رواية الظل المجهول الفصل الثاني 2 بقلم حماده زهران


رواية الظل المجهول الفصل الثاني

عدى يوم كامل،ورجعت تاني للصفحة أملي إنه يكون رد أخيرًا.
فتحت الرسائل،لكن ماكانش فيه أي جديد.
قولتله:
-إنت كويس،قلقتني عليك،لو محتاج مساعدة كلمني.
ولا رد..لما اليوم التاني عدى بدون أي رد منه،بدأت الشكوك تلعب في دماغي..هل ممكن يكون حصله حاجة..هل كان بيهزر، أو الأسوأ..هل الكلام اللي قاله حقيقي.
الساعة كانت 12 ونص بالليل لما قررت آخد خطوة تانية..فتحت صفحته الشخصية، ماكانش فيها أي نشاط جديد،والبوستات اللي ناشرها قليلة جداً،وكلها كلام غامض عن الوحدة والخوف.
وفي اللحظة اللي كنت هقفل فيها الصفحة،لقيت إشعار جديد ظهر..رسالة منه،الرسالة كانت مختصرة، لكن مش زي أي رسالة..كانت بتخوف أكتر من أي وقت عدا.
بيقول:
-أنا مش لوحدي هنا..بيسمعوني وبيشوفوني،وكل حاجة هتتغير قريب.
دماغي بدأت تدور بشكل سريع،بحاول استوعب الكلام ده..هما مين..ده كان السؤال الوحيد اللي خرج من بوقي وأنا باصص على الشاشة.
رد سريع جاوب على كل اللي كان في عقلي،قال:
-الأموات اللي كانوا معايا..واللي جايين بعدهم.
في اللحظة دي،هجمت على دماغي آلاف الأسئلة،بس ما كنتش قادر أقول حاجة..الصوت اللي كان لسه بيدور في عقلي كان بيوصلي رسائل أكتر من مجرد كلام..شايف ان فيه نوع من التهديد الخفي،زي ما تكون الحاجات اللي حواليا بتراقبني.
كتبتله بقلق وقولت:
-أرجوك رد عليا..لو في حاجة غلط حصلت ليك لازم تقولي.
برضوا مردش..عدا يوم تاني وكل حاجه كانت ساكتة،كأن الظل المجهول اختفى من حياتي فجأة.
لكن بعد شويه،جي إشعار جديد على الصفحة.
بيقول:
-خليني اكملك القصة..بعد الحادث ده، الكل بقى خايف مني..ما بقيتش أقدر أخرج من البيت، والناس بقت تقول عليا إني رجعت من الموت.
عيشت في عزلة،وما كانش في حد معايا،حتى أبويا وأمي وأخواتي البنات،وأنا لسه عايش في عالم تاني،لوحدي في أوضتي مع أفكاري وذكرياتي اللي مش بترحل، ولا حتى الناس اللي بتحبني كانوا قادرين يرجعوا ليا زي الأول.
حسيت أني بقيت شخص مفقود، ميت في وسط الحياة.
أخواتي البنات كانوا ثلاثة،وكل واحدة منهم كانت ليها شخصيتها الخاصة.
بعد الحادث،كل واحدة منهم كان لها رد فعل مختلف نحيتي.
أختي الكبيرة "سلوى"،كانت دايماً بالنسبة ليا زي أم تانية..كانت شخصية قوية وعقلها ناضج. 
من بعد الحادث،بدأت تبعد عني شوية..كانت بتقول إني مش نفس الشخص اللي كانت تعرفه،كأن الحادث غيرني..ومع ذلك، كانت بتدعمني وتساعدني،لكن كان في بصتها حاجة غريبة،كأنها مش عارفة تتعامل مع الشخص الجديد اللي بقي قدامها..هي نفسها كانت عايزة ترجعلي كالأخ اللي كانت بتحبه،لكن كل مرة كانت تحاول، كانت بتلاقي مسافة بينهم.
