رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الرابع (أدمنتك) الفصل الاول 1 بقلم اسراء علي



رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الرابع (أدمنتك) الفصل الاول

قد لا نجد الأمان في أوطاننا،
 وقد لا نشعر بالسعادة مع أنفسنا،
وقد لا نجد شيئاً من صقيع زماننا،
 و لكننا نجد الحلم و الأمان و الراحة في عيون من نحب

-ممكن بلاش البوز دا!!...

تذمرت بها روجيدا وهى ترى زوجها مُتجهم الوجه..ينظر إليها بـ غضب كل حينٍ وأخر..لينظر إليها مرةً أخيرة ثم همس بـ صوتٍ مكبوت

-أنتي عارفة إني رايح غصب عني فـ متقوليليش يبقى بوزي عامل إيه
-عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بـ تعجب:هو مش اللي بينكوا خلاص!!..يعني إتصالحتوا!
-هدر بـ حدة:مين قال كدا؟
-رفعت أحد حاجبيها وهتفت:من ساعة أما ساعدك يا جاسر..من ساعة أما كنا كلنا هنموت وهو جه وساعدك..مع إنه حقه ميساعدكش...

أخذ يُحرك رابطة عنقه يمينًا ويسارًا وكأنها طوق يخنقه ليقول بـ إنفعال

-وإيه البتاعة دي!!...

ضحكت روجيدا لتمتد أناملها وتُزيل تلك الرابطة وتقول بـ مزاح

-طب بالهداوة وكل حاجة تتحل..أنت متعصب ليه!
-رفع حاجبه وقال:وسيادتك بتسألي!!...

أوقف السيارة على جانب الطريق وإتكئ بـ مرفقيه على المقوّد ثم تشدق وهو ينظر إليها بـ ضيق

-أنتي مفكرة سهل عليا أروح فرح واحد كان حاطط عينه على مراتي!
-إرتفع حاجبها بـ تعجب وقالت:أنا فكرت إنك قفلت الموضوع دا ن زمان
-حرك رأسه نافيًا ثم قال:مفيش حاجة إتقفلت يا روجيدا..أنا كل أما أفكر فـ كدا أحس بـ نار..مش مجرد أنه ساعدني يبقى خلاص نسيت...

إبتسمت روجيدا بـ عذوبة ثم أمسكت يده وقبّلت باطنها هامسة بـ نبرة أنثوية رائعة

-أنا عمري ما فكرت إني أدخل حد فـ حياتي غيرك يا جاسر..قلبي إتقفل عليك وبس..قبولي بيه فـ مرحلة متهورة فـ حياتنا مكنتش غير وسيلة أرجعك بيها ليا..يعني هو الضحية مش أنا...

ظل ينظر إلى عينيها الفيروزيتين الخلابتين دون أن يحيد عنهما..وبدت عيناه تبتسم لها وحدها حتى تحولت إلى شفتاه التي همست بـ نبرة عميقة

-طول عمر عنيكِ ليهم تأثير مختلف عليا..عنيكِ بحر لأ مش بحر..محيط ملهوش قرار وكل مادا أنا بغرق وعارف إني بغرق بس غرق لذيذ مع الأسف الشديد
-إرتفع حاجبها الأيسر بـ قوة ثم قالت بـ ذهول:مع الأسف شديد!!
-ضحك ثم هتف وهو يميل بـ رأسه:مع الأسف الشديد...

وبـ لحظة خاطفة كان قد جذبها إلى صدره يُريح رأسُها عليه..فـ إبتسمت قبل أن ترفع يدها وتتلمس ذلك الوشم من فوق قميصه لتسمع لعناته وتحشرج أنفاسه قبل أن يقول بـ صوتٍ أجش

-إتقي شر عاشق إذا إشتاق يا فراولة...

ضحكت بـ صخب قبل أن تُقرر طاعة حديثه فـ هو أكثر من صادق بـ إشتياقه لها..شعرت بـ يده تضم ظهرها إليه أكثر حتى سمعت صوت إحتكاك عظامها إلى أن قررت أن تهتف بـ إختناق 

-جاسر!!..ولادك هيتخنقوا...

