رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الثالث عشر بقلم رانيا عثمان البستاني
يقولون صدق ما ترى وليس ما تسمع ، ولكن لم يخلق لنا الآذان هباء علينا أن نسمع لكي نتيقن حقيقة ما نراه .
عام٢٠٢٣
في منزل الدمنهوري /
كانوا جالسين يتحدثون في أمور عدة ليتفاجؤا بدلوف جاسر المتذمر يحمل طفله وخلفه أسيل ويبدو على هيئتها الغضب .
_يا فتاح يا عليم ، شايفين إل أنا شايفاه تفتكروا الخناقة النهاردة على إيه ؟
نظر جاسر لسمية بتذمر لتجيبها سلوى القادمة من الخارج فقد لحقت بهم :
_ أنا بقول تخلوا العيال دي هنا ، أنا أعصابي تعبت ، يبقوا كويسين في آمان الله مافيش خمس دقايق ومعرفش بيحصل إيه ؟
_ياعني أنا غلطانة يا خالتو ؟
أردفت بها أسيل بأستجداء لتحتضنها سلوى قائلة بعطف :
_ لا يا حبيبتي إنتي مبتغلطيش وهو مش متربي وعاوز يتأدب .
_ماما !!
نظرت له سلوى شرزا مستكملة :
_ نعم يا روح ماما ، ما أنا قولتلك مليون مرة هي أم ومن حقها تشوف الصالح لإبنها تعمله .
قبلتها أسيل ليقف هو جاذبا شعره بعصبية قائلا :
_ يا ناس هيجننوني ، إشهد إنت يا خالو يرضيك إل بيعملوه ده ؟
كانت هيئته تثير الضحك لكنهم متماسكين بقدر إمكانهم ليردف وليد بحيرة :
_ انت هتشهدني في حاجة أنا معرفهاش؟
قبل أن يتحدث إندفعت أسيل بإتجاهه وجلست بجانبه بعد أن أزاحت سلمى قليلا قائلة:
_ إمشي شوية كده يا شابة ، شوف يا خالوا طبعا كلكم عارفين إن محمود قرب يتم التلت سنين ولغاية دلوقتي متكلمش خالص ، فأنا كنت عاوزة أسجله في الحضانة إل طارق بيقول عليها دي .
_هو طارق أس البلاء ، أنا هسجنه وأريح البشرية منه.
أردف بها أحمد بعدما إستمع لآخر جملتها عندما كان يهم بالدلوف .
لم تستطع كلا من سمية وسلمى وفيروز تمالك أنفسهم وظلوا يضحكون لبعض الوقت فقد إنضم أحمد ليجلس بجانب جاسر متخذين من جمعتهم قوى هالكة لا محالة أمام قوى زوجاتهم .
_طب أسيل وعاوزة تودي إبنها علشان النطق والكلام وإلى حد ما كلامها منطقي .
_الله أكبر ظهر الحق .
أردفت بها أسيل مهللة ليصفعها وليد فوق رأسها متمتما :
_ أنا لسه مخلصتش كلامي .
ثم نظر لچورية متسائلا :
_إنتي بقى عاوزة تودي بنتك ليه ؟ دي زي السكر وكلامها المكسر ده عسل .
_يا عمو أنا خايفة أنشغل بالنونو عنها ويبقى جواها إحساس إني بفضل أخوها عنها ، عاوزاها تندمج بين الأطفال .
_يابنتي ما كلكم إتربيتوا سوا وطلعتوا والحمد لله بتحبوا بعض سواء البيت ده ولا البيت التاني .
وعلى ذكر المنزل الآخر ما إن أنهت سمية جملتها حتى تفاجؤا جميعا
وهم يروا والدة صالح وهي تهلل فرحة .
_خير يا أم صالح ؟
تساءلت فيروز بتعجب من حالتها لتجيبها بسعادة :
_خير طبعا كله خير ربنا يبشركم بالخير كلكم ، أخيرا صالح وافق يريح قلبي ويتجوز ، وهنروح النهاردة نخطلبه .
رغم تفاجؤهم من حديثها ، إلا أن الفرحة عمت المكان وسٓعِدوا من أجله ما عدا شخص واحد شعر بغصة في قلبه وبغضب شديد .
_ربنا يتمم بخير ، أيوة كده إبدؤا بالفرح ، عقبال ما الفرحة تدخل قلوبنا كلنا برجوع الغايب .
نطق بها وليد بتمني لتظن والدة صالح أن الفرصة مناسبة وتردف :
_ بقولك إيه يا أبو سلمى ، إنت كبير العيلة دي ، وأدهم بيسمعلك طول عمره ، وسواء هو ولا أي حد من العيال كلهم كلمتك أمر واجب النفاذ ، أنا بقول ياعني تكلمه وتحاول تقنعه يتجوز بدل ما هو موقف حياته كده ، صحيح إل حصل مكنش سهل ، بس هو لا أول ولا أخر واحد يتجوز ويطلق ولا هو أخر رجل كان بيحب مراته ، أهو لما ربنا يكرمه ويتجوز مع العشرة هييجي الحب ، وأهو يخلفله عيل ولا إتنين ، أصل الحياة يا خويا مبتقفش على حد ، وبعدين هو هيفضل مستني إيه إنها ترجع تاني ويعيشوا ولا كأن حاجة حصلت وكأنها مسافرة تلت أيام شغل دي بقالها تلت سنين ، ياعني يا جماعة لو في نيتها رجوع كانت جت من زمان ، وبعدين إفترضنا إنها ظهرت تاني ، إيه يضمن إنها متبقاش إتجوزت ولا يمكن دلوقتي معاها عيال كمان .
رأتهم شاردون في حديثها لتسترسل بحماس :
_ إذا كان على العروسة المثل بيقول إخطب لبنتك ومتخطبش لإبنك ، وأنا بقى بصراحة عاوزة أدهم يتجوز سهر ، وأهي بنت عمه وهما الإتنين أولى ببعض .
