رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الرابع 4 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثالث (ولعشقها ضريبة) الفصل الرابع 

أحبك.. لا أدري حدود محبتي... 
طباعي أعاصير.. وعواطفي سيل...
 وأعرف أني متعب ياصديقتي...
 وأعرف أني أهوج.. أنني طفل...
 أحب بأعصابي، أحب بريشي.. أحب بكلي...
 لا أعتدال، ولا عقل...

أدارت المفتاح ودلفت إلى منزلها..أغلقت الباب وإستندت عليه بـ ظهرها ثم بدأت في البُكاء من جديد ولكنه صامت..ينحر فؤادها بـ سكينٍ بارد..وظلت تبكي إلى أن شعرت بـ جفاف عبراتها فـ توجهت إلى غُرفتها أخرجت ثياب لها ثم توجهت إلى المرحاض...

ملأت حوض الإستحمام بـ الماء الدافئ..ثم تمددت به..وضعت رأسها على حافته ويداها أيضًا وأغلقت عيناها..ثوان وإشتدت قبضتها عند تذكرها إلى ذلك اليوم الذي لم ينسه جاسر حتى الآن...

"عودة إلى وقتٍ سابق"

نهضت روجيدا من نومها وهى تستمع إلى ضجيج بـ الخارج..فركت عيناها بـ ضيق وتمتمت بـ حنق

-أووووف بقى..نفسي مرة تعمل حاجة بـ هدوء يا جاسر...

دلفت خارج الغُرفة فـ وجدت جاسر يجلس على الأريكة بـ منزله بـ القاهرة..بـ يده زُجاجةً ما ويحتسي منها بـ شراهه..عقدت ما بين حاجبيها بـ توجس ثم توجهت إليه ونادته بـ خفوت

-جاسر!!..حبيبي؟!...

ولكنه لم يرد عليها فـ تقدمت منه أكثر و وقفت أمامه لتجحظ عيناها بـ صدمة وهى تجد تلك الزُجاجة ما هى إلا زُجاجة خمر فـ هتفت بـ حدة وتعجب

-أنت من أمتى بتشرب!!
-نظر إليها بـ سوداوية وقال بـ جفاء:من ساعة أما عرفتك...

إتسعت عينا روجيدا من الصدمة وتجمد جسدها في مكانه وهى تستمع إلى هذيانه..ولكنها تحركت وحاولت إبعاد الزُجاجة عن يده قائلة بـ جمود

-أنت مش فـ وعيك..هات دي
-صرخ بها وهو يدفعها:إبعدي عني...

تراجعت روجيدا بضع خطوات إثر دفعته الهزيلة وعيناها تتجمعان بها العبرات..لا تعلم ماذا أصابه ليتحدث بـ تلك العدائية وتصرفه الشنيع معها..ولكنها أيضًا كبحت كل ذلك وعادت تتوجه إليه هاتفة بـ قوة وإصرار

-جاسر مالك في إيه!!...

عاد جاسر يحتسي من تلك الزُجاجة ولكنه وجدها فارغة ليقوم بـ قذفها بـ قوة فـ تهشمت..أجفلت روجيدا من دوي التهشُم وحمدت الله في نفسها أن الصغيرة بقيت بـ القصر في المنيا...

إرتعدت وإنكمشت على نفسها وهى تراه ينهض ويتقدم منها ثم هتف بـ نبرة ثقيلة

-هو أنتي حلوة النهاردة ليه!
-تراجعت روجيدا بـ خوف وقالت:جاسر فوق أنت مش فـ وعيك...

شهقت وهى تراه قد إلتهم المسافة في خطوتين كبيرتين ويداه تتشبث بـ خصرها جاذبًا إياها بـ قوة إليه..إصطدمت بـ صدره العريض وتأوهت من إثر الإصطدام..شعرت بـ يداه تسير بـ حميمية مُنفرة على خصرها فـ صرخت بـ هلع وهى تُحاول الفرار منه 

-إبعد عني يا جاسر..أنت مش فـ وعيك بـ القرف اللي أنت شاربه...

ولكنها لاحظت الهالات السوداء تحت عيناه وإرتعاشة يده التي تُملس على وجنتها دون وعي..فـ جحظت عيناها وهى تتيقن أن جاسر يُدمن المخدرات..ولكن جاسر لم يترك لها الفرصة من أجل الحديث أو الفكاك إذ هتف وهو يقترب من شفتيها

-بقولك إيه مطيريش الدماغ اللي عاملها دي..أنا عاوزك دلوقتي
-حاولت التملص منه وهى تهتف بـ ذعر:جاسر عشان خاطري سبني والصبح نتفاهم..أنت مش داري بـ نفسك دلوقتي...

غرس جاسر يده في خُصلاتها الكستنائية وجذبها إلى أسفل حتى يتسنى له رؤية وجهها فـ صرخت من الألم..هتف جاسر وأنفاسه المُشبعة بـ رائحة الخمر تخترق حاسة الشم خاصتها

-أنا لما بعوز حاجة باخدها ومبستناش أخد أذن حد...

ثم هجم عليها يُقبلها بـ عنف و قسوة جديدة عليها وهى تُحاول الهروب منه..صرخت روجيدا بـ هلع وقد إرتعش جسدها بـ ذكريات عنيفة من ماضيها

-جاسر إبعد عني أنا قرفانة منك...

وكان رده عليها صفعة أردتها أرضًا..ليجثو على رُكبتيه ودنى بـ وجهه منها ثم قال بـ فحيح أرعبها

-دلوقني قرفانة مني!!..أنا هعرفك إزاي تأرفي مني...

وتبع حديثه صفعها أخرى..دفعها أرضًا يُثبت يدها بـ يدٍ واحدة والأخرى عرفت طريقها إلى جسدها تنهشه بـ قسوة آلمتها..شفتاه كانت تُدمغ علاماته بـ طريقة لم تعتدها منه..صرخت وإنتحبت..بكت وتوسلت أن يتركها..ولكن كأن مارد قد إلتبسه ليتصرف كهذا...

