رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الثالث 3 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الثالث 

الحب جحيم يُطاق.. والحياة بدون حب نعيم لا يطُاق...

-أفتحي يا بسنت..هتلاقي الدلڤيري وصل...

قالتها هاجر وهى تتحدث بـ الهاتف لتنهض بسنت وهى تقول بـ فتور

-طيب...

ثم تحركت بـ خطى وئيدة ثم فتحت الباب وهى تتلاعب بـ حافظة نقودها قائلة

-عاوز كام!!
-بسنت؟!...

إرتفعت رأسها سريعًا وهى تستمع إلى ذاك الصوت المشدوه..فـ إتسعت عيناها تزامنًا مع إتساع عيناه..ثانية وأخرى قبل أن تصرخ بسنت بـ فزع مُغلقة الباب في وجهه...

مرت لحظات قبل أن تسمع إلى طرقات غاضبة يتهشم لها الخشب من قوة ضربات قبضته..ثم صرخته الغاضبة

-بسنت أفتحي الباب دا
-صرخت هى الأخرى بـ هلع:لأ...

ثم ركضت على الدرج بـ سرعة الصاروخ وهتافه يزداد

-بسنت أفتحي أحسنلك...

ثوان و وجد الباب يُفتح فـ أكمل صُراخه

-ورحمة أمي لـ...

ولم يستطع أن يُكمل فـ قد وجد هاجر أمامه تنظر إليه بـ دهشة خائفة..ليتنحنح صابر بـ حرج ثم قال بـ غضب

-فين بسنت يا حماتي
-أشارت إلى أعلى بـ دهشة:فوق...

أومأ بـ رأسه ثم إلتهم خطواته كـ إلتهامه لـ الدرج..فـ هو لم يُصدق ما نُشر صباحًا عن تلك الفضحية التي تسبب بها جاسر لسببٍ مجهول..وفي إحدى الصور لمح طيف بسنت تجلس بـ أعين مُتسعة والرهبة تكتنفها من هول الموقف..لم يعي وجودها بـ مصر دون علمه إلا الآن...

وصل إلى غُرفتها ثم أخذ يطرق على الباب بـ عنف

-بسنت..أنا مش رايق للعب العيال دا..أفتحي
-ردت بـ رعب:لأ مش هفتح..أنت هتضربني
-ليهدر بـ جموح:ولما أنتي عارفة أني هتضربك..بتتصرفي من ورايا ليه
-ردت بـ تلعثم:طب..طب..أهدى وأنا..هفهمك...

و وجدت الصمت هو ردها قبل أن تصرخ في الثانية التالية وهى ترى الباب يُدفع بـ عنف يُنبأ بـ غضب صاحبه..فـ قفزت بـ رعب على الفراش وهتفت بـ هلع

-أسنتى هفهمك
-هدر بـ عنف:تفهميني إيه!!..ها!..مراتي هنا وأنا معرفش..يا فرحتي...

ثم تحرك في إتجاهها لتزداد هلعًا..صعد إلى الفراش وقبل أن تقفز كان يُحيط خصرها بـ يده جاذبًا إياها إليه...

كاد أن يتحدث ولكنه صمت عندما سمع صوت هاجر بـ المتردد

-صـ..صابر حبيبي..إهدى كدا..هي كانت عاوزة تعملك مفاجأة...

نظر إليها فـ إبتسمت بـ بلاهة مُتوترة ليقول بـ حنق

-لأ إطمني يا حماتي منا تفاجأت...

ثم صمت لحظات وقال بعدها بـ قوة

-بعد إذنك يا حماتي..ليا حديث طويل مع الأنسة مراتي
-بس..آآآ
-قاطعها صابر بـ تهذيب:بعد إذنك يا حماتي
-لم تجد بدًا سوى أن تقول:طيب
-فـ صرخت بسنت بـ إستنجاد:مامي...

ولكن نظرة من صابر ألجمتها .. وخرجت هاجر تاركة بسنت ترتجف خوفًا تحت نظرات زوجها التي تفتك بها دون رحمة..إبتلعت ريقها بـ صعوبة ثم قالت بـ توتر

-أنا بس...

وتاهت باقي حروفها مُبتلعَة في جوفه وهو يُقبلها بـ قوة يضم جسدها إليه بـ إشتياق أصابها بـ دوار ساحق مع إتساع عينيها من هول الصدمة والمشاعر التي هاجمتها...

إبتعد صابر عنها لاهثًا يستند بـ جبينه فوق جبينها ثم قال بـ خفوت

-دي عشان كنتي وحشاني...

************************************

لم تستوعب روجيدا ما قاله جاسر لتتجمد في وضعيتها عدا أنها عدلت من وضع رأسها وبقت تنظر إليه بـ صدمة ودهشة قاتلة...

داعب أنفه عبقها المُسكر والذي لم تُخطئه حواسه أبدًا فـ أجبر عقله على التيقظ..فتح عيناه فجأة لتتسع بـ قوة وهو يرى وجهها القريب منه بـ شدة تحرق أعصابه..عيناها التي بدت في عالم أخر من الشرود بـ حيث لم تستوعب إستفاقته وتحديقه بها...

وبقى الصمت سيد الموقف..صوت تنفسهم الغير مُنتظم هو ما يقطع السكون..تحركت يد جاسر بـ عفوية تُبعد خُصلاتها الكستنائية لتُتيح له أكبر قدر من التشبع بـ ملامحها...

كان تنفسها على عنقه يستفزه بـ شدة فـ تمسك بـ ملاءة الفراش بـ قوة حتى إبيضت مفاصله وحاول كتم أنفاسه الحارة..ثم أكمل تحديقه بها...

مضى وقت لا بأس به وهمل على تلك الوضعية..روجيدا شاردة وجاسر يتشبع من ملامحها..إلى أن تحمحم بـ خبث

-أنا معنديش مانع أفضل كدا...

لم يظهر أنها سمعته ولكنها إستقامت في جلستها وتشدقت بـ توتر

-هو..أنت ليه..كنت بتقولي..مـ..متبعديش عني!!

