رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثاني 2 بقلم نورهان ال عشري



 رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثاني بقلم نورهان ال عشري 

الإثم الثاني بعنوان " بأي ذنبٍ قُتِلت ؟ "


إلى متى يا نفسٍ ستظلِ تكتوي بلهيب عشقّ أهوج لم يجلب لنا سوى الشقاء ؟

و ما حيلة ذلك القلب العليل الموصوم بـ هوى رجلًا من دون الرِجال عِباء ! 

يتناثر الحُزن من عيناي جهرةً ولا يَلقى صدى بروحه الچدباء ! 

و الصمت بات مُضنيًا، و البوح نار موقدة قُدت حروفها من العَناء .

طيف الخديعة بمُقلتيك عابثًا و 

طُهر قلبك ماهو إلا خديعة و افتراء . 

 فلأي چنس تنتمي ؟ و لأي قبلية قد يُنتسب هذا البِغاء ؟


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


توقفت الدماء بعروقها وهي ترى تلك القطعة النسائيه المطوية بعناية بين ثياب زوجها الداخلية و كأن من وضعها أراد التأكد من أنها حتمًا ستراها.

 كانت في السابق تتجاهل جميع ظنونها عن خيانته و تلك الأدلة الخفية التي تدُسها تلك المرأة في ثياب زوجها و بين أشياؤه الخاصة مُبررة هذا الأمر لنفسها بأنها لم تُمسِك بأي دليل ملموس عن خداعه، ولكن الآن ها هي تقف وجهًا لوجه مع خيانته التي كانت القشة التي قسمت ظهر البعير لتسود الدنيا أمام عينيها و تتوجه إلى حيث يجلس في غرفة المعيشة و تقوم بإلقاء ما بيدها أمامه، وهي تقول بانفعال

_ اقدر أعرف ايه دا يا أمين بيه ؟ 


لوهلة تجمدت الحروف فوق شفتيه وهو يرى ذلك السروال الداخلي لتلك المرأة التي يُرافقها، و الذي كان دليلاً واضحًا على خيانته، فلم يعُد هُناك مجال للتملُص منها بالإضافة لإن طبيعته النرجسية تأبى عليه الاعتراف بخطئه، فقام بإمساكه بأطراف أصابعه و وضعه بجانبه فوق الأريكة وهو يقول بلامُبالاه:

_ أكيد أنتِ عارفة ايه دا من غير ما أقولك.


اذهلها جموده ولا مُبالاته فاهتاج غضبها لتثور صارخة

_ أنت بتستهبل، ولا عايز تجنني ؟ بتاع مين دا؟ و ايه اللي جابه في هدومك؟ 


تنازل و رفع رأسه يُطالعها بصمت قبل أن ينصب عوده مُتوجهًا إليها قائلًا بجمود :

_ مش من حقك تسأليني عن حاجه، ولا أنا مُجبر أجاوبك على حاجه.


باغتتها إجابته التي جعلت البهوت يلون معالمها و الصدمة تتخلل نبرتها حين قالت:

_ مش من حقي أسألك؟ 


كانت خطته الشيطانية تسير على ما يُرام ليُتابع بحدة:

_ طبعًا مش من حقك تسألي. لما تبقي ست زي باقي الستات تبقي تسألي، لما تبقي ست قادرة تملى عين جوزها يبقى وقتها ليكِ الحق إنك تهدي الدنيا مش تسألي بس.


انهالت كلماته فوق قلبها كالحجارة ؛لتتدلى عبراتها من بين مآقيها و لسانها يُردد بعدم استيعاب:

_ انا مش ست مالية عينك يا أمين؟ 


لم تكد تُنهي جملتها حتى جذبتها يديه بغته لتضعها أمام مرآة في أحد جوانب الغرفة وهو خلفها يبثها كلماته المسمومة كشيطان مريد:

_ بصي لنفسك كدا. مبهدلة، وحشة، تخينة، ريحتك تقرف، نكدية، دي واحدة تملى عين راجل! 


كانت كلماته تتناقض مع مظهرها في المرآة ولكنه كان يتفنن في طمس كل ماهو جميل بها ليُبرر أفعاله الدنيئة ،و ليُرضي غروره المريض، و طبيعته النرجسية، و قد انساقت خلف وسوساته التي لطالما زرعها في عقلها لتُصبِح أمام عينيها حقيقة مؤكدة رغم زيفها.


_ سكتي ليه ؟ شوفتي بقى إن انا اللي مظلوم معاكِ ؟ شوفتي بقى أنك مش من حقك تسأليني ولا انا مُجبر أبررلك أي حاجه بعملها، مش كفايه صابر عليكِ، و مش قادر اخد اي موقف منك عشان ولادي، و عايش راضي بالقرف دا كله و متحمله بردو عشان ولادي، و عشان العشرة اللي بينا . والله حرام عليكِ. يا شيخة أنتِ ايه ؟ ارحمي بقى. 


تعددت أنماط النرجسية بالنسبة للرجُل، ولكن المُثير للدهشة أنه يُبدع في قلب الأدوار و إلقاء اللوم على ضحاياه، بل أنه يُصدِق تلك الادعاءات مما يجعله مُقنعًا بدرجة كبيرة للحد الذي يجعلهم يُصدقوا إدعاءاته بل و يشرعون في مُعاقبة أنفُسهم كونهم الطرف السيء من العلاقة، و هذا ما حدث معها فقد رأت بنفسها ما يُريدها أن تراه، و غفلت عينيها عن حقيقة ماهي عليه لينتفض جسدها ألمًا و تحترق روحها قهرًا بينما تركها هو ليدلف إلى داخل الغرفة ليغفو بسلام تاركًا ضحيته تعاني من آلام مُبرحة قد تترك أثارًا لا يُمكن محوها بسهولة.


اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر. اللهم افتح علينا أبواب رزقك الحلال من واسع فضلك واكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك. اللهم أيقظني على رزق لم أتوقعه وعلى خير لم أفكر به وعلى تحقيق أمنيات ظننت أنها مستحيلة.♥️


★★★★★★★★ 


_ بابا أرجوك مترهقش نفسك الدكتور قال إن الكلام الكتير غلط عليك.


