رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل المائة والخامس والاربعون 145 بقلم فاطمة عبد المنعم


رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل المائة والخامس والاربعون 145 بقلم فاطمة عبد المنعم



وده ملخص عملته إيمان لأهم الأحداث في الفصول اللي فاتت علشان اللي ناسي:

 ملخص للاحداث

*بالنسبة للفصل اللى فات فحصل فيه ان بيرى اخدت ملك علشان تواجه شاكر وتسأله قتل فريد ليه دى كانت القفلة


*حسن ومريم اتواجهوا وهي قالتله انهم ملهمش فرصة تانى(حسن ومريم كانوا مكملوش بسبب انه كل ما يوعدها يبطل يكلم بنات يرجع يعمل كده تاني وهي شافته بعينها في عيد ميلاد بنت من اللى يعرفهم ساعتها عيسى ضربه وخدها ومشي، ومن ساعتها وهي بتصد حسن حتى بعد ما اتغير للأفضل على مدار سنة بعد ما سابته)

 

*جابر طلع ابن مهدى واخو شاكر وعايز يتفق نع عيسى وطاهر عليه بس عيسى وطاهر رفضوا لانهم مش ضامنين غدره


*سهام ضايقت شهد بالكلام وطاهر قالها انه لو شهد مش مرتاحة هو هياخدها ويبعد ومش هيسيبها علشان سهام عايزة كده


*بالنسبة لعلاقة عيسى وملك: 

ملك رجعت لعيسى و اتكلموا في شروطها انها تكمل وعلاقتهم مستقرة وملك حامل ولكن حدث بينهم مشادة بسبب قسمت وعيسى صالحها 


*شهد وطاهر بيجهزوا للفرح وحجزوا الفستان وعلاقتهم مستقرة الحمدلله برضو


*عز ورفيدة بعد ما سهام بعتت تيسير تقول لعز ووالدة يبعد عن رفيدة و والدة عز واجهة رفيدة بالحقيقة دي ورفيدة مأخدتش موقف حاسم عز قالها ان كل واحد من طريق ولكن رفيدة حاولت في اصلاح الموضوع وبعتتله رسايل بس هو مش بيرد عليها


*شاكر اعت/دي علي بيرى ونتيجة لذلك بيرى اصبحت حامل و في خطر علي حياتها لو اجهضت الطفل وبتتعالج نفسيا عند الدكتور نور


*الحاج نصران كان حابس شاكر ومفتاح المكان كان مع عز ولكن والدة عز فتحت الباب لشاكر وهربته خوفا علي عز وقالتله انهم موافقوش يجوزوه بنتهم


*محسن قام باستدراج علا عن طريق امها واحضر بشير وقاله يطلقها وبشير رفض فطعن علا وبيشر ولكن بشير فاق الحمد لله وعلا تحت الملاحظة في المستشفى 


*قسمت مستمرة في ملاحقة عيسى والتسبب في المشاكل مع ملك وعيسى طردها الفصل من المعرض 


*الان شاكر هارب ومحدش يعرف هو فين وبيرى طلبت من عيسى مقابلة ملك وقالتله انها هتساعده يتنقم من شاكر


*جابر كان محجتز منصور ومنصور اصبح بيخرف ومش عارف حاجه بسبب الدوا ولكن أشفق عليه وبطل الدوا وطلبله دكتور من مدة.

#أنا الادمن ايمان ادعولى فضلا ربنا يعدي التيرم ده على خير عليا وانجح

وقولوا لفاطمة تقبضني😔😂

قراءة ممتعة😍🥰


يلا نبدأ الفصل:


وَمَن يَكُ قَلبٌ كَقَلبي لَهُ

يَشُقُّ إِلى العِزِّ قَلبَ التَوى

وَكُلُّ طَريقٍ أَتاهُ الفَتى

عَلى قَدَرِ الرِجلِ فيهِ الخُطا


- المتنبي -


إن أثمن لحظات "عيسى" هي هذه التي يقضيها جوار ابن شقيقه، أدرك "عيسى" هذا حين دخل إلى غرفة الصغير وتوسعت ابتسامته بمجرد رؤيته، كانت "رفيدة" تجلس على فراش الصغير تعبث بهاتفها، ولم تنتبه إلا حين هرول "يزيد" ناحية "عيسى" طالبًا:

تعالى العب معايا علشان "رفيدة" مش عايزه تلعب معايا.


_ وهو حد يلعب مع "رفيدة" برضو يا "يزيد"

قال له هذا وهو يتوجه ناحية ألعابه، جلس يزيد جواره وحرك عيسى إحدى السيارات الموضوعة أمامه ولم يتركها إلا حين سأل "يزيد":

أنت هتلعب معايا أكتر ولا مع ابنك؟


ضحكت "رفيدة" وجاوبه عمه:

احنا هنرجع تاني لموضوع هتحبني أنا أكتر ولا هو، قولنا أنت الكبير، اللي جاي ده أنت هتاخد بالك منه معايا، وأنا وأنت هنلعب معاه سوا، بس هتفضل برضو أنت ابني الأول.


_ خلاص أنا هقوله إنك هتحبني أكتر علشان أنا الأول.

أخبره "يزيد" بهذا مما جعله يخبره وهو يبتسم على قوله:

أنت مفيش فايدة فيك، أقولك حاجه أنا بحب "رفيدة" أكتر.


قال هذا ثم استقام واقفًا وتوجه ليجلس جوار شقيقته وهو يطالب "يزيد": 

انزل هاتلنا بابل تي من التلاجة.


وافق وتحرك نحو الخارج وما إن تأكد "عيسى" من رحيله حتى أشار على وجه شقيقته سائلا بعد أن قلد تعبيرها:

إيه التكشيرة دي؟


تنهدت قبل أن تجاوبه بنبرة سئمت صاحبتها من كل شيء:

عادي يعني هو في إيه يضحك؟


_ مش لازم تضحكي، بس على الأقل بلاش تكشري.

هكذا جاوبها ببساطة وردت هي تطالبه برجاء:

عيسى ممكن تساعدني؟


طالعها مسرعًا يؤكد بعينيه قبل أن يتفوه بأي شيء أن طلبها مجاب، وأكملت هي بحزن:

لو سمحت اتكلم مع "عز"، فهمه إني كنت متلغبطة، ومكنتش أقصد أجرحه، أنا زعلانة أوي يا "عيسى"، هو مكانش يستاهل يحس إنه قليل، ماما اتسببت في إنه يحس بده، ولما كان عنده أمل إني مأكدش اللي ماما قالته من غير ما أقصد وصلتله إن ماما صح، أنا غلطت، حتى لو كنت هبعد عز مكانش يستاهل كده.


أشفق على حالتها، مسح على خصلاتها بحنان وهو يخبرها:

أنا هكلمه، وطالما أنتِ عايزة تبعدي هفهمه....


قاطعته تشرح عدم رغبتها في ذلك قائلة:

مش عايزه أبعد، أنا بحبه، بس هو أخر مره قال إن حتى لو أنا وافقت هو خلاص قفل على الموضوع ده.


أمسكت بذراعه وتابعت برجاء:

علشان خاطري يا عيسى تكلمه.


هز رأسه موافقًا ثم احتضنها بابتسامة حانية اختفت حين نطقت:

وتكلم ماما كمان.


_ أمك لا.

قالها باعتراض صريح رفضته هي بضيق هاتفة:

ليه بس لا يا عيسى، صدقني أنت أكتر حد ينفع يكلمها، أنا هقول لطاهر كمان، وصدقني هي بتحبك وبتسمع كلامك.


ضحك بسخرية على جملتها الأخيرة، ثم طمأنها متجنبًا فكرة أن يحدث والدتها هذه:

الحاج موافق، متشغليش بالك بحاجة تانية.


