أنا ميكب أرتست مشهوره، المشكله اللي حصلت إن العروسه اللي كنت بمكيجها اللي اسمها هند دي، مكانتش عايزه تتجوز فساعدتها تهرب ودول بقا شكلهم أهلها.


هدر بها:

-هربتِ العروسه؟ إنتِ إيه يابنتي متخـ ـلفه عقليًا!


-احترم نفسك مش معنى إنك أنقذتني إني هسيبك تغلط فيا... وحضرتك بقا كنت بتعمل إيه هنا يا أستاذ نادر؟

قالت سؤالها ساخرة، فرفع ذقنه لأعلى وقال بزهو:

-شغل كان عندي شغل... جالي عرض فيلم رعب كنا بنصوره هنا...


انفجـ ـرت ضاحكة وهي تردد:

-ثمثيل تاني! يابني وهي دي خلقه ينفع تمثل! إنت مينفعش تشتغل إلا مُبيض محاره لايقه أوي عليك الشغلانه دي.


لم يعلق على كلامها وانتظرها تنتهي من سخريتها ثم قال بخُيلاء:

-لعلمك المره دي أنا صاحب البطل...


ضحكت وقالت باستهزاء:

-يا نادر يا جامد... طيب هستنى بقا لما تبقى البطل عشان أشاور عليك وأقول أنا عارفه الواد ده، كان مبيض محاره قد الدنيا.


-واد!!

قالها بذهول وامتعاض، فحمحمت بحرج، هكذا هي تلقائية للغاية ومندفعة، ودومًا تتعمد احراج من حولها، وتسخر منهم، قالت:

-لا مؤاخذه يا نادر متزعلش مني أصل أنا عفوية شويه وبعتبرك زي أخويا... 


أطلق نادر تنهيدة وهو يلتفت يمنة ويسرة يتفقد المكان من حوله، بينما أضافت هي بحمـ ـاس:

-المهم لما توصل بقا وتبقى نجم متنسانيش... يعني خدني معاك أعملك مكياج وكده.


قال بنزق:

-مش لما نخرج من المتاهه دي الأول.

وقبل أن ينهي جملته شهقت سراب حين أبصرت رجلان يُقبلان نحوهما فصرخت واستأنفا الركض وكانت سراب تضحك وتسعل مع كل خطوة وكأن الأرض تدغدغ قدميها، قالت وهي تلهث:

-قال كنت بتصور فيلم رعب أدينا دخلنا جوه فيلم رعب بحق وحقيقي...


رمقها نادر بطرف عينه وضحك، فتوقفت بتعب تلتقط أنفاسها وهي تقول لاهثة:

-إيه المكان ده... إحنا توهنا ولا إيه!!! هو إحنا هنفضل نجري كده لحد امته؟!


التفت نادر حوله فرأى طريق عمومي تسير به السيارات، تنفس بارتياح وأشار صوبه قائلًا: 

-يلا خطوتين كمان وهنوصل... أبشري.


وقبل أن يخطو نادر خطوة أخرى وقف قبالتهما رجلان وخلفهما رجلان، فأجفلا ونظرا لبعضهما بذعر، وقالت سراب بنبرة مرتعشة وبخفوت:

-قبلت البشرى.

وكانت تلك هي جملة تقى التي علمتها إياها، لترد على كلمتها المعتادة «أبشري».


وقفا يحدقان بالرجلان أمامهما بأعين جاحظة في رعب شديد، ثم نظرا لبعضهما، قالت سراب:

-هنعمل ايه؟


ازدرد نادر لعابه ورفع يديه لأعلى وهو يقول:

-لا احنا مش هنعمل حاجه احنا نسيبها لله يدبرها ويرتبها.


رفع أحد الرجال هاتفه والتقط صورة لسراب، فشهقت وصاحت بخوف:

-صوروني! الحق يا نادر صوروني وممكن يركبوا صورتي على جسم معزة أو...


قاطعها دوي ضحكات الرجل وقوله:

-الصوره دي للذكرى متقلقيش.


ازدرد نادر ريقه وقال:

-حضرتك أنا معرفهاش أنا فنان وليا اسمي وسمعتي لو سمحت خدها وسيبني.


رشقته سراب بنظرة اخترقته ورددت بحنق:

-أما إنك عديم الأصل!