و دون أن يرد أرخى يده عنها ولكنه لم يبتعد بل لثم جبينها بـ عمق ولم يبتعد بل أبقى شفتيه المُعذِبتين لها على رأسها تلفحها أنفاسه الساخنة إلى حد الإحتراق..لم تظن أن يزال ذلك الأمر يُمثل هاجس له "أن روجيدا كادت أن تُصبح لرجلٍ غيره" ولو على سبيل إسترجاعه..تعلم أنه مُتملك حد الجنون بها..غيرته قاتلة بل أحيانًا تشعر وكأنها قبر يضيق بها حتى يعتصر أضلعها..ولكنها تعلم جيدًا كيفية إحتواءه

شعرت بـ تنفسه يضيق وشفتاه تتقوسان بـ ألم لتهتف روجيدا بـ صرامة

-جاسر وقف العربية...

لم يحتج أن يسمع إلى أمرها مرتين..بل توقف وقبل أن يتشدق بـ كلمة وجدها تُقبل شفتاه بـ رقة جعلت أنفاسه تهدأ..ليبتسم وهو يستشعر كفها يُمسد صدره بـ رقة وحنو به لمحة من القلق..أبعدها عنه ثم هتف بـ عبثية وهو ينظر إلى وجنتها الوردية

-مفتاح هدوئي عرفاه..الواحد بدأ يحب يتعب عشان ياخد الدوا الـ
-قاطعته بـ خجل:متكملش كلمة من كلامك الوقح يا جاسر
-ضحك وقال بـ حرارة:دا اللي بـ إيدي أعمله وأنا مش عارف حتى أضمك ليا من غير أما يطلعلي ولادك فـ البخت..يا جوز المفاعيص دول يا مبنى الأذاعة اللي فـ البيت...

ضحكت روجيدا بـ قوة وهي تراه يائس إلى ذلك الحد..قبّلت جانب فاه ثم همست وهي تُضع رأسها على صدره

-يلا عشان نروح سريع ونرجع سريع...

إرتفع صدره بـ تنفس حارق لتقول بـ جدية

-صدقني يا جاسر..الصفحة دي إتقفلت وهو دلوقتي بيبدأ حياة جديدة..وأنا أهو جنبك ومش هروح لحتة تانية
-تأفف بـ ضيق ثم قال:أستغفر الله العظيم يارب..يا مهوّن...

أدار مُحرك السيارة لتتحرك ولا يزالا على وضعهما..بينما ملامح جاسر تزداد قتامة دون أن تدري روجيدا..هاجس الرجل الذي حاول سرقة زوجته منه لا زال يُطارده..حتى و هى بـ أحضانه تحمل داخلها طفلين آخرين له..منه وله فقط إلا أن ذكرى يوم إختطافه لها وهى ترتدي ثوبها الذي بدت به كـ الملائكة وأنها ستُزف لآخر "مجازيًا" وهى لا تزال "على ذمته" تُطارده..تجعله يفقد عقله..لم ولن يتجاوز ذلك اليوم أبدًا ويبدو أنها تعلم وتُراعيه 

بعد نصف ساعة وصلت السيارة إلى قرية الهواري..لتشتعل ملامح جاسر بـ نيران هائجة بينما عيناه تتحول إلى ظلامٍ دامس يكاد يبتلع الجميع..إلا أنه آثر الهدوء لأجلها

تحركت السيارة على الطريق الغير مُمهد وجميع الأنظار تتجه إلى جاسر بـ تعجب وذهول..إلا أنه لم يأبه وقاد بـ سيارته حتى وصل إلى منزل مروة إبنة منصور..حينها أطفأ المُحرك لتتجمد يداه على المقوّد..لتتنحنح روجيدا ثم قالت بـ خفوت

-يلا ننزل...

