رواية عشق الذئاب الفصل التاسع 9 بقلم اسراء على


رواية عشق الذئاب الفصل التاسع بقلم اسراء على

دائماً ما يسبق العاصفة هدوء قاتل..ولكن هذه المرة عاصفة مشاعر ستقتلع الجميع من جذوره..جذور قد إمتدت لسنوات طويلة..سنوات غير قادر على محوها الزمان..الزمان الذي حمّلناه جميع المشاعر..المشاعر التي لم ولن تموت..متأصلة هى في أعماقه
خرجت من المرحاض بعدما أفرغت جميع مافي جوفها..مشهد لم تره منذ نعومة أظافرها..مشهد عندما تراه في التلفاز كانت تسارع في إغماض عينيها..بريئة هى..ملوثة هى في بئر شهواته..بكت


وبكت..كيف يمكنها العيش والوقوع في براثن ذئب..لماذا هى..سؤال دار بخلدها ولكن لا من إجابة
حبيبتي مالك؟!


إلتفتت إسراء على صوت المتحدث وجدتها تلك السيدة البشوش..تتسائل والهلع يتقافز من عينيها..شفتيها التي تنزف ورسغها..رسغها؟!..كيف نسيته بالطبع بعد ذلك المشهد ستنسى..
هرولت السيدة رحمة ناحية الفتاه..جلست بحنو جانبها وقالت بشفقة


رحمة: تعالي معايا عشان أنضفلك جرحك..الظاهر إنه فتح تاني.
1


سارعت هى بالرد بذعر.لأ..لأ..لأ..بلاش..آآآ..أنا عاوزة أفضل هنا
عقدت مابين حاجبيها وقالت بتعجب.ليه بس يا حبيبتي


لم ترد ولكن نظرت لها نظره فهمتها رحمة جيداً ربتت على كتفها بحنو أمومي وقالت بهدوء
رحمة: خلاص يا حبيبتي أنا هقوم أجيب علبة الإسعافات و أجي..مش هتأخر


أوماءت إسراء برأسها ولم تتحدث..بينما خرجت رحمة وهى تتمتم بخفوت
رحمة: ربنا يسترها عليكي يا بنتي


رحمة!!
ذاك الصوت القاتم..المرعب والصارم..إلتفتت رحمة وقالت بخفوت


رحمة: أيوة يا رائف بية
رائف بجمود: هى فين


رحمة بتوسل: بـ..بلاش تتدخلها يا رائف بيه البنيه مش متلميه على أعصابها
بدا وكأنه لم يسمع حرف مما قالت وأعاد سؤاله بحدة


رائف: كلمة ومش هتنيها..هى فين
أشارت لغرفتها بخوف..توجه هو ناحية غرفتها..وقف قليلاً أمام الباب..إلتفت ناحية رحمة وجدها لاتزال جامدة مكانها أشار هو بعينيه لكى تذهب..لإـ أمتثلت هى لأوامره الصامتة..أعاد نظره مرة أخرى ناحية الباب ثم دلف بدون سابق إنذار


كانت هى جالسة ودموعها تتساقط بصمت..وعلى ملامح وجهها أثار الآلم بيّن إثر جُرحها الذي لم يُشفى بعد..إنتفضت عقب دخوله العاصف
كان يقف هو على الباب مستنداً عليه بنصفه العاري..رمقها بنظرات مطولة ذات مغزى فهمتها هى سريعاً..إنكمشت على نفسها وبعفوية غطت شفتيها وكأنها تحميها من شفتيه المسممة..نظر لها


بسخرية وقال
رائف: لأ متاخفيش أوي كدا..هنأجل كل دا بعد الجواز


إسراء بـ إستفهام خائف: يعني إيه
إقترب رائف ناحيتها بشدة وقال: يعني ساعة بكتير و تكوني حرم رائف الأسيوطي


جحظت عيناها من المفاجأة وقالت بتوتر بالغ
إسراء: قصدك إيه؟


رائف بمكر: قصدي هتبقي مراتي يا كتكوتة
إبتعد قليلاً ثم قهقه بشدة..إلتفت إليها وقال بخبث


رائف: جهزي نفسك بقى
لم ترد..وبم ترد..ظلت جامدة كالصخر..سينتهكها..بالطبع ذلك هو مايسعى من أجله..كيف الخلاص..كيف الخلاص منك يا جلادي..


تركها متخبطة ثم خرج عن الغرفة..وجد رحمة بالخارج ومعها عدة الإسعافات..فتسائل
رائف: إيه دا؟!


