رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الرابع
في عيوني تتلألأ نار الأنوثة ، وأنا المتمردة التي لا تعرف الحصار.
إذا زعزعتَني بجرأتك ، فانتظرني سأتحداك ، لأُعيد تشكيل الأقدار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت إبريل غارقة في سبات عميق على جانبها ، حينما شعرت بيد تتسلل برفق على ذراعها ، ترتفع بتمهل وكأنها تراقب كل تنفس يخرج منها.
رفع باسم رأسه من خلفها ، عينيه تتلألأ بوميض غامض ،
يشاهد كيف يستحوذ النوم على ملامحها البريئة ، دنا منها وهو ينفث أنفاسه الثقيلة على بشرتها ، وقبل ذراعها برقة مثيرة ، مغمضًا عينيه ، غارقًا في عالم أفكاره المتضاربة ، وكل قبلة تثير في جسدها اهتزازات عميقة بين الفتنة والإستنكار.
انتقل باسم بقبلاته ليلامس أعلى كتفها ، ثم انحنى أكثر ليقبل عظمة ترقوتها بشغف حارق ، في تلك اللحظة ، فتحت عينيها بخوف ، بملامح مليئة بالصدمة من لمساته الجريئة تسبيح جسدها ، وقربه الشديد منها
نهضت ابريل فجأة تدفعه عنها باندفاع ، وارتعشت شفتيها المرتبكة ، وهي تهتف بصمود مشوب خوف : في إيه؟ ليه بتبص كده؟ وعايز مني إيه بالضبط؟
اقترب باسم منها أكثر ، حتى شعرت بأنفاسه الساخنة تلامس شفتيها ، وهمس بصوت منخفض مشبع بالجرأة : عايز اللي بيعملوه أي اتنين متجوزين مع بعض يا حبيبتي
رفعت ابريل كفها سريعًا أمام فمه ، كأنها تُقيم سدًّا يحول تقدمه الجريء نحوها تلامست شفتيه برفق مع رؤوس أصابعها ، مقبِّلًا إياها بتلقائية زعزعت نبضاتها مع نظراته المثقلة بالرغبة تكاد تلتهمها ، لتهتف متوسلة بصوت متقطع من القلق : باسم .. أنا بجد بدأت أخاف .. اوعي.. لو سمحت!!
بدلاً من ذلك ، احتواها بذراعه القوي ، ورفع يده الأخرى بتأنٍ مسحور ، لترفرف أصابعه على وجنتها الباردة ، ارتعشت رغماً عنها تحت سطوة دفئه ، وفيروزيتها تفرزان دهشة وترقب ، ليهمس أمام شفتيها المنفرجتين بصوت مبحوح معذب من فرط الشوق : مش قادر أشوفك كده جنبي وأقاوم .. مش قادر أحوش روحي عنك يا ابريل
نفث باسم أنفاسه المحمومة على بشرتها ، بينما تحل أصابعه أزرار منامتها العلوية بجرأة مشبعة بعزم لا يتزعزع ، ملأ قلبها المرتعد بارتعاش لم تعرف معه كيف تُوقفه ، غطت بحماية هشة مقدمة صدرها بكفها البارد ، وشعرت برغبة قوية في النهوض ، وعبّرت عن رهبتها بصوت مختنق : باسم... انت اجننت!! إيه اللي انت بتعمله دا؟!
حاولت التحرر منه ، لتنهض من السرير ، لكنه بصبر نافذ أسر ذراعها ، مجبراً اياها بحزم تستلقى فى عرض الفراش الوثير ، لينحنى فوقها بجسده وساقاه تكتنفان قدميها بهيمنة ، تمنع أي محاولة منها للفرار ، بينما يداه تُكملان فك أزرار سترة نومها بسرعة عنيفة جعلتها تشهق بإرتعاد ، حينما انتهى نزع السترة عنها ، وقذف بها بعيدًا ، لتسقط أرضًا دون اكتراث ، هامساً بصوت تخنقه اللهفة وشيء من خبثه الفطرى : أحسن .. البيجاما دي كانت مستفزاني أصلًا!!
