رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الرابع عشر 14 بقلم رانيا عثمان البستاني


رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الرابع عشر 

يقولون أن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل ، ولكن كيف يكون التأخير أفضل ، هناك حالات وأوضاع إن تأخر الوقت تدمرت حياة الإنسان .


كان يجمع حاجياته بعد أن أنهى عمله لهذا اليوم ليتفاجأ بها أمامه تقول ببعض المرح :

_ إستخدمت سلطتي وقولت للعسكري إني أختك فدخلني عالطول .

إبتسم أحمد بحب وإحتضنها مرحباً بها قائلا بمشاغبة :

_ أهو المفروض أصور الحضن ده لأدهم  

ضحكت بمرح ليشاركها ثم جلسا في مقابل بعضهم ليردف أحمد بتساؤل:

_طبعا نورتي ، لكن أعتقد الزيارة دي ليها سبب .

أماءت له ثم ومن دون تأخير بدأت في حديثها:

_ محتاجة مساعدتك في كذا حاجه ، سهر واقعة في مشكلة وعلشان أقدر أساعدها لازم تكون معايا خطوة بخطوة .

تعجب وظهر على محياه التساؤل لتستكمل:

_ وفي موضوع يخص جاسر وأسيل ، وكمان رقية ومؤيد أنا عرفت إن مؤيد قريب منك .

قاطعها بتعجب:

_ إيه يا حور هو أنتي شغالة مصلح إجتماعي.

رفعت كفها مهددة إياه بالضرب ليقول سريعاً:

_ خلاص..خلاص أنا تحت أمرك إبدأي بالأستاذ مؤيد .

نظرت له حور بتهديد ثم بدأت في قص ما حدث منذ قليل عندما كانت تتوجه للخارج.

منذ ساعة تقريباً

حسمت أمرها فمن أجل مساعدة سهر عليها أن تمر من خلال القانون لردع ذاك الشيطان الإنسيّ .

كانت على وشك الخروج من باب المنزل الداخلي لتتفاجأ بمؤيد ورقية يتجادلان في حديقة المنزل وقفت قليلا إلى أن ذهب مؤيد والغضب يتأكله بينما رقية جلست تبكي في زاوية .

إقتربت منها حور وجلست بجانبها وضمتها إليها إلى أن هدأت فتساءلت :

_ شكلك أنتي إل غلطانة صح؟ وإلا رقية إل أعرفها لو كانت على حق كانت هتبقى أقوى من كده .

نظرت لها رقية وأزالت ما تبقى من دموع عالقة بعينيها مردفة بتحسر :

_ أو رقية شايفة إن خصمها في المشكلة دي أغلى من نفسها ومتقدرش تزعله وتاخد منه موقف .

نظرت لها حور بتفهم قائلة :

_ مهما كانت علاوة الشخص إل قدامنا لازم نواجه لو غلط فينا وجرحنا ، علشان ميفقدش غلاوته في قلبنا .

ظهر التردد على محياها وتشدقت بحيرة :

_ ما هو أنا مش عارفة هو غلط فيا ولا لأ ، أنا من يوم كتب الكتاب وبقيت في حيرة ، تعرفي هو كان رافض إننا نكتب الكتاب وقالي غصب عني هلاقي نفسي بتحكم فيكي وفي تصرفاتك ، غصب عني هتلاقيني لازم أعرف كل تحركاتك وممكن أمنعك من أي حاجه أنتي عاوزاها لو مش مناسبة من وجهة نظري فبلاش خلي في حدود تقدري توقفيني بيها لو إتماديت ، لكن أنا صممت إننا نكتب الكتاب زي الكل علشان أتكلم معاه براحتي ، قبل كده لما كنت بنتكلم كنت بحس بالذنب لأن كلامنا مكنش بريء كان مليان حب ، كنا لما بنشوف بعض نظراتنا مافيش عليها حدود ، خفت ناخد ذنوب أكتر ، خفت أسيب فرصة للبعد ، فلما ييجي دلوقتي يحصل إل نبهني عليه المفروض مزعلش لكن أنا لقيت نفسي مخنوقة ومش عارفة أخد منه موقف لأني خايفة ليبعد .

_طب إحكيلي ، لو مش هتضايقي ياعني قوليلي في إيه يمكن أشوف الموضوع من وجهة نظر مختلفة عنكم .

قالتها بمودة كبيرة جعلت رقية تسترسل في الحديث براحة قائلة :

_ إتفقنا إنه ييجي ياخدني من الكلية النهاردة ونتغدى بره طبعا بعد ما أقنعنا بابا ، لما خلصت محاضراتي كلمته ، وأنا قاعدة بستناه في الكافيه جه واحد زميلي طلب مني محاضرات فاتته مقدرتش أقوله لأ ، الولد ده ممتاز أصلا هو الأول على الدفعة لكن والده تعب وإتوفى وغاب عن الكلية أسبوعين ، ولما جه يطلب مني المحاضرات حسيت بمسؤولية إني لازم أساعده وإديتهومله ، بصراحة أنا طلبت منه يقعد ينقل الجزء الموجود معايا دلوقتي وقولتله الباقي هجيبهومله بعدين ، عارفة كنتي هتقولي يصورهم ، أنا كنت ناوية على كده ، كنت هصورله كل المحاضرات وأديهاله ، مقدرتش أقوله صورهم لأن الولد ده ظروفهم المادية سيئة جدا ، ده أصلا بيشتغل باقي اليوم علشان يقدر يشتري الكتب ، ولد مكافح ، حسيت إني لازم أساعده من غير ما أجرحه ، قولت أسيبه ينقل المحاضرة الموجودة معايا وأنا أبقى أصور الباقي وأديهومله.

لكن نصيبي بقى ييجي مؤيد ويشوفه بيسألني عن جزئية في المحاضرة مش فاهم خطي فيها وإتخانقنا والولد يا حرام إنحرج جدا وإتوتر وإعتذر ومشي .

كانت حور تستمع بهدوء وما إن إنتهت حتى قالت بهدوء :

_إنتي صح وغلط في نفس الوقت ، صح إنك تساعدي زميلك وتقفي وقفة إنسانية معاه طالما يستاهل ، وغلط لأن كان ممكن تعتذري وتقوليله هتجيبيهم بكرة وتصوريهم مرة واحدة كلهم بدل ما تقعدي معاه وإنتي أكيد متوقعة إن حاجة زي دي هتضايق مؤيد .

ظهرت علامات السخط على وجهها وأردفت :

_ كان المفروض يحترمني ، يتعامل بهدوء مع الوقف ده ، يسمع مني ، أنا دلوقتي واحدة عارفة إنه جاي ياخدني ياعني لو بعمل حاجة غلط مش هعملها في الوقت ده كان لازم يفهم كده .

