رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل السابع 7 بقلم نورهان محسن


 رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل السابع 

في صباح اليوم التالي

فتح عينيه ببطء حينما تسلل ضوء الصباح عبر الستار ، فأدار رأسه جانبًا ليجدها قريبة منه لدرجة أن أنفاسه تختلط بأنفاسها ، تسمرت عيناه عليها بكل شغف ، تلتهمان تفاصيل وجهها البريء بهدوء مفعم بالافتتان.

نائمة بسلام ووجهها المضيء يشع بالبراءة والجمال ، وشفتاها مزمومتين بإغراء فطرى يثير فيه رغبة لا تقاوم لملامستها ، شعرها المتناثر فوق الوسادة يضاهي بعثرة كيانه.

ابتسامة كسولة إرتسمت على فمه بعد ان عاد يحدق في شفتيها ، وبجنون رجل الذي لا يعرف التردد ، قطف شفتيها برقة بين فمه، كأول قطرة ماء تتسلل إلى صحراء عطشه، لتتحول سريعًا إلى نهبٍ جارف، وهو يروي ظمأه بلهفةٍ سافرة.

إلتقطت أذنيه همهمتها الناعسة كإشارة على قرب استيقاظها ، ففصل القبلة ببطء ، لكنه لم يبتعد أو يتظاهر بالنوم ، بل أراد أن يتلذذ بردة فعلها حين تكتشف أن المسافة بينهما معدومة.  بينما هي فتحت عينيها ، ترمش مثل ضائعة تهيم في منفى شوقه ، ليتنهد هامساً بخشونة لذيذة بجوار أذنها : صباح العسل

ردت بصوت أبح ، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها : صباح الخير

مرر باسم يده بتأنٍ على ظهرها ، سألها بأسلوبه الممزوج بالتلاعب : حاسّة بصداع مش كده يا قلبي؟

نهضت إبريل بجذعها بعد أن انقشع عنها حجاب النوم ، ورمشت بتوتر قبل أن تجيبه بكذب : أيوه .. مش قادرة أفتح عينيّ منه

حرك باسم يده نحو الكومود ، وسحب شريط الحبوب ، وهو يرفع جسده قليلاً ليجلس على السرير وناولها حبة ، وقال بهدوء يخفّي وراءه شيئًا من السخرية : مدي إيدك

استفهمت بتعجب : إيه دي؟

أجاب باختصار : مسكن

نظرت إليه بفضول من هدوءه الغريب ، وقالت بنعومة : شكراً!! بس إيه سر الحنية اللي طالعة منك دي كلها؟

طالعها بحاجب مرفوع ، ووضع يده على جبينها ، ليشعر بدفء جبهتها الطبيعى ، ثم قال بنبرة مبهمة : كويس مفيش سخونية .. بس شكل أعراض البيرة لسه شغالة معاك

_بيرة إيه؟

لجئت ابريل لإسلوبها المراوغ للتخلص من حرجها ، بينما تخفض عينيها بتلقائية الي الاسفل ، سرعان ما تجمدت نظراتها على ما ترتديه بصدمة عنيفة حيث عقلها عجز عن التفسير لها عن كيفية ارتدائها رداء الحمام ، ولم تدرك أنها قد ارتشفت من المشروب ليلة أمس وهي تمثل التجرع ، مما جعل ذهنها يغرق فى حالة ثملة حقيقية ، فسألته بدهشة وقلق : أنا إيه اللي ملبسني البورنص دا؟ هو انت عملت فيا إيه؟

ابتسم باسم بخبث صارخ ، وضغط على خصرها ، وهو يهمس لها بسؤال مراوغ : يعني مش فاكرة عملنا إيه مع بعض ليلة أمبارح بحالها؟

تململت ابريل فى مكانها بخجل تحت وطأة قربه المربك وردت بنفى مرتجف : لا .. هو إيه اللي حصل بالضبط؟

تجاهل الرد المباشر مستمتعًا بتصعيد توترها إلى أقصى حد : هقوم أطلب لينا الفطار لحد ما تاخدي دوش .. وواحدة واحدة هتفتكري

بمجرد أن نهض من السرير بخطوات واثقة ، تبعته إبريل بسرعة ، وأوقفته بجذب خفيف لذراعه ، ورفعت عينيها المليئتين بالحيرة والاضطراب ، لتسأله بإلحاح : افتكر إيه؟ خد هنا فهمني؟

رد باسم بلهجة ساخرة : البيرة اللي افتكرتيها شويبس امبارح سكرتك علي الأخر..