وأختي التانية "فاطمة"،كانت شخصية هادية وطيبة،لكن مش قادرة تتعامل مع ألمي..كانت بتحاول تواسيني،لكن مش قادرة تفهم إلي في قلبي..كانت دايماً بتكون في زاويتها،لكن لو حاولت تكلمني أو تكون قريبة مني،ببقى حاسس إنها بترفض كل حاجه،مش عايزة تفتكر الحادث،ومش عايزة تفهم إيه اللي حصل..كانت هي أصعب واحدة عليا في التعامل لأني كنت بحس إنها فقدت الأمل فيا تماماً.
وأختي الصغيرة "مروة"،كانت أصغر مني بسنوات،لكن بعد الحادث بدأت تحس بمسؤولية كبيرة نحيتي..كانت دايماً قريبة مني،حتى لو كانت مش فاهمة بالضبط إيه اللي حصل،بس كان عندها قلب طيب وكانت بتحاول بشتى الطرق تفضل جنبي..كنت أحس بالذنب نحيتها، لأنها كانت دايماً خايفة عليا لدرجة كبيرة،لكن في بعض الأحيان، كنت بشوف في عيونها الحزن،وأحياناً الخوف. من أنني لو لقيت نفسي تاني زي قبل، هخسر كل حاجة.
العلاقة بينهم وبيني بعد الحادث كانت متوترة،وكل واحدة منهم كانت بتمر بحالة خاصة..ومع مرور الوقت أخواتي بقوا بعيد عني بشكل غير مباشر، وكل واحدة فيهم اختارت حياتها. 
الوحدة كانت هي الشبح اللي كنت عايش فيه،واللي بحاول أهرب منه بكل الطرق..كل واحدة من أخواتي كان ليها دور في تدميري الداخلي،سواء كان من خلال الخوف أو الرفض أو حتى محاولة التعامل مع الوضع..بصينلي كأني شخص تاني.
بعتله وقولتله:
-كمل يا مجهول، أنا سامعك. 
رد بعد دقيقتين وقال:
-بالنسبة لأبويا كان شخصية جد، صامت وعادةً مش كتير بيعبر عن مشاعره.
بعد الحادث،كل حاجه اتغيرت بالنسبة لأبويا..كان بيشوفني بعيون خايفة، لكن من غير ما يعبر عن مشاعره..كان دايماً بيحاول يشجعني على العودة للطبيعة،بس كان جواه مش قادر يتقبل التغيير اللي فيا..كان زعلان بطريقة غير مباشرة،يمكن من نفسه لأنه مش قادر يحل المشكلة دي أو يساعدني..في لحظات كان يقرب مني ويحاول يطبطب عليا،لكن غالباً كان بيحس بالذنب لأنه مش قادر يحمني من الألم اللي عايش فيه..كان بيفضل يحل المشكلة بطريقته الخاصة،يعني يمر يومه في الشغل أو في البيت، ولكن دايماً كان في نوع من الفتور في علاقتنا.
وأمي كانت دايمًا الأم الحنونة والمشجعة، لكن بعد الحادث الأمور كانت مختلفة..في البداية كانت بتسعى بكل الطرق إنها تخليني أرجع زي الأول..لكن بعد ما اكتشفت إن ده مش هينفع،بقيت تقلق أكتر عليا..كانت بتراقبني كتير،ودايماً بتبكي في صمت،مش قادرة تتقبل فكرة إن ابنها رجع من الموت وهو مش زي ما كان..كانت تحس بالعجز، مع إنها كانت دايماً تحاول تدعمني، لكن في نفس الوقت كانت تحس إن كل حاجة اتغيرت في حياتها..كنت أحس بيها قريبة مني في الأوقات اللي كنت بشعر فيها بالوحدة،لكن كل ما حاولت تقرب مني،كنت أبعد..كانت بتحس بالذنب لأنها كانت دايماً تقولي:
- لو كنت مكانك،كنت هقدر أساعدك، لكن ما فيش حاجة تساعد في اللحظة دي.
أمي كانت اللي ساعدتني أتمسك في بداية المعركة،لكن كانت بتعاني من نفسها،ومش قادره تخرج من الحزن اللي جواها.