إتسعت عينا جاسر بـ قوة وذهول ثم ما لبث أن إتسعت إبتسامته جعلتها تعقد حاجبيها بـ تعجب..ليقول وهو يعتدل في جلسته

-امممم..وأنتي عرفتي منين أنه أنتي!..مش جايز واحدة تانية؟

زرعت فيروزها داخل عسليته وقالت بـ ثقة لا تشوبها شائبة

-عشان مفيش غيري فـ حياتك ومش هيكون أبدًا..أنا إتزرعت هنا..أنا جزء لا يتجزأ من قلبك اللي عمره ما هيشوف حياه من غيري...

على الرغم من ذهوله إلا أن إبتسامة ساحرة إرتسمت على وجهه..ليقترب منها فـ إرتفعت وتيرة أنفاسها..ثم أبعد خُصلاتها على منكبها الأيمن وهمس في أُذنها اليُسرى

-يمكن عشان بشوف كل الستات أنتي!..يمكن عشان أنتي كنتي الروح اللي بتديني حياه..ولما ضاعت مني..متُ أنا...

ثم إبتعد عنها ليرى إحمرار وجنتيها بـ خجل وحب لم تستطع عيناها المتوهجة إخفاءه...

كاد جاسر أن يُلقي بـ كل شئ عرض الحائط ويكسر ذلك القيد الذي يتحكم بـ حياته كـ عروس ماريونت..أرادها أن تعود وتُكمل الروح التي صارت مُشتتة بـ دونها..أراد أن يُكمل ذلك العناق الذي لم يكتمل أمس كما يجب..ولكن تنهيدة صدرت منها و ومضات سريعة من حادث يكاد يُقسم أنه لا يزال يسمع صوت تهشم عظامها تزامنًا مع تهشم السيارة...

"عودة إلى وقتٍ سابق"

كانت يُدقق بعض الأعمال بـ دقة مُتناسبة مع تلك النظارة الطبية التي يرتديها في هدوء قبل أن تقطعه السكرتيرة الخاصة به وهى تدلف كـ إعصار و وجها شاحب بـ درجة كبيرة كأنها خرجت من الموت..فـ إرتفع وجه جاسر بـ حدة وقبل أن يتشدق بـ حدة كانت هى تقول بـ أسى وتلعثم

-مـ..مدام..روجيدا عملت حادثة وآآ...

ولم تستطع إكمال حديثها عندما رأت ذلك المارد يندفع إليها بـ قوة وقد أظلمت عيناه حتى أصبحت مُخيفة..إنكمشت على نفسها بـ خوف فـ وجدته يقبض على ذراعيها كـ كِلاّب ثم هدر بـ صوتٍ جهوري

-عملت حادثة إزاي!
-إرتعدت فرائصها وقالت ب تردد:فـ..حد كـ..لمني وقالي..إنها عملت حادثة...

شعر جاسر بـ ظلام حوله ولكنه لم يتوقف ثانية واحدة لينطلق بـ أقصى سرعته يلتهم الأرض بـ عنف...

لم يعرف كيف وصل المشفى بعدما أخبره أحد الحراس المُكلفون بـ حمايتها من مُهاتفته..أغلق المُحرك بـ عنف حتى أحدث صريرًا وترجل من سيارته غير آبه لغلقها..وفي ثوان كان صعد إلى الطابق المتواجدة به زوجته...

كان حراسه يقفون بـ إحترام يُخفضون رأسهم إلى أسفل..وبلا أي مُقدمات هجم عليهم وهو يصرخ بهم بـ زئير أسد مذبوح وبدأ في ضربهم بـ وحشية حتى أفرغ غضبه فيهم..ليركل أحدهم في معدته بـ عنف حتى خرجت الدماء من فاه ثم هدر بـ صوته الذي دوى كـ الرعد

-وأنتو لازمتكوا إيه يا بهايم!..أقسم باللي خلقني وخلقكم لو حصلها حاجة ما هيفكيني فيكم حياتكم وحياة عليتكم...

وركل أخر بـ قوة ثم توجه إلى مُنتصف الممر وزعق بـ صوته حتى فُزع من بـ المشفى

-حد يجاوبني مراتي فين!...

لم يجرؤ أحد على الحديث وظل الجميع ينظرون إليه بـ خوف حتى تقدم أحد الأطباء وهو يعرف هوية الماثل بـ هيئته الهمجية أمامه..تحدث الطبيب بـ توتر

-ممكن تهدى ياجاسر بيه!
-أمسكه جاسر من تلابيبه وهزه بـ شراسة ثم هتف من بين أسنانه:بقولك مراتي فين وإيه حالتها!..رد عليا؟!...

أومأ الطبيب بـ رأسه بـ تخوف وقال بـ تلعثم

-هي فـ..أوضـ..ة العمليات..وحاليًا..بنقيم..الـ..حالة
-همس جاسر بـ فحيح أفعى:عارف لو طلعتي من هنا وهى مش كويسة..عارف هعمل فيك إيه!

هز الطبيب بـ رأسه بـ نفي عدة مرات بـ هستيرية ليقول جاسر بـ نفس النبرة

-وأحسنلك متعرفش..يلا غور...

ثم دفعه بـ حدة ليهرول الطبيب إلى داخل الغُرفة وبقى جاسر يدور حول نفسه كـ أسد جريح..يتصبب من جبينه العرق..ضربات قلبه في وتيرة غير مُنتظمة..عيناه حمراوان بـ لون الدماء..روحه التي أصبحت كـ صحراء جرداء دونها..وضع جاسر يده على قلبه بـ ألم ليجلس على الأرض الرُخامية يضع رأسه بين يديه وبدأ يلهث بـ تعب..ولكن أبت عيناه ذرف العبرات...

مرت ساعة وأخرى تلتها أخرى والجميع يلتف حوله بعدما علموا بـ الخبر..الكل يشد أزره ولكنه بدى كـ من عُزلت روحه عن العالم وبقى جسده فارغ..وتلت الساعات..ساعات أُخرى ولا أحد يخرج ويُطمأنهم...