رحمة: الجرح اللى فـ إيديها فتح ولازم أطهره
تذكر يدها التي قطرت دماً..وشفتيها التي عض عليها بشراسة لكي تُجرح ذاك الجرح المثير بنظره..هز رأسه وقال بجدية


رائف: ماشي..المهم نص ساعة وهيجي ضيوف..إعملي حسابك إنتي هتبقي الوكيل بتاعها عشان الجواز


فغرت رحمة فاها وقالت: نعم؟..يارائف بيه أأأ..
أشار بيدة لكي تتوقف عن الحديث وقال بصرامة قاطعة


رائف: كلامي واضح
أماءت رأسها بقلة حيلة وقالت: إللى تؤمر بيه سعادتك



رحل دون نبس كلمة..بينما توجهت رحمة لغرفة المسكينة..وجدتها جامدة..ساكنة..لا تتحرك..وربما أيضاً لا تتنفس..توجهت ناحيتها بخطوات متعجلة وقالت بقلق


رحمة: إنتي كويسة يا بنتي..عملك حاجة
إسراء: ….


رحمة بقلق أكبر: يا بنتي ردي عليا
إسراء: ……


سكون كانت الإجابة سكون ولكن إرادة رحمة وإصرارها كان أكبر
رحمة: حبيبتي..أنا عارفة إنه صعب عليكي بس فوقي كدا وأجمدي عشان تعارفي تواجهي


إسراء بنبرة متحسرة: هو عاد في حيل أواجه حاجة أو حد..أنا خلاص..معتش قادرة أتحمل حاسة إني فـ كابوس ومش عارفة أفوق منه..
نزلت دموع رحمة مُتأثرة بحالة المسكينة..رباه فتاه صغيرة كهذه هى تسليته الجديدة..خرج صوت رحمة بشقفة وسط دموعها
رحمة: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا


ردت عليها بصوت مبحوح: ونعم بالله
إبتسمت رحمة بعذوبة وقالت: طب هاتي بقى إيدك عشان أنضفلك الجرح و أربطه تاني


مدت يدها بقلة حيلة وشرعت رحمة بتنظيف الجرح ببراعة مما أثار دهشة إسراء فدفعها للسؤال بعفوية
إسراء: هو إنتي دكتورة



قهقهت رحمة وقالت: إشمعنا


إسراء بتعجب: أصلك بتنضفي الجرح صح
رحمة بمشاكسة: وإنتي عرفتي منين


فهمت ما ترمي إليه فقالت بنبرة مفتخرة
إسراء: صحيح أنا مكملتش تعليمي بعد الثانوية بس كنت فـ 3 السنين اللى فاتوا بقرأ كتب كتير


رفعت رحمة حاجبها بـ إعجاب بيّن وقال: زي إيه مثلاً
إسراء بـ إبتسامة طفيفة: طب-وأدب-تاريخ-شعر-علوم وكتيييير



رحمة بـ نبرة مفتخرة: ما شاء الله عليكي


أضافت إسراء: وبعرف لغات كمان
رحمة بمزاح: كمان زي إيه مثلاً ياستي


عدت لها إسراء وقالت: تركي-وإنجليزي-ياباني-ألماني-فرنساوي


رحمة: ما شاء لله عليكي يا بنتي شطورة
إسراء بجدية: مقولتليش إنتي دكتورة


رحمة بـ إبتسامة: لأ يا حبيبتي أنا كنت بشتغل ممرضة
إسراء بتعجب: وإيه اللى جابك تشتغلي هنا


تنهدت تنهيدة تحمل في طياتها ماضي أليم وقالت بشئ من الحزن
رحمة: حكاية طويلة مش هينفع أحكيها


إسراء: ليه
لم تجبها رحمة ففهمت إسراء عدم رغبتها في الحديث..فسكتت ولم تتحدث


بعد وقت قصير إنتهت رحمة من تضميد جراحها..لملمت أشائيها ثم غادرت..بعد دقائق دلفت مرة اخرى وتوجهت ناحية خزانتها وأخرجت ثوب طويل من اللون النبيذي ذو أكمام طويلة وضيقه
كحال الثوب ضيق من الصدر للخصر ثم ينسدل بـ إتساع واخرجت من حقيبة بيدها قطعة قماش يبدو أنه حجاب..عقدت إسراء مابين حاجبيها وضيقت عينيها وقالت بتساؤل