ابويا وامي كانوا محاصرين بين الحب والمشاعر..ابويا كان بيحاول يكون قوي،لكن في نفس الوقت كان متأثر بخوفه على ابنه..وأمي كانت ضايعة بين انها عايزه تساعدني،وبين احساسها بالعجز..في النهاية، كانت العلاقة بيني وبينهم مكسورة..تأثير الحادث على أبويا وأمي،كان سبب في تدمير حياتهم..مش بس حياتي،بقوا عايشين في عالم جديد مليان قلق وحزن على مستقبل ما كانش متوقع..كان عندهم أمل إني أرجع زي ما كنت،لكن مع مرور الوقت فهموا إن مفيش حاجة هترجع زي ما كانت.
الأسوأ إني كنت كل ما أقعد لوحدي،  اشوف الأموات حواليا في كل مكان..سواء في البيت أو في الشارع، كانوا بيظهروا قدامي طول الوقت. حاولت أهرب من اللي بشوفه ودخلت في سكة المخدرات،يمكن ألاقي هروب من الواقع ده..وفي وسط كل ده،وأنا في المدرسة جات بنت جديدة منقولة من مدرسة تانية،اسمها هاجر..اتعرفت عليها،ومن أول لحظة حبيتها،وهي كمان حبتني.
قضينا 8 سنين مع بعض،عايشين قصة حب عمرها ما تتكرر..لكن طول الفترة دي،مخبي عليها كل حاجة عن حياتي..قصة الدفن،والأموات اللي بشوفهم،وإدماني،وحتى إن بشوف الدنيا من غير ألوان.
طول الـ8 سنين اللي قضيتهم مع هاجر،حسيت لأول مرة في حياتي إن فيه حاجة حلوة بتحصل..بس لما بكون معاها، الناس كانت بتبصلي بصة استغراب..هي كانت مختلفة عن أي حد تاني عرفته..ومن أول يوم شفتها في المدرسة، حسيت إن الدنيا نورت، حسيت إن فيه حد ممكن يشوفني زي ما أنا،مش زي اللي الناس بتشوفه.
في الأول كنا مجرد أصحاب،بنتكلم عادي زي أي اتنين زملاء..لكن مع الوقت،بقيت أقرب منها. 
كانت دايمًا مبتسمة،وضحكتها كانت كفاية تنسيني أي حاجة وحشة..هي الوحيدة اللي حسستني إني طبيعي، إني بني آدم زي أي حد تاني..كنا بنقضي وقت طويل مع بعض، سواء في المدرسة أو بره..كنا بنخرج شوية في الجنينة، شوية على الكورنيش،وأحياناً بنقعد في كافيه صغير ونحكي..كانت بتحب الفن والمزيكا، وأنا كنت بحب أسمعها وهي بتحكي عن اللي بتحبه. كنت بحب اشوف عينيها وهي بتلمع لما بتتكلم عن حاجة بتعشقها.
في المناسبات،كنت بحب أعملها مفاجآت بسيطة،زي مثلاً أجيبلها وردة وساعة حلوة أو حتى أكتب لها جواب صغير أحكيلها فيه عن اللي جوايا..مش هنسى مرة في عيد ميلادها، جبت دفتر صغير وكتبت فيه كل لحظة جميلة عشناها مع بعض،يومها ما كانتش مصدقة إن حد ممكن يفتكر كل التفاصيل دي.
كنت بحب آخدها أماكن هادية،نروح البحر أو نشوف الغروب سوا..في مرة وديتها مكان على البحر، وقعدنا لحد ما الشمس غابت..مسكت إيدي وقتها وقالتلي:
 - أنا معاك مهما حصل. 
الجملة دي فضلت ترن في وداني، حسيت إن كل الدنيا مفيهاش غيرها..بس مع كل الحب ده، كان فيه حاجات مستخبية،عمري ما حكيتلها عن الحادثة اللي حصلتلي، ولا عن الأموات اللي بشوفهم،ولا حتى عن المخدرات اللي ساعات بستخدمها علشان أهرب من كل ده..كنت خايف لو عرفت تبعد عني،خايف تخسرني..طول الوقت كان شبح الخوف جوايا..خايف تيجي اللحظة اللي تعرف فيها حقيقتي.