هكذا تحدثت «شروق» بقلب مُلتاع وهي ترى والدها بين الحياة و الموت ولكنها لا تعلم بأن تلك اللحظات هي الأثمن في حياة والدها لأنها الأخيرة، و هذه الكلمات التي يود إخبارها بها تأخرت لأكثر من عشرون عامًا، ولم يعُد هُناك مجال لتأجيلها أكثر.

_ مبقاش في وقت يا بنتي اللي هيتأجل دلوقتي هيموت العمر كله، و عشان كدا عايزك تسمعيني و تبطلي تقاطعيني. 


 تحدث «صابر» بوهن فامتثلت «شروق» لرجاءه و اومأت برأسها، فتابع «صابر» بنبرة أثقلها التعب:

_ انا بعت جواب لأهل أمك و عرفتهم مكانك أنتِ و أختك. آن الأوان تعرفوا أهلكوا يا بنتي. 


شهقت «شروق» مُستنكرة:

_ بتقول ايه يا بابا؟ أهل مين ؟ مش دول الناس اللي ظلموا أمي زمان! عايزنا نروح برجلينا للي أمي هربت منهم! 


« صابر» بغضب:

_ بطلي عند واسمعيني. الناس بتتغير، و أمك هربت عشاني، و خلاص هي ماتت. دول ضهركوا و سندكوا دلوقتي. عايز أموت و أنا مطمن عليكوا يا بنتي. 


«شروق» بعناد مُستميت كان سلاحها في مواجهة خوفها المُضني من فقدان والدها:

_ هتعيش يا بابا. بإذن الله هتقوم بالسلامة، و هنرجع نكون سوى زي الأول. 


لم يجد مفرًا من إجبارها لذا هتف بكل ما يمتلك من قوة:

_ قولت اسمعي الكلام. ليكوا ورث عندهم بتاع أمك، و ليكوا عيلة على الأقل تعيشوا في حماهم بدل ما الدنيا تخبط فيكوا وأنتوا بنتين لوحدكوا. الموت علينا حق يا بنتي، و أنا عارف ان خلاص قرب اوي. دي وصيتي ليكِ يا شروق. نفذيها يا بنتي. خليني أموت وانا مرتاح. 


كانت تود الصُراخ حتى ترتج الجدران من فرط ألمها، ولكنها كممت أصوات عذابها و قالت مُذعنة :

_ حاضر يا بابا. أنت قولتلهم ايه بالظبط؟ 


_ " سعاد هانم. معرفش جوابي دا هيوصلك ولا لا؟ بس لو شوفتيه . كنت عايز افكرك بلحمك اللي رمتيه زمان، و دوستي عليه لمجرد أنه قرر يختار حياته بنفسه. نسمة بنتك اللي اتبريتي منها عشان حبت و اختارت شريك حياتها خلفت بنتين زي القمر شروق و جميلة. للأسف نسمة توفت من خمس سنين، و لما طلبت منها اني ابعتلك تشوفيها قالتلي أمي نسيت أن كان ليها بنت من الأساس. بنتك ماتت موجوعة منك، و أبسط شيء تعمليه أنك تحافظي على اللي باقي منها. انا صابر النجار جوز نسمة الله يرحمها. متفكريش اني طمعان فيكِ. انا خلاص بموت، و كل اللي عايزه منك تحافظي على بناتي و متسبيش كلاب السكك تنهش في لحمهم، ولولا تعبي مكنتش فكرت ابعتلك. معرفش الدنيا عملت فيكِ ايه؟ ، ولا قلبك فاق من غفلته ولا لسه؟ لكن عندي أمل انك تصلحي أخطاء الماضي، و تحتضني البنتين دول، يمكن لما تقابلي وجه كريم و تقفي أنتِ و نسمه قدام ربنا تكون قادرة تسامحك وقتها. عنوانهم في ضهر الجواب، و ياريت بلاش نبيلة تعرف حاجة عن الجواب دا لو مش هتقدري تحمي بناتي منها. كفاية أوي اللي عملته في أمهم زمان. "


ارتجفت أناملها المُمسِكه بالورقة، و انهمرت عبارات الأسى و الندم من مقلتيها، فقد كان كل حرف مطبوع في تلك الورقة يُذكرها بذنبها العظيم و مصابها الأليم، فقد توفت ابنتها الوحيدة بعيدة عنها ناقمة عليها.

 أهة موقدة بلُظى الندم شقت جوفها حين تذكرت جبروتها بيوم من الأيام ضد أعز الناس على قلبها، فقد كانت تظُن بأن قوتها و شبابها سيدوم إلى الأبد، ولكن هاهي نفس المرأة ولكن بجسد قعيد و قلب اهترأ من فرط آثامه و تلك الذنوب التي تُرهِق كاهلها لتأتي تلك الرسالة، و تُضيف إثمًا آخر إلى وعاء ذنوبها الغير قابلة للغفران إلا لو حاولت تصحيحها.


انقضت عدة ساعات وهي تحاول التغلُب على أحزانها لتُعيد ارتداء قناع القوة من جديد وتُقرر ما عليها فعله، فقامت بإلتقاط الهاتف و إجراء مكالمة عاجلة ليأتيها الرد من الطرف الآخر:

_ أيوا يا تيتا


«سعاد» باستفهام:

_ أنت فين يا عمر؟ 


«عمر» باختصار:

_ في المستشفى. في حاجه؟ 


_ لما ترجع عدي عليا عيزاك في موضوع مهم . 


«عمر» باختصار:

_ حاضر.


أنهى المكالمة مع جدته ثم التفت الى «محمود» صديقه قائلًا بتهكُم :

_ ها يا سي روميو.رجعت لعقلك ولا لسه ؟ 


«محمود» بسخط:

_ عمر أنت مش فاهمني؟ بقولك بحبها؟ 


استند بثقله على المقعد خلفه قبل أن يقول باستخفاف:

_ ليه بتحبها؟ 


«محمود» بحنق:

_ هو في كدا؟ دا سؤال أصلًا !