حملقت باسم فيه بعينين متوسلتين ، قبل أن تهتف بذعر مترجى : باسم .. كفاية خلاص .. الله يخليك!!!
لم يأبه برجاءها ، بل ارتسمت على شفتيه ابتسامة جذابة ، واقترب حتى إختلطت أنفاسهما ، لتشعر بشفتيه تحومان حول شفتيها فى قبلات متفرقة تغلى بحرارة ، مخللا اصابعه في خاصتها كسلاسل من اللهب تتلظى بنيران شغفه ، ليهمس ببحة مثقلة بجبال من الرغبة اخترقت جوارحها : عارف انك من جواكي .. عاوزاني وبتحبيني .. وانا بموت فيكي يا ابريل .. ماتخفيش مني يا روحي
نطق بها باسم بشغفٍ لا يُطفأ ، خاتماً عنقها ببصمته المفعمة بالرقة والحرارة ، مما جعلها تتيه في متاهة مشاعر جياشة لم تعهدها من قبل ، أغمضت عينيها بتوتر ذائب ، محاولةً جمع شتات نفسها ، ولكن جسدها بدأ ينصهر ببطء تحت تأثير لمسات يديه الحانية ، اللتين استمرا في تجريدها من قلقها قطعةً تلو الأخرى ، متأرجحة بين خوفها واستسلامها ، إلا أن اضطراب عقلها وهواجسها استفاقت من سباتها السحرى حين شعرت بيديه تتجولان بجرأة فجة على مفاتنها.
انفصل عن سكرات الهوى ، حالما وضعت كفيها المرتعشين على صدره محاولة دفعه بعيدًا عنها ، وهي تغمغم ببكاء مكتوم : انا .. مش قادرة .. اتنفس يا باسم .. ابعد عني ... لو سمحت سيبني!!
قالتها ابريل بصدر يعلو ويهبط من فرط الاختناق المرتعب ، ليربت على كفها بحنو تجلى بنبرته الرجولية المهدئة : اتنفسي علي مهلك يا قلبي .. اهدي ماتقلقيش
دني باسم منها أكثر يداعب وجنتها المتوردة بشفتاه بخفة ، واضاف بأنفاس محمومة بالشوق : احنا هنتبسط بليلة دخلتنا وماتفكريش في حاجة تانية وانتي في حضني
مع بلوغ إصراره ، تفاقمت مخاوفها ، ودبّ الرعب في أوصالها كالنار في الهشيم ، محولًا كل نبضة في قلبها إلى إنذارٍ متواصل ، حاولت التمسك بآخر ذرة من قوتها في محاولة يائسة للهروب منه ، بينما ارتعشت يدها وهي تضغط على صدره ، وصوتها خرج متقطعًا ، مشحونًا بتوترٍ وقلقٍ يعكسان كل ما يدور في داخلها من صراع وتوسل : لا .. بقولك .. لا مش فاهمني ليه؟ انا مش عاوزة!!
تسللت أصابعه بحنان على وجنتها ، لا ينسجم مع شراسة عينيه ، تناقضٍ عجيب ينطق بالحب والهوس في آن واحد ، كأنه شخصا أخر تتجلى فى نظراته شيئاً مختلفاً عما تعرفه عنه ، بينما شفتيه ترتجفان شوقاً وهو يهسهس ببحة مشبعة بالشهوة : اومال متجوزك وعامل كل دا عشان في الاخر تنامي وتسيبني متعذب؟!!
انقضّ باسم عليها بحركة مباغتة ، مما جعلها تشهق وتتسع عيناها بصدمة ، بينما يلثم عنقها بقوة ، لتملأ صرخاتها الفضاء ، محاولة دفعه عنها بدموع تتدفق بضعف
_باسم .. حرام عليك .. الله يخليك .. ابعد عني
بدأت تتحرك برأسها يميناً ويساراً في اضطراب ، تهرب من شيء لا مرئي ، تتفوه بكلمات غير مفهومة تخرج منها كهمسات مشوبة بالهذيان والخوف.