أرادت إبريل أن تعرف ما لا تستطيع استذكروا ، فوجهت إليه سؤالًا آخر بحذر : وبعدين حصل إيه؟

سرد الأحداث بدهاء متقن ، مستغلاً تشوش عقلها العنيد ، فيما قلبه يعصف بالحقد جراء الحالة التي وصل إليه بسببها ، ليزيد من ارتباكها وتشتتها بلا رحمة : ولا حاجة .. خرجت من الأوضة لاقيتك قدامي بحتة بيبي دول من الجامدين أوي .. للي كنت شاريهم ليكي .. كان عليكي نار .. حلو اوي..

قالها بنبرة ملتهبة ، تسحق جسده بألمٍ لذيذ ، وعروقه تكاد تنفجر من شدة الرغبة ، فهو حتى الآن ما زال يراها في عقله ، تتراقص أمامه بالفستان كفراشةٍ ضلت طريقها إلى لهبٍ لا يرحم.

أذابتها للحظات لمساته لجسدها وكلماته المثيرة ، لكنها سرعان ما إنتبهت ، فابتعدت عنه بحدة : إيه التخاريف دي؟ أنا مكنتش لابسة كده؟

ضحك بمكر ، متجاهلاً استهجانها : وأنتي إيه عرفك؟ هو انتي كنتي دريانة بحاجة؟ بس مكنتش أعرف إنك في الرقص فظيعة كده!!

رمشت بعينين مضطربتين ، فهي تدرك أنها رقصت ليلة الأمس ، لكن طريقته الماكرة في الحديث أثارت شكوكها ، لتسأله باندهاش متردد : رقص؟ رقص إيه؟

أخبرها باسم بخبث : الرقص البلدي .. كنتي سحراني ليلة أمبارح .. ورقصك كان يجنن .. كنتي مغرية جدًا وأنتِ بترقصي .. وهوستِيني

خجلها تفجر على وجهها ، كزهرة أحرقتها شمس جريئته ، لترد بإستنكار غاضب : أنا معملتش كده!!

هز باسم رأسه بتأكيد ، لامسًا شفتيها بنعومة : عملتي .. ورقصتيني معاك كمان .. وقُلتِلي إنك...

ترك جملته معلقة ، فسارعت تستفهم منه فوراً : قولت إيه؟!

تأملها باسم بابتسامة جانبية تنبض بالمكر ، بينما ارتسمت على وجهها ملامح الحيرة والقلق ، فرددت بإلحاح : قول أنا عملت إيه؟ وقُلت إيه؟

أجاب باسم بصوته العميق ، ونظراته تخترق عينيها كألسنة اللهب ، ليتراقص قلبها بين نيران العاطفة : قولتي كلام كتير .. ومنه إنك بتحبيني .. كنتي بتقوليها بإحساس قوي

امتدت يده لتمس خدها برقة ، فاندفعت موجات كهرباء لذيذة عبر أوصالها ، أدارت جسدها علي الفور عاقدة ذراعيها إلى صدرها ، وهى تضحك بإستخفاف ، وأجابته بنبرة مهزوزة : عادي مش بتقول كنت سكرانة؟ إيه المشكلة؟ معروف إن السكران ما بيبقاش داري بالدنيا وبيحب كل الناس!!