إنتفضت أسفل يده بـ طريقة مُرعبة وظلت تتحرك أسفله بـ هستيرية..إلا أن ذلك لم يزده إلا إصرارًا..وفي غمرة شهوته ترك يدها ليستطيع الإستمتاع أكثر..فـ إستغلت الفرصة وحاربته بـ يدها وهى لا تتوقف عن الصُراخ...

صرخ بـ وحشية عندما جرحته بـ أظافرها الطويلة..جُرح إمتد من تجويف عنقه حتى بداية صدره..ليتقاطر دماؤه عليها..شهقت روجيدا وهى ترى وحشية الجُرح و رُغمًا عنها تشدقت بـ نحيب

-جاسـ...

ولكنه قاطعها بـ صفعة وعاد يُكبل يدها بـ يده ويُكمل ما يفعله..ولكن روجيدا لم تستلم..قامت بـ رفع رُكبتها اليُسرى ثم دفعته بـ صدره بـ أقصى طاقة تملُكها..فـ تراجع عنها..نهضت سريعًا ولملمت بـ يدها الكنزة المُمزقة وتراجعت بـ خوف وهى تراه يتقدم منها..حاولت الهرب ولكنه كان أسرع منها..كانت عيناه قاتمة..مُخيفة ومُرعبة كـ سواد الليل..وجهه قد تقلص بـ غضب وكأنه تحول إلى شيطان

أمسك جاسر رسغها وجذبها إليه ثم تشدق بـ صوتٍ إهتز له جدران قلبها خوفًا ورهبة

-الليلة دي هرسخها فـ عقلك ومش هتنسيها...

وقبل أن يفعل ما ينتويه..وقبل أن يُدنس حبهما..وقبل أن ينقطع ذلك الخيط الرفيع بينهما..وقبل أن تُبنى أسوار عالية يصعب على كِليهما هدمه..فعلت ما قد تندم عليه طوال حياتها..حيث قامت و لأول مرة بـ صفعة..دوى صوت الصفعة بـ أرجاء المنزل الساكن..كانت صفعة قوية تحرك وجهه إلى اليمين من قوتها..ولكنها كانت بـ مثابة الضوء الأخضر لـ إستيقاظه من ثُباتٍ عميق...

كانت روجيدا تنظر له بـ جمود وألم..كانت عيناها تطفران بـ عبرات لم تستطع حبسهما فـ أخذت بـ التسابق على وجنتيها..نظر لها جاسر بـ أعين مُتسعة ويده موضوعة على وجنته اليُسرى...

إهتز بدنه وإرتعش فكه وهو يراها أمامه بـ هذا المشهد البشع..عادت نظرتها الخائفة منه بـ الظهور فـ أصابت قلبه بـ خنجر مسموم..كان يلهث بـ عنف وهو يتذكر أحداث اللحظات الماضية..إنقبض قلبه وهو كان على وشك الإعتداء عليها..هوى قلبه من وقع الكلمة..وقد تيقن أنهما عادا إلى نقطة الصفر من جديد..ليلة أُخرى ستُحفر في ذهنهما إلى الأبد..عادت بهما الذكريات إلى ليالي سوداء و ماضٍ بشع تتمنى الخلاص منه..ما كان منه ومن ذلك الحقير مُصطفى...

وبلا أي حديث رحل جاسر عنها تاركًا إياها وحيدة تُصارع الخوف..لم يتحمل قلبها المزيد فـ صرخت بـإهتياج حتى خارت قواها..يا ليتها تعلم ما أصابه!!...

وبـ الصباح كان جاسر يفتح باب المنزل..مُتهدل المنكبين وعلامات الخُذلان والندم أجادت الحفر على ملامح وجهه..كانت روجيدا جالسة على الأريكة ولا تزال بـ ثياب أمس..رُكبتيها عند صدرها وتحاوطهم..تنظر إلى الفراغ بـ نظرات خاوية لا روح فيها ولا حياه...

إنقبض قلب جاسر بـ ألم يفتك به ليتحرك إليها بـ خُطىٍ مُترددة..وقف أمامها ونادها بـ خفوت وتوتر

-روجيدا!!...

أجفلت روجيدا على صوته وإنكمشت على نفسها رُعبًا منه..إبتلع جاسر غصة مُسننة في حلقه ثم هتف بـ لا أي مُقدمات

-إحنا لازم نتطلق...

وبـ الفعل نهضت روجيدا بـ سكون وأبدلت ثيابها..ذهبا إلى المأذون الشرعي بـ صمت وأنتهى ما كان في لحظات

"عودة إلى الوقت الحالي"

وعند تلك النُقطة شعرت روجيدا بـ إختناق وغصة مُؤلمة في حلقها..لتنتفض من مجلسها وتجذب المنشفة..قامت بـ لفها حول جسدها و تحركت لكي تقف أمام المرآه..ظلت تُحدق بـ صورتها عدة لحظات دون حديث ثم هتفت بـ ألم وحسرة

-بس لو أعرف مخبي عليا إيه!!...

*************************************

-خلاص يا بابي تعبت...

قالتها جُلنار بـ تذمر وهى تقذف الفُرشاه ب دلو الطلاء..ثم إرتمت جالسة على الأرض..ليضع جاسر هو الأخر الفُرشاه ثم توجه إلى طفلته وجلس بـ جانبها وقال بـ تعب

-وأنا كمان يا بت يا جوجو
-نظرت جُلنار إلى السماء وقالت:كمان الشمس روحت وأحنا لسه هنا
-ضربها جاسر على مُقدمة رأسها وقال:خلاص يا أم نص لسان..خلصنا النهاردة...