استيقظ بجانبها ذلك الذي كان ينام بسلام ، مذهولاً وهو يراقب ارتجافها بأعين مشوشة من النعاس ، قائلاً بصوت خافت : ابريل!!
لكنَّ حركتها المضطربة لم تتوقف ، فأيقظت حواسه بقلق ، ليمد يده برفق إلى كتفها ، منادياً عليها بهدوء : ابريل .. اصحي!!
لم تستجب ، بل أدارت رأسها في الاتجاه المعاكس بوجهٍ مرتسم عليه الرعب ، والدموع تتساقط من عينيها المغمضتين لتبلل الوسادة ، هامسة بصوت مكسور يكاد يسمع : ابعد.. عني...
ذبذبات مؤلمة اجتاحت قلبه ، وهو يشعر أنها تحارب شبحًا فى غفوتها لا يستطيع رؤيته ، حاول تهدئتها بصبر ، ليهزها بليونه ، وصوته ما زال وديعًا ، ممتزجًا بقلق غريزي : حبيبتي .. دا كابوس .. اصحي معايا!!
تقلبت ابريل على الوسادة ، وصدى خوفها يخترق الهدوء : لا…
حاول باسم مجدداً بتصميم : قومي بقي يا ابريل
فتحت ابريل عينيها ببطء ، وراح بصرها يلتقط ملامحه بتشوش ، ثم جحظت بخوف غامض لم يجد له مبرر ، ودون وعى دفعت يديه عنها بقوة ، وهتفت متحشرج بالبكٍاء : اوعي عني يا واطي .. حرام عليك!!
تغلغل الذهول في قلبه ، وكلماتها قد اخترقت صدره بسكين من حيرة ، فسألها بارتباك ، وهو يحاول جمع أفكاره : أنا عملتلك إيه؟ انتي عيانة ولا إيه؟
لم تُجب ، بل نهضت بجذعها تراقبه بنظرات مليئة بالحذر ، ثم انقضت عليه فجأة ، وغرست أسنانها في كتفه بشراسة جعلته يطلق تأوهاً متألماً ، وحاول إبعادها عنه ، بينما قفزت هي من الفراش كأنها مطاردة بأشباحها ، وركضت حافية القدمين باتجاه باب الغرفة.
_رايحة فين المخبولة دي..!!
تمتم باسم بإنشداه متوجس يحاول استيعاب الموقف ، لكنه ما لبث أن لحق بها مسرعًا ، يناديها بلهفة : ابريل .. تعالي هنا...!
هرولت ابريل بغير وعي ، فعقلها لا يزال محاصراً في حلقة لا نهائية من الرعب ، التفتت إليه صارخة بصوت مرتجف : خليك مكانك .. ماتقربش مني ..
رآها باسم تتخبط حول نفسها ، كطفلة تائهة فى منتصف المنزل ، توقفت عيناها على خيوط ضوء الشمس المتسللة من النوافذ منذ ساعات ، بينما تناثرت الظلال الدافئة على الأرضية تحت قدميها الحافيتين ، كأنها تمدّ لها يدًا خفية تعيد إليها شيئًا من الإستيعاب.
_إبريل… دا أنا .. ما تخافيش
عاد باسم يهدهدها بصوت مطمئن ، لكنها لم تكفّ عن الهرب ، دارت حول طاولة السفرة تبحث عن ملجأ يقيها منه ، بينما قلبها يخفق كطائر مذعور في قفص ، ليهدر بنفاذ صبر متحشرج ببقايا دهشته : كفاية بقى جنان! هدي اعصابك..
أشارت ابريل إليه بيدها محذرة ، ورددت برفض : خليك بعيد .. خليك بعيد!!
هتف باسم بنبرة حائرة : في ايه؟ مش فاهم منك حاجة!!!
ارتفع صوتها بغضب مرير : مش فاهم إيه! انت كنت عاوز تغتصبني دلوقتي!