و دون أن تنتظر رده إستدارت تجذب رابطة عنقه ثم هبطت..ليتبعها هو الآخر..وقفت أمام المنزل المُزدان بـ الإضاءات الخاصة بـ الزفاف والرجال يتراصون ويرقصون بـ الأحصنة وأصواتهم تتعالى بـ الضحكات والكلمات الرجولية

إستدارت إليه لتضع الرابطة حول عنقه وأعادت ربطها ثم همست بـ رجاء

-حاول تسيطر على أعصابك يا جاسر..عشان خاطري بلاش أطلع ألاقي ضحايا...

لم يرد عليها بل كان ينظر بـ نظرات قاتلة لكل من تجرأ ونظر إلى الفاتنة ذات اللون الأزرق الداكن..بـ الرغم من إتساعه وإحتشامه إلا أنه أظهر قدها الرائع وبروز بطنها الصغير..ليضع يده على خصرها ويدفعها وسط الجموع قائلًا بـ خشونه وحدة أفزعتها

-طب خشي بدل أما تبدأي تعدي من دلوقتي...

إبتلعت ريقها بـ توتر وهي ترى نظرات عيناه المُلتمعة بـ رغبة عارمة بـ القتل لهؤلاء الرجال الذين تجرأوا ونظروا إليها..إبتسمت بـ إهتزاز ليهدر بـ عنف

-مضحكيش وخشي
-حاضر...

وقبل أن تلتفت وتدلف..كان قد أمسك يدها وحذرها بـ صرامة 

-إياكِ..تقلعي الحجاب جوه
-تنفست بـ ثقل ثم قالت بـ هدوء مُتزن:حاضر..ممكن أدخل بقى!...

ترك يدها لتدلف إلى الداخل وبقى هو يُتابع دلوفها حتى إختفت ليتنهد بـ إرتياح ثم جلس بـ جانب أحدهم يُحيه بـ هدوء وكأن شيئًا لم يكن

دقائق مرت قبل أن يأتي منصور وعلى وجهه إبتسامة بشوشة ثم قال وهو يُصافح جاسر الذي نهض إحترامًا له 

-شرفتنا يا جاسر باشا..نورتنا والله
-ربت جاسر على كف منصور وقال بـ إبتسامة:دا نور أهله يا عم منصور..ألف مبروك والله فرحت لمروة
-الله يبارك فيك يا جاسر باشا...

سحبه منصور ثم قال وهو يسير بـ جانبه

-تعالَ سلم على شريف والناس اللي معايا..دا الهوارية كلهم مبسوطين بـ وجودك
-إلا أن جاسر رد وهو يبتسم بـ سخرية:مبسوطين ولا خايفين يا عم منصور!..دا أنا سمعتي وحشة هنا
-ضحك منصور وقال:يا باشا الزمن عدا..والطار دمه نشف والأرض شربته
-إلا أن جاسر رد بـ قتامة:الأرض مبتشربش الدم..الحاجة الوحيدة اللي مبتشربهاش الأرض
-حرك منصور رأسه بـ تفهم ثم قال:عشان كدا متفكرش فـ اللي فات يا بني..مراتك وعيلتك جنبك ودي حاجة تحمد ربنا عليها..أنا عارف دخولك الأرض دي بعد أخر حادثة هنا صعب..زي ما يكون دخلت النار بـ رجليك...

تنهد جاسر و بـ داخله مراجل من النار تشتعل بـ صدره لا يعلم سببها إلا هو..وكأن الحادث كان أمس وكأن دماء "عمه" لا تزال آثاراها على يداه..قتله لم يسعده أبدًا..بل يشعر أن هُناك عاصفة هوارية ستصب على منزله مُذ أن وطأت قدماه تلك الأرض..دائمًا ما تقطع جذع الشجرة ولكن تبقى جذورها ثابتة بـ الأرض لتنبت من جديد ونبتة ثناء الهواري وجابر الهواري قد أينعت وحان وقت القصاص

تنفس جاسر بـ ضيق يجثم على صدره..ليسمع صوت منصور يهتف بـ بشاشة 

-وحد الله يا جاسر يا بني..أنت قضيت على الشر اللي كان من العيلة دي
-رد عليه جاسر بـ نبرة سوداء:الشر مبيموتش..نار الشر مبتنطفيش ...