_كفاية بقى حرام عليكي كفاية ... إنتي فاكراني إيه بيعة راحة تعرضيها لليشتري ، مين قالك إني ممكن في يوم أتجوز أدهم ، أدهم ده لو آخر رجل في الدنيا مستحيل أتجوزه ، ولو إن دي حاجة مستحيل تحصل لا ليا ولا لغيري فهو حتى لو جه وإترجاني علشان أوافق برده هرفض ، إرحميني بقى .
كانت سهر في حالة يرثى لها ، بعد أن جاءت حتى تعطي إبنة شقيقها لوالدتها قبل أن تذهب لعملها لتتفاجأ بهذا الحديث القاتل لها .
كانت تبكي وتنتفض ، رأت سلمى نور وقد بدأت بالبكاء وظهر عليها الخوف لتقترب منها مردفة :
_ تيجي تروحي تلعبي مع إياد و آدم .
أماءت لها الطفلة لتجذبها بلطف بينما سهر إقتربت من والدتها مستكملة عبارات خبئتها بداخلها طوال سنين :
_ بقالك سنين مش بتسمعيني غير نفس الجمل ، القطر فاتك يا سهر ، إنتي البنت الوحيدة في العيلة لا متجوزة ولا مخطوبة ، الأصغر منك فتحوا بيوت وإنتي لسه ، أنا تعبت .. كلامك عامل زي السكينة بتنهش فيا ، بدل ما إيدك تتمد تطبطب عليا ولسانك وقبله قلبك يعطف عليا بالكلام ، كلامك بيمد إيده يكسر قلبي .
_بس يا سهر عيب يابنتي تكلمي مامتك بالشكل ده خصوصا قدامنا .
نظرت لفيروز بقلة حيلة وأردفت بألم :
_ ومش عيب إل بتعمله فيا ، ومش عيب إنها تطلعني حاجة رخيصة أوي كده .
ما إن أنهت حديثها حتى تفاجأت بصفعة علو وجنتها اليمني تركت أثرها في قلبها قبل عينها التي زاد ذرف دموعها
_ أنا مش شايفة حد أغلى منك في الدنيا ، ولا عمري حبيت حد أكتر منك حتى أخوكي ، أنا كل أملى إنك تتجوزي الإنسان إل بتحبيه...
_مبحبوش .... إفهمي بقى أنا عمري ما حبيته ... أدهم كان حلم ليك مش حلمي أنا .
_أدهم رجل أقدر أموت وأنا مطمنة عليكي معاه ، أدهم أكتر حفيد في العيلة دي بحبه زي ما بحب صالح ولو طولت أفديه بروحي هعملها ، أنا مش بحلم بأدهم ليكي علشان طمعانة فيه ربنا يعلم غلاوته جوة قلبي ، كان نفسي بس أطمن عليكي .
كانتا تتحدثان بإنفعال تخرجان ما في جبعتهما والجميع هاديء ظاهريا يستمعون لهم ، ولكن بداخلهم يشعرون بالألم عليهم .
_وإل يحب حد يتمناله الشر .
تراجعت منار بصدمة من حديث إبنتها لتستكمل هي :
_ مقصدش الشر المتعارف عليه ، لكن لما تتمني إنه يتجوز ويخلف من أي واحدة تانية غير حور فده شر ، أدهم مش بس رجل بيحب مراته أدهم روحه متعلقة بيها ، قلبه وحياته كلها مستحيل هيبقى فيهم في يوم غير حور .
جلست والدتها بإنهاك ناظرة لسمية مردفة :
_ والله العظيم أنا كان نفسي أفرح بخلفه وبإستقرار حياته .
_عارفة يا أم صالح ، وكلنا بنتمني أنه يكمل حياته ، لكن سهر عندها حق أدهم لا عينه ولا قلبه ولا روحه هيشوفوا غير حور ، لكن على رأيك لو هي ناوية على رجوع كانت جت والله أعلم يمكن تكون كملت حياتها إتجوزت وخلفت وإحنا هنا قلبنا قايد نار بسببها.
كان الألم يقطر من شفتيها وعيناها فهي أم تشعر بالعجز أمام ألم إبنها ، وهو يعلم ولكن فاض به الحال فوجد نفسه واقفا يتحدث بقسوة :
_ عاوزينها ترجع إزاي ؟ كل واحد في العيلة دي جرحها وهانها و...
دلفت ندى لينظر لها مستكملا حديثه بقسوة :
_ أهنتوها وإتهمتوها وجرحتوها ، ولا واحد فيكم فكر يقف معاها مرة واحدة ، مستخسرين فيها إنها تكون كملت حياتها وإنتوا عشتوا عادي والحياة كملت ، أهي عندك مثال بسيط أكتر واحدة في بنات العيلة أهانتها وجرحتها كملت حياتها عادي وخلفت وعايشة مع جوزها .
_ ومين قالك يا جاسر إني عايشة سعيدة وحياتي مكملة زي ما بتقول ، أنا عايشة إسم وبس ، تعرف إيه عن حياتي يا خويا ؟ مش المفروض إنك أخويا برده ، بس لأ إنت واقف مع جوزي دايما إنما أنا مش لقياك ولا لقيا أدهم أنت وزعلان إني كنت ضد حور وهو وكلنا بقينا هامش بالنسبة ليه من بعدها .
_ تعالي يا حبيبتي بس وإهدى ، إحنا كلنا جمبك .
نظرت ندى له وأردفت بألم :
_ لأ يا عمو محدش جمبي ، عموما مش ده موضوعي أنا خلاص أخدت على كده ، أنا كنت جاية أسأل البنات هيقدموا للعيال في الحضانة إل قال عليها طارق ولا لأ لأني ناوية أسجل لمحمد ؟
نظر كلا من أحمد وجاسر لبعضهم البعض لتتساءل منار بتعجب :
_ حضانة إيه يابنتي ده إبنك لسه مكملش الأربع سنين أو حتى تلاتة تقدميله تمهيدي ؟
_وأخيرا حد في صفنا .
