رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثالث بقلم نورهان ال عشري

الإثم الثالث بعنوان " تحيا إذا قُتِلت "


بعد أن أفرغت ما بجُعبتي من حُزن و سكبت جَم عبراتي تبدل الكثير بداخلي فلِأول مَرة يتساوى الجميع بعيني . لم أعُد أرى أحد مُختلف و محوت كلِمة إستثناء من قاموسي . توقفت عن العتاب و التبريرات فما عجزت السنين و المواقف عن إثباته فلن تكفيه عِدة أحرُف واهية لـ سرده .

 لم أعُد أهتم كيف يراني الناس ؟ فالمُحِب سيبقى و العَزُوف سيرحل و الأيام ستمضي . أما عن الحزن سيمُر و الذكريات ستبقى . تارة تُسعِدُنا و تارة تُبكينا وهكذا هي الحياة دائمًا تُداهم ثوابتنا على حين غرة و تُثبِت لنا بأن المُستحيل يتحقق فلا تُراهن على مُتغير ولا تحرص على زائل.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ كل دا لطعاني يا ست هانم! نص ساعة قاعد مستنيكِ؟


هكذا تحدث «ياسر» بغضب انفجر كالبالون في وجه« غنى» التي رفعت إحدى حاجبيها قبل أن تقول بنبرة مُحذرة:

_ تصدق انت عندك حق. انا كان مفروض مجيش أصلًا.


«ياسر» باستنكار:

_ لا يا شيخه! كمان مكنتيش عايزة تيجي!


تخصرت وهي تقول بتهكُم:

_ مانا لو اعرف انك هتنفجر في وشي زي وبور الجاز كدا مكنتش جيت. 


اشتاقها للحد الذي جعله يتجاهل غضبه لتقوم عينيه بفعل ما تعجز عنه يديه، تعانقها بنظراته المُدججة بلهيب عشقه الضاري لها ؛لذا رقت نبرته حين قال بتخابُث:

_ يا بت انا قلبي عليكِ. أصلك متعرفيش. البنات راحة جايه عماله تعاكس، و أنا عمال اقولهم مرتبط. يا جماعه مرتبط. بس مفيش فايدة.


اشتعلت جذوة الغيرة في عينيها التي احترق لون القهوة بهم و هتفت بشراسة:

_ نعم يا عنيا. مين دول اللي بيعاكسوا؟ و انت ساكتلهم؟ 


يُعجبه كثيرًا جنونها الذي يجعل حُمرة الغضب تتفشى فوق وجنتيها بالإضافة إلى خصلات شعرها المُجعدة، فيجعلها الأمر تبدو كجنية فاتنة غاضبة.

_ طب اعمل ايه يعني ؟ اضربهم؟!


لمحت المكر في عينيه فأخذت نهجه، و أرادت اللعب على أوتار غيرته قائلة:

_ لا و هتعمل ايه؟ بس متتجننش عليا بقى لما تعرف اني جايلي عريس.


برقت عينيه و انمحت البسمة من فوق ملامحه فالأمر لم يكُن مُجرد غيره بل كان رعبًا يتفشى في أوردته حين يتخيل أنه من الممكن أن يفقدها لذا زمجر مُحذرًا:

_ غنى. اعدلي بدل ما اعدلك. 


لم تُرِد إغضابه لذا هتفت بلهفة:

_ و رفضته ورحمة أمك رفضته من قبل ما أشوفه حتى. أصل غني ميملاش عينها غير واحد بس. 


 قمع ابتسامته ولكنه لم يفلح في حجب ذلك العشق الذي سطع في سماء عينيه ليقول بنبرة لازالت جافة:

_ وهو مين أن شاء الله ؟ 


طافت عينيها في أرجاء ذلك المقهى الذي يمكثون به وهي تقول بخجل أضفى رونقًا رائعًا على ملامحها:

_ دا واحد كدا عنده عضلات و رايح جاي يخانق الناس بسبب و من غير سبب. بس بحبه و هو اللي واخد قلبي لحسابه.


أضاءت ابتسامة رائعة ملامحه قبل أن يقول بنبرة موقدة بلهيب العشق الذي تجلى في نبرته حين قال:

_ و هو بيموت فيكِ. 


نقش العشق ابتسامة رائعة فوق ملامحها التي زادها الخجل جمالًا ليُتابِع بخشونة:

_ وحشتيني يا غُريبة. 


تضخم قلبها من فرط العشق، و لكن خجلها جعلها تهمس بخفوت :

_ ياسر بطل بقى. 


«ياسر» بتهكُم:

_ ابطل ايه هو انا عارف اعمل حاجه غير الكلام!


تبدلت نظراتها الى التعاطُف و لهجتها إلى الحنان حين قالت:

_ بالله عليك ما تتشائم يا ياسر. كل حاجه هتتحل و بكرة تشوف.


أكثر ما يجذبه إليها ذلك الحنان الذي يشع من عينيها و كأنه وعدًا غير منطوق بجنة ستحتوي أوجاعه التي لا تهدأ لذا قال بنبرة يملؤها الأمل:

_ أن شاء الله.


«غنى» بلهفة:

_ طمني عملت ايه مع الحاج جابر؟ 


شرع يقص عليها نواياه المُستقبلية:

_ اتفقت معاه هشتغل على تاكسي من بتوعه، و لو ظهرتلي سبوبة تانيه يومين ولا تلاته هركن التاكسي و ادوس فيها، و ربنا ييسر. 


ابتهج قلبها من حديثه وقالت بسعادة:

_ أن شاء الله والله ربنا هيفرجها من وسع و هنحقق كل أحلامنا.


كم كان مُمتنًا لقدره الذي ألقى بتلك الجميلة في طريقه لتكون هي النور الوحيد في عالمه المُظلِم، و كأنها كانت نقطة فاصلة بين ماضيه التعيس و مستقبله الذي سيكون مُشرقًا بوجودها.

_ انا عارف انك استحملتي معايا كتير. بس متقلقيش هانت. انا بس هجمع ليزيد الفلوس اللي كان محتاجها، و على ما تيجي الجمعية اللي انا عاملها مع هيام اكون حوشت شويه فلوس كدا، و اجي اخطفك يا غُريبة. 


