رواية جمر الجليد الفصل الثامن بقلم شروق مصطفي
همسة كانت في حالة صدمة وقالت:
"ياااااه... كل ده وأنا مش عارفة! عشان كده سيلا انهارت مرتين. أول مرة كانت بتتكلم بانفعال مع حد في التليفون ومن كتر عصبيتها رمت تليفونها في الأرض وكسرته. ومرة تانية انهارت لما سمعت خبر مقتل البنت بطريقة شنيعة وقالت: 'أنا السبب، أنا السبب بسبب المقال اللي نشرته.' وصمتت قليلاً، تجمع باقي خيوط الحقيقة."
قالت لهمسة في ذهنها:
"يبقى عاصم هو الظابط السري المكلف بحمايتها؟ لأنه هو اللي خلى الجريدة دي بالذات تغطي افتتاحية شركته."
سألت همسة والدها:
"طيب وهي فين يعني مش جنبنا هنا ليه؟"
أجاب والدها:
"أنا اللي أعرفه أنها في ألمانيا. هيسافروا بيها لحد ما الأمور تهدأ، وينهوا القضية، ويمسكوا الطرفين متلبسين، وبعد كده يرحلوا الطرف الأجنبي ويسلموه هناك."
همسة:
"ربنا يستر. الموضوع ده ممكن يطول وسيلا مش هتسكت. ربنا يستر إن شاء الله."
في تلك اللحظة، دخلت نرمين، مفاجئة لرؤيتها، وأخذتها في أحضانها قائلة:
"حبيبتي، واحشتيني! عاملة إيه؟"
ثم نظرت إلى محسن، الذي طمأنها قائلاً:
"ما تخافيش، هي عرفت كل حاجة."
حاولت نرمين أن تطمئنها وقالت:
"ماتقلقيش على سيلا، هتكون بخير."
همسة، وهي تردد في نفسها:
"يارب يا ماما."
ثم قالت لها:
"قومي ريحي شويه، شكلك مرهق."
أجابت همسة:
"أيوه، مرهقة جدًا. هقوم أنا."
دخلت همسة غرفتها، ثم أخذت حمامًا دافئًا، وأخيرًا غطت في نوم عميق، محاطة بكل تلك الأفكار والهموم.
...
استغلت سيلا الفرصة، ركضت بسرعة وصعدت السلم، ثم دخلت الغرفة وأغلقت الباب، لكنها اكتشفت أنه لا يوجد مفتاح. وضعت كرسيًا على الباب لسده. سمعت خطواته تقترب، فبدأت تلعن حظها وتقول:
"إيه حظ مهبب دا كان لازم يعني اه يا غلبانة يا سيلا؟!"
لكن فجأة، طرق الباب بعنف وقال:
"افتحي، وإلا هكسر الباب على دماغك!"
انتفضت من الصوت تمتت"هربت منهم وهو قال حاميني وجاي يق.تلني!"
ركضت إلى النافذة ووجدت كلابًا أسفلها، فصدمت: كلاب دي مش بيأكلوها ولا ايه يا مُرك.
انفتح الباب فجأة، ووجدته ممسكًا بسوط أسود طويل، مبتسمًا بابتسامة ماكرة.
ابتسمت له وقالت بتردد:
"لا... لا، إهدأ يا شبح، هتعمل إيه؟ كنت بدافع عن نفسي و و."
....
تحدث بصوت فحيح: "أبعد! دلوقتي!"
بدأ يقترب منها، فابتعدت حول الغرفة حتى توقفت عند النافذة، ثم قفزت على الفراش وقالت: "بص، اعقل! لسه بقول عليك عاقل، هقولك!"
ثم صرخت بشدة عندما لمس السوط.
،،،،،
استفاقت منزعجة على نغمة غريبة، فأمسكت بتليفونها ووجدت اسمًا غريبًا "عامر"، فسألت:
"مين؟"
رد:
"انتي مين؟ وفين وليد؟"
ردت بنعاس:
"وليد مين؟ الرقم غلط!" وأغلقت في وجهه، ثم عادت للنوم.
..
استفاقت مي بعد نوم طويل، فدخلت الحمام وأخذت شاورًا ثم توضأت وأدت فرضها. بعد ذلك خرجت لمساعدة والدتها في المطبخ، قائلة: "بما أني في إجازة اليوم، خليني أساعدك."
تقابلت مع شقيقها هيثم الذي قال: "صحي النوم يا هانم."
