رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن والاربعون 48 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن والاربعون بقلم فاطمة أحمد 

بلَّل آدم شفته ونظر إلى العمدة قائلا باحترام :

- أنا طول عمرى بشتغل لمصلحة القرية بتاعتنا وربنا شاهد انى عملت كل اللي بقدر عليه عشان سلامة الأهالي وعشان مخيبش ظنك بيا ومش هنسى ثقتك اللي خلتك تعينني خليفة ليك في المستقبل ولازم اقولك ان اللى قررته مش سهل عليا أبدا مش عايز حضرتك تعتبره كقلة احترام ليك بس أنا...


ازداد ترقب العمدة فرفع آدم رأسه عاليا وألقى ما بجعبته بصلابة :

- أنا قررت اتخلى عن منصب العمدة اللي توليته مش هكمل فيه.


هزت الكلمات القاعة، عيون الجميع اتسعت والأنفاس حُبست في الحناجر !

 كانت صدمةً لدرجة أن الجميع جلسوا في صمت مطبق ينظرون إليه وكأنهم لا يصدقون ما سمعوا، حكمت بدت وكأنها قد كُسرت في مكانها عيونها كانت تنبض بالاِنفعال منتظرة أن يكمل حديثه في أية لحظة ويخبرهم عن سبب تخليه عن المنصب. 


جمد الحضور في أماكنهم، خاصة صفوان الذي لو ظل يفكر أربعين سنة في سبب عزيمة آدم لم يكن ليخطر على باله أنه سيتنحى من منصبه.

أما العمدة الذي كان متوقعا بأن آدم سيقوم بحركة مفاجئة لكنه لم يتخيل أن الأمر سوف يتخطى نطاق توقعاته، شعر بالصدمة التي كادت تقطعه ولم يعجبه إطلاقا أن يتخذ خليفته هذا القرار فجأة دون استشارة أحد وكأن الموضوع يخصه هو فقط وليس خاصا بالبلدة بأكملها !


لكن مع ذلك ترقرقت عيناه بالحيرة ، وكأنما لا يصدق ما يسمعه فهدر محاولا السيطرة على نفسه:

- ايه الكلام الغريب اللي بتقوله ده حصل ايه عشان تتخلى عن منصب خليفة العمدة وبعدين الموضوع مش لعب عيال عشان تقرر وتعلن لوحدك !


- أيوة بعرف بس زي ما قولت ان القرار ده كان لازم اخده وشكلي اتأخرت كمان على ما أعلنته، أنا مبقتش بشوف نفسي قد مسؤولية المنصب وممكن اظلم نفسي وأظلم الأهالي لو كملت فيه علشان كده انسحبت بكامل إرادتي.


تداخلت الكلمات الهامسة والأحاديث الجانبية فيما بينها كل شخص من الحضور متعجب ومستنكر أما آدم فقد كان يقف شامخًا ومع أنه هناك بركان بداخله على وشك الإنفجار ولكنه يحاول أن يُبقيه هادئًا في ظاهره.


أما صفوان الذي كان يتربص الفرصة للحديث هدر بصوت متلاعب مشحون بالسخرية :

- يعني كل ده عشان قررت فجأة إنك مش قدها؟ آدم اللي كنا بنشوفه أقوى من الجبل فجأة يكتشف انه مش قد المسؤولية ويتخلى عن المنصب وكأنه لعبة زهق منها ؟

واضح إن في حاجة أكبر من اللي بتقولها بس بتحاول تخفيها.


- مش محتاج أبرر قراراتي لأي حد وخصوصاً ليك يا صفوان، القرار ده خدتُه بإرادتي ومش هسمح لحد يشكك فيه أو يحاول يقرأ نوايا مش موجودة.


لكن النوايا كانت موجودة بالفعل ! خطرت على بال آدم لوهلة قبل أن يستجمع شتاته ويضيف بلهجة حازمة مواجها بها نظرات صفوان المتشككة :

- أنا عمري ما خدت المركز على انه جايزة بفوز بيها أو لعبة بزهق منها، ومقولتش اني مش قد المسؤولية بس لقيت ان المشاكل اللي عماله تحصل ورا بعض من غير ما تتحل يمكن محتاجة لحد تاني غيري يحلها بما اني فشلت اعمل كده. 


