رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثالث بقلم نورهان محسن
(بين الشغف والخوف)
أنتَ نجمٌ يتلألأ في سماء روحي ،
لكن الغيوم الداكنة تقترب ، تحمل معها رياحَ العاصفة.
كل خطوةٍ منك تُلهب عوالمى بنيرانًا شغوفة ،
ومعها يتردد صدى الخوف كنغمةٍ غامضة تثير حيرتي.
بين الشغف الذي يسكنني ، والخوف الذي يسيطر على ،
فأنتَ النار التي تُضيء لياليَّ ،
لكنني أخشى أن تُحرقني بلا رحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في غرفة النوم
وقفت أمام المرآة ، تتلوى بجسدها بحركات ضجرة ، تحاول الوصول لأزرار فستان الزفاف الأبيض ، بينما تتحدث مع نفسها بتبرم : مش فاهمة ليه فساتين الفرح معقدة كده؟ أكيد المصممين حاقدين علينا .. عايزينا نتحشر جواه وما نخرجش إلا بإعجوبة!
نطقت ابريل بحنق ، بينما تجاهد بيديها أن تصل للزرار الأعلى واستمرت في محاولاتها الشاقة ، أنفاسها تتسارع والإحباط يزداد على وجهها ، وأخيراً بعد عدة محاولات فاشلة ، بدأت تشعر بأن الفستان يأسرها ويخنق أنفاسها ، لتتمتم بصوت خفيض يملؤه الحيرة : هو أنا تخنت ولا إيه الحكاية؟ مش ممكن .. دا أنا أساساً نفسي مسدودة!
وضعت يدها على خصرها ، تفكر في حلاً لهذا الكابوس ، وأطلقت زفرة طويلة : أوف يا ربي .. هو كل عروسة بتتبهدل البهدلة دي يوم جوازها؟ مفيش حل سحري يريح العرايس من العذاب ده؟
أوقف تدفق أفكارها صوته الرجولي ، الذي يتخلله تلميح ماكر من خلفها : السحر في صوابع العريس يا بندقتي
شهقت ابريل بذعر ، والتفتت لتجده يقف عند الباب يحاول كتم ضحكته بصعوبة ، حملقت فيه بربكة مستنكرة ، ثم وبخته بلهجتها الرقيقة : انت ازاي تدخل عليا كده من غير استئذان؟
رفع باسم حاجبه مقترباً منها بخطوات واثقة ، وبابتسامة جانبية أجابها ببراءة مزيفة : سمعت دوشة قولت أشوفك بتعملي إيه… كنتي بترقصي باليه ولا إيه؟
شعرت ابريل بالحرارة تزحف إلى وجنتيها ، محدقة فيه بحدة ، لكن سرعان ما تبعتها ابتسامة ساخرة : هاها يا خفة! جاي تستظرف حضرتك؟
لم يتمالك نفسه وانفجر ضاحكًا ، بينما يرد وسط ضحكاته التي ملأت الغرفة : بصراحة المنظر مايتفوتش .. حسيتك اتحولتي بجعة صفرا واوزعة بفستان الابيض
احمرّ وجهها خجلًا ، لتهتف بنبرة محبطة : انا مش نقصاك .. يا تساعدني في المصيبة دي .. يا تطلع برا وتسيبني في همي
هز باسم كتفيه وهو يضع يديه في جيوبه بعدم اكتراث ، وعيناه يتراقص فيهما المكر : أنا عرضت مساعدتي وانتي رفضتي… بقى أخلصي بسرعة .. عشان أغير وأخد شاور .. إلا لو كنتي عايزة أقلع هنا!!
