رواية سدفة ج2 (عن تراض) الفصل الثالث 3 بقلم أيه شاكر


رواية سدفة ج 2 (عن تراض) الفصل الثالث بقلم أيه شاكر 


وقفت سراب في شرفتها تتابع ما يقوله «عمرو»؛ ذاك الذي لا ينفك عن مضايقتها، فلو علم جدها بما فعلت بالأمس، سيبرحها ضـ ـربًا، وقد يطردها من البيت، هدرت بحدة:

-بس ياض... متصدقهوش يا جدو.

وأخذت تتمتم بغضب وتسب «نادر» لانه وشى بها، غمز لها عمرو متخابثًا، وأكمل حديثه مع كارم:

-طيب حتى اسأل نادر يا عمي كارم، مش إنت يابني مسـ ـدسك ضاع في الـ...

قال جملته الأخيره مخاطبًا نادر، وبوثبة واسعة كان نادر يقف جوار عمرو ويطبق يده على فمه ليحجب باقي كلماته، نطق نادر بابتسامة مرتعشة:

-كفايه هزار بقا يا عمرو...


وهمس بأُذن عمرو:

-هديك ٢٠٠ جنيه واتكتم...

-٢٠٠ جنيه بجد! 

قالها عمرو بهمس، فقال نادر بضجر:

-بجد والله.


حمحم عمرو واعتدل في وقفته وهو يحك أنفه، ثم قال:

-كنت بهزر يا عمي كارم معقوله سراب العاقله تعمل حاجه من غير إذنك! مستحيل طبعًا.


قالها عمرو ونظر لسراب التي ترشقه بوعيد وأشارت إليه بيدها تهدده فضحك، تزامنًا مع قول عامر:

-إيه يا جماعه هتفضلوا واقفين في الشارع؟ يلا اتفضلوا متقلقوش المعمل بس اللي اتحـ ـرق.


جحظت عيني عمرو وقال:

-المعمل! قصدك أوضتنا اتفحمت تاني، صح؟ 


اومأ عامر مغضنًا حاجبيه بأسف، فأمسكه عمرو من تلابيبه وقال:

-حرام عليك! ولعـ ـت في الأوضه تاني! والله ما هنضف معاك حاجه.


تركه عمرو واتجه لوالده يخاطبه بنبرة مرتفعة:

-أنا مستحيل أعيش مع الواد ده في أوضه واحده بعد النهارده، ما البيت مليان أوض افتحولي واحده منهم...


لكزه والده بذراعه وهو يقول:

-اخرس إنت كمان... إنت بتعلي صوتك عليا في قلب الشارع.


التفت عمرو حوله وآثر الصمت.


همس نادر لأخته:

-يلا يا نداء نمشي أنا مش هدخل البيت ده تاني.


-متقلقش يا نادر احنا متعودين على كده أصلًا.

قالتها نداء، فرمقها نادر رافعًا حاجبيه وهو يقول بذهول:

-متعودين! 

قالت:

-أيوه ومتمشيش ساعد عامر.


قالتها نداء ورفعت بصرها تُطالع سراب المبتسمة ببرود لتستفز عمرو الذي يرميها بنظرة حادة، ورمقته هي متهكمة تزامنًا مع استيقاظ «تقى» المستلقية على فراشها، وضعت يدها أمام عينها لتحجب عنها الضوء المتسلل من الشرفة المفتوحة على مسرعيها، وصاحت بحدة:

-سراب! يا بت فاتحه الستاير ليه دلوقتي؟


التفتت سراب وهي تقول بحمـ ـاس:

-بتفرج، تعالي بسرعه شوفي اللي بيحصل، إنتِ إزاي مسمعتيش صوت الانفجار ده؟ دا زلزل الشارع كله.

-انفجار ايه؟

-الواد عامر واختراعاته اللي متعودين عليها...

قالتها سراب وهي تغلق الشرفة بعدما دخلت، بينما اعتدلت تقى جالسة، وقالت:

-طيب إيه رأيك بقا إني متأكده إن عامر ده هيبهرنا في يوم من الأيام باختراع ما...

-يا سلام على الثقة! دا عيل أهبـ ـل.


قالتها سراب، وردت تقى بثقة:

-بكره تشوفي اللي بتقولي عليه أهبـ ـل ده هيعمل ايه.

-طيب هستنى أشوف أنا مش بمل من الانتظار خالص.

قالتها «سراب» وهي تقف على الميزان لترى وزنها اليومي قبل أن تبدأ جولتها الرياضية، قالت تقى ساخرة:

-ها كام كيلو؟ 

-٤٩ الحمد لله.

-يا نهار أزرق! حرام عليكِ نفسك يا سراب.

-اسكتِ يا فيل إنتِ.


وثبت تقى من سريرها ووقفت على الميزان وقالت:

-فيل ايه! أنا مش فيل أنا وزني مثالي.


نزلت تقى من فوق الميزان الرقمي ورددت سراب الرقم المكتوب بضحك: 

-«٦٠ كيلو جرام» يعني فيل صغير.


تقى بتبرم:

-إنتِ مريضه نفسيه! وهتتحولي لهيكل عظمي قريب.


خرجت سراب من الغرفة وهي تمسك أدوات الرياضة الخاصة بها، وتنطق:

-جاهله، وبطلي بقا تشتكيني للجيران يا تقى.