_طيب ليه مقولتلوش كده ؟ ليه مواجهتيش هجومه ودافعتي عن نفسك ؟

_لأن ببساطة وجعي منه كبير ، هو جرحني ، يمكن مغلطش فيا لكن أسلوبه جرحني يا حور ، يزعق فيا قدام الناس وبعدين يمسك ايدي ويجيبني على هنا ويكمل زعيق ، طب ليه هو أنا عملت إيه لكل ده ، أومال لو مكنتش بقول في الراحة والجاية وكل إل بشوفه إني بحبه ، أنتي نفسك عرفتي بالحب ده أول ما دخلتي البيت وشوفتينا لأول مرة ، المفروض يبقى واثق فيا شوية .

_ أنا واثق فيكي أكتر من نفسي ، وبحبك أكتر من حبك ليا ، أنا غيرت عليكي ، أنا معرفش ظروفه إيه ولا أعرف هو كويس ولا لأ ، كل إل أعرفه إني دخلت وشوفتكم بتتكلموا سوا وفي إتنين واقفين بيقولوا شكل في ثنائي جديد ، تيجي نبدل كده لو أنتي مكاني كنتي هتتحكمي في أعصابك .

لم يستطع الرحيل بعد أن رأى دموع عينها تهدد بالسقوط ، فعلم بأنها على وشك البكاء لذا عاد فتفاجأ بها تجلس مع حور تبكي وتقص عليها ما حدث .

كان يتحدث وعيناه تطوفها بحزن لتقف حور أمامه قائلة :

_ أحلى حاجة في الحب الثقة ، ثق في حبها ليك أي حاجه هتبقى سهلة بعد كده .

_أنا عاوز نتجوز .

قالها بسرعة تعبر عن مدى رغبته في قربها لترفع رأسها سريعاً له عيناها تقطر عشقا له ، لتقول حور :

_ الطلب ده تقوله لخالك مش ليا .

نظر لها بإبتسامة عريضة لتردف بشك :

_ مش مرتاحة للإبتسامة دي .

_عليكي نور لو أنا مكانك مش هرتاح برده ، بصي بقى أنا عاوزك تقنعي خالو وليد إننا نتجوز ، لو أنتي طلبتي منه ده هيوافق ، باينة أوي أنه مش هيرفضلك طلب فأنتي بقى إستجدعي معانا .

_أنت ناسي شروط بابا علشان نعمل الفرح ؟

قالتها رقية ببعض الحزن لتظهر الحيرة عليه ، فتساءلت حور :

_ شروط إيه ؟

_بابا مشترط إن يبقالي شقة لوحدي لأن البيت هيسكن فيه جاسر وأسيل وإحتمال طبعا أبيه أمير يعيش معاهم والبيت مش كبير .

_كان عندي أمل أبني دور لينا لكن زي ما أنتي عارفة البُنيان واقف ، ومش هقدر أشتري بيت دلوقتي .

_أنا عندي الحل إن شاء الله ، بس الأول لازم تعرفوا إن التفاهم بينكم لازم يوصل لمرحلة وطيدة عن كده ، لازم تسمعوا بعض وتفهموا بعض أكتر من كده . 


إنتهت حور من سرد تلك المشكلة لينظر لها أحمد بتعجب فهو لم يفهم بعد ماذا تريد منه لتردف :

_ المطلوب منك تبيعلي نص بيتك .

تفاجأ من طلبها لتسترسل :

_ عاوزة أقدمه هدية لمؤيد ورقية يتجوزوا فيه ، أنا عارفة إنك إشتريت الأرض إل كانت جمب البيت زمان ووسعت البيت بيها وبقاله مدخلين كل مدخل ليه شقة فأصبح كأنه بيتين ، أنت جهزت الشقة الجديدة إل إتبنت على الأرض ، فدلوقتي بطلب منك تبيع ليا الشقة التانية مؤيد يجهزها ويتجوزوا ، هتقولي ليه مشوفش بيت تاني ، هقولك أكتر حاجة لفتت نظري لما رجعت هنا إن كلكم واحد ومترابطين في علاقة بينكم حلوة بلاش الأيام تفسدها .

البيت الكبير هيسكن فيه عبد الرحمن مع باقي العيلة ، جاسر هيسكن مع عمتو سلوى 

البيت التاني فيه باقي الشباب ، حتى بنوا بيت هما كمان جمب أهلهم ، مازن هتسكن معاه عمتو منى وجمبه بيت عمتو نوراة ، ياعني كلهم عزوة مع بعض كتلة واحدة .

فاضل أنت ومؤيد فلما تبقوا سوا ده أفضل حاجة ليكم .

إبتسم أحمد وتحدث بتأثر :

_ بتفكري في الكل وناسية نفسك .

_ سيبك مني يا أحمد ، قولت إيه هتبيع ؟

وقف أحمد وأدخل يده في چيب بنطاله وأخرج مجموعة من المفاتيح ثم نزع منها مجموعة ومد يده لها قائلا :

_ مفاتيح البيت ، البيت وصاحبه تحت أمرك .

تبسمت بحبور مردفة :

_طيب وأنت هتقعد فين ، خليك في الشقة لغاية ما التجهيزات تكمل وتتجوزوا.

_أنا اصلا سايب الشقة دي من فترة ، نقلت في البيت التاني في أوضة بحمامها كده مجهزها في الدور الأرضي وبعت كل العفش القديم وكسرت السباكة ، كنت ناوي أجدد البيت ده ، بس تجهيز الشقة علشان الفرح أخد كل مجهودي وفلوسي .

أنهى حديثه بضحك شاركته إياه ثم أردفت :

_ بكرة إن شاء الله فلوس البيت هتبقى عندك علشان تخلص تجهيز في أقرب وقت لأن الأسبوع الجاي الفرح .

_براحتك يا حور ....بتقولي إيه ؟

كان يتحدث بعفوية لكنه توقف عندما أدرك قولها ليسألها بلهفة :

_ هو أنتي قولتي الأسبوع الجاي الفرح ؟ ولا أنا بقى يجيلي تهيؤات ؟

ضحكت حور عليه ثم أردفت بمكر :

_ والله لو مش عاوز ماشي مافيش مشكلة جاسر وعبد الرحمن يتجوزوا ونأجل فرحك أنت شوية .

_نعم ياختي ، لفيها لأخفيها .

كانت تضحك على رد فعله ليتفاجؤا بطرق فوق الباب والعسكري يدلف قائلا :

_ سيادتك في بلاغ وصل من شوية في شارع .... 

_حضر القوى ، حور نكمل كلامنا بعدين يالا سلام .

رحل من أمامها بعد أن تأكد من سلاحه الخاص تاركاً إياها تدعو له بالتوفيق والستر .

...............

أحيانا نجذب الحِبال بشدة وأوقات نرخيها ...قوة ليس ضعف .

