رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثامن 8 بقلم نورهان محسن


 رواية جوازة ابريل الجزء الثالث الفصل الثامن بقلم نورهان محسن

"أنتِ العاصفة التي تسحقني ، 
والشوق الذي يقطع أنفاسي ،
كل لمسة منكِ تحدد مصيري ، 
كل همسة منكِ تزلزل أعماقي ،
لا أطلب منكِ سوى أن تملكينني ، 
أن تذوبين في كل ركنٍ مني ،
أنتِ البحر الذي أغرق فيه بلهفتي ، والسماء التي أحتجز فيها عذابي ،
كل لحظة بعيدا عنكِ هي موتٌ بطيء ، وكل لحظة معكِ هي لذة لا أريد لها أن تنتهي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تلاحمت أنفاسه مع أنفاسها في سيمفونية حالمة ، تنبض بينهما كأنها لحن من عشقٍ أبدي ، قبل أن تتسع عيناه في ذهول عارم ، وهو يشعر بجسدها يرتخي بين ذراعيه ، ثم سقطت مغشياً عليها ، ليتهاوى معها قلبه الهادر بعنف على الرمال.

جثي بها على الرمال ، ورفع جذعها ليُسنده على معدته ، بينما أصابعه المرتعشة مرت على خدها بقلق مكبوت إنعكس علي ملامحه ، وصوته المختنق بالخوف يناديها : إبريل! حبيبتي! ردي عليا .. انتي كويسة؟ إبريل!

اقترب وجهه منها أكثر ، حتى كاد أن يلتصق بأنفاسها ، يراقب حركة صدرها لا صوت حاد يخرج منه يشعره بالخطر ، فزفر براحة ثقيلة حين تأكد أن نوبة الربو لم تصبها ، وأنها فقط غاصت في سبات عميق من التعب.

من خلفه ، تردد صوت السياح بضحكات وهتافات عالية ، غير مدركين لعالمه المنعزل في تلك اللحظة ، رفع ذراعه مشيراً لهم بإنهاء الاحتفال قائلاً بالإنجليزية بصوت ثابت : حسنًا ، شكرًا لكم، ليلة سعيدة جميعًا! 

عاد بنظره إليها، ليراها على حالها ، فابتسم بسخرية ، ورفعها بين ذراعيه ، وسار بها بخطوات هادئة ، يدور بنظره في المكان المظلم ، وقد ضل طريق الغرفة ، لم تمضِ لحظات حتى رفّت أهدابها الثقيلة ، وابتسمت بخفة ، تنظر إليه بتساؤل : احنا مشينا من الحفلة مش كدا؟"

تجمدت قدميه فى الحال ، وعيناه تتسعان بدهشة مذهولة ، وبصوت مثقل بالاستغراب والشك سأل : يعني .. انتي كل دا فايقة وماكنتيش نايمة؟

ضحكت بخبث طفولي : مالقتش وسيلة للهروب غير دي .. أومال يعني كنت عايزني أسيبك تبوسني قدام الأجانب؟!"

ضحك رغمًا عنه ، بمشاعر متناقضة بين غيظه وإعجابه بها ، وهمس بنبرة مغتاظة : حريفة هروب ومعجونة بمية أبالسة!

_انا يا حبيبي؟!

تصنعت البراءة بغنج ماكر ، وهي تضع كفها فوق وجنته ، لكنه أسرع بإبعاد وجهه عن متناول أصابعها الباردة ورد بإنزعاج : إيدك زي التلج!

ابريل بتبرم : طيب مستني إيه؟ نزلني بقى

أنزلها على الأرض بحذر ، ليشعر بآلامٍ خفيفة في ظهره بسبب حملها ، بينما وقفت بتوازن مهتز محاولة السير ، لكنه أخرج حذاءها من جيوبه ، ورفعه أمام وجهها مباشرة ، لتأخذه بتذمر واضح.

خطت خطوتين بتشوش ، ولكن سرعان ما اصطدمت به بلا وعي ، أسندها بيديه وهو يبعدها عن صدره قليلاً ، ناظرًا إلى عينيها النصف مغمضتين ، متسائلا بعدم رضا : هتمشي إزاي وانتي نايمة على نفسك؟

شعرت كأن السؤال جاء من مكان بعيد
، لكنها دفعت يديه عن ذراعيها بعناد ،  وخرج صوتها ضعيفاً مبهماً : هعرف أمشي!