حرك منصور رأسه مُوافقًا لرأي جاسر الذي إستعان بـ عبارة "عمه" عن كون الشر ينتهي..فـ لو كان لكُنا نعيش بـ المدينة الفاضلة كما قال..فـ الشر هو الوجهه الذي حول بقاع العالم بـ أكملها إلى فساد وحروب..صراعات ومعارك أهلية لطالما حركها شرور أعمالهم زينها لهم الشيطان على إنهم "يُحسنون النسل البشري"

وصلا إلى مجلس العريس الذي نهض إلى جاسر يُصافحه بـ حفاوة ولم تفته تلك النظرة القاتلة التي رمقه بها وبـ نبرة قاسية تشدق

-ألف مبروك
-إبتسم شريف قائلًا:الله يبارك فيك...

ظلت نظرات جاسر القاتلة في صراع مع نظرات شريف الهادئة والذي قال بـ نبرةٍ ذات مغزى

-الواحد لقى خلاص نصه التاني..يعني خلاص دخلت القفص وأنا مرتاح
-إبتسم جاسر من زاوية فمه وقال:كويس إنك لحقت نفسك
-إبتسم شريف وقال:البركة فيك...

تدخل منصور قائلًا وهو ينظر إلى شريف

-مش ناوي تدخل تشوف عروستك وتطلع هنا ولا إيه!
-تنحنح شريف وقال:هي مروة عملت كل اللي نفسها فيه!..أنا مش هسمحلها تتحرك من جنبي
-ربت على منكبه وقال:متخافش يا بني..مروة عاقلة
-ليرد بـ حماس:طب يلا عشان عاوز أشوفها
-ضحك منصور وقال:خلاص أنا هبعت بنت تدخلهم...

أومأ شريف وبـ داخله ينبض كـ مضخة عملاقة ترج أجزاء جسده..ليتبع منصور ومن خلفهما جاسر يسير بـ بطء وهو يشعر بـ أحدهم يراقبه..لينظر من خلفه و حوله بـ نظرات حادة كـ الصقر ولكنه لم يجد أحد..زفر بـ نفاذ صبر وهو يدعو بـ داخله أن تكون مجرد هلاوس أو شعور داخلي

تبعهم إلى أن وقف أمام المنزل لتدلف أحد الفتيات إلى داخله..سمع بعد دقائق النساء يُطلقن أصواتهن لينظر إلى روجيدا التي تقف بـ جانب العروس وهى تبتسم بـ جاذبية وكأنها تبتسم إليه

بينما شريف أمامه قد إشتعلت عيناه بـ وهج عنيف بـ رغبةٍ قاتلة في أخذها بعيدًا عن الجميع..كانت بهجة للناظر بـ ثوبها الأبيض الرائع..الذي ينسدل على جسدها بـ إنسيابية رائعة جعلت منها مثال حيّ للفتنة والجمال..و وشاح رأسها الأبيض لم يزدها إلا جمالًا وبراءة قاتلة أصابت قلبه بـ ضربات قوية حتى بات يستشعر صداها بـ رأسه

وقفت مروة أمامه تبتسم بـ خجل و والدها يُسلمها إياه وهو يُطلق الوصايا السبع..ولكنه لم يسمع حرفًا مما قال..فـ كانت كل حواسه مُثبتة على كتلة البراءة والفتنة أمامه..كأن العالم قد خلا من الجميع عداهما..مدّ يده وهو يستمع إلى أصوات الأعيرة النارية تُطلق بـ الهواء..ليحاوط رأسها ثم جذبها إليه يُقبل جبينها ثم همس بـ نبرة رجولية خالصة

-دخلتي حياتي نورتيها ومليتي قلبي بكِ..ربنا يبارك فـ أيامنا...