هزت رأسها نافية وهي توضح له:

لا طبعا، أنا مش عايزاها تكون زعلانة يا عيسى، لو أنت اتكلمت معاها من ناحية وطاهر من ناحية ممكن كل حاجة تتحل.


أبدى عدم تأييده للفكرة:

مش عايز يا "رفيدة".


_ كده يا "عيسى"؟، هتخليني أزعل، طب والله ماما بتحبك أوي وهيفرق كلامك معاها.


شقيقته التي لا تعلم أي شيء، اختيار الصمت كان له ثمن، يكفي النظرة الحزينة التي يراها في عين طاهر منذ علم الحقيقة، لن يستطيع أن يراها في عيون بقية إخوته أيضًا، قرر أن ينفذ لها ما تريد قائلا:

حاضر يا رفيدة.


انهالت عليه بالقبلات، ممتنة لكل شيء وبان هذا في قولها:

أنت أحسن أخ في الدنيا.


اتسعت ابتسامته ولم يقطع لحظاتهم هذه سوى "يزيد" الذي وقف عند باب الغرفة وهو يرى "رفيدة" تغيظه هاتفة:

قالي بيحبني أكتر منك.


بان الغضب على وجهه، وعاد بعبوات المشروب ولم يعطها لهما فدفع "عيسى" رفيدة وهو يقول:

أنتِ أعيل منه.


هرول خلفه محاولا اللحاق به ومراضاته وهو يقول:

استنى يا "يزيد" بتضحك عليك.


لم يتوقف الصغير وأكمل طريقه على مهرولا على الدرج فكرر "عيسى" النداء مطالبا:

طب هات البابل تي وبعدين اغضب مني.


كان على وشك اللحاق به ولكنه توقف أعلى الدرج حين لمح زوجة والده تصعد، كانت تتحاشاه تمامًا هذه الفترة، وتفاجأت به يقف هكذا قاطعًا عليها الطريق، حدثته بأن يبتعد حتى تمر وكان جوابه:

لا.


طالعته باستغراب وأبدت انزعاجها قائلة:

هو إيه اللي لا، وسع خليني أعدي يا "عيسى".


_ مليش مزاج.

قالها بابتسامة صفراء جعلتها على وشك الفتك به قبل أن تسأله:

أنت عايز إيه دلوقتي؟


وبابتسامة وجواب مختصر للغاية أخبرها:

أضايقك.


لو كانت النظرات تفعلها لهلك بسبب نظراتها الآن، لم يتحرك واجه نظراتها هذه وهو يكمل:

عايزك في حاجه كمان على فكرة، بس خلينا في إني أضايقك دلوقتي.


علا صوت هاتفه، انتبه له وحينها أفسح الطريق قائلا:

تليفوني ليه رأي تاني.


تحركت وعلقت وقد بان ضجرها في نبرتها:

كتر خيره، لما تبقى تعرف أنت عايزني في إيه غير إنك تضايقني أنا موجودة.


هز رأسه بابتسامة وهو يرد على هاتفه وأخرجت هي غضبها في باب غرفتها الذي صفعته ووصله صوته وكأنه معزوفة رائعة لم تطرب أذانه لمثلها من قبل أبدا.


******************************************


_ يعني هو كان لازم ننزل نشتري هدوم النهارده؟

قالت "ملك" هذا وقد بان انزعاجها أثناء جلوسها على المقعد وشقيقتها "مريم" تختار من بين القطع المعلقة ما يناسبها.


ردت عليها "مريم" وهي تتابع ما تفعله:

يعني أعمل إيه، شهد مش راضية تنزل معايا، وأنا لازم أجيب فستان، مش لاقية حاجه مناسبة أروح بيها فرح "منه" صاحبتي.


رفعت أمام عينيها ما اختارته وسألت:

إيه رأيك في البلوزة والبنطلون دول حساهم هيبقوا أحلى من الفستان.


_ حلوين على فكرة أوي.

شجعتها "ملك"، واقترحت عليها شقيقتها:

طيب أنا هقيسهم، لحد ما اخلص شوفيلك حاجه أنتِ كمان.


ولم ترق لها الفكرة حيث علقت على قول شقيقتها:

لا أنا الحمد لله معنديش فرح واحدة صاحبتي.


ضحكت "مريم" وتركتها، وبقت "ملك" تنقل أنظارها في المحل بسأم حتى وقعت عيناها على ثوب، تحركت نحوه ووقفت تقيمه، راق لها لونه والذي كان من درجات الأخضر الداكن، ولكنها لم تشعر بالحماس حتى سمعت الفتاة الواقفة في المحل تخبرها:

على فكرة ذوقك حلو جدا، الفستان ده هيليق عليكي.


_ مش حاسة.

أخبرتها "ملك" بهذا فاقترحت عليها:

ممكن تقيسيه وتشوفي بنفسك، بس هو فعلا حلو جدا، ولونه كمان حلو أوي.


نجحت الفتاة بالفعل في إقناعها، أخذته وقررت أن تدخل غرفة القياس ولكن ذهبت أولا ناحية غرفة مريم، دقت عليها وسألتها إن انتهت وأكملت:

وريني لو خلصتي.


فتحت الباب لشقيقتها حتى تعطيها تقييمها وأبدت "ملك" إعجابها الشديد بالاختيار قائلة:

طب والله طلعوا أحلى كمان مما اتصورت.


اتسعت ضحكة "مريم"، وسريعًا ما انتبهت إلى ما بيد شقيقتها فقالت "ملك":

هدخل أجرب ده.


غادرت شقيقتها وذهبت إلى غرفة القياس المجاورة، بدلت ملابسها، ووقفت تطالع الثوب في المرآة، تلاشى عدم اقتناعها تماما، قررت أن تأخذه ودعم قرارها هذا ردة فعل شقيقتها حين رأته عليها حيث هتفت باعتراض:

ده ظلم ده، أنا ازاي مشفتهوش، اديهولي.


هزت "ملك" رأسها رافضة وهي تضحك بتسلية، وأغلقت الباب لتبدل ملابسها وهي تسمع قول شقيقتها بغيظ:

أنتِ أنانية يا بت يا "ملك".


انتبهت "مريم" على هاتفها الذي يدق، كان زوج شقيقتها، أسرعت ترد وسألها هو:

"ملك" مبتردش ليه يا "مريم".


_ الموبايل في الشنطة ممكن مسمعتش.

بررت له وطالبها هو:

طب اديهالي.


طالبته بالانتظار وهي تدق على شقيقتها: 

طب ثواني، هي بتقيس حاجة وخارجة أهي.


بالفعل خرجت لها سألت بعينيها وأعطتها "مريم" الهاتف قائلة:

"عيسى".


أخذته منها وأول ما ردت عاتبها هو:

إيه يا "ملك" ساعة علشان تردي، وباعتلك واتساب كمان.


ردت عليه وهي تعطي الثوب لشقيقتها:

معلش والله يا "عيسى" أنا مسمعتوش خالص، متزعلش.


استمع لها ثم قال:

طب أنا عندي مشوار مهم وحاسس إني ممكن اتأخر، لو حابة تتغدي عندكم النهاردة مفيش مشكلة.


_ مشوار إيه طيب؟

سألته وكان رده سؤال أخر، من نبرته استطاعت رؤية ضحكته العابثة وهو ينطق:

هقولك طبعا بس عندي سؤال الأول، مريم كانت قالتلي إنك بتقيسي حاجه، ياريت أعرف نوع الحاجة.


وبنفس طريقته راوغته وهتفت: 

اسدال للصلاة، أصل اللي عندي مبقتش حساهم.


ضحكت "مريم"، وألقى هو على مسامع زوجته تعليقه الساخط:

لا ربنا يقوي إيمانك، بس مش ملاحظة إن عندك كتير منهم دول يا "ملك" وفي حاجات تانية ممكن تتجاب.


تصنعت عدم الفهم وهي ترد عليه:

لا مش ملاحظة، حاجات إيه ؟


وحين رد عليها بما لم يعجبها وبخته هي تقاطع حديثه:

والله أنت قليل الأدب، ويلا اقفل بقى.


