![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الرابع بقلم نورهان ال عشري
الإثم الرابع ❤️🩹 بعنوان " منعطفات خطرة "
لِكُلٍ منَا طرِيقتهُ في التَّعبِير عن حُزنه ،فَمنهم من يتجَاوزهُ بهدوء بينمَا يحْترق داخله بصمت ،ومنهم من يَبْكي حتى تَجف مياه عينَاه، وتندثر بحُور ألمه ،وآخرِين أطْلقوا العنَان لصرخَات الغضب ،وسمحوا لها بإحرَاق كل شئ حولهم.
كل هَؤلاء نَجوا. إلا ذَلك القلب. الذي تَغلب حزنهُ عليه، وتفشى في سَائر جسده كالحمى. التي أهْلكت الجَسد، وأنْهَكت الرُوح التي مَازالت تقَاوم، ولا تَعلم إلى متى؟
نورهان العشري ✍️
(من رواية تردى في العشق قتيلًا "ورقي")
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
دخان كثيف كان ينبعث من الأعلى تلاه صُراخ رأفت الذي جعل الذُعر يدق بصدر عنايات التي هرولت للأعلى وهي تصرُخ بفزع مُكممه فاهها بذلك الشال المُلقى فوق رأسها لتصعد و خلفها الخدم و بعض الجيران الذين شاهدوا اندلاع النيران في الشقة، فقامت بإدارة المفتاح في قفل الباب لتتفاجيء بنيران قادمة من غرفة النوم و صوت رأفت الصارخ يصُم الأذان لتصرُخ عنايات بملء صوتها
_ ابنااااااي.
تجاوزها الرجال ليدلفوا إلى باب الغرفة و على رأسهم حسن ابن عم رأفت الذي كان محشورًا في زاوية ما في الغرفة يصرُخ كالأطفال، فقد كان قاب قوسين أو أدنى من أن تبتلعه النيران لولا حسن الذي قفز إلى الاتجاه الآخر ليحاول جذبه تجاه الشرفة ولكنه كان مُرتعب يضم قدميه على بعضهم البعض و جسده يرتجف كطفل صغير.
مرت دقائق عصيبة إلى أن استطاع الرجال إخماد النيران التي التهمت غرفة النوم بأكملها، و بأعجوبة استطاع حسن اخراج رأفت من وسط الحريق لتعانقه عنايات و هي تصيح بعويل
_ يا ضنايا يا ابني. كنت هتروح في شربة ميه يا ابني.
هتفت مهجة زوجة اخ عبد الحفيظ
_ احمدي ربنا يا ام رأفت أنه نجي.
عنايات بلهفة
_ الحمد لله يارب. الحمد لله.
لم تستطع مهجة قمع غريزتها الفضولية حين هتفت باستفهام
_ ألا ياختي هي فين مرات ابنك؟ جوزها كان هيولع وهي محدش شافها ؟ هي مش في البيت ولا ايه ؟
لحسن حظها تدخل حسن قائلًا
_ طب يا مرات عمي انا هستأذن انا هتعوزي مني حاجه ؟
عنايات بسماجة
_ تعيش . تعيش يا حسن. نجيلك في الفرح يارب. بس ياريت تاخد مرات عمك في ايدك وانت ماشي.
هكذا قالت قبل ان تلتفت إلى مهجة قائلة بقلة ذوق
_ يالا يا حاجه مهجة روحي مع حسن هيوصلك أحسنك نفسك يتكرش و أنتِ نازلة على السلم ولا حاجه؟
برقت عين مهجة من حديث عنايات ثم قالت بحرج
_ اه ياختي . دانتوا حتى سلمكوا صعب. خد بايدي يا حسن.
ساعدها حسن في الخروج و ما أن أغلقوا الباب حتى هبت عنايات من مجلسها تصيح بانفعال
_ اه يا بنت ستين كل.... كنتِ هتموتيلي الواد. دانا هولع فيكِ و في اللي جابوكي.
أنهت جملتها تزامنًا مع مجيء عبد الحفيظ الذي ما ان شاهدته حتى هرولت تجاهه وهي تقول بلهفة
_ شفت. شفت يا عبد الحفيظ بنت الشياطين عملت ايه ؟
عبد الحفيظ بلهاث من فرط صدمته ما أن عرف الخبر، فهرول إلى البيت للإطمئنان على ولده
_ حصل ايه يا عنايات؟ و رأفت فين ؟
عنايات بغل
_ رأفت يا قلب أمه كان هيضيع بسبب بنت الك.... ولعت في الشقة و هربت.
عبد الحفيظ بجهامة
_ و بنت الأبالسة دي عملت كدا ليه و هربت ازاي؟ و راحت في انهي داهيه؟
عنايات بنبرة مغلولة
_ معرفش ياخويا. دي كأنها فص ملح و داب. اه يا ناري منها! لو اطولها واعرف راحت فين؟ كنت كلتها بلساني.
★★★★★★★★★
_ أبوس أيدك ياحاجه أمال مشيني من هنا. لو رجعتلهم هيموتوني.
هكذا أخذت غنى تتوسل لتلك السيدة الحنون أمال والدة حسن و زوجة الشيخ همام أخ عبد الحفيظ، ولكنها كانت تختلف كثيرًا عنهم هي و زوجها فلم ترى منها سوى المعاملة الطيبة، و كانت تلك المرأة عنايات تكرهها كثيرًا لكونها نقيضها في كل شيء
_ ايه يا غنى اللي أنتِ عملتيه دا يا بنتي؟ حد يعمل كدا بردو ؟ تولعي في شقتك ؟ و كنتِ هتموتي جوزك؟
هكذا تحدثت أمال بنبرة مُعاتبة مُستنكرة فهتفت غنى من بين غارة انهيارها
_ دي مش شقتي ولا دا جوزي. أنتِ متعرفيش حاجه الناس دول مش بني أدمين. لو مكنتش عملت كدا مكنتش قدرت أخرج من البيت دا طول حياتي.
كانت مظهرها يجعل القلوب تنتفض ألمًا لذا اقتربت أمال تحتضنها بحنان تجلى في نبرتها حين قالت
_ طب اهدي يا بنتي، و كل مشكلة وليها حلال.