واصل استخفافه من حديث صديقه قائلًا:

_ في حكمة قديمة بتقولك الحبّ وهم يصوّرلك أنّ امرأة ما تختلف عن الأخريات، و عشان كدا عايز اعرف منك ايه المُميز فيها ؟ تفرق ايه عن غيرها!


تدخل «أمجد» صديقهم بسخرية :

_ أسئلتك غريبة يا عمر بصراحة! 


اجابه «عمر» بتعقُل:

_ لا مش غريبة . طريقة تفكيركوا هي اللي غريبة. دا واحد دكتور، و من عيلة كبيرة، مكانته مرموقة وسط الناس، و دي بنت عادية في كل شيء. تعليمها، بيئتها، عيلتها. في اختلاف كبير بينهم في الطبقات و المستوى المادي و الاجتماعي و بالتالي في اختلاف كبير في الطباع. عمره ما هيقدر يتكيف معاها و العكس بالنسبالها. 


صمت لثوان قبل أن يستفهم باستنكار :

_ ليه يحكم على نفسه أنه ياخد حد أقل منه ؟ و يسمح لشعور تافه زي دا يحكم عليه أنه يدخل في علاقة غير متكافئة زي دي مصيرها الحتمي هو الفشل.


تدخل «مصطفى» صديقهم الآخر باندهاش:

_ ليه تحكم عليها بالفشل لمجرد أنهم من بيئتين مختلفتين يا عمر؟ انت مُتعنت في حكمك أوي. جوازات كتير زي دي نجحت. 


تخلل نبرته غرور كان دائمًا يُلازمه حين أجاب «مصطفى»:

_ مش مُتعنت ولا حاجه. أنتوا اللي غير منطقيين، ليه تقبل على نفسك ان شريكة حياتك تكون أقل منك، و متقوليش الحب. الاختلاف بينكوا قادر اصلا يموت أي شعور بينك و بينها وقتها نرجع نقول ياريت اللي جرا ما كان!


«محمود» مغلولًا من نمطية تفكيره التي تُذكره بمصيبته الكبيرة مع عائلته :

_ أفهم من كدا يا حضرة المتحدث الرسمي للمنطق انك لو حبيت واحدة أقل منك هتسيبها عشان الهبل اللي قولته دا! 


فاحت رائحة الكبر من بين كلماته حين قال:

_ و اسمح لنفسي ليه اني اقع في فخ الحب مع واحدة مش مناسبة ليا؟ يوم ما هاجي أختار هختار انسانه مناسبة ليا تصلُح تكون زوجة افتخر بيها وسط أهلي و المجتمع اللي انا منه، و الحب كدا كدا بييجي بعدين. 


صمت لثوان قبل أن يقول بوقاحة:

_ و بعدين يا رجالة حتى لو محبتهاش كدا كدا أول ما النور يتطفى الستات كلهم بيبقوا زي بعض. 


قيل سابقًا بأنه إذا حلّ القدر عمي البصر، فما هو مصير من ظنوا يومًا بأنهم مُسيرين وأن أقدارهم رهن إشارتهم؟ وذلك الذي ظن بأنه يملك زمام قلبه، و نسى بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلبهمَا كيفما يشاء هل سيستطِع تجاهل ما سخر منه سابقًا ؟ أم سينضم إلى صفوف العاشقين مُرغمًا لا حيلة له ولا مفر ؟ 


اللهم ارزقني الرضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهرًا ولا تصعب لي حاجة ولا تعظم عليّ أمرًا، اللهم لا تحني لي قامة ولا تكشف لي سترًا. اللهم إن عصيتك جهرًا فاغفر لي، وإن عصيتك سرّاً فاسترني، اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همّي، اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي ولا في مالي ولا في أهلي♥️


★★★★★★★★★★


يجني الإنسان ما زرعته يداه، و أن كان شوكًا كان هو أول من تأذى منه، و في كثير من الأحيان خطأ واحد من شأنه أن يُبدل الورود إلى صبار قاس لا يرحم، ولا يُمكن التبرأ منه، فحين ينطلق السهم فهو يُصيب ولا يُفرق بين الجان و الضحية.


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


جاء الصباح مُغبرًا مليئًا بالألم الدامي الذي كان يعج به جسدها، كما تفشت به الجروح و الكدمات التي كانت أضعافها بقلبها، و خاصةً حين تذكرت ما حدث بالأمس.


عودة لليلة الماضية


تفاجئت حين انقض عليها يُقبلها بنهم دون أي مقدمات مما جعل جسدها يرتجف فزعًا لتحاول مقاومته دون جدوى، فقد كان كالوحش الذي لا يرى ولا يسمع فقط يُريد الفتك بفريسته، و كأنه يُريد انتزاع مُعجزته من جسدها الضئيل، ولكن ما نفع الماء فوق تربة قاحلة، عقيمة غير مُثمرة؟ لن تنتج ولو غمرتها جميع مُحيطات العالم.


أخذت صرخاتها تعلو مثلما كان توتره يزداد وهو يحاول تأدية دوره كرجل غير عابئ بألمها ولا تخبُطها لتبوء جميع محاولاته بالفشل، فخرجت منه صرخة غاضبة افزعتها وهو يصيح كالمجانين:

_ اخرسي بقى. 


أخذت ترتجف أسفله تُناظره و كأنه وحشًا تخشاه بشدة، فتعاظم جنونه، و علق شماعه اخفاقه المُخزي على تلك المسكينة ليقوم برفع كفه و صفعها بقوة وهو يصيح بصوت اهتزت له جدران الغرفة:

_ مش عارف اعمل حاجه منك. أنتِ السبب.


تعالت شهقاتها جراء حديثه و كذلك رعشة جسدها، فهتف بتحذير :

_ أسكتِ. 


لم تسمعه فقد كانت ترتجف و تبكي رغمًا عنها، و لسوء حظها فقد دفعه مظهرها إلى الجنون أضافة إلى شعوره القاسي بالنقص ، فقام بالانقضاض عليها باللكمات و الضربات المتلاحقة بيد و بالأخرى كان يُكمم فاهها حتى لا يخرج صوت استغاثتها، وهو يُردد كالمجنون:

_ أنتِ السبب. أنتِ السبب.