هزت تقى رأسها باستنكار بينما انغمست سراب بالتمارين الرياضية، تزامنًا مع دخول كارم للبيت...

هرولت إليه تقى وأخذت الأكياس من يده، وجلس هو يتابع سراب ووثباتها وحركاتها الرياضية ويغمغم بنزق:

-مش هنخلص بقا النهارده!


ابتسمت سراب وأكملت تمارينها، في حين وضعت تقى الإفطار على المائدة، وكان طبق من الفول وأخر من الطعمية وسلطات وخبز، قال كارم:

-يلا يا سراب تعالي افطري...


قالت لاهثة من التمارين:

-شكرًا يا جدو أنا مش هفطر لأني عامله صيام متقطع وباقيلي ساعتين...


قالتها ودخلت المرحاض، فسأل كارم تقى بقلق:

-ايه الصيام اللي بينتهي الضحى ده! هي البت دي غيرت دينها ولا ايه!


ضحكت تقى وقالت:

-لا متقلقش دي حاجه تبع الدايت بتاعها ملهوش علاقه بالدين.


-لا حول ولا قوة إلا بالله! البت دي هتجنني أنا تعبت منها... لازم تفوق لنفسها أنا مش هفضل معاكم العمر كله.

-متقولش كده يا بابا ان شاء الله تفضل جنبي العمر كله.


طالعها كارم بصمت وهو يمضغ طعامهزبشرود، بينما تذكرت «تقى» ما حكته لها سراب بالأمس عن الذين طاردوها هي ونادر، وقالت وهي تمضغ الطعام:

-ربنا يستر...


رن هاتف كارم برسالة ما، فحمله وهو يلوك الطعام بفمه، وجحظت عيناه واقشعر جسده من هول الصدمة، فقد كانت صورة لسراب، مرفقة برسالة أخرى محتواها:

«إنت قولتلي ملكش دعوه وإنك هتتكفل بيها! وأنا قولتلك لو شوفتها في يوم من الأيام أو اتعرضتلي مش هرحمها ولا هرحمك وأهي اتعرضتلي امبارح، وأنا بحذرك يا كارم، ابعد البت عني.»


-ســـــــراب، إنـــــتِ يا بــــنـــت.

قالها كارم بنبرة مرتفعة غاضبة أفزعت تقى قبل سراب...

خرجت سراب من المرحاض وهي تسأل بلهفة:

-في ايه يا جدو؟!


هدر بها:

-كنتِ فين امبارح؟


نظرت لتقى التي تفرك يديها من شدة الخوف:

-آآ... ما أنا قولت لحضرتك... قابلت صاحبتي وروحنا كافيه.


اقترب منها كارم حتى وقف قبالتها مباشرة وسأل مجددًا وهو يضغط على كلماته:

-كنتِ فين امبارح يا سراب؟


لم تعتد على الكذب أبدًا، أطرقت هنيهة في قلق وضغطت بأنامل يدها على راحة اليد الأخرى في اضطراب ثم قررت اختصار كل سبل الكذب وسلك طريق الحقيقة ولو شاق، قالت:

-جالي شغل وكان سعره مغري أوي وروحت لكن العروسه هربت و...


أنتفضت أثر صوت جدها المنفعل:

-شغل! تاني شغل يا سراب! كوافيره! ليه يا بنتي؟ هو أنا قصرت معاكِ في حاجه؟


صمتت لبرهة ثم رفعت رأسها تُطالع وجه جدها المحتقن بالغضب، وقالت بصوت خافت:

-عايزه أعمل الحاجه اللي بحبها يا جدو.


-وأنا قولت لأ، الشغلانه دي لأ، عايزه تشتغلي كوافيره؟ 


خاطبته بانفعال:

-مسمهاش كوافيره اسمها ميكب ارتست وأنا كبرت وأقدر أختار طريقي، أنا حره بقا أعمل اللي أنا عايزاه.


أخرصتها صفعة قـ ـوية من جدها، وقفت لبرهة تبدل نظرها بين تقى وكارم بفمٍ متشنج، ثم قالت بانفعال شديد:

-طيب والله العظيم ما أنا قاعده في البيت ده.


دخلت غرفتها لترتدي حجابها وتلملم بعض حاجياتها في حقيبة ظهر وتقى تتوسلها أن تهدأ، لكنها لم تسمع وخرجت من غرفتها...


 خاطبت سراب كارم بقـ ـوة زائفة:

-أنا هروح أدور على أهل أبويا، أهل أبويا اللي إنت مش عايز تساعدني أوصل لهم، وحتى لو وحشين أنا عايزه أوصل لهم، ومش هاجي هنا تاني.


قالت أخر جملة صارخة قبل أن تخرج وتصفع الباب خلف ظهرها، فقال كارم بقلق وهو يضع يده على قلبه:

-الحقيها يا تقى... بسرعه يابنتي، هتودي نفسها في داهيه.


هوى كارم جالسًا على مقعد خلفه وردد بقلق:

-إيه اللي جابه هنا! وصلنا ازاي د! وعرفها ازاي، بعد كل السنين دي!


-تقصد مين؟

قالتها تقى، فهدر بها منفعلًا:

-وإنت مالك أقصد مين؟ روحي ورا أختك.