انتفضت غنى قائلة بلهفة
_ لا. ملهاش حل. مش هرجعلهم تاني. انا عايزة اروح عند أهلي. وديني عند أهلي.
لم تعرف ماذا عليها أن تفعل ليقطع تفكيرها صوت الباب الذي انفتح فانتفضت غنى وهي تقول
_ خبيني ابوس إيدك مش عايزة حد يشوفني.
أمال بلهفة
_ اهدي. دا هتلاقيه حسن. متخافيش.
بالفعل دلف حسن إلى باب البيت فتفاجيء من وجود غنى التي كانت في حالة يُرثى لها فهتف حسن باستفهام
_ هو في ايه ؟ و ايه اللي جابك هنا مش مفروض تكوني مع جوزك؟
غنى بذِعر
_ مش جوزي. مش عايزة ارجعله. لو رجعتله هموته و اموت نفسي.
تفاجئ حسن من حديثها فقال باندهاش
_ حصل ايه لكل دا؟
ضاقت ذرعًا بكل تلك الاستفهامات التي تُدخلها في بؤرة المُعاناة التي تحاول فك أسرها والهرب منها لذا هتفت بنفاذ صبر
_ انا عايزة اروح بيت اهلي هتساعدوني ولا لا؟
تبادل حسن النظرات مع والدته للحظات قبل أن يحسم قراره قائلًا
_ ماما هي خديجة مش كانت بتسيب نقاب هنا احتياطي؟
_ ايوا فعلًا في واحد هنا.
حسن باختصار
_ طب اديهولها تلبسه.
برقت عينيها و تلئلئ بهم الأمل من حديث حسن لتهتف أمال باستفهام
_ هتعمل ايه يا حسن؟
حسن بجمود
_ هوديها عند أهلها، و هما يتصرفوا منهم لبعض.
أوشكت أمال على الحديث فأسكتتها نظرة حسن لتتوجه إلى الداخل و تأتي بأحد عبائات ابنتها خديجة و معها ذلك النقاب و اعطتهم لغنى التي التقطتهم بلهفة و هرولت إلى الداخل حيث أشارت لها أمال التي هتفت باستفهام بعد أن غابت غنى في أحد الغرف
_ أنت هتعمل ايه يا ابني ؟ عنايات دي ست مفترية احنا مش قدها.
حسن باعتراض
_ ماهو دا اللي مخليني عايز أساعد الغلبانه دي . أنها مفترية و اعتقد أن الافترا بتاعها هو اللي خلى البنت دي تعمل كدا.
زفرت أمال بحيرة لتخرج غنى وهي مُرتدية ثياب خديجة و تغطي ملامحها بذلك اللباس الذي لم يُظهِر سوى عينيها فقط ليقول حسن باختصار
_ يالا بينا.
التفتت غنى إلى أمال قائلة بامتنان
_ شكرًا يا حاجه أمال.
اومأت أمال بابتسامة هادئة وهي تدعو الله أن يُنجيهم من بطش تلك السيدة حين تعرف ماذا حدث.
★★★★★★★★
_ هنعمل ايه مع الناس دي يا ياسر؟
هكذا تحدث جابر موجهًا حديثه إلى ياسر وهم يدلفون إلى ذلك البيت الكبير ليُجيبه الأخير قائلًا بخشونة
_ الناس دي لازملها قرصة ودن. اللي يكذب باسم ربنا و يستحل فلوس اليتامى يبقى مينفعش نسمي عليه يا حاج.
وافقه جابر قائلًا
_ عندك حق . المهم خلينا نتغدى عشان عندنا قاعدة بالليل. أما نشوف أخرتها مع الواد دا ايه؟
ياسر بغضب
_ الواد دا لو مطلقهاش انا هكسر عضمه في لحمه. انت اللي مسكتني عليه.
جابر مُهدئًا غضبه
_ يا ابني الموضوع ميجيش كدا. دي معاها منه أورطة عيال عايزين ناخده عالهادي عشان يرضى يصرف عليهم. غلبانه هتعمل ايه؟
_ هي مين دي؟
هكذا استفهمت هيام القادمة من المطبخ ليُجيبها جابر بينما عينيها كانت تُغازلانها على طريقته
_ ايه يا ست أم حماده حرمانا من طلتك الحلوة ليه ؟
كعادتها تخجل من غزله الذي لا يتوانى عن اغداقها به فهتفت بخفوت
_ وانا اقدر بردو يا حاج. انا كنت بجهز الغدا مع البنات في المطبخ.
حاوطها جابر بيديه وهو يقول بحنو
_ مش قولنا متتعبيش نفسك، و البنات هيعملوا كل حاجه هما.
_ بنات مين ؟ هو حد يقدر ينافس هيام في الطبيخ بردو. دا اللي يدوق أكلها ميعرفش ياكل من ايد حد غيرها.
هكذا تحدث ياسر بحُب تجلى في نبرته و عينيه لتهتف هيام بنفس نبرته
_ شالله يخليك ليا يا نور عيني.
_ هو نور عينك وانا ايه أن شاء الله ؟ كليتك!
هكذا تحدث يزيد القادم من الأعلى لتهتف هيام بسخرية
_ أخيرًا خرجت من أوضتك. دانا قولت انك رائد عالبيض فوق.
شاركها ياسر سُخريتها قائلًا
_طب ابقي اطلعي بصي فوق كدا يمكن تلاقي اي حاجه.
عدل يزيد من وضع نظراته وهو يناظر ضحكاتهم بحنق قبل أن يقول بجمود
_ في نظرية علمية بتقولك تُقل الدم بيجيب الهم، و احنا الصراحة مش ناقصين.
قطب جابر جبينه و قال باستفهام
_ نظرية ايه دي يا يزيد ؟ خدتوها في كلية الطب؟
يزيد بسخرية
_ لا دي عرفتها من خالتي اعتماد اللي بتقعد على ناصية الشارع. لازم تستفسر يعني.