سمعته ابريل يهمس بتساؤل بالقرب من أذنها من الخلف : وبيبوس كل الناس يا إبريل؟

لمح اندلاع الصدمة على ملامحها حين التفتت نحوه بسرعة ، فسبقتها إجابته الواثقة قبل أن تنطق هي بأي سؤال :
أيوه .. بوستيني كده

جذب باسم وجهها إليه بعنف ، يعكس شوقه المكبوت ، فتاهت أنفاسها بين أسر شفتيه القاسيتين اللتين اجتاحتاها بجنون ، يلتهم شفتيها بشراسة محببة ، يعاقبها على إرهاقها لرجولته ليلة الأمس ، ثم فصل بينهما بشق الأنفس ، همس في أذنها بأنفاس متقطعة : اتأكدتي من كلامي؟

دفعته في صدره بضعف ، يعكس تأثيره القوى في مشاعرها المتأججة ، هامسة بإرتباك : وانت استغلت الموقف مش كده؟

عضّ على شفته ليكبح ضحكته على عنادها ، وبحركة مفاجئة جذبها من خصرها حتى التصقت أكثر ، ما جعل قلبها يدق بعنف أكبر ، بينما يهمس في أذنها برغبة مثيرة : لو كنت استغليت الموقف زي مابتقولي .. كان زمانك قومتي لاقيتي نفسك من غير البورنص دا!!

ضربته على صدره بغضب وهى تتحرك بعشوائية حتى يفلتها من أسره ، لكن ما لبث أن انفجر ضحكه الصاخب فى الغرفة ، ثم اتجه نحو الباب بهدوء ، دون أن يلتفت إليها ، وهو يقول ببرود : هستناكي برا لحد ما تاخدي دوش .. ونخرج نفطر على البحر ولو عايزة نتفسح شوية في الجزيرة .. وبعدين نجهز نفسنا لحفلة بليل

بعد خروجه من الغرفة بلامبالاة تخفى رغبته الحارقة لإلتهامها والشعور بها مجدداً بين ذراعيه ، وقفت هي للحظة ، تضع يديها في خصرها ، ضاحكة في صمت ، بينما همست لنفسها بهسيس مغتاظ مشوب بالهيام : أكيد كشفني وفهم اللعبة .. اللئيم! يخرب بيته قلبي هيقف!

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

فى المستشفي

_يا دكتورة هالة

إلتفتت هالة إتجاه مصدر الصوت ، وتساءلت بصوت هادئ يشوبه شيء من الحيرة : ايوه يا سماح .. كنت داخلة اجهز نفسي .. انتي واقفة كدا ليه ورانا عملية!!

أجابتها سماح بهدوء : العملية اتلغت يا دكتورة

صُدمت هالة للوهلة الأولى ، قبل أن ترد بصوت يملؤه الاستفهام والدهشة : يعني ايه اتلغت؟ وازاي دا حصل وانا معرفش!!

أخذت سماح نفسًا عميقًا ، ثم تعقب بجدية : جوز المريضة كان هنا من حوالي ساعتين .. دفع حساب المستشفى .. واخد مراته ومشيو .. قبل ما حضرتك توصلي

وجه هالة اكتسى بالحيرة والاستنكار ، وهى تتساءل بإستنكار حاد : والعملية!! ازاي ياخدها وهي في حالتها دي!! مين سمحلهم بكدا؟

سماح بإختصار : دكتور فريد

في اللحظة التالية

اقتحمت هالة غرفة فريد دون أن تطرق الباب ، لتجد فريد يرفع بصره نحوها بدهشة ، بينما تقدمت هي بثقة ، عاقدة ذراعيها تحت صدرها ، وقالت بتساءل غاضب : ممكن اعرف ازاي حضرتك تلغي عملية مريضة كانسر بدون علمي!! ممكن تفسرلي؟

كتم فريد ابتسامته بصعوبة أمام هيئتها الغاضبة ، ثم رد بتهكم : وجزئية الباب اللي فتحيه ودخلتي بدون استئذان!! مش محتاجة تفسريها الاول؟!

شعرت هالة بحرج شديد ، فخفضت رأسها للحظة ، ثم قالت بهدوء : متأسفة ماخدتش بالي .. 