نطق بها أحمد بضجر لتردف ندى ببعض الحرج :
_ بصراحة محمد واخد كا وقتي أنا حاسة إني أهملت نفسي ومازن أوي ، أنا تعبت من كتر الخناق عاوزة حياتي تبقى طبيعية ، عاوزة أشوف نظرة الحب في عيونه زي الأول .
شعرت الفتيات بالشفقة عليها لتردف أسيل بمزاح :
_ بت يا ندى إحنا كده إعتمدنا وإعتبرنا موافقتهم موجودة على رأي سوسو الأم تختار الصح لإبنها .
نظرت لجاسر بإستجداء فضحك واضعا يده فوق كتف أحمد قائلا :
_ الحكومة كلها قررت يا حضرة الظابط .
شاركه أحمد الضحك مردفا :
_ لو إجتمعوا محدش يقدر عليهم ، ربنا يعينا .
_طب لو كده إيه رأيك يا ماما نقول لصالح يسجل لنور أهو يبقى كلهم سوا .
نظرت لها والدتها بعتاب ولم تجيبها .
_حور متستاهلش مني أشوف أدهم فرصة ، أنا أكتر واحدة هنا مينفعش أوجعها ولا أجرحها ، حتى لو زي ما بتقولوا ممكن تكون كملت حياتها مع إنه مستحيل وزي ما حياته واقفة أكيد هي زيه لكن ولنفترض إنها كملت فلو أي واحدة هتحل مكانها مينفعش تكون أنا ، أنتوا متعرفوش هي عملت إيه علشاني ؟
_كل ما سيرتها تيجي تقولي الكلمتين دول ، وأنا مش عارفة ولا فاهمة تقصدي إيه ؟
قالتها والدتها بحيرة فهمت أن تجاوبها وتبوح بهذا السر
_بلاش يا سهر .
نظرت إلى أحمد بإمتنان وبعيون دامعة متحدثة :
_ انا عارفة إني هتأذى نفسيا لما أتكلم ، لكن حقها عليها أقول الخير إل عملتهولي ، وأقدر أشكرك قدامهم كلهم ، أنا عارفة إنك كنت معاها خطوة بخطوة ، أنا حقيقي ممتنة ليك ولو چورية زعلتك قولي وأنا أنتفلها شعر راسها شعراية شعراية .
أنهت حديثها محاولة المزاح عله يخفف وطأة ما ستبوح به .
رأت الجميع ينظر لها بتساؤل لتستنشق الهواء بقوة لتهدأ نبضات قلبها ثم بدأت تروي لهم كل ما تعرفه عن مساعدة حور لتوطيد العلاقة بين أمير ووالده ومافعلته لها ولآخرين أيضاً.
..............
عادت حور بعد تناول وجبة الإفطار معها وقطعت وعدا لها ببذل قصارى جهدها لتخرجها من تلك الأزمة وأخذت منها الهاتف .
عادت ولكن إلى أين ...إلى المنزل الكبير .
دلفت لتجد منى جالسة ويظهر على محياها الحزن فإقتربت منها وتساءلت بهدوء :
_ مالك يا عمتو ؟
نظرت لها منى في البداية ببعض الغضب فهي لم تنسى ما حدث منها ومن وجهة نظرها أن حور تعدت كل الحدود ، شعرت حور بها لتردف :
_ أقولك سر وتوعديني يفضل بينا ليوم الممات ؟
جذب الأمر إنتباهها لتقول :
_ أوعدك ، بس قبل ما تقولي أنا هحاول أثق فيكي أنا مش ناسية وقفتك مع بنتي فبلاش تضيعي ثقتي فيكي .
إبتسمت حور وأردفت :
_ وعلشان أنا عارفة إنك واثقة فيا حبيت أوصلك إني أنا كمان واثقة فيكي وهقولك السر بس قوليلي الأول مالك زعلانة ليه ؟
_جاسر عاوز يكتب الكتاب ويسافروا لأهله الغردقة وبعدين السعودية معاهم .
كانت تتحدث ودموعها على وشك الهبوط
لتبتسم لها بمحبة مردفة :
_ طب ده يزعلك في إيه ؟
_ مش هفرح ببنتي ، أنا عشت أربيهم من بعد أبوهم ومستنية اليوم ده ، فجأة كده يقرروا ميعملوش فرح وقال إيه بالفلوس يتفسحوا ويعملوا عمرة ، ماشي مقولتش حاجة العمرة جميلة وعقبال كل مشتاق يارب ومن حقهم يتفسحوا لكن أنا كمان من حقي أشوف بنتي بالفستان الأبيض وأفرح بيها .
وضعت حور كفها فوق كف عمتها وأردفت بحنان بالغ :
_ صدقيني يا عمتو الفرحة الحقيقية لما تلاقيهم مبسوطين مع بعض ومرتاحين ومتفاهمين ، أسيل وجاسر بيحبوا بعض والفرح بالنسبة ليهم من الكماليات لكن هما عاوزين يجتمعوا وجاسر من حقه يجتمع بأسرته كلها بعد سنين من التفكك ، لما أسيل تسافر معاه ليهم وتبقى سعيدة هتلاقي نفسك فرحانة بيها وعلشانها ، الفستان والفرح مش كل حاجة ، وافقي يا عمتو وحسسيهم إنك فرحانة بيهم وعلشانهم ، أنا أدفع عمري كله علشان أمي كانت تبقى موجودة معايا في اليوم ده ، ومتنسيش إنك هتبقي لجاسر أم لأن عمتو سلوى مش هتحضر ، ياعني بدل ما تزعلي لازم سعادتك تبقى الضعف .
نظرت لها منى بحب مردفة بحنين :
_ وكأن زهرة قدامي الله يرحمها .