إسراء: إيه دا؟!
رحمة: رائف بيه طلب مني إني أجهزك


قفز قلبها من بين ضلوعها..ها هي ستزف إلى موتها..يحمل هو خنجر مسموم ليدسه بين ضلوعها..هربت الدماء من العروق..وجف حلقها من فرط خوفها
إلتفتت إليها رحمة لتجدها ترتجف وشحوب وجهها بات واضحاً..نظرت لها بشفقة ولكن ليس بيدها حيلة..توجهت ناحيتها وقالت بحزن


رحمة: يلا يا حبيبتي إجهزي
هطلت دموعها كشلالات..أخذت من وجنتيها مجرى لها لتسقط من عليهما كـ أمطار تروي يدها المضمدة..ربتت رحمة على كفها بحنو وقالت


رحمة: إتوكلي على ربنا هو مش هيسيبك
إسراء بدموع: يارب..خليك جمبي


أخذت الملابس من السيدة البشوش ثم دلفت لتبدل ملابسها
في الأسفل


كان المأذون ورائف وصديقيه عماد ونادر يجلسان بتساؤل ودهشه تتقافز من عينينهما..مال عماد على أذن نادر وقال
عماد: هو إيه اللى بيحصل


مط نادر شفتيه ورفع منكبيه وقال بفتور: علمي علمك..كلمني وقالي تعالى إشهد على جوازي
عماد بتفكير: الحكاية وراها إن


نادر وهو يومئ بقوة: عندك حق..ربنا يستر أنا أصلاً مش مطمن لتصرفات البيه
رائف: بتقولوا إيه


تنحنح عماد وقال: أحم..لأ مفيش..هنبدأ إمتى
رائف: لما العروسة تنزل


بعد لحظات نزلت العروس بهيئة ملائكية بريئة..طفلة بالفعل هى طفلة..حجابها الأنيق..ملابسها التي أصرت وبشدة السيدة رحمة على إبتياعها للفتاه..فلم يتناقش كثيراً وكانت بالفعل محقة فهى تبدو
كـ طفلة نضجت مبكراً..


ولكن مهلاً..من أين أعرف هذه الملامح..كيف لم أدقق من قبل..ملامحها مألوفة بدرجة أخافته..تشبهها وبشدة..
فاق من شرودة على صوت السيخ وهو يقول بلغة عربية فُصحى

المأذون: تفضلي يا إبنتي..لكي نبدأ المراسم
أمسكت رحمة بيدها وتوجهت بها ناحية الأريكة..كانت إسراء مغيبة وكأنها في عالم أخر..تخشى ما هو قادم..أكثر مما فات..


تفرس الأخران(نادر وعماد) النظر للعروس..كانت عادية ولكن هالة البراءة المحيطة بها أجبرتهم على التحديق بها وبشدة..إنتبه رائف لنظرات صديقيه التى تأكل زوجته..لكز عماد بقوة وقال له
بخشونة


رائف: إحترم نفسك إنت والبأف اللى جمبك..دي هتبقى مراتي

تنحنح نادر بحرج وقال: أحم..أسفين يا رائف
بدأت مراسم الزواج..وأنتهت سريعاً..غادر الجميع وبقى رائف ورحمة والعروس المشؤومة..نظر رائف لها وجدها جامدة كالصخر لا يظهر على وجهها أي ملمح أو إحساس..تنحنت رحمة من بينهما وقالت


رحمة: رائف بيه
نظر لها رائف وقال بجمود: أفندم


رحمة بحرج ورجاء: أحم..ممكن بس تسيب إسراء تستريح النهارده كتير اللى حصل عليها..
تفرس النظر لها وحك ذقنه بتفكير عميق ثم قال بغموض


رائف: موافق بس ساعة مش أكتر
تهللت أسارير رحمة وقالت


رحمة: ماشي هخدها تستريح
رائف: إستني


نهض عن مقعده وتوجه ناحيتها..لا تزال جامدة..تنحنح بخشونة وقال بنبرة عادية
رائف: إسراء


كانت تلك المرة الأولى التي ينطق بها إسمها بتلك النبرة اللينة..ليست لين ولكن نبرة تخلو من الشهوة أو السخرية فقط بطريقة غير معتادة بالنسبة لها..رفعت له رأسها سريعاً وبعفوية
ليلمح هو نظرة إعتاد عليها منذ زمن..نظرة أحبها..يا الله ما بال تلك الفتاه..من أنتي أراد الصراخ بها..لكن تحولت نظراته للجمود وقال