_ الله، هو أنتِ تسأليني وبعد كده ترجعي تقولي قليل الأدب وقليل الأخلاق.

كان هذا رده ببراءة وكأنه لم يقل شيء قبل دقائق، لم تستطع منع ضحكتها، ثم صارحته:

جايبة فستان، بس ده محتاج خروجة حلوه أوي يتلبس فيها.


وسعد فؤادها وهي تسمعه يقول:

ده احنا نعملك خروجة مخصوص، عينينا للهانم "ملك".


لم تكن ترغب في انتهاء المكالمة أبدًا، وكأنها طائر ومسكنه لا يكون إلا عنده هو، انتهت المكالمة وعلى وجهها ابتسامة واسعة جعلت "مريم" تقول:

يا عيني، يا عيني، من كتر حبك فيه هتجيبي عيل نسخة منه.


_ ياريت.

قالتها بلهفة، وما أجملها من أمنية بالنسبة لها، وقبل أن تقول أي شيء انتبهت لهاتفها هذه المرة، شعرت باهتزازه في الحقيبة فأخرجته مسرعة، لم تكن تعرف المتصل، ولكن الإلحاح جعل شقيقتها تقول: 

يا ستي ردي شوفي مين.


جاوبت وعلمت أنها كانت على صواب حين فكرت في ألا ترد، وصلها صوت "بيريهان" التي طالبتها برجاء:

أرجوكي يا "ملك" متقفليش السكة.


_ عايزة إيه؟

سألتها بضيق بان في نبرتها، ثم استمعت لجواب محدثتها:

عايزه اتكلم معاكي، ساعة واحدة بس من وقتك محتاجاها، وياريت "عيسى" ميعرفش، أنا روحتله وطلبت منه بس رفض


نبرتها الباكية وانهيارها أثناء الحديث جعل "ملك" تشفق عليها خاصة حين سمعتها تتابع:

أنا حصلي حاجات كتير مش هقدر حتى احكيها، المقابلة دي هتفرق معايا ياريت توافقي.


تنهدت "ملك" قبل أن تخبرها:

هي نص ساعة مش أكتر.


_ طب امتى ؟

قالتها بأمل ثم تابعت:

أنا سامعة صوت عربيات جنبك، أنتِ برا، أنا في اسكندرية على فكرة ممكن اجيلك دلوقتي ابعتيلي location.


وجاوبتها "ملك" وسط نظرات أختها التي تسألها عما يحدث:

أنا بشتري حاجات مع أختي دلوقتي، هبعتلك.


أرسلته لها، ثم عادت إلى محادثتها لتسمعها تقول:

أنا مش بعيد عنك، أقل من ساعة وهتلاقيني قدامك، يادوب تخلصي اللي بتعمليه.


أنهت المكالمة معها، وقضت الوقت في تجولها مع شقيقتها ومحاربة التفكير الذي أرهقها وكذلك قلق "مريم" الذي ضاعف قلقها وهي تقول:

تيجي نروح وبلاش أحسن.


انفعلت وهي تسألها باستنكار:

هو أنتِ بمليون رأي، شوية قابليها حرام، وشوية بلاش أحسن.


_ خايفة يحصل مشكلة بينك وبين عيسى، بالذات إنها قالتلك راحتله وطلبت تقابلك وقالها لا.

هي أيضا تشعر بذلك وقبل أن تفكر حتى في التراجع عن قرارها من جديد سمعت هاتفها، لم أكثر من نصف تقريبًا، وكانت في الخارج تخبرها:

أنا برا مستنياكي لما تخلصي.


انتظرت "بيريهان" في سيارتها وبعد قليل وجدتها تخرج لها، أصابها الضيق حين رأت معها شقيقتها، وقفت "ملك" أمام السيارة وسمعتها تقول: 

اركبي يا "ملك"، في مكان قريب من هنا ممكن نروح نقعد فيه.


ركبت جوارها، وفي الخلف شقيقتها وما إن استقرا حتى قالت "ملك":

مش لازم نروح في حته، تقدري تتكلمي.


_ زي ما تحبي.

قالت هذا بعد أن تنهدت بهدوء، وقبل أن تتحدث وضعت يدها بغتة على رأسها فسألتها "ملك" بقلق:

أنتِ كويسة؟


بررت ما يحدث وهي تطمأنها:

مخدتش دوايا بس.


ثم استدارت لمريم تطالبها بأدب:

معلش لو هزعجك ممكن تجيبيلي قهوة؟


كان المكان جوارهم، شعرت "مريم" بالضيق وبان هذا على وجهها فقالت "بيريهان":

خلاص مش لازم.


_ مفيش مشكلة، هنزل اجيبلك.

عرفت منها مريم طلبها ونزلت وحينها قالت "ملك":

ياريت اعرف في إيه يا "بيريهان".


هزت رأسها موافقة وبغتة كانت تجذب حقيبة ملك التي وضعتها أمامها وتلقيها على الطريق وتبدأ قيادة السيارة، صاحت فيها "ملك" بغير تصديق:

أنتِ اتجننتي، أنتِ بتعملي إيه، وقفي العربية دي.


اعتذرت لها وهي تتابع طريقها دون النظر لها:

كده أفضل، أختك مش طرف في الموضوع علشان تكون معانا، تاني حاجه ياريت تهدي مشوار وهيخلص، والمشوار ده أنا محتاجاه.


وقبل أن تصرخ "ملك" أكملت هي بما جعلها تصمت:

أنا معنديش مشكلة أبدًا في الموت دلوقتي، خلال الشهرين اللي فاتوا بس لحقوني 3 مرات وأنا بحاول أنتحر، يعني ممكن أوي أعمل زي ما جوزك عمل قبل كده وأقلب العربية دي بينا احنا الاتنين، افتكر ده مش حل كويس.


وأخيرًا نظرت لها رأت شحوب وجهها وأنفاسها المتسارعة فنصحتها:

علشان كده تهدي لحد ما نخلص مشوارنا.


هذه ليست تلك الفتاة التي كانت تعرفها، إنها أخرى غير التي سحرها "شاكر"، الحقد في عينيها يسرد كل شيء تكون حاجة لحديث، وبما أن لكل حرب ضحايا، فيبدو أن حرب حقدها هذه اختارت أن تكون ضحيتها "ملك".


***********************************************


حاوط الخوف "مريم"، كانت محقة في قلقها منذ الوهلة الأولى، حقيبة شقيقتها الملقاة على الأرضية، ولا أثر لسيارة هذه التي هرولت بمجرد نزول "مريم"، تناولت هاتفها مسرعة، تبحث عن رقمه بأصابع أوشكت على فقد قدرتها، وبمجرد أن جاوب تحدثت بصعوبة في وهي تحاول التقاط أنفاسها:

"عيسى" احنا قابلنا "بيريهان" و....


لم تكد تكمل قولها حتى سمعته يسب من ذكرتها، ويكمل:

قابلتوها فين، قولي لملك متتكلمش معاها، اديني ملك.


لم تعلم كيف تقولها، قصت له بذعر يقتلها على شقيقتها ما حدث، لم يصدق، هب تاركًا مكانه وهو يتناول مفاتيح سيارته وينطق:

بنت ال×××××


أملى عليها أوامره وهو يخرج متوجهًا إلى سيارته:

متتحركيش من عندك يا "مريم"، ادخلي أي كافيه جنبك و ابعتي ال location.


لمحه شقيقه، شعر أن هناك خطب ما لذلك سأل:

في إيه يا "عيسى".


_"حسن" خد العربيه وروح هات "مريم"، هبعتلك.

هكذا قال بعبارات لم يفهم منها شقيقه ما يحدث، يذهب ويأتي بها من أين، حاول إيقافه ولكنه لم يستطع حيث شقت سيارته الطريق وبسرعة جنونية جعلت "حسن" يتيقن من أن هناك كارثة.


