رواية الظل المجهول ( كاملة جميع الفصول ) بقلم حماده زهران


 رواية الظل المجهول الفصل الاول 

بعد الساعة 12 في نص الليل،كان أحسن وقت أشتغل فيه.
البيت كله نايم،وأنا قاعد قدام اللابتوب،كل حاجة هادية ما عدا صوت الكيبورد اللي كنت بدوس عليه وأنا بكتب المنشور الجديد على الفيس بوك.
كتبت:
"لو حسيت قبل كده إن في حاجة غريبة في شخصيتك أو حياتك ومش عارف تفسرها،احكيلي هنا..أنا طالب طب نفسي، ويمكن أقدر أساعدك". 
بصيت على الجملة مرة واتنين وتلاتة قبل ما أضغط نشر..حسيت بإثارة غريبة وأنا بتخيل الناس هترد تقول إيه. صحيح أنا عامل الحساب بأسم مستعار، لكن كنت حاسس كأنهم هيعرفوا إني أنا اللي ورا الكلام ده.
رجعت بضهري ورا على الكرسي،وأنا عيني على الشاشة مستني أول تعليق. كنت فاكر إني داخل تجربة عادية، حاجة أفيد بيها دراستي وأفهم منها أكتر عن سلوك البشر..بس اللي حصل بعد كده كان أكبر بكتير من مجرد تجربة. 
ما فاتش كتير على ما جالي أول تعليق..صوت الإشعار خبط في وداني وأنا قلبي دق بسرعة.
فتحت الرسالة،ولقيتها من حساب شكله جديد،اسم صاحبه "ظل مجهول". التعليق كان قصير جداً:
"أنا بسمع أصوات في دماغي، ومش عارف أوقفها"