لم يستطع العمدة البقاء صامتاً أكثر من ذلك فرفع يده لإسكات الجميع ثم تحدث بنبرة غاضبة لكنها محملة بلمحة من الألم:

- آدم أنت كنت دايماً ابني اللي مخلفتوش كنت شايف فيك المستقبل والقوة والنزاهة اللي كنت بحلم بيها للبلدة ديه. 

النهارده أنت بتخلع المسؤولية من كتافك وترميها في وشنا ! أنت فاكر إن الموضوع كده ينتهي ؟ البلدة دي محتاجاك أكتر من أي وقت فات.


- وأنا مش هتخلى عنها يا حضرة العمدة هفضل فرد من الأهالي طول عمري بس مش هكون القائد عليهم اعذرني. 


نظرت حكمت إلى آدم بعيون غاضبة، حاولت أن تمنعه من الحديث أكثر ولكن الكلمات كانت قد خرجت من فمه ولم يعد يستطيع أن يعود.

بعد عدة مناوشات انتهى الأمر بتأجيل الجلسة لوقت آخر ورحل الجميع محملين بالذهول والفضول والتشفي، فنزلت الجدة إلى آدم بخطوات تنهب الأرض نهبًا وضربت صدره بقوة صارخة :

- انت عملت ايه، عـمـلـت ايـه !!


تراجع خطوة للخلف إثر دفعها لكن وجهه لم يتأثر بينما كان يستمع لهذيانها المنفعل :

- ضيعت كل حاجة مننا رميت سمعة وقوة العيلة ع الأرض من غير ما تفكر بالنتايج انت مبسوط يا ولد سلطان جاوبني انت مرتاح كده ! 


صاحت بقسوة وأضافت مفرغة مابجعبتها من غضب بعدما قام بإضاعة كل ما بَنَته لسنوات :

- ولا هناديك باِسم أبوك ليه الحمد لله انه مات قبل ما يشوف خيبته في ابنه البكر.


تدخلت حليمة التي لم تكن قد فاقت من صدمة الموقف بعد لكنها لم تستطع التفريط في إبن أخيها :

- استني يا حكمت هانم خلينا نفهم منه بالراحة يمكن هو شايف حاجة احنا مش شايفينها. 


- أنا بكلم حفيدي محدش يدخل ما بيننا !!

صدعت زمجرتها الحادة والمنذرة بأن هذه الليلة لن تمر على خير إلا أن آدم أبدى قدرة كبيرة في ضبط النفس وهو يردد بصلابة :

- مفيش داعي نفضل نتكلم فنفس الموال اهو حصل اللي كان مفروض يحصل من زمان وخلصنا بقى. 


ضربت حكمت عصاها على الأرضية بعنف حتى كادت تكسرها وأكملت صياحها المشتد :

- مين ادالك الحق تحكم في اللي المفروض يحصل ملكش انك تقرر لوحدك من غير ما ترجعلي يا آدم انت دمرتنا وقضيت علينا.


ثم أخفضت نبرة صوتها التي ازدادت بغضا وعصبية وهي تبصق كلماتها الهامسة في وجهه :

- فاكر انك حققت العدالة باللي عملته صح بتبقى غلطان لأنك سبت فرصة للكلاب تنهش فينا ومحدش هيرحمنا ... بس الغلط عليا لأني كنت معتبراك حفيدي وسندي في الدنيا ديه. 


ردَّ عليها الآخر باِبتسامة تكتم مشاعره في الداخل وهتف بهمس مماثل :

- لو جينا للغلط فهيبقى في حاجات كتيرة غلط ولازم تتصلح يا ستي ... عفوا بقصد حكمت هانم بما أن حضرتك مبقتيش تعتبريني حفيدك. 


ألقى كلمته الأخيرة بفظاظة وصعد إلى غرفته بشموخ تاركا حكمت تتلظى على نيران الغيظ، لأول مرة تعي حجم الخسارة التي تكبَّدتها والأدهى أنها بسبب حفيدها الذي لطالما اعتبرته نسختها الرجولية لكنه خيب ظنها وكان أكثر من حطمها ..