وفي التوقيت نفسه، كانت "بيريهان" تقود سيارتها بعقل شارد، تتذكر ذلك الضيف الذي أتى راغبًا في مقابلة والدها، وحين علم بغيابه طلب مقابلتها هي، كانت تعرفه، شريك قديم لوالدها، لم يكن يحبه أبدا، وانقطعت العلاقات منذ مدة، أبدت استغرابها وهي تسأله:

خير يا عمو "كمال"، في حاجة مهمة.


_ أنا بحاول أوصل لمعالي الوزير من يومين بس مش عارف يا "بيري".

وقبل أن تخبره أنه عائد بعد أيام أكمل هو ملقيًا على مسامعها:

عموما في حاجه مهمة عايزك توصليهاله.


أنصتت له ولم تتوقع أبدًا أن تكون أول كلمة يقولها:

جوزك.


_ "شاكر"

نطقت اسمه مسرعة بينما تابع الرجل:

هو جالي وقالي إن مصلحتنا واحدة، وأنا حاسس فعلا إن ليا مصلحة معاه، بس قولت أشوف يمكن لو اتفاوضت مع بابا، ألاقي إن مصلحتي مع "ثروت" باشا مش مع جوزك، أصل "شاكر" مستعد يخليني مكان بابا، والدك بقى مستعد يخليني إيه؟


الحقير، تود الصراخ الآن ولكن صوتها تم أسره، يخطط للخلاص من والدها، ثم مغادرة البلاد وإستكمالا لمسلسل وقاحته قرر ألا يغادر بدونها، ما يحدث كثير عليها، لا تدري كيف استجمعت قوتها لتسأل:

هو قاعد عندك؟


هز الرجل رأسه نافيًا ولكنه أكد:

بس في حمايتي.


فطالبته برجاء:

قولي قاعد فين.


هذه الفتاة طوال معرفته بوالدها لم تصل إلى هذه الحالة من قبل، كل شيء بها يصف انهيارها، لم يرد فقالت هي:

شوف أنت عايز إيه ومش هنختلف، بس عايزة أعرف هو قاعد فين، ومتقلقش لو طلع كلامي غلط تقدر تستعين بخدماته عادي، أنا عايزه أروحله بس لكن مش هأذيه.


_ مش لما اقابل بابا الأول يا بيري ونتكلم.

لا تعلم كيف تحكمت في انفعالها، يراوغها وهي في حالة لا تحتمل فيها أن يلتقط أحدها أنفاسه جوارها 


استدعت كل ذرة هدوء لديها وهي تقول:

حضرتك مش هتيجي هنا إلا لو عايز حاجة أهم من اللي هيقدمها شاكر، أو حتى نفسها بس ممكن تجيلك بالمساومة من غير مشاكل "شاكر"، عموما أنا هعملك اللي أنت عايزه، ومن دلوقتي اعتبر بابا موافق على أي حاجة من قبل ما تقولها بس أعرف مكانه حاليا فين، وأنت مش خسران حاجة، أنا محتاجة بس أتكلم معاه، وأقدر أخليه يجيلي وهو جالي قبل كده بالمناسبة، لكن المرة دي أنا اللي عايزة أروحله، ومتقلقش هو هيفضل موجود علشان لو احتاجت خدماته.


فاقت من شرودها على "ملك" التي تذكرها بكل أفعالهم الدنيئة معها ولكنها سرحت بعقلها من جديد فيما بعد اللقاء بضيف والدها، صرخاتها التي سمعها كل العاملين في المنزل، غرفتها التي حطمتها كاملة، وابنة عمها التي هاتفتها طالبة منها العون وهي تبكي:

أنا محتاجاكي يا ندى، تعالي علشاني لو سمحتي.


ولم تنتظر حتى مجيئها، تناولت عدد من الأقراص التي حذرها "نور" مسبقا من استخدامها وخاصة بهذا الإفراط ورغم كل شيء لم تهدأ.


لم تغفل "ملك" عن الطريق ثانية، كانت تراقب ربما تستطيع فعل أي شيء، أوقفت "بيريهان" السيارة بعد أقل من ساعة تقريبا، توقعت ما سيحدث عند نزولهما فنبهت:

ياريت تمشي معايا يا "ملك" بالراحة علشان نخلص مشوارنا وتروحي، وكمان علشان تلاقي أختك روحت وبخير.


هل فعلت شيء لشقيقتها، رغم كل شيء لم تستجب ملك لها، حاولت الاستغاثاة بمجرد النزول، أن تفر خاصة وهي ترى هذا المنزل الذي تجبرها على الذهاب ناحيته ولكنها لم تنجح مع تحذير "بيريهان":

أنا معايا ناس بالمناسبة، امشي معايا أنا أحسن ما أخليهم يدخلوكي هما.


ختمت قولها وهي تدق الباب في البداية لم يرد، كانت تعلم أنه في الداخل، لذلك قالت منبهة:

أنا بيري، وعارفة إنك جوا لو سمحت افتح


لم تنتظر كثيرًا، بعد لحظات فُتِح الباب، في بعض الأحيان يدفعنا الغضب لفعل كل ما هو غير منطقي، نقطع طريق طويل نبحث عن شيء ما وربما أن نكتشف في نهايته أن ما بحثنا عنه لم يكن سوى سراب.


لم تفكر "بيريهان" في أي شيء سوى أنها تريد كل التفاصيل التي أخفاها عنها، تريد معرفة كل حرف خدعها فيه، ولقد نالت ما أرادت، نالت "ملك"، جلسة تجمعها معه ومعه في آن واحد.


لم تصدق "ملك" أنه تراه أمام عينيها، هرولت ناحية الباب تحاول فتحه بعدما تم إدخالها عنوة ودقات فؤادها تتسارع وقبل أن يقترب "شاكر" منها صرخت فيه:

ابعد عني، إياك تقرب مني، أنا عايزة أخرج من هنا، افتح الباب ده.


وبشجاعة تملكتها في هذه اللحظة هتفت:

أنا مش خايفة منك 

واستدارت لبيريهان تواجهها:

وأنتِ تستاهليه، شبهه بالظبط، حتى جايباني ليه لحد هنا من غير ما تفكري لحظة.


انتقلت نظراتها له وهي تحذره:

لو فكرت تعملي حاجة، عيسى ه....


قاطعها صارخًا فيها:

متنطقيش ولا كلمة، وبعدين مش أنا اللي جايبك هنا، أنتِ اللي جيتي.


لا مغيث الآن، كل ما يطمئنها لمحات من صوته وهو يخبرها أن كل شيء سيكون بخير، احتضانه لها عقب كوابيسها المفزعة كل ليلة، تحركت ناحية بيريهان تطالبها وقد تلفت أعصابها كليًا:

افتحيلي الباب ده، خرجيني من هنا حالا.


_ لما يقول الأول.

هكذا أخبرتها ببساطة، وصرخت فيها "ملك":

يقول إيه؟


ابتسمت "بيريهان" ابتسامة رفضتها عيناها التي بان فيها القهر وهي تطالعه وتنطق:

قتل فريد ليه؟


شعرت "ملك" بفؤادها يهوى أرضا، لمحت مطفأة السجائر فشعرت بأنها النجدة، تناولتها سريعًا وقبل أن تهددهما بها وجدت "شاكر" يقترب منها وعينيه في عين زوجته وهو يخبرها بالابتسامة ذاتها:

وأنا هقولك اللي عايزة تسمعيه.


تناول ذراع "ملك" التي كانت ترتعد خشية على جنينها قبل أي شيء، وهتف وقد انتقلت نظراته لها:

علشان عايزها.


جملة مختصرة ولكنها تحمل الكثير، تملكه، وكل الأنانية التي انفرد بها، وقبل أن تضربه "ملك" بالمطفأة حذرها هو:

اعمليها كده بس متزعليش بقى لما محدش يطلع من هنا سليم.