ضيّقت عينيها متوعدة ، وزمت شفتيها بعفوية : وهو يعني مفيش حمام غير ده في الشقة؟
باسم ببرود عابث ، وعيناه تجولان بملامحها المتوردة : مابرتحش غير في حمامي
أطلقت ابريل زفرة مستسلمة ، واقتربت منه ببطء خجول ، لتقول بنبرة تتخللها لمسة دلال : باسم … ممكن تساعدني في فك زراير الفستان؟
ارتفع حاجبه باستغراب خفي ، وهو يتأملها بنظرة تجمع بين الهيام والحيرة ، فقبل لحظات قليلة كانت ترفض مساعدته بكل إصرار ، فسألها بنبرة تحمل تهكمًا لاذعًا : ودا بأمارة إيه؟
تقدمت منه خطوة إضافية ، حتى صار بينهما مسافة لا تُذكر ، ورفعت يديها بخفة لفك رابطة عنقه بتهمل أرسل شرارات حارقة عبر جسده ، تطلعت إليه بعينين مشعتين بالخجل ، يكتنفهما دفء أنوثتها ، وهمست بنبرة مغلّفة برقة مقصودة : جوزي .. لو مطلبتش منك تساعدني .. هطلب من مين؟
ابتسم باسم بمكر ، وجذبها نحوه بخفة ، مستفسراً بصوت عميق مثير : هو أنا مش بكون جوزك غير وقت المصلحة بس؟
ازداد خجلها ، لكنها لم تستسلم ، بل ابتعدت خطوة ، ورفعت إصبعها محذرة بهدوء : باسم .. هتفكهم وبس .. مفيش داعي لحركاتك الخبيثة دي
رفع باسم سبابته وعانق سبابتها ، وعيناه تتأملانها بدهاء وعشق غامر ، ثم همس بعبث متلاعب : بس المرة دي .. انتي اللي بدأتي بالحركات الخبيثة يا روحي .. مش انا
سحبت ابريل إصبعها من براثنه ، واستدارت للجهة الأخرى ، متظاهرة بالإستسلام : طب .. خلاص اهو!
وقف باسم خلفها ، يمرر يده على ظهرها ببطءٍ محسوب ، لتتغلغل لمسته إلى أعماقها ، وشعرت بالإرتباك الحارق يسري في عروقها.
همست ابريل بتذمرٍ متوتر : مستني ايه؟ ماتفكهم؟
أجابها باسم بصوت هادئ ، يتخلله غموض مثير : ماتستعجليش .. الموضوع طلع معقد وعاوز تركيز .. وانتي بتتحركي كتير
التفتت ابريل إليه برأسها ، نظرتها مليئة بالضيق ، وقالت بلهجة تكسوها نبرة ممتعضة : انت بتفك شفرة قنبلة نواوية ولا زراير فستان!! خلص بسرعة بقا!!
ابتسم باسم بنظرة استفزاز تلمع في عينيه الرماديتين ، واقترب منها يمرر ظهر انامله علي وجنتها ، ليهمس بمكر : لو بتعرفي تطلبي بطريقة مؤدبة .. يمكن أفكر أوافق!!
شعرت ابريل بوخزة إحراج حار سرت في عروقها ، فحدّقت فيه بنظرة ساخطة وردت بحدة ضعيفة : باسم .. بلاش لعب الأعصاب ده .. مش وقته خالص!
دني باسم منها أكثر بوجهه نحو أذنها ، ثم همس بجرأةٍ لا تخلو من التحدي : ده وقته ونص .. عشان آخد حقي من كل حركة عناد فيا .. وكل كلمة قولتيها بلسانك الطويل يا بندقة
أطلقت ابريل ضحكة جافة لا تخلو من النعومة ، ورفعت حاجبها بسخرية قائلة بتحدٍّ متصلب : حقك؟ لا والله! قول كده من الأول .. أنت بتستفزني عشان متساعدنيش خلاص .. مش عاوزة منك حاجة .. اتفضل اخرج
لكن بدلًا من أن يخرج ، اقترب منها بشدة ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة شديدة الثقة ، وهمس بجوار أذنها بتلاعب ماكر : وبتقوليها بخوف ليه؟
شدّت كتفيها متظاهرةً بالصلابة ، واستفسرت بلهجة مرتبكة : وهخاف منك ليه؟
لم يرد عليها ، فقط أمسك بكتفيها برفقٍ ، وأدارها لتستدير ببطءٍ أمامه ، ومنحها لحظاتٍ قصيرة تُدرك فيها عُمق كل حركة ، وهو يفكّ الأزرار ببطء مقصود ، كأنّ كل زرّ ينحلّ يُسقط معه قناعًا من تردّدها ، راحت يداه تنساب بنعومة فوق ظهرها ، بينما دفء أنفاسه يتسلّل ببطء إلى عنقها ، وأصابعه تتباطأ عمداً في فكّ الأزرار ، مما جعلها أسيرةً لمزيجٍ من الحيرة والخجل.