ومع بزوغ فجر اليوم التالي..دلف الطبيب خارج غُرفة العمليات يتنهد بـ إنهاك..فـ ركض جاسر يُمسكه من تلابيبه وقال بـ ذعر وغضب

-مراتي فين!
-ربت الطبيب على يده وقال بـ تفهم وهدوء:متقلقش يا جاسر بيه..العملية نجحت..لكن...

صمت قليلًا ليهوى قلب جاسر بين قدميه و دون أن يتجرأ على السؤال أكمل الطبيب حديثه

-الحادث مكنش سهل أبدًا..في كسور كتيرة فـ جسمها بـ الإضافة إلى تهشم العضمتين بتوع الترقوة..في تكتل دموي فـ المخ وحولين الرئة مش هنقدر نعملهم حاجة إلا لما تفوق دا غير الإصابة بتاع العمود الفقري ومش هقدر أجزم خطورة الإصابة إيه..بجد ربنا كتبلها عمر جديد...

إبتلع جاسر ريقه بـ صعوبة ثم هتف بـ صوتٍ خافت مُرتجف

-يعني إيه لما تفوق!
-أخذ الطبيب نفسًا عميق ثم قال:يعني حاليًا هى دخلت فـ غيبوبة لأجل غير مُسمى..وجايز الله أعلم متفوقش أصلًا منها...

تهدل كتفي جاسر وسقطت يداه بـ جانبه وقد إزداد شحوب وجهه..سقط جاسر على رُكبيته ثم وضع يده على صدره وصرخ بـ ألم واضح

-اااااه...

وبعدها سكن العالم من حوله..لم يتذكر شئ سوى إفاقته بعد ثلاث أيام في غُرفة بيضاء يرتدي ملابس المشفى ذات الرائحة الكريهة بـ النسبة له..حاول النهوض ليجد صدره موصول بـ بضعة أسلاك فـ نزعهم ونهض...

دلف خارج الغُرفة فـ أوقفه صابر بـ جزع

-جاسر!..رايح فين؟..أنت لسه قايم من جلطة فـ القلب

دفعه جاسر بـ ضعف وبقى يتحرك..إلا أن صابر حاول منعه قائلًا

-طب فهمني رايح فين!
-أجابه جاسر بـ ضعف وهو يترنح:رايح لمراتي
-بشكلك كدا!..جاسر الله يكرمك لا أنت ولاهى فـ حالة تسمح بـ الكلام.. لا هى فاقت ولا أنت قادر تتكلم
-أغمض جاسر عينه وقال بـ نفاذ صبر:إبعد عني..عاوز أشوفها...

تنهد صابر بـ نفاذ صبر ثم توجه ناحيته وسانده بـ حذر قائلًا

-طب تعالَ هما نقلوها للعناية...

وسار معه إلى الغُرفة..تعجب الجميع وكادت أن تتحدث فاطمة ولكن صابر أشار لها بـ الصمت..حاول مُساعدته في الدخول ولكن جاسر منعه وطلب منه البقاء بـ الخارج..إمتثل صابر إليه وبقى خارجًا..بينما دلف هو إلى الداخل بـ خذلان ...

حدق مليًا بها..وجهها المليئ بـ الجروح والخدوش..رأسها المضمد بـ شاش طبي وقد تكونت بُقعة حمراء في أحد جوانبه..ذراعيها و قدمها اليُمنى المجبرة..صدرها الظاهر أسفل الملاءه البيضاء والموصول بـ أجهزة طبية ظهرت أيضًا عليه الجروح...

إبتلع جاسر غصة مُؤلمة بـ حلقه ثم أكمل تقدمه بـ خطوات هزيلة..جلس على مقعد وهو يُمسك صدره بـ ألم ولكنه تجاهله...

مدّ يده إليها وأمسك كفها البارد والذي لم يسلم من الخدوش..إنحنى يُقبله بـ رقة وهتف بـ تحشرج

-مقدرتش أحميكي يا حبيبتي..فشلت إني أحميكي..كنت عارف إن هيجي يوم وأخسرك..بس مكنتش عارف أنه هيجي بسرعة أوي كدا...

أودعه قَبلة أخرى رقيقة يتغاضى أيضًا عن ألم صدره وكونه قد تعرض إلى ذبحة صدرية مُنذ ثلاثة أيام..ثم أكمل حديثه

-أنا أسف..عشان خاطري متسبينيش ولا تسيبي بنتنا..مش هنقدر نكمل من بعدك...

ثم نهض يُقبل رأسها بـ حنو وتشدق بـ ألم

-بحبك يا فراولتي...

ثم دلف إلى خارج الغُرفة...

مر على ذلك اليوم ثلاثة أشهر قد أقام بها جاسر مع روجيدا بـ المعنى الحرفي..حيث قام رئيس المشفى بـ نقل فراش خاص له..وأصبح مُقيم معها ينام ويصحو بـ جانبها..يقرأ لها ويجلب طفلته من أجل الحديث معها..يُخبرها كم إشتاقها وإشتاقت لها طفلتيهما..حتى إستيقظت ذات يوم ليُصاحب فرحتهم بـ عودتها إليهم..خبر الشلل الذي عانت منه بسبب الحادث...

ولكن جاسر لم يستسلم وأجبرها على الخضوع إلى الجراحة التي أخبره بها الطبيب وأن نسبة نجاحها معقولة ولكنه تمسك بـ أي أمل طفيف..وبـ الفعل خضعت روجيدا إلى الجراحة وإستعادت قدرتها على السير ولكن بعد عناء طويل من علاج فيزيائي داخل وخارج مصر..جلسات مُنذ تعرضها للحادث إلى الآن...

"عودة إلى الوقت الحالي"

ومع سيل تلك الذكريات التي هاجمته بـ شراسة تذكر تلك الرسالة التي بُعثت له فـ علم أن الحادثة مُدبرة..أصبحت بـ خطر يُهدد حياتها ولكنه لم يتخلَ عنها بل تمسك بها أكثر..إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير...

قطعت روجيدا سيل أفكاره وهى تسأله

-روحت فين!!
-رد بـ هدوء وكأن شيئًا لم يكن:معاكي..وأبعدي كدا عشان أقوم...

