رواية علاقات سامة الفصل السابع
لم يكن أمامها خيارا أخر، وضعت الطعام، لم تشاركه؛ فلا رغبة لها للطعام، بدأت ما طلب بعيدا عنه كي لا يعنفها، انتهي فأعدت الشاي، ثم بدل ملابسه ليغادر المنزل؛ فتنفست هي الصُعداء، أخيرًا تحررت منه ولو للقليل من الوقت، عدة ساعات كفيلة بإعادة روحها وشعورها أنها ما زالت على قيد الحياة.
أخيرًا انتهت من تنظيف البيت نفذت طاقتها أيضًا، هربت إلى النوم لينتهي اليوم، وتجدد طاقتها لتتحمل المزيد.
يوم ترابي وشمس غائمة تشبه حياة طيف التي بدأت في ساعاته الأولى بإعداد ما ستقدمه للضيف القادم، جهزت ما سترتديه وبالطبع لم يكن بجديد، انتهت من واجباتها المنزلية كخادمة كما تشعر ويشعرها والدها ويؤكد لها أحيانًا تلك المعلومة بكل صراحة متبجحة، ثم دخلت غرفتها بعد أن تأكدت أنه لا يريد شيء، ثم بدأت الاهتمام بدروسها حتى حل المساء وأتي موعد حضور الضيف، الذي كان دقيقًا في موعده؛ فأتي مع دقات الساعة، كانت هي أيضًا مستعدة تمتثل لوالدها بطاعة متناهية كي لا تحظى بأي إهانات أمام ضيفهما وعريسها المزعوم.
استقبل والدها الضيف بترحاب شديد؛ فهو من سيخلصه من عبئه الكبير والأخير، سيصبح بسببه حرًا، لن ينفق أمواله على أحد سواه، أو يعبئ بأحد غير نفسه، هو فقط، تلك هي راحته. أجلسه بغرفة الصالون وهي ارتدت ملابسها سريعا، أعدت واجب الضيافة، وضعته على صينية الضيوف، وتقدمت بخطي مُثقلة خجلة من كل شيء حتى نفسها، تنحنحت، دخلت والقت السلام، فحدثها والدها أمرًا
- اقعدي يا طيف، عريسك عايز يتكلم معاكي.
وضعت ما بيدها وما زالت مخفضة رأسها، لا تعلم بخجل أم خزي وجلست بأقرب مقعد لها.
- قومي اقعدي في الكرسي قدامه هو عايز يشوفك بوضوح وارفعي وشك خليه يشوفك عِدل.
طريقة حديثه تلك زادت إحراجها اربكتها منعت دموعها من الهطول بصعوبة، غَضَب والدها، ظهر ذلك على وجهه الذي لم تره بعد، كاد أن يعنفها لولا نظرات الضيف له، التي أمرته بالتوقف والمغادرة، فتحرك واقترب منها وهمس بجانب أذنها؛
- اتلمي واسمعي الكلام بدل ما أعدلك أنا.
ترك الغرفة والضيف لا زال جالسًا بهدوء وعلى وجهه بسمة كبسمة المنتصر، وبعد خروج والدها تحدث بهدوء:
- ما تتكسفيش كده أنا عارف إن ده أسلوبه.
لم تزيدها كلماته إلا حرجًا، وبدا هو قاصدًا لما تفوه، فأكمل بثقة متناهية وبسمة مرسومة على وجهه:
- دا ما يمنعش اني عايز اشوفك كويس، من غير كسوف أنا هبقي جوزك قريب، ارفعي راسك وتعالى اقعدي مكان باباكِ، قربي.
تحركت تنفذ بطاعة اسعدته وارضته، لكنها ما زالت تخفض وجهها تحدث بجدية وصوت بدا أمرًا.
- ارفعي راسك مش بحب اتكلم غير واللي قدامي باصص لي، عايز اشوف تعابير وشك كويس.
كلامه ألمها وأرعبها، استمعت بجانب حروفه إلى أوامر أكثر حدة من والدها، بالرغم من هدوئه وصوته المنخفض، ارتجف قلبها وانقبض؛ فنفذت ما طلب بصمت، فعادت ابتسامته الهادئة له مرة أخرى.