انحدرت الأزرار الأخيرة ، حتى سقط الفستان عن كتفيها ، لترتفعان يداها لا إراديًا إلى صدرها ، محاولة أن تحجب ما تبقى من عنادها المتكسر تحت وطأة قربه ، وعينيه التي لم تفارق ارتباكها المتأجج بإستمتاع عاشق.
_شكرا
هكذا تمتمت ابريل واستدارت نحوه بوجلٍ خافتٍ ، فإذا بها تتفاجأ به وهو ينزع قميصه بلا تردد ، كاشفاً عن صدره العاري أمام بصرها الذي تاه للحظة بين تفاصيل جسده التي بدت كلوحة مشبعة بالقوة والجاذبية.
توردت وجنتاها بخجل لم تستطع إخفاءه ، فإنفرجت على شفتيه ابتسامة مغرية متعمد استفزاز خجلها المكتوم ، لتدير ظهرها إليه بسرعة ، وصاحت بصوت مختنق بنبضات قلبها المتسارعة : بتعمل ايه؟
أجابها باسم بلامبالاة فظة : عملت إيه يعني؟ جريمة؟… واحد عايز ياخد دوش… إيه؟ هيخده بهدومه؟
انعقد حاجباها بغضبٍ مرتبك ، لتلتفت إليه مجددًا وهي ترفع يد فى خصرها ، والأخرى مازالت علي صدرها ، قائلة بنبرة متهكمة : يا شيخ!! ما تقلع في الحمام!!
ابتسم باسم بخبث ، وقال بنبرة متثاقلة : والله انا متعود علي كدا .. وهو دا اسلوب حياتي .. اتعودي عليه بقي يا زوجتي العزيزة
زمّت ابريل شفتيها بانزعاج ، وأطلقت زفرة سريعة ، لتنطق بخفوت يفيض بخجل ساخط : اسلوب قذر وبجح
_لسانك بينقط سم يا قلبي
قالها باسم بنبرة استهزاء مشوب بجرعة من الدفء الماكر ، ثم مال برأسه قليلاً وأرسل قبلة في الهواء بتحدٍ واضح ، أثارت فيها عاصفة خجولة جعلتها تستدير بعيداً ، هاتفة بنبرة مليئة بالسأم : بطل بقي
قهقه باسم بخفة ، وتكلم بعبثٍ لاذع : خلاص .. مش هحرجك .. ودا تقدير مني لعروستي للي بتكسف
علقت ابريل بصوت خافت ، امتزجت فيه السخرية والامتنان الزائف : شكرا لكرم اخلاقك
أنهت ابريل جملتها بحركة مسرحية من رأسها ، ليبادلها بنظرةٍ وغمزةٍ مرحة ، قبل أن تستدير ، وتبدأ بتفحص الأدراج بارتباك ، لاحظ حركتها السريعة ، فسألها بفضول : بتدوري علي ايه؟
اجابت ابريل بشئ من التوتر : انت شايل الفوط فين؟!
اقترب باسم منها بخطوات هادئة ، فتح درجًا بجانبها ، ثم مد لها منشفة بيضاء مطوية بحركةٍ هادئة ومغرية فى نبرته الرجولية الخافتة : اتفضلي الخدمة هنا خمس نجوم وبالمجان يارب تعجبك
حاولت سحبها سريعًا ، لكنها شعرت بأصابعه تمسك بها بخفة ، لترفع عينيها نحوه بدهشة مشوبة بالاستفهام : ماتسيبها
لثوانٍ ، تشابكت أعينهما كشرارة عشق خفية ، قبل أن يطلق سراح المنشفة فجأة ، فسحبتها بسرعة ووجهت خطاها نحو الباب لتغادر الغرفة بسرعة ، لكنه إستوقفها سؤاله الهادئ : علي فين؟
عضت ابريل على شفتها ، ثم أجابته بصوت ينساب بنعومة : طالما انت متمسك بالحمام دا هروح انا الحمام اللي برا
ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره ، وهو يتابعها تغادر الغرفة بخطوات متوترة ، ويده مستقرّة على خصره.