كان أشرف جالسا يتابع نشرة الأخبار ويرتشف كوبا من الشاي ، منذ ذلك اليوم الذي تفاجأ بأولاده في قسم الشرطة لا يتحدث مع أحد منهم وبالرغم من إعتذارهم المتكرر له إلا أنه لم يعط لحديثه أي أهمية بل ولا يجلس معهم لتناول الطعام قط .

وقف طارق ينظر لشقيقه طه ويظهر على محياهم التأثر ببعد والدهم عنهم ليتقدما بخزي مصاحب لهم منذ ذلك اليوم وجلس كلا منهم بجانبه لينتصف هو بين فلذات أكباده توأمه الذي شعر بأن عمره لم يكتب له معنى سوا بوجودهم في حياته ، أصعب ما قد يمر به إنسان هي خيبة الأمل ، وهم كانوا أمله في هذه الدنيا .

_ خلاص بقى يا حج ، حقك على راسنا إحنا غلطنا ، لكن إتعلمنا من غلطنا والله ، مش كده يا طه ؟

نظر طه لطارق ولم يتمالك نفسه فبدأ في البكاء .

إنتفض أشرف بلهفة ينظر له بتفحص ثم جذبه يحتضنه بحنان أبوي بينما طه يتحدث من بين دموعه بصعوبة قائلا :

_ أنا آسف ... إحنا أسفين يا بابا ، والله مش هنعمل كده تاني ولا هنعمل حاجة تزعلك تاني ، بالله عليك إرجع كلمنا تاني ، أنا حاسس إني ميت من غيرك والله ، ده أنت مش بس أبونا أنت أخونا الكبير وصاحبنا ، أنا مش عارف أنام ولا قادر أسامح نفسي إني زعلتك .

وقف طارق ثم تقدم وجثى على عاقبيه أمام أبيه قائلا:

_ أنت عارف غلاوتك عندنا يا بابا ، وعارف إننا منقدرش على زعلك ولا بعدك ، أنا والله حاسس إني مخنوق من يومها ومش قادر أتنفس براحتي ، حاسس إني مكشوف ضهري متعري ومش حاسس بآمان ، أنا مش عاوز حاجة من الدنيا غير رضاك .

تأثر أشرف كثيرا وظهر بعينيه دموع الفرح بمحبة أولاده الصادقة له ، حاول أن يضبط نبرة صوته كي لا تكن لينة جدا ولا تكن قاسية قائلا :

_ أنا هسامحكم المرة دي ، وأظن إتعلمتوا الدرس ، أنا عاوز أقولكم حاجة مهمة الإنسان سهل يغلط لكن صعب يتمسك بالصح ، لأن كل حاجة صح وكويسة صعبة لأن لذتها بتبقى أكبر وأفضل ، طول عمري شايف نفسي فيكم ، أملي فيكم هو الحياة ، بلاش تكسروني وتضيعوا حياتي في الفاضي .

قبل كلا منهم يده ورأسه متمتمين معا :

_ ربنا يخليك لينا يا حج ، توبة خلاص .

نظر أشرف لطارق بخبث مردفا:

_ بالنسبة للكذاب ده إل بيقول مش عاوز غير رضايا ده أنا كنت ناوي أروح أخطبله زميلته بس يالا عقاب ليه ...

قاطعه طارق بلهفة :

_ بالله ما أنت راجع في كلامك ، عيب حتى الناس تقول إيه الحاج أشرف الدمنهوري يقول كلمة ويرجع فيها عيب .

ضحك طه قائلا بسخرية :

_ أنت مش قولت إنها هتتخطب .

_ عيب يا إبني أخوك مسيطر .

كان يتحدث بغرور ليصفعه والده على رأسه قائلا من بين أسنانه :

_ أنا مش قولتلك ياض أنت متتكلمش معاها نهائي .

حك طارق شعره بإرتباك قائلا :

_ والله يا حج عملت زي ما قولت قولتلها مينفعش نتكلم تاني علشان حرام ، لكن هي فهمت إني ببعد عنها بشياكة أو بمعنى أصح بخلع ، فقولتلها علشان تصدق إني باقي عليها هرن عليها كل يوم بس مش هتكلم ، وفي مرة ردت عليا من أول رنة كأنها كانت مستناني وقالتلي على موضوع الخطوبة ده ، وأنا بصراحة مقدرتش أستحمل كانت بتعيط ومنهارة أوي فوعدتها إني أجي أتقدم ليها بعد موقفتك طبعا ، ولأنك واعدني وموافق على المبدأ بصراحة كده كلمت والدها .

أنهى حديثه ثم إنتفض مبتعدا عن والده الذي نظر له بغضب بينما شقيقه تمتم بصدمة :

_ ده إحنا لسه بنقول مش هنعمل حاجة تضايقه ، أعمل فيك إيه ؟

_ أنا آسف والله ، بس غصب عني ، إنتوا الإتنين عارفين إني بحبها ، وبعدين أنا وعدتها ووعد الحر دين عليه ، وحرام بعد ما تحبني وتتعلق بيا وتصدقني أتخلى عنها .

وقف أشرف متشدقا بهدوء :

_ لو في حاجة هتشفعلك عندي إنك أخدت خطوة زي دي من ورايا فهي إنك طلعت رجل ، أنا كنت من شوية بختبرك لسه عند كلامك معايا وفعلا متمسك بيها ولا لأ ، لكن طالما كلمت أبوها يبقى أنت جاد في مشاعرك وأنا مش هتأخر عنك .

هلل طارق فرحا وإحتضنه بحب .

_أيوة أرضوا أنتوا عن بعض وأفرحوا سوا وسيبوني أنا أخبط دماغي في الحيط .

قالتها مريم وهي تنظر لزوجها بعتاب فهو منذ ذلك اليوم يتجنبها هي أيضا إلا من بعض الحديث القليل .

_ إلحق يا حج أشرف المدام باين زعلانة منك .

أنهى طه حديثه بطريقة مضحكة ليقول أشرف متصنع الغضب :

_ إمشي منك ليه من قدامي ، ما هو أنتوا تغلطوا وأنا أدفع التمن .

_نمشي ليه يا حج ؟

تساءل طارق وهو يتلاعب بحاجبيه بطريقة كوميدية ، ليجيبه والده بطريقة درامية مصطنعة :

_ عاوز أصلح ما يخربه الأخرون يا أخر صبري ، إمشي بدل والله ما في خطوبة في سنتك .

ما إن أنهى حديثه إندفع طارق بأقصى سرعة للخارج بينما طه يتبعه وهو يضحك عليه .

_ خطوبة إيه ؟

تساءلت بتعجب ليقترب منها مبتسماً:

_ عاوزين يكبروكي يا جميل يا عسل ، طارق عاوز يتجوز .

تجنبت غزله ولم تهتم سوى بآخر جملته متسائلة بدهشة أكبر :

_ طارق بس ، طب وطه مقالكش حاجة ؟

نظر لها بشك لترتبك مردفة :

_ أقصد ياعني هما توأم متعودين يعملوا كل حاجة مع بعض.