حاوط ياسر عنق يزيد بقوة ألمته قبل أن يقول بوعيد
_ انا آخر مرة دشدشتلك النضارة دي فوق دماغك كان امتى؟
يزيد بنفاذ صبر
_ الأسبوع اللي فات. بس بقولك ايه اتقل عالنضارة دي لحد ما اخلص العملي بس علشان دي فيها سقوط على طول، وانا بنفسي هجيلك تدشدشها. مش هيبقى موت و خراب ديار.
قهقه الجميع على حديثه لتقول هيام بسعادة
_ يالا بقى عشان تتغدوا و تريحوا شويه قبل قاعدة بالليل. أنا جهزتلكوا المضيفة و كل حاجه.
_ اه بالله عليكِ يا أم حمادة عايزين نخلص بنت الناس من الواد العرة دا.
أثناء حديثهم رن هاتف ياسر الذي أجاب قائلًا
_ ألو؟
أتاه الصوت على الطرف الآخر
_ عامل ايه يا وتيدي؟
ياسر باختصار
_ الحمد لله مين ؟
_ حسن الصباغ يا عم. نسيتني ولا ايه؟
اعترته رجفة جعلت دقاته تثور بين حنايا صدره ولكنه تجاهلها مُرحبًا بصديقه
_ أبو علي عامل ايه؟ و ايه المفاجأة الحلوة دي؟
حسن بمرح
_ واحشني يا ياسر، و كنت جاي الحتة عندكوا في مشوار كدا قولت اشوفك. بقالنا كتير متقابلناش.
ياسر بخشونة
_ وماله يا غالي. المنطقة نورت. اعمل حسابك تتغدى معانا.
حسن باعتراض
_ لا يا عم غدى ايه دانا مروح. الحاج أصله صحته بعافية شوية و مش عايز اتأخر عليه.
أجابه ياسر قائلًا
_ يا عم بس طب نتقابل و نتفق انت فين ؟
★★★★★★★★★
المرأة الذكية تعرف قدر نفسها جيدًا و لا تُعطي أهمية لأراء الآخرين في التأثير عليها، و لكنها لم تكُن ذكية فحسب بل جميلة تعرف متى تُشهِر أسلحتها و كيفية التصويب جيدًا على هدفها، و الذي لم يكُن سهلًا كما اعتقدت ولا سيئًا كما ظنت!
تطرِق بكعب حذائها العالي الذي يعلوه تنوره ضيقه باللون الكريمي تصل إلى ركبتها، فوقها كنزه بنفس اللون أسفلها قميص باللون البني فُتِحت أزراره العلوية لتُبرز رقبتها النحيلة مُطلِقه العِنان لخصلاتها المتموجة التي كانت تصل إلى نصف ظهرها بينما كان وجهها لوحة حية عن الثقة والجمال الذي لم تُعكره الزينة المُفرطة بل على العكس كان جميلًا ببراءة ملامحها و عينيها التي كانت تتماوج ما بين العسلي الفاتح و الأخضر الداكن يتماشى مع لون بشرتها الخمرية ذات الحُمرة الطبيعية والملامح الرقيقة بهاذا الفم الكريزي الشكل و اللون.
_ عندي ميعاد مع كمال بيه يا ترى موجود؟
هكذا تحدثت أسيا بنبرة صوت ذات بحة مُميزة أكملت هيئتها الرائعة مما جعل عيني دينا السكرتيرة الخاصة به تتوسع إنبهارًا بتلك الفتاة، ولكنها لم تُعلق إنما قالت باختصار
_ كمال بيه مستنيكي جوا. اتفضلي.
اومأت بابتسامة مُنمقة قبل أن تتوجه إلى حيث أشارت و جميع حواسها تتأهب لذلك اللقاء المُنتظر بذلك المُتغطرس الذي تمقته هو و عائلته.
قامت بدق باب الغرفة ليأتيها صوته الجاف يأمرها بالدخول، وبالفعل دلفت إلى داخل الغرفة متوجهة بخطوات كلها ثقة و ثبات إلى حيث يجلس خلف مكتبه.
لا ينكر بأن مظهرها خطف أنفاسه للحظة، فلم يتوقع أن تكُن تلك الفتاة الأنيقة الجميلة هي ابنة خادمتهم!
_ ازيك يا كمال بيه؟
كمال بنبرة رخيمة
_ أهلًا يا أسيا. اتفضلي اقعدي.
اطاعته وهي تهمس
_ ميرسي.
طافت عينيه فوق ملامحها بإعجاب لم يحاول اخفاءه، و قد أشعرها هذا بعدم الراحة ولكنها كانت تجابه نظراته المُعجبة بأخرى لا مُبالية جامدة مما جعله يشرع في الحديث قائلًا
_ مبروك. سمعت انك نجحتي بتقدير امتياز.
آسيا باختصار وابتسامة بسيطة
_ الله يبارك فيك.
تحدث بنبرة ودودة مُندهشة بعض الشيء
_ كبرتي يا أسيا. افتكر اخر مرة شوفتك فيها كنتِ تقريبًا في ثانوي مش مُتذكر اوي!
حزن طفيف خالط جرتي العسل خاصتها قبل أن تقول بنبرة يشوبها المرارة
_ ياه من زمان اوي كدا! لا بس أنا شوفتك بعدها.
كمال باستفهام
_ والله ! امتى ؟ فكريني!
أسيا بلامُبالاه أتقنت تزييفها
_ تقريبًا كانت صدفة انا حتى مش فاكرة تفاصيلها اوي.
و الحقيقة أنها كانت تكذب فقد كانت أسوء ذكرى مرت عليها بحياتها حين جردوها من كل شيء حتى كرامتها، فذكرى تلك الليلة لازالت تُهاجمها في الليل على هيئة كوابيس بشعة لم تفلح في التخلص منها مهما حاولت
فاجأته بإجابتها، ولكنه لم يُعلِق انما قال بنبرة عملية
_ ممكن. خلينا في المهم. مبدأيًا الخريجين هنا بيكونوا تحت الاختبار لمدة ست شهور. بيتم تدريبهم مع تيم متخصص من اكفأ الناس عندنا و بعدها بنقرر إذا كانوا بيستمروا معانا ولا لا.