انجذبت عيناه نحو حقيبتها المفتوحة ، حيث برزت قطعة من ملابسها الداخلية التي تركتها خلفها في عجلتها ، انحنى ببطء يلتقطها بين أصابعه ، ثم
أعادها إلى مكانها ، مطلقاً تنهيدة عميقة مشبعة بحرارة تعكس شغفًا مكبوتًا ينتظر أن يُحرق بلهيب شوقه.
✾♪✾♪✾♪✾♪✾
بعد فترة وجيزة
عادت ابريل إلى الغرفة ، ليُصادف نظرها فوضى الملابس المتناثرة على الأرض ، نبضت ملامحها بالحنق ، ثم انحنت لتلتقطهم من أماكن متفرقة ، وهي تدمدم بعبارات مفعمة بالاستياء : رامي هدومه في الارض .. من اولها كدا هلم وراه ايه البني ادم دا!! قال يقولي اسلوب حياتي قال!! مهمل..
فرت صرخة من حلقها عندما استقامت بظهرها ، لتجده أمامها ، يقف عاريًا إلا من منشفة بيضاء كبيرة تلف خصره ، وقطرات الماء تتدفق على صدره المبلل ، بينما اندفع يسألها بلهفة ، معتقدًا أن هناك كارثة كونية حلت : مالك .. حصل ايه!!؟
أدارت جسدها بسرعة إلى الجهة الأخرى ، وعينيها مفتوحتان بإستنكار حانق تجلى في قولها : انت اتخبلت؟ ايه مخرجك كدا من الحمام!!
_نعم!! واحد كان بيستحمي هيخرج لابس سموكينج
شقت فمها ضحكة مُكتومة على تعليقه الساخر من خلفها ، لكن سرعان ما عادت توبخه : استر نفسك بسرعة قبل ما الفوطة تقع زي مابيحصل في المواقف اللي زي دي!!
زفر باسم بسخط ممتعض : هي كانت هتقع مني فعلا من خضتك ليا بالشكل الغبي دا وانا لحقتها..
تابع بذات النبرة ، بينما اتجه نحو غرفة الملابس الزجاجية : يخربيت المسلسلات التركي اللي شكلها مسيطرة علي مخك دي .. رعبتي اهلي ونشفتي دمي بجنانك دا!!!
بررت بحنق مغتاظ : ماتشتمش!!! ماهو المسلسلات دي علي فكرة بتتاخد مشاهدها من الواقع يعني هيجيبوها منين مثلا؟!
غاب عنها بداخل الغرفة الزجاجية دقائق معدودة ، وقفت هي تنتظره بملل ، قبل أن تستدير بخفة ، حينما سمعت خطواته تقترب ، ثم شهقت بخجل : يوووه بقا
_ايه تاني؟
سألها بضيق ، فانحنت برأسها خجلاً ، ولم تقوي على رفع بصرها إليه ، وهو يقف أمامها بملابسه الداخلية فقط ، مما جعلها تشعر بلهيب يتسلل إلى وجهها ، ثم أجابت على سؤاله بصبر غريب عليه : بكل ادب اهو .. اتفضل روح كمل هدومك .. بدل ما انت واقف كدا بمنظرك السافل دا
_سافل ليه؟ واكمل ايه؟! ما انا اهو لابس!!
_لابس!! كدا لابس؟ ازاي!!!
_ازاي ايه يا مجنونة!! اللي مش منطقي للي انتي لابساه!!
أشار مستنكراً بإصبعه علي ملابسها ، حيث كانت ترتدي البيجامة من الساتان باللون الوردي الفاتح ، مكونة من قميص بأزرار أمامية وياقة كلاسيكية مع أكمام طويلة ، الأكمام والأرجل مزينة بحواف من الريش الوردي الخفيف ، مما يضفي لمسة فاخرة وأنثوية ، والبنطال طويل وواسع قليلاً ، مما يوفر راحة أثناء الارتداء.
تخصرت ابريل مستفهمة بنبرة متمردة : وماله للي لابساه بقا .. حاجة محترمة مش زي المسخرة للي جايباها يا سيادة المخرج المحترم
رد بنبرة خبيثة : الستات المحترمة مع رجالتها مش بيعمرو كتير يا بندقة
لم يسعها إلا أن تعض على شفتيها خجلاً من تلميحاته الوقحة : يخربيت سفالتك
جلس باسم علي السرير ، متظاهراً بالجهل : بتقولي حاجة يا روحي؟!