كان قلبها يذوب حين تستمع إلى هذا اللقب الذي أطلقه عليها ناهيك عن حديثه الرائع عن قُرب اجتماعهم ؛لذا خرجت الكلمات مُتلهفة من بين شفتيها:

_ استحمل العمر كله معاك يا قلب الغُريبة. المهم ابقى ليك في النهاية.


صرخة قوية شقت جوفه حين عاد من خيالاته على واقع أليم تتفرق آلامه بين القلب و الجسد. القلب الذي تلقى طعنة غدر مسمومة بيد من ظنها بوابة للعبور من واقعه الأليم الى دنيا مُبهجة مليئة بالألوان الزاهية لتكُن هي اليد التي ألقت به في جحيم مُستعِر ثم تأتي آلام جسده، الذي تفرقت جراحه حين انقلبت به السيارة حين غامت عينيه من فِرط الألم الذي تناثر منها كلما تخيل أن حبيبته بين أحضان رجل آخر.


_ يا قلب أختك. سلامتك من الأه. 


هكذا هتفت« هيام» بحرقه من بين عِبراتها الغزيرة التي لم تكُف عن ذرفها مُنذ أن جاءها خبر انقلاب السيارة بشقيقها.


_ حالته ايه يا دكتور؟ 


هكذا تحدث« يزيد» بحزن شاب لهجته الجافة ليُجيبه الطبيب مُفسرًا

_ الحمد لله حالته مُستقره. لكن طبعًا زي ما انت شايف في كسر في دراعه و كدمات متفرقة في جسمه و جرح سطحي في كتفه.


شهقت «هيام» بذُعر حين استمعت إلى حديث الطبيب ثم قالت بحرقة:


_ كل دا و حالته مستقرة يا دكتور! اومال لو مش مستقره كان هيبقى عامل ازاي ؟ قلب اختك يا ياسر . كان مستخبيلك فين كل دا يا ضنايا؟


تفهم الطبيب حالتها فقال يُطمأنها :

_ الحمد لله أنه نجي من الحادثة. العربية اتدمرت. 


ضاعفت كلماته من بكائها مما جعل «يزيد» يحتضنها مُحاولًا تهدئتها ليخرج صوت «ياسر» المُتحشرِج :

_ عايز ميه. 


التقطت يد« هيام» كوب المياة من فوق الطاولة بلهفة تجلت في نبرته وهي تقول :

_ عنيا ياخويا. اتفضل.


قامت برفع رأسه بكفها الحنون و تقريب كوب المياة من فمه الجاف و المتورم ليقوم بإرتشاف بضع قطرات قبل أن يلقي برأسه فوق الوسادة مُطلقًا أهه خافته ثم قال بصوته الخشن :

_ عايز اقعد.


 قام الطبيب بفحصه قبل أن يُعطيهم بعض التوجيهات ثم انصرف، فاقترب «يزيد» يساعده في الجلوس وهو يحاول كتم أوجاعه ليستند برأسه فوق الوسادة خلفه ناظرًا إلى البعيد غافلًا عن ألمه الذي تبلور بوضوح في عينيه لتقترب «هيام» منه واضعه قبلة دافئة فوق جبهته وهي تقول بالقرب من أذنه:

_ والله ما تستحق وجعك دا يا قلب أختك. ارميها من قلبك و من حياتك هو دا اللي تستحقه.


كانت الكلمات كالخناجر تُمزقه، ولكنه مُجبر على الصمود حتى ولو لدغته الأحرف قبل أن تمُر عبر شفتيه حين أجابها:

_ راحت لصاحب نصيبها. 


طغى الحزن و الألم على ملامحه، و بات يستجدي ثباته حتى لا يتناثر الوجع من عينيه فلو خسر قلبه فلن يخسر كبرياؤه أيضًا، فما أقسى ان يُجرد الإنسان من كل ما يملكه في الحياة. 


طرق خافت على باب الغرفة جذب انتباه الجميع ثم أطل منه ذلك الرجل الخمسيني وهو يتحمحم قائلًا بنبرة خشنة:

_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. 


أجاب الجميع في صوتًا واحد :

_ عليكم السلام ورحمه الله وبركاته. اتفضل يا حاج جابر.


هكذا تحدث «يزيد» ليقوم «جابر» بوضع تلك الأكياس من يديه ثم يتقدم منه يصافحه و الطبيب كذلك قبل أن يُلقي بنظرة خاصة على تلك التي تخفض رأسها في استحياء ليوجه حديثه إلى «ياسر» قائلًا :

_ ألف لا بأس عليك يا ياسر. عامل ايه يا ابني دلوقتي ؟ 


«ياسر» بخشونة:

_ الله يسلمك يا حاج جابر. انا كويس الحمد لله مكنش في لزوم تتعب نفسك. 

 

«جابر» بابتسامة بشوشة :

_ تعب اي بس دا انت اخويا الصغير. 


أطلق زفرة حارة من شفتيه قبل أن يتشكره بهدوء لتقول «هيام» بنبرة مُمتنة:

_ والله يا ياسر دا الحاج جابر مسبناش من وقت ما انت عملت الحادثة. له تلت أيام رايح جاي علينا و بيطمن عليك من الدكاترة على طول. كان بيتمم علينا الصبح و بالليل والله. 


تحدث «يزيد» هامسًا بسخرية :

_ طبعًا لازم يتمم علينا مش مكسرله عربية بتلتميت ألف جنيه ! كويس أنه مابتش هنا. 


حدجته «هيام» بنظرة مُحزرة فابتسم «جابر» الذي وصلته كلمات «يزيد»، فتحدث بسلاسة :

_ الفلوس بتروح و تيجي يا يزيد لكن الراجل الجدع ميتعوضش، و ياسر جدع و راجل، و الحمد لله أنه قام بالسلامة. 


