رواية جمر الجليد الفصل السابع بقلم شروق مصطفي
صعدت همسة إلى أعلى بسرعة مع مي، التي كانت مرتبكة وتتحرك بتوتر، قلقة على صديقتها والخوف يسيطر عليها: "يا ترى اختفيتي فين؟ والأغبية اللي تحت مش راضين يقولولنا ليه!"
همسة: "أنا خلصت، يلا يا مي قبل ما الهمجي ده يدخل علينا، أنا خايفة منه أوي."
مي: "أنا أصلاً مش طايقاه، إزاي هيوصلنا طول الفترة دي!"
همسة: "أنا قلبي واجعني على أختي، هقول لماما وبابا إيه لما يسألوا؟ لازم نبلغ الشرطة على اختفائها. أكيد حصل..."
قاطعتها طرقات حادة على الباب، تلاها صوت معتز: "يلا، الخمس دقايق عدوا، أنجزوا!"
أنهت مي سريعاً جمع أشيائها، وخرجن ليجدن معتز واقفاً عند الباب، يضع يديه في جيوبه وينظر إليهن بحدة: "يلا قدامي."
تحركن أمامه بخطوات متوترة حتى وصلوا إلى السيارة. ركب وليد بجانب معتز، وانطلقت السيارة بهم جميعاً.
جلس بجانبها في السيارة، مراقبًا ارتجاف جسدها النائم من شدة التعب والقلق. دون تردد، خلع سترته وألقاها فوقها بلطف، محاولًا أن يمنحها شيئًا من الدفء. عادت به ذاكرته إلى المكالمة التي تلقاها من اللواء قبل مهاجمتها في القاعة.
كان الحديث حاسمًا؛ الصور والفيديوهات التي انتشرت كالنار في الهشيم على صفحات الميديا جعلت الوضع أكثر خطورة. المطالبات بأقصى العقوبات ملأت الساحة، وكان واضحًا أن هناك من يسعى للإيقاع بها. أمره اللواء بحزم أن يخفيها عن الأنظار فورًا، فالخطر أصبح أكبر من أي وقت مضى.
عاد إلى الواقع، وألقى نظرة عليها، تمتم ساخرًا:
"غبية... ولسه مصرة تعرضي نفسك للهلاك؟"
ابتسم بسخرية، وعيناه تتأملان الطريق:
"فاكرة نفسك هتغيري العالم لوحدك؟ هتوقفي اللي بيعملوه؟ طيب إحنا هنا ليه؟"
أعاد تركيزه إلى الطريق أمامه، مهيئًا نفسه لما ينتظرهما، وعقله يدور بين التحديات القادمة وما يجب عليه فعله لحمايتها.
ساد الصمت داخل السيارة، وكأن كل فرد فيها محاصر بعالمه الخاص. وليد شارد بأفكاره، تائه في سحر امرأة خطفت عقله بلا رجعة. مي وهمسة تجلسان بصمت مثقل، مشغولتان بالقلق على اختفاء سيلا المفاجئ. أما معتز، فقد بدا ضيقًا من كل شيء، خاصة من تصرفات أخيه التي وضعته في موقف لا يحسد عليه.
الطريق طويل وممل، ومع الوقت بدأ النعاس يتسلل إلى معتز، فتمتم بصوت مبحوح:
"قربنا على ريست... محتاج قهوة أفوق. حد عايز حاجة؟"
رد وليد سريعًا: "آه، ياريت."
أما مي وهمسة، ظلتا صامتتين، غارقتين في قلقهما.
عندما توقفت السيارة عند محطة استراحة، التفت معتز إليهم:
"لو عايزين تنزلوا أو تشربوا حاجة، يلا."
همسة هزت رأسها بالرفض، مفضلة البقاء في السيارة، بينما نزلت مي لتشرب فنجان قهوة وتستعيد شيئًا من تركيزها.
رافقها وليد وطلب لهما القهوة، ثم التفت إليها قائلاً:
"ارجعي أنتي، وأنا جاي وراكم."
عاد وليد ومي إلى السيارة ليجدا همسة قد غلبها النوم. صعدت مي بجانبها، متأملة وجهها المتعب قبل أن تقطع الصمت بسؤال وجهته إلى وليد:
"لو سمحت، ممكن أسألك سؤال؟"
أجابها وليد بهدوء: "طبعًا، اتفضلي."
قالت بتردد: "ما تعرفش سيلا فين؟"
أجابها بأسف: "للأسف، معرفش حاجة."