رد باسم بسخرية مشوبة بالشك : متأكدة؟

نظرت حولها برؤية غارقة في ضبابية الخمر والنعاس ، ثم أجابته ببطء : آه .. بس .. هي فين؟!

رفع باسم حاجبيه ، وهو يسألها بدهشة : "بتدوري على إيه؟

ردت ابريل ببساطة : الأوضة...

أحاط كتفها بذراعه حينما كادت أن تسقط ، بينما ضحكته المرحة تنتشر في الهواء : واضح إنك مصحصحة أوي يا حبيبتي

رفعت وجهها نحوه بنظراتٍ تتسلل منها براءةٌ وتشوش ، وبهمسٍ مليء بالتعب قالت : يلا خدنا على الأوضة .. خليني أنام

فجأة هبطت على عقبيها ممسكة بطنها ، لتئن بألم مكبوت ، فانحنى باسم أمامها ، يداه تستند على ركبتيه بقلق : قعدتي كده ليه؟ مالك؟

همست بخجل ، وجهها يتلون بحمرة الآحراج : عايزة أروح الحمام!

جحظت عيناه بصدمة ، وهمس بنبرة متفاجئة : نعم يا أختي؟!

ردت ابريل بتقطع : شربت عصير كتير .. محتاجة أروح الحمام حالًا قبل ما المثانة تنفجر!

مسح باسم على وجهه بيده محاولاً السيطرة على ارتباكه ، وتساءل بحذر : وقاعدة كده ليه؟ أكيد مش هتفضحينا تعمليها هنا؟!

أجابت ابريل بانفعال : انت عارف خطر قد إيه حاجة زي دي تتكتم؟!

رفع باسم يديه أمامها ، وهو يحادثها بصوت هادئ ، محاولاً منعها من فعل ما تفكر فيه : امسكي نفسك يا حبيبتي!

حاوطت ابريل نفسها بذراعيها أكثر ، وهى تتألم وصاحت بنبرة متوسلة : مش قادرة... مش قادرة!

ألقى باسم نظرة سريعة على رقم الغرفة المنقوش على المفتاح ، ثم التف حوله في محاولة التركيز وسط الظلام ، وهو يهمس بتحذير متوتر : حاولي معلش .. الاوضة اخر الطرقة مش بعيدة يعني

هزت ابريل رأسها بألم يعتصر أحشائها ، فزفر بعمق ومد يديه لمساعدتها على الوقوف ، وهو يقول بسرعة : يلا قومي معايا!

تأوهت ابريل برفض ، وعادت لتحيط نفسها بذراعيها ، محاولًة جاهدة السيطرة على تماسكها : لالا .. ماتحركنيش أنا على شعراية والله

تسارعت نبضاته بعنف ، وهتف بنبرة مضطربة يكسوها غضب مكتوم : كمان!! اعمل ايه فيكي دلوقتي يا مجنونة؟

خرجت الحروف عنوة من بين شفتيها : وحياة أبوك اتصرف بسرعة يا باسم!!

أعطاها باسم ظهره ، وآمرها بحسم : طلعي على ضهري .. يلا علي مهلك!

ترددت ابريل لوهلة ، لكنها امتثلت لآمره ، وتشبثت بعنقه بكلتا يديها ، فرفعها بتأنٍ ، وساقيها ملتفتان حول جانبيه ، ليحمر وجهه بقوة ، وهو يشعر أن أنفاسه تكاد تنقطع من شدة الإختناق : براحة هتخنق! إنتي قافشة حرامي!

سعل باسم بخفوت وهو يبعد يدها عن حنجرته ، ثم هرول بها في الممر ، متجهًا نحو الغرفة بأسرع ما يمكنه.

✾♪✾♪✾♪✾♪✾

وقف مستندًا بظهره إلى الحائط المجاور للحمام ، وذراعاه متشابكتان أمام صدره بتململ واضح ، 

دحرج عيناه بين عقارب ساعة معصمه ، وبين الباب المغلق أمامه ، وصوته اخترق الصمت أخيرًا ، محاولًا تهدئة ما بداخله من قلق : إبريل! بقيتي عاملة إيه دلوقتي؟

انتظر لحظة ، لكن لم يتلقَ ردًا ، ضغط بأسنانه على شفتيه ، والنفَس الذي زفره خرج ممتزجًا بنبرة فقدت صبرها :
طيب .. خلصتي ولا إيه ظروفك؟ 

تسللت لمحة من القلق إلى نبرته ، وهو يطرق الباب بعنف خفيف يمتزج بلهجة تهديد : ردي بدل ما أكسر الزفت الباب ده!

