رواية الظل المجهول الفصل الرابع
قعدت أكتب كل اللي سمعته،وحاولت أربط الأحداث ببعضها..الكائن الغريب ظهر بعد ما شرب المخدرات..ونظرات العساكر الغريبة في المعسكر..والألوان اللي قال إنها رجعتله بعد الحادثة..كل ده خلاني أسأل نفسي،هل المخدرات هي اللي فتحتله بوابة لعالم تاني،ولا فيه حاجة أعمق بتحصل.
كتبت ملاحظات عن كل التفاصيل، وبدأت أفكر أرجع أكلم واحد من الروحانيين اللي راسلتهم،حسيت إن التفسير العلمي لوحده مش هيكفي. بعت رسالة للمجهول وقولتله:
-بص يا صاحبي، اللي بتحكيه ده مش بسيط،فيه حاجة بتحاول توصلك، بس ده مش معناه إنها حاجة كويسة..حاول تفتكر كل تفاصيل العنبر، واوصفلي الراجل اللي شوفته، حتى لو حاجة صغيرة..كل تفصيلة ممكن تساعدنا نفهم.
بعد ما بعت الرسالة، فضلت قاعد مستني الرد..كل دقيقة كانت بتعدي كأنها ساعة، ومخي شغال بأفكار وأسئلة..حسيت إني دخلت في حاجه أكبر مني..كل كلمة قالها الظل المجهول كانت زي لغز،كل تفصيلة بتقول إن فيه حاجة مش مفهومة بتحصل، حاجة أكبر من مجرد حكاية عن تجنيد ومخدرات.
فضلت ماسك التليفون مستني رد منه، لكن مفيش أي حاجة وصلت..قررت أشغل وقتي شوية بدل ما أفضل قاعد كده،وفتحت اللابتوب وبدأت أبحث عن أي حاجة ليها علاقة باللي بيحكيه،عن تأثير المخدرات على المخ، عن الهلاوس السمعية والبصرية،وعن الأماكن المهجورة والقصص اللي بتحكي عنها.
لقيت كلام كتير،فيه اللي بيقول إن كل ده هلاوس نتيجة المخدرات، وفيه اللي بيتكلم عن تداخل بين العوالم، وإن الأماكن المهجورة ساعات بتبقى بوابات لحاجات إحنا مش بنفهمها.
كل ما كنت أقرأ أكتر، كل ما دماغي تتلخبط أكتر..قفلت اللابتوب بعد شوية، وقومت أعمل كوباية شاي، يمكن تهدي أفكاري.
وأنا واقف في المطبخ،حسيت بشعور غريب..زي ما يكون فيه حد بيراقبني، أو زي عين متركزة عليا.
التفت بسرعة ولفيت حواليا، لكن مفيش حاجة..المطبخ كان فاضي ومفيش أي صوت غير صوت غليان المية..حسيت برجفة خفيفة في ضهري، بس حاولت أهدي نفسي واقول:
-أكيد ده تأثير القصة اللي سمعتها..ما تقلقش،كله في دماغك.
رجعت على الكرسي قدام اللابتوب، لكن الإحساس ده ما راحش..كان فيه حاجة غلط مش طبيعية مش عارف احددها..في اللحظة دي سمعت صوت الاشعارات،كانت من الظل المجهول، ريكوردات بصوته تاني،وصلت السماعة وبدأت اسمع:
"نمت..صحونا المرة دي الساعة 11م ، المرة دي كان فيه حاجة مختلفة..بدل الطوابير،سلحونا وطلبوا مني أوقف على برج من أبراج المراقبة..الناس اللي بره كانوا بيبصوا عليا وكأنهم خايفين مني،في بالي كنت متأكد إنهم خايفين علشان أنا عسكري ومعايا سلاح،كنت فاكر إنهم شايفينني خطر، لكن الموضوع طلع أكبر من كده.
كنت لافف سيجارة..وولعت وبدأت أشرب..4 ساعات والخدمة تخلص..حسيت بحاجة غريبة بتحصل حواليا،الجو اللي كان عادي فجأة اتغير، والدنيا كلها بقت هادية بشكل مرعب. حتى صوت الهوا اختفى،وحسيت برجلي كأن الأرض تحتها مش ثابتة،كأنه زلزال..سمعت صوت خطوات جاية من بعيد،ورغم اني كنت على البرج، الصوت كان واضح كأنه جنب وداني..حاولت أشوف حاجة في الضلمة لكن الرؤية كانت ضعيفة..وفجأة، ظهر قدامي على بعد حوالي 20 متر، شخص ملامحه ما كانتش واضحة، لكن كان واقف وبيبص عليا.