صُعق من كلماتها التي باغتته كصفعةٍ صامتة ، جمدته للحظات في ذهول تام ، ولكن سرعان ما أخذ الغضب يتصاعد في صدره كجمرةٍ ملتهبة بفعل هذا الاتهام الجارح ، فتقدم نحوها بخطوات واسعة ، عابراً الطاولة في عزم حتى قبض على ذراعيها بقوة ، ارتفع صراخها مشبعاً بخوفٍ واضح ، لكنه قطع تلك الهتافات بأمر صارم جمدها في مكانها : اخرسي وبطلي صريخ .. كده هتصحي العمارة كلها وهنبقى فضيحة .. أنا ما عملتلكيش حاجة!
حاولت ابريل الإفلات منه بتخبط ، فرفعت مزهرية كانت بجانبها وضربته على مرفقه ، ليحتد وجهه قليلاً من الألم ، وهتفت بغل باكي : يا كداب!
أخذ باسم نفساً عميقاً وهو يحاول تمالك نفسه ، وهو يدلك مكان ضربتها له ، ثم قال بسخط : فوقي واوعي للي بتعمليه في صباحك الزفت دا
لكنها لم تستمع ، اقتربت منه تضربه على كتفه وصدره بيديها ، وهي تصرخ بضراوة غاضبة وأنفاس متلاحقة : وكمان ليك عين تزعق فيا! بعد ما كنت بتعتدي عليا؟!
وضع باسم ذراعيه أمام صدره ، يحاول تفادي ضرباتها التي تنهمر عليه بلا توقف ، تعاقبه على خطأ لم يرتكبه ، ليزأر بصوت مشدود ، يحاول الدفاع عن نفسه أمام هجومها الشرس : إنتِ اجننتي ولا إيه؟ أنا إمتى قربتلك أساساً؟ وهعتدي عليكي إزاي وأنا نايم جمبك وصحيت على صريخك؟!
بلمح البصر اقتنص معصميها ، رافعاً ذراعيها إلى الهواء ، ليحبسها بينه وبين طاولة السفرة ، حيث تلاقت أعينهما ، ووجهه قريب منها ليحتوى فكّها بين أصابعه بحزم ، وهمس بصوت هادئ يحمل نبرة صارمة ، كأنه ينقش كلماته الجادة في أعماق عقلها المتشتت : اللي شوفتيه دا كان كابوس يا ابريل .. فاهمة؟!
_كابوس؟...
تلاشت اضطرابات أنفاسها رويدًا ، وكلماته قد أزاحت الغشاوة عن عقلها ، فخفضت عينيها تتفقد ذاتها ، ثم هزت رأسها ورفعت بصرها إليه بتردد ، هامسة بخفوت مشوب بخجل وندم : صح .. كان كابوس .. حتى بيجامتي سليمة..
أغمض باسم عينيه لحظة ، مستجمعًا أنفاسه المتناثرة بعد عراكٍ ، ثم فتحهما ببطء وأرخى قبضته عنها ، ليتمتم بصوت مُثقَل بضيقٍ ما زال عالقًا في صدره : هربتي دمي بجنانك يا شيخة!
عاد أدراجه نحو غرفة النوم ، تبعته بخطواتها الحافية إلى غرفة الملابس الزجاجية ، حيث عبّرت عن استيائها بنبرة متجهمة ، وقد عقدت ذراعيها على صدرها : كل ده بسببك .. انت اللي خليتني مرعوبة .. أعمل إيه يعني؟
أدار باسم وجهه نحوها ، وسألها بحيرة يتخللها التوجس ، بعد أن أخرج ثيابه من الخزانة : عملتلك إيه عشان تكوني مرعوبة مني للدرجة دي؟
تلاعبت ابريل بأطراف أكمامها بتوتر واضح ، تبحث عن إجابة في ثنايا عقلها ، ثم اعترفت بهدوء متقطع : مفيش .. بس .. كنت خايفة منك بالليل .. وافتكرتك هتقرب مني غصب عني .. عشان كده فضلت شاكة فيك..