كتم أنفاسه لثوانٍ ، ينتظر سماع صوتها ، لكن الصمت ظل سيد المكان ، مد يده نحو مقبض الباب وضغط عليه بقوة ، ليفتح بسهولة عكس توقعاته ، لم يكن مغلقًا من الداخل ، مما أثار ذعره أكثر.

تردد للحظة في الدخول ، وهناك صراع داخلي بين خوفه مما قد يراه ، وبين يقينه بضرورة الاطمئنان عليها ، حسم أمره أخيرًا ، مقنعًا نفسه أنه لابد من التأكد أنها لم ترتكب حماقة.

خطا إلى الداخل بخطوات متثاقلة مشبعة بحذر غريزي ، بينما عيناه تجولتا في كل ركن بالمكان ، لكنه لم يجد لها أثرًا ، حتى وقع نظره على حوض الاستحمام ، اتسعت عيناه بدهشة امتزجت بضحة مليئة بالتعجب وهو يراها ممددة داخله ، كأنها طفلة صغيرة غارقة في نوم هادئ ، غير واعية بما أثارته من فوضى داخله.

جلس على حافة الحوض ، يمرر يده على شعره بتوتر ، وهو يرمقها بنظرة لا تخلو من الذهول من تصرفها الغريب : يخربيت جنانك! إيه اللي منيمك في البانيو كده؟

بدأت تستفيق ببطء على صوته الساخر ، وجفونها تتحرك بتثاقل ، لكنها لم تجب ، تابع بصوته الحازم ، مشوبًا بتوتر حاول إخفاءه : قومي من عندك .. يلا قومي

رفعت رأسها نحوه ، وتثاءبت بنعاس ، متمتمة بنبرة مشحونة بالضيق : إيه؟ ما تزعقش .. دا انت مزعج!!

مدت يدها إليه بتكاسل وهي تقول برقة :
هات إيدك .. قومني

أمسك يدها سريعًا بسخط مكبوت ، ولم يستطع كبح نبرة التوبيخ التي تسللت إلى صوته : ماينفعش تنامي في الحمام! عايزة تتلبسي ولا إيه؟

رفعت ساقها لتخرج من الحوض ، وقالت بعناد طفولي : أنا كنت نايمة؟ لا محصلش

ارتفع حاجبه بتهكم خفيف ، ليقول بإبتسامة ساخرة : يخربيت الكذب اللي في دمك ده!

رمقته بتثاقل ، وصوتها خرج بتيه : هنروح فين؟

أطلق ضحكة عفوية ، وهو يقول بنبرة هازئة : هنخرج من الحمام يا تايهة

تمتمت بسخط ، وهي تواصل طريقها نحو الباب : يا تقل دم أمك يا شيخ!

حبس الضحكة في حلقه ، لكن زوايا قلبه ارتجّت بجنون مكبوت ، يعصف بكيانه وهي تتجسد أمامه بهذا الجمال العفوي المثير ، طولها القصير وحركاتها العشوائية البريئة لم تزد النار إلا اشتعالًا لإلتهامها ، وكأنها تناديه بلا وعي لتروي عطشه الذي يكاد يفتك به.

طرد تلك الأفكار من رأسه سريعًا ، وتبعها بخطوات ثابتة وهو يردد بصوت أجش : حاسبي .. حاسبي الباب!

ردت ابريل بتلقائية ، وهي تفتح الباب دون أن تنظر إليه : أكيد ما كنتش هدخل فيه!

_طيب .. تعالي من هنا

تمتم بحنق وهو يلاحقها نحو الصالة ، حتى توقفت فجأة وإلتفتت إليه بوجه يعتليه عبوس محبب : أنا عطشانة

_هجيبلك ميه؟

هزت رأسها برفض سريع لقوله ، قبل أن تشير إلى زجاجة على الطاولة : لا مية إيه! حرام الإزازة دي ما تلاقيش حد يشربها

اندفعت فور انتهائها من حديثها نحو الزجاجة ، تقبض عليها بكلتا يديها بحماس ، تحاول فتح الغطاء وهى ترجها بإصرار ،  فاقترب منها بخطوات سريعة ، وهو يقول بتحذير هزلى : حاسبي يا مجنونة .. كده هتنفجر! عايزنا نستحمي بيها مش نشربها؟

خطفها من يديها بحركة واثقة ، وفتح الغطاء بسهولة جعلتها تتنهد غيظًا ، قائلا بنبرة تجمع بين السخرية والدعابة : دا انتي ماكنتيش عارفة تفتحي كنز شويبس .. ناسية ولا أفكرك؟

رفعت عينيها نحوه ، وقد تلبّست ملامحها بعبوس مرتبك ، ثم تمتمت بغيظ : يا علي قلبك الأسود!

