رواية عشق الذئاب الفصل الثانى و العشرون بقلم اسراء على
الحياة مسرحية..أعجبتنا أم لم تُعجبنا.....فقد دفعنا ثمن التذكرة.....
وليم شكسيبر...
دقات قلبه المتسارعة..جعلت أنفاسة لاهثة..من الفرط القلق..ظل يبكي..هو لا يعلم أيبكي على حالها أم يبكي على حاله الذي أوصلها هنا؟!!...
حاول إفاقتها ولكن دون جدوى..حملها برفق..وإتجه بها ناحية إحدى الغرف..مددها على الفراش..ثم جلب بعض الماء وظل ينثر قطرات عليها..وجد جفنيها يرمشان بعصبية..فكرر فعلته..حتى أفاقت بشهقة عالية..إنتفضت على إثرها..ليجذبها في أحضانه..ظل يكرر أسفه وبعض الكلمات الغير مفهومة
-أسف..والله..مش..غصب عني..أسف..متزعليش مني..
أما هى فبعدما أستعادت وعيها بالكامل ظلت تضرب بقبضتيها على صدره بعنف..وصوت بكائها..يُقطع نياط قلبه..ومن بين شهقاتها قالت بنشيج
-سبني بقى وأبعد عني..حرام عليك كفاية..معتش عندي طاقة أستحمل..تعبت..
هدهدها كطفلة صغيرة..وشدد من أحتضانه لها..ثم قال لها بحزن
-أسف..بس والله هجبلك حقك..وهقطع لسان الكل واللي فكر يأذيكي بكلمة
-أتاه صوتها المتشنج:أنت اللي بتأذيني محدش غيرك..أنت فعلاً نار وبتحرق الكل وأنا أول واحدة مستها النار دي..
-أجابها بندم:عارف..وعارف إني مستهلكيش..بس والله من اللي حصلي..أنا إتعذبت أوي..إتعذبت كتير يا إسراء..
-أجابته بتعصب:أنا ذنبي إيه!!
أبعدها عنه قليلاً..ثم قال بصوت هامس
-ذنبك أني حبيتك يا زهرة..سامحيني..
-أجابته بضعف:مش عارفة أسامحك..كل ما أبتدي أثق فيك..تهدم أنت كل حاجة
أعادها مرة أخرى إلى أحضانه..وظلت يده تتحرك على ظهرها في محاولة لتهدئة جسدها المُتشنج..وبالفعل بدأت تهدأ..أبعدها عنه وقال بحنان
-أحسن!!
أماءت رأسها بخفة وقالت:أها....
-إبتسم بهدوء وقال:يلا نامي شوية
-نظرت له إسراء بتعجب وهتفت مسرعة:هو أنت عندك إنفصام!!
وما كان رده سوى القهقه العالية حتى أدمعت عيناه..حاول كبح نوبة الضحك الهستيرية..ليقول بصوت متقطع
-ليه..السؤال دا
-أجابته ببراءة:من شوية كنت واحد تاني..ولا كأنك تعرفني
دنا منها ثم قبل رأسها وقال بحب
-أسف..صدقيني مش هكون كدا أبداً تاني..يلا نامي ومتفكريش فـ حاجة أنا هتصرف
-أجابته بخفوت:ماشي..
تمدد على الفراش..فدثرها جيداً..مسح على شعرها وتوجه للخارج..تاركاً إياها لتنعم بهدوء بعد ذلك اليوم العصيب.............
****************
في أحد الملاهي الليلية
جلس أحمد وأمامه رئيسه يُعنفه بشدة عما حدث..وأختفاء رائف المُفاجئ
-دلوقتي سي زفت متخفي..كأنه فص ملح وداب..هتعمل إيه
-رد عليه أحمد بهدوء:أسمع يا بوص رائف مش سهل..ومعرفش إنه ع
هيفلت من اللي حصل دا..بس أنا مفكرله فـ خطة تمام
-رد عليه رئيسه بعنف:بقولك إيه كل مرة تقولي كدا وفـ الآخر مبيحصلش حاجة..ولولا الظابط مكنش أختفى..
-تأفأف أحمد قائلاً:بقولك إيه..أنا بعمل اللي عليا..ومحدش فـ الدنيا دي قدي يتمني الشر لرائف..نهايته أنا اللي هكتبها..
نظر له رئيسه بتفحص..أرتشف من الكوب الذي أمامه..ثم سأله مباشراً
-إيه سر العداوة دي يا أبو حميد
-نظر له أحمد بقوة قائلاً:دي حاجة تخصني..اللي يخصك إن رائف يتمحي من ع وش الأرض
-أجابه بلا مبالاه:عندك حق مليش دعوة..أهم حاجة رائف ميطلعليش فـ البخت
-أجابه أحمد بشر:من عنيا..............