أسيا باستفهام
_ اقدر اعرف ايه المقاييس اللي بتخليكوا تحكموا إذا كان الشخص دا هيكمل معاكوا في أو لا؟
كمال بتوضيح
_ اكتر شيء بيميز البزنس مان هو الذكاء، و كيفية استغلال الفرص لصالحه، و طريقته في التعامل مع الأزمات بحيث يخرج منها بأقل الخساير، و دا بيبان على المتدربين خلال فترة تدريبهم.
أسيا بنبرة يشوبها التهكُم
_ يعني لو شخص قدراته العقلية محدودة شويه. بتمشوه؟
كمال بنبرة ذات مغزى
_ سُرعة البديهة من الحاجات اللي بتكون مهمة اوى في عالم البيزنس، و كمان دقة الشخص في التركيز على هدفه من غير ما يشغل باله بأي شيء تاني مش هيخدم مصالحه.
صمت لثوان يُتابع وقع الحديث على ملامحها ثم استطرد قائلًا
_ الشركة هنا كبيرة، و فرصة عظيمة لأي متدرب حتى لو مكملش فيها. التدريب هنا في حد ذاته شهادة نجاح توازي الشهادة اللي خدتوها من الجامعة بالظبط.
كانت إجابة نموذجية تُخبرها أن لا تتدخل فيما لا يُعنيها، وقد اغضبتها طريقة ذلك المُتغطرس التي عززت من فكرتها عنه، ولكنها لم تُفصِح عن شيء من ما يجول بخاطرها فقط ابتسامة هادئة وعينين صافيتين و ملامح تبدو وكأنها لم تسمع تقريعًا مُبطنًا منه منذ قليل و كذلك نبرة ثابته حين قالت
_ تدريبي هيبدأ من امتى؟
كمال بنبرة جافة و عينين لم تفارق خاصتها أبدًا
_ تدريبك بدأ من النهاردة. لما تخرجي دينا هتبلغك بالتفاصيل.
_ ميرسي
ابتسامة بسيطة لونت ثغرها مع اجابة مختصرة وجهتها له وهي تنصب عودها الأهيف تنوي المغادرة لتوقفها كلماته حين قال بنبرة خشنة
_ مستني اشوف هتستغلي فرصتك هنا ازاي؟
تبدلت عينيها من الهدوء الى الوعيد الذي لم يلحظه، و كذلك كانت لهجتها حين قالت
_ أوعدك اني هستغل فرصتي هنا كما يجب أن يكون. عن اذنك.
لا يعلم لما شعر بشيء غريب يختلج داخله من كلماتها، ولكنه لم يستطِع إخفاء إعجابه بها و تلك الظروف التي تخطتها لتصل إلى هذه النقطة.
★★★★★★★★★★
دق جرس الباب فتوجهت صابرين لتفتح و إذا بها تجد نفسها وجهًا لوجه مع إمرأة ترتدي النقاب و حين أوشكت صابرين على الاستفهام تفاجئت بغنى ترفع النقاب عن وجهها لتُصدم قائلة
_ غنى ؟ ايه اللي أنتِ لبساه دا؟
لم تُكمل جملتها فوجدت حسن الذي ظهر من خلفها يقول باحترام
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. ازيك يا حاجه ؟
_ الحمد لله يا حسن. هو في ايه ؟
التفتت غنى الى حسن الذي تحمحم قبل أن يقول
_ انا جبتلك الأمانة لحد هنا، وهي بقى تبقى تحكيلك اللي حصل. عن اذنكوا.
صابرين بتلعثُم فقد كانت حائرة بين قلقها وبين واجبها
_ طب. طب. ما تيجي. اشرب . حاجه.
حسن بتعاطُف مع حالتها
_ معلش يا حاجه. أصل واحد صاحبي مستنيني.
لم يُزِد في حديثه انما التفت مُغادرًا لتدلف غنى الى الداخل، فباغتتها صابرين قائلة
_ في ايه يا غنى ؟ مالك يا ضنايا ؟
خلعت عنها تلك العباءة و خلعت معها ضعفها و قلة حيلتها وقالت بنبرة جافة
_ انا عايزة أطلق.
شهقة قويه خرجت من جوف صابرين تلاها ذلك الاستنكار الذي جاء من خلفهم
_ بتقولي ايه يا بنتي؟
هكذا استفهام مرزوق القادم من الداخل و الصدمة ترتسم على ملامحه لتقرر أن تُلقي ما في جُعبتها دفعة واحدة حين قالت
_ انا ولعت في الشقة و في رأفت، و جاية عشان تطلقوني منه.
صرخة فزع مزقت جوف صابرين التي سقطت جالسه على المقعد خلفها بينما جمدت ملامح مرزوق الذي قال بذهول
_ ايه ؟
كانت تُجاهد ألا تصرُخ بملء صوتها لتروي عليهم أي ظُلم وقع فوقها ولكنها اكتفت بالتوضيح بنبرة حادة
_ مامتش. اطمنوا. بس لو رجعتوني ليه مضمنش نفسي المرة الجاية. عشان هقتله هو و أمه و هموت نفسي.
تناثر الألم من بين مآقيها رغمًا عنها فأخذ والداها يتبادلون النظرات ليقترب منها مرزوق قائلًا بتلعثُم
_ طب اهدي يا بنتي و عرفيني حصل ايه ؟
لم تستطِع الصمود تكالبت عليها اوجاعها و مخاوفها فأخذت تصرُخ بعُنف وهي تلطُم خديها
_ أنتوا لسه هتسألوا. بقولكوا طلقوني منه. حرام عليكوا. انتوا السبب. انتوا اللي رمتوني تحت رجليهم. حرام عليكوا.
انتفض قلب صابرين هلعًا على ابنتها فهرولت تُمسِك بكفوفها تحاول تهدئتها إلى أن جذبتها إلى أحضانها عنوة فانخرطت في نوبة بُكاء عنيفة مزقت صدر مرزوق الذي كان يقف عاجزًا لا يعرف ماذا عليه أن يفعل؟
★★★★★★★★★★
_ والله و ليك وحشة يا وتيدي. عامل ايه يا صاحبي؟
هكذا تحدث حسن وهو يُعانِق ياسر الذي استقل السيارة بجانبه ليتوجها إلى المقهى على أطراف بلدتهم، ولكن ما أن وضع أقدامه في السيارة حتى شعُر بانتفاضة قوية داخل صدره حين غزت تلك الرائحة أنفه. كان يعلم هوية صاحبتها على الرغم من أنه القى بها ذات يوم من حياته، ولكن لقلبه دائمًا رأيًا آخر. تجاهل ما يشعُر به و هتف مُرحبًا
_ بخير يا غالي. فينك يا ابني انت ؟ عاش من شافك. مبتسألش خالص ليه كدا؟
حسن بمرح
_ يعني انت اللي بتسأل اوي. طب انا اهو اول ما جتلي فرصة و نزلت بلدكوا كلمتك.