نظر لها بسخرية قائلا :

_ وهو في الجواز برده لازم يبقوا زي بعض ، طب طول عمرك بتلبسيهم زي بعض ماشي ، ياكلوا نفس الأكل ، يتعلموا نفس التعليم لكن إيه علاقة الجواز .

زاد إرتباكها ليسترسل بشك :

_ هو طه عينه من واحدة معينة .

زفرت الهواء بقوة وأردفت :

_ بصراحة أه ، لكن متقولوش إنك عرفت مني ، أنا أصلا عرفت بالصدفة سمعته وهو بيتكلم مع أخوه ، وعرفت كمان إنها موافقة عليه لكن هي مين معرفش كل إل أعرفه إنها من العيلة .

تفاجأ أشرف قليلا وأخذ يفكر بضع ثوان ثم أردف بحيرة :

_ في أكتر من بنت في العيلة يا ترى أنهي واحدة ، عموما هما كلهم بناتنا وأيا كانت مين فمعنديش مانع .

نظر لزوجته بعد أن أنهى حديثه ليجد نظرة العتاب ما زالت تغلف عينها ليقول مازحا :

_ بلاش تكشير بقى احنا دلوقتي بنفكر في جواز ولادنا ياعني المفروض نضحك ونتبسط .

كان يتحدث وهو يشير لها أن تجلس بجانبه ففعلت كما قال وشرعت في التحدث معه بحماس عن أولادها .

...................

أقسى الآلام هي آلام التي يسببها رفيق الدرب ، من إخترته لتكمل معه الحياه وتستكين بين ضلوعه .

عادت ريم إلى منزل زوجها بعد أن قضت تلك الليلة بعد أن أفاقت من إغمائها تبحث بين أشياء شقيقتها لعلها تجد ما يشير إلى ذلك النذل الذي تخلى عن نور تلك البريئة صاحبة عيون الغزلان .

_حمد لله على سلامتك يا سنيورة ، في حد قالك إن عندنا ستات بتبات بره بيت جوزها .

حاولت ريم أن تهدأ بأكبر قدر مستطاع مردفة بصوت مختنق :

_والله جوزي عنده علم ، وأنا كنت بايتة في بيتنا ياعني مش في الشارع .

لم يعجبها كالعادة ردها لتصرخ بها :

_ بيتكم الأوضة والصالة بقى اسمهم بيت ، سبحان الله بنحاول نعدلك وأنتي عاوزة تفضلي مايلة ، بقى أنا الحق عليا بنصحك إنك ماتسيبيش بيت جوزك ، بدل ما في مرة تلاقي غيرك فيه .

نظرت لها ريم بغضب ولم تستطع كبت نفسها أكتر من هذا لتصرخ منفعلة كما لم يحدث من قبل :

 _ تعدليني ، أنتوا خربتوا حياتنا ، أنتوا دمرتونا ، فرحانة بيبتكم وبتهدديني ، لأ أنا إل بقولك إبقي هاتي واحدة تانية فيه لأني ماشية من هنا .

دلف صالح وإستمع لآخر جملتها لينظر لها بتعجب وتساءل :

_ في إيه يا ريم ؟ صوتكم عالي جدا ، هو أنتوا صعب تتفاهموا مع بعض للدرجة دي ؟! أنا تعبت من المشاكل كل يوم مشكلة .

_مراتك بتزعق فيا علشان بقولها مينفعش تبات بره البيت .

كانت عيناها تقتد بشرارات الغضب ولكنها شعرت بعد رد ولدها بالنار تأكلها من الداخل 

_ وفيها إيه يا أمي ما أنا سمحتلها ، وإنتي يا ريم مافيش داعي تزعلي وتغضبي بالشكل ده ، أمي متقصدش حاجة .

_ كفاية بقى كفاية أنا أعصابي مش متحملة ، أنا كنت راجعة تاني بيت أبويا بس المرة دي نهائي لكن بعد ما كنت أتكلم معاك لآخر مرة .

قالت جملتها تباعاً صارخا بألم يفيض من عينيها ، لتضرب منار والدة صالح بكفها على صدرها قائلة بتحسر :

_ يادي الخيبة نهائي ياعني إيه يا مجنونة هو الحمل جننك ، أعقلي يابنت الناس ، مافيش ست تخرب بيتها بإيدها .

نظرت لها ريم وكأنها برأسين ... لا بل وكأنها بأربع خمس رؤوس قائلة بسخرية :

_ هو أنتي أنهي شخصية بالظبط علشان أنا تعبت ، عموما أنا هريحك مني خالص ، بس هو سؤال واحد يا صالح وتجاوبني عليه بأمانة بحق العيش والملح والمودة إل ربنا قال عليها .

نظر صالح لحالتها وإنهيارها بصدمة فماذا حدث لكل هذا .

عندنا وجدته لا يتحدث حاولت تنظيم أنفاسها بقدر الإمكان ثم تحدثت بجمود بالرغم من إهتزاز صوتها متأثرا :

_ إنت إتجوزتني كنوع من تكفير الذنب ؟

_نعم !!! ذنب إيه ؟ إيه التخاريف دي ؟

_مش قولتلك الحمل جننها باين .

قالت جملتها بسخط ثم توجهت للأريكة وقبل أن تجلس سمعت ما جعلها تتصنم في مكانها 

_ تكفير ذنب أختي ... نور أختي إل ماتت بسببك بعد ما خبطتها بعربيتك .

كانت حالة صالح لا تختلف عن والدته التي توجهت مرة أخرى لريم تسألها بصدمة حقيقية:

_ هي البنت إل ماتت دي تبقى أختك !!

نظرت لها ريم بسخرية ولم تصدقها أو لم ترغب في ذلك بينما صالح قد شُحب وجهه وأردف بصعوبة :

_ أنا أول مرة أعرف إنها أختك .

بالطبع لم تصدق لتصرخ به بإنفعال :

_ هتفضل تكذب لغاية إمتى ؟ بنيت حياتي مع قاتل أختي ، إنت دمرتني .

_إخرسي ، متقوليش قاتل ، دي كانت حادثة ، إبني عمل كل حاجة علشان ينقذها لكن قدرها كده هتعترضي على أمر ربنا ، وبعدين تعالي هنا أنا كده فهمت يبقى أنتي إتجوزتيه علشان تنتقمي منه ، قولي بقى كده وإظهري على حقيقتك .

كانت ريم تنظر لحماتها بصدمة كبيرة متفاجئة من هذا الإتهام لتنفيه سريعا :

_ أنا لو أعرفه من الأول عمري ما كنت أسمحله يقرب مني ولا كنت بنيت أحلامي بدم أختي ، دم أختي إل حاولت تغسله بشوية فلوس وإستغليت ضعف وقلة حال أبويا وأقنعته ميقدمش بلاغ .