تنهدت مي بحيرة واضحة، قبل أن تهمس: "طيب..."
لم تمر لحظات حتى صعد معتز إلى السيارة، ليلمح أنهما كانا يتحدثان، فسأل بحدة:
"مالكم سكتوا أول ما ركبت؟ في حاجة؟"
رد وليد بنبرة طبيعية: "لا أبدًا، كانت بتسألني عن سيلا وقلت لها معرفش حاجة. أنت تعرف عنها حاجة؟"
زفر معتز بضيق قبل أن يرد بهدوء مصطنع:
"سيلا مع عاصم دلوقتي. هو اللي خلاكم تيجوا الافتتاح مخصوص. بس طالما هي مع عاصم، يبقى تطمني... هي في أيد أمينة. أول ما يكلمني، هبلغكم."
ارتبكت مي من الإجابة، وقالت بدهشة غير مصدقة:
"سيلا مع عاصم؟! إزاي؟ الاتنين عمرهم ما طاقوا بعض!"
رد معتز بجمود: "ده اللي قالهولي. معرفش أكتر من كده. أنا مكلف بس أوصلكم، والباقي مش شغلي."
مي ظلت صامتة، تنظر من النافذة وعقلها يعج بالتساؤلات:
"عاصم؟ إيه اللي ممكن يكون عايزه منها؟ إحنا من يوم الحادث وكل واحد بعيد عن التاني... غريب جدًا!"
وزّع معتز القهوة على الجميع، ثم وقف يستريح قليلاً قبل أن يمد يده إلى كيس كبير مليء بالكيك والعصائر والشوكولاتة. رفعه نحو مي قائلاً بنبرة جادة:
"أكيد ما أكلتوش حاجة... اتفضلي."
نظرت مي إلى الكيس وهي تشعر بالجوع، لكنها ترددت وأجابت بخجل:
"ميرسي... مش جعانة."
أدارت وجهها إلى الناحية الأخرى لتتجنب الموقف، لكن صوت معتز الحازم جعلها تعود:
"أنا مش بحب أعيد كلامي كتير. وبعدين ده مش ليكي لوحدك، ده لينا كلنا... يعني هتوزعيه علينا، امسكي بقى!"
كان صوته في الكلمة الأخيرة أكثر صرامة، مما جعلها تمسك الكيس سريعًا دون نقاش. وحين لامست أصابعها الباردة يده، لاحظ برودة يديها من المرآة الأمامية، وأخذ يتابعها بنظراته.
دون أن يتحدث كثيرًا، خلع جاكيته وأعطاها إياه بنظرة تحمل أمرًا واضحًا:
"البسي ده... ومن غير كلام."
نظرت إليه بدهشة وهمّت بالاعتراض:
"بس أنا..."
قاطعها بجديته المعتادة:
"قلت البسي وخلصيني."
تناولت الجاكيت بتردد وارتدته، مستغربة من ملاحظته أنها تشعر بالبرد. بعد لحظة من الصمت، نظرت إليه وسألت بتردد:
"ممكن سؤال... بس متتعصبش؟"
نظر إليها من المرآة الأمامية، وقال بنبرة متزنة:
"قولي."
ترددت قليلًا قبل أن تضيف:
"يعني... أنت على طول كده؟"
رفع حاجبه مستفسرًا:
"إزاي يعني؟"
خفضت صوتها وقالت بخجل:
"يعني... متعصب مع الكل؟ أنا كل مرة بشوفك فيها بتبقى متعصب."
شعرت بالخوف من ردة فعله، فغطت وجهها بيديها كما لو أنها تختبئ. لكنه ابتسم لأول مرة، متسليًا بحركتها الطفولية، وقال بلهجة أخف:
"شيلي إيديك، مستخبية ليه؟"
أنزلت يديها ببطء وقالت بحذر:
"يعني... مش هتزعق لي؟"
عندما رأت ابتسامته، شعرت بالاطمئنان وابتسمت بدورها، قبل أن تضيف ممازحة:
"ما أنت بتضحك أهو، زينا يعني! أمال مالك، يا عم التنين؟"
رفع حاجبه مجددًا وقال بابتسامة خفيفة:
"تنين؟!"
قبل أن يرد، تدخل وليد وهو يضحك:
"أحم... أحم... مش هتاكلونا بقى ولا إيه؟ أنا متت من الجوع!"