غريزة البقاء كانت تدفعها لمقاومته بكل ما أوتيت من قوة لتنجح في غرس أسنانها في جلد كفه، ليتراجع عنها لاهثًا و هو ينظر إلى أثار عضتها فيجن جنونه و يقوم بتوجيه ضربة عنيفة إلى جزئها السُفلي لتخرُج من فمها صرخة قوية وهي تناظر ذلك المجذوب الذي أخذ يُحطم كل ما تطاله يداه وهي مُلقاة أرضًا كالذبيحة التي فقدت كل اتصال لها بالحياة حين رأت تلك المرأة عنايات التي ظنت أنها ستنقذها من بين براثنه و إذا بها تِطلق زغرودة قوية و كأنها تعلن عن فرحتها بما فعله ابنها بهذه المسكينة. 


عودة للوقت الحالي


أخذت تبكي من فرط الألم الداخلي و الخارجي لتجد تلك المرأة عنايات تقترب منها وهي تقول بسماجة:

_ عاملة ايه يا عروستنا؟ كدا بردو حد يعمل اللي عملتيه دا ؟ 


برقت عيني «غنى» المتورمتان من كلمات المرأة التي تابعت بتقريع:

_ هي أمك مقالتلكيش تتعاملي مع راجلك ازاي ولا اي؟ 


برقت عينيها ذهولًا من حديث المرأة فهتفت ببهوت:

_ انا. انا. معملتش حاجه. 


شهقت عنايات بطريقة سوقية قبل أن تقول بتهكم:

_ يا بت ! طب عيني في عينك كدا! بقى يا هبلة مش عارفه تتدلعي و تجيبي جوزك على بوزة في ليلة دخلتكوا؟ عاجبك اللي حصل فيكِ دا؟ 


تناثر الدمع من بين عينيها قهرًا، فما أصعب أن تكُن الضحية و تُلام على دناءة الذئاب. 


ارتدت قناع الحنان وهي تقترب منها و تُملس على جبهتها وهي تقول :

_ بتعيطي ليه يا هبلة؟ هو أنتِ فكرك انك أول واحدة تضرب ولا آخر واحدة ؟ دي البيوت ياما فيها، و بعدين أنتِ اللي غلطانه عصبتيه، و الراجل في الأمور اللي زي دي مبيتفهمش!


كانت تتعمد اللعب بحديثها فتارة تشتد نبرتها و تارة ترخي حبال الكلمات حتى تتشرب الضحية سموم نواياها ولا تعطي فرصة لأي ظنون في التلاعب بها :

_ بس أنا عارفه انك بت جدعة، و ملكيش في اللوع، و مصدقتش أي كلمة من اللي ولاد الحرام قالوها عنك أول ماجيت اخطبك، و أنك بت من إياهم. مانا بردو ليا نظرة.


كانت تُشير بحديثها إلى قصة عشقها الذي قُتِل دون أن يتردد صداه في الأرجاء، فلم تُعطيها المرأة الفرصة للتفكير حين تابعت بنبرة ذات مغزى:


_و عشان كدا هتوسطلك عند رأفت يسامحك. أنتِ بردو زي بنتي. لكن اسمعي احنا هنا لينا قوانين . أنتِ في بيت عبد الحفيظ الصباغ، و هنا لو اتقتل قتيل محدش بره بيعرف. لا تقوليلي أمي ولا خالتي، فهماني طبعًا يا غنى؟


فهمت المغزى خلف حديثها الذي لم يكُن يُقارن أبدًا بنظراتها المُحذرة و ملامحها المُخيفة، و في تلك اللحظة علمت بأنها علقت للأبد في شباك أُناس لا تعرف الرحمة سبيل إلى قلوبهم.


طرق خافت على باب الغرفة جعلها تنتفض خوفًا، و خاصةً حين أطل «رأفت» برأسه إلى الداخل وهو يقول بنبرة خافتة :

_ خالتي صابرين تحت. جاية تصبح علينا. 


تفاجئت «غنى» حين هتفت عنايات بتهليل:

_ يا ألف مرحب. تيجي تنور. بيتها و مطرحها. صباحية مباركة يا عرسان.


قالت جملتها وهي تلتفت إلى« غنى» تُناظرها بأعيُن التمع بهم التحذير الذي خالط نبرتها حين قالت:

_ كدا ولا ايه يا غنى ؟ 


لم تستطِع فعل شيء سوى إيماءة بسيطة من رأسها و بصدرها آهات تتناحر للخروج إلى العلن، ولكنها قمعتها مُزعنة لما آل إليه حالها. 


هبطت عنايات الدرج متوجهة إلى شقتها وهي تُطلِق الزغاريد في وجه الجميع و خاصةً زوجات أشقاء زوجها. ثم تقدمت إلى حيث تجلس «صابرين» و حولها اقاربها من النساء لتحتضنها و تقبلها بطريقة سوقية وهي تقول بتهليل:

_ أهلًا بنسايبنا الغاليين. أنستونا و شرفتونا. 


تبادلت النساء العناق و السلامات لتقول «عنايات» بجانب أذن «صابرين»:

_ عيزاكِ لوحدنا. 


شعرت «صابرين» بالقلق من طلب عنايات لتهمس قائلة :

_ في حاجة ياختي؟ 


لم تُجيبها عنايات إنما حدجتها بنبرة لائمة ثم انخرطت في الترحيب بالزائرين و توزيع واجب الضيافة إلى أن استجابت لفضول المرأة أخيرًا بعد أن تعمدت أن تُطيل الوقت حتى تجعلها تقع فريسة للقلق كطاهي يترك طبخته تنضج على نار هادئة هذا هو ما فعلته تمامًا معها.

_ في ايه يا أم رأفت قلقتيني ياختي؟ 


«عنايات» بلوم:

_ كدا بردو يا أم غنى؟ تضحكي عليا و تخدعيني بالشكل دا ؟


«صابرين» بذُعر:

_ يالهوي كذبت عليكِ في ايه؟ والله ما حصل !