ردت مي: "صباح الفل عليك يا حبيبي، أوعا تقول إنك إجازة أنت كمان!"
قال هيثم: "إحنا بتوع إجازات برده، ما أنتي عارفة إن الجمعه بس هي الإجازة."
مي: "مفيش يوم إجازة كده؟ يا ربي! وتاخد اختك تفسحها؟ يا ظالم!"
قال هيثم: "إنتِ لسه جايه من رحلتك في الغردقة، إنتِ وصاحبتك. اتفسحتوا وعملتم هيصة، عاوزه إيه تاني مني؟"
مي: "آه اتفسحنا، أووووي!" ثم ضحكت وهي تقول: "اسكت، مش فاهم حاجه."
هيثم: "طب تعالي قوليلي، صاحبتك ما عملتش كوارث؟"
مي: "سيلا؟ لا خالص، دي نسمه تتحط على جرح يطيب."
هيثم: "طبعا كله على يدي، ولسه دماغها من ناحيتي برده."
مي تنهدت بحزن، ثم قالت: "أنا فاهمتك، بس سيلا مش هتفكر في الجواز. حاول تنساها وشوف حياتك. لازم تكمل."
هيثم: "مش قادر، حاولت، لكن فشلت. هي مش مديني فرصة. كنت أتمنى أساعدها في اللي مرت بيه."
مي: "اللي حصل ليها مأثر عليها، بس لازم تعدي. بس مش هي دي سيلا اللي عايشة حالياً."
تدخلت والدتها بعدما شاهدت مغادره ابنها: "ما تكلّمي معاها. هي هتلاقي حد يحبها زي ما هي."
مي: "سيلا زي ما هي، ما تغيرتش. بس الكل بيتغير."
والدتها: "هو في دنيا بتفضل على حالها لازم تقدر تساعد نفسها."
مي: "تركيبة عجيبة من العناد."
ثم تكلمت والدتها قائلة: "قولتله سيبك من سيلا، وابقى مع بنت أختي. كفاية إنه مربّيها."
مي ضحكت وقالت: "طيب ما يفكر فيها كزوجة، لأن سيلا لو استناها هيعنس جنبها.
والدتها: "فال الله بت أنا ماشية الله يعينك في نفسك، اغسلي المواعين، أنا مش قادرة أكمل."
.....
صرخت بأعلى صوتها عندما لامس السوط طرف الفراش الخشبي، كأن الصوت وحده كان كافيًا ليزلزل كيانها. نظراته الباردة كانت تراقبها دون أن تترك لها مجالًا للهرب. رآها ترتجف وتحاول تبرير موقفها بعبارات متلعثمة، لكنها كانت تعلم أن لا مفر. كان مصممًا على ترويضها، ليجعلها تدرك تمامًا مع من تتعامل.
رفع السوط وضرب به المنضدة الخشبية بقوة، فاهتزت الغرفة بصوت مدوٍ جعل قلبها يقفز بين أضلاعها. نظرت إليه بعينين زائغتين، تحاول البحث عن فرصة للهرب، لكنه اقترب منها بخطوات ثابتة وصوت كفحيح الأفعى:
"يا ترى الضربة الثانية هتكون فين؟"
تراجعت إلى الخلف وهي ترفع يديها محاولة الدفاع عن نفسها، وتقول بتلعثم:
"أنا... أنا بدافع عن نفسي! أنت السبب مش أنا، على فكرة!"
أغمضت عينيها بشدة، وكلماتها خرجت متوسلة:
"أبعد السوط ده عني! خلاص، بلاش كده، يا ماما!"
ركضت بعيدًا في محاولة بائسة للابتعاد عنه، لكنه أوقفها بصوته المرتفع الذي ملأ الغرفة:
"عاوزة تضيعيني، يا بت؟"
نظرت إليه بذعر، وصوتها يرتجف:
"أنا؟ أبدًا! ليه تقول كده؟"
ضيق عينيه بسخرية:
"إنتِ هتستعبطي؟"
هزت رأسها بسرعة وهي تحاول تهدئته:
"لا، طيب... خلاص! مش هعمل كده تاني. امشي بقا!"
اقترب منها أكثر، صوته صارم وحدته لا تقبل النقاش:
"وهو هيبقى فيه تاني كمان! انتي شكلك ما تعرفينيش لسه. وأحسنلك بلاش، لأن وقتها مش هرحمك، بجد!"