ابتعدت «تقى» عن والدها خطوتين ودموعها تنساب على وجنتيها، ظلت حائرة أتذهب وتتركه في تلك الحالة، أم تنتظر معه وتترك سراب؟ حتى أخذت قرارها ودنت منه مرددة:

-لأ أنا مش هسيبك يا بابا في الحاله دي.


هدر بها:

-روحي وراها... روحي هاتيها متسيبيهاش.


-مش هسيبك.

قالتها تقى يتصميم، وركضت صوب شرفتها تنادي سراب لتتوقف وتعود لكنها لم تلتفت لها، فهدرت:

-بطلي جنان واطلعي يا سراب... ســــراب.


تجاهلتها سراب وأكملت طريقها، فوقفت تقى تطالعها تبتعد وهي تطبق يدها على فمها، والتفتت تطالع والدها الجالس منكس الرأس، وسالت دموعها بقلة حيلة، فخرج عامر على صوتها وسألها:

-فيه حاجه ولا ايه يا تقى؟


مسحت وجهها لتزيل دموعها في سرعة، وقالت بصوت مختنق:

-سراب اتخانقت مع بابا وسابت البيت، وأنا مش عارفه أسيب بابا وأنزل وراها...

-اتخانقوا ليه؟ 

-بابا عرف إنها كانت في شغل امبارح و...


أمسكت عن الكلام ورددت بشدوه:

-هو عرف ازاي؟ 


اشرئب عامر برأسه ليرى سراب تبتعد، وقال:

-طيب سيبيلي الموضوع ده، أنا هروح وراها وأرجعها متقلقيش يا تقى.

-متشكره أوي يا عامر مش عارفه اقولك ايه والله.

-متقوليش حاجه يا تقى.

قالها عامر وهو يُطالع نظراتها المتلهفة على أختها، قبل أن ترميه بنظرة خاطفة وتركض للداخل، لا يدري لمَ تبتعد عنه هكذا! يشعر وكأنها تفر منه، وتتجنب لقاءه أما هو فيحب رؤيتها ويظلل عليها باهتمامه الدائم.


ابتسم عامر حين لاح في ذاكرته طيف ذكريات مضت، طفولتهما حين كانت تقرأ له الكثير من الكتب والروايات وكان ينسجم عند تلخيصها وتفسيرها لجملٍ كُتبت وهي ترتدي ثوب الجدية، ومرحها أحيانًا وهي تقرأ جملة أخرى ولازال صدى صوت ضحكاتها يجلب الربيع لقلبه، أما دموعها تلك فبمثابة رياح عاتيه دكت حصون قلبه...


لم يتحدثا منذ مدة طويلة، ولم يجلسا معًا تمنى لو تظل معه دائمًا، لكنها الأيام التي تغير ملامح كل شيء حتى وجهنا.


خرج عامر من خضم أفكاره حين سمع صوت دربكة خلفه، فاستدار ليجد ما تبقى من الفراش قد سقط بنادر حيث كان يجلس فوقه، بينما كان عمرو يستمع لحواره مع تقى، قال عمرو:

-خليك يا عامر نضف القرف اللي إنتِ عامله ده وهروح أنا وراها.


قالها وهو يشير للغرفة المقلوبة، وقال نادر:

-ما بلاش تروح إنت! 

-متقلقش عليا أنا بعرف أتعامل مع الأشكال دي كويس... وبعدين هروح عشان خاطر عمي كارم بس، إنما هي متستاهلش.


رمقه نادر بابتسامة متخابثة مرددًا:

-مفهوم طبعًا.


لوح عمرو بقبضة يده في ضجر بينما نظر عامر للغرفة المقلوبة، فراشه الذي دُك دكًا، وفراش عمرو الذي لم يتبقى سوى نصفه، نظر لمخدع الملابس وقال بعد تنهيدة ارتياح:

-الحمد لله الدولاب محصلهوش حاجه.


-نضف الأوضه دي يا عامر أنا عايز أرجع ألاقيها زي ما كانت.

قالها عمرو وهو يفتح مخدع الملابس فأخذ المخدع يترنح ويصدر صرير وكأنه ينفك وسيسقط، فجحظت أعينهم وقبل أنا يقع عليهم ركضوا جميعًا لخارج الغرفة، ودوى صوت انقلاب جديد بالغرفة...


 ركض دياب إليهم، نظر من الخارج لمنظر الغرفة ولم يعقب، بل قلب كفيه بحسرة واتجه صوب غرفته وهو يدعو لابنه بالهداية...


كان نادر يضحك بصخب، في حين خاطب عمرو أخيه بامتعاض:

-منك لله إنت واختراعاتك على الصبح.


أطرق عامر بحرج، فاستطرد عمرو:

-أيوه بص في الأرض واسكت مبناخدش منك غير كده.


دخل عمرو للغرفة وهو يلتفت حوله بترقب، خشية أن يسقط عليه سقفها فلم يتبقى شيء على وضعه، سحب قميص من على الأرض وأخذ يرتديه وهو يركض للخارج ليلحق بسراب وهو يتمتم نازقًا من أخيه.

استغفروا🌸

                      ★★★★★

جلست تقى جوار والدها، ترمقه بين فنية وأخرى وهو صامت، ثم قالت:

-عامر هيروح وراها.