نهضت الصغيرة عن الأرض وقامت بـ نفض ثيابها المُتسخة بـ الطلاء ثم قالت

-طيب..يلا بقى نروح
-نهض جاسر ثم قال بـ جدية:هنضف المكان وبعدين ننزل ننضفك ونمشي
-طيب...

بدأ جاسر في تنظيف المكان وإعادة ترتيبه..وبعدها توجه إلى صغيرته وقام بـ حملها ثم رفعها إلى الأعلى..لتصرخ جُلنار بـ سعادة و صوت ضحكاتهم يشق عنان السماء..داعبت بـ أنفها أنف والدها ثم قالت بـ براءة طفولية

-أنا بحبك كتير يا بابي
-قبّل جاسر وجنتها بـ عمق وقال بـ حنو:وأنا كمان بحبك كتير يا روح بابي..يلا بقى ننزل...

هبط الدرج وهو يحملها ثم توجها إلى المرحاض..بدأ جاسر في غسل وجه الصغيرة بـ حنو ليقول بـ جدية ناعمة

-متفتحيش عينك يا جوجو عشان الصابون ميدخلش فيها...

شدت الصغيرة على جفنيها وأومأت بـ رأسها عدة مرات..غسل لها جاسر وجهها ثم ذراعيها اللذان تحولا إلى اللون الكستنائي..فـ تشدق بـ سخرية

-هو أنتي كنتي بتدهني بـ الفرشة ولا بـ دراعك كله!!
-ردت عليه جُلنار بـ تذمر:عشان ألون كويس...

هز رأسه يأسًا منها وأكمل تنظيفه لها..وعندما إنتهيا دلفا خارج المرحاض وإتجها إلى الصالة..تمدد جاسر على الأريكة وتأوة بـ تعب لتقول الطفلة بـ حنق

-يلا يا بابي نروح بقى
-وضع جاسر يده على عيناه وقال:بصي يا روحي..خمس دقايق بس أريح فيهم وبعدين هنرجع
-أووووف...

قالتها الصغيرة بـ ضيق وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها ثم زمت شفتيها بـ حنق طفولي مُحبب..وبقيت واقفة أمام الأريكة التي ينام عليها والدها...

دقيقتان وأحس جاسر بـ ثقل يرتمي على صدره فـ فتح عيناه ليجد الصغيرة تنام على صدره..إبتسم بـ حنو ثم أبعد خُصلاتها الكستنائية وقبلها بـ هدوء على جبينها...

إلتفت يداه حولها خشية بـ أن تقع أثناء نومها العنيف..لتدفن جُلنار وجهها في عنق والدها وأحاطته بـ قوة وبـ دوره إستند بـ ذقنه على قمة رأسها..ثم ذهبها في ثُباتٍ عميق

**************************************

نهضت من فراشها بـ تثاقل وهى تشعر بـ صداع رهيب يكاد يفتك بـ رأسها..حكت فروتها ثم توجهت إلى المرحاض..إغتسلت ثم أبدلت ثيابها إلى ثياب رياضية...

توجهت إلى المطبخ وبدأت في إعداد القهوة على الموقد..تمامًا كما علمها جاسر..إنتهت من إعدادها وتناولتها مع بعض المُعجنات..تمامًا كما يُحب جاسر أن يفعل معها صباحًا..إنتهت من فطورها السريع وإتجهت ناحية الباب..دلفت إلى الخارج ثم بدأت في الركض

كانت الطُرقات إلى حدًا ما فارغة في هذه الساعة المُبكرة من الصباح..بقيت تركض لمدة طويلة لم تعلم مدتها..ولكنها أرادت أن تُخرج كل طاقتها السلبية بـ الركض

عادت بعد ساعتان وقد بدأت الطُرقات تكتظ بـ البشر..عبرت الطريق وقبل أن تدلف إلى بنايتها..وجدت سيارة سوداء يستند عليها شخصًا ما لم تتبين ملامحه من تلك النظارة الشمسية التي أكلت الكثير منها

هزت منكبيها بـ لا مُبالاه وتوجهت إلى مدخل البناية..ولكن أوقفها ذاك الصوت الرخيم وهو يقول بـ لُطف

-مدام روجيدا!!...

إلتفتت روجيدا وحاجبيها معقودان بـ غرابة وتساؤل عن هوية ذاك الشخص..إبتسم شريف وهو ينزع نظارته الشمسية ومن ثم تشدق بـ مرح

-أكيد كدا عرفتيني
-إبتسمت روجيدا وقالت هى الأخرى بـ مرح:حضرة الظابط اللي كان هيخبطني...

ضحك شريف ثم تقدم منها وهو يضع يده خلف عنقه حتى وقف أمامها وتشدق بـ نبرة عميقة

-صباح الخير
-صباح النور
-إتسعت إبتسامته وهو يقول:أكيد بتسألي نفسك أنا جاي بعمل إيه دلوقتي!
-هزت رأسها مع إرتفاع حاجبيها وقالت:ما شاء الله لمّاح...

ضحك شريف بـ صخب ثم وضع يده في جيب بنطاله وأخرج منها قلادتها وهتف بـ نبرة هادئة

-لاقيت دي واقعة منك فـعربيتي..كان مكتوب عليها اسمك..عشان كدا عرفت أنها بتاعتك...

إرتفع حاجبي روجيدا بـ دهشة وبلا وعي..وضعت يدها على جيدها لتتأكد من عدم وجود قلادتها..ثم قالت بـ عدم تصديق

-إزاي محستش إنها وقعت مني!
-مش مهم حسيتي ولا لأ..المهم أنها رجعتلك...

ثم مدّ يده بها..لتأخذها روجيدا بـ لا تفكير..بقيت تُحدق بها لثوان..تتأكد من وجود جميع مُحتوياتها..فـ إبتسم شريف بـ مكر وقال

-ع فكرة مفيش حاجة ناقصة..أنا دورت كويس فـ العربية وملقتش حاجة...