وكاد أن ينهض إلا أن يد روجيدا منعته وحدقت بـ صدره..فـ لم تلحظ ذلك الوشم إلا الآن..لتقول بـ ذهول وهى تنظر إليه

-إيه دا!

نظر جاسر إلى ما تنظر إليه..فـ وجدها تُحدق بـ اسمها المدموغ على جلده مُوّشم فوق قلبه مُباشرةً..أبعد جاسر يدها وهو يتنهد تحت نظراتها المذهولة..ثم قال بـ هدوء

-قلبي معرفش غير حبك يا روجيدا..مستحيل حد يملكه غيرك

هتف بها ثم توجه إلى خزانة الثياب وإنتقى له قميص يرتديه فوق بنطاله البيتي...

-نهضت روجيدا بـ عنف وهتفت بـ حدة:ولما هو كدا..بعدت عني ليه!..سبتني وأنا فـ عز إحتياجي ليك
-لأن دا الصح
-صرخت بـ هياج:لأ مش صح يا جاسر..مش صح أبدًا..ليه بتعذبني وبتعذب نفسك!..ليه!...

وبدأت عبراتها بـ النزول..فـ تحدثت من بين شهقاتها

-سنين وأنت بعيد عني..كل أما أحاول أقرب منك بـ تبعدني..ليه مش عاوزني أكون جنبك..أسندك فـ ضعفك زي ما بتعمل معايا...

تقدمت منه و وقفت أمامه ثم هتفت وهى تشهق

-أنا موافقة يا جاسر. موافقة بكل اللي هيحصل..أنت قبلتني بـ عيوبي..قبلتني وأنت عارف كل حاجة..لا وأنت ساعدتني وبتساعدني..ليه عاوز تبعد!..أنا محتاجاك أكتر ما أنت محتاجني...

هو لا يحتاج إلى كل ذلك الحديث والإصرار..لا يحتاج إلى عبراتك..لا شئ يبعده عنكِ سوى ماض لم يستطع تخطيه..يوم أسود توقفت عنده حياته..عندما أحس لولهة أنه سيؤذيها كما أؤذت من قبل..ولكن
أظلمت عيناه فجأه ثم جذبها من ذراعها بـ توحش لتسقط في أحضانه..لبرهة ظنت أنه يستعيد حق قد سلبه من نفسه..إلا أن عيناها إتسعت بـ هلع وهى تشعر بـ يداه تتجه إلى الثوب ويشقه من الخلف حتى نهاية ظهرها..فتحت فاها وخرج منها صرخة مدوية شقت سكون الليل من شدة فزعها..بكت وهى تتوسله بـ هستيرية

-لأ يا جاااسر..لأ عشان خاطري

ولكنه لم يرد عليها ولكن ملامحه إشتدت قتامة بها لمحات ولمحات من الألم..نزل بـ يده وهو يتحسس ظهرها على طول عامودها الفِقري إلى أن وصل إلى ذاك الجرح..كانت روجيدا تتلوى بين يديه وهى تأن بـ ذعر قد حُفر جيدًا على قسماتها..إلا أن صوت جاسر وهو يهتف بـ نبرة جامدة

-فاكرة الجرح دا!!..أنا السبب فيه

سكنت قليلًا..وعيناها تتسعان وترجعان إلى ذكرى لم يمر عليها زمنًا طويل..أبعدها جاسر عنه بـ حدة..لتتسمك هى بـ ثوبها حتى تمنعه من السقوط..ليمسك هو قميصه وبـ كل عنف مزمقه ليظهر صدره القوي...

جذب إحدى يديها لتُغمض عيناها بـ هلع ولا تستطيع التحكم في ضربات قلبها المُتقافزة..ليسير بـ يدها على ندبة مُمتدة من تجويف ما بين العنق والكتف حتى بداية صدره..ثم هدر بـ قسوة مُشبعة بـ المرارة

-والجرح دا لما كنت هأذيكي بـ أبشع الطرق...

وضعت يديها على أُذنها وصرخت بـ هستيرية

-بسسسس..كفاية عشان خاطري..كفاية...

وظلت تبكي وتنتحب حتى خارت قواها وفقدت الوعي..وقبل أن تسقط على الأرض كانت يده تضمها إلى صدره بـ قوة حانية..حملها بين يديه وكأنها لا تزن شئ ثم وضعها على الفراش وأخذ يُملس على خصلاتها بـ حنو مُشبع بـ الألم...

وبعد لحظات إستعادت روجيدا وعيها وهى تنتفض صارخة ليستقبلها جاسر في أحضانه ورأسها مغمور في صدره..همس جاسر بـ جمود

-ولسه بتحبيني!!..بتحبي واحد مقدملكيش غير الأذى والوجع..كفاية كدا يا روجيدا...كفاية أوي أنا....

ولم يستطع إكمال حديثه فـ إبتلع غصة في حلقه ثم أبعدها يُقبل جبينها بـ عمق وهى لا تزال تنتحب وتبكي بـ نشيج يُمزق نيّاط قلبه..ولكنه نهض بـ جمود ورحل تاركًا إياها خلفه تبكي وتصرخ بـ إهتياج... 

**************************************

بقيت تنظر إلى الأصفاد الموضوعة بـ يدها ويده كي يضمن عدم هروبها ثم ترتفع نظراتها إليه بـ عينان ضيقتان حادتان كـ حدة الصقر ثم تشدقت بـ ضجر

-ممكن أفهم إيه دا!...

ثم رفعت يدها إلى مستوى نظره فـ نظر إليها بـ لا مُبالاه وأكمل قيادة سيارته..زفرت بـ ضيق وقالت بـ توسل وعينان تحولت إلى البراءة الخالصة

-حبيبي ممكن تفهمني أنت عملت كدا ليه؟
-نظر لها بـ نصف عين وقال بـ برود:متفكريش تثبتيني عشان زمن النحنحة دا خلاص بح..فينيتو يا بيبي...

زمت شفتيها كـ الأطفال ثم ما لبثت وأن تحولت هادرة بـ صوتٍ عنيف

-فك الزفت دا وبطّل هزارك السئيل زيك...