ابتسامة باهتة ارتسمت على ملامحه قبل أن تهتف «هيام» بلهفة:

_ الحمد لله، بس دا بردو حقك يا معلم جابر، و بإذن الله فلوس تصليح العربية علينا. 


التمعت عينيه وهو يُناظِرها قبل أن يقول بنبرة تخفي الكثير من المعان :

_ مفيش بينا الكلام دا يا ماز مزيل هيام.


تدخل« ياسر» قائلًا بخشونة:

_ دا حقك يا معلم جابر زي ما قالت هيام، وانا لا يُمكِن أكل حق حد حتى لو على رقبتي. 


حاول تفادي الحديث في هذا الأمر قائلًا بمراوغة:

_ وانا واثق من دا يا ياسر، بس خلينا نأجل الكلام دا لما تخرج بالسلامة. لازمن هاجي اطمن عليك، و وقتها يبقى يحلها الحلال. 


★★★★★★


انقضى أسبوعًا كاملاً إلى أن تعافى من آلام جسده بدرجة كبيرة إلا من ذلك الكسر في ذراعه و قلبه الذي مازال يئن بقوة بينما كان هو يُعنفه بنفس القوة، فمن غمست السهم المسموم بمنتصف صدره هي نفس اليد الذي كان يظُن انها من ستُملس على أوجاعه لتهدأ. تلك المرأة التي لطالما شكى لها خذلان العالم له، لتفعل به ما هو أشد و اقسى مما كان يشكوه لها.


كان يقف أمام المرأة وهو ينظر إلى تلك الهيئة المُحطمة و الملامح الواجمة، و كأنه يُقيمها، و قلبه يطرح إستفهامًا مؤلمًا " هل سنحيا بعد رحيلها؟ " 

تناثر الألم من مُقلتيه كإجابه مُختصرة عن ذلك الإستفهام، و ما خلفه غيابها من دمار، ولكن بلغته العقل بتلك الحقيقة المؤكدة وهو أنه لايزال حي. بالرغم من كل شيء، فهو حي. أي أن الحياة لم تقف عليها و لن تقف. هكذا عاهد نفسه قبل أن يمحو أذيال ضعفه والتي أخذت معها آخر ذرة حنان داخله. ليُقسِم في تلك اللحظة أن يحيا، فإن كان عشقها قتله ذات يوم، فسيحيا الآن وإلى الأبد دونها. 


_ ياسر. يا ياسر. 


التفت ينظر إلى« هيام» التي دلفت إلى داخل الغرفة تناديه ليُجيبها باختصار:

_ نعم. 


_ بقالي ساعه بنادي عليك. علشان اساعدك وانت بتغير هدومك. مردتش عليا ليه بقى؟ 


اقترب« ياسر» يُلثِم كفها بحُب تجلى في نبرته حين قال:

_ محبتش اتعبك يا حبيبتي. كفاية الاسبوع اللي فات و بهدلتك معايا في المستشفى. 


اقتربت تحتوي وجهه بين يديها وهي تقول بحنو :

_ تتعبني! بقى معقول يا ياسر انا اتعب منك. دا انت ابني اللي مخلفتوش. حتة من قلبي و روحي. دانا قلبي اتخلع لما عرفت باللي حصلك.


امتدت يديه تحتويها بين ذراعيه وهو يقول بنبرة يتبلور بها الحزن رغم خشونتها:

_ خلاص يا هيام انسي. اللي فات خلاص مات. مالوش لزوم نفتكره تاني. 


رفعت بصرها إليه وهي تقول بأسى:

_ ياريت انت كمان تنسى، و اعرف انها مكنتش تستحقك. 


استهجن عقله صرخات قلبه المُلتاع ما أن أتت «هيام» على ذكرها ليقرر قطع كل الصلة بها و بذلك الماضي من حياته قائلًا بنبرة جافة و صارمة:

_ خلصت يا هيام. الموضوع دا ميتفتحش تاني، ولا حتى تلمحيله لا من قريب ولا من بعيد. مفهوم. 


تتمنى من كل قلبها لو يشرع في سلك طرق النسيان لذا أرادت أن تساعده فقالت بتفهُم:

_ من عنيا ياخويا. اللي انت شايفة.


قطع حديثهم صوت «يزيد» الحانق حين قال وهو أمام باب الغرفة:

_ الحاج عبد الغفور البرعي بره. 


التفت الإثنان إليه فقالت« هيام» بلهفة:

_ بتتكلم بجد نور الشريف عندنا؟ 


أجابها «يزيد» بسخط:

_ قصدك جابر الشريف. 


نجحت كلماته في رسم البسمة على ملامح «ياسر» الذي قال بسخرية:

_ انت حاطط الراجل دا في دماغك ليه يا ابني انت ؟ مش كفاية وقفتوا جنبنا ؟ 


اقترب «يزيد» منه وهو يعدل من وضع نظارته الطبية قبل أن يقول بجمود:

_ عشان متأكد ان الاهتمام دا مش لله في لله وراه مصلحة، و يارب ما يكون اللي في بالي صح! 


«هيام» بتهكُم :

_ و ايه هو اللي في بالك يا فالح ؟ 


«يزيد» بنبرة حانقة: 

_خايف لا يكون طمعان في الجمعيه اللي هتقبضيها آخر الشهر. 


لم يستطِع« ياسر» منع ضحكته من الظهور على السطح قبل أن يقول بتوجيه لكمة قويه إلى كتف «يزيد» الذي انحنى متألمًا لتقول« هيام» بتشفي:

_ تستاهل عشان لسانك اللي عايز قطعه. قال جمعية قال اتنيل. 


«يزيد» بتفكير :

_ تفتكري يكون طمعان في صاحبة الجمعية؟ 


_ انا طالب القرب منك يا ياسر . 