صبّ قليلًا في الكأس ومدّه نحوها بابتسامة جانبية ، نظرت إليه بدهشة ، ثم رفعت حاجبها وهي تقول بلهجة متذمرة : أنت مديني الكاس فاضي! إيه دا؟

مرر أصابعه عبر خصلات شعرها ، فشعرت بدفء يسرى فى أوصالها ، ونبرته خرجت عميقة كهدير منخفض : كفاية دول على قدك .. عشان ماتتعبيش

بملامح يكسوها شبح حزن دفين ، تمتمت بشرود فجأة : تعرف .. طول عمري ببعد عن كل حاجة تضرني عشان ماتعبش .. وستي وجدي يحتاسو فيا .. وكدا كدا ماما و بابا عمرهم ماكانو هيسألو فيا حتي لو عرفوا اني بموت اصلا حتي معرفش كان هيبقي عندهم وقت يجو يدفنوني ولالا!! 

أطلقت تنهيدة عميقة قبل أن تبتلع المشروب دفعة واحدة ، ليضاهي لذعته المرارة التي تسكن قلبها : خلاص بقا .. انا عايزة اجرب كل حاجة فاتتني في الدنيا دي حتي لو هسيبها بكرا الصبح 

عانقتها نظراته بخوف خفى ، والألم يغلي في صدره كخنجر بطيء الغرس من فكرة فقدانها لكنه قاوم شعوره بابتسامة باهتة ، يغيّر بها مسار الحديث : طيب... مش كنتي عايزة تنامي؟

هزت رأسها نافية بحماس مفاجئ : لا! تيجي نلعب؟

تأملها بريبة ، يقرأ في تقلب مزاجها أثر المشروب : نلعب إيه؟

قضمت شفتها بتفكير ، فطوقه ضباب من الشوق ، عصف بكل جزء في كيانه : نسأل بعض اسئله .. وللي يجاوب يشرب كاس من الامورة دي .. واللي يتهرب من السؤال .. يتعاقب

رفع حاجبه بسخرية من جنونها : انا مش هخرج الف حوالين المكان والجو الحمضان دا!! انا شايف قدامي بالعافية؟

_خلاص اللي مايجاوبش هيحكم عليه يقلع حاجة لابسها

صدمته فكرتها المتهورة ، لكنه لم يلبث أن أُعجب بها ، فتألقت عيناه الرماديتان بحماس خبيث ، ليتراجع بخفة مستندًا إلى الطاولة ، قائلاً بصوت مشبع بالمكر الرجولى : يعني انتي عندك جراءة تتحداني وتجاوبي علي اسئلتي .. ولا هتقلعي يا بندقة؟

دفعت خصلات شعرها إلى الوراء بثقة مفرطة ، وعيناها تشعان تحديًا : انا معنديش حاجة اخبيها علي فكرة .. ها موافق ولالا؟

تجرع من كأسه ببطء قبل أن يجيبها بثقة لا متناهية وشغفاً جارفاً يلون نبراته : موافق وواثق اني هكسب .. بس انتي متأكدة انك عايزة تخسري قدامي؟

تحدَّته نظراتها بابتسامة صغيرة ، ونطقت بنبرة مليئة بالإصرار : مش هخسر وهتشوف

استمروا في اللعب ، تغمرهم أجواء من الضحك والمرح ، وكلما تعمقوا في التحدي والإندفاع ، ازداد الحماس في أعماقهم ، وكأن كل حركة كانت تغذي نيران الإثارة بينهما ، وفي كل مرة يخسر أحدهما ، كانت قطعة من ملابسه أو إكسسواراته تختفي ، حتى أصبح نصف جسد باسم عاريًا ، بينما قامت إبريل بنزع كل الإكسسوارات التي تزين شعرها وأصابع يديها.