بصقت في وجهه ولا تعلم كيف خلصت ذراعها منه، هرولت ناحية إحدى الغرف ولكنه لحق بها، وتحت نظرات "بيريهان" أمسكها محاوطًا إياها من الخلف وهو يقول:

لا استني علشان بيري تسمع الحكاية كاملة.


وقبل أن تصرخ "ملك" كمم فمها، وحينها توجهت "بيريهان" ناحيته ناطقة:

ابعد عنها.


ولكنه لم يتراجع، ظل متمسكًا بها وهو يقول:

لا مينفعش، لو كنت بعدت عنها مكانش بقى في الحكاية اللي عايزة تسمعيها.


وختم بابتسامة:

وأنا هسمعهالك دلوقتي كاملة.


الدموع تحكي الكثير، عبرات "ملك" التي تجمعت في مقلتيها، ورغبتها العارمة في الصراخ باسمه الآن، اسم "عيسى"، خاصة وهي تسمع ذلك الذي تحاول التخلص منه يقول:

اللي عايز حاجه مبيفكرش بالعقل يا "بيري"، وأكبر دليل إنك جيباها وجاية لحد هنا. 


كانت تحاول الاقتراب منه وحسرتها تتحدث بدلا منها، ولكنه يبتعد، يسرد ما يرغب في سرده وبين يديه "ملك":

لما عرفتك مكنتش بحبك يا "بيريهان"، كنت عارف أنتِ عايزة إيه وقررت أديهولك، ومتقدريش تنكري إني نجحت في ده، ولو مكنتش نجحت مكنتيش حبتيني على فكرة. 


_ نجحت إنك تخدعني، إنك توصلني لحاجات عمري ما كنت أتخيل إني أوصلها 

قالت هذا وأكملت صارخة فيه:

ليه تعمل فيا كده، شوفت مني إيه وحش؟ 


أخيرا أبعد كفه عن فم "ملك" ولكنه ظل متمسكًا بها وهو يسأل "بيريهان":

ليه تجيبيها هنا، شوفتي منها إيه وحش؟

وبابتسامة أكمل:

دي زي دي، كل حرب وليها ضحايا، اه أنا اتجوزتك علشان مكانة أبوكي وعلشان اللي هوصله من وراه، ومقابل ده عملت كتير على فكرة، بس أنا للأسف مكنتش أعرف إني هحبك، مكنتش عايز أحبك. 


أخيرا وصلت له، لم تقطع أي مسافة بينهما، فقط بينهما ملك، تقف بيريهان أمامه، تواجهه بنظراتها وتلقي على مسامعه حديثها الذي رافقه الألم بنبرة انهارت صاحبتها:

إياك تقول بحبك، أنت متعرفش تحب، أنت لا حبتني ولا حبتها، حبيت نفسك وبس، أنا أكتر واحدة صدقتك، وقفت معاك قصاد الكل، بتقول حبتني، لما حبتني عملت إيه؟، أذتني ودمرتني، دوست عليا ولا اتهزيت 


وصوتها في هذه الجملة بالتحديد كاد أن يصم أذنيه وهي تسأله:

يا ظالم في حد بيحب حد يعمل فيه كده، أنا عمري ما هسامحك، ومش هنسى إن اللي أنا فيه دلوقتي بسببك، ولا هسامح نفسي علشان الفرصة الوحيدة اللي فاضلالي إني أبقى أم سمحت بغبائي إنك تاخدها، وإنك تبقى أب، وأنت اللي زيك ما ينفعش يبقى أب يا "شاكر". 


أخرجت من سترتها سلاح ناري، في نفس التوقيت الذي نجحت "ملك" أخيرا في التحرر منه أثناء انشغاله بكل ما يحدث ناطقة:

ابعد عني بقى. 


قدمت لها "بيريهان" ما بيدها، وهي تقول بضياع:

كنتي بتسأليني جيباكي هنا ليه

وضعت السلاح في يديها مكملة:

ده حقك خديه، ومحدش هيعرف، زي ما قولتي إنه قهرك ومسابش دليل، هتاخدي روحه دلوقتي ومفيش دليل. 


لم تكن "ملك" تطالعه بل كانت ترى أمامها شريط ذكرياتها الأسود معه، كل ما فعله بها يتجسد أمامها الآن، هل تفعلها وتتحرر من كل ما يقيدها، من خوفها في كل لحظة أن تفقد عيسى بسببه، أن تعاد أسوء كوابيسها، طالعته لتجده يلقي بالتهم عليها محدثا "بيريهان":

هي اللي بوظت حياتنا، أنا نسيت اللي فات وكنت عايز أكمل معاكي أنتِ، إنما لا هي ولا ال **** جوزها عايزين يبعدوا وينسوا، حتى بعد ما خدوا حقهم من أبويا، بعد كل اللي عملوه. 


_ جوزي ده ضفره برقبتك، عيسى مش هو اللي عمل كده في عمي، وطالعت بيريهان وهي تكمل متذكرة كل مرة قهرها فيها:

اللي بيقول مش عايزين نبعد ولا ننسى ده عمره ما بعد، كام مرة ألاقيك قدامي، كام مرة تسألني ليه عمري ما اختارتك، يارب تكون عرفت الإجابة دلوقتي، اللي اختارتك أهي شوف أنت عملت فيها إيه.

أحكمت قبضتها على السلاح تحت نظراته هو و"بيريهان" متابعة:

لو كنت أقدر كنت عملتها دلوقتي، كنت ضيعت نفسي عليك، بس أنا مقدرش، ومش علشان خايفة منك لا، علشان عندي حياة مستنياها ومعنديش استعداد واحد إني مفرحش بيها. 


ورد هو عليها أثناء وقوفه أمامها متوعدًا:

لا اعمليها، قوليلها يا "بيريهان" تعملها، علشان لو معملتيهاش مش هتتهني بالعيشة برضو يا "ملك"، وعلشان خاطر غلاوة المرحوم عندي هحسرك على أخوه حتى لو أخر لحظة في عمري، هو عملها قبل كده لما قلب عربيته بينا والمرة دي الدور عليا. 


_ امشي يا "ملك".

قالتها "بيريهان" قبل حتى أن تسمع ردها عليه، أخذت منها السلاح وأضافت:

طالما مش هتعمليها وده ميلزمكيش يبقى تقدري تمشي.


كانت "ملك" تستمع لها، وتحاوطها نظراته التي لطالما بثت الخوف في نفسها، توعده مازال يرن في أذنيها، أرسل لها قبلة في الهواء قبل أن تستدير بيريهان ناحيته ونطق وهو يتحرك ناحيتها:

يلا يا بيبي ما قالتلك امشي، ولا أنتِ حبيتي القعدة هنا، سيبيني أنا وبيري، ووصلي سلامي لعيسى.


قبل أن يضع يده عليها، طالعته باشمئزاز وتحركت ناحية الباب، مال يفتحه وهو يقول بابتسامة:

وياريت كمان توصليه كلامي

وبنظرة جعلتها تمقت نفسها همس بما سمعته وحدها:

وتقوليله إن حقي فيكي أنا لسه عايزه مع باقي اللي ليا عنده.


بصقت عليه، وقبل أن يطولها كانت تخرج من هنا، كل إنش فيها يخذلها الآن، ورغبتها الوحيدة أن تصرخ عاليا، ولكنها هرولت من هنا.


******************************************


كان أول ما فعله هو مهاتفة صديقه، "بشير" الذي استيقظ على صوت الهاتف ورد بنبرة ناعسة:

إيه يا "عيسى"، أنت هنا ولا ...


لم يكمل حديثه بسبب "عيسى" الذي قاطعه، بدا في نبرته انفعاله وهو يطالبه دون سلام:

"بشير" قوم روح لباسم، أنا حاولت أكلمه مبيردش، اتصرف وروح، ولو "ندى" مش هناك اعرف هي فين، لو موجودة كلمني وأنت هناك.