صعدت نيجار خلفه وولجت للداخل لتجده في الشرفة يوليها ظهره ومسندا يداه على المقبض، ورغم أنها لا ترى وجه آدم لكن كتفاه اللتان تصعدان وتنخفضان بحدة كانتا تعبران عن غضب عميق وكأن أنفاسه ثقيلة على صدره وكل شيء في تلك اللحظة قد ضاق حوله.

وقفت خلفه وقبل أن تتحدث سمعته يبرطم بقتامة : 

- لو جاية تسأليني ليه عملت كده فالأحسن توفري الكلام لنفسك.


نيجار، التي كانت تعرف أن آدم لم يكن يوجه الكلام إليها فقط بل كان يعبر عن شيء أعمق من مجرد الغضب حاولت أن تخفف من حدة الموقف وقالت بصوت هادئ محاولة طمأنته :

- أنا جاية اسألك عن حالك عامل إزاي.


زفر آدم وأجابها بنبرة مرهقة وبالكاد تخرج الكلمات من فمه :

- مش كويس خالص.


حاولت نيجار الاقتراب أكثر منه ووضعت يدها بلطف على كتفه بينهما تهكس بصوت ناعم تحاول تهدئة التوتر الذي يحيط بهما :

- هدي نفسك يا آدم متخليش الغضب يسيطر عليك.


لكن داخل قلبها، كانت تشعر بأن كلماتها لن تكون كافية. كانت تعرف أن آدم كان يواجه صراعاً أكبر من مجرد قرار منصب أو إرث، كان يواجه هويته وعلاقته العائلية التي تشوهها الأزمات.


حانت منه التفاتة إليها وطفق يطالعها بنظرات صامتة كان مفادها التفكير بما ستؤول إليه الأمور لو عرفت نيجار سبب تخليه عن منصب خليفة العمدة.

اذا علمت بأن العمودية كانت من حق عائلتها هي قبل أن تقوم جدته بسرقة هذا الحق وجعله تابعا لإرث عائلة الصاوي، هل ستبقى حينها تساعده كما تفعل الآن أم تنقلب عليه وربما تعود لسابق عهدها حينما كانت تكرهه وتسعى لجعل ابن عمها صفوان مكانه.


حاول أن يتماسك لكنه شعر بأن قلبه يغلي من الداخل، كم تمنى أن يخبرها بكل شيء ولكن لا يستطيع أن يتوقع رد فعلها عندما تكتشف الحقيقة ... الحقيقة التي كان قد خفيت عنه حتى هو نفسه !!


بينما نيجار قد لاحظت بوضوح تغيرًا في حالته تلك النظرة العميقة التي كانت تملأ عينيه بالضياع والألم وتدل على معركة داخلية شديدة. بيد أن هواء الليل كان يحمل شيئًا من الهدوء وكأن العالم من حوله قرر أن يتوقف ليمنحه بعض السلام.


إلا أنها كانت تعلم أن هذا الهدوء هو مجرد غطاء لما يجول في داخله فتقدمت نحوه بخطوات هادئة ثم قالت بصوت ناعم محمّل بالصدق :

- أنا معاك في كل حاجة وكل اللي عايز اقولهولك ان انت مش لوحدك، وسواء كنت خليفة العمدة ولا لأ فـ ده مش هيغير حقيقة انك الراجل القوي اللي طول عمره واقف على راحة أهله وناسه.


اعتدل آدم في وقوفه وبدأ يمشي في الشرفة والأخرى تحاول مواكبته في خطواته ريثما يبرطم الآخر :

- بس دلوقتي بعد اللي حصل أنا حاسس إن كل شيء بدأ ينهار ... مش بس المنصب لأ، كمان العلاقة مع الناس اللي كنت بعتبرهم عائلتي.


أخفضت نيجار رأسها قليلاً مجربة فهم دوافعه لكن الحقيقة كانت أن آدم يواجه صراعًا داخليًا أكبر من أي شيء آخر وهذا لأن عائلته، بل البلد بأكمله يعوّلان عليه، وعلى الرغم من أن كل هذا كان يشكل ضغطًا هائلًا إلا أن الأمر لم يكن ليتوقف عند هذا الحد.