حدجته بنظرة مذهولة مما قاله ، ثم بهمهمة ناعمة احتجت : لا بقي انت بتستهبل!! احكامك صعبة يا باسم .. مش انا لسه رقصة زي البجعة دلوقتي! وانت ضحكت لما شبعت؟! كفاية كدا..

قابل توسلاتها بابتسامة عابثة تقطر استفزاز وجراءة ، فقلبه العاشق لا يجد لذته إلا في تحديها وتوترها : وانا مالي مش انتي اللي اتحديتيني من الاول يا حبيبتي!!

عبست ابريل بوجه محتقن من الغيظ والحرج ، وتحدثت برقة : ايوه .. بس انا بحكم بحاجات سهلة

قبض باسم على كتفها بضغط خفيف ، وعيناه تومضان بالحنق ، وهو يجز على أسنانه بقسوة : سهلة!! انا تخليني احط روچ يا بنت العفاريت وتقوليلي سهلة..

سحبت ذراعها من قبضته ، وانطلقت ضحكاتها المنتصرة الشقية ، لتشعل استفزازه فأردف بوعيد غاضب : ماشي هيطلعو علي عينيكي

هزت كتفيها بخفة ، وقوسَت شفتيها في مزيج من الاستهجان والعجز : وانا مش بعرف اتكلم اسباني همثل ازاي بالاسباني .. قول حاجة سهلة شوية؟

زفر بضجر ، وعينيه الرماديتين تلمعان بتحدٍ خبيث : شكلك هتحمرقي كتير يا ابريل .. يلا يا تنفذي الحكم يا تقلعي

رفعت ذراعيها أمام بصره ، وقالت بإحباط ممتعض : ما خلاص انت اخدت كل حاجة!! اهو مش باقي حاجة معايا 

_لسه باقيلك حاجة

أشار باسم إلى فستان الزفاف الأبيض الذي ترتديه بغمزة ماكرة ممَ جعل شهقة خافتة تفر من فمها ، ووجهها يتلون بصدمة وخجل من تلميحه الوقح.

_لا!! خلاص مش لاعبة..

قالتها إبريل برفض مستنكر ، ونهضت مسرعة من على الأرض ، تحاول الفرار منه ، بينما تبعها وهو يصرخ بإصرار : تعالي هنا يا نصابة

ركض باسم خلفها بخطوات واسعة ، فامتلأ المكان بصراخها الممزوج بالضحكات العفوية بجنون مرح ، قبل أن يأسر خصرها بين ذراعيه ، محاصرًا إياها عند إحدى الزوايا ، فاستندا إلى الحائط ، وارتفعت أنفاسهما من ضحكٍ ولهوٍ.

مسح باسم على شعرها الناعم ، متمتمًا بأنفاس متقطعة : خلاص .. مستعد اشفق عليكي واغير الحكم

أومأت برأسها في فضولٍ متوجس ، وسألته بتوتر قبل أن تنجح في فك حصار ذراعيه عنها : وهيكون ايه بقي؟

دنا بوجهه منها ، ورماديتيه يسحبانها في تيار عميق من السحر ، ليهمس بصوتٍ أجش تغلغل في أوردتها : بوسيني

نبض قلبها بعنف ، واشتعلت وجنتاها بنيران الخجل ، ثم همهمت بتلعثم : لا .. مش هقدر اعمل كدا كمان

باسم بصوت منخفض ، وعيناه تأسر فيروزيتيها بتحدي : وهي دي هتبقى أول مرة .. ولا لسه مش فاكرة اللي عملتيه إمبارح؟

عجز لسانها عن الرد ، فتابع بسؤال عابث : ولا انتي جبانة ومش جريئة زي مابتحاولي تبيني؟

ابتعدت إبريل عنه قليلاً ، وعارضت بعنادٍ طفولي تدارى به خجلها الواضح : انا اللي جبانة ولا انت اللي قليل الادب!! وعلي فكرة انت كدا هتخليني احرم العب معاك تاني!!