قريت الكلام مرة واتنين..الموضوع كان مثير، بس في نفس الوقت كان فيه حاجة غلط. 
ليه شخص زي ده هيقرر يفتح قلبه لشخص ما يعرفوش.
كتبتله:
-الأصوات دي بتقولك إيه..وبتحس إنها حقيقية ولا مجرد أفكار في بالك. 
وقعدت مستني الرد، والوقت عدى ببطء رهيب.لحد ما جالي الرد التاني،وقال:
-بيقولولي مستنيينك.
حسيت ببرودة في أطرافي وأنا بأقرأ الكلمة دي..كنت حاسس إن الشخص ده بيتكلم بجد..فكرت أوقف هنا،وأحذفه وأقفل الصفحة كلها،لكن الفضول كان أقوى.
اعرفكم بنفسي..أنا أسمي آدم صبري، شاب عادي،بس مختلف شوية. 
يمكن اللي يعرفني يقول عليا هادي أو انطوائي، بس الحقيقة إني بحب الهدوء أكتر من الزحمة.
الليل بالنسبالي مش مجرد وقت،ده عالمي الخاص بعد نص الليل،الدنيا بتهدى وأحس كأن الكون كله ساكت عشان أفكر براحتي.
من وأنا صغير عندي هوس أفهم الناس، ليه بيعملوا كده..بيفكروا في إيه..إيه اللي بيخليهم يتصرفوا بطريقة معينة. عشان كده اخترت أدرس طب نفسي،مش بس عشان أساعد الناس، لا كمان عشان أفهم نفسي أكتر.
ومع إني بحب أسمع مشاكل الناس وأحللها،دايماً كنت بحس إني برتاح لما أتعامل من ورا ستارة..يعني حسابي الوهمي على الفيس بوك كان أفضل طريقة إني أعبر عن اللي جوايا وأساعد الناس من غير ما أحس إني مكشوف قدامهم.
أنا مش اجتماعي أوي،عندي أصحاب قليلين،بس بحب أقعد لوحدي كتير..بحب أربط الأحداث ببعض وأفكر في كل حاجة كأنها لغز لازم يتحل. بس ساعات دماغي بتتعبني لما أسيب نفسي أفكر بزيادة.
ممكن تقول عليا متردد أو بحب أشتغل على الناعم،بس ده مش خوف، دي طريقتي في السيطرة على كل حاجة حواليا..أنا عارف إني مش كامل، وفي حاجات في شخصيتي ساعات بتخليني قلقان أو حتى مش فاهم نفسي،بس يمكن ده اللي بيخليني أقدر أفهم غيري.
ده أنا ببساطة..شاب بيحب الليل والغموض،وعقله دايماً بيدور على إجابة.
رديت على الظل المجهول وقولت:
-هبعتلك خاص. 
وبعتله في الخاص،وقولت:
-مين هما اللي بيقولوا مستنيينك. 
الرد جالي بسرعة:
- أنا معرفش،هما اللي بيقولوا وأنا لازم أروحلهم.
الحاجات دي كانت بتقلب كل اللي درسته..ده مش مجرد اضطراب نفسي بسيط،ده حاجة أعمق وأخطر.
حاولت أتمالك نفسي،دي أول مرة أتعامل مع حاجة بالشكل ده..صحيح قريت عن الهلاوس السمعية في الكتب، لكن الكلام اللي قدامي كان مختلف.
قررت أكمل الحوار وقولت:
-طيب إنت مين..وقصتك ايه. 
الإشعار جه بعدها بثواني،قال:
-أنا مجرد واحد مش عارف نفسه.
حسيت إن الشخص ده على حافة كارثة،لازم أعرف أكتر قبل ما يحصل حاجة.
قولت:
-الأصوات دي بدأت إمتى..وحصل معاك حاجة قبلها.
رد بعد دقيقة تقريبًا:
-كنت طبيعي لحد ما عملت حادثة ودفنوني. 
حسيت برعشة وأنا بأقرأ الكلام،الوضع شكله بيدخل في حتة أعمق،مش مجرد مرض نفسي.
سألته:
-إنت ليه بتتكلم بصيغة الجمع،مين هما. 
الرسالة اللي جات كانت مختلفة..طويلة شوية،لكنها مليانة تفاصيل:
-هما مجموعة أصوات،كل واحد ليه صوت مختلف واعرفهم وبشوفهم كمان..لكنهم كلهم بيتفقوا على حاجة واحدة..إن لازم أعمل اللي بيقولوه.
في اللحظة دي حسيت إن الحوار خرج عن سيطرتي..كان لازم أقرر أكمل معاه،وأشوف الحد اللي ممكن أوصله، ولا أوقف كل ده قبل ما أتورط أكتر..لكن الحقيقة اني قررت أكمل.
قولت:
-احكيلي قصتك من البداية.
قال:
-أنا مين..مش مهم أنا مين،خليني احكي قصتي على طول،لما كان عندي 11 سنة كنت بلعب بعجلتي، وقررت وقتها أروح الطريق السريع،وأتخيل نفسي في سباق مع الشاحنات اللي ماشية بسرعة رهيبة..كنت بضحك وأنا بحاول أسابقهم في خيالي،لحد ما فجأة سمعت صوت فرامل قوي..مفيش وقت أفكر أو أتحرك،كل اللي حسيت بيه صدمة شديدة خلّتني أطير من على العجلة،والدنيا اسودت تماماً.
قولت:
-كمل أنا سامعك.
رد عليا بعد خمس دقايق برسالة طويلة بيقول:
-لما بدأت أصحى لقيت نفسي جوه مكان ضيق جدًا، مظلم لدرجة إني مش شايف حاجة،وريحت الموت محوطاني..كنت سامع دقات قلبي بتعلى وأسناني بتخبط في بعض من الخوف،بحاول أتنفس لكن الهوى كان تقيل كأنه بيخنقني..وفجأة حسيت بأنفاس سخنة بتقرب من وشي، وصوت همس ضعيف بيتسرب لوداني، كأنه حد بيقول كلام مش مفهوم.
فضلت أترعش من الخوف، مش عارف أعمل إيه..وفجأة حسيت بإيد خشنة ماسكة رقبتي..صرخت بكل حمل فيا، وأنا بقول:
-ياماااااااا..ألحقيني..حد يلحقني.
لكن صرخاتي كانت بتتردد في المكان وكأن مفيش حد سامعني.
بعد لحظات حسيت بصوت جاي من برا المكان..كان صوت راجل بيقول: 
-لا حول ولا قوة إلا بالله،ده صوت عيل صغير مدفون حي. 
وبدأ صوت التراب وهو بيتحرك من فوقي،أول ما النور دخل المكان حسيت بخوف ورهبة أكبر،وكل حاجة اسودت قدامي تاني،وأغمي عليا.
لما فوقت،لقيت نفسي شايف حاجة عمري ما كنت اتخيلها..الرؤية كلها كانت أبيض وأسود،الألوان اختفت تماماً،كأني عايش جوه فيلم من أفلام الستينات. كنت نايم في أوضتي،وكل حاجة حواليا في مكانها،لكن الدنيا مختلفة وكل حاجة ساكنة بشكل غريب.
وفجأة،باب الأوضة اتفتح..ودخل جدي الله يرحمه.
أيوه..جدي ميت،شوفته قدامي واضح جداً كأنه حي.
قرب مني وأخدني في حضنه،وفضل يبوس فيا بحنان،وأنا واقف مش قادر أتحرك ولا أنطق ولا أستوعب اللي بيحصل. 
قلبي كان هيخرج من صدري،والخوف مش مخليني أتنفس.
بعدها دخلت جدتي الله يرحمها هي كمان،وبصت لجدي وقالتله بصوت واضح: 
-كفاية سيب الواد.
وجات ناحيتي ومسكتني بإيدها، وبدأت تشد فيا كأنها بتحاول تسحبني بعيد عنه،لكن جدي كان ماسك فيا بقوة ورافض يسيبني..في اللحظة دي حسيت إن جسمي بدأ يتشنج،وكل حاجة حواليا بدأت تتلخبط..وفجأة، المشهد كله اتغير.
لقيت نفسي في نفس الأوضة،بس المرة دي أمي هي اللي حضناني مش جدي، كانت بتبكي بحرقة.
حواليا أبويا وإخواتي البنات،كلهم واقفين جنب السرير،وشكلهم متوتر وقلقان..لكن الغريب إن الرؤية مازالت زي ما هي..أبيض وأسود.
رجعت بصيت على الرسالة، وكأني حاسس بيه قدامي،عينيه مليانة خوف وكلامه تقيل على قلبي..قررت أكمل معاه، رغم إن جوايا كان بيقولي:
-اوقف لحد هنا. 
كتبتله:
-الرؤية دي لسه معاك لحد دلوقتي.. يعني الألوان رجعت. 
الإشعار جه أسرع من المرات اللي فاتت،وقال:
-لأ..الألوان مختفية،وكل حاجة حواليا بقيت أهدى،بس في نفس الوقت مرعبة أكتر،حتى لما حد يتكلم معايا، بحس صوته مكتوم..وكأن الدنيا كلها بقت نسخة باهتة.