- بس أنا هنا علشانك مش عايزة أي حاجة تانية مهما كانت ردود الفعل مش لازم تقلق والناس ممكن تتقبل قرارك حتى عيلتك وجدتك بس انت لازم تديهم الفرصة يفهموك.


ثم أضافت بحنان واضعة يدها على ذراعه :

- بلاش تقفل قلبك علينا مش مهم إذا كان القرار صعب المهم أنك مش لوحدك أنا هنا معاك، لغاية ما تلاقي الطريق الصحيح.


ابتسم آدم، لكن ابتسامته كانت مجرد استجابة آلية بينما ظل عقله مشغولًا بأمور أخرى كانت تلاحقه.

 لم يكن يعرف إذا كانت نيجار ستظل بجانبه عندما تكشف له عن الحقيقة، الحقيقة التي كانت ستغير كل شيء.


ولكن الآن، كان يحتاج إلى هذا الدعم أكثر من أي وقت مضى ولم يكن مستعدًا لفتح كل الأبواب المغلقة التي كان قد أغلقها في قلبه منذ فترة طويلة.


وبصوت منخفض مليء بالامتنان ردد :

شكراً ليكي أنا مش عارف إزاي كنت هقدر أواجه ده من غيرك.


كان هناك الكثير داخل آدم يخشى أن يظهره، والحال أنه كان يعلم أيضا بأن نيجار قد تكون الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يساعده على استعادة توازنه ولكن هل سيظل قادرًا على الحفاظ على هذا التوازن عندما تعرف هي كل شيء عن ماضيه وعن القرارات التي لم يتخذها بصدق؟ 

هذا هو السؤال الذي كان يدور في ذهنه ولكن في هذه اللحظة كل ما كان يهم هو أن نيجار كانت بجانبه وهي فقط التي تملك القدرة على تهدئته...


________________


لاحظ النظرات الموجهة عليه بينما يشرف على أشغال العمال فزفر والتف إليه يسأله بصبر نافذ :

- انت بتبصلي كده ليه يا فاروق لو في حاجة فبوقك انطقها و خلصني. 


تنحنح بحرج من فعلته وبرَّر قائلا :

- البلد من امبارح ملهاش سيرة إلا عن القرار اللي انت خدته وفاجأنا كلنا يعني حتى أنا مكنتش متوقع انك هتعمل خطوة بالسرعة ديه. 


- معملتش إلا اللي كان المفروض يحصل من زمان.


- بص يا آدم أنا طول عمري معاك في أي حاجة بتقولها وبتعملها بس المرة ديه مش هكدب عليك هقولك اني حاسس انك تسرعت ومحسبتهاش كويس.

يعني حضرتك مفكرتش في اللي ممكن يحصل بعد ليلة امبارح ياترى العمدة هيسكت ويتقبل قرارك ببساطة ولا يفضل يدور ع سبب تخليك عن المنصب بتاعك ؟ طيب دلوقتي مركزك هيروح لمين من بعدك عاوز ابن الشرقاوي ياخده ؟ انت اكتر واحد بتعرف انه مبيستاهلوش وهيودي البلد فداهية بسبب طمعه وأنانيته.


- مش عايز افكر في الموضوع من الناحية ديه أنا خلاص سبت كل حاجة مكنتش من حقي والمهم دلوقتي هو اني الاقي الكلب اللي اسمه سليمان قبل ما يرجع يعمل خطوة ضدي. 


- احنا بندور عليه واحتمال نوصله قريب لأن المعلومات اللي جتلنا بتقول انه معرفش يبعد كتير بس انت هتعمل ايه لما تلاقيه.


تجعدت تقاسيم وجهه من التعمق في سيرة ذلك الوغد فأجاب بنفور :

- هعرف منه اكتر عن الوصية وليه كان متخبي طول السنين ديه واشمعنا ظهر دلوقتي وعاوز يعمل ايه بالضبط، وبعدها نبقى نشوف هنعمل ايه معاه.


ثم استطرد متابعا :

- أنا تعبان وعاوز افضل لوحدي شويا بتقدر انت ترجع للبيت يا فاروق لأن كده كده مفيش شغل كتير النهارده. 