قبضت روجيدا على القلادة ثم نظرت إلى بـ عينين مُتلألئتين..أسرت ذلك الضخم الماثل أمامها..إبتسمت إبتسامة ساحرة وقالت بـ إمتنان حقيقي رفرف له قلب المسكين

-بجد مرسيه..مش عارفة أشكرك إزاي...

وضع شريف يديه في جيبي بنطاله كي يحجمها عن جذبها وإعتصارها بـ أحضانه..ثم حاول ترويض صوته المبحوح وقد نجح في ذلك وهو يقول بـ هدوء ظاهري

-تقبلي عزيمتي ع الغدا...

إرتفع حاجبها بـ دهشة من جرأته ولكنها قالت بـ هدوء

-بس أحنا مش أعرفك عشان أقبل دعوتك للغدا
-"بس أنا أعرفك كويس أوي..ومن زمان".. 

هذا ما نطق به فؤاده دون أن يجد فمه القدرة على التفوه به..أغمض شريف عيناه ثم فتحهما وتشدق وهو ينظر إلى فيروزها بـ عمق

-وعشان كدا..حابب أعزمك ع الغدا عشان نعرف بعض أكتر...

صمت قليلًا ثم هتف بـ مزاح

-لو تعديت حدود الأدب معاكي..أطلبيلي البوليس...

إبتسمت روجيدا وهى تنظر إليه بـ قلة حيلة..ليقول هو بـ إلحاح

-ها قولتي إيه!
-زفرت الهواء من فمها وقالت بـ هدوء:تمام..أوكيه...

إتسعت إبتسامته بـ حماس وكاد قلبه يتوقف من فرط عنف دقاته..ولكنه هتف بـ هدوء لا يملك منه مثقال ذرة

-تمام..هعدي عليكي بكرة الساعة تلاتة..كدا كويس!
-أومأت بـ رأسها وقالت:كويس..بعد إذنك هنطلع...

إبتعد خطوتين وهو يُشير بـ يده..تحركت روجيدا من أمامه بـ خطوات ناعمة جعلت خافقه يشتد عنفًا..وضع شريف يده على قلبه يُهدأه ثم هتف بـ همس

-أهدى يا قلبي..دا إحنا لسه فـ أول الطريق...

وما أن تأكد من رحيلها حتى إندفع إلى سيارته وإنطلق بها...

**************************************

نهضت الصغيرة وجلست على صدر والدها..أخذت تفرك عينيها بـ نُعاس حتى أفاقت..نظرت إلى جاسر فـ وجدته يغط في ثُباتٍ عميق وكأنه لم ينم..مدت يدها إلى وجنته وهتفت بـ نبرة مُتثاقلة إثر النوم

-بابي!...

شعر جاسر بـ شئ يُقلق نومه..كانت الصغيرة ترفع وجنته إلى عيناه..مرة وإثنان وثلاثة..ولسان حالها لا يتوقف عن مُناداته.. 

فتح جاسر عيناه بـ تثاقل..فـ أبعدت جُلنار يدها عن وجنته..رفع يده وربت بها على وجنته الصغيرة وقال

-صباح الخير يا جوجو
-أنا جعانة
-زم جاسر شفتيه بـ غيظ وقال:طب ردي الصباح
-دفعته الصغيرة بـ صدره وقالت:قوم أنا عاوزة أفطر...

سبها جاسر في سره ثم رفعها من خصرها وأنزلها عن الأريكة..نهض هو الأخر وأنزل ساقيه على الأرض..كاد أن ينهض ويدلف المطبخ إلا أن الصغيرة أوقفته وهى تشده من بنطاله..ليقول بـ نفاذ صبر

-عاوزة إيه يا أخرة صبري!
-وضعت يدها في خصرها وقالت بـ حنق:مش هتسرحلي شعري...

وضع جاسر يده على وجهه وأخذ يُحركها عليه بـ عنف وقال بـ ضيق

-يا فتّاح يا عليم..يا رزّاق يا كريم يا رب..أنتي عاوزة إيه ع الصبح!..تفطري ولا تسرحي شعرك؟!...

رفعت إصبعي السبابة و الوسطى ثم قالت بـ إصرار

-الأتنين...

ودون أن تنتظره ركضت إلى أحد الغُرف وأحضرت فُرشاه..صعدت إلى الأريكة ثم جلست عليها  أعطته ظهرها وقالت بـ حماس

-يلا يا بابي..سرحلي زي ما كنت بتعمل لمامي
-طيب...

حك جاسر فروته بـ ضجر ثم جثى على رُكبتيه ليكون في مستوى صغيرته..جذب الُفرشاه من يدها وبدأ في تمشيط خُصلاتها بـ حنو..ترك الفرشاه وكاد أن يُجدل خُصلاتها كما تعلم من روجيدا..إلا أن الصغيرة أوقفته وهتفت بـ حماس

-لأ يا بابي..إعملي ودنين قطة
-تشدق جاسر بـ إستنكار:ودنين قطة!!..ودا يطلع إيه دا!
-زفرت جُلنار بـ ضيق ثم قالت وهى تُشيح بـ يدها:ودنين قطة..يعني واحدة هنا و واحدة هنا...

قالت العبارة الأخيرة وهى تُشير بـ يدها إلى جانبي رأسها..تتبع جاسر تعليماتها في عمل "ودنين القطة" كما تُحب...

عندما إنتهى جاسر إلتفتت إليه جُلنار وقالت بـ براءة طفولية

-أنا حلوة كدا يا بابي!!
-قبّل وجنتها بـ عمق وقال:حلوة أوي يا قلب بابي..يلا عشان نفطر الأميرة جُلنار...