هكذا تحدث «جابر» بعد أن اطمأن على صحة« ياسر» ليُباغته بتلك القنبلة التي تفجرت في المكان فجعلت ملامح الجميع تبرق من فرط الصدمة التي تداركها« يزيد» قائلًا باندهاش

_ نعم! طالب القرب منه في مين ؟ فيا ولا ايه مش فاهم ؟ 


تجاهل «ياسر» حديثه و قال موجهًا استفهامه الى جابر:

_ معلم جابر معلش وضحلي تقصد ايه؟ 


«جابر» موضحًا :

_ بقولك طالب ايد اختك هيام. انا عارف انك مخضوض بس انا راجل دوغري، و بصراحة اللي شفته من اختك في الاسبوع اللي فات. سواء جدعنتها و أدبها و وقفتها وسط الرجالة و كأنها راجل زيهم يخليني اقول إن هي دي الست اللي أأمن على نفسي معاها. 


نظف «ياسر» حلقه قبل أن يقول بوضوح:

_ بس انت كبير اوي عليها يا معلم جابر . أنا مش هكذب عليك. هيام دي مش اختي وبس دي أمي هي اللي ربتني انا ويزيد بعد موت ابويا و امي، و رفضت كل عروض الجواز اللي جتلها علشان متسبناش.


قاطعه «جابر» قائلًا بإعجاب:

_ ودا من ضمن الأسباب اللي خلتني عايز اتجوزها، و موضوع السن اتناشر سنه مش كتير، وانا مستعد لكل طلباتها. اؤمروني.  


صمت قليلًا قبل أن يقول بإذعان:

_ الأمر لله بس الموضوع ميخصنيش انا لازم اسأل صاحبة الشأن وهرد عليك.


_ بتقول ايه يا ياسر ؟ جواز ايه و جابر مين ؟ لا طبعًا. 


هكذا تحدثت «هيام» بعد ما أخبرها «ياسر» عن رغبة «جابر» في الزواج منها فهي قد أغلقت هذا الأمر من زمن بعيد 

_و ليه لا يا هيام؟ أنتِ لسه صغيرة، و من حقك تعيشي حياتك. 


«هيام» بتحسُر:

_ صغيرة! تمانيه و تلاتين سنة و صغيرة يا ياسر. دي الناس حتى تضحك عليا.


«ياسر» بنبرة حاسمة:

_ بصي يا هيام. دي حياتك والناس تولع بجاز، و أياكِ تحطي حد في دماغك اللي هيجيب سيرتك هقطعله لسانه. فاهمة ولا لا؟ 


«هيا» م بلهفة:

_ ياخويا أهدى متبقاش حمقي كدا. انا بس. 


تدخل« يزيد» بنفاذ صبر فقد كان صامتًا منذ بداية الحديث:

_ مفيش بس. دا واحد شاريكِ و عايز يتجوزك و دا شرع ربنا، و الراجل كويس. اينعم هو شبة عبد الغفور البرعي بس راجل محترم، و أنتِ من حقك تعيشي حياتك أو اللي فاضل منها. ها قولتي ايه؟ 


سانده «ياسر» في حديثه قائلًا :

_ و بعدين زمان أنتِ كنتِ بترفضي عشان احنا صغيرين. دلوقتي احنا كبرنا، و كل واحد فينا بقى قد الحيطة. مبقاش في سبب لرفضك زي زمان. 


تفرقت نظراتها بين أشقائها بحيرة لأول مرة تنتابها في هذا الأمر، فهي عادةً ما كانت ترفض رفضًا قاطعًا ولكن الآن لا تعلم لما تتوقف الكلمات فوق شفاهها فهُناك ألف فكرة و فكرة تدور برأسها لذا حسمت قرارها قائلة :

_ موافقة لو هينفزلي كل شروطي. 


اللهم استرنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا عين تراك، ويد تمسك، ولا تفضحنا بين خلقك ولا تخزنا يوم القيامة اللهم أعل بفضلك كلمة الحق والدين. الخلق خلقك، والعبد عبدك، أنت الله الرؤوف الرحيم، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، كل حق هو لك، وبحق السائلين عليك، أن تقبلني، وأن تجيرني من النار برحمتك. ♥️


★★★★★★★★


_ اؤمريني يا ست الستات. اللي تقولي عليه نافذ. 


هكذا تحدث «جابر» بعدما أوصل له «ياسر» ردها بعد مرور يومين على طلبه وها هي الآن أمامه تفرك يديها ببعضهم البعض في خجل راق له كثيرًا و نبرة هادئة تشبهها:

_ الأمر لله وحده يا معلم. أنا بصراحة ليا شرطين معرفش اذا كنت هتقبلهم ولا لا.


قاطعها «جابر» بنبرة صادقة:

_ هقبلهم. أيًا كانت شروطك هقبلها.


_ مش لما تعرفهم الأول. 


هكذا استفهمت بحرج من كلماته ليُعطيها مساحتها في الحديث قائلًا:

_ قولتلك انا قابلهم. لكن بردو عايز اسمعك.


عبأت صدرها بالهواء النقي قبل أن تقول بجدية:

_ أول شرط تشوف لياسر شغل يليق بيه، و يبقى هو الآمر الناهي فيه. شغل كدا يعليه وسط الخلق. 


حين طلبت أن تجلس معه بمفردها تأكد من أن شروطها ستشمل أشقائها ولكنه قال يُشاكسها:

_ معنديش مشكلة في الشرط دا. بس ياسر الناس كلها بتحبه و بتعمله ألف حساب عشان هو ابن بلد و جدع و راجل. 


«هيام» بنبرة جافة يشوبها الألم :

_ عارفه، و عشان كدا عيزاه يبقى في المكانة اللي يستحقها. 


«جابر» بغموض:

_ والشرط التاني؟ 


لا تعلم كيف ستخبره ما تُريده فقد كان الحرج يُسيطر على ملامحها ولكنها تغلبت عليه قائلة:

_ يزيد. أول ما يتخرج تفتحله عيادة في أحسن منطقة فيكِ يا مصر. 


ابتسم «جابر» على تلك المرأة التي يتساقط الحنان من عينيها و كلماتها ليِجيبها قائلًا باستفهام:

_طب و أنتِ يا هيام مش عايزة حاجه لنفسك ؟ 


«هيام» بعفوية:

_ هعوز ايه غير اني اطمن على اخواتي، و اكون عايشة مع راجل يحميني و يضلل عليا؟


«جابر» بإعجاب:

_ أنتِ جميلة اوي يا هيام. 