لم يجادله فاروق لأنه يعلم بمدى ضيق آدم فودّعه وذهب إلى منزله حيث عائلته الصغيرة المكونة من والدته وشقيقه، وأثناء دخوله سمع صوتا قادما من خلف المنزل فذهب ليرى من هناك ووجد محمد محاطًا ببعض المعدات ويعبث بمفك صغير وكأنه يحاول تفريغ غضب مكبوت بلا جدوى.

فباشر فب الحديث بهدوء :

- انت مروحتش لشغلك ولا ايه.


برطم الآخر بجفاء لا إرادي :

- المكتب اجازة النهارده.


وقف للحظة يراقب أخاه وتوضحت له حالته فاِستفهم بجدية :

- مالك يا محمد ؟ شكلك مش طبيعي.


لم يرد محمد وظل رأسه منخفضًا كأن صوته عالق في حلقه لكن قبضته على المفك أصبحت أكثر إحكامًا، اقترب فاروق أكثر ووضع يده على كتف أخيه برفق :

- أنا بتكلم معاك، ليلى هي السبب صح؟


عند ذكر اسمها رفع هذا الأخير رأسه فجأة وعيناه مشتعلتان كالنار :

- ليه بتسألني عنها ؟ مش إنت اللي قلتلي أبعد عنها مش إنت اللي خليتني أضحي بيها عشان كلامك عن الطبقات والمستحيل ؟ 


فاروق تنهد وعقب بلين :

- أنا قلت كده عشان مصلحتك ليلى من عيلة مش زيّنا، وأهلها مستحيل يوافقوا كنت بحاول أحميك من صدمة كبيرة.


لكن محمد لم يحتمل كلماته أكثر نهض فجأة من مكانه وأسقط المفك على الأرض ثم صرخ بصوت مخنوق بالألم:

- مصلحتي ! مصلحتي إيه اللي بتتكلم عنها انت تعرف إيه عن اللي جوايا تعرف إيه عن إحساسي لما أشوفها قدامي وأعرف إني مش قادر أصارحها ؟ مش قادر أقول لها تني بحبها أكتر من أي حاجة في الدنيا !


وقف فاروق في مكانه يحاول أن يحافظ على هدوئه بينما يتابع الآخر هادرا بلوم وعتاب :

- إنت حرمتني منها ! ليلى ضاعت .. ضاعت مني فهمت.


ثم أشار إلى أخيه بغضب:

- عشان كلامك عن العيلة والمستحيل أنا خسرتها، اخر مرة كانت معايا في العربية تخيل كنت قاعد معاها وساكت وهي خلاص مشيت بعيد، هتتجوز واحد تاني.


تابعه فاروق بذهول وبنفس القدر من الألم، هو لم يكن يعلم بأن شقيقه يُكن مشاعرا حقيقية لليلى اعتقد أنه إعجاب أو مجرد انبهار سيزول مع الوقت لكن حالته الآن لا تدل على شيء سوى أنه يحبها فعلا.


بدأ محمد يسير ذهابًا وإيابًا يداه تعبثان بشعره كأنه يحاول انتزاع وجعه وصوته ارتفع أكثر :


- كنت بحبها ومستعد أعمل المستحيل عشانها بس إنت خليتني أحس إني مش كفاية خليتني أحس اني لازم أسيبها تضيع وإيه حصل ؟ دلوقتي هي لغيري أنا خسرتها للأبد !


فاروق ظل صامتًا للحظة، ينظر إلى أخيه الذي بدا وكأنه ينهار أمام عينيه ثم تقدم خطوة ووضع يده على كتف محمد ناطقا بهدوء واستسلام :

- ليلى موافقتش على الخطوبة.


توقف محمد فجأة كأنه لم يصدق ما سمعه نظر إلى أخيه بعينين واسعتين وصدى الكلمات يردد في عقله :

- إيه ؟ بتقول إيه ؟ 


فاروق تنهد مرة أخرى، وكرر بهدوء:

- ليلى رفضت ما قبلتش بالزواج هي مضاعتش زي ما انت فاكر.


- بس ازاي هي قالتلي ...


- هي بنفسها قالتلك انها وافقت ؟


- لا ... بس انا ساعة ما سألتها هي صدّتني وانا ...


أدرك في هذه اللحظة انه تسرع بسبب غضبه وانهار لشيء لا وجود له فزاغت عيناه زائغتان وكأن عقله يحاول استيعاب ما سمعه للتو.