ثم نهض ورفع صغيرته ليُجلسها على أحد منكبيه وإتجها إلى المطبخ..وضعها جاسر على طاولة صغيرة بـ جانب نافذة تطل على الحقول الخضراء وأشجار الفاكهة..ثم إتجه إلى المُبرد وأخرج منها بعض الجبن البيض...

إتجه إلى الموقد و وضع المقلاه..ثم أشعله..قام جاسر بـ كسر البيض و وضعه بـ المقلاه..جاءه صوت الصغيرة وهى تهتف 

-إعملي البيض بـ عنتين و smile إبتسامة)
-إرتفع حاجبي جاسر وقال دون النظر إليها:عنتين و smile  ..ودي تتعمل إزاي!!
-كدا...

قالتها وهى تضع سبابتها على طرفي فاها ثم رفعتهما إلى أعلى..لتظهر على شكل إبتسامة..أنزلت يديها وقالت بـ بساطة

-شوفت سهلة..يلا بقى أعملهالي
-إلتوى شدقه بـ تهكم وهو يقول:عنتين و smile!! الله يرحم أبوكي..كان بيقطع التورتة بـ فاس
-تساءلت الصغيرة:بتقول حاجة يا بابتي!
-إبتسم بـ إصفرار وقال:مبقولش ياختي..مبقولش...

وأكمل تحضير الفطور..قام جاسر بـ تقطيع الخُضراوات..ليضع قطعة جزر على هيئة نصف كرة بـ طبق البيض الخاص بها..قدمه لها جاسر و وضع أمامها خُبز وقال بـ جدية

-الطبق كله يخلص..وكوباية اللبن عاوزها فاضية
-أومأت بـ رأسها وقالت:حاضر..هخلصه عشان أكون 
قوية ويكون عندي عضلات زيك
-طيب يلا..سمي الله الأول
-بسم الله الرحمن الرحيم...

وشرعت الصغيرة في الأكل..ربت جاسر على خُصلاتها وبدأ هو في تناول فطوره البسيط...

**************************************

فتح باب منزله ثم دفعها بـ هدوء وقال

-خليكي مع نور يا بوسي معلش النهاردة
-إبتسمت وقالت:ولا يهمك عادي
-تأفف بـ ضيق وتشدق:مش عارف المُتخلفة دي مجتش ليه...

تقدمت بسنت منه ثم قبّلت وجنته بـ رقة وهمست

-خلاص يا صابر..أنا هقعد معاها
-جذب يده وقبّلها بـ حب ثم هتف بـ عذوبة:ربنا ميحرمنيش منك أبدًا
-ولا منك يا رب..يلا بقى...

قالت عبارتها الأخيرة وهى تدفعه..فـ إبتسم ثم عاد وقبّل فكها بـ نعومة ورحل..إبتسمت بـ خجل وعادت إلى الداخل ثم أغلقت الباب

هبط صابر الدرج بـ سعادة ثم أخرج هاتفه وأتصل بـ صديقه

-أيوة يا جاسر
-رد عليه جاسر من الجهة المُقابلة:أيوة يا صابر..في إيه؟!...

هبط الدرج ثم توجه إلى السيارة وصعدها ليقول وهو يُدير المُحرك

-أنت مش جاي النهاردة كمان ولا إيه!
-لأ جاي..أنا بلبس أهو
-رد صابر بـ جدية:طب كويس..متنساش معادنا مع مدام داليدا و الوفد اللبناني
-مسح جاسر على وجهه وقال:منستش يا صابر..أنت أكيد جاي
-طبعًا جاي عشان مضي العقود
-تنهد جاسر وقال:طيب أنا جايلك أهو..سلام...

أغلق جاسر معه الهاتف و وضعه بـ جيب سترته..توجه إلى طاولة في مُنتصف الغُرفة ليسحب حلقته الفضية ثم إرتداها في بنصره الأيسر وبعدها توجه إلى الخارج...

هبط الدرج ليجد الصغيرة تجلس على الأرض وتعبث بـ أدوات التلوين خاصتها..إتجه ناحيتها ثم جثى على رُكبتيه وقبّل وجنتها بـ حنو أبوي..وقال بـ صرامة ناعمة

-متتعبيش آنا عما أجي
-أومأت الطفلة بـ رأسها وقالت بـ أدب:حاضر..هسمع كلام آنا ومش هتعبها خالص
-مال يُقبل رأسها وقال بـ إبتسامة:شطورة حبيبة بابي..يلا أنا ومش هتأخر
-باي بابي...

قالتها الصغيرة وهى تُلوح بـ يدها ثم تقذف له قُبلة بـ للهواء ليتقطها ويفعل المثل..توجه إلى الخارج وصعد سيارته..ثوان و وجد هاتفه يصدح يُعلن عن وصول إتصال..أخرج الهاتف ليجدها السيدة داليدا..تأفف جاسر بـ نفاذ صبر ثم ضغط على زر الإجابة وقال بـ دبلوماسية

-صباح الخير يا مدام داليدا
-أتاه صوته الناعم:صباح النور مستر چاسر...

ساد الصمت لحظات قبل أن يتساءل جاسر بـ صوتٍ ضجر

-خير في حاجة فـ الشغل!
-أجابت بـ نفي:لالا..مو هيك..بس الچماعة تبعي صار عندهم شي كتير ضروري وما يأدرو (يقدروا) يچوا اليوم..فـ كِنت حابة أخبرك أنو المعاد يتأچل لبكرة..إذا مو بتمانع؟!
-وضع جاسر يده على عيناه وقال:لا ولا يهمك يا مدام..نقدر نأجله لبكرة..مفيش مشاكل
-ردت هى بـ إمتنان:بتشكرك إكتير مستر چاسر..وبعتذر منك مرة تانية
-مفيش إعتذار..إن شاء الله بكرة فـ نفس المعاد..وهبلغك بـ مكان المطعم
-تمام..بعتذر مرة تانية..بخاطرك
-مع السلامة...