أمنت حور على دعائها لتتساءل منى بفضول :
_ سر إيه ؟ ويخص مين ؟
نظرت لها حور وظهر الألم بعينيها متحدثة بصوت يقطر وجعاً:
_ هقولك السبب الحقيقي لكل إل حصل من فترة ، هقولك ليه بكره أخوكي وليه هو بيكرهني وكل واحد فينا بيتمنى الموت للتاني ، بس قبل ما أقولك وأحكيلك كل حاجة هكون صريحة معاكي أنا عاوزة مساعدتك وهحكيلك علشان تعرفي إني على حق فتساعديني وقلبك مطمن .
كان الألم متشكلا بعينيها يعبر عن مدى خطورة ما ستقول لذا جذبتها منى من ذراعها تحثها على التحرك قائلة :
_ تعالى نطلع أوضتي هنا أي حد ممكن يسمعنا .
.............
في كثير من الأحيان تكن جميع الإجابات أمامك ولكن يحجبها سراب ، وقد يتملكك الخوف لتمد يدك في محاولة لإزالة ولو القليل من ذاك السراب وتترك الأمور تأتي تباعا .
في جامعة نورا /
كانت كعادتها تجلس برفقة صديقاتها تستمع إلى محاضرتها إلى أن إنتهت فظلت في مكانها يتحدثون سويا قليلا
_تعرفي إن نائل هيرجع الكلية من النهاردة ؟
هكذا قالت صديقتها لتتساءل بتعجب حقيقي :
_ نائل مين ؟
نظرت لها الفتيات بسخرية ممزوجة بلوم مردفين واحدة تلو الأخرى :
_ لا والله مش عارفة نائل مين ؟
_ يابت هو إحنا بنقولك إنك مصحباه فبتنكري إنك تعرفيه .
_ ياعني مركزة في دراستك أوي وقولنا ماشي ، مش بتخرجي بره الكلية معانا وقولنا براحتها ، مبتكلميش أي ولد حتى لو في الدراسة وقولنا هي حرة ، لكن عاوزة تفهمينها إنك متعرفيش نائل ؟
نظرت لهم بحيرة من حديثهم ليروا جدية جهلها بالفعل لتردف واحدة منهن بإنفعال :
_ بت يا نورا إل يشوفك يقول مافيش أذكى منك ولا أخبث منك ، إيه ده ده أنتي طلعتي هبلة أوي ، لا يا حبيبتي لازم تتغيري شوية علشان كده مينفعش وهتبقي صيدة لكل من هب ودب .
_هو في إيه منك ليها ؟ عمالين تحدفوني بالكلام وأنا مش فاهمة في إيه ؟ كل ده علشان معرفش مين نائل ، هيكون مين ياعني رئيس الجامعة ، ولا دكتور متخفي لمادة منعرفش إنها مقررة علينا ، أنا لا أعرف نائل ولا غيره ، أنا حافظة أسامي الدكاترة بالعافية أصلا .
كانت تتحدث بإنفعال بعدما شعرت بسخريتهن غير مدركة لمن يقف خلفهم بعدة مدرجات مستمع لما قالته وظهر على وجهه الغضب .
_ إهدي يا نورا إحنا بس مصدومين إنك متعرفيش الشاب إل أخد طرد من الكلية فترة بسببك .
بعد أن أنهت صديقتها حديثها ظهر الإستيعاب على وجهها وتذكرت ما حدث وعلى ذكر ذلك تذكرت تلك الرسالة التي وصلتها ذلك اليوم وجعلت النوم يجافيها عدة ليالي ولكن لعدم تكرار الأمر نسيت أمر ذلك الشاب .
لذا وجدت نفسها تردف ببساطة :
_ طيب ما ييجي الكلية وأنا مالي بيه ، هو غلط وأخد عقابه ، من حقه يشوف دراسته ويكمل من مكان ما وقف ربنا يوفقه .
تعجب نائل من حديثها ، فبعد أن كان مقرر أن يظهر أمامها يبث بعض الكلمات السامة لها توقف ليستمع لباقي الحديث .
_عاوزة تفهمينا إنه عادي بالنسبة ليكي إنكم تتقابلوا بعد إل حصل ؟!
نظرت نورا لصديقتها شرزا وأردفت بغضب :
_ مسمهاش نتقابل ، وبعدين أنا ماليش حاجة عنده كان ليا حق وأخدته يبقى إيه يمنع إن يحضر في كليته أنا مين علشان أمنعه أو حتى أضايق من وجوده إذا كان أصلا لو شوفته ممكن معرفوش ، هو أنا فاكرة شكلة أو حتى كنت أعرف إسمه .
شعر نائل بلكمة في صميم كبريائه ، فهو الشاب الذي قد تريد أي فتاة التعرف عليه والتقرب منه هي حتى لا تعلم أنه موجود في خارطة الجامعة .
نظرت نورا لهاتفها بعد أن أضاء معلنا عن إتصال لتقف مبتعدة عنهم بعد أن ودعتهم مجيبة بلهفة :
_ حبيب قلبي إل واحشني .
ظهرت الصدمة على وجه نائل الذي نظر لها وهي تعبر أمامه حتى أنها لم تلحظ وجوده ليتمتم بسخرية :
_ وعاملة فيها الخضرة الشريفة .
...............
ربما نعلم عن أخطاء أشقائنا ولكن دائما بإستماتة نحاول الدفاع عنهم ،هكذا تعلمنا وتربينا نساند إخوتنا لا نظلم إن كانوا ظالمين ولكن لا نجعل أحد يقترب منهم في حضرتنا ونحاول إصلاح ما أفسدوه بداية من أنفسهم الضعيفة ، فمن منا يريد لشقيقه أو شقيقته ذنوب لا تغتفر .