اخفضت رأسها خجلًا؛ ليُتابع «جابر» قائلًا :

_ وانا راجل بيقدر الجمال. اخواتك دول اخواتي، و ياسر دا هيكون دراعي اليمين في كل حاجه، و الدكتور يزيد من هنا لحد ما يتخرج مسئول مني، و هفتحله مش بس عيادة لا مستشفى كمان. 


كانت موقنة بأنه سيرفض، فهي لم تتخيل بحياتها أن يقبل بشروطها لتتفاجئ به يُذهِلها بحديثه، ولكن هذا عوض الله لا يأتي فقط لكي يُرضينا بل يأتي ليُدهِشنا.


اللهُم عوضني خيراً عن كل شي انكسر في نفسي، وعن كل يأس أصاب قلبي، يا رب إنك تدرك حاجاتي ولو لم أنطق بها اللهُم حقق لي ما أريد فأنت تعلم السر وأخفى، اللهُم فوضت لك أمري فلا تكلني لنفسي طرفة عين، واجعلني ممن نظرت إليه فرحمته وسمعت دعاءه فأجبته♥️


★★★★★★★★★


حين تمضي الأيام فهي تترك بصماتها على قلوبنا التي اعتادت الحزن حد الملل، فمثلًا تلك الأشياء التي كانت تبكينا بحرقة في الماضي أصبحت مُثيرة للسخرية الآن، و تلك الذكريات التي كانت ترسم البسمة على وجوهنا أصبحت سبب تعاستنا اليوم، و هكذا يمُر قطار الحياة دون أن يُخبرنا هل هُناك وجهة آمنة تنتظرنا ؟ أم سنظل تائهين بين حنينا الى الماضي ناقمين على الحاضر، فاقدين أي أمل يتعلق بالمستقبل؟ 

نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


أنتهت من تلك الحقبة اليومية في هذا المنزل الذي تمقته قدر ما تتنفس، و الذي لو أُتيحت لها الفرصة ستُرسله الى الجحيم هو و ساكنيه كي تنتهي معاناتها إلى الأبد. 

ابتسامة ساخرة لونت ثغرها وهي تصعد إلى شقتها فتلك الأمنية باتت مستحيلة، فقد مر عامان من أن وطأت أقدامها هذا المنزل الذي حول جميع أحلامها إلى مُجرد خيوط بالية لثوب لم يعُد يصلح لها.

ما كادت أن تدلُف إلى داخل الغرفة الأخرى بشقتها والتي كانت مستقرها بعد تلك الليلة المشؤومة حتى وجدت ذلك الرجل يدلف خلفها وهو يقول بلُهاث و تلعثُم كعادته:

_ أ. أخيرًا طلعتي؟ 


التفتت تناظره بكره لم تحاول اخفاءه بل استفحل في نظراتها و نبرتها حين قالت:

_ خير. في ايه؟ 


لم تكُن اجابتها مُشجعة، ولكنه لم يتأثر بل اقترب منها قائلًا بارتباك:

_ ايه. كن. كنت عايزك. 


لا إراديًا تراجعت للخلف وهي تقول باندفاع:

_ نعم. يعني ايه ؟


التفت حول السرير حتى جعلته في المنتصف بينهم وهي تقول بغضب جنوني يغلف ذعرها منه:

_ هو انا مش آخر مرة قولتلك لو فكرت تقرب مني تاني هقتلك؟ 


اقترب «رأفت» بسماجة وهو يقول بنبرة متوسلة:

_ لا متخافيش. المرة دي غير. والله يا غنى ما هضربك تاني. بس تعالي. 


تعلم حقيقة الأمر، فقد تكرر كثيرًا إلى أن أقسمت لذلك الوغد بأنها ستقتله أن اقترب منها مرة أخرى، فمن المؤكد أن تلك المرأة الملعونة والدته جلبت له دواء آخر و تُريد أن تكُن هي فأر التجارب خاصتهم ككل مرة ولكنها لم تعُد تحتمل لذا صرخت بهياج:

_ و عزة جلالة الله لو قربت مني لهطلع قلبك بأيدي. أبعد عني يا جدع انت. 


حين علا صُراخها تراجع «رأفت» إلى الخلف بغضب و انمحى التوسل من نظراته التي حدجتها بكُره فهتف متوعدًا :

_ ماشي يا غنى. والله لهوريكِ. 


خرج غاضبًا و تركها لتجلس فوق مخدعها بجسد مُتهدل و روح مُهترئة و قلب أنهكه الوجع، و هناك استفهام مُتألم يجيش به صدرها أما آن الأوان لعذابها أن ينتهي؟ 


مر بعض الوقت إلى قبل أن تستمع الى صوت تلك الأفعى خلفها :

_ ايه يا ست غنى ؟ متملعنة ليه أن شاء الله مش فضيناها يا عنيا؟ ولا اللي هنقولوه هنعيدوه؟ 


لم تعُد تحتمل .الموت أهون لها من أن يقترب منها هذا الرجل الذي بكل مرة يُخفِق لها يُدمي جسدها من كثرة الضرب و كأنه يُفرغ شحنات تلك العقاقير التي تجلبها والدته في تعذيبها، ولكن فاض بها الكيل حد خروج تلك الكلمات الغاضبة من بين شفاهها:

_ لا بصي بقى انا اللي هقولك أنتِ و ابنك اقسم بالله لو فكر يقرب مني تاني لهكون مصوته و لمه عليه الناس، و أولهم سلايفك، و هحكيلهم على كل حاجه حصلت من اول يوم جواز ليا، و هما أصلًا هيموتوا و يعرفوا سبب تأخير الحمل ايه؟ ميعرفوش أن مفيش راجل من الأساس. 


على الرغم من أنه علميًا لا يجوز ولكنها تكاد تُقسِم أنها رأت الشيطان يتلبس هذه المرأة في هذا اللحظة، فقد برقت عينيها و احتدت ملامحها بطريقة مُرعبة، و كذلك نبرتها حين قالت:

_ اطلع بره يا رأفت. 