 قلبه الذي كان يغلي منذ لحظات بدأ يخفق بوتيرة مختلفة، أقرب إلى الرجاء الممزوج بالحذر وأخيرًا، استطاع أن ينطق بصوت متردد:

- ليلى ... رفضت. ليه ؟


فاروق أدار وجهه للحظة وكأنه يحاول ترتيب كلماته، ثم قال:

- معرفش بالضبط سمعت الكلام آدم قالي انها موافقتش على الخطوبة وهو صارح الشاب والتاني اتفهمه ومضايقش يعني الموضوع انتهى.


حدق محمد في أخيه لثوانٍ ثم فجأة أمسكه من ذراعيه بشدة صوته كان مختلطًا بين الحدة والتوسل :

- ابيه فاروق أنت متأكد من اللي بتقوله متأكد إنها ما وافقتش ؟


 هز رأسه بإيجاب هاتفا :

- أيوه متأكد بس يا محمد..


قاطعته عاصفة المشاعر التي فجّرها محمد وقد ترك ذراعي فاروق وقال بثبات وصوت مليء بالعزم :

- أنا لازم أروح أكلمها.


رفع فاروق يده وأوقفه بغية استدراجه للتعقل قليلا وعدم الاستعجال :

- محمد استنى انت مش فاهم الموضوع مش مجرد إنها رفضت الموضوع أكبر من كده، حكمت هانم هتقف ضدك وممكن العيلة كلها ترفض حياتك معاها مش هتبقى سهلة.


تقدم نحوه بخطوات واثقة عينيه تشتعلان بتصميم لم يره فاروق من قبل:

- اللي بعرفه ان ليلى لسه ما ضاعتش وانها لسه ممكن تبقى ليا. فاروق ديه فرصتي الوحيدة وأنا مش ناوي أسيبها.


- لو ده قرارك يبقى لازم تكون مستعد لأي حاجة، متضعفش.


محمد ابتسم ابتسامة خفيفة، لكنها كانت مشحونة بالعزم:

- مش هضعف المرة ديه أنا مش ناوي أسيبها.


ثم أمسك سترته واندفع نحو مغادرا وكأن شحنة الأمل التي تلقاها من كلمات فاروق منحته القوة لمواجهة كل شيء.

أما فاروق، فبقي واقفًا في مكانه، يراقب أخاه وهو يخرج بعزم، لكنه لم يستطع منع نفسه من الشعور بالقلق فهمس لنفسه بصوت خافت :

- يارب خاطرك ميتكسرش يا محمد. 


________________


أسندت ظهرها على المقعد الخشبي داخل الحديقة الصغيرة وركزت بعينيها على الفراغ شاعرة بثقل في قلبها وعقلها، لا تزال ليلة أمس لا تبارح عقلها خاصة شجار شقيقها مع جدتها.


 فجأة ظهر محمد أمامها وكأنه خرج من العدم وجهه مشحون بتعبيرات لا يمكن وصفها لكن تغلبت عليه الابتسامة بينما يهتف :

- كنت عارف اني هلاقيكي هنا.


رمقته بدهشة لحظية قبل أن تمط شفتها باِستياء معلقة :

- بعتقد اني مطلبتش سواق يوديني ويجيبني النهارده.


لم يشعر محمد بالاِستياء بل توسعت ابتسامته وهو يقول :

- مجيتش بصفتي سواق ليكي أنا جاي علشان اكلمك.


انتصرت ليلى واقفة وتمتمت بلهجة حازمة :

- مبقاش في لازمة للكلام عن اذنك.


استدارت وهمّت أن تتجاوزه فصدع صوته يناديها باِسمها مجردا من الألقاب البغيضة :

- لـيـلـى.


توقفت تلقائيا ليردف الآخر بنبرة يشوبها الرجاء :

- مش هسيبك تمشي قبل ما تسمعيني يا ليلى.