-طيب.

قالها باقتضاب وهو مطأطأ الرأس منطفئ الملامح وكأنه هُزم الآن في معركة ما! 


سألته:

-هو حضرتك عرفت ازاي يا بابا إنها كانت في شغل؟


قال بانفعال:

-عرفت زي ما عرفت متشغليش بالك يا تقى... قومي اعمليلي كركديه حاسس إن الضغط علي عليا.


نهضت تقى واقفة وقالت بطاعة:

-حاضر.


وقفت في المطبخ تُعد المشروب وهي تتذكر عامر وتدعو له، تشعر بحنين جارف لطفولتهما، آنذاك لم تكن تتركه إلا عند نومه، أما الآن فحين تلتقي نظراتهما يبتسمان، وإن زادا يحي أحدهما الأخر بإماءةٍ خفيفةٍ رسميةٍ ورتيبةٍ، لكنها نلاحظ اهتمامه الدائم، ترى همساته الدائمة لأخته هيام لتركض إليها وتسألها عن حالها قبل أن تعود إليه وتخبره لكل شيء، تراه وتعلم ما بنظراته ولكن...


لم تضع حول نفسها سلوك شائكة بمحض إرادتها إنه والدها الذي يخشى عليهما من فتنة الدهر، ومحنة الدنيا، زرع فيها هي وأختها من الصغر مبادئ تسير عليها، مبادئ صارت تنفذها دون وعي منها، مبادئ دينية راسخة في عقلها ولن تحيد عنها...


الفتاة لابد أن تحذر الألفة ولا ترفع الكُلفه مع أي رجل لا يحل لها.


استغفروا🌸

                ★★★★★★

على الصعيد الأخر


كانت نداء تتابع ما يحدث، فهي تحب تحليل ما يجري حولها ولكن في صمتٍ، لديها فراسة في فهم كل من حولها، ولديها حكمة أيضًا لا تتحدث مع أحد بأي مما تفهمه وتحتفظ به لنفسها، فمثلًا هي تعلم علم اليقين أن تقى وعامر يكنان لبعضهما مشاعر خاصة، راقية ونبيلة.


وتدرك جيدًا أن سراب معجبة بشكل عمرو الجذاب؛ عضلاته وحفاظه على جسده الرياضي لكنها تمقت شخصيته العنيدة...

أما عمرو فيشفق عليها لأن والدتها توفت بيوم ولادتها، لكنه يمقت شخصيتها واندفاعها خلف أهوائها ويستمتع بإثارة حفيظتها.


وما أجمل أن تكون على دراية بكل ما يجري حولك وتتظاهر بالغـ ـباء، وما أبهاك حين تستمتع بالصمت، وتتجنب الكلام بما لا يعنيك!


-إيه روحتِ فين؟

قالها «رائد» الذي يخاطبها عبر الهاتف، فقالت:

-كنت بتفرج، سراب سابت البيت كالمعتاد وعمرو شكله طلع وراها... وبالمناسبة أخوك عامر ده مسيره هيخلص علينا وهيفـ ـجر بينا البيت.


ضحك رائد وقال:

-عامر واختراعاته تاني!!

-اختراعات وقرف فزعنا على الصبح... رائد صحيح أنا نسيت أقولك حاجه مهمه...

-ايه؟

قالت وهي تكبح ضحكتها:

-وئام أختك ولدت...


-مين دي اللي ولدت؟ هي كانت حامل؟


-كانت حامل ومكنتش تعرف.

قالتها نداء بضحك، فقال رائد:

-طيب وإنتِ؟

قالت:

-أنا إيه دا إنت مسافر بقالك سنه...

-خلاص يا حبيبي راجع وهستقر عندك كفايه غربه لحد كده انتوا بتوحشوني.


-والله وإنت كمان وحشتنا، مصر ضلمه من غيرك.


صمت هنيه، ثم قال:

-دودو هو إنت عامله أكل ايه النهارده؟

-لسه هعمل كشري مصري.

-كويس أوي أنا بحب الكشري.

-إيه أبعتلك شويه عبر الانترنت!

قالتها ضاحكة، وتبادلا أطراف الحديث لفترة ثم أغلق معها...


وبعد فترة قُرع جرس الباب فقالت:

-مـــــيــــن؟

لم يرد أحد فكررت السؤال، ورن هاتفها برقم رائد، فأجابت عن طريق سماعة الأذن وهي ترتدي حجابها، قالت:

-خليك معايا على ما ألبس الجرس بيرن.


-افتحي يا نداء، يلا الشنط هتخلص عليا.


-إنت اللي على الباب! 

قالتها بدهشة وركضت لتفتح الباب وتفاجئت برائد يقف قبالتها بابتسامة واسعة، قال بحنين:

-وحشتيني أوي.


ضمها وهو يقول:

-ايه رأيك في المفاجأة دي؟ وخلاص يا ستي إن شاء الله معدش سفر تاني قاعد على قلبك.


-قصدك قاعد في قلبي.

دخل للبيت وهو يمسك يدها، وكانت مضطربة ومرتبكة، سحبت يدها منه برفق، وهي تأنبه لأنه لم يخبرها عن قدومه، فضحك وأخذ هو يلتفت حوله قائلًا:

-فين الولاد؟


-تحت... آآ... أنا هلبس وأروح أناديلهم.