كانت تتهمه إتهام تلو الأخر وهو مازال في حالة صدمة من تلاعب القدر به ، في الوقت الذي ظن أنه يستطيع نسيان تلك الحادثة ، عادت ذكرياتها لتُلقى في وجهه بمنتهى العنف والقسوة .

ولكن أي مال هذا ...؟

_ فلوس إيه؟؟ أنا مدفعتش فلوس ولا حتى شوفت أبوكي غير يوم ما جيت أتقدملك .

كان يتحدث بصدق لتُصعق من قوله مردفة بعدم تصديق:

_ ياعني الفلوس طارت من عندكم جت لعندنا لوحدها ، حتى لو مش أنتي بذمتك مش مكسوف لما تقول إنك مشوفتش أبو البنت إل قتلتها ، طب حتى كنت عزيه.

_ متظلميش صالح يابنتي ، صالح كان في حالة إنهيار عصبي ، وموضوع الفلوس ده ميعرفش عنه حاجة .

قالها محمود والد صالح بحزن كبير ليسأله صالح بألم :

_ إنت إل دفعت فلوس يا بابا ؟ 

_ كان لازم أحميك إنت إبني الوحيد ، والحادثة كانت غصب عنك .

نظر محمود لريم وأردف بصدق إستشعرته:

_ صدقيني يا بنتي صالح ميعرفش ، أنا عرفتك يوم ما خطبناكي لكن والدك طلب مني منقولش حاجة لأنه كان شايفك سعيدة بالخطوبة .

جلست ريم تبكي بإنهيار وهم ينظرون لها مشفقين ع حالتها لينتفضلوا فجأة على صوت صراخها متألمة .

حملها صالح لغرفتهم بينما منار بحثت عن هاتفها وهاتفت أدهم .

...........

كان أدهم يراجع بعد الأوراق المتعلقة بشؤون العمل مع وليد لتدلف حور قائلة بإبتسامة :

_ السلام عليكم ، أخباركم ؟

_ وعليكم السلام يابنتي إحنا كويسين إنتي إيه أخبارك ؟ والواد أدهم عامل إيه معاكي لو زعلك عرفيني .

إبتسمت حور بود بينما أدهم تحدث بتذمر مصطنع :

_ أزعل مين بس يا عمو دي محدش يقدر عليها .

إصطنعت حور الدهشة قائلة بخبث:

_ يظهر كده يا خالو إن في حد هنا زعلان ، طب أنا هشهدك هو ينفع يبقى في جميل في رقبتنا لحد .

نظر وليد إليهم متعجبا ثم تساءل :

_ ياعني إيه ؟ ماتفهموني ؟

_شوف يا عمو من الآخر كده إنت عارف إن جاسر حدد ميعاد كتب كتابه هو وأسيل الاسبوع الجاي وهياخدها يسافروا ، فحور كانت عاوزة تعزم دكتور مؤنس إل كان هنا إمبارح ، فأنا بقولها بمناسبة إيه كتب الكتاب هيبقى عائلي ، يبقى مين معاه الحق .

نظرت له حور وتوسعت إبتسامتها عندما رأت تذمره لينظر لها وليد بحب ويفطن لغضب أدهم فنظر له بخبث لطيف قائلا :

_ أدهم هو أنت غيران منه ؟

ضحكت حور بمليء فاهها بينما أدهم ناظرها بغضب وعض على شفتيه قائلا من بين أسنانه :

_ مافيش رجل لفت نظرها غيره ، أنت ما شوفتش كانت بتبص ليه إزاي ؟

إقتربت منه وجلست بجانبه وأردفت بحب :

_ غلطان ... أنا مافيش رجل لفت نظري ، وأخد عقلي وقلبي وروحي غيرك .

كان هائما بها وبإعترافها الذي ذادت لذته لأنهم ليسوا وحيدين ، لذا أردف بشغف :

_ كل يوم بحبك أكتر وقلبي ينبض كأن أول مرة .

_طب إعملوا حساب لقعدتي طيب .

قالها وليد بغضب مصطنع لتردف هي بمشاغبة :

_ ما بلاش أنت يا خالو ماما كانت دايما تحكيلنا عن الشعر والغزل إل كنت بتقولهم لطنط فيروز قدامها .

_الشاعر كل ما يكبر يخضرم يابنتي ويقول أكتر ، إنما خالك كل ما يكبر كل ما بيقل كلامه مش شِعره بس .

أنهت فيروز حديثها وجلست فوق إحدى الأرائك بتذمر تتناول ثمرة التفاح .

_أيوة إلحق يا عمو الحكومة زعلانة منك .

قاطع حديثه رنين هاتفه ليجيب منار ثم أغلق معها ناظرا لحور قائلا بمرح :

_ أنا بقول تقدمي إستقالتك من المستشفى وكفاية عليكي العيلة دي .

ضحكوا على قوله لتذهب حور وتُحضر حقيبتها ثم ترحل مع أدهم بينما وليد إقترب من زوجته التي نظرته له بدلال لائم تحول لخجل مبتسمة عندما قال :

_ وأنتي بقى يا روح الروح تعالي معايا علشان أصلح غلطتي وأصالحك .

...................

الحياة ... بأيدينا تتعقد وبأيدينا تكن أبسط من تجرع كوب الماء .

الأمر فقط متروك لنا .

إنتهت حور من فحص ريم التي لازالت تبكي .

خرجت حور لتجد صالح يقص لأدهم ما حدث بينما محمود يظهر عليه الحزن .

_ صالح في علاج ضروري تاخده دلوقتي ، إتفضل دي أسماؤه متتأخرش .

كان الأسف يقطر من وجهها ليغمض عينيه قبل أن يسأل :

_ نزل ولا لسه موجود ؟

_لسه ...إن شاء الله المثبتات دي هتجيب نتيجة ، أنا هديها علاج دلوقتي لكن طبعا لازم تروح للدكتورة المتابعة للحمل ، بس أنت هات العلاج علشان الإسعافات الأولية دي مهمة .

أنهت حديثها ثم دلفت مرة أخرى لتتفاجأ بريم التي تقول :

_ سيبيه ينزل ، يمكن كده أحسن ، بدل ما يتولد يلاقي أب وأم مطلقين ويعيش مشتت .

جلست حور بجانبها قائلة بحنان :

_ وليه الطلاق ، أنا سمعت بعض الكلام وتقريباً فهمت ، كان أدهم حكالي عن موضوع الحادثة ده ، بس إل فهمته دلوقتي إن فعلا صالح إتفاجيء إنك أختها .

_عارفة 

همسات بها بضعف ثم إسترسلت :

_ لكن صعب عليا أعيش معاه بعد كده .