انفجر الجميع ضاحكين على كلمته، مما أيقظ همسة التي كانت تغفو بجانبهم. اعتدلت في جلستها وسألت بقلق:
"لقيتوا سيلا ولا إيه؟"
التفتت إليها مي وطمأنتها:
"على الأقل عرفنا هي فين. سيلا مع عاصم، وهو هيجيبها. متقلقيش."
تنفست همسة الصعداء، وقالت بتأثر:
"بجد؟ الحمد لله، كنت هموت من القلق عليها."
رد وليد تلقائيًا:
"بعد الشر عليكِ."
ساد الصمت للحظات، قبل أن تفتح مي الكيس وتبدأ بتوزيع محتوياته عليهم.
مرت ساعات طويلة، ومع شروق الشمس، توقفوا عند منزل مي لتوصيلها، ثم منزل همسة، قبل أن يتوجهوا أخيرًا إلى وجهتهم النهائية.
فاقت سيلا ببطء كأنها لم تنم منذ زمن طويل. شعرت بثقل في جفونها، فتحت عينيها بتردد، لتجد نفسها في مكان غريب. رمقت الغرفة بنظرات مضطربة، ثم همست لنفسها بتساؤل:
"إيه ده؟ أنا فين؟"
حاولت أن تسترجع ما حدث. آخر ما تتذكره كان وجودها في حمام القاعة، ثم هجوم عاصم عليها. وضعت يدها على رأسها عندما شعرت بصداع حاد. عادت تنظر حولها بدهشة وقلق:
"إيه المكان ده؟"
رمت الغطاء عنها ونهضت بسرعة. توجهت إلى النافذة، فتحتها، وتجمّدت في مكانها من الصدمة. المنظر الخارجي كان غريبًا تمامًا، أشجار كثيفة تحيط بالمكان، والجو بدا معزولًا عن العالم. تراجعت وهي تتمتم بارتباك:
"فين أنا؟"
لم تلبث أن لاحظت شيئًا غريبًا آخر. نظرت إلى نفسها، كانت ترتدي "ترنج" قطني وردي لا يخصها. عقدت حاجبيها بدهشة:
"إيه ده؟ مين اللي غير لي هدومي؟!"
الغرفة نفسها كانت بسيطة للغاية، كل شيء فيها مصنوع من الخشب: سرير في منتصفها، دولاب صغير، طاولة وكرسيان. شعرت بالاختناق، وقررت الخروج بسرعة لفهم ما يحدث.
خطت خطوات متسرعة نحو الباب، فتحته وخرجت إلى ممر خشبي، ثم بدأت تنزل درجات سلم خشبي يقودها إلى الطابق الأرضي. كانت تركض بخوف وارتباك حتى وصلت إلى صالة واسعة. الغرفة كانت تحتوي على مدفأة وحطب، وكل شيء فيها يوحي بالعزلة والهدوء الغريب.
رأت بابًا أمامها، هرعت إليه بسرعة وبدأت تحاول فتحه بجنون. الباب كان مغلقًا بإحكام. وبينما كانت تحاول الخروج، جاءها صوت خلفها، عميق ومفاجئ:
"علي فين العزم؟"
التفتت بسرعة، منتفضة من شدة المفاجأة. وقعت عيناها عليه، وخرج صوتها مصدومًا:
"إنت!"
كان عاصم يقف بثبات، يده في جيب بنطاله، وعيناه تنظران إليها ببرود مستفز. قال بلهجة هادئة لا تخلو من سخرية:
"آه، أنا. كنتي متوقعة حد تاني؟"
اشتعلت سيلا غضبًا، تقدمت نحوه بخطوات سريعة ودفعته في صدره:
"إنت... إنت قليل الأدب وسافل! إزاي تهاجمني بالطريقة دي؟ وإزاي تكلمني كده؟ وجايبني هنا ليه؟ أنا فين أصلاً؟ وفين هدومي؟ دي مش هدومي!"
وقف عاصم دون أن يتحرك أو يرد، مكتفيًا بالنظر إليها ببرود شديد زاد من عصبيتها. استدارت نحو النافذة مجددًا، حاولت فتحها دون جدوى، ثم عادت للباب وضربته بقبضتها بعصبية شديدة:
"افتح الباب! افتح حالًا! أنا مش هفضل هنا ولا ثانية!"