ازدردت لعابها بصعوبة وارتفع نسق دقات قلبها لكنها حاولت تمالك نفسها وحدقت في وجهه مستفهمة :

- نعم في ايه تاني عاوز تشرحلي ازاي انت بتشوفني الهانم الصغيرة ومش هتبصلي بأي نظرة مختلفة ؟


أحسَّ محمد كأن كلماتها تخترق صدره كالسهم فأمسك يديه معًا بقوة محاولا التحكم في مشاعره المتفجرة:

- انا اسف عشان جرحتك وبعتذر لو كلامي قبل كده حسسك بالإهانة بس انا بعدت عشان كنت خايف عليكي !

 خايف من اللي ممكن يحصل لو اهلك عرفوا بس مقدرتش أبعد أكتر من كده كل لحظة كنت بشوفك فيها كنت بحس إني بنهار من جوايا، وامبارح ... امبارح حسيت اني خسرت كل حاجة.


نظرت ليلى إليه بعينين تحملان الحيرة والغضب معًا :

- وأنا مالي يا محمد كنت خايف عليا ولا خايف على نفسك بس انا مش محتاجة فحياتي لواحد جبان


 اقترب منها أكثر وعيناه تتوسلان أن تسمعه :

- أنا كنت غلطان بعترف بس اللي عرفته دلوقتي إني مش هقدر أعيش بعيد عنك عرفت إنك رفضتي الجواز من الشاب اللي بيشتغل مع أخوكي.


قاطعت كلماته بنبرة حادة 

- وإيه يعني انت مالك ؟ اطمن انا مش غبية عشان اتهور واوافق على موضوع مصيري زي ده عشان احاول اثبت حاجة لنفسي أو لغيري.


التمعت عيناه بالعاطفة وهز رأسه موافقا :

- عارف انك مش غبية يا ليلى انتي اذكى وأرق بنت شوفتها في حياتي وديه من الأسباب اللي خلتني اتعلق فيكي ... وأحبك.


فتحت عيناها باِتساع وكأن الكلمات صفعتها بقوة تراجعت خطوة إلى الوراء وارتفعت يدها تلقائيا إلى صدرها محاولة أن تتحسس نبضات قلبها المتسارعة وتهدئ خافقها الذي فقد سيطرته بسبب الاعتراف المفاجئ، ورغم حمرة الخجل التي اكتست وجهها كأي فتاة تسمع اعتراف الحب لأول مرة من الشاب الذي تعلق قلبها به إلا أنها كابرت وعاندت بضراوة :

- ليه دلوقتي؟ ليه قررت تصارحني لما فكرت اني ممكن أكون لغيرك.


تنهد بعمق يستجدي صبرا وجرأة ثم حدق في عينيها بشكل مباشر مرددا :

- عشان كنت غبي كنت خايف من كلام الناس ومن فرق العيلة ومن كل حاجة حوالينا بس دلوقتي فهمت حاجة واحدة... فهمت ان حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي مش هستسلم طول ما انتي معايا.


سكتت ليلى للحظات وحمحمت تجلي صوتها وترطب حلقها الجاف قبل أن تتمتم :

-محمد، اللي بينا مش هيبقى سهل انت عارف ده ؟


تجاب بإيماءة من رأسه وصوته هذه المرة كان هادئًا لكنه مليء بالإصرار :

- عارف ومستعد لأي حاجة بس قوليلي ... انتي بتحبيني أو على الأقل لسه عندك مشاعر ناحيتي ؟


نظرت ليلى إليه، ثم أخذت نفسًا عميقًا وقالت بصوت يجمع بين الخجل والمكابرة : 

- لو معنديش مكنتش وقفت عشان اسمعك ومكنتش صبرت ومكسرتش دماغك لما رفضتني أول مرة ... ايوة قلبي عنده مشاعر ليك بس ديه اول وآخر فرصة بديهالك يا محمد قلبي هدوس عليه لو اكتشفت انك مبتستحقوش.


 ضحك محمد بخفة وجاهد نفسه لكي لا يمسك يديها الصغيرتين كصغر حجمها ثم همس بكل الحب الموجود في العالم :

- بوعدك اني هعمل أي حاجة عشان تتأكدي اني جدير بقلبك يا ليلى.


وهنا، وسط المؤامرات والخداع وُلدت لحظة أمل تحولت فيها الصراعات إلى بداية جديدة، مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا مليئة بالحب ...

الفصل التاسع والاربعون من هنا


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1