لم يستطِع منع الأحرف من مغادرة شفتيه حين قال
_ و أيه اللي رماك على بلدنا؟
أجابه حسن موضحًا
_ كنت جايب مرات ابن عمي تزور أهلها ماهو مناسب من عندكوا من هنا. متجوز من حوالي سنتين. بس أنا أيام فرحه كنت مسافر معرفتش اكلمك.
نعم صدق قلبه أنها رائحتها التي لم يستطِع نسيانها. عبأ صدره بالهواء و كأن أنفه كان يشتاق لعبيرها ليقول بنبرة أتقن تزييف اللامُبالاه بها
_ و اشمعنى أنت اللي جاي جايبها ؟ فين جوزها؟
حسن باختصار
_ لا دي مشكلة صغيرة كدا بينهم، و هتلاقيه جاي يراضيها بالليل يعني. المهم انت عامل ايه؟
ظاهريًا كان ثابتًا، ولكن داخلياً كان يحترق، ربما كانت مجرد كلمات بسيطة ولكن كل حرف بها كان كشواظ مُشتعِل مغموس داخل قلبه الذي لا يزال يغار، و لا ينفك يُغرقه و يغرق معه في سفح الجحيم بذلك الاستفهام المُريع" كيف سيُراضيها؟ هل بعناق دافيء أم قُبلة مُلتهِبة أم أكثر؟؟
شعر بالهواء ينفد من رئتيه و صدره يضيق حد الاختناق ليسعُل بقوة جعلت حسن يقوم بجذب قنينة مياة من الخلف و يناوله إياها ليقوم ياسر بارتشافها كاملة علها تُطفيء نيران قلبه، ليهتف حسن قائلًا
_ ايه يا عم الشرقة دي كلها؟ حد جايب في سيرتك ولا ايه ؟
كان صدره يعلو و يهبط بقوة توازي قوة ألمه، ولكنه حاول الابتسام لصديقه قبل أن يقول بصوت لاهث
_ عادي. بتحصلي كل فترة.
أخذ يبحث في جيوبه إلى أن عثر على عُلبة سجائره ليهتف حسن باندهاش
_ ايه يا ابني اللي هتعمله في نفسك دا ؟ سجاير ايه اللي هتشربها وانت روحك كانت هتطلع من ثواني؟
ياسر بجفاء وهو يلتقط سيجارته بين أسنانه
_ محدش بيعيش اكتر من عمره يا صاحبي.
وصلا إلى المقهى و أخذ يتبادلان أطراف الحديث دون أن يتطرق لتلك المنطقة المُلغمة بالوجع، فمر الوقت سريعًا قبل أن يقول حسن
_ والله كنت واحشني يا ياسر، و كنت عايز اقعد معاك اكتر من كدا. بس مش عايز اتأخر عن الحاجة رايحين العمرة انا وهي آخر الأسبوع.
ياسر بنبرة خشنة
_ تروحوا و ترجعوا بالسلامه. متنساش توصلها سلامي.
_ يوصل يا ياسر. اشوف وشك على خير.
غادر ياسر القهوة ولازال داخله يغلي من فرط الغضب ليأتيه اتصال هاتفي اندهش حين رأى اسم المُتصل و أجاب ساخرًا
_ ايه يا دكترة. دانا قولت نسيت رقمي يا راجل .
عمر بمُزاح
_ من الآخر عايز تقولي فينك يا واطي صح ؟
ياسر بتهكُم
_ بالظبط يا واطي.
قهقه عمر قبل أن يقول بمُـزاح
_ خلي بالك انت الوحيد اللي مسموحلك تقول كدا. مش علشان سواد عيونك لا عشان ايدك تقيلة.
ياسر بسخرية
_ لا ياد انت اللي ايدك خفيفة أوي!
عمر بصدق
_ طب والله واحشني، و وحشني اوي قعدتنا و سهراتنا سوى. احتمال كبير اجيب كمال واجي نسهر معاك سهرة من إياهم.
ياسر بخشونة
_ تنوروا يا غالي . المهم قولي ايه اللي حدفك عليا الساعة دي؟
عمر بمرح
_ أحبك لما تفهمني. بص يا سيدي في بنتين عايزك تعرفلي مكانهم. هما ساكنين في المحيط بتاعكوا، واخوك الصراحة مش فاضي يهرش، و مش بتاع لف انت عارف انا دكتور محترم، وماليش في الصياعة
ياسر بتهكُم
_ أنت هتقولي! محترم اوي. دا انت كل مصايبك معايا!
عمر بسخرية
_ وانت راجل جدع و هتستر عليا. المهم قولي هتساعدني ولا ايه؟
ياسر بخشونة
_ مش تفهمني الأول الليلة دايرة على ايه؟
_ افهمك يا عم. بس اهتم يا ياسر عشان الموضوع دا مُهم اوي.
ياسر بتفكير
_ انت كدا عايزلك قاعدة. بص يا غالي انا ورايا مشوار هخلصه على تسعه عشرة بالليل كدا تجيلي انت في السهرة و ترسيني عالليلة و ربك يصلح الحال.
_ زي الفل . نتقابل بالليل .
★★★★★★★★
_ أشجان فين ؟ بتي فين؟
هكذا هتفت رضا بلهفة ما أن اخبروها الجيران بأن ابنتها سقطت مُغشية عليها بعد أن أخذت تصرُخ بجنون
_ اتفضلي ياختي. تعالي يا رضا. بنتك في الحفظ و الصون يا حبيبتي.
هكذا تحدثت مديحة بلهفة و هي تقابل رضا المذعورة والتي قالت بلهفة
_ قالولي الحقي أشجان قاطعة النفس.