رد عاصم ببروده المعتاد، ناظرًا إليها بلا اكتراث:
"خلصتي؟"
صرخت بوجهه:
"إنت بتعمل معايا كده ليه؟ أنا من يوم الحادثة وأنا بعيد عن أختك وماعرفش عنها حاجة! إيه اللي انت ناوي عليه؟"
ظل واقفًا، نظراته الباردة تخترقها. قال أخيرًا:
"انتي هنا علشان تحمي نفسك، سواء عجبك أو لأ. ولو عايزة تفكري غير كده، دي مشكلتك. بس تخرجي من هنا؟ مستحيل."
تجمدت سيلا مكانها، شعور بالعجز يغمرها كالموج العاتي. أهي أسيرة الآن؟ ومن يكون عاصم ليتخذ القرارات عنها؟
صرخت بتحدٍّ:
"هخرج يعني هخرج، مفيش قوة هتمنعني، فاهم!"
غمض عاصم عينيه، يحاول لملمة أعصابه المشتعلة، ثم قبض يده وتحكم في نبرته ببرود:
"أولاً، مفيش خروج من هنا.
ثانياً، أنا هنا لحمايتك من المافيا اللي سيادتك دخلتي نفسك فيها. ومش بس كده، بعد أول مقال نشرتيه صوت وصورة، كأنك بتقولي لهم: أنا هنا، تعالولي!"
توقف لحظة، ثم أكمل بنبرة صارمة:
"هتتحبسي هنا لحد ما ننهي كل شيء ونمسكهم. وبطلي شغل العيال ده، مش صغيرين. بطريقتك دي، بتضيعي مجهودنا كله."
ردّت سيلا بحنق:
"ومصلحتك إيه؟ بتحميني؟! إنت دخلك إيه أصلاً؟ مين إنت عشان تمسك مصيري؟ أنا عايزة أمشي من هنا، دلوقتي! هتاخر عليهم كده!"
نظر لها عاصم ببرود، ثم توجه إلى المدفأة وجلس أمامها بلا اكتراث، يتحدث بلا مبالاة:
"تتأخري على مين؟ زمانهم كل واحدة في بيتها وفي سابع نومة."
تحدق فيه بعدم تصديق:
"بيت مين؟! وأنا؟! إزاي يروحوا من غيري؟!"
ابتسم بسخرية:
"نصيبك كده."
صرخت بحنق:
"إنت مجنون! مش مصدقاك. أنا همشي من هنا، يعني همشي!"
ابتسم عاصم بهدوء مستفز:
"بصي، أحب أقولك لو عدّيتي من الحراس بره الباب (رجال ضخام كالجدران) والكلاب اللي معاهم بقالهم يومين مش ماكلين لحمة، ولو نجحتي ودخلتي الغابات، مش هتطلعي سليمة. ليكي مطلق الحرية."
رماها بنظرة تحدٍّ وهو يضع المفتاح على الطاولة الخشبية أمامه بلا مبالاة:
"عاوزة المفتاح؟ أهه."
تقدمت بخطوات مترددة، عينها على المفتاح، وحين مدّت يدها لتأخذه، هبّ عاصم كالصقر، أمسك معصمها بحزم، وثبّت يدها بين قبضته. صوته صارخ بالنفاذ صبر:
"إنتي إيه؟ مخك ده مش شغال؟! (وأشار إلى رأسها بأصبعه) بقولك إنتي في خطر، والمافيا هتموتك! ما تسمعي الكلام بقى؟!"
نظر إليها بعينيه التي تحمل بركاناً مكبوتاً:
"أنا هنا عشان أخلص مهمتي. انتي هتقعدي هنا لحد ما أضمن سلامتك، وبعدها أنا اللي هوصلك بنفسك بيتك. وبالمناسبة، والدك ووالدتك عارفين، يعني مش خطفك حُباً فيك."
ظلّت سيلا تحدق فيه بلا حراك، لم يرجف لها جفن، بينما هو خفّض صوته حتى كاد يهمس، لكنه كان كالخنجر:
"إياكي... إياااكي أشوفك قدام الباب ده. مفهوم؟!"
ثم أكمل بصوت انفجر كالرعد:
"مفهـــــووووم؟!"
نظرت سيلا إليه ببرود، ضيقت عينيها ولم ترد، معتقدة أن التجاهل هو الرد الأمثل له.
اشتعل غضب عاصم من تجاهلها، اقترب منها بحدة وأمسك فكها بيدٍ قوية، بينما يثبت يديها الأخرى بقبضته. قال بنبرة تهديد، مليئة بالعزم:
"واضح إنك عنيدة، بس أنا صبري طويل جداً، وهعرف إزاي أخلّيك تسمعي الكلام."