أوقف محاولاتها العبثية للتملص والمراوغة ، وهو يضع يده على خصرها بلطف حاد ، فارتعشت شفتيها بابتسامة متوترة : طيب شوف حاجة تانية؟

مال برأسه جانباً قبل أن يخبرها بجمود حاسم ، يتنافى مع وميض رماديتيه بعواصف عاتية من العشق : يا تبوسيني يا نرجع للحكم الاولاني

لم يترك لها مجالًا للهروب ، ففي لحظة خاطفة ، لف يديه الدافئتين حول كتفيها برفق قاسٍ ، وجذبها نحوه كما لو أن الطريق إليه هو مصيرها الوحيد ، فرفعت رأسها إليه ببطءٍ ، وفيروزيتها تتراقصان بين الرغبة والمقاومة الواهية ، بينما عينيه تلمعان بشيء لا يمكن تفسيره سوى بالهيام. 

إرتعشت أناملها عند ملامسة صدره بمزيج غريب من الإضطراب والإفتتان ، ثم التفَّت ذراعيها حول عنقه ، لتؤججه في لهيب متقد بالوله ، وهو خفض رأسه برغبةٍ ملحة نحوها ، مترقبًا خطوتها التالية بتوق ، بينما عطر أنفاسها الحار المختلط بالياسمين ، تسرب إلى رئتيه كلسعة بركانٍ ثائر ، أشعل جسده بحمم نارٍية لا ترحم.

ارتفعت على أطراف أصابع قدميها ، وعينيها مغلقتان في هدوء يتناقض مع العاصفة التي تهز قلبها بعنفٍ لذيذ ، ثم أطبقت شفتيها على خاصته ، مقبلة إياه برقة قاتلة ، زلزلت أركان روحه ، واطاحت بما تبقى من ثباته ، لتتحرر وحوشه شوقه العاتية بجنون.

أغمض عينيه في تيهٍ مستسلمًا للإنتشاء الذى يغمر كيانه ، ليطوق خصرها بقوة حانية ، بينما يحاصرها بين الجدار الآخر وقبلها بنهم وشغفٍ ناري ، حتى ضلت طريق العودة وهى تغرق معه في بحرٍ من الجنون واللهفة ، وحواسها مغمورة برائحته ودفء أحضانه الذى أذابت خلاياها.

ابتعد عنها بصعوبة ، ليمنحهما لحظة لالتقاط أنفاسهما المحمومة ، وكل نبضة في صدره الهادر أشبه بصرخة شوق تكاد تفتت جسده ، وسرعان ما عاد يوقد ثناياها بأنفاسه الحممية فوق خديها المتوهجين كزهرتين فتانتين تحت ضوء القمر ، ثم انزلقت قبلاته بغزارة كسيول متدفقة على غصن عنقها المرمري ، وأصابعه تغرق فى خصلات شعرها بتملكٍ شرس ، قبل أن تندلع نيران شوقه لتحرق كل قيوده ، مُلتهمًا كرزيتيها الشهيتين بنهمٍ جائعٍ لا يعرف للشبع طريقاً ، لتتسابق اللهفة بينهما مع تبدّل الفصول في صدورهم بلا هوادة.

نزع عنها الفستان ببطءٍ ، لينسلُّ على الأرض تدريجيًا ، ثم احتضنها بقوةٍ حانية ، ليمضي خطواته نحو الأمام
، قبل أن ينحني فوقها على الفراش ، مغلفًا إياها بهالة من العشق ، ولا يزال يمطرها بلمساته الرقيقة ، وقبلاته الشغوفة التى جعلت جسدها ينصهر كالجليد أمام لهيب بركان عشقه الخاص.

✾♪✾♪✾♪✾♪✾

في صباح اليوم التالي

استيقظت إبريل على وقع صداع رهيب كالمطرقة الثقيلة التي تهوي على جمجمتها بقسوة ، بينما عيونها مازالت ثقيلة بالكاد استطاعت فتحهما ، جلست على السرير بصعوبة ، وهى تشعر بجسدها متهالك كأنما يرفض التعاون معها ، رفعت يدها ضاغطة على جبهتها بإنزعاج من الألم ، لتقع أنظارها إلى الأسفل فرأت نفسها عارية تماماً بين الأغطية البيضاء ، ليفزع قلبها مثل موج هائج يضرب صخور صدرها بلا رحمة.

دفنت طرف الملاءة في فمها ، تكتم بها شهقتها المرتعدة ، وعيناها تجوبان الغرفة بحيرة ، حتى توقفت نظراتها عند الزجاج الشفاف للحمام الداخلي ، حيث كان باسم يقف عاريًا تحت الماء المتناثر فوق جسده ، بينما ظهره موجه إليها ، غافلًا عن عينَيها اللتين توسعتا بذعر كأنها على وشك أن تُصاب بسكتة قلبية من هول ما رأت.