مديحة بلهفة خادعة
_ ياختي بعد الشر. زي الفل جوا اهي ادخلي اطمني عليها.
دلفت إلى الداخل فوجدت أشجان تتوسط السرير و بجانبها المغزي مغروز بأوردتها فما أن رأتها حتى هتفت بحرقة
_ ماما.
احتضنتها رضا بقوة وهي تقول بخوف
_ مالك يا قلب امك فيكِ ايه؟
ظلت تبكي بحرقة وهي تقول بنبرة متقطعة
_ انا تعبت. تعبت. خديني. معاكِ. مش عايزة. اقعد هنا تاني.
هوى قلبها ذُعرًا من حديث ابنتها التي لم تِمهلها تلك الحية الانفراد بوالدتها لتقول بعتب أتقنت تزييفه
_ سامعة يارضا كلام أشجان الخايب ! هي كل واحدة تتخانق مع جوزها تسيب البيت وتمشي.
رضا بعدم فهم
_ طب ما تفهموني حصل ايه؟
أشجان بقهر
_ مد أيده عليا و ضربني.
تدخلت مديحة بلهفة لتقطع عليها كل السبُل
_ بس انا مسكتلوش. وديني و ما أعبد مسكته بهدلته. أنتِ فاكرة اني اسكت على الغلط أبدًا يا رضا!
رضا بلهفة
_ عداكِ العيب يا حاجة. بس هو ينفع يعني يمد أيده عليها بردو؟ لا انا لازم اعرف أبوها وهو يتصرف.
مديحة بلهفة
_ والله ما سكتله. بس بيني و بينك هو مش غلطان اللوم مش عليه لوحده. اه . أشجان غلطت. دا حق ربنا. هو ينفع بردو تقف قصاد جوزها تناطحه راس براس؟
التفتت رضا إلى ابنتها قائلة بعتب
_ ازاي دا يا أشجان هو ينفع الكلام دا؟
لم تُمهلها الوقت للرد لتقول بنبرة حزينة
_ طب شتيمتها ليا و بلعتها. انما تقف قصاده و تزعق و تهلل. الكلام دا ميتسكتش عليه بردو.
رضا بتأثر
_ يا نهاري! شتمتك ! الكلام دا حقيقي يا أشجان؟
أشجان بقهر
_ الكلام مكنش كدا يا ماما؟ أنتِ مش فاهمة.
رضا بحزم
_ كلمة و رد غطاها. أنتِ فعلا شتمتي حماتك؟
لم تعرف بماذا تُجيبها ولا كيف تصف لها هذا القهر الذي تحياه برفقة تلك المرأة التي كانت كالحية التفت حول رقبة والدتها و أتقنت تزييف الحقائق أمام عينيها لتتولى الإجابه هي بدلًا عنها
_ مش دا المهم يا رضا. هي زي بنتي، وانا بردو مقدره أنها كانت منفعلة، وانا والله كان غرضي مصلحتها. بدل ما جوزها يطفش منها.
ضربت رضا بيدها فوق صدرها وهي تقول بلهفة
_ يا مراري يطفش! ايه الكلام دا يا بنتي؟
شرعت في حبك كذبتها إذ قالت بعتب و تأنيب
_ يرضيكِ ليه وليه بقولها البسي حاجه حلوة و جوزك هنا. هبت فيا زي البوتجاز! هو الراجل بيتعلق بمراته ازاي يا رضا؟ مش لما يلاقيها لابسه و متشيكة، يدخل البيت نفسه تتفتح. انما دي ولا في دماغها، و الواد الشهادة لله مبيفتحش بقه بس انا لاحظت، وقولت دي زي البت هناء بتي أنصحها، و عينك ما تشوف الا النور. هبت فيا ولا اكني بشتمها.
التفتت رضا إلى أشجان التي كان وجهها لوحة حية لخيبة الأمل و القهر لتقول بنبرة جافة
_ طب معلش يا أم أمين اعمليلي كوباية شاي اصل من الخضة ضغطي علي.
مديحة بلهفة بعدما تأكدت من نجاح مخططها
_ عيني. أنتِ تؤمري ياختي.
_ ايه يا بت الكلام اللي انا بسمعه دا؟
هكذا تحدثت رضا بعدما غادرت مديحة لتهتف أشجان بقهر
_ ياماما كذابه. الست دي السبب في تعاستي هي و ابنها. دي بتكذب عيني عينك وهو بيصدقها. دا غير اني شايفة معاه المرار، و ساكته عشان ولادي
رضا بتقريع
_ ابنها! مش دا حبيب القلب اللي كنا هنموت عليه! دلوقتي بقى وحش.
اقتربت أكثر من أشجان قائلة بنُصح
_ يابت. جوزك بيحبك، و أنتِ في ايديك تخليه زي الخاتم في صباعك. دا أنتِ بدر منور. لو لبستي و اتدلعتي مش هيشوف غيرك، ولا أمه ولا اخته.
هتفت أشجان بنفاذ صبر
_ حرام عليكِ انا في وادي وأنتِ في وادي.
لم تكد تُجيبها حتى رأت ذلك الرجل الذي أصبحت تبغضه بقدر ما تتنفس يطل برأسه من باب الغرفة
_ اهلا يا حماتي.
رضا بلهفة
_ اهلا يا جوز بنتي. تعالى واقف ليه؟
أمين بتخابُث
_ يمكن أشجان مش عايزة تشوفني ولا حاجه؟
رضا باستهجان
_ مش عايزة تشوفك دا ايه؟ هي بس واخدة على خاطرها منك وانا كمان بصراحة.
كانت عينيه عليها بينما عينها تنظران في كل مكان ماعدا وجهه الذي كانت تمقته، وقد كان يعرف لذا اقترب منها يحاوطها بذراعه وهو يقول بجفاء
_ هي الحاجة مفهمتكيش ايه اللي حصل ولا ايه؟
_ فهمتني. بس بردو. الا مد الإيد يا أمين.