صفعها بـ خفة على وجنتها ودفعها إلى الجانب الأخر ثم قال بـ هدوء

-لسانك ميطولش يا شاطرة
-هتفت بـ ذهول وأعين مُتسعة:أنت بتضربني يا صابر!
-رد عليها بـ إستفزاز:تؤتؤتؤ..متضربتكيش يا قلب صابر..أنا بس بفوقك عشان لسانك عاوز قصه
-قالت بـ نبرة على وشك البكاء:يا صابر عشان خاطري فهمني أنت بتعمل كدا ليه
-وبلا أي تردد أجابها:عشان متهربيش مني تاني...

ألجم لسانها الصدمة من صراحته لتبتسم بـ عذوبة قائلة

-بس أنا مهربتش..أنا كنت بحقق حلمي اللي أنت محرمتنيش منه...

إمتدت يده إلى خُصلاتها وداعبها بـ حب ثم قال بـ نبرة عميقة

-عشان بحبك عاوز أشوفك أحسن واحدة فـ الدنيا..مش عاوز أشوف نظرة ندم فـ عنيكي أني هدمت حلم من أحلامك...

أمسكت يده ثم قبلتها بـ حب مُتشدقة

-هو أنا قولتلك أني بحبك!
-إبتسم بـ خبث وقال:لأ..قوليلي بحبك يا صابر فـ المايك...

قهقهت بسنت بـ شدة ثم فتحت نافذة السيارة وأخرجت رأسها ليقول صابر بـ إبتسامة وعدم تصديق

-بتعملي إيه يا مجنونة!!

ولكنها لم ترد عليه بل صرخت بـ صوتها كله

-بحباااااك...

ضحك صابر بـ حب ليجذبها من يدها ومن ثم إلتفت يده حول عنقها وحاوطها بـ يده الحرة قائلًا بـ نبرة عذبة

-بعشقك يا أعقل مجنونة شوفتها فـ حياتي...

ثم قبّل مُقدمة رأسها..فـ إلتفت يدها حول خصره ورأسها ترتاح على صدره تستمع نبضات قلبه الثائرة..أغمضت عيناها تستمتع بـ تلك اللحظات ثم قالت بـ هدوء

-ممكن تفك الكلبشات دي..شكلي عامل زي بتوع الأحداث!
-تؤ..هخليكي كدا وهتيجي معايا الشركة كدا...

إنتفضت من أحضانه وصرخت بـ عدم تصديق

-صابر!!
-إنحنى صابر وقبّل وجنتها ثم قال بـ رقة:قلب صابر يا ناس...

وضعت يدهاعلى وجها تهز رأسها بـ يأس من هذا الأحمق ولكن ماذا تفعل!!..الحب لعنة...

زفرت مرة أخرى ثم قالت بـ نبرة هادئة بعض الشئ

-طب إحنا رايحين فين!..لسه بدري ع الشركة
-رد بـ بساطة:رايحين نفطر
-رفعت أحد حاجبيها وتساءلت:بـ الكلبشات دي!
-بـ إقتضاب قال:أه...

أغمضت عيناها تعد من واحد إلى عشرة علها تُهدأ من نفسها قبل أن تُهاجمها ثورة الجنون..فتحت عيناها مُجددًا وقالت بـ إبتسامة مُصطنعة

-يا حبيبي أفهم..إحنا لو دخلنا المطعم كدا..مش هنقعد ثواني وهنلاقي البوليس سوا سوا قاعدين فـ التخشيبة
-رد عليها وكأنه يُخبرها بـ الطقس:منا مفضي المطعم ومتفق مع صاحبه كمان...

تهدل كتفيها بـ يأس وعلمت أنه لا مفر من الهروب من تلك الأصفاد..فـ إستسلمت لمصيرها وسكنت في مقعدها تُقلب عينيها إلى أعلى وشفتيها مزمومة إلى الأمام...

**************************************

طرقات خفيفة على الباب ثم تبعه دلوف الطارق..إنحنى بـ إحترام لذلك الشخص الذي يُعطيه ظهره ثم قال

-سيدي جاسر الصياد خالف وعده معنا...

إلتفت ذلك الجالس وبـ يده لُفافة التبغ الكوبية..وضعها داخل فمه ساحبًا منها عدة أنفاس ثم زفرها دُفعة واحدة..تساءل بـ برود

-وكيف فعل هذا؟!
-رد الأخر:ذهب إلى منزل زوجته السابقة ثم أخذها معه إلى منزله بـ القرية
-رفع الرجل أحد حاجبيه ثم قال:إذًا هو بـ حاجة إلى تذكيره بـ وعده
-بـ ماذا تأمرني سيدي!...

أخذ الرجل نفسًا عميق ثم إستدار بـ مقعده ليواجه النافذة الزُجاجية وقال بـ خبث

-عليك بـ تذكيره..مُجرد ترك مُلاحظة خفيفة...

إنحنى الرجل مرة أخرة ثم خرج و وضع الهاتف على أُذنه..ثوان ليسمع صوت الآخر ليقول بـ إقتضاب

-كريس..لديك مُهمة

صمت قليلًا ثم قال

-جاسر الصياد!!!....

**************************************

بقيت روجيدا تنتحب فترة من الزمن لتستمع صوت طرقات خفيفة على باب الغُرفة..مسحت عبراتها بـ ظهر يدها ثم نهضت وتساءلت بـ صوتٍ مبحوح

-مين!
-جاءها صوت طفولي:أنا يا مامي..عاوزة أدخل...

أزالت روجيدا باقي عبراتها ورسمت إبتسامة دافئة على وجهها ولا تزال يدها تتشبث بـ ثوبها..ثم فتحت الباب قائلة

-حبيبة مامي...

قفزت الصغيرة بـ أحضانها لتتشبث بها روجيدا وكأنها طوق النجاه..إبتعدت الفتاه عن أحضانها  وقالت بـ براءة

-مامي..بيقولك بابي خدي دا...