جف حلقها كأن لسانها قد التصق بسقف فمها ، وغمرها شعور بالاختناق كأن الهواء قد تلاشى فجأة من حولها ، لتميل بجسدها باحثة عن البخاخ بعجلة على سطح الكومود ، لكنها لم تدرك أنها على حافة السرير ، ففقدت توازنها لتسقط على الأرض بقوة ، فارتطمت رأسها بالجدار مما جعلها تصرخ بألم شديد.

خرج باسم من الحمام بهدوء ، يلتف حول خصره منشفة كبيرة ، لكن ما إن لمح ما حدث حتى تجمدت ملامحه للحظة ، وامتلأت عيناه بدهشةٍ وقلقٍ ، ثم دون تردد ، اندفع نحوها بسرعة ، والحيرة والتوتر يتجليان فى صوته سؤاله : ايه للي وقعك من علي السرير!! حصلك حاجة؟

لوحت له بيدها في إشارة حادة بالتراجع ، بينما تهدر بغضبٍ عارم وتحذيرٍ : خليك عندك ماتقربش مني

تجمدت قدماه في مكانهما بعدم فهم ، بينما واصلت حديثها بنبرة مبحوحة ، وهي ترفع الملاءة حتى أنفها : انا ايه اللي مخليني بالشكل دا!! انت عملت فيا ايه؟

رفع حاجبه الأيمن ببرود ، حيث كان يتوقع ما حدث ، بعد أن غرقا ليلة أمس في حالة سُكرٍ تامة ، استفاق بالصباح ليجد عقله مشوشًا مثلها ، ولكن سرعان ما بدأت التفاصيل تتضح له ، فيما هى  مازالت غارقة في ضباب التشويش ، لذا رد عليها بابتسامة ساخرة : هكون عملت ايه يعني؟ 

تابع بهدوء ، وهو يمرر يده بإرتباك في شعره المبلل ، واليد الأخرى على خصره : انتي بس مش فاكرة حاجة من اللي حصل امبارح عشان متعصبة .. اهدي شوية عشان تركزي وهتفتكري

استمرت في التحديق حولها بعينيها الزائغتين ، كأنها تحاول استيعاب ما حدث ، فاقترب منها بخطوات بطيئة ، لمساعدتها على النهوض ، لكنها ارتبكت خوفًا من أن يراها عارية ، مدت يدها سريعًا نحو الوسادة على السرير ، وألقتها في وجهه ، بينما صراخها المذعور يختلط بتذمر : امشي بعيد انا مش لابسة حاجة!!

باسم مردداً : انا عاوز اساعدك تقومي بس

ردت بصوت متردد ، يملؤه الحرج : لا هقوم لوحدي

_خدي دا البسيه

قال باسم ذلك ، وهو يقذف قميصه نحوها ، فالتقطته بسرعة ، واختبأت عن عينيه تحت الملاءة بسرعة ، ضغط على شفتيه ، محاولًا كبح ضحكته الساخرة التي كادت تنفجر ، فعقله قد حفظ عن ظهر قلب كل تفاصيل أنوثتها الساحرة ، 
ليشعر بحرارةٍ تتسرب إلى أعماقه ، وشوقٍ جارف يملأ قلبه وهو يسترجع كل لحظة قضياها معًا طوال الليل.

_دلوقتي تصحصحي وتفتكري علي مهلك

همهم باسم بزفرة عميقة ، وتوترت نظراته برغبة ، وهو يراها تخرج من خلف الغطاء ، ترتدي قميصه الذي وصل إلى أعلى ركبتيها ، ليكشف عن جمالها الذى يلهب حواسه.

_افتكر ايه؟ 

تساءلت إبريل بصوت واهن مثقل بألم ينهش رأسها، وهي تقلب بين الأغطية بارتباك محموم بحثًا عن بخاخها ، لكن تيبّس جسدها لوهلة ، وعيناها تتثبتان على بقعة قانية تخضب السرير.

دحرجت عينيها نحوه ببطء ، كأنهما تجرّان خلفهما ثقل الصدمة ، لتلتقي نظراتها المشبعة بالدموع بنظراته الغامضة ، قبل أن تنطق بصوت متحشرج : دا محصلش .. صح!! محصلش؟

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1