رواية أسرار في قلب الحب الفصل الرابع
مع إشراقة اليوم الجديد، استيقظت ليلى مبكرًا على صوت دقات ساعة الجدار القديمة في غرفة المعيشة. كان المنزل صغيرًا لكنه دافئ، مليء بروائح القهوة والخبز الطازج. كانت هذه العائلة هي كل ما تملك، وتمنحها شعورًا بالأمان الذي يجعلها تنسى هموم العالم.
في الطابق السفلي، كانت أمها "فاطمة" تعمل في المطبخ، وهي امرأة في منتصف الأربعينات، تتمتع بجمال هادئ رغم سنوات العمل الشاق. كانت تُعرف بين الجميع بحكمتها وصبرها، وهي صاحبة القلب الكبير الذي لا يتسع فقط لعائلتها، بل لكل من يحتاج إلى المساعدة في البلدة.
كان والدها "حسن" في الخارج، مشغولًا بإعداد مستلزمات السوق. كان رجلًا طويل القامة ذو لحية كثيفة، وعينين تحملان جمودًا لا يظهر أبدًا، إلا عندما يتحدث عن البلدة وعن تاريخها القديم. كانت علاقته مع ليلى مليئة بالاحترام والود، لكنه لم يكن يظهر مشاعره بسهولة.
أما أخوها الصغير "سامي"، فهو في السابعة عشرة من عمره. كان دائم المزاح والطاقة، وكان يملأ المنزل بالضحك والحيوية. رغم خفة دمه، إلا أنه كان يحمل قلبًا حساسًا ويهتم بأخته أكثر من أي شخص آخر.
--
في ذلك الصباح، كانت فاطمة تعد الفطور، وتحث سامي على الإسراع في تجهيز نفسه للذهاب إلى المدرسة. بينما كانت ليلى تتناول فنجان قهوتها، تحدثت معها أمها:
"ليلى، هل كل شيء على ما يرام؟ تبدين شاردة الذهن هذه الأيام."
"أمي، لا شيء. مجرد أمور صغيرة." ردت ليلى، لكن أمها لم تكن بحاجة إلى مزيد من الإجابات. كانت تعرف جيدًا أن ابنتها تخفي شيئًا.
"لا تخفي عني أي شيء، يا ابنتي. هذا الشاب، آدم... هل هو مجرد شخص عابر في حياتك، أم أن هناك شيئًا آخر؟"
تفاجأت ليلى بسؤال أمها المباشر، ولكنها شعرت بأن قلبها بدأ ينبض بشكل أسرع. كانت تعرف أن أمها دائمًا تلاحظ أدق التفاصيل.
"لا شيء، أمي. هو مجرد شخص غريب في البلدة. ربما هو فقط فضول الناس."
أخذت فاطمة نفسًا عميقًا وقالت بصوت هادئ: "الناس هنا لا يأتون إلى البلدة عبثًا. عليك أن تكوني حذرة."
---
بينما كانت ليلى في الطريق إلى السوق، قابلت "رنا" مجددًا، التي كانت متلهفة على سماع المزيد عن الشاب الغامض. ولكن في تلك اللحظة، كانت عينا ليلى قد انتبهتا لشخص آخر قادم باتجاههما.
"أهلاً، ليلى!" كان الصوت مألوفًا.
استدارت لتجد "أحمد"، شاب في نفس عمرها، وهو أحد أصدقاء العائلة المقربين. كان أحمد طويلًا، وذو شخصية مرحة، وكان دائمًا موجودًا في حياتها منذ الطفولة. كان يشبه في شخصيته والد ليلى، وكان دائمًا يقدم لها النصائح بطريقة غير مباشرة.
"كيف حالكِ؟" سأل أحمد وهو يبتسم، ثم أضاف: "سمعت أن هناك شخصًا جديدًا في البلدة. آدم، أليس كذلك؟"
شعرت ليلى بتوتر مفاجئ، لكن حاولت أن تظهر على طبيعتها. "نعم، هو هنا منذ فترة قصيرة."
"هل حدث شيء بينكما؟" سأل أحمد بحذر.
"لا شيء، فقط فضول الناس." أجابت ليلى، لكنها كانت تشعر بأن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا من ذلك.
---
في المساء، كانت البلدة تهدأ شيئًا فشيئًا، عندما قرر آدم أن يلتقي بأصدقائه. في الميناء، كان كريم وياسين ينتظرانه. كان الجو عابقًا برائحة البحر، وكانت الأمواج تتلاطم على الصخور بهدوء.
"هل اكتشفت شيئًا جديدًا اليوم؟" سأل كريم وهو يراقب أفق البحر.
"لا شيء. فقط حديث عن ليلى وبعض الأشخاص هنا في البلدة." أجاب آدم وهو يتنهد، ثم نظر إلى ياسين.
"أنت تعلم أن هناك أسرارًا هنا. لا يمكننا أن نعيش هنا دون أن نعرفها." قال ياسين بصوت هادئ.
"أعرف. ولكن بعض الأسرار قد تكون ثقيلة جدًا." أجاب آدم، وهو ينظر إلى البحر وكأن الكلمات التي قالها تحمل شيئًا من المعاناة.
---
في تلك الليلة، وبينما كانت ليلى عائدة إلى المنزل، مرّت بجوار منزل "العم سالم"، الذي كان دائمًا يختفي عن الأنظار. لكنها لمحت شيئًا غريبًا في حديقته الخلفية. كانت نافذة مفتوحة، وأضواء خافتة تومض داخل الغرفة.
فجأة، ظهر "العم سالم" من بين الظلال، واقترب منها بسرعة. "ليلى، لا تذهبي إلى هناك. هناك أشياء لا يجب أن تعلميها."
شعرت ليلى بالارتباك، ولكن قبل أن تتمكن من الرد، اختفى العم سالم في الظلام مرة أخرى.