أخذت منها روجيدا قطعة القُماش وقامت بـ فردها لتجده ثوب قُماشي من خامة الحرير على هيئة بنطال وكنزة مُتصلين بـ فتحة صدر مُثلثية صغيرة وحمالات رفيعة من اللون الكستنائي يتداخل معه الأسود..زفرت بـ ضيق ثم ملست على خُصلات الصغيرة وتشدقت

-طب روحي يا قلبي وأنا نازلة...

أومأت الصغيرة بـ رأسها عدة مرات ثم ركضت إلى الخارج..أغلقت روجيدا الباب وتركت ثوبها يسقط بـ حرية..كان عقلها شارد حزين..خيبة أمل مُمتزجة بـ شعور الطعن واليأس..أهدرت كرامتها أمامه..من أجله فقط تخلت عن ما تبقى من ذرات كرامتها لأجله..تناست فعلته معها..سامحته..تُقسم أنها سامحته ولكنه لم يُسامح نفسه...

أبدلت ملابسها وإختفت مشاعرها..لم يتبقَ سوي الجمود والغضب..فتحت باب الغُرفة وهبطت الدرج بـ خطوات غاضبة...

وجدت جُلنار تجلس مع جدتها فـ إتجهت إليهم صافحت فاطمة وتحدثت معها في بعض الأمور ثم إستأذنت الرحيل...

لم ترد أن ترى جاسر فـ شعور الكره لديها تنامى بـ شكل غريب.كره يمتزج معه الألم  ومرارة كـ مرارة الحنظل..توجهت إلى الحديقة لتجده يجلس على العشب الأخضر بـ بنطاله القطني وقميصه الأسود المفتوح لُيبرز عضلات جسده المُتناسقة...

أسرعت في خطواتها كي تتجنب رُؤيته لها ولكن ما كان قد كان..رآها ونادها بـ هدوء

-روجيدا!!...

تجاهلت نداءه وأكملت طريقها دون أن تُنكر تلك الرعشة التي سرت بـ جسدها عندما نادها بـ هذا الشكل..زفر جاسر بـ ضيق فـ نادها بـ قوة وحزم

-روجيدا؟!...

توقفت روجيدا لا إراديًا بسبب نبرته..سمعت خطواته تتجه إليها بـ رتابة فـ قبضت على ثيابها تبُثها الدفء..وقف أمامها يُحدق بها بـ عمق أذابها ثم تشدق بـ نبرة عميقة كـ نظراته

-آسف ع اللي حصل فوق..مكنتش ف وعيي...

إرتفع حاجبيها بـ تعجب ثم ما لبثت أن تحولت إلى شراسة..كزت على أسنانها بـ قوة وقالت من بين أسنانها

-بعد إذنك عاوزة أمشي
-روجيدا أنا آآآ...
-قاطعته وهى تلكز صدره بـ حدة:أنت إيه!..ها قولي!..مرة بتحبني ومرة مش بتحبني..عاوزني أفضل جنبك بس فـ نفس الوقت بـ تبعدني..ألاقي أسمي على جسمك فوق قلبك وبرضو بتكابر...

صمتت قليلًا وقد خنقتها تلك الغصة المُؤلمة في حلقها ثم عادت تهتف بـ شراسة

-كل مرة قربت منك فيها بتخليني أندم بعدها..سامحتك ع حاجة أنا مفكرتش أعاتبك عليها أصلًا..وأنت مُصمم تفكرني بيها..ربنا يشهد أني ضعيت أخر ذرة فـ كرامتي عشانك..وبرضو مهنتش عليك..أنت قولت لو حبي هيضعفك متحبنيش..أنت مش بس ضعفتني..أنت كسرتني يا جاسر...

وبدأت عبراتها بـ الهطول كـ سيول..وهو يقف أمامها يشعر كمن يشطره إلى نصفين بـ سكينًا بارد..يُعذب روحه قبل جسده..لم تشعر بـ ذلك الألم الذي وخز صدره ولا أنفاسه التي تثاقلت..رمت كلماتها بلا رحمة فـ أماتت روحه..كسرها يعلم ذلك ولكنه لم يكن بـ يده..فلا يوجد خيار سوى الرحيل..إما تركها أو موتها..فـ إن كان تركها عذاب..فـ موتها جهنم الله فـ الأرض...

رغم كل تلك المشاعر التي إختلجته ولكنه حافظ على قشرة جموده وبرودة..حارب رغبته العنيفة بـ ضمها وقال بـ جفاء مُصطنع

-خلصتي!..يلا عشان أوصلك...

أمسك ذراعها وجرها خطوتان تحت ذهولها..إلا أنها أبعدت يده عنها وصرخت بـ جماح

-أنت إيه يا أخي!..إبعد عني..وإياك تفكر تقرب مني تاني..هعيش حياتي وأنساك...

ثم رحلت..تاركة إياه يتصارع مع نفسه فيما قالته لتشتعل روحه بـغضب أسود..غضب رجل عاشق حتى النُخاع تُخبره حبيبته بـ بساطة أنها ستتخطاه..ركل جاسر الطاولة التي بـ جانبه بـ غضب ثم زأر بـ صوته الجريح.. أمسك هاتفه وهدر بـ عنف في أحد حرسه 

-ورا روجيدا هانم وعينكوا متغفلش عليها لحظة...

ثم قذف الهاتف بـ عنف..ليسقط على الأرض يفرد يده وقدماه على الأرض...

بقى على تلك الوضعية حتى شعر بـ ثقل على جسده..فتح عيناه ليجدها طفلته ترتمي فوقه وتحتضن خصره..إبتسم جاسر بـ تعب وإنهاك ثم حاوطها بـ يده مُتساءلًا بـ حنو أبوي

-بتعملي إيه يا زهرة الرُمان!
-تجاهلت الصغيرة سؤاله وتساءلت هى:مامي راحت فين!..أنا فكرتها هتقعد معانا على طول...

أخذ جاسر نفسًا عميق حتى إرتفع صدره على أقصى حد ثم قال بـ هدوء مُتألم

-وأنا يا جوجو..بس مش كل حاجة بنعوزها بتحصل..في حاجات بتكون خارج إرادتنا..وأنا ومامي بينا حاجات صعبة مش هتفهميها...