_ اهدى طيب، إيه اللي حصل 

ورد وهو يتمنى لو تقع أمامه "بيريهان" الآن ليفرغ كامل شحنة غضبه بها:

الـ ××× بنت عمها معاها "ملك" ومش عارف أوصلها.


لم تطل المحادثة أكثر من ذلك، وبمجرد ما أغلق مع صديقه وصله رسالة بأن هاتف "باسم" متاح، ضغط على زر الاتصال وما إن رد حتى قال له:

مراتك فين؟


_ نعم!

قالها "باسم" باستنكار لم يهتم به "عيسى" بل أضاف متوعدًا:

قولها إن لو معرفتش "ملك" فين حالا، هدخل فيكم كلكم السجن وأولكم بنت ثروت.


ولم يقبل "باسم" تجاوزه هذا بل أبدى انزعاجه وخيره:

يا تتكلم عدل، يا هقفل السكة.


لم يعبأ "عيسى" بهذ، كان كل ما يهمه معرفة أين "بيريهان" الآن، توجه "باسم" إلى زوجته يسألها والتي غزا الخوف قلبها على ابنة عمها، حاولت الاتصال بها ولكن هاتفها غير متاح، وبان توترها وهي تخبر "باسم":

غير متاح، أنا معرفش ممكن يكونوا فين، بس أكيد بيري مش هتأذيها.


أوصل له "باسم" الرد مما ضاعف سخطه وجعله يعلق:

بقولك إيه أنا الكلام ده ميدخلش دماغي، مراتك عارفة كل حاجه عنها، وجو أصلها قلبها أبيض ومش هتعمل كذا ده ميشغلنيش، أقسم بالله تاني لو "ملك" حصلها حاجه هدخل فيكم كلكم السجن.


أغلق قبل أن يأتيه أي رد، لا يعلم ماذا يفعل، شعور بالعجز قاتل خاصة حين يخصها الأمر، لم ترشده "مريم" على أي شيء، لا يسيطر عليها سوى الانهيار والخوف على شقيقتها، قطع كل هذا صوت هاتفه، كان رقم لا يعرفه ولكنه لم يتردد ثانية في الرد، وصل إليه صوتها، علم في هذه اللحظة كيف يمكن أن يكون المرء على الحافة ويتم إنقاذه قبل الهاوية بلحظات:

"عيسى".


كانت نبرته قلقة، متلهفة وهو يسألها:

أنتِ فين يا "ملك"، أنتِ كويسة؟


استطاع سماع نحيبها، رغم ذلك تخبره أنها بخير، لم يمسها سوء، لم تقص عليه أي شيء، فقط أخبرته:

في محل أنا بكلمك من تليفون صاحبه، تعالى خدني، هو هيبعتلك الـ location.


_ طيب اهدي خالص، وخليكي عندك أنا جايلك، اديني صاحب التليفون.

طالبها برفق ونفذت له طلبه، حادث الرجل وأوصاه ياستضافتها حتى يأتي لها، اطمئن منه أنها بخير أكثر من مرة ورغم ذلك لم ترافقه الراحة وأدرك أنها لن تصاحبه إلا حين يراها.


***********************************************


لم يهدأ انهيار "مريم" إلا حين طمأنها "عيسى" وأخبرها بمكالمة "ملك"، أقسم لها أنها بخير، وطالبها ألا تتحدث عما حدث مع والدتها حتى لا تخاف، وافقت على ذلك، واستقرت في السيارة جوار "حسن" صامتة، صمت ثقيل لم يقطعه سوى سؤال "حسن" المهتم:

بقيتي أحسن؟


هزت رأسها بالإيجاب، ولم تنطق بأي شيء، رأته وهو يتنهد، ارتسم على وجهه قلة الحيلة، لم تتوقع أبدًا أن يقول:

لما "عيسى" قالي اجي اخدك من هنا افتكرت إن حد عملك حاجة أو ضايقك.


علمت إلى أين سيسير الحديث ولذلك طالبته:

ياريت منفتحش كلام في أي موضوع، أنا كويسة الحمد لله ومحدش عملي حاجة.


_ بس أنا مش كويس يا "مريم".

التقت عيناها بعينيه وهو يعبر عن كونه ليس بخير، لم تتحمل نظرة العتاب هذه، اهتز ثباتها وتحدثت فيما قررت قبل دقائق ألا تقترب منه قائلة:

وإيه اللي يخليك كويس؟، إني أقولك مسامحاك وموافقة أديك فرصة؟، هو ده اللي يريحك يا "حسن"؟


وقبل أن ينطق أكملت هي وعيونها تتحدث عن الألم الذي عانت منه:

وأنا بقى مش مهم، حسيت بإيه مش مهم، عارف يا "حسن" أنا أول مرة أشوفني قليلة كان بسببك أنت، عارف يعني إيه واحدة يبقى واحد طول الوقت بيجري وراها وبيحاول معاها، وتوهم نفسها وتصدق إنه بيحبها، وتفوق على الحقيقة، تفوق وهي شايفاه بيعمل نفس الحاجات مع واحدة تانية، وياريتها واحدة بس دول كتير، أنت ضيعت أخر فرصة كنت ممكن أديهالك يوم ما شوفتك مع البنت دي، ضيعتها لما أخوك اللي منك أنا صعبت عليه وضربك علشاني.

أزالت عبراتها بإنزعاج، لم ترد أن تخذلها أمامه، وأثناء ذلك تابعت:

علشان كده متقوليش إنك بخير علشان أنا معنديش حاجه أعملهالك، وأنا عارفة على فكرة إنك بقيت كويس، على الأقل كده مش هتجرح حد تاني.


أثر به كل حرف قالته، يحتقر نفسه ويعلم أنه يستحق حتى ولو قالت أضعاف ذلك، ولكنه لم يستطع منع نفسه من تصريح:

عندك حق في كلمة، بس أنا بحبك، وحتى لما قولتها قبل كده مكنتش بضحك عليكي، جايز كنت طايش ومش مقدر الكلمة اللي بقولها، لكن مكذبتش يا مريم، أنا عايز أكمل معاكي، ومش شايف إنه مش هينفع مع حد تاني على الأقل علشان مجرحهاش زي ما أنتِ قولتي وابقى معاها وبفكر في غيرها.


ومع جملته الأخيرة ابتسمت، ابتسامة حملت وجعها، وأرفقتها بقول:

معنديش رد يا "حسن"، وشايفة إنه الأحسن الموضوع ده ميتفتحش تاني مهما حصل، احنا للأسف هنفضل مضطرين نشوف بعض علشان اخواتنا، بس ياريت حتى لما ده يحصل ميبقاش في تعامل، كإننا منعرفش بعض.

رأت عبراته العالقة في مقلتيه فاستدارت للجهة الأخرى حتى لا ينهار كل ما قالته، وهزها نبرته وهو يقول:

وأنا مش هقدر أشوفك وأعمل إني معرفكيش يا "مريم" حتى لو أنتِ قدرتي تعملي ده.


أنهى جملته ولم ينتظر رد، صب تركيزه على الطريق أمامه، وترك مساحة للصمت حتى يخيم من جديد على الأجواء وقرر ألا يقطعه مرة ثانية أبدا.


***********************************************


أخيرا تيقن من أنها بخير، كانت في انتظاره، رأت لهفته وقلقه وجاهدت حتى لا تبكي وقبل أن يسأل طمأنته:

أنا كويسة يا "عيسى".


شكر الرجل على استضافته لها، أخذها إلى السيارة ثم عاد له من جديد، لمحته يتحدث معه لكنها لم تكن قادرة على التركيز، أنهكها كل ما حدث، عاد إليها حاملا في يده كيس بلاستيكي وزجاجة مياه، أعطاها الزجاجة، وما إن دخل إلى السيارة حتى مسح على وجهها مقترحا:

تعالي نروح للدكتورة نطمن.