رفعت سيلا رأسها بتحدٍّ، وفي لحظة استجمعت كل قوتها، واستغلت الفرصة قامت بركله أسفل منطقة الحزام لتدفعه بعيداً عنها بحركة مباغتة. ارتد عاصم للخلف مذهولاً من فعلتها، بينما ألقى عليها نظرة حادة تحمل كل معاني التحذير.
صوته كان جهورياً وهو ينادي الخادمة:
"كاثرين!"
هرولت الخادمة إليه وهي تقول بتوتر ورعب من هيئته:
"تأمر بشيء، سيدي؟"
رد بصرامة:
"أحضري لي الس.وط فوراً، ولا تتأخري!"
انحنت برأسها بارتباك وغادرت لتنفيذ طلبه، بينما سيلا هرولت من امامه مسرعة و...
......
عادت مي إلى المنزل مع أولى ساعات الصباح، فتحت الباب ودخلت بهدوء. الجميع كان نائمًا. توجهت إلى غرفة والدتها، استلقت بجانبها وهمست:
"ممكن أنام في حضنك؟"
ربتت والدتها عليها بحنان:
"طبعًا يا حبيبتي."
وغفت مي مطمئنة بين ذراعيها.
......
عاد معتز ووليد إلى المنزل، فقال معتز بإنهاك:
"مش شايف قدامي، طالع أنام، ولما أصحى هكلم عاصم أفهم منه. تصبح على خير يا وليد."
رد وليد بابتسامة:
"وأنت من أهله."
دخل وليد غرفته، غيّر ملابسه وجلس على السرير يحاول النوم، لكنه شرد بتفكيره:
"يا ريتني طلبت رقمها... أتواصل معاها إزاي دلوقتي؟ غبي أوي."
تذكر انشغاله باختفاء أختها، فأخرج هاتفه ليقضي الوقت عليه حتى يغلبه النوم، لكنه لاحظ أن الهاتف لا يفتح ببصمة إصبعه، وحين حاول إدخال كلمة المرور، فشل. دقق في الهاتف، ثم لاحظ خلفيته، فتفاجأ:
"ده تليفونها!"
تذكر لحظة الاصطدام وأدرك أن الهواتف قد تبدلت. ابتسم ابتسامة واسعة وقال لنفسه:
"يااه... دي أحلى صدفة."
أخذ الهاتف بين يديه، احتضنه وهو يفكر كيف سيعيده لها، ثم غلبه النوم على تلك الأفكار.
.....
همسة خبطت على الباب، ففتح لها والدها الذي كان يستعد مبكرًا للعمل بينما كانت نرمين تحضر الفطور.
قالت همسة وهي تحتضنه وتبكي:
"بابا حبيبي، سيلا ما جاتش معايا... أنا خايفة أوي."
شعر والدها بخوفها وقال لها بهدوء:
"اهدي، اهدي، تعالي، هفهمك."
ثم جلست معه واستمع لها.
قال والدها وهو يأخذ نفسًا عميقًا:
"حبيبتي، اختك دخلت في مشكلة كبيرة مع مافيا تجارة الأعضاء. كان الموضوع صدفة، لما كانت جنب قسم مستشفى وشافت ممرضة مترددة، فقررت تروح لها وتتكلم معها. الممرضة ارتاحت لها وحكت لها عن الطبيب اللي كان بيعمل عمليات مشبوهة، وصورت فيديو له مع شركائه. اختك شجعتها تتقدم بشكوى ضده، وعملت ده، وبالفعل المباحث قبضت عليه، لكنه مات في السجن، والبنت قُتلت، والموضوع أكبر مما نتخيل."
همسة نظرت له بصدمة وقالت:
"وأنت كنت عارف؟"
ابتسم والدها ليطمئنها وقال:
"أنا عارف، بس القضية كانت سرية. المباحث بتشتغل عليها، ومش عاوزين نكشف كل شيء. لكن بعد ما نزلت اختك المقال، جت تهديدات وطلبنا منها تبتعد لفترة، علشان كمان ممكن يكون عندها دليل تاني ممكن يضرنا."
ثم أضاف:
"دلوقتي حياتها في خطر أكتر، وأنتي لازم تكوني مستعدة لأن الموضوع أكبر من كده بكتير."
همسة كانت مذهولة، ولم تتمكن من الرد.