******************
عقب ذلك الخبر وهى ساكنة..لم تُحاول الخروج من غرفتها مطلقاً..نامت قُرابة ساعتين وكأنها لم تذق النوم يوماً..صوت طرقات صغير على باب غرفتها نقلها إلى عالم الواقع..لتقول بصوت عالي قليلاً
-إتفضل
دلف رائف وعلى وجهه إبتسامة عذبة..جعلتها تبتسم رغماً عنها..ليقول بمرح
-الله طب ما أحنا بنعرف نضحك أهو
-رسمت على وجهها تعابير الأمتعاض المصطنعة وقالت بضيق:عاوز إيه
-ضحك وقال بجدية:تعالي عشان تاكلي
-كتفت ساعديها أمام صدرها وقالت:مش عاوزة
تقدم رائف منها ثم جذبها من ذراعها..وقال بصرامة
-وأنا مش بطلب رأيك..يلا هناكل
-لتقول بضيق طفولي:مليش نفس
-رد عليها:هفتحلك نفسك..يلا
ثم سحبها كما تعود..وما أن دلفت للخارج..حتى أجلسها وكتف يداها وبدأ في إطعامها كالرضيع..إبتلعت ما في جوفها بغيظ وقالت بضيق
-على فكرة أنا مش مشلولة..هعرف أكل لوحدي
-ليرد عليها بلامبالاه وهو يدس الملعقة في صحن المعكرونة:منا عارف..بس أنا اللي هأكلك عشان عارفك مش هتاكلي
وأستمرت وصلة العذاب بالنسبة لها..و وصلة الإستمتاع بالنسبة له..لوقت طويل وسط تذمرها الطفولي..وعناده الشبابي..وأخيراً أنتهت جلسة التعذيب وهى تقول بـ إرتياح
-أوووف..أخيراً
-ضحك رائف وقال:أخيراً..
-نظرت له بضيق وقالت:ممكن تسبني عشان أغسل إيدي
-ليقول لها ببراءة زائفة..وحزن مصطنع:مفيش شكراً..
-ع إيه
-عشان أكلتك..
ردت بفتور:شكراً..
-ليرد هو بخبث:تؤ مش دي شكراً اللي عاوزها
وقبل أن يدع لها الوقت لكي تستفسر..كانت شفتاه مستقرة بجانب شفاها بقُبلة خفيفة..طويلة..مُشتاقة..مُعتذرة عن كل سوء..فهمت هى مغزاها..ولكن خجلها وإرتجافة جسدها..جعلوا عقلها وقلبها يتوقفان عن العمل..إبتعد عنها ليرى ملامح الخجل المُرتسمة على وجهها تُزين وجنتيها..ليقول بحب
-نفسي تتساءل..أي سحر أسود مارسته عليّ..تلك المشعوذة السمراء..
أشاحت بوجهها بعيداً عنه دون الرد..ليُكمل هو بندم
-عارف إني بطلب منك كتير..مسامحتك ليا أنا مستحقهاش..بس أنا طمعان فيك..فهل تغفرين مولاتي!!
-أرادت أن تُغير دفة الحديث لتقول:عاوزة أقوم أغسل إيدي
تركها بيأس..فنهضت هى..ولكنها توقفت على بُعد خطوات وقالت بنبرة غامضة
-الوقت لسه مفاتش....
قالتها ثم رحلت..لا يعلم أتقصد نفسها!!..أم تقصد أهله!!.وكم عانى ذلك الرائف من أهله..يتذكر أحداث كثيرة حدثت في الفترة ما بعد إختفاءها..زفر بضيق وقال
-ياريتك متكونيش قصداهم...أنا بكرههم قد ما بعشقك................
*********************
كما تعود محي..يجلس بجانب زوجته..يقرأ في كتاب الله بعض السور القرآنية..أنتهى من ورده اليومي وأمسك يد زوجته وقال بهدوء
-عاملة إيه يا رحمة؟!..شوفتي كل حاجة إتعرفت خلاص..ورائف مش باينله أثر..فكرك هيسامحني على ذنب مارتكبتوش!!..كنت وقتها مجبور..بس دلوقتي لأ..رائف عياره فلت..ولازم يكون له حد..فوقي يا رحمة إبنك بيضيع..
أنهى كلماته..لتدلف أحد الممرضات بهدوء..أقتربت منه ومالت عليه لتقول بخفوت
-سعاد هانم مستنية حضرتك..فـ المكتب
-نظر لها ثم أماء برأسه وقال:ماشي جاي وراكي أهو..روحي أنتي
-ردت بطاعة:حاضر يا دكتور
أنتظرها حتى خرجت..ثم عاد بنظره لزوجته وقال بهدوء...
-شوية وارجعلك..