_ والله العظيم أنا كويسة.

طمأنته بابتسامة باهتة فقدتها حين سألها:

طب إيه اللي حصل؟


وحينها رأى دموعها، يتردد حديث "شاكر" في أذنيها، نظرته لها، انخرطت في البكاء، واحتضنها هو محاولا طمأنتها ولكن شهقاتها تتعالى مما جعله يسألها والقلق يفتك به على حالتها هذه:

عملتلك إيه؟


_ يلا نمشي من هنا.

هذا ما طلبته وهي تحاول التوقف عن البكاء، فهز رأسه موافقًا ولم يتأخر عن تنفيذ طلبها، فتح لها زجاجة المياه قائلا:

خدي اشربي.


تناولتها منه وحاولت بالفعل أن تهدأ خاصة وهي ترى نصف تركيزه على الطريق ضائع عليها، لم يمر الكثير حتى استكانت أخيرا، ورافقها النوم، ولم تستيقظ إلا حين وصلا إلى المنزل، صعدا إلى حيث الطابق العلوي الخاص بهما، لم تبدل حتى ملابسها تمددت على الفراش بإنهاك، وجلس هو جوارها، ألقت رأسها على صدره، وأخذ يمسح على خصلاتها، بعد قليل ظنها غفت ولكنه انتبه على صوتها تقول:

أنا شوفته يا "عيسى".


أنصت باهتمام شديد ولم ينطق حتى تكمل باقي حديثها، أعطاها مساحتها، وكان نتيجة هذا أنها أكملت بحرية:

لسه قادر يلعب على خوفي، لو مش خوفي منه، فخوفي عليك.


خانها صوتها وارتجفت نبرتها وهي تخبره:

النهارده جالي فرصة أخلص من كل ده، فرصة هتطمني عليك، بس أنا مقدرتش، وعمري ما هقدر، أنا مش عايزة أخسر حياتي معاك، ومش طالبة كتير والله.


قصت عليه كل شيء منذ مكالمة "بيريهان" حتى فرارها من هناك، لم تر وجهه، كانت تقص عليه وهي تبكي على صدره، سمعت سبه لشاكر حين ذكرت تهديداته لها، وختمت بخوف:

أنا خايفة يعمل فيها حاجة، خايفة يموتــ...


قاطعها "عيسى" قبل أن تكمل جملتها معاتبًا: 

ومكنتيش خايفة على نفسك لما وافقتي تقابليها، وركبتي معاها.


_ "عيسى" أنت مش فاهم، هي صعبت عليا أوي، حتى لما شوفتها كان باين عليها إنها مش كويسة، أنا متخيلتش إنها هتاخدني عنده، وهي بتكلمه هناك شوفت هي قد إيه موجوعة ومصدومة، ومش حاسة حتى هي بتتصرف ازاي.


كل هذا يعرفه وأكثر ومن أجل ذلك حذرها من مقابلتها، أخبرها وهو يعلق على ما قالت:

أنا قولتلك يا "ملك" لو حاولت بأي طريقة توصلك تقوليلي، قامت لما كلمتك من ورايا وطلبت تقابلك وافقتي، أنا عارف على فكرة كل الحاجات اللي بتحكيها عن حالتها دي، وعارف إن ممكن يطلع منها تصرفات زي دي علشان كده نبهتك، والنتيجة إيه؟


تنهدت "ملك" وهو يلقي على مسامعها بقية حديثه بضيق:

مسمعتيش كلامي، وخليتي ال ×××× ده يقولك كلمتين يخلوا حالتك كده 

وأكمل متوعدًا: 

بس ماشي أنا هــ....


لم تجعله يكمل، رأى الرجاء في نظراتها قبل أن تقول:

علشان خاطري لا، مش هتعمله اللي هو عايزه يا "عيسى"، هو عايزك منك ليه، مش هخليك تروحله وأبقى خسرت، أنا ما صدقت إننا بقينا أحسن، وأنت قادر تقلل من أي حاجة كانت بتتعبك قبل كده، بلاش تخوفني في أكتر وقت عايزة أطمن فيه.


يعلم هذا، هز رأسه موافقًا وهو يقول: 

حاضر يا "ملك".


ثم لاحظ ارتجافة كفها التي لم تهدأ فتناوله وأخذ يمسح عليه محاولا تشتيت عقلها عما حدث ونجح في ذلك حين قال بابتسامة:

إيدك بتقول إنك هتجيبي بنت.


طالعته باستغراب وأكمل هو مؤكدًا:

أيوه مش بضحك عليكي، في الخرافات القديمة اللي أنا مبصدقهاش خالص بس لو على مزاجي ممكن أصدقها عادي بيتقال إن اللي إيديها بتفضل ناعمة وقت الحمل يبقى بنسبة كبيرة هتخلف بنت.


_ لا والله والخرافات دي بتقول إيه تاني بقى؟

سألته بابتسامة وجاوبها هو بتسلية:

بتقول برضو إنك لو مطلعة عين جوزك، ومفعلة وضعية بحبك وبعد شوية بكرهك تبقى بنت.


وببراءة علقت على هذا:

الحمد لله مش بعمل كده، وبعدين دي هرمونات حمل ملهاش دعوة.


جاوبها ضاحكًا:

الله وأنا قولتلك مصدقها ما قولنا خرافات.


_ طب كمل.

هكذا طالبته، واستغربت حين وجدته يأخذ مفتاح سيارته من على الطاولة جواره، وقدمه لها قائلا:

امسكي كده.


تناولته منه ولاحظ أنها أمسكته من طرفه المستدير فعلق: 

الله.


سألته وهي لا تفهم سبب قوله هذا وفسر هو:

يعني بيتقال إنك لو مسكتي المفتاح زي ما مسكتيه كده تبقى غالبا بنت، لو من الطرف التاني يبقى ولد.


هزت رأسها نافية وهي تعترض:

لا، أنا مش مصدقة الحاجات دي.


_ هو أنا قولتلك صدقيها، وبعدين خلاص إياك تقوليلي كمل تاني.

حذرها متوعدًا فابتسمت على طريقته وطلبت منه:

طب خلاص كمل علشان خاطري.


لم يستجب في البداية ولكنه خضع في الأخير لإلحاحها فقال والمكر يرافق نبرته:

بيتقال إن البنات بيسرقوا جمال أمهاتهم.


انكمش حاجبيها قبل أن تسأله بحيرة:

وده يعني إيه بقى؟


كان يعلم أن ما سيقوله قادر على إيصال فضولها للذروة ولذلك قاله:

يعني يتقال إنه لو واحدة حامل في بنت، بنتها دي بتاخد جمالها منها طول فترة الحمل، فتلاقي بقى الست بقت يـ.....


لم يكمل بسبها، قاطعته بعدما انتبهت كامل حواسها وأكملت بدلا عنه:

بقت وحشة؟


هز رأسه مؤكدًا، وقد جعل البراءة ترافق نظراته، وجاهد حتى لا يضحك وهو يراها تتجه نحو المرآة تطالع فيها نفسها، ظلت أمامها وكأنها ستنطق حتى قال هو:

مش المراية هي اللي هتحكم.


اقتربت منه وسألته بحدة وقد تركت ما كانت تفعله:

وحضرتك بقى شايف إيه؟


رفع كتفيه وهو يقول:

أنا مش شايف حاجة، أنا قولتلك مبصدقش الحاجات دي.


دفعته فسقط على الفراش، وانطلقت ضحكاته التي حاول لمنعها وهو يسمعها تقول والغيظ يكاد يقتلها:

بس قولت بتصدق اللي على مزاجك.


_رجعت عن كلامي خلاص.