إنتهت من سرد كل شيء منذ ما يقرب من الخمس دقائق ، كانت ترى إنفعال منى جيدا ، كانت تراقبها بعين الطبيبة قبل الإبنة الملكومة ، فكانت منتظرة منها إشارة فقط أنها لن تستطيع تحمل المزيد من الحقائق المؤلمة لتتوقف ، وبالرغم من أن منى لم تتحدث بأي كلمة ...لم تتناقش معها .... لم تجادلها فيما تقول ، ولكن بعد إنتهائها من سرد كل ما حدث وصلا ليوم صفعها إياه إمتلأت عيناها تعبر عن تصديقها إياها ، وأنفاسها المرتفعة التي حاولت كبتها بكل القوة الممكنة بداخلها لكي تكمل حور ما بدأت تدل على مدى الألم والحسرة التي تشعر بهم .
شعرت حور أنها ليست على ما يرام فأخذت كوب الماء الموجود في المنضدة وأخرجت من حقيبتها قرص علاجي وقدمته لها بعد أن قامت بفحص نبضها .
أخذت منى منها بصمت ثم تمددت فوق فراشها لتهبط دموعها بقهر وألم .
تنفست حور عدة مرات مكتسبة أكبر قدر من الهدوء وأردفت :
_ لو سمحتي حاولي تتماسكي أنا مش حِمل أشيل ذنب ، أنا لولا إني محتاجة مساعدتك ولأنك لازم تبقي واثقة إني على حق كنت فضلت ساكتة ومقولتش ولا عرفتك حاجة زي دي ووجعتك ، أنا آسفه ، بعتذر منك أنا والله مش أنانية علشان أفكر في مساعدتك ليا على حساب صحتك أنا بس محتاجة ناس أثق فيهم .
كانت رسالة منها تلقتها منى ببراعة .
_ قادرة تتحملي كل ده إزاي ؟ وقادرة تعيشي مع أدهم إزاي ؟ أه علشان كده كنتي رافضة جوازك منه ، ده أنا كنت محتارة في أمرك شوفتك وأنتي بتراقبيه من بعيد أكتر من مرة الأول خفت لتكوني ناوية على أذيته ، لكن لاحظت نظرتك ليه عرفت إنك معجبة بيه ما أنا فاكرة نفسي زمان وعارفة النظرات دي ، لما جه حوار كتب الكتاب توقعت إنك هتبقي فرحانة بس أنتي كنتي مضايقة والحزن الصادق مالي عينك ، دلوقتي بس عرفت ليه ؟ ما هو حاجة بالعقل إزاي هتعيشي مع واحد ده أبوه ياعني لو خلفتي هيبقى أكتر إنسان بتكرهيه في حياتك جد أولادك ، دلوقتي بس فهتك ... دلوقتي بس عرفتك .
أمسكت منى بكفها وأردفت بدموع :
_ أمك ليها دين في رقبتي لما كانت السبب إني أبقى لحبيبي ، وجه وقت سد الدين ، شوفي محتاجة مساعدتي إزاي وأنا معاكي .
.....................
ما أجمل أن تعلم الحقائق ... وما أقبح أن تكن تلك الحقائق نقطة البداية وأيضا النهاية لحياة ظننتها يوما مكافئة لك.
كانت ريم قد قررت زيارة أهلها ، فمنذ أن علمت بأنها تحمل في أحشائها طفلا تولد إحساس الأمومة بداخلة ليولد الحنين لأسرتها التي تزعزت العلاقة بينهم منذ حادثة وفاة شقيقتها .
كانت تحادث والدتها منذ قليل هاتفيا لكي لا تتوقع منها الزيارة وهذا لأنها أرادت مفاجأتهم .
فتحت الباب بمفتاحها الخاص ولم يشعر بها أحد ، لتقترب من غرفة والداها وقبل أن تنادي عليهم سمعتهم يتحدثون بما جعلها تقف متصنمة بمكانها .
_قلبي واجعني أوي ، كل مرة ريم تكلمني فيها أحس بالنار بتنهش فيا وأنا مش قادرة أقولها الحقيقة .
كانت والدة ريم تتحدث ببكاء ليردف والدها بقلة حيلة :
_ هنقولها إيه بس ، خليها فاكرانا وحشين وفرطنا في حق أختها وأخدنا دية أحسن ما تعرف السبب ورا كل ده ، ريم مش هتستحمل دي كانت بتحب نور أكتر من نفسها ، خلي نور تفضل بالصورة الجميلة في دماغها .
_بس يا أبو ريم أكيد في يوم الحقيقة هتتعرف ساعتها هنعمل إيه ؟
_يارب لطفك بينا ، بقولك إيه إسكتي ومتجببش السيرة دي تاني ، لولا الرجل ده كان زمانا مفضوحين في البلد كلها لما يتعرف إن نور كانت حامل وهي مش متجوزة ، أنا حاسس إني عاجز بقالي قد إيه عاجز لكن عجزي لما أعرف حقيقة بنتي إل كنت فاهم أنها زي القطن الأبيض كبرني عمر فوق عمري .
كان يلكم صدره بقوة تعبيرا عن مدى ألمه ونزيف روحه .
_إهدى متعملش كده في نفسك ، ربنا يرحمها ويغفر لها ، أه لو أعرف مين كان أبو العيل ده والله أقطعه بأسناني.
سكتت قليلا ثم أردفت بتردد :
_ طيب مش نقولها على أقل مين كان سايق العربية وخبطها ؟
_إنتي إتجننتي يا ولية عاوزة تخربي على البت ، عاوزة تقوليلها إيه إن صالح هو السبب في موت أختها .
بعد أن أنهى حديثه بثوان سمعا ارتطام شيء فوق الأرض فنهضت الأم سريعا لترى ما حدث لتتفاجأ بإبنتها مغشى عليها أمام غرفتهما لتصرخ ملتاعة ، فهي أم فقدت إحدى أبنائها لن تحتمل فقدان الأخرى .
.................
الأمل في الحياة مرتبط بالكثير من الأشياء ، ولكن الأهل غالباً يحتلون المركز الأول .