«عنايات» بتخابُث:

_ لما المحروسة بتك بتحب واحد و على علاقة بيه مقولتليش ليه لما جيت أخطبها ؟ 


ارتجفت أوصال «صابرين» من حديث «عنايات» المسموم، و ارتجفت الحروف خزيًا فوق شفاهها لتحاول نكران هذا الحديث قائلة :

_ كلام . ايه دا. يا حاجه ؟ انا. انا بنتي ملهاش في الحوارات دي. بنتي متربية، و الكلام دا كذب


قاطعتها «عنايات» قائلة بنبرة قاطعة؛

_ لا ياختي الكلام مش كذب. بتك كانت بتحب واحد اسمه ياسر، و كانت ماشية معاه و كل الناس عارفين. الا أحنا. لا و الهانم مكفهاش كدا و بس دي كمان قالت لجوزها في وشه أنها مش عايزاه و مغصوبة عليه و بتحب واحد تاني غيره! 


شهقة فزع شقت جوف «صابرين» حين استمعت إلى حديث «عنايات» المسموم، والتي تابعت بنبرة ذات مغزى:

_ انا حاسة بيكِ، و بالرغم من أن كسرة ابني مش سهلة يا صابرين. بس أنا شمتيني كتير و مش هخرب بيت ابني بسبب عيلة طايشة زيها. 


اهتاجت «صابرين» من فرط الخوف و الغضب لتهتف بقسوة:

_ لا خراب بيت ايه ؟ انا هكسر دماغها قليلة الحيا دي. 


وصلت أخيرًا إلى ضالتها لتقول بنبرة زائفة الحزن:

_ لا متقلقيش ياختي هي خدت اللي تستحقه.


«صابرين» بفزع:

_ تقصدي ايه؟


«عنايات» بحدة:

_ أقصد أن ابني راجل ياختي، و الراجل لما يسمع من مراته البوقين دول ليلة فرحه اكيد هيعيد تربيتها من أول و جديد. 


«صابرين» بلهفة و قلبي ينتفض خوفًا :

_ عمل فيها ايه؟ 


«عنايات» بلامُبالاة:

_ علقة صغيرة متخافيش اوي كدا. المهم تعقلي بنتك و توريها العين الحمرا، وانا عشان خاطر دي ولية واحنا بردو عندنا ولاية هحاول أطيب خاطر رأفت و أهدي الدنيا بينهم. 


كانت كلمات «عنايات» تطن برأس «صابرين» التي كسى الحزن و الخجل وجهها ليُناظرها زوجها باستفهام حين أطلت عليهم، و لكن «عنايات» لم تُمهلهم الفرصة للحديث فقد صاحت بصوتها الرنان:


_ يالا يا حاج عشان نطلع نصبح على العريس و العروسة فوق. 


تبعها والد «غنى» و زوجته و صعدوا معها إلى الأعلى لتُدخلهم «عنايات» إلى غرفة الصالون وهي تقول :

_ اتفضلوا اقعدوا على ما استعجل العرسان. 


ما أن خرجت من الغرفة حتى التفت «مرزوق» إلى زوجته قائلًا باستفهام:

_ مالك بعد ما رجعتي من الأوضة التانية أنتِ و الست عنايات وشك قلب كدا ليه؟ 


احتارت بماذا تُجيبه، ولكنها مُجبرة فمن المؤكد سيعلم ما أن يراها :

_ بنتك يا مرزوق حطت راسنا في الطين. 


«مرزوق» بصدمة :

_ بتقولي ايه يا ولية يا خرفانه أنتِ ؟ عملت أية بنتي؟ 


قصت له« صابرين» ما حدث ليشعُر «مرزوق» بالدماء تغلي في أوردته، فما فعلته ابنته خطأ لا يُغتفر:

_ تعالى يا رأفت سلم على حماك و حماتك. 


دلف« رأفت» بمظهر لا يليق به، و بحقيقة فعلته الدنيئة فقد صافحهم باحتقار وكأنه صدق بأنه الطرف المظلوم هنا ليشعُر «مرزوق» بالخزي، و يقول بجفاء:

_ ممكن ادخل لبنتي؟ 


لم يُجبه «رأفت» فهتفت «عنايات» بلهفة:

_ طبعًا أومال ايه ؟ بيتك و مطرحك . مش كدا يا رأفت ؟ 


لم يُجيبها «رأفت»، ولكنه كان يُنفذ أوامرها بدقة ليصُب الوقود على البنزين و يدلف «مرزوق» إلى غرفة ابنته بوجه مُكفهر و ملامح تُنذِر بالسوء، ولكن من شدة كربها لم تُلاحظ ذلك، فقد كان مجيء والدها كالقشة التي يظُن الغريق بأنها نجاته، فهتفت بلهفة:

_ بابا. 


ثم توجهت بأقدام ترتجف و خطوات متعرجة بفعل ذلك الضرر الذي لحق بجسدها لتحتضنه فإذا به يُباغتها بفتور و جمود لم يُبدده بكائها ولا إنتفاضها بين يديه لتتراجع الى الخلف وهي تقول بنبرة جريحة:

_ بابا.


أخطأت بظنها بأن ذلك الرجل «رأفت» قد قتلها، فقد جاءت صفعة والدها كسكين باتر انغرز في قلبها، و تلك الكلمات المُحتقرة التي سقطت كالسوط على جسد مُبتل بمياة الغدر :

_ بابا يا كلبة يا رخيصة. بابا اللي حطيتي راسه في التراب منك لله. ياريته كان قتلك و خلصني من عارك. 


نالت معدتها لكمة قوية من قدمة جعلت جسدها يتلوى من فرط الألم، لتخرُج نهنهاتها المصحوبة بآهات ألم كان منبعه قلبها لينتفض قلب «صابرين» و تدفعه بعيدًا عنها وهي تنهره قائلة:

_ حرام عليك. البت هتموت في ايدك. 


في الخارج حين سمع «رأفت» صوت استغاثتها انتفض من مجلسه قائلًا بذُعر:

_ ماما هو هيموتها ولا ايه ؟ 


ربتت «عنايات» فوق كتفه قائلة بمكر:

_ لا يا عين أمك. ده بيربيها. أصلها ناقصة ربايه، و عايزه يتكسرلها الأربعة و عشرين ضلع عشان تعيش تحت طوعك العمر كله. 