صوبت البندقية عليه وبصوت متردد قولت:
-مين هناك..لو ما اتحركتش، هضرب نار.
الشخص ما اتحركش ولا رد، بس فضل واقف زي ما هو..زاد خوفي وقررت أضرب طلقة تحذيرية في الهواء،لكن الغريب إن حتى بعد الطلقة،ما حصلش أي رد فعل منه..بعدها بلحظات الشخص بدأ يتحرك،ومشي خطوتين ووقف تاني.
في اللحظة دي،حسيت برعب مش طبيعي،خصوصاً لما شوفت إن خطواته مش ماشية بشكل طبيعي،كأنه بيتحرك بدون ما رجليه تلمس الأرض.
لما قرب أكتر قدرت أشوف ملامحه..وشه كان مليان ندوب، وعينيه سودا بالكامل بدون بياض،وكأنه غير بشري.
نزلت من البرج وجريت بسرعة،ودخلت العنبر وأنا بفكر في اللي شفته،وقررت ما أحكيش لحد،خوفاً من إنهم يفتكروني مجنون أو يتريقوا عليا.
لكن اللي حصل بعدها أكدلي إن اللي شوفته ما كانش وهم.
في اليوم التاني،لقيت عسكري زميلي جايلي وعلى وشه خوف..قالي:
-أنا سمعت إنك كنت في البرج امبارح بالليل..شوفت حاجة.
بصيتله باستغراب وقولت:
-إنت عارف حاجة.
قرب مني وقال بصوت منخفض:
"البرج ده ملعون،اللي وقف عليه قبلك كان بيتكلم عن حاجات غريبة بتحصل، لكنه ما كملش أسبوع ولقيناه ميت.
في اللحظة دي اللي فهمت إن الموضوع أكبر من مجرد هلاوس أو مخدرات..اللي شوفته كان حقيقة، والبرج ده كان سر كبير في المعسكر.
اليوم التاني وقفوني على برج غير اللي كنت واقف عليه في اليوم اللي قبله..البرج كان بيطل على فدانين شامي..الساعة كانت حوالي 2:30 الليل،وكنت تعبان من السهر فقررت أشرب مخدرات،عشان أهرب من التفكير.
جبت معايا حتت حشيش قولت ألفها..وأنا شغال فيها سمعت صوت فحيح غريب..رفعت راسي لقيت تعبان كوبرى واقف على شباك البرج قدامي، من الخضة رميت التبغ على الأرض..ظهر تعبان تاني على الشباك التاني،وبعدها ظهر اتنين كمان،وكلهم تعابين كوبرى ضخمة..المكان كله اتحاط بالتعابين،محاصرين البرج من كل ناحية..في اللحظة دي صرخت من الرعب وحاولت أهرب،نطيت من البرج لكن رجلي اتنت تحتي وقومت أعرج، كنت بالعافية بتحرك،وكل خطوة كانت صعبة عليا،رجلي كانت بتوجعني وكنت بمشي بصعوبة،لحد ما وصلت لظابط الخدمة..قولتله وانا في حالة من الهلع:
-البرج متحاوط تعابين..وانا مش قادر أوقف فيه.
الظابط ما صدقنيش،وقررت إنه ياجي معايا على البرج عشان يشوف الوضع بعينه.
لما وصلنا اكتشفنا إن البرج فاضي تماماً..مفيش تعابين ولا أي حاجة. الظابط كان في قمة العصبية وقالي:
-إنت إزاي تسيب البرج وتنزل..ده اسمه تخلي عن الخدمة.
واتسجنت أربع أيام بسبب نزولي من البرج،وأنا مش فاهم إزاي اللي حصل ده ممكن يكون مجرد وهم أو حاجة مش حقيقية.
كل حاجه كانت غريبة من أول الحادثة لحد ما وصلت للجزء ده.