نفت برأسها في صمت ، وصعدت فوق السرير لتجلس مربعة القدمين ، ليذكرها بما قالته سابقاً : غريبة!! انا فاكر قبل كدا قولتلي .. مش هنام معاك في نفس السرير مهما يحصل!!
غمغمت بتقريع واضح ، بينما راحت تتلاعب بأطراف الأكمام المزينة بالريش الناعم : دا لما كنت فاكرة ان البعيد هيبقي عنده دم ويسيبلي السرير .. بس واضح انه نوع نازل من غير دم اصلا
_كأنك بتلقحي؟
_كأني!!
_و ايه !! هتفضلي قاعدة كدا؟
_وهنام ازاي وانت قصادي بالبوكسر كدا..!!
_هي دي كمان هتعارضي فيها!! اصلا متعود انام من غير عشان بيضايقني .. بس لبسته عشان خاطرك يا قلبي .. ولما ناخد علي بعض هيبقي في كلام تاني
قالها بلهجة توحى بثقة مفرطة ، جعلت فيروزيتها تحتد فيروزيتها بإستهجان من تلميحاته الوقحه ، فعارضت بتحفز : دا بعينك استحالة اللي في مخك دا يحصل!!
جاء رده مستنكراً بنبرة حادة : اللي بتقوليه دا انتي مستوعباه!! ولا بتضحكي علي نفسك بيه!! ازاي ست هيتقفل عليها باب مع راجل واستحالة هيحصل بينهم حاجة!! كان حد قالك انك اتجوزتي سوسن؟!
ضمت إبريل الوسادة إلى صدرها ، كأنها تبحث عن مأوى يُخفف عنها وطأة المجادلة التي لم تُظهر بوادر نهايتها لصالحها ، تدرك تمامًا أنه يفهم مشاعرها الحقيقية تجاهه ، وهو ما يثير فيها نار الاستفزاز ، إذ تتمكن ثقته المُطلقة في نفسه من سحب البساط من تحت قدميها.
تململت في مكانها ، وتسللت الكلمات من بين شفتيها بنبرة مشبعة بالخجل تنبض بالعند : دا مش اسلوب حضاري خالص للمناقشة .. واللي بتكلم عنهم دول اللي متجوزين بحق وحقيقي!!
مدَّ يده نحو ذقنها ، مُمسكًا بها بخفة ، ورفع وجهها إليه ليغمرها بنظراته المتعطشة ، متفرسًا ملامحها الساحرة بعشقٍ يتأجج بالشوق والجموح ، ثم تحدث بجدية صادقة لا تخلو الصارمة ، لتجعل نبضاتها تتسارع بعنفٍ مرتبك : واحنا متجوزين بحق وحقيقي و بإرادتك كمان .. بس انا سايبك علي هواكي بمزاجي .. عشان عاوزك تحسي نفسك مرتاحة لحد ماتتقبلي وجودنا مع بعض..
ابتلعت ريقها لتخفي ارتباكها خلف ابتسامة هشة ، ولوت شفتيها بنعومة محاولةً تخفيف وطأة الموقف : طيب ممكن لحد مانتقبل كلنا تلبس بيجاما؟
حملق فيها بنظرة اختزلت في طياتها جرأة بلا حدود ، ليكسر حدود الكلفة التي حاولت بناءها بينهما ، ورد بصوت يلفّه تهديد مبطن بالخبث : انا يا هنام بالبوكسر والليلة تعدي علي خير .. يا هقلعه و...
_ماتكملش!!
لم تدعه يكمل ، وقد شعرت بوهج الخجل يبعثر تماسكها ، لذا استسلمت للأمر الذي لا مفر منه : وصلت المعلومة..
تراجع للخلف مستندًا على ظهر الفراش بإسترخاء ، وردد بإستهزاء بارد : كويس ياريت باقي الفيلم الهابط دا يتمحي من نفوخك .. انا لسه شاب صغير ومش ناقصني يجيلي روماتيزم ولا الغضروف في السن دا من نومة الارض ولا الكنبة..