ثم أغلق الهاتف وأخذ يتأفف عدة مرات..أما فكره فـ قد ذهب إلى مُعذبة فؤاده وإلى أخر لقاء..تحديدًا أخر كلماتها بـ أنها ستنساه..إنقبضت عضله فكه بـ التزامن مع إنقباض يداه بـ قسوة..لتظهر بـ عيناه تصميم على إعادتها إليه فما بينمها لا يُمكن طيه أو نسيانه...

**************************************

عند الساعة العاشرة مساءًا أعلن منياء مصر الجوي عن وصول رحلة (.....) القادمة من أسبانيا..وبدأ الوفود في ملئ قاعة الإستقبال..وكان من بينهم هذا الشاب الأبيض ذو العينان السوداويتين..جسده الرياضي و طوله المُهيب يدل عن مدى شراسته..شعره الأسود الطويل المعقود إلى الخلف أظهر عنقه الموشوم بـ نسر جارح يمتد حتى وصل إلى ذراعه...

دلف خارج الميناء الجوي ويضع على ظهره حقيبة ثم توجه إلى أحد سيارات الأجرة..صعد إليها وتحرك السائق دون حديث...

بعد ثوان مدّ السائق بـ يده ثلاث صور ثم قال بـ لُغة أسبانية

-تعرف على هدفك
-رد الشاب:جاسر الصياد وعائلته
-أومأ السائق بـ رأسه ثم قال بـ جدية:بلى..نُريد إرهابه لا أكثر..لا تؤذه ولا تؤذ عائلته..إتفقنا!
-وضع الشاب الصور بـ جيب بنطاله وقال:متى التنفيذ
-لا نعلم بعد..قفط قم بـ المُراقبة حتى إشعارٍ أخر...

أومأ الشاب بـ رأسه يستمع إلى تعليمات السائق..ليقول أخيرًا

-حسنًا..الآن أوصلني إلى المنزل
-لا ستبقى بـ فندق قريب من منزل زوجته..المُراقبة للضعف لها
-تنفس الشاب بـ عمق وقال:حسنًا..حسنًا...

*************************************

في اليوم المُوالي..بدأت روجيدا بـ الإستعداد لـ ميعاد اليوم..فـ إرتدت ثوب رقيق يصل إلى رُكبتيها من الأعلى من قُماش الدانتيل ذو حمالتان عريضتان وفتحة صدر مُستطيلة..ومن الأسفل من قُماش التُل المبطن...

لم تضع أي مساحيق تجميل بل إكتفت بـ أحمر شفاه نبيذي يُماثل لون الثوب..عقدت خُصلاتها على هيئة ذيل حصان وتوجهت إلى الخارج..تأكدت من وجود قلادتها بـ جيدها ثم دلفت خارج المنزل...

بحثت بـ عيناها عن شريف ولكنها لم تجده..نظرت بـ ساعة معصمها لتجد أنها هبطت قبل الميعاد بـ عشر دقائق..تأففت بـ ضيق وكادت أن تصعد إلا أن تلك السيارة الرمادية المصفوفة على الطريق المُقابل جعلتها تقطب بـ ريبة..ولكن ثوان و وعت أنها إحدى سيارات جاسر..تحول وجهها إلى كتلة من اللون الأحمر تدل على مدى غضبها..ثم إتجهت إلى السيارة بـ خطى أكثر غضبًا...

وقفت بـ جانب النافذة ثم طرقت عليها بـ عنف..فتح الرجل بـ الداخل وقد بدى عليه التوتر..عقدت روجيدا يدها أمام صدرها..ثم رفعت أحد حاجبيها وهى تردف بـ حدة

-ممكن أفهم بتعملوا إيه هنا!
-رد عليها الرجل بـ تلعثم:أحنا..امم..قصدي...
-قاطعته روجيدا بـ إنفعال:قول لـ اللي بعتك الحركات دي قديمة ومعدتش تنفع..إرجع من مكان ما جيت وإلا أقسم بالله أبيتك أنت وسي جاسر بتاعك دا فـ القسم...

نظر إليها الرجل بـ دهشة وفاه مفتوح..فـ صرخت به روجيدا بـغضب

-يلا أمشي من هنا...

ثم إتجهت بـ خطى عنيفة إلى الطريق المُقابل..ظلت تُراقب السيارة حتى تحركت من أمام ناظريها..زفرت بـ قنوط وأخذت تسبه بـ داخلها..نظرت مرة أخرى إلى ساعتها لتزفر للمرة التي لا تعلم عددها وهى تقول بـ صوتٍ مكبوت

-والزفت دا إتأخر ليه!!...

ثوان و وجدته يصف سيارته أمامها ويترجل منها..كانت على وجهه إبتسامة عميقة تشي بـ مدى سعادته..توجه إليها حتى وقف أمامها ثم قال بـ إعتذار وهو ينظر إلى ساعة يده

-أسف إني إتأخرت دقيقتين..بس كنت بشتري دا...

قالها وهو يُخرج من خلف ظهره باقة ورود بيضاء..نظرت إليها روجيدا ثم رفعت أنظارها له وقالت بـ إبتسامة 

-مكنش فيه داعي ع فكرة
-ضحك شريف وقال:مكنش ينفع ع فكرة...

نظر إلى الباقة ثم إليها وقال بـ مرح

-أكيد مش هفضل ماددّ إيدي..إتفضلي
-أخذتها روجيدا منه ثم قالت بـ رقة:مرسيه
-يلا!!
-يلا...