-لا أنا هنزل أفاجئهم... البسي وحصليني.

قالها وغمز لها، فابتسمت وكانت مشاعارها تتأرجح بين فرحة بقدومه وقلق من آرقها الجديد لتتأقلم على استقراره معهم، فقد بنى السفر حاجز شاهق الارتفاع بينهما ولن يختفي ذلك الحاجز بين ليلة وضحاها.


وضعت يدها على قلبها، لا تدري لمَ شعرت لوهلة بحياء منه، وكأنه أصبح غريب! لكنه زوجها وحبيبها، فحدثت حالها أنها قد تكون تفاجئت ليس إلا.

استغفروا ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                   ★★★★

وفي بيت دياب...

وقف عامر يُصلح ما يمكن إصلاحه بالغرفة، ونادر يساعده، أخرجوا كل ما بالغرفة من أخشاب متبقية ومخدع الملابس المتجزأ والفراش المهترأ، وفرغت الغرفة إلا من كومة ملابس لعمرو وعامر بركنٍ فيها، وبعض الكتب المتراصة على الأرض بركنٍ أخر، جلس عامر على الأرض، وجلس نادر جواره، قال عامر:

-ياخي مفيش أحلى من البساطة إنك تقعد على الأرض، وتاكل على الأرض وتنام على الأرض.


ضحك نادر وقال:

-وتكوم هدومك وكتبك على الأرض.


ضحك عامر هو الآخر، وران عليهما الصمت لفترة، يتأملان الغرفة الفارغة، حتى قال نادر فجأة:

-إنت خليت عمرو يروح وراها ومتخيل إنه هيرجعها دول مش بيطيقوا بعض! ولا ايه رأيك؟


-قصدك سراب! 

اومأ نادر، فقال عامر:

-مين قال إن عمرو مش بيطيق سراب! هيرجعها، مش هيسيبها.


نهض نادر ونفض يده وهو يقول:

-طيب أنا همشي عشان عندي تصوير.

-تمثيل تاني! يا بني هو إنت ليه مصمم تدخل مجال مش بتاعك! إنت مش مخلص معهد خدمه اجتماعيه! ايه علاقة ده بالتمثيل؟

-لو سمحت يا عامر ملكش دعوه بأحلامي وطموحاتي خليك إنت في اختراعاتك، وبعدين ما إنت مخلص كلية علوم ايه علاقة ده بالاختراعات!


-يا عم عام مشتقه من علوم...

قاطع كلامهما جرس الباب الذي صدح عاليًا، وكان دياب ينادي من المرحاض أن يفتح عامر، وأولاد رامي ورائد يلعبون في الردهة متجاهلين الجرس، فقال نادر وهو يعدو نحو الباب:

-خليك مرتاح يا حضرة العالم أنا هفتح تلاقيها نداء.


نفخ عامر الهواء من فمه وغمغم نازقًا:

-كل شويه حد يعايرني، والله لما أوصل ويسألوني ايه المعوقات اللي قابلتك هقول أهلي.


من ناحية أخرى ما أن فتح نادر الباب ردد بدهشة:

-أبيه رائد!


عانقه بشوق وخرج عامر على صوت رائد وعانقه هو الأخر، وركض الأولاد متهللين مبتهجين يعانقونه بفرحة، وابنته تبكي وهي تمسك يده وتقبلها وتقول:

-وحشتني أوي يا بابا...

-خلاص يا قلب بابا مش هسيبكم تاني أبدًا.

قالها رائد، وخرج دياب من المرحاض، تفاجأ بوجود ابنه وعانقه بكل حب واشتياق، ثم جلسوا جميعًا، سأل رائد:

-ماما فين وحشتني أوي.


ضحك دياب وقال:

-ما هي أختك وئام ولدت وأمك قاعده عندها.


قال رائد بابتسامة:

-أيوه نداء لسه قيلالي، أومال فين عمرو؟


                 ★★★★★

ظل «عمرو» يتبعها في صمت حتى جلست على إحدى الطاولات في مقهى، استندت بمرفقها على الطاولة ووضعت يدها أسفل ذقنها وهي تتأمل الأفق، حتى ظهر عمرو....


ودون إذن سحب «عمرو» مقعد وجلس قبالتها، رمته «سراب» بنظرة سريعة خاطفة، وتجاهلت وجوده، فقال:

-مش ناويه تعقلي بقا؟


تجاهلته، فأضاف:

-قومي نرجع البيت... تعالي اقعدي عند نداء أو ريم لحد ما جدك يهدى.


تجاهلت قوله أيضًا ولم تعيره أي اهتمام، فرماها بنظرة ساخطة، صمت هنيهة هو يتخيل نفسه ينهض واقفًا ويغادر المكان برمته لكنه بدلًا عن ذلك أشار للعامل وطلب كوبين من القهوة، وخرجت هي عن صمتها، مخاطبة العامل:

-عايزه القهوه ساده لو سمحت.


-بتشربيها مُره ازاي؟

سألها عمرو، فرمقته بطرف عينها ولم تُعلق، تنهد بعمق ولزم الصمت، أخذ يُطالع المارة وينظر ناحيتها كل فترة فيجدها تُطالع الأفق بشرود، فيعود يتابع المارة، حتى شربا القهوة وهما على تلك الحالة...