وضعت مروو يدها على مرفقه دون أن تجد القدرة على الحديث..فقد تآكل الخجل جسدها كله حتى لسانها التي تتباهى به قد أكله القط وشبع حتى التخمة..وصل بها إلى مجلسهما بدأ الزفاف

كان شريف قد إحترم رغبتها بـ أن تُقيم حفل زفافها البسيط بـ قرية الهواري..زفاف كما يعده الصعيد من إعداد ذبائح و ولائم لعدة أيام..وقد بدت القرية كمكان مُناسب وخاصةً عند تلك الشجرة..التي تحمل ذكرياتهم الخاصة..وذكرى أول "فطيرة سكر" يتناولها من بين يديها وكم سعدت لذلك الإقتراح..لم ينسَ أيّة ذكرى لهما وهى حقًا أكثر من سعيدة وهى تراه يمسك كف يدها بـ تملك قاسٍ جعلها تبتسم بـ عذوبة هامسة بـ أُذنه

-بحبك...

لاحظت يده التي قبضت على يدها بـ قوة وأنفاسه المُتحشرجة التي تعالت ثم هتف بـ صوتٍ أجش

-إحترمي نفسك يا مروة..أنتي مش عارفة أنا ماسك نفسي الكام ساعة بتوع الفرح دي إزاي!
-ضحكت بـ خجل وقالت:طب رد على كلمتي...

إلتفت إليها ثم نظر بـ دخاني عيناه إلى عينيها البُنية اللامعة بـ عمق أذابها هامسًا بـ رقة وإبتسامة مليئة بـ العواطف

-بحبك يا كرة الشعر...

*************************************

إستيقظت من نومها ونظرت بـ جانبها فـ لم تجده كما توقعت..مُنذ الأمس وهي تشعر بـ أن هُناك خطبٌا ما..كانت ملامحه مُنقبضة وحين سألته بـ هدوء

-مالك يا جاسر!..شريف ضايقك بـ حاجة!!...

لم يرد عليها لوقتٍ طويل ظنت أنه لم يسمعها إلا أنه رد بـ صوتٍ جامد

-ليه بتقولي كدا!
-رفعت كتفيها وقالت:مش عارفة..شكلك بيقول فيه حاجة
-إبتسم بـ إصفرار وقال:لا أبدًا..بس دخولي أرض الهوارية تاني خلاني أفتكر حاجات فكرت إني نسيتها...

وقتها تنهدت وهى تتفهم ألمه وما قاساه..ولكن ما يبنض بـ داخلها يُنبئها بـ أن هُناك ما هو أسوء..تعرف جاسر لطالما ظن أنه يستطيع حمايتها بـ جهلها..ولكنها تعلم..ولكنه يجهل أنها ما هي إلا قشرة الثقة التي يأبى جاسر أن تتصدع..يظن أنها بـ أمان وهى بعيدة..زفرت بـ يأس وقالت

-يا ما نفسي تتغير...

نهضت عن الفراش ونظرت إلى الطاولة أمام الفراش..لتجد عليه وجبة إفطار لذيذة بما تتناسب مع شهيتها أثناء حملها..و زهرة حمراء جورية ورسالة غرام تحمل عطره الرجولي لتبتسم وهى تقرأ عبارته

-"جعله الله أجمل صباح يمر بكِ يا ذات العيون الفيروزية..يا صاحبة المُحيطان..تناولي إفطارك فقدت أعددته لكِ بـ نفسي وأعلم جيدًا أنه سينال إعجابك بل ستطيرين سعادةً به"...

ضحكت وهى لا تُصدق غروره وثقته..أدارت الورقة لتجد عبارة
"ملحوظة شديدة الأهمية" وبـ جانبها رُسمت علامة الموت..ضحكت بـ عدم تصديق وهى تقرأ

-"سيبك من الدلع اللي ورا والكلمتين العربي دول..متطلعيش يا روجيدا من غير الحجاب..أنا عارف إن مفيش زفت رجالة وسامح مسافر..بس أنا مراتي لا بتتكشف لا على رجالة ولا ستات ولا حتى أطفال..ودا يدخلنا على نقطة مهمة..متلبسيش غير فستانك الأسود عشان أوسع حاجة عندك..سيبي الباقي تلبسيه ليا"...