«رأفت» بعدم فهم :

_ تقصدي ايه يا ماما؟ 


«عنايات» بخُبث:

_ بعدين هفهمك.


أنهت جملتها ثم هرولت إلى غرفة «غنى» التي كانت تنتفض كالطير الذبيح بين يدي «صابرين» لتقوم «عنايات» بدفع «صابرين» و جذبها إلى داخل أحضانها وهي تقول بلوم:

 _ كدا بردو يا حاج؟ دا اسمه كلام ؟ تضرب مرات ابني في بيته ؟ 


«مرزوق» بانفعال:

_ دي كلبة لازم تندفن بالحيا قبل ما تجيبلي العار. 


شهقت استنكار زائفة خرجت من فم «عنايات» التي غلفت خداعها بنبرة لائمة وهي توجه حديثها إلى «صابرين»:

_ كدا يا صابرين. دا بردو العشم بقى انا اتفك معاكِ بكلمتين تقومي تجري تقولي للحاج. طب دا وحياة سيدنا النبي ما حد يعرف البوقين دول غيرك، ولا حتى الحاج عبده اللي مبخبيش عليه النفس.


شعر «مرزوق» بالإمتنان لكونها تسترت على ابنته ليقول بنبرة جافة:

_ شكرًا يا ست أم رأفت. انتِ ست تعرفي في الأصول. 


«عنايات» بتخابُث:

_ دي بتي يا حاج مرزوق، و لو مكنتش استر عليها مين يعمل كدا ؟ روق دمك أنت بس و اطلع اشرب الشربات مع رأفت بره، و كل حاجه هتبقى زي الفل. 


«مرزوق» بخزي:

_ معلش. خليها مرة تانيه. احنا هنروح دلوقتي. يالا يا صابرين.


أنهى جملته و توجه إلى الخارج و خلفه «صابرين» التي كان قلبها يتمزق من حزنها على طفلتها التي كانت تنتفض من فرط الألم و الكسرة التي شعرت بها بعد ما فعله والدها الذي من المُفترض أن يحميها و ينتزعها من بين يدي الذئاب و إذا به يتركها كفريسة سهلة بين براثنهم.

_ شوفتي بقى يا غنى يا حبيبتي. في النهاية مبقاش ليكِ غير ماما عنايات و بس.


اللهم أعذني من الشيطان، اللهم أجرني من الشيطان، اللهم احفظني من الشيطان، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم احفظني من مكايد الشيطان♥️


★★★★★★★★


أسوء أنواع الطعنات و أكثرها بشاعة هي التي تأتيك من مسافة الصفر، أي أقرب نقطة إليك . التي وضعت بها غاليًا ظننت وفيًا لا يخون، فصنع من حسن ظنك به خنجرًا كان هو أداته لقتلك دون أن يرف له جفنًا من الرحمة.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


يحدُث أن تجعلك الصدمة تفقد كل إتصال لك في هذا العالم، فمن وثقت به و أعطيته ظهرك هو من قتلك بسكين الغدر لتقف عاجزًا وتتوقف جميع حواسك عن العمل، هذا كان حاله في تلك اللحظة وهو يرى زوجته حبيبته بين أحضان رجل آخر!


كان يقف في العزاء كجسد بلا روح فقد اُزهِقت روحه بلا شفقة ولا رحمة من تلك التي آمن لها يومًا، و الآن مرت ثلاث أيام على ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يزال يتذكر تفاصيله كما لو أنها حدثت الآن 


عودة لما قبل ثلاث أيام 


كان يقف كتمثال من حجر يُشاهِد ما يحدُث بصمت و كأن عقله ينفي أن كل هذا الهُراء يعنيه، فلم يلتفت لتلك الضربات التي أخذ شقيقها «مطاوع» يُكيلها لها ولا ذلك السُباب الذي أمطرها به فقط كل ماجذب انتباهه هو صُراخها باسمه الذي كان أول شيء يُعيده إلى أرض الواقع، و فجأة اخترق أذنيه صوت رصاص كان خارجًا من سلاح «مطاوع» الذي هتف بشراسة:

_ موتي يا فاچرة. أنتِ و عشيجك الكلب.


صرخات استغاثة و طلقات نارية و دماء تناثرت في كل مكان تلاها صمت مُطبق لم يقطعه سوى صوت «مطاوع» الذي صرخ مُتألمًا :

_ رحيم. فوج يارحيم. دي كلبة متستحجش راچل زيك. 


عودة للوقت الحالي .


انتهى واجب العزاء فتوجه إلى الداخل بأقدام هُلاميه و قلب ينزف و عقل لا زال غير مستوعب ما حدث، ولكن الحياة لا تتوانى عن صفعنا بقوة حتى نستفيق من غفلتنا فقد توقف في منتصف الرواق حين سمع صوت زوجة عمه و والدة زوجته الراحلة وهي تهتف بقسوة:

_ اني بدي اعرِف بتي ماتت ازاي يا مطاوع؟ مش داخل عليا السكتة الجلبية دي! دا انت حتى مرديتش تخليني احضر غُسلها ولا اكفنها بيدي.


زمجر «مطاوع» بحنق:

_ عدي يومك يامه، و احمدي ربنا أنها غارت في داهية.

«سكينة» بصدمة:

_وه. كيف تجول على خيتك اكده. اني حتى مشوفتش دمعة واحدة من عينيك عليها. 


«مطاوع» بجفاء:

_ و لا هتشوفي.


صرخت «سكينة» بانفعال:

_ ليه؟ مش لو كان هو اللي انخفى و غار في داهيه كان زمانك مموت روحك عشانه. 


هتف «مطاوع» بنفاذ صبر:

_ ملكيش صالح برحيم يامه. سيبيه باللي هو فيه.


«سكينة» بصراخ:

_ مش هسيبه ألا لما اعرِف حنان ماتت ازاي؟ 


زمجر «مطاوع» بشراسة:

_ متچبيش سيرتها على لسانك. الله يحرجها مطرح ما راحت. 