نظرت له الصغيرة بـ حاجبين معقودين بـ لطافة فـ إبتسم جاسر بـ دفء ثم قرص وجنتها بـ لطف وقال

-إيه رأيك نعمل حاجة مجنونة!

صفقت الصغيرة بـ حماس ثم قفزت عن والدها وقالت

-هييييه..يلا يا بابي
-يلا يا حبيبة بابي...

نهض جاسر ثم حمل طفلته وقبلها عدة قُبلات ثم أخذ يُداعبها لتُنسيه قليلًا مما يحدث..فـ هي تُشبه والدتها لأقصى حد...

*************************************

كانت روجيدا تسير بـ سرعة كبيرة غير آبهه بـ نظرة الناس أو عبراتها التي لم تتوقف عن الجريان حتى دلفت خارج القرية..حينها تنفست الصعداء وكأنها على وشك الإختناق..ثم أكملت سيرها شاردة...

في نفس الوقت وعلى نفس الطريق كان شريف يقود سيارته ويتحدث بـ الهاتف شارد بـ تفكيره قليلًا عن الطريق أمامه

-أيوة يا مجد..أنا خلاص خصلت الشغل وراجع
-برضو مبطلتش تدور وراه!
-زفر شريف بـ ضيق وقال:مبدورش وراه..الرئيس الأمن بعتني شغل هنا خلصته وجاي...

وعلى حين غُرة أوقف السيارة حتى أحدثت صرير وهو يرى تلك المرأة الشارد تعبر الطريق..أطلق السباب اللاذع لها ولكنه صمت في المنتصف عندما إكتشف هويتها..إتسعت عيناه بـ قوة وذهول..ثم تدارك نفسه وقال لمجد الذي كان يصرخ  بـ الهاتف

-أقفل دلوقتي..هكلمك بعدين...

ومن دون مقدمات أغلق الهاتف بـ وجه وقذفه أمامه بـ إهمال..ثم ترجل من السيارة بـ لهفة وقد أشرقت ملامحه...

كانت روجيدا تجلس على الطريق ما أن سمعت صوت مكابح السيارة لتسقط بـ فزع..لتجد شاب جذاب الملامح يقترب منها بـ لهفة..ثم جثى على رُكبتيه وتساءل بـ قلق

-حصلك حاجة!!

نفت بـ رأسها بـ إهتزاز ولم ترد..بينما بقى شريف يُحدق بها بـ نظراته الملهوفة والحانية..مدّ يده إليها وهو يبتسم ثم قال

-تحبي أساعدك؟!...

وأيضًا نفت بـ رأسها..حاولت النهوض وبـ الفعل نجحت ولكن ما أن إستقامت حتى ترنحت بـ وقفتها..أسرعت يده وأسندها بـ لطف قائلًا بـ هدوء وحزم

-حضرتك شكلك تعبانة..تعالي نروح لدكتور
-نفت قائلة بـ خفوت:أنا كويسة..بس عاوزة أمشي من هنا
-بقى على إبتسامته وقال:تحبي أوصلك!...

نظرت له بـ شك وقد أصابها التوتر.. ليُقهقه شريف بـ وقار ثم هتف بـ جدية

-متخافيش أنا ظابط..تحبي تشوفي بطاقتي؟!...

إبتسمت بـ خفوت وهزت رأسها بـ نفي وخجل..لتتسع إبتسامة شريف وقال

-طب يلا عشان وقفتنا غلط والطريق مقطوع...

أومأت بـ رأسها فـ أشار لها إلى السيارة..تقدمها وفتح لها باب السيارة..جلست هى فـ أغلق الباب ودار هو حول السيارة...

وعلى الجانب الأخر من الطريق وقف رجال جاسر بـ حيرة ليتشدق أحدهم 

-هنقول لجاسر باشا ع اللي حصل!
-رد عليه أخر:أيوة عشان يعلق رقابنا على مدخل القرية
-زفر الأول بـ ضيق وتساءل:طب هنعمل إيه؟!
-نقوله كل حاجة تمام..دا لو عرف إنها ركبت مع راجل..أقسم بلله حرب عالمية هتقوم 
-تشدق أحدهم:وبعدين متخافوش دا ظابط
-عرفت منين!

سأله الأول ليُجيبه بـ جدية

-شوفته فـ قرية الهوارية وعرفت إنه ظابط
-ربت أحدهم على كتفه وقال:كدا تمام يلا نحصلهم...

وتبعوه وهى يصعد إلى السيارة وأدار المُحرك..إنطلق بـ سيارته وكان الصمت سيد الموقف..ليقطعه قائلًا

-أنا أسمي شريف..ملازم أول...

أومأت بـ رأسها بـ صمت ولم ترد..ليتشدق بـ حرج

-طب مش هتعرف بيكي!
-أخذت نفسًا عميق ثم قالت بـ فتور:روجيدا الصيـ..روجيدا التُهامي...
-أومأ بـ رأسه وقال:تشرفنا...

ولم تلحظ إلتواء عضلة فكه أو مفاصله التي إبيضت من قوة قبضة يده عليهازعندما كادت أن تنطق بـ اسمها مقرون بـ اسم الصياد..ولكنه أخمد مشاعره وتساءل بـ هدوء

-ممكن أسألك..أنتي بتعملي إيه فـ طريق مقطوع زي دا!..حتى شكلك مش من أهل البلد
-ردت بـ إقتضاب:موضوع طويل
-قدمنا طريق طويل
-رفعت أحد حاجبيها وقالت بـ فظاظة:أظن إني معرفكش..وأظن إني مش عاوزة أقولك إن دي خصوصيات وملكش دخل فيها...

بـ الرغم من إحراجه وإحمرار وجهه غيظًا إلا أنه إبتسم بـ برود وقال

-حقك...

وأكمل الطريق في صمت..ولكنه كان يختلس العديد من النظرات إليها..كان قلبه يقفز فرحًا..هى بـ جانبه بـ سيارته..تُحادثه بـ فظاظة كما حدثته أول مرة..إبتسامة شقت وجهه بـ سعادة..وهناك ما يُخبره أنها لن تكون أخر مرة يراها...