- أنا شوفتك في الجامعة مع صاحبتك، مش عايز وقوف مع أي شاب، الدكاترة والمعيدين عشان الدراسة غير كده لأ، لو حصل غير كدة هضطر أدخل عمي، كتب الكتاب بعد أسبوعين، الأسبوع الجاي والدتي هتيجي معايا هتحبيها، هى طيبة زيك كده
مع جملته الأخيرة رفعت رأسها فابتسم يطمئنهاثم استرسل:
- والدى هيجي في كتب الكتاب، بعد كده هتسمعي كلامي أنا بس، عمي مش هيتدخل في حاجة ولو زعلك قولى لى.
ابتسمت وتسائلت أيهتم بها حقًا؟! واستمعت لباقي كلماته:
- طبعا هاخدك تشوفي الشقة وتجهزيها زي ما تحبي، هتكون في نفس العمارة مع والدتي؛ لأني وحيدها، بس شئونا منفصلة تمامًا عنها، يعني في خصوصية في كل حاجة؛ لأني ما أحبش أخبارنا تكون متداولة، لو عايزة أي حاجة من دلوقتي عرفيني، ما تطلبيش من عمي حاجة ومش عايز اي إحراج، بقينا واحد ماشي.
أومأت له موافقة، بالرغم من أن حديثه معها من المفترض أن يطمئنها إلا أنه زادها قلقًا وتوترًا؛ فنظراته تتفحصها بدقة، يدرس تعابيرها، نظراتها، شعرت وكأنَّه اخترق رأسها وقرأ أفكارها، وكأنَّ مقلتيه تخبرها أنه يسمع صمتها ويعلم ما تهمس به لنفسها، فتحت عينها باتساع مندهشه مما تُعلمها به تعابير وجهه، فابتسم يؤكد لها ظنها؛ فزادت رهبتها أضعافًا، ظل هكذا لفترة حتى رأى ارتجاف جسدها بوضوح، حدثها بثقة يتحلى بها منذ أنْ خطى المكان.
- أدخلى اوضتك يا طيف إرتاحي ووالدك هيبلغك هنجيب الشبكة امتى وأي تفاصيل تانية، إرتاحي.
كانت تنظر له بذهول ورهبة، ثواني مرت عليها تستوعب ما حدث، ثم فرت إلى غرفتها؛ فلن تستطيع الاستمرار بالجلوس معه ستموت خوفًا.
لمحها والدها خشي أن تكون اغَضَبته، كاد أن يدخل لها غاضبا لولا كلنات الآخر:
- أنا اللي قولت لها ترتاح، ومنتظرك نكمل كلامنا.
ابتسم براحة:
- افتكرتها قامت من نفسها، كنت هتصرف معاها.
- إزاي؟
طالعه مندهشًا، لا يعي مراد الآخر، وبكل ثقة أعاد الضيف سؤاله:
- بسألك كنت هاتتصرف معاها إزاي؟
- كنت هربيها على قلت أدبها.
- مِن دلوقت يا ريت ما تعملش كده إلَّا لما أكون موافق.
- أنا ما باخدش إذن من حد، لمَّا تبقي مراتك اعمل اللي يريحك، لكن طول ما هي في بيتي ...
- هي عندك بصفة مؤقته، أمي هاتيجي بعد أسبوع تشوفها ونشترى الشبكة، وكمان أسبوع كتب الكتاب ولبس الشبكة، ولما الترم يخلص الفرح والدخلة، خلال الفترة دي أي حاجة تحصل لها هنا أكون عارفها، بعد كتب الكتاب، بقت مراتي، مش مقبول تزعق لها من غير ما أكون موافق، ولو في أي اعتراض على كلامي اعتبر اني ما تقدمتش من الأساس.
يعلم إنه يريد الخلاص منها، ولا يرحب بوجودها معه، فضغط عليه لينصاع له، واستسلم والدها بسهولة:
- شكلك بتحبها، الستات مش للحب، الستات لخدمة الراجل وراحته، على العموم براحتك مِن وقت كتب الكتاب هي ضيفة هنا، لكن قبل كدة تحت طوعي لوحدي، وعشان خاطرك مش هامد إيدي عليها، ولو احتاجت رباية هحاول أمسك نفسي عنها.
- وقتها كلمني وأنا أتصرف أو أقول لك تعمل إيه، صوابعك اللي معلمة في وشها ما تتمدش عليها تاني.
- قولت عندك شقة، يا ترى مفروشة ولا إيه النظام؟
رمقه باستخفاف ونمت على وجهه بسمة تحمل نفس التعبير، فهو يدرك ما يرمي إليه، فأعلمه بما أراحه ودفعه للموافقة على إتمام الزيجة دون اعتراض على إي مما يريد:
- وتمليك كمان، بالنسبة للفرش ما تقلقش، الفرش كله عليا حتى هدومها اللي تجيبوه تمام، واللي مش موجود اشتري على ذوقي بعد الجواز.