نظرت «سراب» نحوه، ثم طالعت محل نظره فقد كان يتابع شاب وفتاة يعبران الطريق، جحظت عينيها وانتبهت جميع حواسها حين تبينت ملامح الفتاة، فهي نفسها عروس الأمس الهاربة «هند»، تخرج من إحدى المحلات تتأبط ذراع شاب يرتدي حلة سوداء أنيقة ويقتربان من سيارة فاخرة كانت تضحك بسعادة وكأن لا شيء قد حدث معها بالأمس، وباندفاع وثبت سراب من جلستها وهرولت نحوها، ونهض عمرو وهو يصيح:

-رايحه فين؟ سراب! بت...


-هـــــنـــــد! 

التفتت الفتاة أثر صوت سراب، وحين رأتها ابتلعت لعابها وتجلى الاضطراب على ملامحها لبرهة ثم انبسطت ملامحها ونظرت للشاب جوارها حين سألها:

-مين دي؟


خاطبت سراب هند متجاهلة سؤاله:

-إنتِ مش قولتِ هتروحي لخالك في المنصوره؟ إيه اللي حصل؟


-آآ... ازيك يا سراب؟ أنا اتجوزت قصدي النهارده فرحنا... تعرفي إني اتمنيت أشوفك، الحمد لله إننا اتقابلنا... إيه رأيك تعمليلي مكياج فرحي؟


نظرت سراب لعمرو، ثم للشاب الواقف جوار هند، وصمتت فقالت هند:

-لو سمحتِ وافقي وبضعف الثمن اللي اتفقنا عليه قبل كده.


قالت سراب بشرود:

-وبضعف الثمن!

ثم أضافت ببهجة:

-ماشي، طيب روح إنت يا عمرو وأنا هبقى آجي وراك... يلا سلام.


قالتها وهي تهم بالمغادرة، فقال عمرو:

-سلام فين؟ أنا رجلي على رجلك، والله ما هسيبك تتحركي من غيري.


خافت سراب أن يظهر أشخاص الأمس، أو أن يرجع عمرو فيخبر جدها لذا آثرت رفقته، خاطبت هند:

-هو ينفع يجي معايا؟ كأنه بودي جارد يعني.


ابتسمت هند ونظرت للشاب جوارها الذي أومأ موافقًا، ثم قالت:

-ينفع يا ستي، اتفضلوا اركبوا.


مال عمرو على أذن سراب وقال:

-هو احنا رايحين فين؟ 


ابتعدت سراب خطوتين عنه ونهرته قائلة:

-متقربش مني كده تاني! ورايحين شغل، وإنت قررت تيجي معايا يبقا تخرص بقا.


تجاهل ما قالته وقال هامسًا:

-بت يا سراب أنا مش مطمن!


-اسكت يا عمرو بعد إذنك... دي بتقول بضعف التمن.

قالتها سراب ببهجة، فنفخ عمرو متضجرًا وبدل نظره بينهما يتفحص لغة أجسادهما، يد الشاب وهو يمسك بيد هند وكأنه جاهد ليصل لهذه اللحظة، وتبادل النظرات والابتسامات التي تشي بما يكنه القلب من راحة وأمان.


أطلق عمرو تنهيدة عميقة وفي تلك اللحظة شعر بتحديق سراب به، زحف ببصره لينظر إليها فانتفضت وأشاحت بصرها للجهة الأخرى واعتدلت في جلستها حتى التصقت بالباب الأخر للسيارة والاضطراب يظهر عليها.


عاد عمرو ينظر أمامه، فلم تستطع سراب منع حالها من إعادة النظر إليه، التفت فجأة ليلتقط نظراتها تلك بالجُرم المشهود فابتسمت بلطف وبادلها الابتسام، ثم نظر من النافذة وهو يخلل شعره بأنامله.


خشيت سراب أن يأخذ ابتسامتها على نحو خاطئ، فارتدت ثوبها المعهود حين قالت باستفزاز:

-إنت لا تُطاق.


سمعها فدنا منها قليلًا وهمس:

-اللي أعرفه إن لو فيه حد مش بيطيق حد مش بيقعد يبص عليه! وبعدين يبتسمله.


رمته بنظرة متهكمة وهي تنطق:

-عادي ممكن يكون مستغرب إن كل السماجه دي اتجمعت في شخص واحد.


أطلق ضحكة كالزفرة وبنبرة هادئة، قال:

-إنتِ مستفزة جدًا.


-مش أكتر منك.

قالتها سراب وعادت تُطالع الطريق وآثر عمرو الصمت، حتى توقفت السيارة أمام بيت فاخر له بوابة كبيرة يشبه الڨيلا، يضم حديقة خلابة تنتشر الأشجار الخضراء بجوانب أسوارها...


وبالداخل يتولى بعض العمال تزين الحديقة ويضعون بها عدة طاولات...


 همس عمرو:

-ناس عايشه...


سمعته سراب، فحدقت به لبرهة ثم قالت:

-الموضوع ده هيفضل سر بيننا، اتفقنا؟

-اتفقنا بس الفلوس بالنص.

-النص! لا طبعًا مش هديك النص، انسى...