ضحك الرجل وقال:

-متزعليش يا قطه دا هو جاي معانا قبلك... يلا من غير مقاومة ووجع دماغ...


أشار نادر للسيارة وخاطبها بانفعال:

-يلا يا سراب قدامي من غير مقاومه ولا وجع دماغ... اتفضلي قدامي لو سمحتِ.


قالت ساخرة:

-حاضر يا مفتول العضلات.

استغفروا🌸

بقلم آيه شاكر 


                      ★★★★★

وضع الطبيب جهاز السونار على بطن وئام، وقال بتعجب:

-الحبل السري لافف على رقبة الجنين!


سألته وئام من خلف ألمها:

-يعني ايه!! جنين ايه!! هو الكلام ده لمين؟

-لازم تولدي حالًا...

قالها الطبيب متجاهلًا صدمتها وسؤالها، في حين نظر عمرو لوالدته التي فغرت فاها بعدم استيعاب، سألت شيرين:

-ولاده ازاي! حضرتك هي مش حامل أصلًا!


قالت وئام بتعب:

-ده القولون يا دكتور دايمًا أشتكي منه.


-قولون ايه! بقولكوا دي حالة ولاده... 

قالها الطبيب فتحولت دهشة شيرين لبهجة وسألت:

-ولد ولا بنت يا دكتور؟

-ولد...


قالها الطبيب، فضحك عمرو، بينما خاطب الطبيب التمريض:

-جهزوا العمليات...


اختلطت ضحكات عمرو مع صرخات وئام التي صاحت:

-ايه اللي بيحصل ده يا ماما!!


قالت شيرين:

-مش عارفه والله يا بنتي!!


إزدادت آلام المخاض فصاحت وئام من خلف صرخاتها:

-منك لله يا يحيى دي كانت جوازه سوده!


وقف عمرو يضحك فضـ ـربته والدته بذراعه وهدرت به:

-انت بتضحك! كلم اخواتك وأبوك... وكلم يحيى...


أطبق عمرو يده على فمه وحاول التظاهر بالجدية، وركضت شيرين خلف ابنتها، فانفجـ ـر عمرو بالضحك مرة أخرى وهو يعبث بهاتفه طالبًا لارقام عائلته، ليقول جملة واحدة من خلف ضحكاته:

-وئام بتولد...


صلوا على خير الأنام ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                        ★★★★

أغلقت «نداء» هاتفها بعدما تحدثت مع زوجها المُسافر «رائد» فكم ترزح مشاعرها شوقًا إليه، ويأن فؤادها حنينًا، قضى معها ثلاثة أعوام يشاركها كل تفاصيلها ثم رحل عنها بعدما رفضت أن تسلك معه درب الغربة الوعر وتبتعد عن دفء العائلة، ولم تكن تلك سوى حماقة منها تندم عليها كل ليلة وتتمنى لو رافقته...


في خلال الأعوام السابقة


 كانت تهرب من الواقع بالقراءة والكتابه فكانت تكتب قصص تدور حولها أو من تأليفها لتُبحر بين كلماتها وتسافر مع أفكارها في أوقات فراغها لتتسلى وتُشغل تفكيرها عن الصبابة التي تلفح قلبها كما تذكرت زوجها...


نهضت لتقف بشرفتها، كانت ترتدي منامتها الصيفية ولازالت تحافظ على وزنها وتظهر أصغر من سنها الحقيقي...

وقفت تتأمل شارعها بعدما ألقى الظلام ستاره وأضائته مصابيح الأعمدة التي تنتشر بانتظام على الجانبين، ذلك الشارع الذي لم يزده مُضي الأعوام إلا جمالًا فقد نمت أشجار متفرقة جوار أعمدة الإضاءة قبالة البيوت، لازال الشارع يضم مباني على الجانبين يفتح أسفل كل مبنى محل أولهم للبقاله وأصبح مقابله مقهى بدلًا من محل الملابس ويجاوره مطعم للفول والفلافل ويقابله مكتبة لبيع أدوات الدراسة والكتب...


أخرجها من شرودها، رنين هاتفها فأجابت على عمرو الذي أخبرها أن وئام تضع مولودًا، قالت بصدمة:

-وهي وئام كانت حامل؟! طيب طيب... جايه حالًا.


انتبهت من شرودها على صوت ابنتها صاحبة الثمانية أعوام وابنها صاحب الست أعوام يتشاجران، فركضت إليهما، هدرت بهما:

-كفـــــايــــه... حرام عليكم تعبتوني.