عاد إلى الجامعة بعد هذه الفترة العصيبة التي مر بها فوفاة والدته المفاجئة قد أثرت به بقوة ، لم يكن لديه أحد غيرها ، كانت ونيسته ورفيقته ، رحلت وتركته وحيدة .. رحلت وتركته على عاتقه إيجاد أشخاص لا يعرف عن مكان تواجدهم أو أي معلومة تخصهم شيء ، وبدل من أن يبحث عن شخصين زاد عدد المفقودين لثلاثة ، فبأي الطرق يبدأ ؟
ومن حيث لا يدري وبإشارة من خالقه ظهرت تلك الفتاه أمامه الآن وأيضا تتشاجر ومع نفس الشاب ، يا له من حظ .
إقترب مؤنس منهم وعلى وجهه الغضب فقد تجمع حولها مجموعة من الطلبة يستمعون لحديث ذلك الشاب المتهور ويبدوا أن الحديث سيء .. سيء للغاية للحد الذي دفعها للبكاء .
_ علشان بس تعرفوا كلكم إني كاشفها من أول لحظة ، ودور الخضرة الشريفة ده مش عليا ، أهي كانت بتحب في التليفون وأنا سامعها بوداني وكمان متفقة معاه يتقابلوا دلوقتي أنا بقى بعد ما كنت هستنى وأصوركم وأوري الناس ولعميد الكلية إنه رفدني ظلم ، قولت ألحقك يمكن لما تعرفي إنك إنكشفتي تبطلي القرف ده .
كانت تنظر لمن حولها بتيه ، فقد طعنها في شرفها .. بدأ الجمع في التهامس عليها .
_ هو أنت يابني مش هتحرم وتبطل قلة أدب ، أنت مالك ومالها ؟
نظر نائل إليه وأردف :
_ إحنا خارج بوابة الجامعة يا دكتور ، ياعني مش من حقك تكلمني أو تعدل سلوكي ، وبعدين مش هي دي البنت المحترمة إل وقفت قصاد كل الدكاترة وصممت وأقنعت العميد يعاقبني علشانها أهي طلعت شمال عادي .
شهقت نور بصدمة وألم .
فإقترب منه مؤنس وأردف بهسيس غاضب :
_ تصدق صح إحنا بره الجامعة .
تبسم نائل بإنتصار لم يدم ليتفاجأ بلكمة قوية في أنفه جعلته يترنح ويسقط أرضا فإقترب منه مؤنس متحدثا بغضب :
_ إتعلم تبقى رجل .
إبتعد عنه ونظر لنور قائلا :
_ إتفضلي إمشي يا آنسه ، يالا يا شباب كل واحد يشوف رايح فين الحفلة خلصت .
لم يكد يمشي خطوتين حتى شعر بشيء يُضرب فوق رأسه .
كان نائل يريد أن ينال منه فلم يجد أمامه سوى حجر متوسط الحجم فأخذه وعلى غفلة وقف لاكما إياه في رأس مؤنس .
إرتفعت الشهقات والهمسات وإحتد الوضع .
كان مؤنس على وشك النيل منه مرة أخرى وتلك المرة قد نوى أن يعلمه الأدب المفتقر إياه ولكن سقوط نورا مغشيا عليها جذب إنتباهه .
أعطته إحدى الفتيات الواقفات زجاجة مياه فظل ينثر بعض قطراتها فوق وجهها دون أن يلمسها إلى أن فاقت .
ساعدنها فتاتين حتى تقف بإتزان بينما مؤمنس أردف برفق :
_إتفضلي معايا يا آنسه أوصلك ، مينفعش تمشي لوحدك .
كانت سترفض عرضه بأدب وتشكره بإحترام ولكن قاطع حديثها قبل أن تبدأ به حديث ذاك نائل مِحراك الشر :
_ أه أيوة كده أنا فهمت ، أنت بقى إل كانت بتكلمه ، وعملتوا حوار الإغماء ده علشان تقدر تاخدها وتمشي عادي من غير ما تلفتوا النظر ، لا براڤو حركة ممتازة لكن متعديش على نائل جمعة .
لم يجد مفر من تلقينه درسا وبالفعل هم بضربه ليسمع حديثها المنخفض بفعل شحوب وجهها :
_لو سمحت يا دكتور لو توصلني البيت بأسرع وقت حاسة إني تعبانة ومش قادرة أقف .
وخلال الخمس دقائق التالية كانت في سيارته ولكنه طلب منها الجلوس في الخلف لتكن أكثر إرتياحا دون الشعور بالخجل منه وكأن سيارته سيارة أجرة عادية وهو سائقها .
منذ جلوسها لم تتحدث ، لا تعرف كيف فعلت ذلك وصعدت إلى سيارته .
رفعت رأسها قليلا لتشكره ولكن وقعت عيناها على بقعة من الدماء فوقها دماء لتردفت بجزع :
_ حضرتك بتنزف يا دكتور .
نظر لها في المرأة وتحدث بلامبالاة :
_جرح بسيط متشغليش بالك .
كان يظهر على محياه التردد وينظر لها نظرات غامضة لتفهمه بشكل خاطيء وتتحدث بإندفاع :
_ والله كنت بكلم بابا هو مسافر يومين في شغل ، وأنا ياعني متعودة أكلمه بالطريقة دي .
_أنا مسألتكش يا آنسة نورا .
_ لكن ....
_ أنا هكون صريح معاكي ، لو أنا كنت ملاحظ إنك بنت من البنات المفتقرة للأخلاق جايز أه كنت وقفت جمبك في المواقف إل حصلت لكن مستحيل كنت تركبي
عربيتي ، لكن أنا ليا نظرة وعارف إنك محترمة ، وبعدين حتى لو كنتي بتكلمي حد تاني غير والدك ، ده بره صلاحيته أو صلاحيتي أنا حتى بالحكم عليكي .