-
حدجه بثقة وثبات ثم وضع ساق فوق الأخرى، واسترسل بنبرة جافة صريحة حد الوقاحة:
- مش هكلفك حاجة يعني، واشيل عنك كمان، والمطلوب تعمل اللي عايزه وبس، أه أنت ما تعرفش اسمي لحد دلوقت، أنا شهاب، أنا ماشي أنتظر مني مكالمة وما تنساش، سيبها تنام.
ألقى كلماته ورحل دون أنْ يلتفت لمن تركه غاضبًا مِن تلك الوقاحة، ولولا تحذيره؛ لكان صب غَضَبه على طيف، كظم غَضَبه، يُمنِّي نفسه بقرب التحرر منهما، أما طيف فمر الليل عليها بطيئًا، يجول بعقلها كل ما دار بلقائها مع عريسها المزعوم، تنتفض لكلماته، غير مطمئنة، تخبر نفسها ألا خيار لها؛ فوالدها لن يسمعها وبالتأكيد سيبرحها ضربًا إن اعترضت؛ فهي بلا سند، نوت مهاتفة بأختها منال بالصباح لعلها تستطيع انقاذها، أو ربما يتدخل زوج أختها وينصفها، و حال شهاب كان على النقيض تمامًا سعيد ومرتاح، أخبر والدته وكادت أن ترقص طربًا؛ فأخيرا سيحقق أمنيتها سألته عن كافة التفاصيل، كيف رءاها؟ ومتي؟ كم عمرها؟ شكلها، طولها، وبالنهاية سألته باهتمام:
- بتحبها يا شهاب؟!
نظر إليها مطولًا ثم أجاب بحياديه:
- بحب طبعها الهادي.
- يعني مش بتحبها! طاب هتتجوزها ليه؟ أوعي يا ابني تكون زي...
- ماما لو سمحتي، يا ريت تبعدي السيرة دي! هتجوزها عشان مناسبة محترمة وطيبة، هتشوفي ده بنفسك.
- مش قصدي يا ابني، أنا خايفة عليك وعلى حياتك، دايما قلقانة وأنت مش بتريحني يا شهاب، افهم أنا خايفة عليك.
- ما تخافيش أنا عارف بعمل إيه.
صمتت بقلق جلى تجاهله واتجه لغرفته يعيد بمخيلته ما حدث، يبتسم برضى لجميع التفاصيل ولكل ردود أفعالها التي أراحته وأكدت له صوب اختياره.
بعدما اطمئن والدها من نية شهاب لإكمال الزيجة ورحيله دلف غرفته استلقى على الفراش وغط بنوم عميق.
استمرت الموجة العاصفة، وغزت السماء الأتربة فضاقت الصدور وحبست الانفاس داخلها، بالجامعة وبعد انتهاء المحاضرة الأولى تحركت طيف مع سهى لمقرهما الثابت بالمبنى الإداري، وعلى أعلى درجات المبني جلستا بمكانهما المعتاد بذات الطابق تاركين بالأسفل جميع الحركات البسيطة، مبتعدين عمن بالأعلى، دون أدراك منهما بتمركزهما جانب مكتب شهاب، فهو ذاك الموظف الذي سمع جميع الأحاديث السابقة والهامة، ترك كل ما بيده وركز بحديثها والتفاصيل التي تسردها عنه، أما هما فبعد أن جلستا تحدثت سهى:
- أهو بقينا لوحدنا، أحكي: غبتي ليه؟ وإيه اللي حصل وقلقك كده؟
- عريس.
- يا صبر أيوب! طيف احكي عدل مش بحب الطريقة دي.
أومأت موافقة:
- تقدم لي عريس وبابا وافق، ما جتش عشان طلب يشوفني.
- أيه المشكلة؟! لو مش موافقة أرفضي.
- مش هينفع، بابا مش هيقبل ده.
- ليه؟!
- عشان حاجات كتير، منها إنه قال أول عريس هيوافق عليه، ده غير إن العريس مش هيكلفه حاجة، باختصار عريس جاهز وهيجيب كل حاجة، أخر حاجة هايزيح همي وأبعد عنه، ويعيش لواحده براحته.
- يمكن العريس كويس!