«سكينة» بصدمة:

_اكده يا مطاوع؟ بتجول على خيتك اكده؟ مش دي اللي عاشت عمرها تحت رچلين صاحبك، و دارت على عچزه، و جبلت أنها تتحرم من الخلفة لجل ما تداري عنه. 


لم يحتمل «مطاوع» كل هذا التجني في حق صديقه و ابن عمه فصرخ بانفعال:

_ بتك خاينة، واني اللي جتلتها. 


تراجعت «سكينة» إلى الخلف من فرط الصدمة التي جعلتها تهتف بلا وعي:

_ بتجول ايه؟


«مطاوع» بقسوة:

_ اللي سمعتيه. بعيني شايفها أني و رحيم في حضن عشيجها، واني اللي غسلت عاري و جتلتهم سوى، و لو مش خايف على سمعة الوتايدة و رحيم كنت رميتها للديابة تنهش جتتها. ارتحتي اكده؟ 


لم يكُن يعلم بأن كلماته كانت كالخناجر التي تلاحقت بصدره فقد استفاق من حالة الصدمة التي اعترته ليشعُر بحرائق تنشب في صدره، فأخذ يتراجع إلى الخلف ينوي الأخذ بثأره، ولكنه توقف في أسفل البهو وهو يُخبِر نفسه بأنها رحلت. تلك الخائنة ماتت دون أن يقتص منها ما فعلته به. 

كان الألم أبلغ من اي وصف، يفوق تحمُل البشر مما جعله يصرُخ حتى انجرحت أحباله الصوتية :

_ حنااااان. 


تكالبت عليه جميع أوجاعه إضافة إلى ذلك الخزي الذي شعُر به ليجد نفسه يهرول إلى سيارته و ينطلق نحو الجبل. لا يعلم إلى أين سيذهب، ولا متي سيعود؟ فقط يُريد الاختفاء حتى تخمد تلك الحرائق، و يهدأ هذا الألم الدامي، فاتخذ من أحد الكهوف ملجأً له، فصار يبكي و يبكي مُطلقًا العنان لنهنهاته أن يتردد صداها في ذلك الكهف المُظلِم حتى اخترقت أسماع الخفير «شعبان» الذي كان يظن بأنه حزين على زوجته و قد تألم قلبه على ما ألم بسيده لذا اقترب منه قائلًا بتعاطُفـ:

_ وحد الله يا عمده. محدش فينا له في نفسه حاچة. 


كان في حالة لا تسمح له لسماع شيء، فقد كان ضائع في غياهب أحزانه و آلامه ليُتابع «شعبان» قائلًا :

_ طب عايز ايه واني اعملهولك لچل ما تهدى. 


كان يشتهي الغياب عن الواقع. أو بمعنى أصح الهروب من ذلك الألم الذي على وشك الفتك به لذا همس دون وعي:

_ عايز انسى. عايز مفكرشي.


طرأت فكرة هوجاء في عقل« شعبان» الذي نظر إلى تلك القنينة في جيب سترته فتراجع إلى الخلف و هو يُقلِب أفكاره داخل رأسه إلى أن هتف قائلًا بنفاذ صبر:

_ واني هضره يعني ! اني هريحه شوي، و بكرة لما يفوج مش هيفتكر حاچة. 


هكذا اقنع نفسه وهو يجلب أحد الأواني الفخارية التي يوضع بها الماء و قام بسكب نصف قنينة الخمر خاصته ثم أخذ يرج الآنية بقوة حتي يختلط الخمر بالماء ليقترب من «رحيم» وهو يقول بتوتر:

_ رحيم بيه. خد بل ريجك بشويه مية. 


كان قد جف حلقه من فرط البكاء و الصُراخ ليتناول الآنية الفُخارية من يد «شعبان» و يقوم برفعها فوق فمه لينهل من المياة بنهم علها تُطفيء تلك الحرائق بداخل صدره.


اللهم أبدل قلقي سكينة وهمي انشراح وسخطي رضا وخوفي طمأنينة وعجزي قدرة وحزني فرح و ضيقي سعة وعسري يُسر وضعفي قوة. اللهم لجأتُ إليك بحزني، همي ضيقتي و خوفي اللهم فاستبدل كل حزني بسعادة تنسيني بؤسي وقلة حيلتي. اللهم آمن خوفي واشرح صدري وفرج واشر همي وبدل حزني فرحا.♥️


★★★★★★★★★


_ بت يا نجاة . جومي چبيلي الأعشاب اللي جولتلك عليها يا بت. 


هكذا هتفت «بدرية» والدة« نجاة» التي كانت تجلس على أحد الأرائك الباليه تنظر إلى نفسها في المرآة بأعجاب، وهي تتذكر ذلك البطل الوسيم الذي رأته في تلفاز أحد البيوت التي تخدم بها لتنفخ بضيق وهي تقول بملل:

_ حاضر يامه. بس استني النهار يشجشج. هخرچ في نصاص الليالي أكده ازاي ؟ 


«بدرية» بتقريع:

_ فزي جومي يا به. لاهو أنتِ رايحة تجطفي الزرع! أنتِ راحة تسرجي. جومي يالا، و بعدين هي أول مرة يعني ؟!


زفرت «نجاة» بغضب و ارتدت عبائتها السوداء التي كانت تُغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها، و أيضًا كانت فضفاضه تُخفي جسدها الذي كان ملفوفًا كالفاكهة الناضجة يُغوي القديس على إشتهائه، و تناولت أحد المصابيح اليدوية و خرجت في الهواء الطلق لتلفحها رياح قوية و كأنها إنذار إلهي بضرورة التراجع ولكنها لم تعبأ لها و تقدمت إلى حيث تلك الكهوف التي بعمق الجبال تتسلل بخفة حتى لا يُلاحظ وجودها أحد الخارجين عن القانون أو المُجرمين التي تعج بهم تلك الكهوف، و بالفعل وجدت تلك الزهور التي تستخدمها والدتها في وصفاتها الطبية لتعاود طريقها من جديد، و لكن فجأة شعرت بشيء طري أسفل قدمها لتخرج صرخة فزع من فمها، فقد كان ما تعثرت به مُجرد أرنبًا بريًا مما جعلها تهتف بسخط:

_ الله يحرج ابوك كنت هتموتني من الرعب. 