لوّح بالسوط في الهواء، الصوت يخترق صمت الغرفة كتحذير أخير. أكمل بصوت بارد:
"ولو كنت ضربت الهوا المرة دي، المرة الجاية ما تضمنيش الضربة فين. ويا ويلك لو فكرتِ تقربي من الباب أو تحاولي تهربي. وقتها بتكوني انتي اللي جنيتي على نفسك يلا أتخمدي.
أنهى كلامه بصرخة حادة، واستدار مغلقًا الباب بقوة جعلت سيلا تقفز في مكانها. بقيت للحظات مرتجفة، تحاول استيعاب ما حدث. بعد أن هدأت قليلًا، همست لنفسها بتحدٍ:
"غبي! مين قاله إني عاوزة حماية أصلاً؟ يحبسني هنا ويعاملني كأني عايشة فيلم رعب، وكل ده عشان يهوشني بالكلاب؟ فاكرني خايفة؟! هي موتة ولا أكتر. لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. مستحيل أعيش مع الهمجي ده، لازم ألاقي طريقة أخرج من هنا... هيعمل إيه يعني؟"
ثم ضربت كفًا بكف وقالت بتذمر:
"يووووه! هتجنن، ولا إيه؟ عمالة أكلم نفسي! ولا حتى معايا تليفون أو اللاب توب، وكل حاجتي ضايعة... آه! شنطتي! لازم أروح أسأله هي فين بدل الزهق ده."
بعد قليل، فتحت الباب بحذر ومشت على أطراف أصابعها، تتحسس الطريق كأنها تخشى أن يراها. فتحت الباب ونظرت حولها، لكنها لم تجده. قررت أن تبحث عنه، وأثناء سيرها وجدت خادمة تقف في إحدى الزوايا. نادتها قائلة:
"لو سمحتي، فين شنطتي؟"
لكن الخادمة أجابتها بلغة ألمانية لم تفهم منها شيئًا. توقفت سيلا في مكانها، تلوح بيديها في محاولة لإيصال فكرتها، لكنها شعرت بالإحباط.
"يووه! شكله هيشلني هنا! أنا أصلاً بتكلم عربي بالعافية. خلاص، مش مهم!" فكرت للحظة، ثم أضافت بسخرية:
"أهو شكلنا هنتعامل بالإشارة، ما فيش حل غير كده."
لوحت بيديها بحركة تعني أن الخادمة يمكنها الانصراف، فرحلت الأخيرة دون جدال. عادت سيلا تتمتم:
"طيب! فين هو كمان؟"
نزلت إلى الطابق السفلي وهي تبحث عنه. الجو كان هادئًا بشكل مريب، مما زاد توترها. تفاجأت عندما وجدت المكان فارغًا تمامًا. لا صوت ولا حركة، كأن المنزل قد أصبح مهجورًا.
وقفت في منتصف الدرج تتأمل الصمت الذي يحيط بها، وبدأت ضربات قلبها تتسارع. تمتمت بخوف:
"إيه الهدوء ده؟ حتى الكلاب مش سامعة صوتهم!"
بقلم شروق مصطفى قصص الحياة
أخذت نفسًا عميقًا، محاولًة تهدئة نفسها، وأكملت نزولها ببطء. وصلت إلى الصالة الكبيرة ولاحظت بابًا مواربًا يؤدي إلى الحديقة الخلفية. تقدمت نحوه بحذر، تدفعه قليلًا لتلقي نظرة، وفجأة...
سمعت صوتًا خلفها جعلها تقفز من مكانها:
"بتدوري على إيه؟"
استدارت بسرعة لتجده واقفًا خلفها، يضع يديه في جيوبه ونظراته الباردة تراقبها، وكأنها طفلة صغيرة تثير استغرابه. شعرت سيلا بالارتباك، لكنها سرعان ما رفعت رأسها وتماسكت، وردت بنبرة متحدية:
"بدور على شنطتي... أو أنت كمان خبّيتها؟"
ظل صامتًا للحظة، ثم قال ببرود:
"شنطتك في أمان، لكن ما فيش داعي تخرجي تدوري عليها. كل اللي تحتاجيه موجود هنا."
ردت سيلا بحدة:
"أنا مش محبوسة هنا! ومش هسمحلك تتحكم في حياتي!"
نظر إليها بابتسامة ساخرة وقال:
"جربي تخرجي، وهنشوف مين اللي بيتحكم في مين."