_ اقترب يضع قبلة كريهة فوق وجنة أشجان التي كانت تريد الابتعاد عنه بأي طريقة ولكنه كان يغرز أناملة في لحمها حد الألم قبل أن يقول بنبرة ناعمة
_ لحظة شيطان وراحت لحالها بقى، وانا معنديش أغلى من شوشو حبيبتي. كدا ولا ايه؟
كان ينظر إليها بطريقة بثت الذُعر داخل صدرها، فقد كان قادرًا على الإيذاء بأكثر الطُرُق بشاعة لذا لم تُعلِق على حديثه لتفهم رضا بأنها خجله من وجودها فهتفت بمرح
_ طب اسيبكوا بقى تتراضوا وابقى اعدي عليكوا وقت تاني. يالا ياشوشو يا حبيبتي فوتك بعافية.
ودت لو تصرخ بها بأن لا تتركها معه، ولكن يده التي كانت تقبض بقوة على كتفها كانت و كأنها تُكمم فاهها لذا اومأت برأسها بصمت، وما أن استمعوا الى صوت الباب الخارجي يُغلق حتى جذبها بغته إلى أحضانه حد انتزاع المقوي من يدها ليقول ضد شفتيها و أنفاسه الكريهة تحرق بشرتها
_ عايزة تبعدي عني ياروحي ؟ فاكرة انك ممكن تخرجي من هنا على رجلك ؟
ارتعبت من حديثه فهتفت بنبرة ترتجف من فرط الخوف
_ تقصد اي ؟
كان يشتهيها بقوة و لكن رفضها كان إهانة عظيمة لغروره المريض لذا أراد اخافتها حين قال بنبرة قاسية
_ اقصد يوم ما تخرجي من هنا هتخرجي على القبر. غير كدا لا.
اندفعت العبرات من مقلتيها وهي تقول بأسى
_هو مش أنا وحشة و تخينة و انت بتقرف مني؟ سيبني بقى. ماسك فيا ليه؟
يأبى إظهار هوسه بها ولكن رغبته جرفته للحظة خاطفة ليقترب من شفتيها وهو يقول
_ عشان أنتِ ليا انا وبس. حتى لو كنتِ اسوء ست في الدنيا.
لم تستطِع قمع الكلمات التي اندفعت في وجهه كالرصاص
_ بكرهك. بكرهك يا أمين بكرهك.
★★★★★★★★★
_ هنعمل ايه يا مرزوق؟ البت زي اللي راكبها عفريت مش عليها غير طلقوني طلقوني.
مرزوق بنبرة مغمومة
_ هعملها اللي هي عايزاه يا صابرين.
شهقت مستنكرة
_ يالهوي يا مرزوق؟ هتطاوعها!
مرزوق بغضب
_ اومال اسيبها أما تموته و تموت نفسها!
صابرين بحزن
_ طب هتعمل كدا ازاي ؟ الناس دول احنا مش قدهم!
زفر مرزوق قبل أن يتوجه إلى الخزانة يجلب ملابسه وهو يقول بجفاء
_ هروح للحاج جابر الصياد هو الوحيد اللي هيقدر يساعدنا.
هبت صابرين من مكانها قائلة بلهفة
_ ايه؟ جابر مين؟ إلا دا! انت عارف دا متجوز مين؟ انت عايز تشمت هيام في بنتي!
مرزوق بغضب
_ بقولك ايه يا وليه أنتِ مش عايز لت نسوان. تشمت ايه و تتنيل ايه؟ هي اول و لا آخر واحدة تطلق!
أنهى جملته و خرج إلى وجهته بينما صابرين جلست تندب حظها وهي تقول بأسى
_ هتشمت و تشمت و تشمت. فرصتها ترد القلم.
★★★★★★★★
في أحد المحافظات في الصعيد
_ چوزي فين يا عمدة ؟ شعبان فين يا عمده؟ عِملت فيه ايه؟
هكذا هتفت تلك المرأة بعويل وهي تقف على أعتاب ذلك المنزل الكبير الذي هبط رحيم من فوق الدرج الذي يتوسط باحته ليقول بجفاء
_ أنتِ جصتك يا ولية يا مخبلة أنتِ ؟ كل شويه تيچي تجرفينا اهنه. المرة الچاية هطخك عيارين و اخلص من جرفك.
المرأة بتوسل
_ طب جولي چوزي فين وانا همشي و مش هوريك خلجتي واصل!
رحيم بقسوة
_ معرِفش. روحي دوري عليه في أي خرابة ولا اي خماره أجري.
_ حرام عليك چوزي كان خدامك، و تحت رچليك. انت الوحيد اللي شافه آخر واحد.
ضاق ذرعًا بعويلها فصرخ بنبرة مُرعبة
_ چمال. انت يا زفت ياللي اسمك چمال.
هرول الغفير الى رحيم قائلًا بلهفة
_ أيوا يا عمدة.
رحيم بقسوة
_ غور الولية دي من اهنه. معيزش أشوف خلجتها واصل.
أجابه الغفير بلهفة
_ امرك يا عمدة.
دلف رحيم إلى غرفة مكتبه وسط عويل و بكاء تلك المرأة ليلحق به مطاوع قائلًا بنفاذ صبر
_ مش هتجولي بردك الواد ده عِمل اي يا رحيم عشان تعمل فيه اكده؟
رحيم بجفاء
_ ملكش صالح. چهزت اللي جولتلك عليه؟
زفر مطاوع حانقًا قبل أن يقول
_ عّملت. بس بردك عايز اعرِف . من ميتا بتخبي عني؟
تجاهل رحيم غضبه وقال باستفهام
_ ضرغام اتعشى ولا لسه؟
_ لسه.
التمع الشر في عين رحيم وهو يقول
_ حلو چوعه. عشان العشوة شديدة الليلة.
مطاوع باستفهام
_ تجصد اي ؟
رحيم بقسوة
_ هتعرِف.
بعد وقت قصير كان يتوجه معه إلى حيث يحتجز شعبان الذي كان مقيد بالحبال من كلا يديه و يبدو عليه التعب الشديد فما أن رأى رحيم حتى هتف بلهفة
_رحيم بيه. ارحمني ابوس يدك.
رحيم بقسوة
_ مانا چاي عشان اكده.
شعبان بلهفة بعد أن ظن بأنه سيطلق سراحه
_ والله ما هكررها و هعيش خدامك العمر كله.