أجفلا وتصنما مكانهما وأخذا يحدجان بعضهما بخوف، وترقب لخطوة والدتهما التالية.


صرخ ضمير نداء مجددًا وهي تبدل نظراتها بينهما، وتتأمل ملامحها الفزعه...

شردت لبرهة ألم تكن تسخر من والدتها حين تنفعل عليها هي وأخيها نادر! وقد أخبرت والدتها بأنها لم تربيهما تربية إيجابية لكنها ستأخذ حذرها ولن تفعل مع أولادها ذلك مطلقًا! أي لن ترفع صوتها.

أطرقت نداء للحظة، فلم تنكر على والدتها فعلًا أو سلوكًا إلا وفعلته دون وعي، قالت بهدوء:

-البسوا عشان تطلعوا عند طنط ريم على ما أرجع...


وقبلت رأسهما ثم دخلت ترتدي ثيابها.


وبعد فترة وجيزة 


وقفت نداء قبالة ريم «سلفتها»، وأخبرتها بحالة وئام فضحكت ريم وقالت:

-أنا كنت حاسه أصل بطنها كانت كبيرة و... وبتقول القولون بيتحرك...

-يلا عقبالك يا ريم.

قالتها نداء، فقالت ريم بانفعال:

-أهو إنت ياستي هو أنا ناقصه! كفايه عليا تلاته، رضا أوي.


أخذت نداء تمازح ريم بينما كان ابنها يسألها عن وجهتها وما حدث، فتجاهلت سؤاله وأشارت له بحزم ليدخل شقة ريم ثم لوحت لريم وغادرت...

في حين نظر كل من ابنها وابنتها لبعضهما وأطرقا بحزن، فأمهما سريعة الغضب، حازمةٌ صارمةٌ لا تقبل الخطأ، ورغم أنها حنونة محبة لكنها تقسو عليهما أحيانًا...


هما طفلان ويصعب عليهما تفهم الضغط النفسي والعصبي اللذان تنزح تحتهما، فهي تقوم بدور الأم والأب معًا بعدما تركها زوجها «رائد» وسافر، سبعة أعوام تطايرت تطاير الدخان قضتها وحدها اللهم إلا شهرًا كل عام يقضيه زوجها بمصر وكضيف عابر...


اعتادت نداء غيابه وتأقلمت عليه، بل أصبحت تستثقل وجوده، لأنه يشغلها عما تأقلمت عليه في غيابه، حيث يملأ وجوده فراغها برغباته وأوامره...


*********

وصلت نداء للمستشفى

جلست جوار شيرين وكانت تحمل بين يديها المولود تُطالعه بحب، قالت:

-اللهم بارك قمر يا وئام... شبه رائد خالص.


قال عمرو:

-لا على فكره دا شبهي ولازم تسموه عمرو.


قالت شيرين:

-عمرو ايه! لأ طبعًا... مريم وعبد الرحمن و... 

صمتت تفكر فقال عمرو:

-وعمرو... صدقيني اسم عمرو حلو أنا بحبه.


خاطبته والدته بنزق:

-كفايه علينا عمرو واحد مطلع عنينا... احنا نسميه دياب على إسم جده أو عبد الوهاب على اسم أبويا.


-أمه اللي تسميه يا جماعه دي تعبت فيه.

قالتها نداء فسلطوا بصرهم على وئام التي لم تُعلق، كانت تطالع الفراغ بجمود، فلم تنتبه من صدمتها بعد! وكانت تتسائل هل هذا حُلم أم حقيقة! بل كيف كانت حامل ولم تدري؟!


قال عمرو:

-الحمد لله إنه محتاجش حضان...


أقبلت نداء ووضعت الطفل جوار وئام ثم مسدت على شعرها مرددةً بابتسامة:

-عشان أقولك كرشك دا مش طبيعي تقوليلي من القولون...


رشقتها وئام بنظرة مدلهمة وأغلقت جفونها...

فقد زاد وزنها كثيرًا بعد ولادتها ابنها الثاني، ربما تجاوزت المائة كيلوغرام.


ارتفع بكاء المولود، فقالت شيرين:

-يلا يا بنتي رضعي ابنك.

-أرضع مين! هو مين ده يا جماعه؟!