قال هذا وهو يطالعها وقد أراح رأسه على الوسادة، ولكنها لم تسمح بل طالبته:

قوم اتعدل، وقولي أنت شايف إيه؟


من جديد يضحك قبل أن يحاول إخماد ثورتها هذه بقول:

يا بنتي استهدي بالله هشوف إيه؟


_ أنت شايف إني حامل في بنت صح؟، أنت قولت من شوية لما مسكت إيدي كده، يعني أنت شايفني وحشة؟

تساؤلات متتالية جعلته يشفق على حالتها حقًا وبان هذا في قوله:

والله أنتِ غلبانة علشان محدش يصدق اللي أنا قولته ده.


جلست أمامه وهي تريد جواب يرضيها لذلك سألته:

يعني أنت مش مصدق إن البنات بيسرقوا جمال أمهتهم.


اعتدل وهو يجاوبها بابتسامة، وإبهامه يلامس وجهها:

لا طبعا مش مصدق، وحتى لو صدقت

وضع يده حيث يسكن جنينها وتابع:

لو طلعت بنت، هبقى مغفل، علشان شايف قدامي أحلى واحدة، البصة في عينيها بـجمال الدنيا كله يا "ملك".


اتسعت ابتسامتها واحتضنته، ومسد هو على ظهرها قبل أن يقول مازحًا:

بس أنا شاكك برضو إنها بنت، حاسس إن وشك مش نفسه.


دفعته في معدته فعلت ضحكاته وقد هدأ باله أخيرًا حين لاحظ أنها لا ترتجف، رافقتها السكينة وهذا أثمن ما يمكن أن يراه.


***********************************************


هي بمفردها معه بعدما انصرفت "ملك"، كانت "بيريهان" جالسة على أحد المقاعد تطالع الأرضية بصمت لا يمثل الثورة داخلها حتى وجدته يجلس أمامها على الأرضية، خفق فؤاده وهو يرى عينيها الدامعتين، وقال:

مش هتستفيدي حاجه، هتوجعي نفسك بس.


طالعته والتيه يسيطر عليها بينما يكمل هو:

قولتلك إني مستعد أسيب كل حاجة بس تبقي معايا، هاخدك ونسافر.


وأقسم وقد كان صادقًا هذه المرة: 

أقسم بالله لو خيرتيني هختارك أنتِ، مش عايز أكمل من غيرك يا بـ....


صرخت فيه وقد احتدت نظراتها:

أنت عايز كل حاجة، "ملك" هي عقدة حياتك

وهنت نبرتها وهي تقول:

وأنا...

رأى البؤس في عينيها وهي تحاول التنفس قبل أن تسأله:

شايف اللي أنت عملته فيا؟

في راجل يعمل كده في واحدة بيحبها وبيقول إنه مستعد يختارها ومش عايز يكمل غير معاها؟، ده أنت عايز تودي بابا أكتر واحد وقف معاك في داهية ومفكرتش لحظة إن ده هيدمرني، المهم تاخد بيريهان، وتأذي أبوها، وترضي نفسك.


استقامت واقفة وهي تهز رأسها بانهيار رافضة:

مش عايزاه الحب ده

حاول الوقوف أمامها تهدئتها، طلب السماح، وضربته هي في مقتل حين قالت:

ده أنا كنت مستعدة اديك روحي يا "شاكر"، كنت مستعدة أعمل أي حاجة علشانك، بس أنا كنت غبية.


تناولت السلاح من حيث ألقته "ملك" توجهت له به، صوبت فوهته عليه وهي تقول:

عارف أنا ليه غبية يا "شاكر"؟


كان ثابتا، ينظر في عينيها ويعلم أن انهيارها سببه هو، ورغم كل ذلك يريدها أن تعفو، لم تتوقع أبدا أن يقول:

لو ده هيريحك اعمليها يا "بيريهان".


رأى خوفها، اهتزاز ثباتها، ولكنه كرر:

يلا يا "بيريهان" طالما ده مش هيخليكي موجوعة مني اعمليها.


هو يطالبها أن تطلق عليه، وهي لا تسمع ولا ترى أي شيء سوى خذلانها، القهر، والحسرة، عاصفة حملت كل ما يدمرها وقررت ألا تعصف إلا بها، وبان هذا في نبرتها وهي تقول:

هي مقدرتش تخلص عليك علشان عندها حد بتحبه وخايفة تخسر نفسها علشانه، لكن أنا...


ابتسمت بحسرة وهي تخبره:

أنا مش قادرة أعملها علشان حبيتك أنت، علشان لسه رغم كل اللي عملته فيا قلبي مش راضي يصدق، أنا غبية علشان مش قادرة أصدق يا "شاكر"، علشان لسه قادرة أحس إني بحبك رغم كل كرهي ليك وكل اللي عرفته.


اقترب منها، يقسم لها أنه لا يريد سوى الغفران، رقت نبرته وهو يطالبها:

علشان خاطري يا "بيري"، بلاش علشاني على الأقل علشان ابننا، عدي كل حاجة ونبتدي سوا، وأنا هساعدك تنسي.


_ بجد يا "شاكر" هتساعدني انسى؟

هز رأسه مؤكدًا فابتسمت قبل أن تسأله:

أنت مبسوط يا "شاكر" إني حامل؟

عايز البيبي ده؟


أقسم لها حتى يؤكد سعادته بهذا الطفل وأكمل:

أنتِ والعيل ده الحاجة الوحيده اللي ممكن علشانها أسيب كل حاجه، هنسافر سوا، وهيعيش ويتربى وعنده أم حنينة زيك، وهنحاول تاني نخلف، سيبك من أي حد قالك إن مينفعش تخلفي تاني، وحتى لو مخلفناش، كفاية علينا الجاي ده، وإني هيبقى عندي عيل أنتِ أمه.


قطع سيل أماله وطموحاته نبرتها المتألمة:

اه.


حاوطت معدتها بذراعها، وقد سُلِبت أنفاسها فلم تعد قادرة على التنفس، تملك الذعر منه وهو يراها هكذا، وأسرع يحاول مساندتها وهو يسأل:

مالك يا "بيري"؟


ما بها لا يوصف، ألم مميت بان على وجهها وكل إنش بها، ولكن هذه المرة اختارت الألم بإرادتها، من جديد تتأوه وانتبه هو للدماء على الأرضية فتجمد مكانه، لم تعد قادرة على الوقوف، نزلت على الأرضية رغم أنه يساندها واستطاع سماع حديثها الذي قالته بصعوبة شديدة رغم ألمها:

البيبي اللي قولت أنا وهو الحاجة الوحيدة اللي هتخليك تسيب كل حاجة خلاص كده.


رأت في عينيه أنه لا يصدق فأكملت:

مينفعش أنت تبقى أبوه، ولا أنا استاهل أبقى أم، ولا حتى أستاهل أعيش.


تذكرت والوجع يهاجم جسدها الحبوب التي تناولتها قبل ساعة، أخذتها عن عمد وهي تعلم بالنتيجة، اختارت أن تخسر أخر فرصها لتكون أم، وأن يحدث هذا أمام عينيه، كان القرار صعب، هذا الطفل رغم كل شيء زرع فيها الأمل، ولكن الانهيار الذي يتضاعف كل يوم جعلها تختار، اختارت الفقد.


_ لا يا بريهان، لا أنتِ معملتيش كده، قومي معايا.

قال هذا والخوف قد تملك منه، شعور العجز قاتل، كل ما طمح إليه قبل قليل ينهار الآن أمامه، رفضت "بيريهان" المساعدة هذه، بقت على الأرضية تصرخ بألم وهي ترى خسارتها الكبرى، تشعر بسخونة الدماء ولا تتوقف دموعها، تسمع صوته يناديها، يصلها ذعره ولكنها لم تعد قادرة على الرد، استسلمت للألم وأغمضت عينيها ولا تتمنى سوى أن ينتهي كل هذا العذاب، عذابها الذي لم يتسبب فيه إلا أكثر من أحبته وبكل أسف رد الحب بالخذلان.

الفصل المائه والسادس والاربعون من هنا


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1