أزالت حور دموعها بحنان ثم أمسكت بكف يدها ووضعتها على جوفها قائلة :

_ النبض إل جواكي ده يستاهل المحاولة ، يستاهل إنك تعافري وتقومي ألمك علشانه ، إبنك أو بنتك محتاجين بيت هادي وأم وأب عايشين سوا ومتفاهمين ليه تستكتري الحق ده .

لو كان صالح طايش سايق بسرعة أو شارب حاجة أفقدته تركيزه كنت هقولك فعلا مستحيل ، لكن خليكي صريحة مع نفسك صالح وأنتي أعلم بيه مني رجل قد المسؤلية نزيه وصادق وعاقل جدا ، وأختك ربنا يرحمها كانت بتجري ودخلت الطريق ياعني طبعا ده قضاء وقدر لكن الخطأ غير مقصود .

وضعت ريم يدها فوق قلبها تدلكه برفق قائلة بدموع :

_ انا مجروحة وخايفة.

_حقك ... حقك تحسي بالوجع والجرح ، لكن بلاش تظلمي ، أقولك حاجة بلاش تفكري في أي حاجة دلوقتي غير في إبنك هو يستاهل إنك تقفلي على كل حاجة لغاية ما تطمني عليه .

نظرت لها ريم بتردد ثم حسمت أمرها قائلة:

_ لو إحتجت مساعدتك .

لم تجعلها تكمل حديثها بل أجابتها بنبرة واثقة :

_ هتلاقيني جمبك .

قاطع حديثهم رنين هاتفها وقبل أن تجيب دلف صالح بعد أن طرق الباب .

أخذت منه حور الحقيبة وشرعت في إعطاء محتوياتها لريم .

بينما في الخارج 

_ ناوي على إيه يا صاحبي ؟

_ ولا أعرف .

كان الألم والأسى مرتسمان على وجهه ليحتضنه أدهم مربتا على كتفه قائلا :

_ أنا معاك في أي حاجة ، لو إحتجتني قبل ما تكمل كلامك هتلاقيني .

أماء له صالح بهدوء ثم إبتعدا عندما خرجت حور فتساءل :

_ عاملة إيه دلوقتي ؟

_ أحسن إن شاء الله ، هي المفروض تفضل نايمة للصبح ، المطلوب منك دلوقتي لما تفوق بلاش عصبية ولا إنفعال ، هي حقيقي غصب عنها ولازم تتحمل وتساندها .

أماء لها صالح وأردف:

_ شكرا يا حور تعبناكي معانا .

نفت برأسها متشدقة ببعض المرح :

_ متقلقش هاخد حساب كل حالة من أدهم أهو أقلبه في قرشين ينفعوا بعدين .

تبسم صالح لها ليقول أدهم:

_ طب يالا بينا نمشي على شقتنا قبل ما حد يتعب تاني .

_ مش هينفع للآسف لأني راحة عند أحمد كلمني وقال محتاجني ضروري في موضوع مهم .

نظر لها أدهم بسخط متمتما بزهق:

_ العيلة دي مش وراها غير وجع الدماغ قدامي لما أشوف الموضوع المهم ده .

..............

رُب ضارة نافعة ، وهذا ما حدث معها .

إنتهت أخيرا من إرتشاف كوب العصير بعد صعوبة بالغة .

نظر لها ليجد نفضتها قد هدأت وبكاؤها قد توقف لذا إقترب منها بحذر وجلس بعيد نسبيا لكي لا تهلع وتحدث بروية :

_ متقلقيش ، أنا هبعتك دلوقتي مع أختي ، هي دكتورة ، هتوديكي مكان أمان ، ومش هنسيبك لوحدك وهنساعدك .

رفعت نظرها له ولم تتحدث فصوتها لم يسعفها .

شعر بالحزن عليها ، فما مرت به ليس بقليل .

ظل يُحادث چورية عن طريق الرسائل إلا أن تصل حور بينما تلك الفتاة قد ذهبت في سُبات .

بعد ما يقرب من العشرون دقيقة وصلت حور ومعها أدهم الذي أصر على مرافقتها.

تفاجؤا بتلك النائمة فوق الأريكة وصوت شهقاتها دال على مدى تألمها .

أشار لهم أحمد بالجلوس وبدأ الحديث مباشرةً :

_ جالنا بلاغ عن خناقة في مكان بعيد ومتطرف ، لما وصلنا لقيناهم شابين ماسكين سواق تاكسي ونازلين فيه ضرب ، كان هيموت في إيدهم .

ولقينا البنت دي في التاكسي في حالة تشتت ، من التحريات المبدأية 

سواق التاكسي حاول يخدرها علشان يعتدي عليها ، لكن هي قاومته فضربها .

واخدها من محطة القطر وكان مفهمها إنه هيوصلها فندق بعيد شوية عن البلد ، وهي طبعا غريبة وتقريبا أول مرة تسافر لوحدها ، بالصدفة في شابين كانوا بيدوروا على السواق ده ولمحوا التاكسي مشيوا وراه ووصلوا في الوقت المناسب لولاهم كان زمانه.

قطع حديثه ناظرا لتلك الفتاة التي وبالرغم من بكاؤها وإصفرار وجهها مما مرأت به إلا أن جمالها كان بارزا .

_طب والشابين دول كانوا بيدوروا عليه ليه ؟

تساءل أدهم بتعجب ليجيبه أحمد بغضب :

_ الحقير إتحرش ببنت كانت راكبة معاه امبارح والبنت دي تبقى أخت واحد فيهم وخطيبة التاني .

_ ربنا يسلم إيديهم ، في غيرهم كان هيقول البنت ال غلطانة إنها تركب تاكسي وظلموها هي وهي المجني عليها ، في أهل كتير وناس كتير بيحملوا البنت مسؤلية جريمة بشعة زي جريمة التحرش ، وأهو لولا أنهم رجالة وصمموا ياخدوا حقها الله أعلم كان حصل إيه للملاك دي ، سبحان من خلقها.

ما إن أنهت حور حديثها حتى تفاجؤا جميعا بصراخها وإنتفاض جسدها بفزع من فوق الأريكة .

إقتربت منها حور محتضنة إياها بقوة رغم إعتراض الأخرى ومحاولاتها الهستيرية في الإبتعاد ، ولكن حور أحكمت إحتضانها فهي تعلم أنها تمر بنوبة هلع الآن .

مرت دقائق إلى أن هدأت بين أحضانها وحور تمسد على ظهرها متمتة عبارات الطمأنينة .

_علشان كده كلمتك ، قولت أنتي الوحيدة إل هتقدري تساعديها خصوصا إن ملهاش أي حد هنا .

إقترب أدهم منها وجلس في مقابلتها ومد يده بمنديل ورقي فأخذته منه بيد مرتجفة وجففت وجها ليظهر جمالها أكثر ليبتسم لها بود فسبحان من جعل قلبه يتعلق بتلك الفتاة ويشعر بالأُنس في غابات الزيتون خاصتها .