إرتفع كِلا حاجبيها وهي ترى عبارته الوقحة المُدونة بـ أخر العبارة..لتضحك بعدها بـ خجل قائلة

-وقح طول عمرك...

جلست وتناولت إفطارها ثم إرتدت ثيابها المكونة من ذلك الثوب الأبيض المُزين من الأطراف بـ ورود زهرية ملونة وحجاب بـ اللون الوردي..نظرت إلى هيئتها بـ المرآة قبل أن تهبط..لم تجد أحدًا بـ القصر سوى الخادمات لتسأل أحداهن

-أومال فين طنط فاطمة!
-ردت الخادمة بـ إحترام:راحت لمدحت بيه وأخدت الست الصغيرة معاها وقالت هتوصلها الحضانة
-أومأت بـ إبتسامة قائلة:طيب مرسيه يا حبيبتي..كملي شغلك
-إبتسمت الخادمة وقالت:تؤمريني بـ حاجة يا هانم؟
-ردت روجيدا بـ لطف:لا يا حبيبتي..بس خلي السواق يجهز عشان هنزل القاهرة...

أومأت الخادمة بـ طاعة ورحلت لتنفذ ما طلبته روجيدا

بعد دقائق كانت روجيدا تجلس بـ السيارة وقبل أن تنطلق هتفت سيدة بدت في منتصف عقدها الخامس وهي تتجه إلى السيارة ثم قالت وهى تلهث

-أسنتي يا ست روجيدا
-عقدت روجيدا حاجبيها وتساءلت:خير يا ست أم بسمة!
-إبتسمت السيدة ذات الوجه المُمتلئ وقالت:خير يا ست الكل..نسيتي تشربي العصير..فـ جبتهولك...

أخذت روجيدا عصير البُرتقال الذي يوصي به جاسر يوميًا فهي لم ترتشفه صباحًا..ثم تجرعت القليل منه لتقول وهى تمد يدها بـ الكأس

-خلاص مش قادرة..كفاية أوي كدا
-لترد أم بسمة بـ إمتعاض:بس مينفعش كدا يا ست روجيدا..جاسر باشا يزعل مني...

ضحكت روجيدا على عفويتها لتقول من بين ضحكاتها

-مش هقوله..أقولك على حاجة!..إشربيه وكأني أنا شربته..يلا عشان أتأخرت
-تروحي وتيجي بـ السلامة...

ثم إنطلقت السيارة لتتجه بـ روجيدا إلى شركة جاسر حتى وصلت..وما أن دلفت حتى حياها العاملين..وبقت ماثلة أمام المصعد تبتلع ريقها بـ توتر..تتقافز ضربات قلبها بـ جنون حتى سمعت صوتً رجوليًا يهتف بـ مزاح

-على فكرة الأسانسير مش هينزل تحت الأرض...

إنتفضت روجيدا وهى تنظر إلى ذلك الحائط البشري الذي يُماثل جسد زوجها..وظلت وجهها يرتفع حتى وصلت إلى تلك العينين الزرقاء التي تُطالعنها بـ إهتمام..ليبتسم قائلًا

-أنتي مش طالعة!
-ها!!...

هذا كل ما همست به بـ ذهول قبل أن يضحك ويقول بـ إتزان

-بقول حضرتك طالعة مش كدا؟
-أومأت قائلة:أيوة
-أشار بـ رأسه ثم قال:طب مستنية إيه!..الأسانسير وصل...

نظرت إلى الأبواب المُنفتحة على مصرعيها قبل أن تقول بـ توتر 

-لأ إتفضل أنت..أنا مستنية حد
-لم تختفِ إبتسامته ليقول:على راحتك..فرصة سعيدة...

دلف هو دون أن يدع لها فرصة للرد..كل ما رأته هو وجهه الوسيم قبل أن تنغلق الأبواب مُتبسمًا بـ إتزان..وضعت يدها على قلبها المُتقافز ثم سحبت نفسًا عميق قائلة

-إهدي يا روجيدا..هتطلعي ع السلم زي الشاطرة...