عادت الجدية سريعًا لملامحها، وأضافت بإستفهام مفعم بالحيرة : بس المريضة بتموت!! ليه سيبته ياخدها هو مش هيقدر يراعيها وهتدهور حالتها اكتر

نزع نظارته الطبية ، عن ملامحه الجذابة ، وأشار لها بهدوء : اتفضلي اقعدي

استأنف حديثه بجدية واضحة بعد جلوسها ، بينما يشَبَكَ أصابعه ببعضها على سطح المكتب : انا راجعت التقارير كلها للحالة .. الامل ضعيف جدا يا دكتورة هالة .. ومن خلال كلامك مع جوز المريضة هو مش عايز يخليها تتعذب علي سرير جوا مستشفي او في اوضة عمليات ودا ابسط حقوقهم

تابع فريد بسؤال : لما أنا عارضت كلامك .. فاكرة كان ردك عليا إيه؟

أومأت هالة برأسها ، ثم ردت بهدوء : ايوه قولت اننا كمان مسؤولين عن حياتها .. ليه نغامر واحنا عارفين كويس ان وضعها مش هيتحمل العملية دي؟ والنسبة الاكبر انها تفقد حياتها..

فريد بجدية أكبر : انا يومها عارضت كلامك بصفتي جراح .. وقولتلك احنا هنعمل اللي نقدر عليه .. المخاطرة جزء من مهنتنا وماينفعش اسمح لمشاعري تتحكم فيا وتدخل في مصير حياة بني ادم..

أضاف بلهجة عميقة ، وعيناه لا تفارقان عينيها : لكن لما انهارت المريضة بليل وجوزها كان هيجنن من خوفه عليها .. وفقد السيطرة علي نفسه لدرجة انه ضرب اتنين من الممرضين من عجزه انه يعملها حاجة تساعدها .. المنظر خلاني اعيد تفكير في الموضوع .. عشان كدا وافقت انه يقضي معاها اخر ايامها وهما مع بعض بعيد عن جو المستشفيات ومضيتلو خروج الصبح..

صمتت هالة للحظات ، ثم ابتلعت حرجها ، وسارعت بالاعتذار بصوت رقيق : انا ماكنتش عارفة كل دا .. انا آسفة .. اتصرفت باندفاع وقلة ذوق ..كان لازم أسمعك قبل ما أهاجمك بالعصبية دي!!

فريد بابتسامة رجولية جذابة : اعتذارك مقبول .. وبالعكس دايماً بحب أشوفك بتعترضي وتناقشي

رفع حاجبيه بابتسامة غامضة ، ثم اردف بهدوء : على فكرة .. شكلك نسيتي الدبلة مرة تانية!!

ارتبكت هالة للحظة ، وإختطفت نظرة نحو يدها التى كانت تسندها على المكتب ، قبل أن ترفع عينيها إليه بتوتر ، وقالت بتلعثم وكذب : آه .. لا مانسيتهاش .. هي بس واسعة عليّ شوية ومش لاقية وقت أوديها للصيّاغ

تراجع فريد إلى الوراء قليلا في كرسيه ،  وقال بنبرة عادية تحوى بين طياتها إلى شيء أعمق : الحبايب دايمًا ليهم الأولوية عندنا في كل حاجة .. خصوصًا الحاجات اللي بتربطنا بيهم

تظاهرت بالثبات وأجابت بإبتسامة هادئة رغم الارتباك الذي يلف مشاعرها : أيوه صح .. بس فعلاً عندي شغل كتير وكل يوم بيزيد الضغط

رفع فريد حاجبه الأيمن ، وهو يراقبها بنظراته المربكة ، وتحدث مبتسماً : الشغل من إمتى بيقل ولا بيخلص؟

سارعت هالة بالنهوض لتنهي الحوار : ربنا يقدرنا ويوفقنا .. عن إذنك انا هروح أكمل شغلي

تأمل فريد أثر خطواتها إلى الخارج للحظات ، ثم انفلتت من بين شفتيه ضحكة خافتة على كذبها الفاضح الذي لم تنجح في إخفائه ، وارتباكها المستمر أمامه يثير فيه مزيجًا غريبًا من المتعة والفضول ، هل هى محرجة من البوح له بالأمر ، أم أن هناك أمراً أخر لا تريد الإفصاح عنه ولكن فى جميع الأحوال هو يحترق شوقًا للحظة التى سيواجهها بها بالحقيقة.

☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼

فى المساء 

كان الليل يلقي برداءه الساحر على شاطئ البحر ، حيث امتزجت أنغام الموسيقى الصاخبة مع ضجيج الأمواج التي تتهادى برفق ، بينما تلألأت أضواء الحفلة كأنها نجوم هبطت لتشارك في بهجة الساهرين ، الهواء مشبع بالمرح اللهو ، وأجواء الاحتفال تفيض بالحياة التي لم تألفها إبريل من قبل.

كانت الموسيقى كالسحر ، وإبريل ترقص بخفة ، حركاتها عفوية وبسيطة ، لكنها تحمل طاقة كبيرة ، وباسم عينيه تلمعان بعشق ، وهو يشاركها الرقص والجنون.

وسط تلك الأجواء المفعمة بالنشوة ، أخرج باسم هاتفه فجأة ، وأشار لها بضحكة ليقتربا من بعضهما ، ضحكت إبريل بدورها ، واقتربت منه بخفة ، ولفت ذراعها حول رقبته ، بينما رفعت قامتها القصيرة حتى لامس وجهها دفء وجهه برقة ، وابتسامتها العريضة تشع ببهجة بريئة كأنها طفلة تكتشف العالم لأول مرة ، إلتقط الصور واحدة تلو الأخرى.

حين انشغل باسم بالنظر إلى الصور مأخوذًا بابتسامتها التي بعثرت كيانه ، انسلت إبريل مبتعدة بخفة ، لتقترب من النادل ، رفعت أحد الكؤوس عن الصينية ، وتأملته للحظة بعطش شديد قبل أن تجرعه دفعة واحدة ، شعرت بحرارة السائل اللاذع تسري في حلقها ، مما جعلها تسعل بقوة.

_ابريل!

تعالى صوت باسم فوق صخب الموسيقى ، وهو يهرول نحوها بخطوات سريعة ، ملامحه مزيج من القلق والتوبيخ.

التفتت ابريل إليه ، وأخذ الكأس الفارغ منها بينما اقترب منها أكثر برأسه ، وحذرها بصوت منخفض ، لكن نظراته حاسمة : بلاش العصير ده! مخلوط بفودكا يا إبريل

رفعت حاجبيها بدهشة حيث استمتعت بطعمه الغريب ، ثم ضحكت بعدم اكتراث : طعمه حلو أوي! 

أنهت إبريل جملتها بحماس ، ثم مدّت يدها لتأخذ كأسًا آخر ، قبل أن تتابع بنظرة ساحرة مفعمة برجاء مخملى : طب هاخد كوباية كمان بس .. عشان خاطري يا باسم!!

_ لا سيبي انتي ماتتحملهوش .. لو تعبتي مش هعرف اعملك حاجة وسط الزحمة دي؟

قال ذلك بجدية ، وهو يطالعها بنظرات جامدة بعد أن اختطف الكأس من يدها. 

اقتربت ابريل منه ، وأمسكت بكتفه تلقائيا حتى ترفع نفسها قليلا في محاولة لاسترجاع المشروب ، لكن ملامحها عبست من الغضب عندما رأته يصب محتوياته على الرمال ويرميه بعيدا ببرود ، لتدب بقدمها حنقاً ، وهي تهتف بأنفاس لاهثة من الرقص وذكرته بسأم مشوب بالذهول : ليه كدا!! مش قولتلي هننبسط يا هادم اللذات انت!!

لم يرد عليها ، إذ نسي للحظات وجود من حوله من قربها القاتل ودلالها العفوى عليه ، مع أنفاسها التي تداعب ذقنه من شدة قربها منه ، بينما هو تائهاً في فيروزيتها اللامعة سخطاً ، ليطوق خصرها بكلتا يديه حتى يجعلها تتوازن فى وقفتها ، فيما أدارت رأسها إلى الجانب هرباً من رماديتيه الثاقبة التي تحدث ارتباكاً في أعماقها.