قالتها وئام بذهول وصدمة فضحكوا، وساعدتها نداء لترضعه.


بعد دقائق اكتظت الغرفة بأفراد العائلة...

عامر وتقى وهيام وزوجها «محمد» و«يحيى» الذي رغم صدمته وتعجبه كان مبتهجًا وهو يرى طفله أمامه، قال بابتسامة:

-الله أكبر! طفل لا كان على البال ولا الخاطر.

أردف يحيى بعد أن حمل المولود:

-أنا مش مصدق نفسي! امته وازي كنتِ حامل ومعرفناش؟ وازاي إنتِ معرفتيش؟


طُبعت بهجة يحيى بالمولود على جدران قلب زوجته، فانفرجت شفتيها بابتسامة واسعة لأول مرة، وقالت:

-مش عارفه كنت فاكراها لغبطة هرمونات فمكنتش بركز مع الأعرض!


قال يحيى وهو يتأمل صغيره:

-الحمد لله...


وأخذ يُكبر بأُذن المولود، ثم نظر لوئام حين قالت:

-هنسميه إيه يا يحيى؟


بدل يحيى نظراته بين الحضور وقال:

-مش عارف.


قالت وئام بابتسامة:

-إيه رأيك في عبدُ الله؟


طالعها يحيى بابتسامة وقال:

-يبقا نسميه عبدُ الله.


على نحوٍ أخر 

كانت «تقى» تقف في ركنٍ لحالها بعدما حدثت والدها عبر الهاتف لتطمئن إذا عادت سراب للمنزل، فأثار قلقها حين أخبرها أنها لازالت بالخارج، تلك الفتاة التي تدفع بنفسها دفعًا إلى المهالك.


لاحظ عامر انشغال تقى ونظراتها المضطربة فمال على أخته هيام وقال شيئًا، فوجهت هيام بصرها نحو تقى ثم أقبلت إليها، سألتها:

-إنتِ كويسه يا تقى؟!


أطلقت تقى تنهيدة عميقة وقالت:

-سراب مش بترد عليا وحضرتك عارفاها كارثة متحركه... وبابا بيقول إنها قالتله إنها جيالي المصنع من العصر ولسه مرجعتش البيت.


-طيب جربي ترني عليها تاني... تلاقيها بتلف هنا ولا هنا.


زمت تقى شفتيها وطلبت رقم سراب مجددًا ولازال خارج نطاق الخدمة، فقالت بتبرم:

-البنت دي تعبتني... يعني المفروض إني خالتها يعني هي بنت أختي و...


قاطعتها هيام:

-نفسي أفهم ازاي؟!


ابتسمت تقى، وقالت:

-الله يرحمها ماما وبنتها اللي هي أختي الله يرحمها برده، كانوا حامل في نفس الوقت وولدوا في نفس اليوم وأختي توفت فماما اللي هي جدة سراب رضعتها فأنا وسراب بقينا إخوات وفي نفس الوقت أنا خالتها وهي بنت أختي، فهمتي؟


رمقتها هيام بنظرة خاطفة ثم ضحكت،

وقالت بعدم استيعاب:

-مش مهم أفهم أهم حاجه إن إنتوا فاهمين... رني على سراب تاني... رني...


قالتها هيام وسارت نحو عامر ومالت على أذنه تخبره بما يشغل تقى، فقال:

-سراب! هتروح فين يعني! دلوقتي ترجع دي بنت متعبه.


سمعه عمرو وهو ينطق اسم سراب، فقال:

-مش أنا كبيت مايه على سراب الصبح؟ وكل ما تضايقني هضايقها.


رمقه عامر باستهانة وقال:

-تافه! هتفضل طول عمرك تافه.


ربت عمرو على كتفه بغلظة وهو يقول:

-سيبتلك إنت الرزانه يخويا.


فدفعه عامر بعيدًا عنه وهو يغمغم نازقًا...

استغفروا🌸

بقلم آيه شاكر 

                        ★★★★★

وقف نادر جوار سراب لفترة يحاوطهما الرجال من جميع الاتجاهات، في صمتٍ قاتم بينما ينظر رئيسهم بهاتفه، ثم يعود وينظر لهم ثم ينشغل بهاتفه، ومر الوقت حتى اقترب منه الرجل وقال:


-مسـ ـدسك فين؟!