كان حبنا بسيط وجميل،كله فسح وخروجات، هدايا وأعياد ميلاد، لحد ما في يوم حصل اللي عمري ما كنت متخيله.
هاجر عرفت إني مدمن مخدرات،كنت فاكرها هتسيبني زي أي حد،لكن هي عملت العكس..اختارت إنها توقف جنبي وتساعدني أبطل..وبفضلها فعلاً قدرت أتخلص من الإدمان.
بعدها اتفقنا إني أروح أطلبها من أهلها..كنت متحمس ومستعد أبدأ حياة جديدة،لكن الصدمة إنهم رفضوني بسبب إني لسه معايا جيش.
وقتها قررت أقدم على الجيش وأخلص منه بسرعة..الغريب إن أي ورق حكومي بياخد وقت طويل،إلا أوراق الجيش خلال 3 أيام بس كانت جاهزة.
كتبتله:
-كمل انا معاك..سامعك.
لكن مردش عليا،اختفى كالعادة وسابني اسأل في نفسي،طيب هو ازاي هيدخل جيش وهو معندهوش اخوات ولاد.
رد بعد شوية وقال:
-أنا مكنتش لوحدي فعلًا،زي ما قلتلك قبل كده..كان في أصوات موجودة..بدأت همسات صغيرة في الأول،ومجرد كلام ما كنتش فاهمها..كنت أقول لنفسي إنها أوهام،وإن الحادث واللي شوفته هو اللي عمل كده..بس مع الوقت،الأصوات بقت أعلى وأوضح..كانوا بيتكلموا معايا.
حسيت بصوتهم بيقولولي: 
-ده وقتك.
وقتي..وقتي لإيه ما كنتش فاهم،بس حسيت بخوف غريب،كأنهم بيقصدوا حاجة أكبر من اللي بتخيلها.
وأكتر حاجة خوفتني،مش الأصوات..الكيانات اللي بدأت تظهر..في الأول كانوا مجرد ظلال في زوايا الأوضة،خطوط سودة خفيفة. 
بعدين بدأوا ياخدوا أشكال،وشوشهم مش واضحة،بس حاسس بوجودهم. 
أول مرة شوفتهم كان في عز الليل..كنت نايم على سريري،والنور الخافت من الشباك بيكشف الزوايا، وقتها لاحظت إن في حد واقف عند الباب..كنت فاكره حد ميت او حد من أهلي..حاولت أتحرك،أتكلم، حتى أصرخ..لكن جسمي كان متجمد بالكامل.
الشيء ده كان واقف هناك،طويل وضخم،بس ملامحه مستحيل احددهها..لما قرب مني،حسيت بخوف عمري ما حسيت بيه قبل كده،ورغم إني مكنتش قادر أتحرك،دموعي نزلت لوحدها.
بعدها..بدأت الكيانات دي تبقى أكتر ظهور..واحد عند الشباك،وواحد جنب الكرسي،وواحد دايماً ورايا..كنت أسمعهم بيتحركوا،حتى لما ببص في المرايا،أشوفهم موجودين معايا.
دلوقتي بعد السنين دي كلها..عرفت إنهم مش مجرد خيال،هما حقيقة..وهما مش هنا عشان يمشوا.."الرسالة انتهت".
فضلت أقرا الرسالة دي وأنا جسمي متجمد مكانه..عقلي مش قادر يستوعب إذا كان الشخص ده عايش كابوس مستمر،ولا في حاجة خارقة للطبيعة فعلًا بتحصل. 
حاولت أكتبله:
-إنت مش لوحدك..ان شاء الله ممكن هساعدك. 
لكنه مردش بعدها أبداً..كأن الكلام ده كان نهاية رحلته معايا.
بس الحاجة الغريبة إن في نفس الليلة..وأنا قاعد لوحدي قدام اللابتوب، حسيت بحاجة غريبة..إحساس إن في حد ورايا..وأول ما بصيت في الشاشة... شفت انعكاسهم.
بصيت ورايا بسرعة لكن مشوفتش حاجة،رجعت اقرأ الرسالة الأخيرة..الكلام ده خلاني أحس إن في لغز أكبر من اللي باين..لازم أفهم أكتر، لكن أبدا من فين...

تعليقات