ضاقت عيناها بدهشة ، وغمغمت بصوت هامس : بص شوف الناس الاجانب اللي وقفين قريبين منا دول بيبصو علينا اوي كدا ليه؟

نظر باسم فى اتجاه الناس المتجمعين بالقرب منهم بطرف عينه ، وتحدث بنبرة هامسة مماثلة : عادي مالهم يعني؟

خفضت نظرها إلى فستان الزفاف الأبيض الذي ترتديه ، ثم تأملته لثوانٍ قبل أن تشير برأسها نحو بدلته السوداء الأنيقة ، وهي لا تزال متمسكة بكتفيه ، قبل أن تغمز له ، مجيبة إياه بشقاوة ساخرة : اكيد فاكرين اننا بلبسنا دا .. عروسة وعريس طبعا!!

ألجمت الصدمة لسانه ، حالما أنهت جملتها بطبع قبلة خفيفة على خده ، لكنها لامست طرف شفتيه فإضطربت دواخله ،  بينما ضحكت عليه باستمتاع ، فاستجمع جأشه ، مستلماً منها زمام الأمر وهو يجذبها إلى حضنه أكثر ، ليسألها بذات الهمس : وانتي ايه رأيك؟! تيجي نلعب عروسة وعريس قدامهم!!

رمشت بأهدابها كفراشة مذهولة ، وسألته بدهشة غامرة : مش لسه عاملين كدا من شوية في حفلة نيكولاس؟

إلتقت نظراتهما للحظة قبل أن يميل نحو خدها ، ليغمره بقبلة رقيقة أرجفت قلبها ، ثم همس قرب شفتيها بصوت رجولي خشن مشبع بالإغواء : وفيها ايه لما نكررها؟

انفرجت شفتاها الرقيقتان ، وارتفعت نبضاتها بجنون متناغمة مع خففات قلبه المدوية على يدها التي وضعتها على صدره لمدى قربهما لدرجة الالتصاق ، فأردف بخفوت : اقلعي دبلتك وهلبسك الخاتم اللي قدموه نيكولاس وماغي ليكي .. مش عاوزة تنبسطي خلينا نجرب ونلعب شوية .. هنخسر ايه يعني؟!

خفضت نظرها ثانيتين ، ثم نظرت إليه مرة أخرى ، لتقابله بحاجب مرفوع ، فتابع بخبث : بس لو تعبتي بلاش؟!

سارعت ترد بحماسٍ كبير : لا هلعب هلعب

إلتوى فمه بابتسامة مشاغبة تشير إلى أشياء كارثية على وشك الحدوث ، وتمتم بنفس النغمة المتحمسة : شكلنا هننبسط اوي واحنا بنشتغل الاجانب

سحبت نفسا عميقا ببعض الارتباك ، ثم ازفرته ببطء قبل أن تجيب بابتسامة متحمسة : يلا..

نزعت الخاتم من إصبعها في حركة خفية ، ثم سلمته إياه بهدوء ، وضعه في جيبه ، ثم أخرج علبة مخملية سوداء أغلقت على خاتم ماسي ، فاخراً يتلألأ بضوء خافت ينعكس على وجهه.

فتح العلبة ببطء ، وعيناه تلتقيان بعينيها للحظة ، ثم بحركة رومانسية ركع على ركبته أمامها ، وبصوته مشبع بعاطفته الجامحة قال : أعدكِ من هذه الليلة ، وحتى يفرقنا الموت أنني سأحفظكِ في عيني كما تحفظ الزهور نور الشمس ، وأبقيكِ في قلبي كما يضم البحر أسرار أعماقه ، سأفعل كل ما يجلب لكِ السكينة والفرح ، فكل رغبة في قلبكِ هي أمر لي ، حتى لو طلبتِ نجمة من السماء ، سأرفعكِ حتى تتمكنين من قطفها بيديكِ ، يا من أسكنتِ قلبي

لمعت الدموع في عينيها الشبه مغلقتين من شدة السعادة والتأثر ، مع ابتسامتها التي تشع سحراً سلبت لبه ، ليواصل حديثه مبتسمًا بجاذبية مهلكة : هل تقبلي تكوني زوجتي؟

في هذه اللحظة

تعالت الهتافات حولهما بأصوات سياح متحمسين ، وهم يهتفون بصوت عالٍ : وافقي .. وافقي .. وافقي!