السجن كان أسوأ حاجة ممكن تتخيلها..مفيش سراير،الأرض مغطاة بالتراب والمكان كله مليان فيران، وكنت أحس بالفيران بتمشي فوقي، والنور كان مفصول عننا طول الوقت، المكان كان مهجور،كأن محدش دخلوا من مئات السنين..كنا تلاتة محبوسين مع بعض في زنزانة صغيرة، وكل واحد فينا كانت قاعدته على الأرض، مفيش مكان تقدر تريح فيه،ومفيش حد بيقدر ينام،كانت الفيران بتمشي حوالينا في كل حتة،والحقيقة كان الوضع صعب جدا،غير آدمى نهائي.
خلصت مدة السجن أخيراً،ولما خرجت كأن حياتي كلها اتغيرت..كانت كل قوتي ادمرت في السجن.
استلمت تليفوني،وأول حاجة عملتها،رنيت على هاجر،كنت عايز أسمع صوتها،وحاسس إني محتاجلها أكتر من أي وقت فات.
أول رنة..مفيش رد،التوتر بدأ يزيد..تاني رنة،ردت، ولكن كان صوت أمها بتقول:
-ايوه..مين معايا.
اتلخبطت شوية،بس استجمعت نفسي وقولت:
-أنا اللي جيت اتقدم لهاجر،ممكن تسمحيلي أكلمها يا ست الكل..لو سمحتي.
سكوت لحظة طويلة،وبعدين ردت بصوت هادي،لكن نبرت خلت قلبي يتقبض:
-إنت بتقول إيه.
قولت بتوتر:
-أنا حبيب هاجر..طمنيني عليها هي كويسة.
ضحكت ضحكة صغيرة بس مافيهاش روح،وقالت:
-يا ابني انت أكيد غلطان..هاجر ماتت.
الكلمة خبطتني زي مرزبة في نفوخي. قولت بعصبية:
-ماتت..إزاي..بنتك عايشة..هاجر ماماتتش.
قالت بنفس النبرة الهادية:
-هاجر ماتت من 8 سنين، في حادثة أتوبيس ومش بس هي.. هي وأبوها وأخواتها..إنت مين..وتعرفها من فين.
الدنيا لفت بيا..الحروف طلعت مني متقطعة:
-ماتت من 8 سنين..بس أنا..أنا كنت بكلمها..كنت بشوفها..كنت بحبها واتقدمتلها.
ردت وقالت:
-يا ابني،هاجر بنتي ماتت.
التليفون وقع من إيدي،وإحساس غريب مسكني،كأن كل حاجة كنت فاكرها حقيقة طلعت وهم.
الدم سحب من وشي،كأن حد صب عليا مية متلجة،كل حاجة في جسمي اتجمدت،وما قدرتش أتكلم..اللي سمعته كان صدمة كبيرة جداً لدرجة إني مش قادر أصدق..معقول أنا عايش قصة حب مع واحدة ميتة من 8 سنين..في اللحظة دي فقدت الوعي.
لما فوقت،لقيت نفسي متكوم مكاني على الأرض،مش فاهم إيه اللي حصل..مسكت تليفوني اللي كان واقع جنبي،ورنيت على أبويا وأنا قلبي مكسور من الصدمة..حكيتله إن هاجر ماتت،وكان رده صادم جدًا،قالي:
-هاجر مين اللي بتتكلم عنها.
قولتله:
-هاجر يا بابا..اللي روحت اتقدمتلها واترفضت..هاجر حبيبتي يا بابا.
لكن رده كان صاعقة لما قال:
-هاجر مين يا حبيبي..أنت عمرك ما اتقدمت لحد،ولا حتى فكرت في خطوبة.
ده كان بالنسبة ليا زي الصاعقة..عيني كانت مليانة دموع وأنا مش فاهم حاجة..ازاي ده يحصل..هل كنت في حلم.."التسجيل خلص".
فضل الكلام يتردد في دماغي..اللي سمعته من الظل المجهول كان زي ما يكون لغز بيتكشف شوية بشوية..البرج الملعون، الشخص اللي ظهرله بملامح مش بشرية، والخوف اللي بدأ ينتشر وسط العساكر وكأنهم عارفين إن في حاجة مش طبيعية بتحصل..وموت هاجر كان زي كسر في حياته،وكل اللي بيحصل حواليه دلوقتي ممكن يكون ليه علاقة بذكرياته عنها، أو بجزء منه لسه متعلق بيها...