طاوعها «رأفت» الذي كان يُناظرها و كأنها شاه ينوي ذبحها، ولكن والدته أمرت، وهو يجب عليه التنفيذ .

صوت اغلاق الباب جعل جسدها ينتفض لتقترب منها« عنايات» قائلة بنبرة يشع منها الشر.

_ هو أنتِ فاكرة انك مسكالي ذلة ولا مفكرة انك لاوية دراعي؟ 


لم يكُن أمامها مفر من المقاومة و رد الهجوم بآخر مُضاد فلم يعُد هُناك مُتسع داخلها للاحتمال أكثر:

_ اي. ايوا. مسكاكي من ايدك اللي بتوجعك. كفاية أني أرد على الناس لما تسألني محملتيش ليه و اقولهم اصلي بتعالج بدل ما اقولهم أن ابنك عاجز و مقربش مني ولا مرة من يوم ما اتجوزته.


هكذا تحدثت «غنى» بنبرة مُهتزة يشوبها القهر لتقترب «عنايات» منها بخطٍ سُلحفية بثت الذِعر في صدرها كذلك فعلت لهجتها حين قالت:

_ دانا اقطعلك لسانك قبل ما يفكر يقول ربع كلمة على ابني. 


نشب الخوف حوافره في صدر« غنى» التي تراجعت للخلف حين تابعت «عنايات» بفحيح:

_ هو أنتِ فاكرة اني مقدرش ازرع ولاده جواكي ؟ دا انتٌ كلبة اهلك رموكي ليا. حتة بت سافلة كانت دايرة على حل شعرها مع واد شمام، وانا اللي لميتك.


لكم آلمتها تلك الكلمات و خاصةً أنها تنبش جراحها كلها دفعةً واحدة، ولكن المروع في الأمر هو جملتها الأولى مما جعلها تهتف بغل وهي تحاول إيلامها كما فعلت معها:

_ ولا تقدري تعملي حاجه. اللي زي ابنك دا مقطوع نسله. 


لم تستطِع «عنايات» احتمال تلك الحقيقة لتقوم بجذب «غنى» من خصلاتها وهي تقول بغل:

_ وهو أنتِ فاكره يا زبالة ان لو ابني ينفع يخلف كنت هخليه يخلف من واحدة زيك؟ بس أنا بردو اقدر اعمل اللي عمر خيالك ما يصورهولك. 


كانت تتلوى بين يديها من فرط الوجع الذي جعلها تصرُخ مُرتعبة:

_ هتعملي فيا ايه اكتر من كدا؟  


«عنايات» بوعيد :

_ اقولك هعمل ايه؟ فاكرة يا بت يوم ما ابوكي جه ضربك زي الكلبة تاني يوم فرحك ورماكي ليا علشان بس قولتله انك قولتي لرأفت انك بتحبي واحد تاني غيره! تخيلي بقى لما يعرف أن بنتو اتمسكت مع واحد في شقة مشبوهة هيعمل فيكِ ايه ؟ 


تجمدت الدماء في أوصالها و ارتجفت الحروف على شفاهها من فرط الذُعر :

_ أنتِ بتقولي ايه؟ 


اقتربت «عنايات» من أذنها قائلة بوعيد مُرعِب:

_ بقولك خلي بالك. لا تنامي هنا تصحي تلاقي نفسك في المكان اللي يليق بواحده زبالة زيك.

أنهت جملتها و دفعتها بقوة ليصطدم جسدها بالحائط وسط نهنهاتها التي تتقطع لها نياط القلوب.


اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من زَوالِ نعمتِكَ، وتحويلِ عافَيتِكَ، وفُجاءةِ نقمتِكَ، وجميعِ سُخْطِكَ اللهم إني توكلت عليك فأعنّي، ووفقني، واجبر خاطري، جبرا أنت وليّه. - يا رب، أدعوك بعزتك وجلالك، أن لا تصعّب لي حاجة، ولا تعظم علي أمراً، ولا تحنِ لي قامة، ولا تفضح لي سراً، ولا تكسر لي ظهراً.♥️


★★★★★★★★★


_ جميلة اصحي يا بنتي بقى الفطار جهز. 


هكذا تحدثت «شروق» بصوتًا عالي حتى تستيقظ شقيقتها الكسولة والتي كانت تفرك في عينيها وهي تتقدم منها قائلة بنُعاس:

_ ايه يا شروق عامله غاغا عالصبح ليه؟ مش عارفه انام منك.


برقت عينيها من حديث شقيقتها فهتفت باندهاش:

_ نعم ياختي ! الساعه عدت عشرة كل دا و مش عارفه تنامي؟ دانا اتأخرت عالشغل بسببك. 


حين ذكرت أمر عملها تبدلت ملامح «جميلة» التي تحمحمت قبل أن تقول بنبرة يشوبها الحزن:

_ شروق. انا شوفت بابا في الحلم.


تجمدت في مكانها بلحظة قبل أن تقول بنبرة جامدة:

_ الله يرحمه. 


اقتربت «جميلة» منها قائلة بنبرة حزينة غاضبة:

_ بابا زعلان مننا يا شروق عشان منفذناش وصيته. 


حاولت نزع أشواك الذنب المغروزة بصدرها وهي تقول بنبرة حانية:

_ حبيبتي يا جميلة بابا كان خايف علينا عشان منكونش لوحدنا انما احنا من وقت ما جينا المكان دا واحنا ربنا عوضنا بأهل زي أسيا و نجاة و طنط رضا و عمو عزام أنتِ شايفة من وقت ما نقلنا هنا و هما معتبرينا زي بناتهم.


لم تقتنع «جميلة» بالدرجة الكافية فهتفت باعتراض:

_ بس يا شروق…


قاطعتها «شروق» بحسم:

_ مابسش يا جميلة الناس دي بتعاملنا أحسن من الناس اللي بابا عايزنا نروح عندهم. صدقيني. انا ماما حكتلي عنها بلاوي. اسمعي كلامي عشان خاطري.