وقفت تسترد أنفاسها قبل أن تشعر بأن هُناك حركة خلفها فقامت بإطفاء مصباحها اليدوي وهي تحبس أنفاسها و قلبها ينتفض رعبًا جعلها تُطلِق قدميها للريح لتسمع خطوات تهرول خلفها مما جعلها تعدو بسرعة كبيرة إلى أن تعثرت بصخرة جعلتها تسقط أرضًا، و ما هي إلا ثوان حتى وجدت ظل ضخم يجثو فوقها لرجُل مُلثم فأطلقت العنان لصُراخها ليُكمم فمها بيده الضخمة، و باليد الأخرى حاول تجريدها من ملابسها وهي تقاومه بيديها بضراوة إلى أن تلقت صفعة قويه من يده جعلتها تسقط في هوة سوداء ابتلعتها تزامنًا مع سقوط تلك العمامة من على وجهه.


 اللهم إنك سلطت علينا عدوًا بصيرًا بعيوبنا، مطلعًا على عوراتنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك♥️ 

( الدعاء دا حلو اوي لو قلتوه صباحًا و مساءً) 


★★★★★★★★★


مرت الأيام على ظهر سُلحفاة، وهي مُلقاة في غرفتها تجلب لها تلك المرأة الطعام و تثرثر معها و تخرج لتتركها تغرق في بحر أحزانها من جديد، و لكن اليوم كان مُختلفًا، فقد جاءت صباحًا وهي ترتدي عباءة سوداء تناظرها بتلك العينين التي يتساقط منها المكر، وهي تقول بسماجة:

_ صباح الفل على عروستنا. 


«غنى» بخفوت:

_ صباح النور. 


«عنايات» بحنق حاولت اخفاءة فقد قاربت على تحقيق هدفها :

_ يالا يا حلوة قومي غيري هدومك. ورانا مشوار مهم. 

لا تعلم لما انقبض قلبها حين سمعت كلمات «عنايات» التي كالعادة لم تُعطها المجال للتفكير فقد جذبتها من يدها وهي تقول بتبرُم :

_ يالا ياختي خلاص بقيتي زي القردة مفيش وقت نفكر.


اطاعتها «غنى» بخوف و ارتدت ملابسها بعد أن شُفيت جراحها بنسبة كبيرة و توجهت معها إلى السيارة التي كان يقودها سائقهم الخاص ليتوقف أمام أحد المشافي مما جعل «غنى» ترتعب فالتفتت إلى «عنايات» قائلة بارتباك:

_ احنا رايحين فين ؟ 


«عنايات» بنبرة جامدة و نظرات مُحذرة:

_ متخافيش يا حبيبتي. انا معاكِ. دا مشوار صغير كدا لابد منه. 


لم تفهم ما تقصده، بل لم تكن تتوقع أن يصل تفكيرها الشيطاني إلى هذه الدرجة!


دلفوا إلى أحد العيادات الخاصة، و التي كانت فارغة إلا من ممرضة و كأنها كانت في انتظارهم لترحب كثيرًا ب«عنايات» التي قالت بتكبُر:

_ الدكتورة جوا؟ 


_ اه طبعًا مستنيه حضرتك. اتفضلي. 


رغمًا عنها احتضنت ذراع «عنايات» وهي ترتجف ذعرًا تجلى في نبرتها حين قالت :

_ والنبي قوليلي في ايه؟ أنا خايفة اوي. 


احتضنتها الأفعى وهي تقول بنعومة تُخفي الكثير من الشر بداخلها:

_ متخافيش. يا بت أنتِ بنتي و مرات ابني . يعني محدش هيخاف عليكِ قدي. تعالي بس. 


لم يكُن هُناك مفرًا أمامها سوى الوثوق بها لذا دلفت معها إلى غرفة الطبيبة التي حدجتها بنظرة لم تُريحها قبل أن تُرحِب ب«عنايات» قائلة :

_ أهلًا يا حاجه عنايات اتفضلي .


جلست «عنايات» وهي تقول بسماجة:

_ أهلًا يا دكتورة. دي غنى بنتي، و مرات ابني. عيزاكِ بس تكشفي عليها، و تطمنيني. 


تبادلت الطبيبة النظرات الخاصة مع «عنايات» قبل أن تقول بلؤم :

_ عنيا. تعالي يا حبيبتي اطلعي على السرير. 


كانت ترتعب لدرجة أنها رجعت خطوة إلى الخلف فتوجهت «عنايات» إليها وهي تقول بتخابُث:

_ تعالي يا حبيبتي. قولتلك متخافيش . دا مجرد كشف. 


اقتادتها «عنايات» إلى حيث سرير الكشف لتُساعدها في الاستلقاء عليه ثم قامت بفرد الغطاء فوقها لتقول الطبيبة بجمود:

_ ارفعي رجليها و اكشفي فستانها. 


ارتعب قلبها من تلك الجملة ولكن «عنايات» لم تدع لها مجال للإعتراض فقد قامت بتنفيذ أمرها لتتراجع الطبيبة و تقف في الطرف الآخر و تُضيء مِصباح مُعلق بجانب السرير ليتثنى لها فحصها قبل أن تنظر الى« عنايات» نظرة ذات مغزى قابلتها الأخيرة بإيماءة بسيطة من رأسها لتلتفت الطبيبة إلى« غنى» و هي ترسم ابتسامة كانت كافية لبث الرعب أكثر داخل صدرها قبل أن تقول بنبرة خادعة:

_ متخافيش يا حبيبتي دا فحص عادي جدًا بنعمله لكل العرايس. 


اومأت «غنى» برأسها ولكن داخلها كانت مُرتعبة، و لم تمر ثوان أخرى حتى شعُرت بشيء يخترق جسدها السُفلي. لتخرج منها صرخة قوية ارتجت لها جدران الغرفة تزامنًا مع تناثر بعض قطرات من الدماء على الشرشف مُلطخة ثوب الطبيبة الأبيض.

الفصل الثالث من هنا


تعليقات



×