لوحت ابريل بيدها في تعجب بريء توازى مع قولها : وهو حد كان طلب منك تنام علي الارض من اصله؟!
أطلق ضحكة جذابة ، والتقت رماديتيه بعينيها ، وهو يميل بجسده نحوها ، ثم تمتم بهدوء يقطر شوقاً : نعمل ايه في دماغك المحجرة دي؟ فيها ايه لما تقولي نفسي اجي في حضني وانا من عيني الاتنين
قذفته بالوسادة لتُسكت حديثه المستفز ، محذرة اياه بنفاذ صبر : دا انت بتتلكلك للخناق بقي… ولا ايه نظامك في الليلة اللي مش راضية تعدي دي؟!
قهقه بخفوت ، وأزاح الوسادة بحركة متأنية ، ثم اقترب منها ، ولف خصلة من شعرها حول إصبعه ، وهمس في أذنها بصوت أجش مشبع بإغواء تتسلل كالنار في هشيم روحها : ماتستعبطيش!! شكل افكارك المنحرفة خدتك للحتة دي معايا يا قليلة الادب
شعرت بارتعاشة تسري في جسدها ، وهى تستقيم بظهرها في السرير ، وردت بصوت يختلط فيه التوتر والقلق : نقطة في بحر قلة ادبك .. وبعدين انت هتتخمد ولا اسيبك واروح للكنبة للي برا
عض علي شفته السفلى مداعباً توترها بتلذذ صارخ : خلاص خلاص .. ماتحمريش اوي كدا يا بندقة .. ثم في راجل عاقل وبيقدر النعمة و يكون علي سريره مزة بالطعامة واللذاذة دي ويسيبها وتنام علي الكنبة
نفخت بحنق محبب ينم عن احتجاجٍها ، ثم رفعت الغطاء عنها بحركة حاسمة : اللهم طولك يا روح .. انا قايمة والله كنت عارفة من الاول انك مش مضمون
أمسك بيدها بخفة ، مانعًا إياها من النهوض بنبرته الأجش : خدي هنا يا بت .. جو الريسبشن مش مناسب ليكي وهتصبحي تعبانة..!!!
شعرت بخفقان في صدرها ، وهي تستمع لكلماته الدافئة التى لا تخلو من الحنان ، فإستفسرت برقة متحيرة : انت ليه مافكرتش تمثل قبل كدا..؟
عقد حاجبيه بدهشة بزغت في استفهامه : اشمعنا!!
حدجته بحاجب مرفوع بتحديًا خبيثًا ، بينما تراقصت على شفتيها ابتسامة جانبية : اصلك قادر بكل سهولة تتقمص شخصية الزوج الحنون اللي بيخاف علي حبيبته من نسمة الهوا قبل ماتطيري وتوصلها..
ردّ بنبرة مزجت بين الدعابة والجدية : عادي محبتش اقطع ارزاق الزملاء .. يلا خلينا ننام عشان نلحق طيارتنا الصبح .. ولا تحبي ندور علي حاجة تانية نعملها مع بعض يا بندقتي؟!
غمز لها بوقاحة ، فأدركت تلميحه غير البريء ، رمقته بنظرة نارية ، واستلقت على ظهرها بجانبه ، متمتمة بحنق مكبوت : مستفز وبجح
قرب منها بأذنه متظاهراً بالجهل : بتقولي حاجة
_لا
نفت بسرعة ، وأغمضت عينيها هربًا من حضوره الذي يأسر نبضات قلبها المتسارعة.
لم يمر سوى ثوانٍ معدودة قبل أن تسمع همهمته المتحيرة : هي إيه البتاعة دي؟
فتحت عينيها الفيروزية لتجد عينيه تركزان على شال جدتها الأسود ، ممسكًا به بأطراف أصابعه ، وكأنه يثير اشمئزازًا في نفسه.