اومأت« جميلة» بصمت، فهي لن تقوى على الاعتراض أو الاحتجاج على أفعال شقيقتها، فمنذ وفاة والدها و بعد انتهاء أيام العزاء أخبرتها بأنه يجب عليهم المغادرة، ولم تقوى على الاعتراض، ولكن منذ ذلك اليوم دائمًا يأتي والدها في أحلامها و هو حزين و مهموم فلم تعُد تعرف ماذا عليها أن تفعل؟ وهل بالفعل لم تبحث عنهم جدتهم ؟ 


_ طمني يا عمر عملت ايه ؟ 

هكذا تحدثت «سعاد» بلهفة قلما تظهر عليها فلأول مرة يشعُر «عُمر» بالشفقة عليها، ولكنه لم يملِك من الأمر شيء لذا قال بنبرة مُقتضبة

_ للأسف طلع تشابه أسماء. 


زفرت «سعاد» بحزن تجلى في نبرتها حين قالت:

_ معقول. كل مرة يطلع كدا؟ سنتين بندور في كل مكان و كل ما نقول مسكنا طرف خيط يوصلنا ليهم. يطلع غلط. انا تعبت بقى. 


امتدت يد «عمر» تربت بحنو على يديها وهو يقول بمواساة:

_ اهدي يا تيتا و أن شاء الله هنلاقيهم. ما أنتِ بس لو تسمعي كلامي و تخليني اقول لكمال، وهو بعلاقاته سهل اوي يلاقيهم.


هتفت «سعاد» بلهفة:

_ اوعى . اياك اي حد من طرف امك يعرف بأي حاجه عن الموضوع دا. 


غضب «عمر» من حديثها و هتف بصوتًا غليظ:

_ ممكن افهم ايه سر رعبك أن ماما تعرف بأن عمتي الله يرحمها عندها بنتين؟ هتعمل فيهم ايه مش فاهم ؟ 


«سعاد» بغضب :

_ انا قولت متعرفش يعني متعرفش. ايه مقدرش اعتمد لا عليك ولا على ابوك في حاجه؟ 


زفر« عمر» حانقًا قبل أن يقول بنفاذ صبر:

_ طب ممكن اعرف حتى بابا ليه مش عايزاه يعرف؟ 


«سعاد» بجفاء:

_ عشان مش هياخد في ايد امك غلوة، و هتعرف منه كل حاجه و هتخليه يعمل اللي على كيفها.


يمقت تلك الصراعات الدائرة بينهم منذ الصغر لذا هتف بملل:

_ طيب يا تيتا اللي تشوفيه، وأنا لو في جديد هعرفك. 


كان غافلًا عن تلك العينين التي برقت حقدًا حين استمعت إلى حديثهم.


أعوذ بكلمات الله التَّامة، من كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومن كلِّ عينٍ لامَّة، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوزهنَّ بَرٌّ ولا فاجِرٌ من شرِّ ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرِّ ما ينزل من السماء، ومن شرِّ ما يعرج فيها، ومن شرِّ ما ذرأ في الأرض، ومن شرِّ ما يخرج منها، ومن شرِّ فتن الليل والنهار، ومن شرِّ كل طارقٍ، إلا طارقًا يطرق بخيرٍ يا رحمن.♥️


★★★★★★★★


أتى الصباح المُنتظر لها منذ سنتين كما تمنته بالضبط، فهرولت إلى والدتها وهي سعيدة بل تكاد ترقص من فرط سعادتها 

_ ماما. يا رضا . يا عم عزام. انتوا فين يا بشر؟ 


كانت تصيح وهي في الطابق السُفلي ليخرج من في العمارة المُتهالكة على صياحها، و أولهم «شروق» التي كانت تسكُن في غرفة فوق سطح البناية وهي تناظرها من الأعلى قائلة بلهفة:

_ في ايه يا أسيا؟ 


«أسيا» بصُراخ وهي تهرول إلى الأعلى:

_ انزلي يا شوشو. 


_ في ايه يا بت أنتِ عاملة غاغا ليه على الصبح؟ 


هكذا تحدث «عزام» بصوته الغليظ لتهرول إليه «أسيا» قائلة بسعادة:

_ بنتك نجحت يا عم عزام و جابت امتياز في كل المواد . 


ما أن استمعت «رضا» إلى حديثها حتى أطلقت زغرودة تُعبر عن فرحتها فقد سقط حملًا كبير من فوق كاهلها لتنهمر العبرات من مقلتيها تأثرًا فتركت« أسيا» أحضان والدها و هرولت إلى والدتها تحتضنها وسط كل تلك المُباركات من الجميع في بنايتهم ثم يأتي دور «شروق» التي احتضنتها بحُب قائلة :

_ مبروك يا سو. ألف مبروك يا قلبي. 


_ الله يبارك فيكِ يا شوشة، و أخيرًا مش مصدقة نفسي. 


تبادل الجميع التبريكات ثم دلفوا إلى داخل الشقة ليقول «عزام» بحبور:

_ الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. ادخل اصلي ركعتين شكر لله قبل ما انزل المحل. 


احتوت «رضا» ابنتها بين أحضانها ما أن اختفى «عزام» لتقول بسعادة :

_ وانا بقى هروح لكمال بيه افكره بوعده ليا أنه يشغلك في الشركة أول ما تخلصي. 


تبدلت ملامح «أسيا» إلى شيء آخر لا يُشبه تلك الملامح الطفولية التي تُميزها إلى أخرى شوهها الألم و الرغبة في الإنتقام لذا تبدلت لهجتها وهي تقول بوعيد مُبطن:

_ كلميه يا ماما. خليه ينفذ وعده، وانا كمان انفذ وعدي.


قالت جملتها الأخيرة بخفوت لكي لا تسمع والدتها ولكن «شروق» فطنت إلى أن هُناك شيء مُريب في الأمر.


اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك. يا الله، يارب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن ترزقني رزقاً واسعاً حلالاً طيباً، برحمتك يا أرحم الراحمين♥️


★★★★★★★★


_ خفي ايدك ياختي شويه. الرجالة مفطروش لسه و حضرة الظابط أمين مابيحبش الفطار يتأخر.