نظرت إلى الدرج وبدأت تصعده بـ تمهل حريص..أخذت ثلاثون دقيقة حتى وصلت إلى الأعلى بـ شق الأنفس..إستندت على الحائط ترتاح قبل أن تتجه إلى مكتب جاسر والتي ما أن لمحتها السكرتيرة حتى نهضت مُبتسمة قائلة

-نورتي الشركة يا مدام روجيدا...

إبتسمت روجيدا بـ مجاملة ثم دلفت لتجد جاسر مُنكبًا على الأوراق..إبتسمت بـ عذوبة ثم إتجهت إليه..دارت حول مكتبه لتجلس على طرفه والعجيب أنه لم يشعر بها..وهي فضلت أن تُشاهده بـ حرية..خُصلاته الفحمية التي إستطالت قليلًا حتى جعلته جذابًا بـ درجة أثارت غيرتها..هُناك نساء تنظر إلى وسامته بـ نظرات حالمة..ولكنها تهدأ ما أن سمعت عبارة جعلت المُفرقعات تحوم حولها "هي فقط وماتت النساء بـ عيني" تضخم قلبها بـ عشقٍ لا يليق إلا به

خرجت من شرودها على صوت تأوه وهو يضع يده خلف عنقه..لتبتسم وتقول بـ نعومة

-كفاية ترهق نفسك!...

وجدته يرفع رأسه إليها بغتةً وبدا مصدومًا من رؤيتها أول الأمر ثم ما لبث أن إبتسم ونهض قائلًا

-أنتي هنا من أمتى!..وإزاي محستش بيكي!
-رفعت رأسها إليه وقالت:الشغل واخد عقلك...

إتجه إليها ليحملها من خصرها ويضعها على المكتب ثم وقف أمامها يحتضن خصرها هامسًا بـ عبث

-لا والله دا الفراولة هي اللي واخدة عقلي وبقول أمتى الموسم بتاعها يجي!
-حاوطت عنقه ثم هتفت بـ يأس:مفيش فايدة بـ قلة أدبك و وقاحتك...

زاد من ضمه إلى خصرها يجذبها إليه ثم داعب أنفه بـ أنفها قائلًا

-ومين يبقى قدامه الحلاوة دي وميبقاش قليل الأدب..طب دي تبقى عيبة فـ حقي كـ جاسر الصياد
-رفعت حاجبيها هاتفة بـ تعجب:والله؟
-مال بـ رأسه وقال:والله والله...

ضحكت بـ غنج وهى تُقبل فكه ليهمس ويده تصعد إلى ظهرها

-وإيه سبب الزيارة الرائعة دي!
-همست بـ إشتياق:وحشتني..دا سبب كافي!
-همس قبل أن يُلثم وجنتها:وأكتر من كافي...

ضحكت لتجده يضع يده على ذقنها ويلتهم شفتيها بـ قُبلة عاصفة جعلت يدها تلتف حول عنقه أكثر وكأنها إن تركته ستقع..وهو يده تلتف حولها تجذبها إليه أكثر حتى تحولت القَبلة إلى عدة قُبلات..كل قُبلة أكثر جنونًا وعاطفة من سابقيها..حتى قطع خلوتهم طرق الباب ليبتعد جاسر عنها سريعًا هاتفًا بـ صوتٍ أجش

-أدخل...

دلفت السكرتيرة ثم وقفت تنظر إلى روجيدا التي تتلاعب بـ أصابعها بـ إرتباك و وجنتها تحمل حُمرة طاغية ناهيك عن شفتيها المتورمة..ليتنحنح جاسر بـ غلظة

-خلصتي فرجة على مراتي؟
-تنحنت السكرتيرة بـ حرج وقالت:أسفة يا فندم
-ليقول جاسر بـ جدية وجفاء:خير!
-حمحمت وقالت:الضيف مستني حضرتك بره
-عقد حاجبه وتساءل:ضيف مين!!...

نظرت السكرتيرة إلى الأوراق ثم عادت تنظر إلى جاسر وقالت بـ لهجة عملية

-مستر رائف الأسيوطي...

تعليقات



×