_إسمك إيه يا جميلة ؟

تساءلت حور بود وحنان لتنظر لها تلك الفتاة تارة ولأدهم تارة أخرى مستشعرة الطمأنينة التي غلفتها بوجودهم ثم همست :

_ سِدرة ... إسمي سِدرة .

.....................

عام ٢٠٢٣ 

ما أشبه اليوم بالأمس ، كانت هنا منذ ثلاث سنوات تهبط من القطار لا تعلم إلى أين تذهب ، والآن تصعد إلى القطار لترحل عن هذا المكان الذي ظنت بعد كل ما حدث أنها ستستطيع بناء حياة لها .

كان بكاؤها صامتا ، قلبها ينزف بصمت .

وما أقسى الصمت حينما يعجز الكلام عن التعبير .

أسندت رأسها فوق شباك القطر وغامت عيناها بذكريات اليوم ، فقد يكون اليوم حاضرا ولكن أصبح بالنسبة لها كالسنوات الفائتة في طي الذكريات .


وأخيراً قد خضع لرغبة والدته ووافق على خطبة تلك الفتاة التي ظلت تحدثه عنها منذ شهرا دون كلل أو يأس ، فهللت والدته وهي تخبر والده هاتفيا لتستمع لتلك المحادثة التي شقت قلبها إلى نصفين .

ودون تفكير تركت إبنته تلعب بدُماها وتوجهت إلى غرفته لتجده يخرج منها فقالت دون تمهل :

_ إنت فعلا هتخطب النهاردة ؟

كان قلبها يتمزق ولكن بداخلها بعض الأمل أن ينفي ذاك الخبر ولكنه حطم أخر آمالها عندما قال بجمود عكس النيران المشتعلة بداخله فرؤية غابات عيناها ملبدة بالدموع كسر قلبه :

_ أيوة ، جاية تباركيلي ؟

هبطت دموعها رغم محاولاتها أن تتماسك وأردفت بصوت ممزق :

_ مبروك ، ربنا يسعدك .

رحلت من أمامه بصمت متجهة لغرفتها الملاصقة لغرفة إبنته ليشعر بالغضب منها ومن نفسه ومن كل شيء ويذهب ورائها وقبل أن تغلق باب الغرفة أمسك ذراعها يجذبها نحوه قائلا بغضب :

_ زعلانة ليه ؟ جاية دلوقتي تبكي ، إل يشوفك يقول إنك بتحبيني وبتتعذبي ببعدي ، العذاب ده إتخلق علشاني أنا ، لكن أنا هدفع تمن إني سلمتك قلبي وروحي ، وهرجع لحياتي وهعيش عمري وأتجوز وأفرح ، أنتي بقى عاوزة توصليلي إيه بدموعك دي مستنية مني إيه بعد ما إكتشفت إني مخدوع فيكي ؟

نفضت ذراعها من بين أصابعه متحدثة بألم :

_ مش عاوزة أوصلك حاجة ، مش عاوزة أوصلك ولا عاوزة ولا مستنية منك أي حاجة ، سيبني في حالي ، مش إنت بتقول إنك إتخدعت فيا ، أنا هريحك مني نهائي ومش هتشوف وشي تاني .

أنهت حديثها ودفعته وأغلقت الباب وجلست تبكي أرضا بقهر .


أفاقت من أفكارها عندما وجدت أحدهم يجلس بجانبها وآخر قبالتها لتتمتم :

_ أنا قولتلكم إني مسافرة علشان متقلقوش مش علشان تيجوا ورايا .

_إحنا معانا أمر بالقبض عليكي يا آنسة سِدرة .


إبتسمت له بود ونظرت من النافذة تتذكر القدر الذي جمعهم سويا .

..............

رغم الخوف الذي يعتليها منذ وطأت قدماها تلك البلد الغريب إلا أن وجودها مع هذان الإثنان أشعرها بالسكينة ، لا تعلم لما ولكن في قرار قلبها تشعر أن علاقتها بهم ستطودت ولن تقتصر على تلك المساعدة .

توقفت سيارة أدهم أخيراً أمام مبنى مسكنهم الخاص .

نظرت حور للخلف قائلة بوجه مبتسم :

_ وصلنا يا جميل ، فوق في العمارة دي شقتنا لكن إحنا كنا قاعدين في بيت العيلة يومين ، فأنتي تقدري تقعدي براحتك محدش هيضايقك .

نظرت لها بتردد ثم إبتلعت ما في جوفها بقوة متسائلة بتردد :

_ هو ممكن متسبنيش لوحدي .

ما إن أنهت جملتها حتى بدأت في البكاء مرة أخرى لتقول حور سريعاً:

_ طبعا يا حبيبتي متخافيش أنا تحت أمرك ، متخافيش يا سدرة إحنا زي إخواتك ومش هنسيبك لوحدك أبدا ولا هنتخلى عنك .

أزالت دموعها بضهر يدها كالأطفال ونظرت لها قائلة بصدق :

_ أنا أول مرة أطمن بقالي أسبوعين في خوف وقلق ، بخاف من كل الناس ، نظراتهم وكلامهم حاسة إني عايشة في رعب ، بس معاكم مطمنة معرفش ليه .

_ وإحنا هنكون قد ثقتك فينا متقلقيش ، وأنا ياستي كان عندي أختين ربنا يعيني عليهم هعتبرك التالتة بتاعتهم وأي وقت محتاجاني فيه هتلاقيني ، وبالنسبة للشغل والسكن أنا هشوفلك مكان قريب مننا وكمان هشوفلك شغل بمرتب كويس تقدري تعيشي منه مرتاحة ، متشغليش بالك بأي حاجة إنتي بس إرتاحي يومين كده وربنا ييسر .

أماءت له بهدوء ليتساءل بعفوية :

_ أنتي بتقولي بقالك أسبوعين خايفة ، هو أنتي سايبة بلدك بقالك أسبوعين .

إمتلأت عيناها بالدموع مرة أخرى وتساقطت بهدوء تزامنا مع حديثها :

_ لسه النهاردة أول مرة أسافر ، لكن بلدي وأماني سابتني بقالها أسبوعين ، أقصد أمي ...إتوفت من أسبوعين ، كانت كل حاجة ليا عشت يتيمة الأب من صغري ومن غير أهل ولا أصحاب ماليش غيرها هي وبس .

شعرت حور بوخزة ألم في قلبها ليردف أدهم بتأثر :

_ دلوقتي عرفت ليه مطمنة مع حور الطيور على اشكالها تقع ، ويظهر إن ألمكم واحد .

مسحت حور على وجهها لتفق من حالة الحزن التي سيطرت عليها قائلا :

_ يالا بينا نطلع يا سدرة وأنت يا أدهم هاتلنا عشا هتعبك معلهش هاتلنا عشا جاهز من بره وياسلام بقى لو كان كباب وريش وزود شوية تعب وهات كام نوع عصير كده على كام كيس شيبسي أهو نتسلى بيهم يظهر كده إننا هنبقى أصحاب.