نهض وقبل رأسها..ثم رحل..توجه ناحية مكتبه..ليجد والدته تجلس بتوتر..جلس أمامها وتشدق قائلاً
-خير يا أمي
-هزت رأسها يميناً ويسارأ:مش خير أبداً يا محي..شوفت اللي حصل
-تنهد بضيق وقال:شوفت يا أمي شوفت..كل حاجة إتعرفت
-فأجابته بحدة:ومرات البيه!!
-عقد ما بين حاجبيه وتساءل:مالها؟!
-قالت بنبرة مشدوهة:أنت مشوفتش قالوا عنها إيه
-زفر بضيق:يا أمي أنتي شوفتي البنت..مش معقول تكون زي ما بيقولوا
-أماءت موافقة وقالت بجدية:أيوة مقلتش حاجة..بس الكل لازم يعرف إن مرات رائف بنت محترمة..كدا سمعتنا بقت فـ الأرض..
-أجابها بزهق:يعني نعمل إيه
-سعاد بجدية:لازم يعملوا مؤتمر صحفي..وأنت كمان لازم كلنا نطلع..
-فسألها بـ أهتمام:وبعدين!!
-ردت بحذر:الحقيقة لازم تنكشف كلها..كدا وصلنا لسد..............
****************
جلست منال والدة طارق في حديقة المنزل مُحدقة بالفراغ عقب ذلك الخبر..ومُنذ ساعات والصحفيون يقفون أمام بوابة القصر..منتظرين ظهور أحدهم..أفاقها طارق من شرودها وهو يضع يده على كتفها..لتشهق مفزوعة
-خضتني يا طارق
-جلس بجانبها وقال:ما أنا بقالي ساعة بنادي عليكي..خير
-منال بسخرية:هو بعد اللي حصل يبقى فيه خير
-ربت على يدها المُجعدة وقال بهدوء:بابا ورائف هيتصرفوا..أهم حاجة منخرجش من البيت ولا نكلم حد
-سألته منال بـ أهتمام:طب و هايدي
-نتهد بحزن وقال:مش هنتكلم فـ أي حاجة دلوقتي..نخلص من اللي أحنا فيه وبعدين أشوف
-وهى!!
-سألها:مالها؟!
-ردت عليه بجدية:موافقة ع كلامك
-حك جبهته وقال:لسه قافل معاها وهى قالتلي إني عندي حق..نخلص من الهباب دا ونشوف هنعمل إيه
-هزت رأسها وسألته:طب كان رد فعلها إيه
-رفع منكبيه بفتور وقال:رد فعلها غامض مفهمتوش الصراحة..بس هي لا زعلانة ولا مضايقة..
ربتت على كتفه مواسية إياه..ثم تشدقت بحنو أمومي
-إن شاء الله ربنا هيعدلها..متقلقش أنت..ثق فـ أخوك وأبوك
-نظر لها بتعجب:نفسي أفهم إيه سبب ثقتك فـ رائف..وبتحبيه أوي كدا ليه مع إنه مش إبنك!!
رفعت كتفيها دليلاً على عدم معرفتها..ثم هزت رأسها يميناً ويساراً
-مش عارفة يا طارق..يمكن من اللي حصله..خلاني أشفق عليه..بالرغم من إنه إبن واحدة تانية..معرفش..ولا يمكن بسبب..آآآ..
-تساءل طارق مستفهماً:يمكن إيه
-نظرت له بتوتر ثم إبتسمت بـ إرتباك:مفيش يا حبيبي..بس خليك واثق فـ أخوك..هو هيفضل جمبك...
نظر لها بعدم إقتناع..ولكنه لم يُعقب..............
**********************
جلس رائف على الأريكة البرتقالية..وهو يتحدث بـ إنفعال
-يعني إيه الكلام دا يا باشمهندش
-أجابه الطرف الأخر بفتور:زي ما سمعت يا رائف بيه..اللي وصلي الخبر مقالش أسمه
-ليقول رائف بغضب:بس مش صعب عليك تعرف
-أجابه بهدوء:يا رائف بيه..دا مش شغلي..جالي الخبر ونشرته..لو عندك مشكلة..تقدر ترفع قضية
-رد عليه رائف بتهديد:مش هكون محتاج لمحاكم ولا لقواضي عشان أقفلك الجريدة بتاعك..
-تحدث الطرف الآخر بحدة:حضرتك بتهددني يا رائف بيه
-أجابه بهدوء:تؤتؤتؤ حاش لله..أنا مبهددش أنا بنفذ ع طول
سكت ليسمع أنفاس الطرف الآخر بتوتر..إبتسم رائف بمكر ثم قال بصرامة وتهديد
-قدامك 24 ساعة تجبلي اللي وصلك الخبر..إتأخرت ثانية..قول ع نفسك يلا السلامة
-أجابه بتوتر:طب. طب..حضرتك..متجبهوش ليه
-أراح رائف ظهره وقال:أنت اللي غلطت..وأنا بديك فرصة تصلح غلطك.....أكمل بنبرة متهكمة...شوفت أنا حقاني إزاي
-رد عليه بخوف:يا باشا..آآآ..