نهضت فجأة ، متناسية الارتباك الذي يعتريها منه قبل دقائق ، لتخطفه منه ، قائلة بعفوية شديدة : دي توحا
_نعم!! مين؟
هتف بإستنكار ، مشيرًا إلى عدم استيعابه للموضوع ، وضحت له بإيجاز : شال ستي توحا
ضاقت رماديتيه بتوجس ، وسألها باستفهام صبور : حصلنا الشرف .. بس بيعمل إيه دا وسطنا على السرير مش فاهم؟
هزت منكبيها بهدوء ، وهي تضع الشال في حضنها وغمغمت بحب : مابعرفش أنام إلا وهو في حضني
ضحك بإستخفاف ، مستهزئًا من موقفها : لا والله .. ودا هتاخديه معاك واحنا مسافرين؟
أكدت إبريل ببرود : طبعًا مابروحش في حتة من غيره
سرعان ما ارتفعت نبرته ، مشيراً لها بحزم ، ورائحة الريحان المنبعث من الشال تكاد تخنقه : ارمي البتاع دا من على السرير ريحته خنقتني
عارضته إبريل بجدية مضحكة : لو سمحت ماتكلمش عن توحا كدا .. ماسمحلكش
نظر باسم لها بتعجب شديد ، وخطف الشال من حضنها ليزيحه جانبًا ، ثم قرب وجهه منها ، يجاريها فى جنونها : معلش انتي يا حجة توحا تعالي كدا شوية عشان عايز اتفاهم مع بنتك المهبولة دي
_احترم نفسك!! أنا مش مهبولة..
رفعت ابريل سبابتها بتهديد غير لائق مع فارق حجميهما ، بينما انحنت لتأخذ الشال وتضعه في وسطهما ، وهتفت بمعاندة : وهي هتنام وسطنا يعني هتنام وسطنا .. مش عجبك، شوفلك حتة تانية انخمد فيها
ارتفعت زاوية فمه بغضب مستنكر : بقي بتطرديني من أوضتي!! طيب اهي ستك اهي على الأرض..
انتهى بجملته ممسكًا بالشال ، وقذفه على الأرض بعناد مماثل مليء بالإستخفاف ، فصرخت إبريل في وجهه من قسوة تصرفه بنظرها ، لتنهض بسرعة وتلتقط الشال وتنفضه وتدلكه بحنان ، بينما توبخه بلهجة نارية : يا عديم الرحمة .. كدا ترمي ستي على الأرض؟!
سند باسم على فخده بيده ، ويده الأخرى اعتصرها بحدة ، متمتمًا من بين أسنانه بعد أن أخرجته عن طور العقل بتصرفاتها الغريبة : بت انتي متخليش آخر ذرة عقل في دماغي تطير عليكي!!!
ابريل لم تبال به ولم ترد عليه ، بل سارعت إلى جهة السرير ، واستلقت والشال في حضنها تحت نظره المتعجب ، ليخبط كف فوق كف ، وهو يهمهم بذهول : اتجوزت مجنونة رسمي
استلقى بجانبها في هدوء ، بينما مدّت يدها وأغلقت الإضاءة الخافتة من جهتها ، ساد الصمت للحظة لكن سرعان ما قطعه صوته الآمر : افتحي النور
لفّت ابريل رأسها نحوه مدهوشة : افتحه ليه؟
أجابها باسم بإيجاز ، ويداه متشابكتان فوق بطنه محاولاً إخفاء توتره المختنق : مابعرفش أنام ومفيش نور جنبي
ردت إبريل باستخفاف مستفز ترد به ما فعله منذ قليل : و دا ليه بقى؟ عيل صغير حضرتك؟
نفخ بضيق يتخلله نفاذ الصبر : بطلي لماضة و افتحي النور
أصرت إبريل برفض : وأنا مابعرفش أنام في النور
_أوك
همهم باسم بها مستلقياً على جانبه ، وإحتواها بتملك ، فحملقت فى السقف بشعور غامر بالدهشة ، وهى تشعر بكفه متمسكاً بخصرها ، بينما أراح رأسه على كتفها مغمضاً عينيه ، مُستمتعًا بدفء جسدها الذي تيبس تحت وطأة القرب الحميم ، فتلعثمت حروفها في فمها : و دا اسمه إيه إن شاء الله .. مين فينا قليل الأدب دلوقتي؟!