رحيم بغلظة
_ لا كفاية عليك أكده. انت تروح للي خلجك هو أولى بيك.
ارتجف بدن الرجل و هتف بذعر
_ تجصد ايه؟
التفت رحيم إلى الرجال خلفه ومن بينهم مطاوع قائلًا بأمر
_ هاتوه.
كمم الرجال فمه و أخذوه الى حيث قفص ذلك الأسد الضخم الذي كان يدور في قفصه بعد أن كان الجوع يقرصه بشدة و إذا به يجد وجبته تُقدم له على هيئة ذلك الرجل الذي كان جسده ينتفض من فرط الرعب الذي تضاعف حين استمع الى كلمات رحيم القاسية
_ ده عجاب جليل جدام اللي تستحجه يا كلب. ارموه.
اخذ الرجل يصيح برعب، ولكن لم يُشفِق عليه أحد. بينما رحيم لم يُكن يرى شيء أمامه سوى تلك الفتاة المُلقاة أرضًا غارقة في دمائها.
★★★★★★★★★
صرخة ذُعر مزقت جوفها فقد هاجمتها الكوابيس ككل ليلة لتصرُخ بملء صوتها الذي جذب والدتها إليها مُهرولة وهي تقول پلوعة
_ نچاة. يا بتي؟
كان جسدها ينتفض رعبًا و العرق يتصبب من جبهتها حين جلست بجانبها والدتها تحاول تهدئتها لتسمع ذلك الطرق القوي على الباب فتوجهت لتفتح فوجدت أسيا التي قالت بلهفة
_ ضي مالها يا خالتي؟
بدرية بحزن
_ مُر كل ليلة يا بتي.
اشفقت اسيا على تلك الفتاة التي أصبحت صديقتها منذ أن أتوا للعيش بنفس البناية خاصتهم، فقد كانت والدتها و والدة غنى أقرباء، وقد علمت قصتها المؤثرة التي جعلتها تعايش هذا الألم كل ليلة لتهرول اليها ما أن استمعت إلى صراخها، فاندفعت نجاة إلى أحضانها تبكي و أسيا تحاول تهدئتها
_ اهدي ياضي. دا كابوس يا حبيبتي. مفيش حاجه انا جنبك.
نجاة بذُعر
_ انا خايفة اوي يا أسيا. جلبي هيخرچ من مكانه.
أسيا بتعاطُف
_ اهدي يا حبيبتي والله ما في حاجه. انا هنا وماما مع خالتو بدرية بره.
في الخارج قالت رضا بتوبيخ
_ ايه يا شيخة اتقي الله في الغلبانه دي و وديها لدكتور نفسي يعالجها. حرام عليكِ تسبيها كدا.
بدرية باستنكار
_كنك اتچنيتي يا رضا. ضكتور اي؟ افضح بتي بنفسي ولا اي؟
رضا بحنق
_ تفضحي ايه يا ستي! البت صاغ سليم، وأنتِ أتأكدتي بنفسك، يبقى فين الفضيحة؟
بدرية بانفعال
_ لما يعرِف اللي حوصولها و انها اكشفت على راچل غيره هيجول عليها اي؟
اغتاظت رضا من غبائها وقالت بحدة
_ اتكشفت ايه؟ البنت لسه زي ماهي. دي محاولة اغتصاب والحمد لله مكملتش. قطع لسان اي حد يقول عليها كلمة. حرام عليكِ بطلي جهل بقى البت بتدوب قدامك زي الشمعة. وديها طيب لدكتورة خليها تعالجها.
بدرية بعناد
_ بتي كويسة مفيهاش حاچة ريحي روحك انتِ.
رضا في محاولة لاقناعها
_ بنتك زي الفل. حرام عليكِ لما تسبيها كدا. دي البت زي البدر. لو سبتيها كدا هتتجنن. اسمعي كلامي و تعالي نوديها لدكتورة نفسية هتعالجها من الكوابيس و الحالة النفسية اللي هي فيها دي.
اخفضت رأسها بتعب قبل أن تقول بأسى
_ خايفة الناس لما تعرِف حكايتها تنهش في لحمها اكتر يا خيتي.
_ متخافيش محدش هيعرف حاجه. طب هقولك على حاجه. الناس اللي انا بخدم عندهم ليهم ابن دكتور. انا هسأله على عنوان دكتورة نفسيه كويسة، و أكيد الدكاترة اللي يعرفها ميعرفوش حد هنا. قولتي ايه؟
★★★★★★★★★★
_ ايه يا حاج جابر اللي أخرك كدا؟ دا ياسر خارج اديله ساعة اهو وقالي أن القعدة خلصت و مشكلة البت اتحلت خلاص.
جابر باختصار
_ دي مشكلة تانية يا ام حمادة.
هيام باستفهام
_ مشكلة ايه كفالله الشر؟ تخص حد نعرفه؟
تحمحم جابر بخشونة قبل أن يقول
_ غنى بنت مرزوق الفران عايزة تطلق من جوزها و مرزوق جالي النهاردة عشان اخلصله الموضوع!
شهقة قويه خرجت من جوف هيام التي هتفت باستنكار
_ بتقول مين؟ نهار مش فايت، و انت قولتله ايه؟
كان يعلم بأن القادم سيء ولكنه مُجبر أن يُخبرها في كافة الأحوال
_ اتصلت على عبد الحفيظ و حددنا قاعدة الجمعة الجاية عشان نشوف المشكلة دي.
جن جنونها و هتفت بهياج
_ انت بتقول ايه يا جابر؟ قاعدة مين اللي هتقعدوا فيها؟ انت بتقول ايه؟ دا مش هيحصل أبدًا ! على جثتي اللي بتقوله دا.
_ اهدي يا هيام! و وطي صوتك احنا في نص البيت.
هيام بصدمة
_ اهدى ايه و انيل ايه؟ اتحدفت علينا من انهي داهية دي؟ اسمع مني يا جابر البت دي انت مش هتقعدلها في قاعدة انا بقولك اهو...
باغتهم ذلك الصوت القادم من الخلف
_ بت مين يا هيام اللي مش عايزاه يقعد في قاعدتها ؟