حاولت أتمالك نفسي،وعقلي بيلف حوالين فكرة واحدة..هل ده مجرد اضطراب نفسي معقد..ولا في حاجة أعمق،حاجة خارجة عن الطبيعي.
كتبتله:
-إيه أكتر حاجة بتحصل بتخوفك دلوقتي. 
الرد جه بعد لحظة طويلة:
-إن الأصوات دي مش بس بتتكلم..أنا بشوفهم كمان..هما حواليا دلوقتي، قاعدين بيبصولي..واحد منهم قاعد جنب السرير،والتاني واقف عند الشباك، والثالث واقف ورايا دلوقتي.
حسيت برعشة بتمر في ضهري..حاولت أحافظ على هدوئي،لكن الكلمات دي تقيلة..رديت عليه بسرعة وقولت:
-متوهمش نفسك،إنت لوحدك دلوقتي. 
قال:
-لأ..بس اللي معايا ما بيشوفوش حاجة..هما بيشوفوني بس،وأنا شايفهم.
هنا وقفت لحظة..كان واضح إن الوضع أخطر مما كنت اتخيل..كتبتله:
-طيب..إيه اللي بيقولوه دلوقتي. 
الرد جه بشكل صادم:
-بيقولوا إنك هتشوفهم.
بصيت على الرسالة،والكلام كأنه محفور في دماغي:
"بيقولوا إنك هتشوفهم"
حسيت إن الحروف بتتشكل قدامي على الشاشة كأنها بتهمس في ودني..حاولت أرد عليه،لكن كل الأفكار اللي كانت في دماغي اتلخبطت..كتبتله:
-إنت لسه هنا..فين الأصوات دي دلوقتي.
فضلت مستني..دقيقة، اتنين، خمس دقايق..مفيش رد.
الإشعارات متوقفة،وكأن الصفحة اتجمدت فجأة.
كتبتله رسالة تانية:
-ظل مجهول..أنا هنا عشان أسمعك، حاول ترد عليا.
ولا كلمة..قعدت قدام الشاشة ساعة كاملة مستني رد، لكن مفيش أي حركة. قلبي كان متقلب بين القلق والفضول، وكل شوية أبص على الرسائل القديمة وأحاول أفهم إيه اللي ممكن يكون حصل...

تعليقات