-قاطعه رائف بغلظة:مش هتكلم كتير 24 ساعة وتكون كل حاجة عندي..معملتش كدا متلومش غير نفسك يا ***..
أغلق الهاتف..ثم قذفه بعصبية على الطاولة الزجاجية..ظل يهز قدميه بتوتر..وهو يفكر في حديثها..ليقول بضيق
-منا مش هفضل كدا..أنا هقوم أسألها..
ونهض عن الأريكة وتوجه ناحية غرفتها..طرق الباب ولكنه لم يسمع رد..فـ طرق مرة أخرى والنتيجة كالسابقة..أصابه القلق..ليُنادي عليها بصوت مرتفع
-إسراء...
طرق مرة أخرى بعنف ولكن لا من رد..فنادى عليها بنبرة قلقة..والخوف قد إرتسم على ملامحه
-إسراء..ردي عليا..أنا هدخل
وبالفعل دفع الباب بعنف..ليتسمر مكانه فيما شاهده..جالسة هى على المِصلاه الخاصة به..وترتدي ملابس واسعة..وتُصلي بخشوع..
مشهد جعل جميع خلايا جسده تنتفض..وزلزلة كيانه كله..تجمدت أطرافه..وصوت ضربات قلبه يكاد يُقسم أن المحافظات المجاورة قد سمعتها بوضوح..إضطربت أنفاسه وعلا صوتها..ذلك المشهد الذي لم يره من قبل..مشهدها وتلك الهالة الغربية مُحيطة بها جعلته هائم وتائه أيضاً..لتسأل نفسه سؤال لم يظن أنه سيُسأله أبداً
"متى صليت أخر مرة؟!!"
ظل يعتصر ذاكرته اللعينة متى صلى!!..ولكن الإجابة واضحة سخر منه عقله وهو يخبره بسخرية لاذعة "أنت لم تُصلي بحياتك..فكيف ستتذكر متى صليت أخر مرة؟!!"
شعور الخزي الذي إجتاحه..جعله كالأصنام..شعور تخلل خلايا جسدة بسرعة كالسرطان..
صوتها الهادئ إنتشله من شروده..
-في حاجة!!
-أجابها ببلاهه:هااا..
ضحكت بخفوت ثم قالت بتساؤل
-ها إيه..كنت هتكسر الباب من شوية..في إيه!!
-رائف بتوتر:مـ..مفيش..أصلي خبط كتير وأنتي مردتيش..خفت..خفت يكون فيه حاجة
-أجابته بهدوء:لأ مفيش..
تقدم منها بتردد..ثم جلس على طرف الفراش..وطلب منها بأدب الجلوس بجانبه
-ممكن تيجي تقعدي جمبي..عاوز..عاوز أسألك ع حاجة
نهضت هى وجلست بجانبه..ظل يتطلع بوجهها بتفرس حتى حثته على الحديث قائلة
-أيوة!!..
سألها بطريقة مباشرة:هو أنت قصدك بـ إيه..إن الوقت مافتش
نظرت له بـ إنتصار بعدما تأكدت شكوكها مما جاء من أجله أخذت نفس عميق ثم زفرته على مهل وقالت بثبات
-أنت فهمت إيه
-رد عليها بسخرية:منا لو فاهم مكنتش سألت
-إبتسمت وقالت:طيب..
نظرت له بقوة..ولأول مرة تفعلها..لتقول بثبات
-قصدي أهلك..هما البداية لكل حاجة..
-تشكلت ملامح الإمتعاض على وجهه وقال بنبرة متشنجة:لو سمحتي متضغطيش عليا فـ الموضوع دا..
-فردت بإصرار:لو ع اللي عملوه معانا..ممكن دا خير وأحنا مش..آآآ..
-قاطعها بتعصب:لأ..لأ..مش بس كدا..هما أذوني
وظل يردد "أذوني" وهو يضم قبضته ويلكز صدره..فسألته بـ إنفعال
-طب فهمني..
نهض عن الفراش..وظل يجوب الغرفة..وهى تُتابعه بصمت..وفجأة..سكن وتحرك تجاهها..جلس على طرف الفراش..وتمدد عليه..جذبها قليلاً..ووضع رأسه على فخذها تماماً كالمرة السابقة..وهى مصدومة مما يفعله..نتهد بحرارة..تنهيدة تحمل في طياتها ماضي أليم حاول كثيراً دفنه..مر هذا الماضي أمام عينيه..قبل أن يغلقهما بعنف..ثم فتحهما مرة أخرى..نظر لعيناها وقال بغموض
-أنا هحكيلك كل حاجة...............