_ شكرا ياكتور .
قالتها بإمتنان حقيقي .
ليردف بعدها بإبتسامة بسيطة :
_ ممكن بقى أطلب مساعدتك في أمر مهم جدا بالنسبة ليا .
_طبعا يا دكتور أي حاجة أقدر أنفذها لحضرتك قولها من غير تردد .
_الحقيقة من أول مرة عرفت فيها إسمك وأنا عاوز أسألك عن واحد نفسي أقابله قولت يمكن تعرفيه .
نظر لها من خلال المرآة وهو يصطف بجانب المنزل الذي أشارت عليه ليجدها تنتظر تكملة حديثه ليسترسل :
_ هو إسمه وليد عبد الرحمن الدمنهوري .
.............
دلفت حور لغرفة أدهم لتجده نائما فوق الأريكة ، لا إراديا إبتسمت بحب وإقتربت منه لتجلس أرضا مسندة ذراعها بجانبه تنظر إلى وجهه تحفر ملامحه داخلها للمرة التي لا تعلم عددها .
_قولي بقى إنك بتحبيني أوي كده .
أردف بها بصوت هامس دون أن يفتح عينيه .
لتمد أناملها تتحسس وجه بحنان قائلة :
_ هو أنا لسه مقولتش ؟
فرجت شفاهه عن إبتسامة جميلة جعلت قلبها يهتز قبل أن يقول :
_ أصل أنا سمعي تقيل وذاكرتي ضعيفة فلازم تقولي عالطول علشان تثبت .
أطلقت ضحكة بدلال جعلته يفتح عينيه ويعتدل في جلسته جاذبا إياها تجلس فوق قدميه متسائلا بحب :
_ نفسي أعرف عملتي فيا إيه ؟ أسرتيني أوي بقيت معتقل ومبسوط .
إتكأت برأسها فوق كتفه تضم نفسها إليه هامسة :
_ ممكن نفضل هنا اليومين دول ؟
تشنج جسده للحظات ثم عاد للإسترخاء عندما أكملت حديثها بعد أن شعرت به :
_ في حاجات ضروري لازم أعملها ، متقلقش حمدي الدمنهوري لسه دوره مجاش .
لم تسنح له فرصة الحديث فقد إستمعا لطرق فوق باب غرفتهم لتقف حور مبتعدة ويذهب هو لرؤية الطارق فيجد نورا أمامه ولكن هيئتها شاحبة .
_نورا خير ؟ مال وشك مخطوف كده ليه ؟
إقتربت حور منهم لتجد نورا تفرك يديها ببعضهم بتوتر وعيناها ممتلئة بالدموع مردفة بخوف :
_ في حاجة حصلت معايا في الكلية ولو ماما عرفت بيها هتمنعني أروح تاني ، بس مش مهم دلوقتي ، أنا جاية أطلب من الدكتورة حور المساعدة .
أمسكت حور يدها لتجدها شديدة البرودة لتردف بإبتسامة :
_ إسمي حور بس يا نورا ، وأنا موجودة في أي وقت تحتاجيني فيه .
نظرت لها بإمتنان لتردف :
_ طب هفهمكم الحوار بعد كده بالتفصيل بس دلوقتي في دكتور في جامعتي إتعرض للضرب بسببي ودماغه بتنزف وهو مع ذلك صمم يوصلني ، وأنا بصراحة خفت أروح بيتنا فقولتله يوقف العربية جمب البوابة هنا ، وبالصدفة هو كان عاوز يقابل عمو وليد فهو تحت في الصالون ، أنا بس كنت هسألك لو ينفع تشوفي الجرح لأن طول الطريق كان بينزف وأنا خايفة يحصله حاجة بسببي.
تفهمت حور وإبتسمت مطمأنة إياها وأخذت بيدها مردفة :
_ تعالي معايا ننزل سوا وإنت يا أدهم لو سمحت هات شنطتي من جوة معاك وأنت نازل .
.........
لم يصدق عندما أعلمته أنها تعلم بهوية الشخص الذي جاء إلى هذا البلد خصيصا للقياه ، بل وزادت أنه يقف أمام منزله الآن ، وبالرغم شعوره بالألم ونزيف رأسه إلا أنه لم يستطع منع نفسه من الدلوف وملاقاته أخيرا .
وها هو يجلس منتظرا .
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نظر بإتجاه الصوت ليجد رجلا كبيرا ولكنه وسيم ، أصبح شعر رأسه كله باللون الأبيض وتجاعيد وجهه تعطيه وقارا ولكن الشبه بينه وبين شقيقته كبيرا وظاهرا للحد الذي يؤكد له أنه الشخص المطلوب .
وقف مؤنس بإضطراب فهو دلف وطلب مقابلته ولكن لا يعلم من أين يبدأ الحديث ، وقبل أن يجيب السلام
دلفت نورا وكانت أكبر صدمة قد يتلقاها في هذا اليوم وجود حور بجانبها
لم تتمالكه قدماه وسقط جالسا فوق الأريكة ، أحقا وجدهم أخيرا .
_ شوفي دماغه بسرعة يا حور ، ده شكله مش عارف يقف .
_ هو ف ايه نورا ؟
تساءل وليد بدهشة ليجيبه أدهم :
_ ده دكتور في جامعة نورا ساعدها في موقف وإتعرض للجرح .
عندما كان يتحدث كانت حور تقوم بعملها بتطهير الجرح ومعالجته وبعد عدة دقائق أردفت :
_ مش هيحتاج خياطة الحمد لله.
_أنا متشكر أوي يابني ، جميلك ده دين في رقبتنا كلنا ، وأي وقت تحتاج فيه حاجه إحنا هنا أهلك .
كان حديثه صادق وإبتسامته المعهودة لم تغب عن عيناه .