-حـ... حضرتك دا مسـ ـدس صوت متقلقش منه!

بسط الرجل يده، ونظراته الحادة تخترق نادر، ودون كلمة فتح نادر حقيبته وأخرج السلاح وأعطاه له وهو يقول:

-اتفضل يافندم اتأكد بنفسك.


أخذه الرجل من يده تزامنًا مع رنين هاتفه فأجاب عليه وهو يحدجهما بنظرات مبهمة، ثم ولاهم ظهره ونادى الرجال وانشغلوا بالحديث، فاستجمع نادر قوته، وأشار لسراب وركضا، فقال الرجل لرجاله:

-سيبوهم.


ولم يتبعهما أحد من الرجال بل ركبوا سيارتهم وغادروا، وبعد مسافة توقف نادر فجأة وقال وهو ينظر خلفه:

-المسـ ـدس... مسـ ـدس الشـ ـغل راح.


نظر لسراب وهدر بها:

-حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا شيخه إنتِ طلعتيلي منين؟


قالت سراب مبتهجة الملامح متهللة الأسارير:

-افرح يا نادر دول سابونا ومشيوا يلا نكمل جري قبل ما يرجعوا في كلامهم...


مسح نادر على شعره وهو يزمجر بغضب، فحثته على الحركة:

-يلا يا نادر.


قال:

-دول خدوا مني المسـ ـدس.


-يا عم هشتريلك واحد بس يلا...


-هتشتريلي واحد هو إنتِ حيلتك حاجه!


-هتصرف يا نادر بس يلا احنا ماصدقنا.


وبعد فترة ركبا معًا سيارة أجرة «ميكروباص»، كان نادر يجلس جوارها وحقيبته بينهما كان متجهم الوجه، ينظر أمامه في صمت، بينما طفقت سراب تُتابع الطريق من نافذة السيارة والإبتسامة لا تفارق محياها وهي تتذكر ماحدث وتنسج أحلامًا لن تتحقق تتخيل لو كان نادر شابًا أخر مفتول العضلات، وسيم يقع في غرامها من النظرة الأولى وتعيش معه مغامرة أخرى حتى تقع بحبه ثم يتزوجان في النهاية، خرجت من خضم أفكارها ونظرت إلى نادر، وكأنها تحاول إقناع قلبها يتقبله، فتلك الفتاة لم تتحرك مشاعرها لأي شاب مطلقًا...


حدقت بنادر وابتسمت فهو وسيم ولكن ينقصه بعض العضلات، لاحظ نادر تحديقها به فرمقها شزرًا وهو يحمحم، فارتبكت وعادت تنظرت أمامها على الفور وهي تقول:

-لأ مينفعش خالص.


قال:

-بتقولي ايه؟


-آآ... بفكر... هو يعني تفتكر الموضوع خلص على كده ولا هيعملوا ايه بصورتي! 


-معرفش.

قالها باقتضاب، فقالت:

-أعتقد إنه خلص... وأظن إنهم بعتوا صورتي للعريس ومعجبتهوش فقالهم يسيبونا.


رمقها بإزدراء وقال:

-عنده حق والله.

وأضاف بحسرة:

-دول أخدوا المسدس الصوت! هعمل ايه دلوقتي، منك لله يا سراب.


-يا عم قولتلك هشتريلك واحد خلاص بقا متقرفناش.


لم يرد عليها، فحكت أنفها وخاطبته بخفوت:

-معاك فلوس؟ حـ... حاسب إنت أصل باين وقعوا مني وأنا بجري.


زفر ضاحكًا بسخرية، ثم قال:

-وهتشتريلي مسـ ـدس تاني وبتتكلمي بثقة كأن شنطتك فيها دفتر شيكات وفي الأخر معكيش تدفعي الأُجره.


-بكره تُفرج ويبقى معايا دفتر شيكات بجد وأشغلك البودي جارد بتاعي يا مفتول العضلات.

قالتها ساخرة ثم ضحكت، فرمقها بنظرة سريعة ساخطة ثم عاد ينظر أمامه وعادت هي تتابع الطريق، حتى اقتربت من شارعها فقالت:

-على جنب ياسطى.

حدجها نادر بنظرة متهكمة، لأنه كان سينطق بما قالته لو انتظرت لبرهة، ابتسمت بحرج، فقد كانت شاردة وتناست وجوده.