أنهت حديثها باسمة وهي تنظر إلى سدرة التي بادلتها الإبتسام .

_بس كده غالي والطلب رخيص ، لو كل التعب كده أنا موافق إطلبي إنتي بس .

_ربنا يخليكم لبعض .

قالتها سدرة بمحبة ثم هبطت من السيارة لتقول حور بدلال قبل أن تهبط هي الأخرى :

_ سلام يا زوجي العزيز .


............

بعد مرور يومين /

كانت جميع العائلة مجتمعين لتناول وجبة الغذاء ، فهذا أول يوم جمعة في الشهر ، وعادت العائلة إجتماعهم في مثل هذا اليوم من كل شهر معا .

جالسون يتحدثون فيما بينهم ، ولأول مرة تستمتع حور هكذا معهم ، قد يكون بسبب تغيب حمدي فهي منذ أيام لا تراه ولا يأتي للمنزل ، وربما الألفة والمحبة بين الحضور .

قاطع حديثهم رنين هاتف وليد الذي أجاب متعجباً من ذلك الرقم الغريب عليه وبعد عدة ثواني أغلق قائلا :

_ دكتور مؤنس دكتور كلية نورا بره بيستأذن يدخل وأنا سمحتله .

_ عملتي إيه يا مصيبة حياتي .

ضحك الجميع على أدهم الذي نظر لإبنته بشك لتردف بدفاعية :

_ والله معملتش حاجة وبعدين أنا أصلا مروحتش الكلية بقالي يومين .

أخذت النساء بعضهن وذهبنا إلى المطبخ لتحضير الطعام بينما الفتيات أخذن جنباً بعيدا عن الرجال عندما وجدوا هذا الشاب يدلف متوجها لوليد الذي وقف وإستقبله بحفاوة .

_بت يا نورا بقى هو ده أبو الهول ، تصدقي إنك مفترية وظالمة .

_ والله معاكي حق أختك يا متخلفة يا مبتفهمش إنتي مش شايفة الشباب مصدومين منه إزاي ؟

_ يا سلام يا ست رقية والله لأقول لمؤيد إنك بتقولي ع الدكتور جميل وجذاب .

وكزتها سلمى بذراعها قائلة من بين أسنانها :

_ هي برده يا ندى إل قالت ، هتفضحونا إسكتوا .

_ ماهو زي ما أنتوا شايفين النضارة على عيونه طول الوقت ولا مرة حتى بالغلط شالها ، ياعني مثلا إحنا في البيت أهو ومافيش شمس وبيتكلم مع ناس المفروض يشيلها .

كانت الفتيات تتهامس وحور تنظر لهم بإبتسامة .

بينما عند الشباب 

_ وأنا إل كنت بقول إن عبد الرحمن وجاسر مافيش أوسم منهم .

نظر أدهم لمازن بحنق ليردف صالح بهمس :

_ هو معاه حق بصراحة أنا كصالح إنبهرت إن في حد أطول مني ورياضي عنك يا أدهم .

نظر أدهم بإتجاه حور فلم يجدها .

_ نورت يا دكتور مؤنس .

قالها وليد بترحاب بعد أن لاحظ نظرات الشباب وهمسهم ليعتدل كلا منهم بعد نظرات التحذير منه .

_ متشكر لحضرتك ، أنا آسف لو سببت أي إزعاج ، أنا كنت جاي أسلم على حضرتك لأني مسافر .

تعجب الشباب مما يسمعون ، لما يأتي لزيارته قبل سفره ماهي طبيعية العلاقة بينهم لتصل إلى هذا الحد من الود .

لم يخفى على أعين مؤنس تعجب وليد والبقية ليردف بإبتسامة بسيطة :

_ الحقيقة أنا كان نفسي أتعرف عليك من زمان ، لكن في الوقت إل ربنا كتب ليا أقابلك ، لازم أسيب البلد .

حاول وليد أن يُجلي صوته وأردف بتعجب :

_ أعذرني يا بني أنا مش فاهم كلامك ، واضح إن في كلام جواك ومش قادر تقوله ، لو حابب نقعد على إنفراد وتتكلم براحتك مافيش مشكلة .

همّ الشباب في النهوض لينظر لهم بإبتسامة قائلا :

_ مافيش داعي إتفضلوا زي ما أنتوا ، أنا مش عارف أنا جيت ليه ، يمكن لأن المرة إل فاتت قولتلي إنكم زي أهلي فجيت أسلم عليك قبل ما أسيب البلد نهائي .

كانت نظرات الشباب أجمع عليه بينما أدهم ينظر لتلك الواقفة على بُعد خطوات من ذلك الدخيل والإبتسامة على وجهها .

وقف مؤنس ينوي الذهاب ليتفاجأ بها أمامه تقف والإبتسامة على وجهها وبيدها كوبا يستطيع بسهولة تخمين ما يحتويه .

مدت يدها بالكوب نحوه ليبتسم لها ويأخذه مردفا:

_ تعرفي بقالي كام سنة مشربتوش ، من يوم ما إختفيتوا .

تحولت نظرات الشباب إلى أدهم بتوجس ليقف أدهم والنيران تندلع بداخله عندما إستكملا حديثهم وكأن لا أحد غيرهم موجود بالمكان .

_ ليه آيات كانت مانعة المانجا ولا إيه ؟

إرتشف الكوب دفعة واحدة في محاولة منه تهدئة نيران جوفه ألما على والدته .

ثم أدخل يده في چيب بنطاله وأخرج علبة صغيرة وأعطاها إياها .

أخذتها دون تردد لتتفاجأ بمحتواها فقد كان بداخلها سلسال ذهبي يحوي على زهرة غاية في الروعة .

أمسكت السلسال بيدها فإستطاع جميع من بالغرفة رؤيته .

ليقف الشباب متأهبين فقد كانت هيئة أدهم تدل على إنه سيقتله الآن لا محالة .

ولكن تفاجؤا جميعاً بدموع حور وتقبيلها لتلك الزهرة وبحديث ذلك الدخيل :

_ من يومها وهو مع ماما كان عندها أمل تشوفك وتسلمهولك .

نظرت له حور وهي تحرك رأسها نفيا عما جال بخاطرها ليزيل دموعه المتساقطة متحدثا بألم :

_ إتوفت بقالها خمسة وأربعين يوم .

شهقت حور عاليا وتحولت دموعها لبكاء وإندفعت تُلقي نفسها في أحضان أدهم الذي صُدم من إنهيارها هكذا .

ولكن الصدمة الكبرى كانت من نصيب مؤنس الذي همس بصدمة وسمعه الجميع :

_ ملقتيش غير إبن حمدي الدمنهوري يا حور .

الفصل الخامس عشر من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1