كان في حالة من التشتت ولم يستطع أن يتحدث بل إكتفى بالوقوف ومصافحة وليد ثم أدهم مردفا :
_ أنا متشكر جدا ، لكن أنا قومت بواجبي ، ودلوقتي إسمحولي أمشي .
_بس يابني قالولي إنك عاوزني ، وكمان إنت مأخدتش واجب ضيافتك .
تبسم مؤنس بصعوبة قائلا :
_ أنا فعلا كنت عاوزك في موضوع مهم ، لكن الحقيقة حاسس بألم في راسي ومش قادر أتكلم ، وواجب ضيافتي أنا عارف إنكم بيت كرم وإن شاء الله تتعوض يوم تاني .
أنهى حديثه ولم يعط لأحد مجال للتحدث وتوجه نحو الباب ليضطر وليد لمرافقته ، أما أدهم فكان ينظر لتلك الساهمة المبتسمة بنظرات إعجاب واضحة ترسلها بإتجاه ذلك الدخيل فشعر بالغيرة ليقف أمام ناظريها مردفة بحدة طفيفة :
_ عيونك يا دكتورة .
إتسعت إبتسامتها وأردفت بمشاكسة :
_ عيوني مش شايفة غيرك يا قلب الدكتورة .
_الله الله أوعدنا يارب ، لا ده أنتي شكلك لذيذة خالص أنا لازم أضيفك على جروب الواتس بتاعنا إسمه بنات قوية
ضحكت حور على ذلك الإسم الغريب ليردف أدهم بغيظ :
_ أكيد إنت إل حاطة الإسم ده ، سبحان الله إنتي أصلا مافيش فيكي أي قوة لسان في الفاضي .
مثلت نورا أنها تعرضت للصدمة وأردفت ملوحة لهم :
_ طب سلام أنا بقى لشكلي بقى مش قد كده ، أسيبكم تحبوا في بعض ، يالا بيقولوا ما محبة إلا بعد عداوة وأنتوا كان ناقص تقتلوا بعض ناقر ونقير ، بس والله شبه بعض .
رحلت من أمامهم سريعاً وقبل أن يجلس أدهم وجدوها تدلف مرة أخرى ولكن تلك المرة كان وليد ممسك بها من ملابسها وكأنها هاربة وقد أُلقيّ القبض عليها .
وبعد أن أجلسها أردف :
_ قوليلي يا أخر صبري عملتي إيه في الجامعة والرجل دماغه إتفتحت بسببك ؟
نظرت لثلاثتهم ثم أردفت بمزاح متوتر :
_ عيب كده يا عمو الله برستيجي ضاع ، وبعدين إستنوا أكلم صالح ييجي يسمع مرة واحدة.
_إشمعنا ؟ مش مرتحلك .
قالها أدهم بشك لتردف بإبتسامة بلهاء :
_ أصله متابع الحوار من الاول وسبق وجه إستلمني من الكلية من فترة .
_ إستلمك !!
نطقها أدهم بذهول لتردف بتمرد:
_ ما تخليك محضر خير يا أخ مش شايف عيون عمك بتطلع نار إزاي .
نظر لها وليد بيأس مردفا:
_ عاوز أعرف إنتي وندى وچورية وأسيل معجونين بإيه ؟
_بماية دهب ، طب بذمتك أنت مش إحنا إل عاملين جو للعيلة دي ، كل مشكلة والتانية تخليكوا تاخدوا حسنات من كتر الإستغفار .
ضحكت حور من قلبها لينظر لها أدهم بحب لتقول له نورا بمشاغبة :
_ عد الجمايل دي أهو أنا ضحكتهالك ضحكة مشوفنهاش منها من يوم ما ظهرت ، سيبهالي بس يومين وأنا أروقها خالص .
صفعها وليد فوق رأسها قائلا:
_ طب هاتي من الآخر وإحكي الموضوع علشان نلحق نتصرف أبوك راجع من السفر النهاردة .
تنفست عدة مرات بقوة ثم شرعت بقص كل ما حدث على مسمعهم .
.................
تأخذنا أقدامنا إلى أقدارنا ، ليس لنا إستطاعة لمنع النصيب ، بل نتعايش ، وعندما نقفد أخر قطرة أمل لنا في الحياة ، قد تسوقنا أقدامنا إلى المنحدر ولا نعلم بل نرحب بإبتلاعه لنا .
توقف القطار أخيرا ووصلت إلى محطتها .
لا تعلم إلى أين تذهب ، ليس لها مكان حتى للمبيت ، جلست فوق كرسي الإنتظار تنظر للمارة هنا وهناك ، لا تعلم ما عليها فعله ، عندما ينظر إليها أحدهم يظنها منتظرة أحدهم أو أنها تنتظر قطارها ، لكن ليست كل العيون تشبه بعضها ، فهناك عيون إقتنصتها منذ لحظة جلوسها التائه ذاك بل وإقتحمت رغبة عارمة جسده في القنص من جمالها الجذاب .
إقترب منها وعلى وجهه إبتسامة قائلا :
_ محتاجة تاكسي يا أستاذة ؟
نظرت له بتيه ، كانت سترفض ولكن إلى متى ستظل جالسة هكذا ، فوجدت نفسها تومأ له بهدوء ليحمل حقيبتها سارٍ بها إلى التاكسي الخاص به وهي تتبعه في صمت ، وبعد أن خرج من محطة القطار تحدثت أخيرا بصوت بعيد عن الحياة :
_ ممكن لو سمحت توديني أي فندق هنا .
إتسعت إبتسامته أكثر فيبدو أن فريسته ليس لها أحد وستكون مهمته سهلة فتحدث بحبور :
_ طبعا.. أنا عارف فندق كويس وأسعاره هادية هو بعيد شوية لكن هيعجبك وهتقدري تقعدي فيه براحتك .
أماءت له له معلنة موافقتها .
ولكنها لا تعلم أنها ألقت بنفسها في نار لو تعلم بلهيبها لألقت بذاتها من السيارة حتى وإن دهستها أخرى .