قالتها ليُشير بـ يده كي تتقدمه..إتجه إلى مقعدها ثم فتح الباب المُخصص لها ثم إتجه إلى مقعده وصعد السيارة..أدار المُحرك وإنطلق بـ السيارة..سألته روجيدا بـ هدوء

-إحنا رايحين فين!
-رد عليها شريف دون النظر إليها:أتمنى إنك بتحبي الأكل السوري!
-أجابت روجيدا بـ حماس:جدًا
-إتسعت إبتسامة شريف وقال هو الأخر بـ حماس:تمام..دلوقتي إحنا رايحين مطعم سوري مشهور أوي...

إبتسمت روجيدا إبتسامة خفيفة ثم نظرت إلى النافذة بـ جانبها..غافلة عن نظرات الجالس بـ جانبها التي يلتهمها بها..عاجزة عن الإحساس بـ دقات قلبه التي كادت أن تفر من قفصه الصدري إليها..ولكنه بقى يُهدأ ويُمنى نفسه بـ الصبر

**************************************

-أغبية..أنا مشغل معايا أغبية...

قالها جاسر بـ غضب وهو يقذف الهاتف بـ عنف جانبه..نظر إليه صابر بـ توجس وتساءل

-خير يا جاسر!
-زفر جاسر بـ غضب ثم قال:مشغل شوية أغبية...
-إيه اللي حصل؟
-مسح جاسر على فمه وقال:الأتنين اللي مكلفهم يحطوا عنيهم على روجيدا..شافتهم وهددتهم والأغبية مشيوا...

نظر إليه صابر بـ حزن..كان ناقم على حال الي آل إليه صديقه..زفر صابر هواءًا ساخنًا من فمه وقال بـ عتاب

-وبعدهالك يا جاسر!..هتفضل ع الحال دا!..تاعب نفسك وتاعبها معاك؟!..طالما بتحبها وخايف عليها كدا سبتها ليه!...

كان يعلم أنه كـ كل مرة لن يُجيب ولكن جاسر قد فاقت قدرته على الإحتمال ليقول بـ تعب

-غصب عني يا صابر..والله غصب عني..لو كان عليا كنت زماني واخدها فـ حضني وخبيتها جوه قلبي..مكنتش ضيعت ثانية واحدة فـ عمرنا بعيد عن بعض...

إستشعر صابر الحمل الثقيل الذي يحمله صديقه فـ ربت على ساقه وهتف بـ مؤازرة

-أحكي يا جاسر جايز ترتاح..وجايز نلاقي حل مع بعض...

إستند بـ مرفقه على زُجاج السيارة وأصابعه تسند جبينه..ثم تشدق بـ شرود

-أنا فعلًا عاوز أرتاح..تعبت وتعبتها معايا..وفـ النهاية خايف أخسرها وأنا مفكر إني كدا بحميها
-عقد صابر حاجبيه وتساءل بـ عدم فهم:مش فاهم حاجة
-زفر جاسر بـ حرارة:ولا أنا فاهم..كل اللي فكرت فيه إني أحميها بـ بعدي عنها..فكرت إني هكون مبسوط لما تكون فـ أمان حتى لو بعيد عني..أتاريني مكنتش أعرف أني هموت كدا..هحكيلك...

وبدأ في السرد عليه بـ التفصيل ليقول صابر بـ عدم تصديق ومعالمه مُتقلصة بـ غضب

-يعني حطولك مخدرات فـ قهوتك عشان تكون مدمن!..طب ليه؟!
-ليرد عليه جاسر بـ صوتٍ قاتم:وصلت بيهم القذارة أنهم يعملوا كدا..عشان عارفين إني هأذيها..كانوا فـ كل حتة معانا..بيراقبونا وحاسبين كل خطوة..حياتها وحياتي كانت على كف عفريت..من بداية الحادثة اللي ربنا نجاها منها بـ أعجوبة..لحد موضوع المخدرات دا...

حاول صابر الحديث ولكن الكلمات تقف عاجزة عن الخروج..لم يكن يعلم أن حياة صديقه كانت بـ ذلك المستوى من الإنحدار والتذبذب..بـ النهاية قرر التضحية بـ عشقه الذي ينخر عظامه كما ينخر النمل الأبيض الأخشاب لتكون هى بخير..أخرجه صوت جاسر وهو يقول بـ جمود

-إقفل ع السيرة دي..وصلنا المطعم...

أومأ صابر بـ رأسه ليصف جاسر سيارته ثم هبط كِلاهما من السيارة ودلفا إلى الداخل...

نهضت داليدا والوفد ما أن أبصرا جاسر وصابر..قاموا بـ التحية فـ قال أحد أعضاء الوفد

-بنعتذر منك مستر چاسر عل التأخير..لكن صدقني صارت شغلات كتير عطلتنا
-جلس جاسر ثم قال بـ رزانة:مفيش مشكلة يا فندم..حصل خير
-تشدق صابر بـ مرح:نبدأ بـ الغدا ولا بـ الشغل!
-ضحكت داليدا وقالت:لا الشِغل بـ الأول مستر صابر
-ليُكمل بـ مزاح:خسارة..مش هعرف أركز...

ضحك الجميع ولم يُشاركهم جاسر..بل قال بـ جديته المُعتادة بـ العمل

-نبدأ الشغل يلا...

وافقه الجميع وبدأو يتحدثون في شئون العمل..وبعد مدة طويلة قالت داليدا

-وهيك بعد تِلت (ثلاث) أشهر بنكون خلصنا المشروع الچديد..مو هيك!
-طبعًا..بس عاوزين نشد حيلنا...

قالها صابر مع إبتسامة تُزين ثغره..ليقول أحد الأعضاء

-خلصنا الشِغل..يلا نطلب شي ناكله...

أشار جاسر إلى النادل فـ أتى بـ إحترام..أملوه ما طلبوا وبعدها ذهب النادل وعاد بعد مدة طويلة و وضع الطعام ثم رحل..شرعوا في تناول الطعام..لتتوقف يد جاسر عند فاه وهو يرى روجيدا تدلف المطعم مع أحدهم...