قال عمرو ببرود وهو يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله:

-براحتك وأنا هروح أقول لجدك كل حاجه.


قالت بتبرم:

-إنت بجد إنسان لا تُطاق... طيب خلاص هديك النص.

-يبقا اتفقنا.

قالها بابتسامة، تزامنًا مع اقتراب الشاب «زوج هند» منهما وخاطبهما:

-الحفله هتكون العصر لأننا مسافرين، فاتفضلوا اقعدوا شويه على ما هند تجهز، وأنا بنفسي هاجي أنادي للأنسه سراب.

قالها وأشار لطاولة خلفهما فجلس عمرو قبالة سراب، ونظراته تجول بالمكان ودقات قلبه تشتد في قلق، قالت سراب:

-حقيقي جوزها دا راجل محترم أوي، سمعته بيقول الأنسه سراب! شايف الاحترام، مش زيك... بت يا سراب.

قالت أخر جملة تقلد صوته الخشن، فرأت ابتسامة صغيرة ترتسم على زاوية فمه قبل أن يصفعه القلق مجددًا فتزول ابتسامته، مال بجزعه العلوي نحوها وقال بجدية:

-يا سراب أنا قلبي مش مطمن قومي نمشي.


-بقولك ايه لو قلقان امشي إنت.


-مش همشي وأسيبك.


قالت ساخرة:

-قصدك مش هتمشي وتسيب الفلوس ،صح؟


وعلى غير ما اعتادت سراب، أطلت من عيني عمرو نظرة اهتمام وهو يُطالعها ويقول:

-لا مش هسيبك إنتِ، فلوس ايه اللي هدور عليها، قومي يا سراب نمشي وأنا هديكِ الفلوس اللي إنت عايزاها.

قال عرضه وهو ينهض من مكانه، لكنها لم تحرك ساكنًا وكأنها تمثال من خشب كالمقعد الذي تجلس عليه، فعاد يقول بإصرار:

-قومي نمشي.


عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بإصرار أشد:

-مش همشي يا عمرو امشي إنت.


عاد يجلس قبالتها رشقها بنظرة مبهمة ثم التفت يُطالع المكان من حوله وردد:

-ربنا يستر.


وبعد فترة خرج زوج هند ونادى سراب لتدخل لهند وظل عمرو يتبعها حتى دخلت غرفة هند وأُغلق الباب، ووقف يراقب المكان بقلق شديد لا يعلم مصدره!


وفي غرفة العروس

وقفت سراب تجهز أدواتها، وهي تتحدث مع هند:

-إنتِ مش قولتِ هتسافري لخالك؟

قالت هند:

-أنا قولتلك كده عشان لو حد مسكك تقوليلهم كده، بجد يا سراب أنا مش عارفه أشكرك ازاي.


رمقتها سراب بنظرة سريعة ثم قالت:

-هو إنتِ حكايتك ايه؟!


أطلقت هند تنهيدة طويلة وقالت:

-حكايتي طويله، هقولك جزء منها وهي إني أعتبر بنت يتيمه، أهل أبويا كانوا حبسيني في المكان اللي إنتِ قابلتيني فيه، وكانوا عاوزين يجوزوني واحد في سن أبويا عشان ياخدوا فلوسي وفي نفس الوقت فلوسه ويوسعوا تجارتهم وكده، فاهمه حاجه؟


-فاهمه طبعًا، أنا تقريبًا سمعت المسلسل ده قبل كده... طبعًا فاهماكي، اخص هي الفلوس تعمل في الناس كده! ملعونه الفلوس بس مطلوبه برده. 


قالت هند بابتسامة:

-صحيح ملعونه بس مطلوبه.

ران عليهما صمتٌ طفيف، يتبادلان نظرات صامته وكانت سراب تشعر تألف ملامح هند وكأن طرقهما تقاطعت من قبل، ولكن أين؟ لا تدري! 


قطعت هند الصمت قائلة وهي تعبث بخصلات شعرها الأسود المشذب، الامع:

-أنا اتجوزت باسل انسان محترم، بنحب بعض من زمان، النهارده فرحنا وعاوزاكِ بقا تظبطيني.


-عنيا يا قمر مع إنك مش محتاجه حاجه.


-دا من ذوقك يا سراب، يلا نبدأ...

قالتها هند وهي تلملم خصلات شعرها الناعمة بحجاب أبيض.


وقفت سراب خلفها تطالع انعكاس هند عبر المرآة، النمش الخفيف على وجهها وعينيها اللوزيتين ولون بؤبؤهما الأسود القاتم، بشرتها البيضاء المائلة للحمرة ثم رفعت بصرها قليلًا لتنظر لنفسها، واتسعت حدقتيها وهي تلمس وجهها، فهند تشبهها كثيرًا، ولكن لا، هند أجمل بقليل...


وقبل أن تبدأ سراب قالت:

-ممكن أسألك سؤال؟ 


أومات هند موافقة، فقالت سراب:

-هو إنتِ غنيه أوي؟ اقصد عيلتك أثرياء! والڤيلا دي بتاعتكم! ولا بتاعت جوزك ولا ايه؟


ضحكت هند وقالت:

-دا بيت عادي يا سراب، باسل مأجره نعمل فيه الحفلة، إنما احنا أصلًا مش من هنا، احنا من القاهرة.