طالعتها لها بأعين حائرة تخشى المجهول فاسترسلت سهى:
- ما ارتاحتيش؟!
- مش عارفة! مش مطمنة، فيه حاجة غريبة، مرة أحس بيطمني بكلامه ومرة يتكلم بأمر وحدة! ومرة يمدح فيَّا، ساعات بحس بيهددني! قلبي مقبوض قوي خايفة، نفسي أقول لأ ومش قادرة.
- يبقي قولي لأ واعترضي، هيحصل إيه يعني؟!
نظرت بانكسار وألم:
- هيحصل كتير، ضرب وإهانة وفي الأخر أتجوزه بردو، ووقتها لو هو كان ممكن يبقي كويس فبمعرفته رفضي، هيتعامل معايا زي بابا وأكتر، فاضل لي أمل واحد بس.
- أيه هو؟
- منال، لو جوزها يكلم بابا ويقنعه! مفيش حد ممكن بابا يقبل منه كلام غيره.
- طاب قومي.
- على فين؟
- تكلمي أختك، يمكن جوزها يساعدك.
تحدثت وهي تتحرك معها:
- تفتكري ممكن يساعدني؟؟
- على الأقل نحاول.
استشاط غَضَبا بقدر ما أرضاه شعورها تجاهه ورهبتها منه، قدر ما أغَضَبه محاولتها للابتعاد عنه والفرار، أقسم لن ينسى فعلها، ولن يتركها إلا إن رغب عنها أو مل، عندما أستمع لصوت خطواتهما مغادرتان خرج ينظر في أثريهما بضيق، جال بفكره ضرورة إبعادها عن صديقتها، وإلا سببت له بعض الإزعاج.
تحركت طيف بداخلها شعورين متناقضين، أمل أن يساعدها زوج أختها، ويقين بأنه لن يهتم، فهي كل مرة تتصل بأختها تجدها منكسرة وحزينة، نبرة اليأس بصوتها تزداد وتتضاعف، بالرغم إنها دائمًا تطمئنها وتدعي أنها بأفضل حال. قاومت طيف إحساسها وقررت خوض التجربة، ابتاعت كارت لأحد كبائن الاتصال الموجودة داخل الجامعة، انتظرت دورها ثم أتصلت بمنال تقف جانبها سهي، تتابع باهتمام وترقب، ترجو الله أن ينقذ صديقتها مما هي مقبله عليه.
بعد فترة ردت إحدى الخدم، انتظرت طيف بعض الوقت حتى أتت أختها التي أجابتها بسعادة لسماع صوتها،
- وحشتيني قوي يا طيف، عاملة إيه؟ وبابا عامل معاكي إيه؟ لسه بيستقبلك بنفس الطريقة كل يوم، ربنا ينجيكي منه ويجعل لك نصيب في الطيب وحشاني قوي.
أجابتها طيف بدموع الاشتياق:
- أنت كمان وحشتيني قوي، هموت وأشوفك، صوتك ماله يا حبيبتي، أنت تعبانة؟ أكيد زعلانة عشان ما زورتكيش من يوم ما سافرتي، أنتِ عارفة أنَّه غصب عني، بابا مش راضي يسافر، تحايلت عليه كتير والله لحد ما ضربني أخر مرة.
- ما ازعلش منك أبدًا يا طيف، ده أنت القلب، أنا بس مجهدة شوية، ابعدي عن بابا اوعي تزعليه، أنت عارفة مش بيتفاهم أبدًا، ربنا يرزقك بابن الحلال اللي يصونك ويريح قلبك.
- مش باين يا منال بابا عمل معايا نفس اللى عمله معاكِ، وأول واحد تقدم وافق، أنا خايفة ومش مرتاحة، قلبي مقبوض قوي.
بكت منال بقَـهْـر شديد؛ فأشفقت عليها طيف، وتأكدت من حدسها وأنها تخفي ما يؤلمها:
- احكي لي، مالك؟
انْفَجَـرَت أختها باكية وكأنَّها وجدت منفذ لإخراج ألمها:
- هيتجوز عليا يا طيف، هيقعدها معايا في بيت واحد، هتاخد اوضتي وينزلني في أوضة تانية، عايرني باللى بابا بيعمله، وبحملي اللي مش بيكمل، قلبي واجعني قوي، مقــهورة على نفسي، أنا عملت إيه في دنيتي؟ عشان اتعــذب كده، انا تعبت من كل حاجة، ليه مش ليا أب يخــاف عليا؟ يحميني من الدنيا ووجعها، ليه سايبني كده؟ ليه يعمل فيا وفيكِ كدة؟!