ارتجل نادر من السيارة وتبعته ثم قالت له:

-الموضوع ده لازم يفضل سر بيننا يا نادر عشان جدو لو عرف هيعلقني.

-طيب.

قالها باقتضاب وأشار لها لتسير أمامه ففعلت دون جدال، وانتظر هو قليلًا ثم تنهد بعمق وتبعها فقد قرر مسبقًا أن يقضي الليلة مع أخته «نداء».


كانت «سراب» تمشي خطوتين ثم تلتفت إليه، فيشر لها لتنظر أمامها وهو مغضن حاجبيه بضجر.


هز رأسه مستنكرًا وغمغم لنفسه:

-مستفزة جدًا... منك لله يا شيخه.


وصل نادر أمام بيت نداء ودخلت سراب لبيتها بعدما لوحت له بابتسامة واسعة وكأنهما قد عادا من نزهة ما، فابتسم لها نادر بسماجة وضحكت هي، قال نادر:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، مش طبيعية أبدًا...


وقبل أن يدلف نادر للبيت وقفت سيارة، ارتجلت منها نداء ثم عامر، فاقترب منهم وهو يسأل:

-الله! كنتوا فين؟


قال عامر:

-عقبال عندك وئام ولدت.


-اللهم بارك... هي أبله وئام كانت حامل!!


قال عمرو بضحك:

-والله كلنا اتفاجئنا زيك.

استغفروا ♥️ 


*********


وبعد فترة

جلس عمرو قبالة توأمه عامر، ورغم التشابه الكبير بين ملامحهما إلا أنهما مختلفان فقد اتفقا أن يترك عمرو ذقنه وشاربه وكان شعره طويل مشذب وناعم وأحيانًا يرفعه لأعلى برابطة شعر، أما عامر فكان يحلق شعره ولا يمتلك إلا لحية خفيفة جدًا كما كان يرتدي نظارة طبيه أما عمرو فلا، وكان عمرو يمتلك جسد رياضي يميزه عن توأمه.


جلس نادر جوار عمرو يأكل الفاكهة ويحكي ما حدث معه وسراب، أثارت ضحكات عمرو غيظه فقال:

-إنتِ بتضحك على إيه بقولك الراجل خد المسدس ومشي... أنا بفكر أروح أجيبه منه.


قال عمرو:

-ومالو روحله ياخويا برجلك... أنا مش عايز أخوفك بس بما إنه صوركم فأنا مش حاسس إن الموضوع خلص!


-متخوفنيش يا عمرو!

قالها نادر وهو يعتدل في جلسته، بينما كان عامر يستمع لحوارهما وهو ممدد على الأريكه، اعتدل عامر جالسًا وقال بجديه:

-متقلقش ان شاء الله مش هيعملوا حاجه...


وأردف عامر وهي يستلقي مجددًا:

-كويس يا نادر إنك شوفت سراب وإلا كان ممكن تتخـ ـطف بجد!


-دا أنا كنت مرعوب يا عامر دا إنت لو شوفت أشكالهم يابني عارف البودي جاردات اللي بيجوا في الأفلام طول بعرض بارتفاع...


قال عامر:

-أمممم... حمد الله على السلامة.


نهض نادر وهو يأخذ ثمرة فاكهة من الطبق ويقول:

-أنا طالع لأختي... وياريت الموضوع ده يفضل سر بيننا... سر يا عمرو فاهم؟


قال عمرو:

-طبعًا متقلقش سر يعني سر.

لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين 

                        ★★★★★

في بكور اليوم التالي عند السادسة صباحاً...


استيقظ «نادر» أثر رجة قوية بالبيت، وأصوات صراخات فهرع من رقدته وركض لخارج الغرفة، سأل نداء التي كانت ترتدي اسدالها وبيدها نقابها:  

-ايه اللي بيحصل يا نداء؟

-مش عارفه دا شكله زلزال ولا ايه!!

قالتها بخوف وهي تسحب ابنتها وابنها ليخرجوا من البيت، فحمل نادر الطفل وركض للخارج وخلفه نداء وابنتها وتقابلا مع ريم وأولادها الذين يصرخون بهلع وينزلون السلم وخلفهما ريم، بينما كان صوت دياب مرتفعًا، وكأنه يتشاجر مع أحدهم.


وبعدما اجتمعت العائلة أمام شقة دياب رأوه يضـ ـرب ابنه عامر الذي يُعدل نظارته...