بينما يتابعون المشهد بلهفة ، ويصفقون بإعجاب ، ووجوههم تعكس الإنبهار والتأثر.

رفع باسم الخاتم بين أطراف أصابعه ، وهتف مع الجميع بإبتسامة واسعة : وافقي!

ما لبثت هي أن جثت على ركبتيها أمامه ، عينيها تلتقيان بعينيه في سكونٍ عميق ، ثم نطقت برقة ، صادقة كما لو أن قلبها كان يتحدث عن لسانها : موافقة

_مستني ايه؟ ما تدخله بقى!! 

قالت ابريل ذلك بدهشة ، وعينيها تتسعان بتساؤل، بينما تتابع حركة يده ، وهو يحاول إدخال الخاتم في إصبعها برفق ، فتمتم بصوت حائر ، وهو يركّز ببصره على الخاتم : بحاول .. بس مش راضي يدخل في صباعك!!

رفعت حاجبها بعدم رضا ، واحتل الإحراج وجهها ، لتحاول الدفاع عن نفسها : قصدك تقول ايه؟ ان العيب في صباعي؟ علي فكرة انا ماتخنتش!!

تابعت ابريل تحثه بإبتسامة متوترة : حاول تاني .. شكلي بقي يكسف قدام الاجانب

زفر باسم بإحباط مؤكداً بصوت منخفض متأفف : شكلك تخنتي بجد

ترقرق الضيق فى نبرات صوتها : لا والله .. حاول جامد بس

تنفس باسم بعمق ، وقال بتحذير : بس كدا هيوجعك يا ابريل!!

رددت ابريل بتصميم : هستحمل هستحمل

أطلق باسم زفرة أخرى بإستسلام : خلاص انتي حرة بقي ماتلومنيش!!

ألمٌ حارق اجتاح أصبعها حين مر الخاتم إلى نهايته ، فانبثق العبوس على وجهها ، وهى تئن بخفوت ، ليتساءل بقلق : اتوجعتي؟

برمت ابريل شفتيها بتذمر : وجعني طبعا .. بس مش مهم الوجع المهم انه دخل اخيرا

أنهت كلماتها بضحكة راضية ، فقهقه معها براحة ، بينما رفعت ذراعها فى الهواء لتجذب الأنظار نحو الخاتم ، وهتفت بصوتٍ مشبع بالحماسة : هنئوني!

انطلقت صيحات التهليل والتصفيق، لتملأ المكان دفئًا وحيوية ، بينما ينهض باسم من علي الرمال ، محتضنًا خصرها بين ذراعيه القويتين ، ورفعها معه بخفة لتشعر ان قلبها يحلّق بجناحين فوق سحاب من السحر ، لا يثقلها خوف ولا يطاردها قلق ، فقط شعور عميق بالسعادة يشدها نحوه ، ثم بتهور ألقت بنفسها بين ذراعيه بعشق معانقة اياه للحظات ، بينما تعالت أصوات الجميع : قبل العروس .. قبل العروس!!

تلاشت الابتسامة من شفتيها بصدمة ،  واحتل الاضطراب عقلها ، بينما نظراتها تتلاقى مع إقتراب وجهه منها ببطء ، ويلامس وجهها بهدوء ، لترفع قليلاً قامتها تجاهه ، فيما ارتسمت على شفتيها ابتسامة تُمزج الإرتباك بالإثارة.

تلاحمت أنفاسه مع أنفاسها في سيمفونية حالمة ، تنبض بينهما كأنها لحن من عشقٍ أبدي ، قبل أن تتسع عيناه في ذهول عارم ، وهو يشعر بجسدها يرتخي بين ذراعيه ، ثم سقطت مغشياً عليها ، ليتهاوى معها قلبه الهادر بعنف على الرمال.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1