إسودت عيناه بـ درجة مُخيفة حتى أن عسليته قد إختفى لونها..وقبضت يده على الشوكة بـ قوة أدت إلى إنثناءها..بدأت وتيرة أنفاسه في التعالي حتى إنتبه عليه صابر وسأله بـ خفوت

-جاسر..أنت كويس؟!...

ولكن لم يرد عليه جاسر بل ظلت عيناه المُظلمتان تنظران إليها بـ نظرات نارية حارقة..إلتفت صابر إلى ما ينظر إليه الأول..ليفغر فاه بـ دهشة وهو يراه روجيدا مع رجلًا ما..إبتلع ريقه بـ توتر إستعدادًا لـ فضيحة أخرى سيُثيرها جاسر...

وبـ الفعل كاد أن ينهض جاسر ولكن صابر أمسكه وقال بـ رجاء

-أبوس إيديك بلاش فضايح..إهدى وإعقل أكيد في حاجة متفهمش غلط
-أوعى إيدك يا صابر
-هز صابر رأسه بـ نفي وقال:على جثتي..إثبت مكانك..ومتعملش حاجة تندم عليها..علاقتك أصلًا متوترة معاها..فـ متتصرفش بـ طريقة تقطع العلاقة دي خالص
-نظر إليه جاسر بـ عينان مُظلمتان وهدر من بين أسنانه:اللي بيني وبينها ولا يمكن يتقطع..دا مش حبل دايب..اللي بينا أقوى من أنه يتقطع...

ولكن أنقذهم من كل ذلك نهوض روجيدا و توجها إلى المرحاض..زفر صابر بـ إرتياح لم يدوم ثوان وهو يرى جاسر ينهض بـ عنف قائلًا بـ حدة 

-بعد إذنكوا..هروح أعمل مكالمة...

ولم ينتظر ردهم بل إندفع إلى مرحاض السيدات تحت تعجب نادلةً ما ولكنه لم يأبه..بل دلف إلى الداخل وأغلق الباب بـ المفتاح...

كانت روجيدا تقف أمام مرآه بـ عرض الحائط وقامت بـ غسل وجهها..سحبت بعض المناشف الورقية ومسحت وجهها..قامت بـ وضع أحمر الشفاه مرة أخرى ثم وضعته بـ حقيبتها...

وعندما رفعت وجهها مرة أخرى صرخت بـ فزع وهى تراه خلفها..لا يفصله عنها إلا إنش واحد..يتنفس بـ غضب بـ رقبتها التي إحترقت من فرط سخونتها..وعيناه المُخيفتان اللتان تنظران إليها بـ قتامة أسرت الرعب بـ جسدها...

إستدارت تواجهه ولكنها عجزت عن الحديث وهى تراه يحتجز جسدها الضئيل بـ جسده العريض..إستطاعت الشعور بـ عضلاته المُتشجنة من أسفل كنزته القطنية والتي يعلوها سترة سوداء..رفعت نظراتها إليه لتشهق مرة أخرى وهى تراه يقطع الإنش ويقترب منها..رجعت إلى الخلف حتى إلتصقت بـ الأحواض خلفها وهو من الأمام يُحاصرها كـ أفعى تُحيط فريستها..ثم همس بـ فحيح أفعى مرعب مقيت أرسل رجفة عنيفة بـ جسدها

-حالًا تطلعي من هنا ع بيتك..وإلا قسمًا بـ اللي خلقني وخلقك يا روجيدا لكون جرك من شعرك ومروحك بـ نفسي
-حاولت الحديث:آآ..أنت..مش..آآ...

أخرسها بـ يده التي أطبقت على ذقنها بـ قوة ثم هتف بـ نبرة عنيفة زلزلت كيانها

-سمعتيني!!...

أومأت بـ رأسها..ليُمسك معصمها يسحبها خلفه..فـ تأوهت من قوة قبضته..حاولت إيقافه بـ أن هتفت

-جاسر إستنى..أنا هطلع لوحدي
-فتح جاسر الباب وقال بـ صوتٍ جهوري:مش عاوز أسمع حرف...

سحبت يدها بـ عنف أجبرته على الوقوف ثم هتفت بـ شجاعة لا تعلم من أين أتتها

-قولتلك أنا همشي لوحدي..وبعدين متتدخلش فـ حاجة تخصني..عشان أنا مبقتش أخصك...

ثم تركته ورحلت قبل أن تترك له مجال الحديث..وقف جاسر يُتابع إختفاء طيفها بـ نظرات قادرة على حرق ذلك المكان بـ أكمله..وجدها تعتذر من ذلك الشخص ثم رحلت..لينهض ذلك الشخص بعد وقتًا قصير وعلى وجهه علامات الإحباط...

تبعه جاسر دون أن يعبأ بـ الإعتذار لمن معه ولا بـ مناداة صديقه له...

عاد شريف إلى منزله بعد تلك الليلة التي هُدمت على أحلامه..سمع صوتًا ما قادم من المطبخ..ليُخرج سريعًا سلاحه من جذعه وإتجه بـ خطٍ حثيثة إلى الداخل...

وجد الضوء مُشتعلًا وأحدهم يرتدي سترة سوداء يقف أمام المطبخ ويُمسك شيئًا ما في يده..وجهه السلاح إلى ظهره وهتف بـ تحذير

-سيب اللي فـ إيديك وإرفعها لفوق
-أتاه صوتًا عميق يقول بـ سخرية:نزل يا شاطر مسدس المية اللي فـ إيدك دا...

ثم إلتفت إليه..لتجحظ عينا شريف بـ صدمة وهو يجده يقف أمامه يستند على الموقد مُمسكًا بـ كوبٍ من الشاي..ليهتف بـ عدم تصديق وعينان مُتسعتان

-جاسر الصياد!!...

تعليقات



×