تمتم باسم بخشونة : يا تفتحي النور يا إبريل يا تسكتي .. أنا لو نمت بعيد عنك هتلاقيني فوق منك .. عشان بتقلب كتير وأنا نايم .. وجايز تفطسي وأقضي باقي عمري في السجن بسبب عناد اللي خلفوكي
برر فعلته بتلك الحجة ، متجنبًا الاعتراف بأنه لم يعتد على النوم في الظلام منذ سنوات ، لكنه كان يدرك في أعماقه أن تلك الأعذار لم تكن سوى غطاء لشوقه المتعطش للاقتراب منها ، ليغمر نفسه في عطرها الخلاب الذي يغزو إلى روحه بضراوة العشق.
ابريل بتململ محاولة ازاحته : أوعي كدا مستحيل هنام بالشكل دا .. أنا أضمن واحد زيك منين!!
_اللي خايفة أنه يحصل دا حق من حقوقي يا مدام .. لو عوزتها هتحصل .. وإنتي مش هتقدري تمنعيني .. بس ماليش دماغ لحاجة دلوقتي .. فاحسنلك تنامي وتخليني أنام عشان لو فركتي كتير دا في خطورة عليكي
قالها بنبرة جادة تحمل ثقل مشاعره الجياشة ، مما جعلها تتردد للحظة قبل أن تهمس بإستسلام : طب أنا مش عارفة أتحرك ممكن توعي ايدك!!
_لا اتعودي على كدا، وسبيني اخد على وجودك معايا يا قلبي
همهم باسم بخفوت وهو يضمها أكثر إليه ، ويغمس وجهه في عنقها الدافئ ، ثم همس بتعب : يلا الحقي نامي شوية عشان قدامنا يوم طويل بكرا
شعرت إبريل بحرارة مشتعلة تحيط بجسدها المتصلب من شدة التصاقه به ، ولم تفتر عزيمتها في النهوض من جواره فور أن يستغرق في نومه ، ولكن إرهاق اليوم الذي أثقل كاهلها والدفء المغري الذي ينساب بين ذراعيه اجتمعا ليأسراها ، مما دفعها سريعًا إلى غياهب النوم ، غارقة في بحور من الراحة والسكينة ، تذوب في أحضان ذلك الحنان الذي يشع منه.
علم باسم هذا الأمر من ارتخاء رأسها فوق رأسه ، فتنهّد بشبح ابتسامة قبل أن يرفع جذعه قليلاً فوقها بحذر ، ومدّ يده ليضغط على زر الأبجورة ذات الإضاءة الخافتة بجانبها ، قبل أن يعود إلى إحتوائها ، وأخذ يتأمل ملامحها الهادئة الرقيقة بإفتتان ، حتى إحتضنه سبات عميق.
✾♪✾♪✾♪✾♪✾
بعد فترة زمنية قصيرة
كانت إبريل غارقة في سبات عميق على جانبها ، حينما شعرت بيد تتسلل برفق على ذراعها ، ترتفع بتمهل وكأنها تراقب كل تنفس يخرج منها.
رفع باسم رأسه من خلفها ، عينيه تتلألأ بوميض غامض ،
يشاهد كيف يستحوذ النوم على ملامحها البريئة ، دنا منها وهو ينفث أنفاسه الثقيلة على بشرتها ، وقبل ذراعها برقة مثيرة ، مغمضًا عينيه ، غارقًا في عالم أفكاره المتضاربة ، وكل قبلة تثير في جسدها اهتزازات عميقة بين الفتنة والإستنكار.
انتقل باسم بقبلاته ليلامس أعلى كتفها ، ثم انحنى أكثر ليقبل عظمة ترقوتها بشغف حارق أصابت جسدها برجفة ممتعة ، في تلك اللحظة ، فتحت عينيها بخوف ، بملامح مليئة بالصدمة من لمساته الجريئة تسبيح جسدها ، وقربه الشديد منها
نهضت ابريل فجأة تدفعه عنها باندفاع ، وارتعشت شفتيها المرتبكة ، وهي تهتف بصمود مشوب خوف : في إيه؟ ليه بتبص كده؟ وعايز مني إيه بالضبط؟
اقترب باسم منها أكثر ، حتى شعرت بأنفاسه الساخنة تلامس شفتيها ، وهمس بصوت منخفض مشبع بالجرأة : عايز اللي بيعملوه أي اتنين متجوزين مع بعض يا حبيبتي