بعد مرور العديد من الوقت وصلت روجيدا إلى منزلها بعدما أرشدته..أغلق مُحرك السيارة..ثم إستدار إليها وتساءل بـ إهتمام

-متأكدة منرحش لدكتور!..باين عليكي التعب
-ردت روجيدا بـ عدم إهتمام:أنا كويسة مش محتاجة دكتور...

همت لتفتح الباب ولكنه أوقفها 

-روجيدا!...

نظرت إليه وهى ترفع أحد حاجبيها من جرأته في مُناداتها بـ دون ألقاب..ولم ترد عليه بل بقت تنظر إليه...

فهم هو نظراتها فـ تنحنح بـ حرج وقال

-أنا أسف..يا مدام روجيدا
-كدا أفضل...

إبتسم شريف بـ إصفرار ثم قال بـ نبرة عميقة

-ممكن أشوفك تاني!
-رفعت كِلا حاجبيها وتساءلت:بـ مناسبة!!...

حك مؤخرة رأسه وقال بـ تمتمة

-هو مفيش مناسبة..بس حابب أتعرف عليكي
-إبتسمت بـ إستخفاف وقالت:سوري..وأنا مش عاوزة أتعرف عليك...

فتحت روجيدا باب السيارة ثم ترجلت منها وقبل أن تتحرك..إنحنت إلى نافذة السيارة وتشدقت بـ برود

-مرسيه ع التوصيلة..يا سيادة الملازم...

إعتدلت في وقفتها ثم رحلت وتركته ينظر في إثرها بـ شرود وإبتسامة عذبة تُزين ثغره..عاد ينظر أمامه ما أن إختفت عن أنظاره ثم أدار مُحركه وإنطلق بـ السيارة..تمتم مع نفسه بـ إبتسامة ثقة

-صدقيني مش هتكون أخر مرة أشوفك فيها..هخلق من كل صدفة معاد بينا...

**************************************

وضع العامل أخر قطعة خشب ثم رحل..وضع جاسر يده في خصره وكذلك قلدته الصغيرة..ثم قالت وهى تنظر إلى قطع الأخشاب بـ تعجب

-هنعمل إيه دلوقتي يا بابي!
-رد عليها بـ هدوء:هندخل دول البيت دا...

نظرت جُلنار إلى المنزل الريفي البسيط ثم تساءلت وهى تنظر إلى والدها

-بتاع مين دا!
-إنحنى إلى مستواها وقال بـ فخر:بتاعي..أنا اللي بنيته
-تساءلت الصغيرة بـ إنبهار:واااو..يعني أنت اللي عملت كل حاجة..كل حاجة!
-ضحك جاسر وقال:أيوة أنا اللي عملت كل حاجة..كل حاجة...

ثم نهض وأصطنع الجدية

-يلا يا أستاذة جُلنار ورانا شغل كتير
-إنتصبت الصغيرة وقالت بـ حماس: yes dad (أجل والدي

حمل جاسر الأخشاب وصعد بهم إلى سقيفة المنزل الريفي ثم نزع قميصه وبقي بـ كنزة قطنية بيضاء ذات حمالات عريضة..إنحنى إلى دلو الطلاء ونزع غطاءه وبدأ في تقليبه...

بقت جُلنار تُشاهده وهى تأكل شطيرة صغيرة قام جاسر بـ إعدادها لها..سألته الصغيرة بـ براءة

-بابي..أساعدك!
-إبتسم جاسر وقال:لأ كلي الأول...

أومأت الصغيرة بـ رأسها..أمسك جاسر الفُرشاه ونهض ليبدأ في طلاء ذلك العمود الخشبي بـ لون القهوة..بدى كمحترف ويداه تصعد وتهبط بـ حرفية عليه

كان شارد الذهن وهو يقوم بـ الطلاء..تذكر أخر مُحادثة بينه وبين روجيدا لتزداد سرعته وغضبه إلا أنه لم يتوقف..كادت ذاكرته أن تخونه ويتذكر ذلك اليوم إلا أن يد صغيرة أخذت تشده من بنطاله أفاقته من غفوته..فـ تساءل جاسر بـ صوتٍ لاهث

-عاوزة حاجة يا حبيبتي!
-قامت بـ نفض يديها وقالت:عاوزة ألون معاك...

ضحك جاسر ثم قال بـ إبتسامة دافئة

-حاضر يا حبيبتي..هاتي الفرشة دي وتعالي أما أعلمك...

ركضت الصغيرة وأحضرت الفُرشاه..عادت مرة أخرى إليه و وقفت أمامه..أعطاها دلو الطلاء وأشار إلى قطعة خشب صغيرة وقال

-يلا روحي لوني الحتة دي...

ثم إنحى وضربها بـ خفة على خصرها..فـ ركضت الصغيرة وفعلت ما فعل جاسر..إبتسم جاسر بـ إتساع وأكمل عمله..سألته جُلنار وهى مُنهمكة فيما تفعله

-هو دا إيه يا بابي!
-أجابها جاسر بـ جدية:هنعمل بيت صغير لينا أنا وأنتي ومامي وبس
-قفزت الطفلة بـ حماس وقالت:يعني مامي هترجع؟!
-أومأ جاسر بـ رأسه ثم قال بـ حزم:أيوة..خلاص مامي ملهاش غيرنا أنا وأنتي...

أخذت الصغيرة تقفز وتهلل بـ حماس..بينما بقى جاسر يُراقبها بـ إبتسامة..وهناك في زاوية ما في صدره تُخبره أنها ستعود من جديد له..فـ فكرة نسيانه وحب أخر..تبعث في نفسه الجنون والغضب..بل حرق جنس الرجال جميعًا كي لا يُفكر أحدهم بـ مجرد النظر إليه..يدفعه قلبه إلى كسر كل القيود ومُحاربة كل العقبات..يدفعه بـ قوة ألا يكون جبانًا وعليه أن يُحارب إلى أخر أنفاسه..إما أن يكسب حربه ويفوز بـ أميرته..أو أن يخسر لافظًا أنفاسه...

تعليقات



×