تطلع باسم إليها بصرامة نابعة من قسوة لم تتوقعها ، ثم قال بجدية حادة كالسيف : لا اطمني .. مش انا اللي هقبل علي نفسي اني ابقي حيوان واجبر مراتي عليا غصب عنها .. خلي الكلمتين دول دايما في دماغك .. ويلا جهزي نفسك عشان نلحق نروح المطار في معادنا
أنهى باسم حديثه ببرود حاسم ، ثم انصرف نحو الحمام ليغتسل ، تاركًا وراءه صمتًا ثقيلاً ومشاعر متلاطمة تملأ الأجواء.
أدارت ابريل وجهها بحزن ، تدرك تمامًا كم كانت قاسية معه ، وللحظة كادت تتبعه لتعتذر عن كلماتها وأفعالها ، إذ استعاد عقلها صفاءه بمجرد أن خرجت من الغرفة ، ومع ذلك ، تابعت تمثيلها بإتقان ، فكل ما أبدته من مشاعر لم يكن مجرد تمثيل ، بل كان نابعًا من أعماق روحها المعذبة.
لا تنكر أنها تعمدت ان تضربه بقوة لترد جزءا مما يفعله معها ، ابتسمت ابتسامة تحوى دهاءً خبيثً ، عازمة على استعادة حقها منه بحيل أنثوية ، ومهارة عاشقة تعرف كيف تنتقم لقلبها المغرم بكل تفاصيل ذلك الذئب الوقح الذى تغلغل عشقه فى أوصالها
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في منزل فهمي الهادي
دخلت سلمى إلى غرفة نوم ريهام ، التي ما زالت تجلس على السرير ، مرتديةً فستان السهرة الذي كان يلمع بألوانه الزاهية ، لكنه بدا الآن كأنما فقد بريقه ، ووجهها كان شاحبًا ، ووجنتيها ملطخة بالدموع ، ولم تعرف طعم النوم منذ الليلة الماضية ، حيث استمر عقلها في دوامة من التفكير المتواصل ، من جهة تخشى ما سيفعله أهلها بهار، ومن جهة أخرى داغر يلوح في مخيلتها كظل ثقيل ، فهي تدرك تماماً أن ما تعيشه الآن هو مجرد بداية لمحنة قد لا تنتهي على يديه ، شعور بالخوف رهيب يعتصر قلبها ، يختلط بقلق عميق حول مستقبلها الذي يتجه نحو المجهول ، ويجعلها تترقب ما سوف تعانيه من عذاب لا مفر منه.
تطلعت ريهام إلى والدتها بترقب ، وعكست ملامحها الضعف والألم ، لكن صوت سلمى كان حازمًا حالما بادرت بالقول : طلبتي أسيبك للصبح وسبتك .. حالاً تفهميني كل حاجة!!
_أفهمك إيه بس يا ماما؟
أجابت ريهام بتحشرج ، وقد تاهت كلماتها بين الخوف والتوتر.
_اسمعي هنا .. لولايا كان دلوقتي باباكي وأخوكي دفنوك .. فإياكي تلاوعي معايا أنا يا ريهام
قالتها سلمى بصرامة ، لتتحرك في الغرفة ، وتلقي نظرات حادة على ابنتها كصخرة ثقيلة سقطت على قلب ريهام ، فأثارت مشاعر مختلطة من الخوف والحزن.
شعرت ريهام بدموعها تنفجر بيأس وضعف ، فاندفعت تقول بسرعة مرتعشة : ماما .. عشان خاطري هحكيلك على كل حاجة وبصراحة والله .. بس اقفي جنبي .. أنا مش هقدر أعيش من غير عمر ولازم يرجعلي بأي شكل يا ماما
خرجت كل كلمة من فمها تفوح معها رائحة الألم والندم والخوف من المجهول.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في قلب الطائرة
جلست إبريل بجوار النافذة ، حيث امتزجت أضواء النهار المنعكسة على الزجاج بتجاعيد السحب الرفيعة ، وبجانبها باسم يجلس عاقدًا ذراعيه على صدره ، مظهره هادئ ولكنه متوتر ، عينيه تتجولان بين الوجوه من حولهما ، كمن يبحث عن الأمان وسط زحام الأدرينالين.