هكذا تحدثت «مديحة» بتقريع وهي توجه كلماتها إلى «أشجان» التي كانت تقف أمام ألة الطهي تفعل ما بوسعها حتى تُتجز ما تفعله لكي لا تتعرض لأي حديث لاذع من والدة زوجها ولكن لم يفلح أي شيء في ردعها لذا أخذت تستغفر سرًا لكي يمنحها الله القوة على الاحتمال، فكان صوتها يُثير استفزاز المرأة أكثر فهتفت بحنق:

_ و ابقي روحي البسيلك حاجه عدلة بدل القرف اللي أنتِ لبساه ده. الواد نفسه مسدودة عن الدنيا بسببك. 


لا تعرف هل تبكي على حالها ام تضحك على رثائها لابنها في جملتها الأخيرة؟ فكيف حالها هي وهي تحيا بينهم؟ كالخادمة التي حتى لا ترقى لمعاملة رحيمة. كل شيء مُحرم عليها حتى أهلها. تتجنب زيارتهم منعًا للمشاكل التي تُعرضها للتعنيف و الأذى النفسي.


_ ايه ياختي مش بكلمك؟ في ايه واكله سد الحنك؟ 


كان صوتها نشاذًا على مسامع «أشجان» التي هتفت بتعب:

_ عيزاني اقولك ايه طيب؟ حاضر هعمل كل اللي أنتِ عيزاه. 


«مديحة» بتقريع:

_ و مالك بتقوليها كدا ليه؟ ما تيجي تاخديلك قلمين أحسن ؟ 


بلغ غصبها زروته فهتفت بنبرة عالية بعض الشيء:

_ هو انا فتحت بقي ولا اتكلمت؟ مانا مكتومة اهو! 


كان صوت «أمين» القادم من الخارج كالسحر الذي بدل المرأة أمامها فجعلها ترتدي ثوب الضعف وهي تقول بحزن زائف:

_ كدا بردو يا أشجان بتزعقيلي عشان بقولك البسي حاجه حلوة يا بنتي و جوزك هنا. 


تدخل «أمين» قائلًا بحنق:

_ في ايه يا ماما؟ 


«مديحة» بحزن زائف :

_ ولا حاجه يا ابني. انا هحط لساني في بقي و اسكت بعد كدا. 


ناظر «أشجان» بغضب تجلى في نبرته حين قال:

_ عملتي ايه زعل حماتك بالشكل دا ؟ 


لم تحتمل كل هذا الظلم فهتفت بغضب:

_ والله اهي عندك أسألها. 


_ قوليلي يا ماما حصل ايه؟ 


«مديحة» بانكسار:

_ خلاص يا إمين مالوش لزوم لبسها وهي حرة فيه. انا كان غرضي بس انها تخلي بالها من مظهرها شويه حتى وانت هنا. الناس كلت وشي بره. 


برقت عيني «أشجان» من حديثها فهتفت دون وعي:

_ هو أنتِ ازاي قادرة تكوني كدا؟ 


«مديحة» بتلعثُم :

_ كدا ازاي يعني ؟ 


لم تستطِع منع الكلمة من العبور من بين شفاهها حين صرخت قائلة :

_ كذابة. 


ما كادت أن تنهي جملتها حتى تفاجئت بصفعة قوية سقطت على وجهها فأدارته للجهة الأخرى، و صوت ذلك الوغد يرن بأذنيها وهو يقول:

_ اخرسي يا كلبة يا بنت الكل… بقى انتِ بتغلطي في أمي؟ دانا اقطع لسانك..


_خلاص يا ابني حصل خير انا مسمحاها. 


هكذا هتفت «مديحة» بعتب مُزيف وهي تحاول منع «أمين من أن يصل إلى «أشجان» وهو يصيح غاصبًا:

_ سبيني يا ماما أربيها الكلبة دي.


_ حد الله ما انت مقرب منها سيب بنتي. انا هتصرف معاها 


لتحاول أن تقترب من «أشجان» و تحتضنها في محاولة لإدعائها أنها تواسيها ولكن الأخيرة ذهب عقلها أدراج الرياح ولم تعُد تحتمل فأخذت تصرُخ كالمجنونه وهي تلطُم خديها و هي تقول بجنون:

_ كفايه. كفاية بقى. حرام عليكوا.


حاول «أمين» ان يُكمم فاهها و يُسيطر على صراخها فإذا بها تسقُط بين يديه فاقدة للوعي، و صوت صارخ من خلفهم جعل أوصالهم تتجمد من فرط الذُعر:

_ أشجان. عملتوا ايه في البت موتوها؟


رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة لساني، يفقهوا قولي، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الصعب إن شئت سهلاً، يا أرحم الراحمين. اللهم افتح علي فتوح عبادك العارفين، اللهم انقلني من حولي وقوتي وحفظي إلى حولك وقوتك وحفظك، اللهم اجعل لي من لدنك سلطانًا نصيراً.♥️


★★★★★★★★


منذ البارحة لم تذُق طعم النوم كيف وهي تعلم بأن الغدر يُحيط بها من كل الجهات، فهل يُمكِن لجفونها أن تُغلق؟ تخطى الأمر حدود المسموح فلم يعُد للتعقُل مكان، فإما أن تحيا بعد أن قتلوها سابقًا و إما أن تنال منهم مثلما فعلوا بها؟ 


استفهامات كثيرة كانت تدور برأسها إلى أن اجتمعت جميع الإجابات في بوتقة واحدة لتهُب من مكانها تنوي تنفيذ ما انتوته، فلن يحدث أسوء مما حدث سابقًا. 


_ انجزي ياختي أنتِ وهي على ما استعجل المدعوقة اللي فوق دي. 


كانت «عنايات» تتحدث إلى أحدي الخادمات في مطبخها الكبير ليسقط قلبها هلعًا حين استمعت إلى ذلك الصُراخ القادم من الأعلى فهرولت إلى الخارج لتتجمد أوصالها حين رأت ….

الفصل الرابع من هنا


تعليقات



×