-وجايين الدقهليه ليه؟


-مش جايين بإرادتنا يا سراب، هحكيلك كل حاجه لكن اصبري عليا، هنتواصل كتير بعد النهارده.


-يعني انتوا مش أثرياء! أنا قولت كده برده ما هو مفيش حد ثري هيخليني أنا أعمله مكياج.

قالتها سراب وهي تضحك، فضحكت هند وقالت:

-بتقللي من نفسك ليه، إنتِ باين عليكِ شاطره، يلا نبدأ عايزه أشوف شغلك بقا.


أومأت سراب وصمتت، كابحة فضولها الشديد لمعرفة المزيد وبدأت بوضع مساحيق التجميل على وجه هند، وهند تتأملها وتتابع حركاتها.


وبعد فترة انتهت سراب، فنظرت هند لانعكاسها بالمرآة وقالت:

-جميل أوي... إنتِ ليكِ مستقبل باهر يا سراب تسلم ايدك... انزلي بقا الجنينه ومتمشيش استني الحفله، وباسل هيجيب مامته وهيكون هنا كمان شويه يديكِ الفلوس.


-تمام هستناه... وعشان لو احتجتِ تظبطي مكياجك تاني.


نزلت سراب للأسفل وكانت تنظر حولها معجبة بالبيت وموقعه، وكلما قابلت أحد العمال قالت بزهو:

-أنا الميكب ارتست...


خرجت للحديقة واستقبلها عمرو بلهفة، قال:

-خلصتِ؟ هنمشي؟


اومأت رأسها بابتسامة، فقال:

-طيب يلا نمشي من هنا.


-نمشي فين؟ لسه مأخدتش فلوسي.


جلست سراب على المقعد بأريحية مسترسلة:

-وبعدين حد يسيب المكان المنعش ده ويرجع للشارع الكئيب اللي عايشين فيه.


جلس عمرو قبالتها وقلبه يدق بعنـ ـف وكأنه يشعر بالخطر الذي سيداهمهم بعد قليل...


نهضت سراب تتمشى بالحديقة وتبعها عمرو، حتى وقفا تحت ظل شجرة بالحديقة، وقد فرغت الحديقة من العمال فجأة...


 قال عمرو:

-هنفضل هنا لحد امته؟


-لو مستعجل تقدر تمشي وهجيبلك فلوسك متقلقش... أنا أصلًا مطلبتش منك تيجي إنت اللي صممت.


كاد أن يرد عليها لولا صوت أحد ينادي هند بصوت مرتفع تبعه اقتحام للبيت برجال طوال شداد...


 أجفلت سراب حين رأت نفس الرجل الذي رأته بالأمس، أطبقت يدها على فمها واختبأت خلف الشجره وأشارت لعمرو أن صه، وهو يسألها هامسًا ما الذي يجري هنا؟

ووقفا يراقبان أصوات الصراخ والضـ ـرب، فقد كان الرجال يضـ ـربون كل من يعترض طريقهم...


قالت سراب:

-اطلب الشرطه يا عمرو، هند في خطر.


قال عمرو:

-شرطة ايه! احنا لازم نمشي من هنا.


-نمشي ازاي بقولك البنت في خطر... أعمل حاجه يا عمرو...


لم يعقب عمرو وظل يتابع ما يحدث باضطراب، فخرجت سراب من خلف الشجرة راكضة، ووقف عمرو لبرهة يغمغم نازقًا، ويهمس باسمها دون أن يحرك ساكنًا...


من ناحية أخرى سمعت سراب صوت الرجل يتحدث عبر الهاتف ويقول:

-متقلقش يا باشا كل حاجه تحت السيطره.


خرج رجل أخر يحمل جسد هند المرتخي، فصاحت سراب:

-قــــــتـــــلـ ـتوهــــا؟


اندهش الرجال من صوتها، وفي سرعة اقتربت سراب من هند وهي تحمل بيدها عصا تضـ ـرب بها من يحمل هند بكامل قوتها عله يترك هند، لكنها لم تؤثر به ولم يتحرك قيد أنمله، بل ضحك وكأنها تدغدغه...


 وقال رجل أخر بابتسامة ساخرة:

-إنتِ تاني؟ دا إنتِ مصممه بقا! إحنا يا بنتي مش سيبناكِ امبارح بمزاجنا!


نظر لباقي الرجال وقال وهو يشير لسراب:

-هاتوها.


وكان عمرو يراقب ما يحدث، يمسك هاتفه ليطلب رقم أخيه، فأتاه صوت:

-عفوًا لقد نفذ رصيدكم.


تشنجت ملامح عمرو وأضناه الندم، ما كان عليه أن يسمح لها بالقدوم إلى هنا! ولكن ما العمل الآن؟ وما الذي عليه فعله؟


استيقظ من خضم تساؤلاته حين سمع صرخاتها وهي تحاول الإفلات من الرجل، وتركض وتقفز والرجال يركضون خلفها، حتى صدحت صوت طلقة نارية تلاها صيحة مرتفعة، أدرك عمرو أنها لسراب فخرج من مخبأه غير عابئًا بكل نداءات العقل والمنطق.

الفصل الرابع من هنا

تعليقات



×