لم يكن باستطاعته تجاهل السكون الذي يحيط بهم ، ذلك السكون الذي كان يبعث فى نفسه القلق.
استدار نحو إبريل ، محاولًا كسر جدار الصمت الثقيل بينهما : إيه؟ أول مرة تركبي الطيارة؟
سألها بفضول ، وعيناه تعكسان شعور الترقب ، أبعدت بصرها عن نافذة الطائرة وردت بلهجة عادية : لا مش أول مرة .. بتسأل ليه؟
لاحت ابتسامة جذابة علي فمه ، ليقرب رأسه منها ، ورد بمداعبة : يعني تكوني بتخافي من ركوب الطيارات وعايزاني أخدك في حضني
لمعت فيروزيتها بشقاوة ، ومالت نحوه بجرأة ، وأردفت بنعومة مفعمة بالدلال : ولانك حنين موت .. وقلبك قلب خساية ماهتصدق طبعا مش كدا!!!
_بس معلش مضطرة اخيب املك واقولك اني تمام علي الاخر..
هكذا اضافت بإبتسامة عذبة ، بينما أغمضت عينيها بإرتخاء فسألها باسم بلهجة تشي بالدهشة : إيه.. هتنامي؟
أومأت برأسها ، وهي تلتفت إليه ، وفتحت عينيها ، لتسأله بهدوء : أيوه.. وانت مش هتنام؟
_مش جايلي نوم
خرجت تنهيدة متقطعة من جوفه عبرت عن قلق مستتر ، ولكنها لمحت الظل الذي كان يلوح في عينيه ، كمن يخفي سرًا مؤلمًا ، ففهمت أنه يعاني من خوف داخلي ، ومع علمها بدوار البحر اعتقدت أنه يصيبه عند ركوب الطائرات أيضاً ، فتحدثت بلطف عفوى : تعرف .. افتكرت اول مرة اركب طيارة .. كنت حاسة بتوتر رهيب .. بس اول ما الطيارة بقت في السما نسيت دا كله
حدقت في عينيه ، وأكملت بحماس صادق : وكل مرة بيحصلي كدا .. حتى المرة دي .. بس لما بقينا في السما .. حسيت إني مبسوطة ومتحمسة أوي أشوف الجزيرة اللي هنروحها ونسيت الخوف
تجلت نظراته نحوها بدفء عاطفي ، مبتسمًا بخفة وأخذ يتأمل جمالها البريء الممزوج بنفحات مشاكستها ، ثم سمع صوتها ينطلق بسؤال مليء بالفضول : بس اشمعنا اخترت الجزيرة دي بالذات؟
_إيبيزا من أجمل جزر إسبانيا .. وجوها دلوقتي مناسب أوي ليكي .. وكمان فيها مناظر حلوة كتير هتحبيها وتنبهري بجمالها
هكذا إجابها بنبرة تنم عن مدى إهتمامه بها ، بينما عيناها تألقتان بحماس طفلة : حمستني اكتر .. بس ليه ماروحناش برشلونة مثلا كان نفسي ازورها؟
وافقها بضحكة خافتة : برشلونة روحتها أكتر من مرة .. وهي كمان حلوة أوي طبعًا .. بس مش غريبة كنت فاكراك مسافرة معايا بالغصب .. وعاصرة على نفسك لمونة كمان
قالها بنبرة غمرها المرح ، رافعًا حاجبه بمكر ، مما أطلق ضحكة ناعمة من شفتيها ، لتجيبه بمزاح مشاكس يحمل لمحة من الدلال : ولسه عاصرة على نفسي اللمونة .. بس مين ابن المجنونة اللي هيفوت على نفسه سفرية زي دي .. إلا لو كان فقري واهبل أوي بقي!
قرص باسم مقدمة أنفها بخفة مشاغبًا إياها : طيب يا مصلحجية هانم .. يكش يعجب بس!