هدر دياب:

-يابن الـ.... هتهد البيت فوق دماغنا يولاه، اختراعات ايه ياض فاكر نفسك عالم ذره.


-يا بابا خطأ غير مقصود والرسول صلى الله عليه وسلم قال ايه؟...


بدل عامر نظره بين عائلته وأكمل:

-صلوا عليه يا جماعه... 


-صلى الله عليه وسلم.

رددها الجميع بشدوه وملامح ناعسة وملابس غير منسقة، ضـ ـربه والده مجددًا، فذلك المشهد يتكرر كل فترة، حين يجرب عامر اختراعاته التي لا تنتهي، حمحم عامر واستكمل متلعثمًا:

-قال صلى الله عليه وسلم: «رُفع عن أُمتي الخطأ والنسيان...» وأنا أخطات ونسيت يا بابا، وبعتذر جدًا جدًا يا جماعه أوعدكم المره الجايه هركز.


قال عامر أخر جملة بصوت مُقدم برامج أخطأ في كلمةٍ فاعتذر عنها، هدر به والده:

-مره جايه! هو لسه فيه مره جايه يا روح أمك؟

قالها تزامنًا مع صدوح صوت صفير يشبه قنبلة على وشك الإنفـ ـجار، فجحظت عيني عامر وصاح:

-اطلعوا بسرعه... بره بسرعه هتنفـ ـجر... 


قالها عامر وركض للداخل بينما ركض الجميع للخارج وأصوات صرخاتهم تملأ الشارع، واجتمع بعض الجيران أثر الصراخ...


تيت تيت تيت ثم صوت انفـ ـجار، فصاح دياب بلهفة وهلع:

-عامر فين؟ الواد راح فين؟ عـــــــامــــــر...


ظهر عامر يجر قدميه لخارج البيت، وراح يلوح لوالده بابتسامة، وقد شعُث شعره وظهر وجهه ملطخ ببعض السواد وحُرقت أجزاء من ملابسه، قال وهو يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله:

-تم السيطره على الموضوع يا جماعه لا داعي للقلق... اتفضلوا ادخلوا.


قالها ثم انفـ ـجر شيئًا أخر بالداخل فابتسم وقال:

-دي بقا كانت أخر حاجه... أكـــــــيــــد.


قال ابن نداء بخوف:

-ماما أنا عايز أروح عند جدو رشدي وتيته دينا.


قال نادر:

-متخافش هنروح كلنا ياحبيبي.


سأل أحد الجيران وهو يكبح ضحكاته:

-فيه حاجه ولا كالعاده يا حاج دياب؟


قال دياب بنزق:

-كالعاده يا سيدي شكرًا لسؤالك.


-خير يا جماعه واقفين كده ليه؟

كان صوت جد سراب، «كارم» رجل في عقده السابع ولكن لم تتجعد بشرته كثيرًا، دائمًا يحلق شعر رأسه بالكامل فتظنه أصلعًا...


وقف يُطالع هيئة العائلة وهو يحمل بيده أكياس تضم إفطار طازج، فقال دياب:

-مفيش يا حاج كارم دا عامر كان بيعمل تجربه جديده... والحمد لله جت سليمه.


كانت «سراب» تقف بالشرفة تتابع ما يحدث وهي تضحك، رفع عمرو رأسه وحين رأها، خاطبها بمكر:

-حمد الله على السلامه يا سراب كويس إنك عرفتِ تهربي من العصابه امبارح.


-عصابه! عصابة ايه دي؟

قالها كارم بقلق، بينما جحظت عيني سراب في فزع، فقد أقنعت جدها هي وتقى أنها قابلت إحدى صديقاتها فعطلتها عن الذهاب لتقى بالمصنع...


نظرت سراب لنادر، الذي أنزل ابن أخته من على كتفه وأخذ يتابع عمرو الذي يقول لكارم:

-هي سراب مقالتش لحضرتك إنها امبارح كانت رايحه شغل و....


قالها «عمرو» ورفع عينه يُطالع سراب بمكر فهو يعلم رد فعل جدها بالطبع سيبرحها ضـ ـربًا وسيسمع الشارع بأكمله صوت انفجـ ـار أخر من بيتها بعد قليل ويستمتع هو...

الفصل الثالث من هنا


تعليقات



×