رائف: إطلعي ع أوضك ساعة وهيبقى لينا كلام تاني


هوى قلبها إلى قدميها..دقات قلب كالطبول..عيناها زاغت على منقذ لها فلم تجد سواها..رمقتها بـ إستغاثة..فبادلتها رحمة نظرات مطمأنة
توجت رحمة ناحية القابعة..أمسكت يدها التي قبضت عليها بشدة..توجها ناحية الغرفة..ثم تمددت على الفراش..بدأ جسدها بـ الأرتعاش..والأنتفاضة الرهيبة التي هزت كيانها..حدثتها رحمة بقلق


عقب أن رأتها بتلك الحالة وقالت
رحمة: إسراء..فيكي إيه


علت شهقاتها وأنين متألم..لتتابع رحمة بحزن وشفقة
رحمة: لا حول ولا قوة إلا بالله..إهدي يا بنتي


نطقت إسراء بحروف متقطعة: مـ..متسـ..متسبنيش والنبي


ربتت على رأسها ومسدت عليها وقالت برقة: مش هسيبك..يلا نامي
تمسكت إسراء بيدها أكثر..بينما ضغطت رحمة على يديها..وظلت تتلو مما حفظت من أيات قرآنية..


حركت إسراء يدها ناحية الكومود..وأخرت لها صورة في سن 9 كُتب عليها من الخلف (زهرتي)..قبضت عليها بيدها ثم غفت..تعجبت مما فعلته ولكنها لم تعلق..ظلت تتمتم حتى لاحظت سكون


جسدها وإنتظام أنفاسها..حررت يدها من قبضتها..ثم دثرتها جيداً وتوجهت للخارج
وجدته مستند على الحائط..كان يرتدي بنطال جينز أزرق وتيشيرت أبيض ضيق أظهر عضلاته المتعرجة بدقة..وجه لرحمة سؤال وقال


رائف: نامت؟
أماءت بمعنى نعم ثم أسترسلت وقالت بحزن: البنت حالتها وحشه أوي


بدا وكأنه شارد..وضعت هى كفها المجعد فوق مرفقه وضعطت عليه وقالت برجاء
رحمة: بلاش تعملها حاجة سايق عليك النبي..البنت ممكن تروح فيها



نظر رائف ليدها الموضوعة على مرفقه بنظرات مشتعلة..ثم نظر لها شزراً لفعلتها..بينما تحنحت بحرج مما فعلته وقالت بتلعثم


رحمة: أسفة يابني..آآ..أقصد يا رائف بيه


رائف بجمود: شوفي شغلك
تحركت رحمة وهى تحبس الدموع بعينيها..بينما تحرك هو ناحية غرفتها..فتح الباب بهدوء..


وزع نظراته على الغرفة ليجدها نائمة بهدوء على فراشها..أغلق الباب ثم توجه ناحيتها..جلس على طرف الفراش وتفرس النظر لملامحها الباهته..الحزينة..لا يعلم لما تحرك بداخله شئ كان قد
قتله منذ زمن..لما عاود الحياه..هى..من هى


أكمل تفرسه..ولكنه نهض بهدوء كاد أن يبتعد عنها..ولكنه لمح تلك الصورة بيدها..ضيق عينيه قليلاً عله يستشف ما بيدها ولكنه عجز..قرب منها مرة أخرى وسحب ما بيدها
وجدها صورة لفتاه في عمر التاسعة ذات جدائل سوداء طويلة ترتدى فستان أبيض بورود حمراء وفي قدميها الصغيرتان ترتدي حذاء وردي..ما ان رأى محتوى الصورة حتى توقفت أنفاسه..

أحس وكأن أحدهم سكب دلو ماء بارد عليه في مناخ يناير..صدمة أوفقت جميع أعضائه الحثية والجسدية وأخيراً الفكرية..


بعد لحظات أو ربما ساعات فاق من حالة الصدمة التي عليها..أخذ يتفرس في ملامح الفتاه من في الصورة وتلك النائمة بهدوء..تذبذت عيناه بينهما..قلب الصورة ثم وجد تلك الكلمة التي قطعت
شكه باليقين (زهرتي)..



نطق لسانه بكلمات غير مفهومة ثم نطق بصوت مشدوه


رائف: زهره؟!!!


زهرتي..دُمت باحث عنكي..سنوات..وسنوات..زهرة بيضاء تفتحت في بستان ملئ بالزنابق السوداء..
رغم ينوعتها..إلا أنها لم تكن بجمال زهرته البيضاء..زهرة سطعت في عالمه لمده وجيزة لتعود وتختفي..


زهرتي المحُبة..ها إلتقينا بعد عناء سنوات..بين فراق دام دهر..لن أدعكِ تُفلتين..لن أدعكِ تهرُبين………………


تعليقات