- اهدي يا منال، عشان خاطري، بالله عليكِ اهدي! اقفلى وقومي صلي، ادعي ربنا يزيح عنك همك يا حبيبتي.
- سامحيني يا طيف أكيد مش هيساعدك، لكن هكلمه يمكن يرؤف بحالي وحالك ويكلم بابا، أحاول عشانك وأدعيلك من قلبي والله أنَّه يقبل يكلمه.
- لا يا حبيبتي، ما تكسفيش نفسك مَعَه، مش عايزاه يضايقك بأي كلام، {قل ما يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا} نصيبي هاشوفه، والحمد لله على كل شيء.
سمعت صفارة الكارت لقرب انتهاء الرصيد:
- منال رصيد الكارت خلص، ما تتكلميش في حاجة، وهادعي لك كتير كان نفسي يكون في ايدي حاجة أكبر من الدعا، والله! حقك عليا.
انتهت المكالمة وانطفئ معها أخر أمل لطيف، أشفقت صديقتها على كلتيهما، لم تتصور أو يجوب بتفكيرها أن يوجد بالحياة أبا كوالد طيف، كل ما يريده هو التخلص من ابنتيه بأي طريقة.
لم تكن سهي المتابعة الوحيدة لمكالمة طيف؛ فشهاب أيضًا تابعها، لتيقنه من لجوء طيف لأختها بالرغم من درايته بظروفها، وعدم قدرتها على مد يد العون لها؛ إلَّا َّأنه أراد أن يطمئن لاكتمال مراده. جلست منهارة بأقرب مكان، تتساقط دموع العجز من مقلتيها؛ فتحدثت سهى تواسيها:
- ادعي لها زي ما قولتي، ربنا معاكم، ربنا كبير قوي يا طيف قادر يعمل معجزات.
- منال تعبانة قوي، أول مرة تتكلم بالوجع ده كله، ليه جوزها يوجعها كده؟! ليه ما حدش بيخاف علينا بعد ماما؟! طاب ليه هى سابتنا لوحدنا؟!
- وحدي الله يا حبيبتي، دي وسوسة شَيْــطـان، استغفري.
استغفرت بصوت واهن، وتساءلت:
- ليه؟ حتى هو مش بيجي مش بحس به زي الأول.
- المفروض اقول لك روحي البيت ارتاحي، بس لو روحتي هتتعبي أكتر، أقول لك، تعالى نروح المسجد نصلي عشان تهدي شوية.
مرت الأيام ولا زالت تنتظر رؤية الضابط -فارس أحلامها- أو الشعور به ولو لمرة أخيرة، سألت نفسها مرارًا أكان وهمًا عاشته؟ دون إجابة، استسلمت كليًا لواقعها، وتمنت أن يخلف الله ظنها بمستقبلها المجهول.
مر ثلاثة أسابيع، التقت طيف خلالها بوالدة شهاب وأحبتها كثيرا وشعرت معها بالراحة والطمأنينة، عكس إحساسها تجاه شهاب، كما تم عقد قرانهما أيضا.
ما تنسوش رواية معرض الكتاب ٢٠٢٥
#سلوى_فاضل #soly_fadel
#صالة2_جناحa52
#اندروميديا_آسر_البشر #دار_طريق_العلا_للنشر_والتوزيع_والترجمة #معرض_القاهرة_2025
وقف أمامه بضراوة رافضًا فوقف كانسو بحدة مُماثلة:
- لا، لن أتركها للهلاك، إن أردت متطوع فها أنا، لن أسلمها للموت وأقف متابعًا.
- إن كُنَّا بوقت أخر لرضخت لعقابٍ مجحفٍ، هي أفضل مَن يفعل وهي مَن عرضت، لا مجال للتراجع فقد وقع الاختيار عليها.
انسابت دموعها، تُقدِّر خوفه وتخشى عليه مِن ثورته، تابع فوبوس بترقب يشاطره تخوفه، أصر راسخ على موقفه وثَبُتْ:
- لن تفعل وإن تطلب الأمر إعادتها؛ لتبقى آمنة، أعلم إنك لا تشعر بكلانا، فقد نحروا مشاعرك.
- مَن الَّذي أخبرك بموت مشاعري؟ أتعلم ما رأيته وعايشته سابقًا؟ وكيف تحكم بغير علم؟ ومَن أدراك أنَّ بعودتها أمانها؟